همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

الثالث : أن تكون عاملة إما رفعا نحو : قائم الزيدان عند من أجازه ، أو نصبا نحو : أمر بمعروف صدقة ، أو جرا نحو : غلام امرأة جاءني ، و «خمس صلوات كتبهن الله» (١) ، ومثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود.

الرابع : أن تكون دعاء نحو : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠](وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١].

الخامس : أن تكون جوابا نحو : درهم في جواب ما عندك؟ أي : درهم عندي ، فيقدر الخبر متأخرا ، ولا يجوز تقديره متقدما ؛ لأن الجواب يسلك به سبيل السؤال ، والمقدم في السؤال هو المبتدأ.

السادس : أن تكون واجبة التصدير كالاستفهام نحو : من عندك؟ والشرط نحو : من يقم أقم معه.

السابع : أن تكون مصغرة نحو : رجيل جاءني ؛ لأنه في معنى رجل صغير.

الثامن : أن تكون مثلا ؛ إذ الأمثال لا تغير نحو : ليس عبد بأخ لك.

التاسع : أن يعطف على سائغ الابتداء نحو : زيد ورجل قائمان ، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) [البقرة : ٢٦٣].

العاشر : أن يعطف عليه ذلك نحو : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، أي : أمثل من غيرهما.

الحادي عشر إلى السابع عشر : أن يقصد به عموم نحو : كل يموت ، أو تعجب نحو :عجب لزيد ، أو إبهام نحو : ما أحسن زيدا ، أو خرق للعادة نحو : شجرة سجدت وبقرة تكلمت ، أو تنويع نحو :

٣٢٤ ـ فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسرّ

__________________

٣٢٤ ـ البيت من المتقارب ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٤٧ ، وتخليص الشواهد ص ١٩٣ ، وحماسة البحتري ص ١٢٣ ، والكتاب ١ / ٨٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٦٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢ / ٧٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٣.

(١) أخرجه النسائي ، كتاب الصلاة ، باب المحافظة على الصلوات الخمس (٤٦١) ، وأبو داود ، كتاب الصلاة ، باب فيمن لم يوتر (١٤٢٠).

٢٤١

أو حصر نحو : شر أهر ذا ناب ، أي : ما أهر ذا ناب إلا شر ، وشيء جاء بك ، أي : ما جاء بك إلا شيء ، أو الحقيقة من حيث هي نحو : رجل خير من امرأة ، وتمرة خير من جرادة.

الثامن عشر إلى الخامس والعشرين : أن يسبقه نفي نحو : ما رجل في الدار أو استفهام نحو : (إِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦١] ، هل رجل في الدار؟ وقصره ابن الحاجب في شرح «وافيته» على الهمزة المعادلة بأم نحو : أرجل في الدار أم امرأة ، قال ابن هشام في «المغني» : وليس كما قال ، أو لو لا نحو :

٣٢٥ ـ لو لا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة

أو واو الحال نحو :

٣٢٦ ـ سرينا ونجم قد أضاء

وفاء الجزاء كقولهم : إن ذهب عير فعير في الرهط وعير القوم سيدهم ، أو إذا الفجائية نحو : خرجت فإذا رجل بالباب ، أو بينا أو بينما نحو

والخبر وهو ظرف أو مجرور أو جملة نحو : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥] ، (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرعد : ٣٨] ، قصدك غلامه رجل ، وإلحاق الجملة في ذلك بالظرف والمجرور ذكره ابن مالك ، قال أبو حيان : ولا أعلم أحدا وافقه ، انتهى.

وقد وافقه عصريه البهاء بن النحاس شيخ أبي حيان في تعليقه على «المقرب».

(ص) مسألة : الأصل تأخير الخبر ، ويجب إن اتحدا عرفا ونكرا ولا بيان في الأصح ، أو كان طلبا أو فعلا ، فلو رفع البارز فالجمهور يقدم ، وثالثها المختار وفاقا لوالدي إن كان جمعا لا مثنى ، أو اقترن بالفاء أو إلا ، أو إنما ، قيل : أو الباء الزائدة ، أو المبتدأ لازم الصدر ، أو دعاء ، أو تلو إما.

__________________

٣٢٥ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١١٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٠٤ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٨ ، وشرح التصريح ١ / ١٧٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١١٥ ، ١ / ٩٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٣.

٣٢٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٩٨ ، وتخليص الشواهد ص ١٩٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٧ ، ٢٠٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٣ ، وشرح ابن عقيل ص ١١٤ ، ١ / ٩٩ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٧١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٤٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٠٩.

٢٤٢

(ش) الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر ؛ لأن المبتدأ محكوم عليه فلا بد من تقديمه ليتحقق ، ويجوز تأخيره حيث لا مانع نحو : قائم زيد ، ويجب التزام الأصل لأسباب :

أحدها : أن يوهم التقديم ابتدائية الخبر بأن يكونا معرفتين أو نكرتين متساويتين ولا قرينة نحو : زيد أخوك وأفضل منك أفضل مني ، فإن كان قرينة جاز التقديم نحو : أبو يوسف أبو حنيفة ، وقوله :

٣٢٧ ـ بنونا بنو أبنائنا

وقوله :

٣٢٨ ـ قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

وأغدر الناس بالجيران وافيها

أي : أكرمها ألأم الأحياء ، ومنهم من أجاز التقديم مطلقا ، ولم يلتفت إلى إيهام الانعكاس ، وقال : الفائدة تحصل للمخاطب سواء قدم الخبر أم أخر ، وقد أجاز ابن السيد في قوله :

٣٢٩ ـ شرّ النّساء البحاتر

أن يكون شر النساء مبتدأ والبحاتر خبره ، وعكسه ، ومنهم من منع التقديم مطلقا ولم يفصل بين ما دل عليه المعنى وغيره.

الثاني : أن يكون الخبر طلبا نحو : زيد اضربه وزيد هلا ضربته.

الثالث والرابع : أن يكون الخبر فعلا نحو : زيد قام ؛ إذ لو قدم لأوهم الفاعلية فلو رفع البارز فأطلق الجمهور جواز تقديمه مطلقا نحو : قاما الزيدان وقاموا الزيدون ، وخصه والدي رحمه‌الله بالجمع ومنعه في المثنى ؛ لبقاء الإلباس على السامع لسقوط الألف لملاقاة الساكن ، ذكر ذلك في حواشيه على ابن المصنف ، ومنع قوم التقديم مطلقا حملا لحالة التثنية والجمع على الإفراد ؛ لأنه الأصل.

__________________

٣٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٢١٧ ، «طبعة الصاوي» ، والخزانة ١ / ٤٤٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٦٦ ، وأوضح المسالك ١ / ١٠٦ ، وتخليص الشواهد ص ١٩٨ ، والحيوان ١ / ٣٤٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٩ ، ٢١٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٧٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦١.

٣٢٨ ـ البيت من البسيط ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٥٦ ، وتخليص الشواهد ص ١٩٨.

٣٢٩ ـ البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٣٦٩ ، واللسان ، مادة (بهتر ، قصر) ، والمعاني الكبير ص ٥٠٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٤١ ، وشرح المفصل ٦ / ٣٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥٠.

٢٤٣

الخامس : أن يقترن الخبر بالفاء نحو : الذي يأتيني فله درهم ؛ لأن الفاء دخلت لشبهه بالجزاء ، والجزاء لا يتقدم على الشرط.

السادس : أن يقترن بإلا أو إنما نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران : ١٤٤] ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) [هود : ١٢] ، وشذ :

٣٣٠ ـ وهل إلّا عليك المعوّل

السابع : أن يكون المبتدأ لازم الصدر كالاستفهام نحو : أيهم أفضل ، والشرط نحو : من يقم أقم معه ، والمضاف إلى أحدهما نحو : غلام أيهم أفضل وغلام من يقم أقم معه ، وضمير الشأن نحو : هو زيد منطلق ، ومدخول لام الابتداء نحو : لزيد قائم.

الثامن : أن يكون المبتدأ دعاء نحو : (سَلامٌ عَلَيْكَ) [مريم : ٤٧] ، وويل لزيد.

التاسع : أن يكون المبتدأ بعد أما نحو : أما زيد فعالم ؛ لأن الفاء لا تلي أما.

العاشر : أن يقع الخبر مؤخرا في مثل نحو : الكلاب على البقر ، وهذه الصورة هي الآتية في قولي : «ويمنع إن قدم مثلا كتأخيره» ، وزاد بعضهم أن يقترن الخبر بالباء الزائدة نحو : ما زيد بقائم على لغة الإهمال.

الأسباب الموجبة لتقديم الخبر

(ص) ويمنع إن قدم مثلا كتأخيره ، أو كان ذا الصدر خلافا للأخفش والمازني ، أو كم الخبرية أو مضافا إلى ذلك ، أو إشارة ظرفا أو مصححا للابتداء بنكرة خلافا للجزولي ، أو دالا على ما يفهم بالتقديم ، ومنه سواء علي أقمت أم قعدت ، على أن مدخول الهمزة مبتدأ ، وقيل : عكسه ، وقيل : فاعل مغن ، وقيل : مفعول وسواء لا خبر له أو مسندا دون أما إلى أن ، خلافا للفراء والأخفش أو إلى مقرون بأداة حصر أو فاء أو ذي ضمير ملابسه ، لا إن أمكن تقديم صاحبه ، ومنع الأخفش في داره زيد ، والكوفية في داره قيام زيد أو عبد زيد ، وقائم أو ضربته زيد ، وقائم أو

__________________

٣٣٠ ـ البيت من الطويل ، وهو للكميت في تخليص الشواهد ص ١٩٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٣٩ ، وشرح التصريح ١ / ١٧٣ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٤ ، وليس في ديوانه ، بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٠٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٩٩ ، ١ / ٢١١ ، وشرح ابن عقيل ص ١٢١ ، ١ / ١٠٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٣.

٢٤٤

قام أبوه زيد ، وزيدا أبوه ضرب أو ضارب ، وأجازهما هشام والكسائي الأخيرة وضربته دون قائم.

(ش) يمنع تأخير الخبر ويجب تقديمه لأسباب :

أحدها : أن يستعمل كذلك في مثل ؛ لأن الأمثال لا تغير كقولهم : في كل واد بنو سعد (١).

الثاني : أن يكون واجب التصدير كالاستفهام نحو : أين زيد وكيف عمرو ، والمضاف إليه نحو : صبح ، أي : يوم السفر.

الثالث : أن يكون كم الخبرية أو مضافا إليها نحو : كم درهم مالك ، وصاحب كم غلام أنت.

الرابع : أن يكون اسم إشارة ظرفا نحو : ثم زيد وهنا عمرو ، وقرئ : (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) [يونس : ٤٦] ، ووجه تقديمه القياس على سائر الإشارات ، فإنك تقول : هذا زيد ، ولا تقول : زيد هذا.

الخامس : أن يكون تقديمه مصححا للابتداء بالنكرة وهو الظرف والمجرور والجملة كما سبق.

السادس : أن يكون دالا على ما يفهم بالتقديم ولا يفهم بالتأخير نحو : لله درك ، فلو أخر لم يفهم منه معنى التعجب الذي يفهم منه التقديم ، ومنه سواء عليّ أقمت أم قعدت ، على أن المعنى سواء علي القيام وعدمه ، فمدخول الهمزة مبتدأ وسواء خبره قدم وجوبا ؛ لأنه لو تأخر لتوهم السامع أن المتكلم مستفهم حقيقة ، وقيل : سواء هو المبتدأ والجملة خبره ، وقيل : هو مبتدأ والجملة فاعل مغن عن الخبر ، والتقدير استوى عندي أقمت أم قعدت ، وقيل : هو مبتدأ لا خبر له والجملة مفعول ب : لا أبالي ، معنيّا ب : سواء ، قاله السهيلي.

السابع : أن يكون الخبر مسندا دون أما إلى أن المفتوحة المشددة وصلتها نحو : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا) [يس : ٤١] ؛ إذ لو أخر لالتبس بالمكسورة ، وجوز الفراء والأخفش تأخيره قياسا على المسند إلى أن المخففة نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، فإن ولي أما جاز التأخير اتفاقا نحو :

__________________

(١) ذكره المفضل الضبي في أمثال العرب ١ / ٥٠.

٢٤٥

٣٣١ ـ عندي اصطبار وأمّا أنّني جزع

يوم النّوى فلوجد كاد يبرينى

الثامن والتاسع والعاشر : أن يكون مسندا إلى مقرون بأداة حصر ؛ لئلا يلتبس نحو : ما في الدار إلا زيد ، وإنما في الدار زيد ، أو إلى مقرون بفاء نحو : أما في الدار فزيد ، أو إلى مشتمل على ضمير ملابسه نحو : في الدار صاحبها ؛ إذ لو أخر عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

حالات جواز تقديم الخبر وتأخيره

وإذا علم ما يجب فيه تأخير الخبر وما يمنع ، علم أن ما عداهما يجوز فيه التقديم والتأخير ، سواء كان الخبر رافعا ضمير المبتدأ ، أو سببيه ، أو ناصبا ضميره ، أو مشتملا عليه ، أو على ضمير ما أضيف إليه ، أو المبتدأ مشتمل على ضمير ملابس الخبر.

فالأول : نحو : قائم زيد.

والثاني : نحو : قائم أبوه زيد أو قام أبوه زيد.

والثالث : نحو : ضربته زيد.

والرابع : نحو : في داره زيد.

والخامس : نحو : في داره قيام زيد ، وفي داره عبد زيد.

والسادس : نحو : زيدا أبوه ضرب ، وزيدا أبوه ضارب ، ومنع الكوفيون تقديم الخبر في غير الرابع ، والمفسر في الأخير إلا هشاما منهم فأجاز الأخير بصورتيه ، ووافقه الكسائي على جواز الصورة الثانية وهي زيدا أبوه ضارب ، دون زيدا أبوه ضرب ، وعضده أبو علي بأن الأصل الإخبار بالمفرد ، والإخبار بالفعل خلاف الأصل ، فكأن المبتدأ بالنسبة إليه أجنبي فلا يفصل به بين الفعل ومنصوبه ، بخلاف اسم الفاعل ، وعضده غيره بأن الخبر إذا كان فعلا لا يجوز تقديمه ، فلا يجوز تقديم معموله بخلاف اسم الفاعل ، وعورض بأن تقديم معمول الفعل أولى ؛ لقوته.

__________________

٣٣١ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢١٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ، ١ / ٢١٣ ، ٤ / ٤١ ، وشرح التصريح ١ / ١٧٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٦١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤١.

٢٤٦

وأجاز الكسائي أيضا التقديم في الثالث ، ومنع الأخفش التقديم في الرابع على أن زيدا مرفوع بالمجرور ، وإنما أجازه الكوفيون ولم يجيزوا قائم زيد وضربته زيد ؛ لأن الضمير في قولك في داره زيد غير معتمد عليه ، ألا ترى أن المقصود في الدار زيد ، وحصل هذا الضمير بالعرض ، واحتج البصريون بالسماع ، حكي تميمي أنا ، ومشنوء من يشنؤك ، وذهب ابن الطراوة إلى جواز زيد أخوك دون قائم زيد ، بناء على مذهب له غريب خارج عن قانون العربية ، وقد أشرت إليه في كتاب «الاقتراح في أصول النحو» وتركته هنا لسخافته.

الحالات التي يجوز فيها حذف المبتدأ والخبر :

(ص) مسألة : يحذف ما علم من مبتدأ أو خبر وحيث صح فيهما ، ففي الأولى قولان ، وفي المحذوف من زيد وعمرو قائم ثالثها التخيير ، ويقل بعد إذا.

(ش) يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر فالأول يكثر في جواب الاستفهام نحو : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ) [القارعة : ١٠ ـ ١١] ، أي : هي نار ، (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢] ، أي : هو النار ، وبعد فاء الجواب (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) [فصلت : ٤٦] ، أي : فعمله لنفسه ، (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] ، أي : فهم إخوانكم ، وبعد القول نحو : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الفرقان : ٥] ، ويقل بعد إذا الفجائية نحو : خرجت فإذا السبع ، ولم يقع في القرآن بعدها إلا ثابتا ، ومنه في غير ذلك (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور : ١] ، (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) [التوبة : ١] ، أي : هذه ، والثاني نحو : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد : ٣٥] ، أي : دائم ، (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : ٥] ، أي : حل لكم.

وإذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرا فأيهما أولى؟ قال الواسطي : الأولى كون المحذوف المبتدأ ؛ لأن الخبر محط الفائدة ، وقال العبدي : الأولى كونه الخبر ؛ لأن التجوز في آخر الجملة أسهل ، نقل القولين ابن أبان ، ومثال المسألة (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] ، أي : شأني صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره.

وإذا جئت بعد مبتدأين بخبر واحد نحو : زيد وعمرو قائم فذهب سيبويه والمازني والمبرد إلى أن المذكور خبر الأول وخبر الثاني محذوف ، وذهب ابن السراج وابن عصفور إلى عكسه ، وقال آخرون : أنت مخير في تقديم أيهما شئت.

٢٤٧

الأسباب الموجبة لحذف المبتدأ

(ص) ويجب في مبتدأ خبره نعت مقطوع لمدح أو ذم أو ترحم ، أو مصدر بدل من اللفظ بفعله ، أو مخصوص نعم ، أو صريح قسم ونحو : من أنت زيد ، ولا سواء ، خلافا للمبرد والسيرافي ، وبعد لا سيما إذا رفعت.

(ش) يجب حذف المبتدأ في مواضع :

أحدها : إذا كان مخبرا عنه بنعت مقطوع لمدح نحو : الحمد لله أهل المدح ، أو ذم نحو : مررت بزيد الفاسق ، أو ترحم نحو : مررت ببكر المسكين ، وإنما التزم فيه الحذف ؛ لأنهم لما قطعوا هذه النعوت إلى النصب التزموا إضمار الناصب أمارة على أنهم قصدوا إنشاء المدح والذم والترحم كما فعلوا في النداء ؛ إذ لو أظهروا لأوهم الإخبار ، وأجرى الرفع مجرى النصب ، أما غير الثلاثة من النعوت فيجوز فيه الحذف والذكر نحو : مررت بزيد الخياط ، أي : هو الخياط.

الثاني : إذا أخبر عنه بمصدر هو بدل من اللفظ بفعله نحو : سمع وطاعة ، أي : أمري سمع ، والأصل في هذا النصب ؛ لأنه جيء به بدلا من اللفظ بفعله ، فلم يجز إظهار ناصبه ؛ لئلا يكون جمعا بين البدل والمبدل منه ، ثم حمل الرفع على النصب فالتزم إضمار المبتدأ.

الثالث : إذا أخبر عنه بمخصوص في باب نعم نحو : نعم الرجل زيد ، أي : هو زيد.

الرابع : إذا أخبر عنه بصريح القسم نحو : في ذمتي لأفعلن ، أي : يميني.

الخامس : قول العرب : من أنت زيد ، أي : مذكورك زيد.

السادس : قولهم : لا سواء حكاه سيبويه ، وتأوله على حذف مبتدأ ، أي : هذان لا سواء ، أو لا هما سواء ، وهو واجب الحذف ؛ لأن المعنى لا يستويان ، وأجاز المبرد والسيرافي إظهاره.

السابع : قولهم لا سيما زيد بالرفع ، أي : لا سيما الذي هو زيد.

الأسباب الموجبة لحذف الخبر

(ص) وخبر بعد لو لا ولو ما ؛ للامتناع ، قال الجمهور : مطلقا ، والمختار وفاقا للرماني وابن الشجري والشلوبين وابن مالك : يجب ذكره إن كان خاصا ولا دليل ،

٢٤٨

وعليه «لو لا قومك حديثو عهد» ومعه يجوز ، وقيل : الخبر الجواب ، وقيل : تاليها رفع بها ، وقيل : بمضمر ، وقدره بعض المتقدمين لو لم يحضر ، ومع قسم صريح لا غيره في الأصح ، وواو مع ، والكوفية سدت عنه ، والجمهور أن منه حسبك ينم الناس ، وضربي زيدا قائما ، وأن المقدر إذا أو إذ كان ، وقيل : ضربه ، وقيل : ثابت ونحوه بعد الحال ، وقيل : يظهر ، وقيل : لا خبر والفاعل مغن ، وقيل : هو قائما وفيها ضميران ، وقيل : لا ، وقيل : سدت عنه ، وقيل : ضربي فاعل مضمر ورفع قائما ضرورة ، وجوزه الأخفش بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون ، وابن مالك مقرونا بواو الحال ويجري مجرى مصدر مضافه ، وفي مؤول ، ثالثها المختار إن أضيف إليه ، وأجرى ابن عصفور كل ما لا حقيقة له في الوجود ، والمختار وفاقا لسيبويه منع وقوع هذه الحال فعلا ، وثالثها مضارعا مرفوعا وتقديمها وتاليها إن كانت من ظاهر ، ورابعها إن تعدى المصدر وتوسطها ومعمولها ، وثالثها إن لم يفصل وجوازها جملة بواو لا دونها ، ورابعها إن عري من ضمير ودخول كان على مصدرها وإتباعه وعلمي بزيد كان قائما على زيادتها ، لا أما ضربتكه فكان حسنا صفة للياء والكاف ، والكناية قبلها وعبد الله وعهدي بزيد قديمين.

(ش) يجب حذف الخبر في مواضع.

أحدها : إذا وقع المبتدأ بعد لو لا الامتناعية ؛ لأنه معلوم بمقتضاها ؛ إذ هي دالة على امتناع لوجود ، فالمدلول على امتناعه هو الجواب ، والمدلول على وجوده هو المبتدأ ، فإذا قيل : لو لا زيد لأكرمت عمرا ، لم يشك في أن المراد وجود زيد منع من إكرام عمرو ، وجاز الحذف لتعين المحذوف ووجب لسد الجواب وحلوله محله ، ثم أطلق الجمهور وجوب الحذف ولحنوا المعري في قوله :

٣٣٢ ـ فلو لا الغمد يمسكه لسالا

وقيده الرماني وابن الشجري والشلوبين وتبعهم ابن مالك بما إذا كان الخبر الكون المطلق ، فلو أريد كون بعينه لا دليل عليه لم يجز الحذف ، فضلا عن أن يجب نحو : لو لا

__________________

٣٣٢ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي العلاء المعري في أوضح المسالك ١ / ٢٢١ ، والجنى الداني ص ٦٠٠ ، ورصف المباني ص ٢٩٥ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٠٢ ، ١ / ٢١٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٢٨ ، ١ / ١٠٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٣ ، والمقرب ١ / ٨٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٨.

٢٤٩

زيد سالمنا ما سلم ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم» (١) ، فإن كان عليه دليل جاز الحذف والإثبات نحو : لو لا أنصار زيد حموه لم ينج ، ومنه بيت المعري السابق ، والجمهور أطلقوا فيه وجوب الحذف بناء على أنه لا يكون بعدها إلا كونا مطلقا ، قال ابن أبي الربيع : أجاز قوم لو لا زيد قائم لأكرمتك ، ولو لا زيد جالس لأكرمتك ، وهذا لم يثبت بالسماع ، والمنقول : لو لا جلوس عمرو ولو لا قيام زيد ، انتهى.

قلت : والظاهر أن الحديث حرفته الرواة بدليل أن في بعض رواياته : «لو لا حدثان قومك» (٢) ، وهذا جار على القاعدة ، وقد بينت في كتاب «أصول النحو» من كلام ابن الضائع وأبي حيان أنه لا يستدل بالحديث على ما خالف القواعد النحوية ؛ لأنه مروي بالمعنى لا بلفظ الرسول ، والأحاديث رواها العجم والمولدون لا من يحسن العربية فأدوها على قدر ألسنتهم ، وك : لو لا فيما ذكر لو ما نبه عليه ابن النحاس في تعليقه على «المقرب» ، وذهب قوم إلى أن الخبر بعد لو لا غير مقدر وأنه الجواب ، وذهب الفراء إلى أن الواقع بعد لو لا ليس مبتدأ ، بل مرفوع بها ؛ لاستغنائه بها كما يرتفع بالفعل الفاعل ، ورد بأنها لو كانت عاملة لكان الجر أولى بها من الرفع ؛ لاختصاصها بالاسم ، وذهب الكسائي إلى أنه مرفوع بفعل بعدها تقديره لو لا وجد زيد أو نحوه ؛ لظهوره في قوله :

٣٣٣ ـ فقلت : بلى لو لا ينازعني شغلي

وذهب جماعة من المتقدمين إلى أنه مرفوع بلو لا لنيابتها مناب فعل تقديره لو لم يوجد ، أو لو لم يحضر.

__________________

٣٣٣ ـ البيت من الطويل ، هو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٨٨ ، والخزانة ١١ / ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٧١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٥٥ ، ٢ / ٣٨٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٦٠٧ ، واللسان ، مادة (عذر) ، والتاج ، مادة (لو لا) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٣٨.

(١) أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب نقض الكعبة وبنائها (١٣٣٣) ، وابن ماجه ، كتاب المناسك باب الطواف بالحجر (٢٩٥٥).

(٢) أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب فضل الكعبة وبنيانها (١٥٨٣) ، ومسلم ، كتاب الحج ، باب نقض الكعبة وبنائها (١٣٣٣).

٢٥٠

الثاني : إذا وقع خبر قسم صريح نحو : لعمرك وأيمن الله وأمانة الله ، وإنما وجب حذفه ؛ لكونه معلوما وقد سد الجواب مسده ، بخلاف غير الصريح فلا يجب حذف خبره ، بل يجوز إثباته نحو : علي عهد الله لأفعلن ؛ لأنه لا يشعر بالقسم حتى يذكر المقسم عليه ، وما تقدم لا يستعمل إلا في القسم ، وقيل : إن أيمن الله ونحوه خبر محذوف المبتدأ ، والتقدير قسمي أيمن الله.

الثالث : إذا وقع بعد واو بمعنى مع نحو : كل رجل وضعيته ، أي : مقترنان ، فالخبر محذوف لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية ، وكان الحذف واجبا ؛ لقيام الواو مقام مع ، ولو جر بمع لكان كلاما تاما ، هذا مذهب البصريين ، وذهب الكوفيون إلى أن الخبر لم يحذف ، وإنما أغنت عنه الواو كإغناء المرفوع بالوصف عنه ، فهو كلام تام لا يحتاج إلى تقدير ، واختاره ابن خروف فإن لم تكن الواو صريحة في المعية بأن احتملت العطف نحو : زيد وعمرو مقرونان جاز الحذف والإثبات.

الرابع : اختلف في قول العرب : حسبك ينم الناس ، فقيل : الضمة في حسبك ضمة بناء وهو اسم سمي به الفعل وبني على الضم ؛ لأنه كان معربا قبل ذلك فحمل على قبل وبعد ، وعلى هذا أبو عمرو بن العلاء ، والجمهور على أنها ضمة إعراب ، فقيل : هو مبتدأ محذوف الخبر ؛ لدلالة المعنى عليه والتقدير : حسبك السكوت تنم الناس ، وقيل : هو مبتدأ لا خبر له ؛ لأن معناه اكفف ، واختاره ابن طاهر.

الخامس : مسألة ضربي زيدا قائما ، وضابطها أن يكون المبتدأ مصدرا عاملا في مفسر صاحب حال بعده ، لا يصلح أن يكون خبرا عنه ، وهذه المسألة طويلة الذيول كثيرة الخلاف وقد أفردتها قديما بتأليف مستقل ، وأقول هنا : اختلف الناس في إعراب هذا المثال فقال قوم : ضربي مرتفع على أنه فاعل فعل مضمر تقديره يقع ضربي زيدا قائما أو ثبت ضربي زيدا قائما ، وضعف بأنه تقدير ما لا دليل على تعيينه ؛ لأنه كما يجوز تقدير ثبت ، يجوز تقدير قل أو عدم ، وما لا يتعين تقديره لا سبيل إلى إضماره.

وقال الجمهور : هو مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وزيدا مفعول به وقائما حال ، ثم اختلفوا هل يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر أو لا؟ فقال قوم : لا خبر له وأن الفاعل أغنى عن الخبر ؛ لأن المصدر هنا واقع موقع الفعل كما في أقائم الزيدان ، والتقدير ضربت زيدا قائما ، وضعف بأنه لو وقع موقع الفعل لصح الاقتصار عليه مع فاعله كالمشبه به.

وقال الكسائي وهشام والفراء وابن كيسان : الحال نفسها هي الخبر ، ثم اختلفوا فقال

٢٥١

الأولان : الحال إذا وقعت خبرا للمصدر كان فيها ضميران مرفوعان أحدهما من صاحب الحال والآخر من المصدر ، وإنما احتيج إلى ذلك ؛ لأن الحال لا بد لها من ضمير يعود على صاحبها ، والخبر لا بد فيه من ضمير يعود على المبتدأ ، وقد جمعت الوضعين فاحتاجت إلى ضميرين ، حتى لو أكدت كرر التوكيد نحو : ضربي زيدا قائما نفسه نفسه.

وقال الفراء : الحال إذا وقعت خبرا للمصدر فلا ضمير فيها من المصدر ؛ لجريانها على صاحبها في إفراده وتثنيته وجمعه ، وتعريها من ضمير المصدر للزومها مذهب الشرط ، والشرط بعد المصدر لا يتحمل ضمير المصدر نحو : ضربي زيدا إن قام ، وجاز نصب قائما ونحوه على الحال عنده وعند الأولين وإن كان خبرا لما لم يكن عين المبتدأ ؛ لأن القائم هو زيد لا الضرب ، فلما كان خلافه انتصب على الخلاف ؛ لأنه عندهم يوجب النصب.

وقال ابن كيسان : إنما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظرف ، فكأنه قيل : ضربي زيدا في حال قيامه.

وضعف قول الكسائي وهشام بأن العامل الواحد لا يعمل رفعا في ظاهرين ، فكذا لا يعمله في ضميرين ، وبأن الحال لو ثني نحو : ضربي أخويك قائمين لم يمكن أن يكون فيه ضميران ؛ لأنه لو كان لكان أحدهما مثنى من حيث عوده على صاحب الحال المثنى ، والآخر مفردا لعوده على المبتدأ المفرد ، وتثنية اسم الفاعل وإفراده إنما هو بحسب ما يرفع من الضمير ، فكان يلزم أن يكون اسم الفاعل مفردا مثنى في حال واحد وهو باطل ، وقول الفراء : إن الشرط بمفرده لا يصلح للخبرية ؛ لأنه لا يفيد ، بل مع الجواب فهو محذوف والضمير محذوف معه ، وقول ابن كيسان بأنه لو جاز ما قدره لجاز مع الجثة أن يقول : زيد قائما ؛ لأنه بمعنى زيد في حال قيام وهو ممنوع إجماعا.

وقال الجمهور بتقدير الخبر ، ثم اختلفوا هل يجوز إظهاره؟ فقيل : نعم ، والجمهور على المنع ، ثم اختلفوا في كيفيته ومكانه فحكى البطليوسي وابن عمرون عن الكوفيين أنهم قدروه ثابت أو موجود بعد قائما ، وضعف بأنه تقدير ما لا دليل في اللفظ عليه فإنه كما يجوز تقدير ثابت يجوز تقدير منفي أو معدوم ، وقال البصريون : تقدر قبل قائما ثم اختلفوا في كيفيته ، فقال الأخفش : تقديره ضربي زيدا ضربه قائما ، واختاره ابن مالك لما فيه من قلة الحذف ، وضعف بأنه لم يقدر زيادة على ما أفاده الأول.

وقال الجمهور : تقديره إذ كان قائما إن أردت الماضي ، وإذا كان قائما إن أردت المستقبل ، فحذف كان وفاعلها ، ثم الظرف ، وجه تقدير الظرف دون غيره بأن الحذف

٢٥٢

توسع والظرف أليق به ، والزمان دون المكان ؛ لأن المبتدأ هنا حدث والزمان أجدر به ، وإذ وإذا دون غيرهما ؛ لاستغراق إذ للماضي وإذا للمستقبل ، وتقدير كان التامة دون غيرها من الأفعال ؛ لاحتياج الظرف والحال إلى عامل ، ودلالتها على الكون المطلق الذي يدل الكلام عليه.

ولم يعتقد في قائما أنه خبر كان المقدرة للزومه التنكير ، وفاعلها ضمير يعود إلى زيد ، وجوز الزمخشري عوده إلى فاعل المصدر وهو الياء.

إذا عرفت ذلك فهنا مسائل : الأولى : لا يجوز رفع الحال المذكورة اختيارا بأن يقال : ضربي زيدا قائم ، إلا إن اضطر إلى ذلك فيرفع لا على أنه خبر ضربي ، بل خبر مبتدأ محذوف والتقدير ضربي زيدا وهو قائم ، والجملة حال سدت مسد الخبر ، وسواء في ذلك المصدر الصريح كالمثال المذكور وغيره ، وجوز الأخفش الرفع بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون نحو : أخطب ما كان أو ما يكون الأمير قائم ، برفعه خبرا عن أخطب ، ووافقه ابن مالك وقال : فيه مجازان أحدهما إضافة أخطب مع أنه من صفات الأعيان إلى ما يكون وهو تأويل الكون ، والثاني الإخبار بقائم مع أنه في الأصل من صفات الأعيان عن أخطب ما يكون مع أنه من المعاني ؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، والحامل على ذلك قصد المبالغة ، وقد فتح بابها بأول الجملة فعضدت بآخرها مرفوعا ، وقال ابن النحاس : وجه ابن الدهان رفع الأخفش قائما بأن جعل أخطب مضافا إلى أحوال محذوفة ، تقديره أخطب أحوال كون الأمير قائم.

الثانية : أصل المسألة أن يكون المبتدأ مصدرا كما تقدم ، ومثله أن يكون مضافا إلى مصدر إضافة بعض لكل ، أو كل لجميع نحو : أكثر شربي السويق ملتوتا ، وكل شربي السويق ملتوتا ، ومعظم كلامي معلما ، وهل يجري ذلك في المصدر المؤول نحو : أن ضربت زيدا قائما ، أو أن تضرب زيدا قائما؟ الجمهور لا ، والكوفيون نعم ، والثالث المنع إن لم يضف إليه كالمثالين المذكورين ، والجواز إن أضيف إليه كأخطب ما يكون الأمير قائما وهذا هو الصحيح ، وبالغ ابن عصفور فأجرى كل ما لا حقيقة له في الوجود مجرى المصدر في ذلك.

الثالثة : في جواز وقوع هذه الحال فعلا أقوال : أحدها وعليه سيبويه والفراء المنع ، والثاني الجواز وعليه الأخفش والكسائي وهشام وابن مالك للسماع ، قال :

٢٥٣

٣٣٤ ـ ورأى عيني الفتى أباكا

يعطى الجزيل فعليك ذاكا

وقال :

٣٣٥ ـ عهدي بها في الحي قد سربلت

بيضاء مثل المهرة الضّامرة

والثالث المنع في المضارع المرفوع ؛ لأن النصب الذي في لفظ المفرد عوض عن التصريح بالشرط والمضارع المرفوع ليس في لفظه ما يكتف مذهب الشرط وعزي للفراء.

الرابعة : في جواز تقديم هذه الحال على المصدر أقوال : أحدها الجواز وعليه البصريون سواء تعدى المصدر أم كان لازما نحو : قائما ضربي زيدا ، وملتوتا شربي السويق ، والثاني المنع وعليه الفراء سواء كانت من ظاهر نحو : مسرعا قيام زيد ، أم مضمر نحو : مسرعا قيامك ، والثالث الجواز إذا كانت من مضمر ، والمنع إذا كانت من ظاهر ، وعليه الكسائي وهشام ، والرابع المنع إن كان المصدر متعديا والجواز إن كان لازما.

وفي توسطها بين المصدر ومفعوله نحو : شربك ملتوتا السويق قولان : أحدهما المنع وعليه الكسائي وهشام والفراء ، وقال أبو حيان : وحكي الجواز عن البصريين ، ولعله لا يصح فإنه مشكل ؛ لأن فيه الفصل بين المصدر ومعموله ، بخلاف تقدمها فليس فيه ذلك ، وفي توسط معمولها بينها وبين المصدر ومعموله نحو : ضربي زيدا فرسا راكبا قولان : أحدهما الجواز وعليه البصريون والكسائي لعدم الفصل بين المصدر ومعموله ، والثاني المنع وعليه الفراء ؛ لأن راكبا لم يرد إلى الاستقبال ، فلا يقدم معموله عليه.

الخامسة : في جواز وقوع هذه الحال جملة اسمية أقوال : أحدها المنع سواء كانت بواو أو بدونها وعليه سيبويه ، والثاني الجواز مطلقا وعليه الكسائي واختاره ابن مالك لورود السماع به في قوله :

٣٣٦ ـ خير اقترابي من المولى حليف رضا

وشرّ بعدي عنه وهو غضبان

__________________

٣٣٤ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨١ ، والكتاب ١ / ١٩١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٧٢ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢١٩.

٣٣٥ ـ البيت من السريع ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٩ ، والإنصاف ٢ / ٧٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٠١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٣ ، وشرح المفصل ٥ / ١٠١ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٥٠ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٠.

٣٣٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٥٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٤ ، ٢١٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٩٣.

٢٥٤

والثالث الجواز ب : واو لا دونها ، وعليه الفراء اقتصارا على مورد السماع.

السادسة : في جواز دخول كان الناقصة على هذا المصدر قولان : أحدهما نعم وعليه السيرافي وابن السراج نحو : كان ضربي زيدا قائما ، والثاني لا وعليه ابن عصفور ؛ لأن تعويض الحال من الخبر إنما يكون بعد حذفه وحذف خبر كان قبيح.

السابعة : في جواز إتباع المصدر المذكور بأن يقال ضربي زيدا الشديد قائما قولان : أحدهما الجواز قياسا وعليه الكسائي وابن مالك ، والثاني المنع ؛ لأن الموضع موضع اختصار ولم يرد به سماع.

الثامنة : في جواز نحو : علمي بزيد كان قائما ، قولان : أحدهما لا وعليه أبو علي ؛ لأن اسم كان حينئذ ضمير علمي ، وعلمي خبر كان من حيث المعنى ، والقائم ليس نفس العلم ولا منزلا منزلته ؛ ولأن الحال حينئذ من الضمير وضمير المصدر لا يعمل ، والثاني نعم على أن كان زائدة.

التاسعة : إذا كنيت عن المصدر الذي سدت الحال مسد خبره قبل ذكر الحال نحو : ضربي زيدا هو قائما فقولان : أحدهما الجواز وعليه البصريون وهو مبتدأ وقائما سد مسد خبره ، والثاني المنع وعليه الفراء.

العاشرة : أجازوا أما ضربيك فكان حسنا ، على أن حسنا صفة للضرب ، ومنعها الفراء على أنه صفة للياء والكاف.

الحادية عشرة : أجاز الكسائي وهشام عبد الله وعهدي بزيد قديمين ، على تقدير العهد لعبد الله وزيد قديمين ، فقدم عبد الله ورفع بما بعده وثنى قديمين ؛ لأنه لعبد الله وزيد ، وكان خبرا للعهد كما يكون الحال خبرا لمصدر ، ومنع ذلك الفراء ، وقال أبو حيان : وقياس البصريين يقتضي المنع.

(ص) وإن ولي معطوفا بواو على مبتدأ فعل لأحدهما واقع على الآخر جاز ، وقد يغني مضاف إليه المبتدأ عن معطوف فيطابقهما الخبر ويمنع تقديمه خلافا لمن منعهما.

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : اختلف : هل يجوز أن يؤتى بمبتدأ ومعطوف عليه بواو ، وبعده فعل

٢٥٥

لأحدهما واقع على الآخر نحو : عبد الله والريح يباريها؟ فقيل : لا ؛ لأن يباريها خبر عن أحدهما فيلزم بقاء الآخر بلا خبر ، وقيل : نعم واختاره ابن الأنباري وابن مالك ، واستدلا على صحته بقول الشاعر :

٣٣٧ ـ واعلم بأنّك والمني

ية شارب بعقارها

ثم اختلف في توجيه ذلك ، فوجهه من أجازه من البصريين على أن الخبر محذوف والتقدير عبد الله والريح يجريان يباريها ، ويباريها في موضع نصب على الحال واستغنى بها عن الخبر ؛ لدلالتها عليه ، ووجهه من أجازه من الكوفيين على أن المعنى يتباريان ولم يقدروا محذوفا ؛ إذ من باراك فقد باريته ، ولو كان العطف بالفاء أو بثم لم تصح المسألة إجماعا ، ولو حذف العاطف صحت المسألة إجماعا.

الثانية : هل يجوز أن يؤتى بمبتدأ مضاف ، ويخبر عنه بخبر مطابق للمضاف وللمضاف إليه من غير عطف ، كقولهم : راكب الناقة طليحان؟ قولان : أحدهما لا وعليه أكثر البصريين ، والثاني نعم وعليه الكسائي وهشام ، وجزم به ابن مالك على أن التقدير راكب الناقة والناقة طليحان ، فحذف المعطوف لوضوح المعنى ، وجوز بعضهم أن يكون على حذف مضاف ، أي : راكب الناقة أحد طليحين ، ومثله غلام زيد ضربتهما ، وعلى هذا لا يجوز تقديم الخبر بأن يقال : الطليحان راكب الناقة ؛ إذ لم يقم دليل سابق على تثنية الخبر والمرفوع المخبر عنه واحد.

تعدد الخبر

(ص) ويتعدد الخبر بعطف وغيره ، وثالثها إن لم يختلفا بالإفراد والجملة ، ورابعها إن اتحدا معنى ك : حلو حامض ، والأصح في نحوه المرفوع منع العطف والتقدم ، وثالثها تقدم أحدهما وعلى منع التعدد الأسبق أولى ، والباقي صفة ، وقيل : خبر مقدر.

(ش) اختلف في جواز تعدد الخبر لمبتدأ واحد على أقوال : أحدها وهو الأصح وعليه الجمهور الجواز كما في النعوت سواء اقترن بعاطف أم لا ، فالأول كقولك : زيد فقيه وشاعر وكاتب ، والثاني : كقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٤ ـ ١٦] ، وقول الشاعر :

__________________

٣٣٧ ـ البيت من مجزوء الكامل ، وهو بلا نسبة في حاشية ياسين ١ / ١٨١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤١١.

٢٥٦

٣٣٨ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي

والقول الثاني : المنع واختاره ابن عصفور وكثير من المغاربة ، وعلى هذا فما ورد من ذلك جعل فيه الأول خبرا والباقي صفة للخبر ، ومنهم من يجعله خبر مبتدأ مقدر.

والقول الثالث : الجواز إن اتحدا في الإفراد والجملة ، فالأول كما تقدم ، والثاني نحو : زيد أبوه قائم أخوه خارج ، والمنع إن كان أحدهما مفردا والآخر جملة.

والرابع : قصر الجواز على ما كان المعنى منهما واحدا نحو : الرمان حلو حامض ، أي : مز ، وزيد أعسر أيسر ، أي : أضبط وهو الذي يعمل بكلتا يديه ، وهذا النوع يتعين فيه ترك العطف ؛ لأن مجموع الخبرين فيه بمنزلة واحد ، وجوز أبو علي استعماله بالعطف كغيره من الأخبار المتعددة فيقال : هذا حلو وحامض ، قال صاحب «البديع» : ولا يجوز الفصل بين هذين الخبرين ولا تقديمهما على المبتدأ عند الأكثرين ولا تقديم أحدهما وتأخير الآخر ، وأجازه بعضهم ، انتهى.

ومن ذلك يتحصل في التقديم ثلاثة أقوال كما حكيتها في المتن.

تعدد مبتدآت متوالية :

(ص) وتتوالى مبتدآت فيخبر عن أحدها ويجعل مع خبره خبر متلوه وهكذا ، ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوه أو يجاء آخرا بالروابط عكسا ، والمختار خلافا للنحاة منعه في الموصولات.

(ش) إذا تعددت مبتدآت متوالية فلك في الإخبار عنها طريقان : أحدهما أن تجعل الروابط في المبتدآت فيخبر عن آخرها وتجعله مع خبره خبرا لما قبله ، وهكذا إلى أن تخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده ، ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوه ، مثاله : زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم ، والمعنى : أبو أخي خال عم زيد قائم ، والآخر أن تجعل الروابط في الأخبار فيؤتى بعد خبر الأخير بهاء آخر الأول وتال لمتلوه ، مثاله : زيد هند الأخوان

__________________

٣٣٨ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٦١ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٧٢٥ ، وتخليص الشواهد ص ٢١٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٦ ، ٢٢٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٣٢ ، ١ / ١٠٩ ، وشرح المفصل ١ / ٩٩ ، والكتاب ٢ / ٨٤ ، واللسان ، مادة (بتت ، قيظ ، صيف ، شتا) ، والتاج مادة (قيظ ، شتا) ، وأساس البلاغة ، مادة (صيف) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٦.

٢٥٧

الزيدون ضاربوهما عندها بإذنه ، والمعنى : الزيدون ضاربو الأخوين عند هند بإذن زيد ، قال أبو حيان : وهذا المثال ونحوه مما وضعه النحويون للاختبار والتمرين ولا يوجد مثله في كلام العرب ألبتة ، قال : ومثله من الموصول الذي التي اللتان أبوها أبوهما أختها أخوك أخته زيد ، وقال ابن الخباز : العرب لا تدخل موصولا على موصول ، وإنما ذلك من وضع النحويين وهي مشكلة جدا ، انتهى. ولهذا اخترت عدم جريان ذلك فيه.

جواز دخول الفاء على الخبر :

(ص) مسألة : تدخل الفاء في الخبر جوازا بعد مبتدأ تضمن شرطا ك : أل موصولة بمستقبل عام ، خلافا لسيبويه ، أو غيرها موصولا بظرف أو فعل يقبل الشرطية ، خلافا لمن أطلق أو جوز الماضي أو المصدر بشرط أو الاسمية ، أو منع إن أكد أو وصف أو نكرة عامة موصوفة بذلك ، وخصه ابن الحاج ب : كل ، وشرط نفي أو استفهام أو مضاف إليها مشعر بمجازاة ، أو موصوف بالموصول على الأصح ، أو مضاف إليه ، وقلّ في خبر كل مضافة إلى غير ذلك ، وجوزه الأخفش في كل خبر والفراء إن تضمن طلبا.

(ش) لما كان الخبر مرتبطا بالمبتدأ ارتباط المحكوم به بالمحكوم عليه لم يحتج إلى حرف رابط بينهما ، كما لم يحتج الفعل والفاعل إلى ذلك ، فكان الأصل ألا تدخل الفاء على شيء من خبر المبتدأ ، لكنه لما لحظ في بعض الأخبار معنى ما يدخل الفاء فيه دخلت وهو الشرط والجزاء ، والمعنى الملاحظ أن يقصد أن الخبر مستحق بالصلة أو الصفة ، وأن يقصد به العموم ، ودخولها على ضربين : واجب وهو بعد أما كما سيأتي في أواخر الكتاب الثالث ، وجائز وذلك في صور :

إحداها : أن يكون المبتدأ أل الموصولة بمستقبل عام نحو : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) [النور : ٢] ، (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا) [المائدة : ٣٨] ، وهذا ما جزم به ابن مالك ، ونقل عن الكوفيين والمبرد والزجاج ، وذهب سيبويه وجمهور البصريين إلى منع دخول الفاء في هذه الصورة ، وخرجوا الآيتين ونحوهما على حذف الخبر ، أي : فيما يتلى عليكم الزانية ، أي : حكم ذلك.

الثانية : أن يكون المبتدأ غير أل من الموصولات وصلته ظرف أو مجرور ، أو جملة تصلح للشرطية وهي الفعلية غير الماضية ، وغير المصدرة بأداة شرط ، أو حرف استقبال كالسين وسوف ولن ، أو بقد ، أو ما النافية ، مثال الظرف قوله :

٢٥٨

٣٣٩ ـ ما لدى الحازم اللّبيب معارا

فمصون وما له قد يضيع

ومثال المجرور قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ، ومثال الجملة قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ، ويدل على أن ما موصولة سقوط الفاء في قراءة نافع وابن عامر ، ولا يجوز دخول الفاء والصلة غير ما ذكر ، وجوز ابن الحاج دخولها والصلة جملة اسمية نحو : الذي هو يأتيني فله درهم ، وجوز بعضهم دخولها والصلة جملة فعلية مصدرة بشرط نحو : الذي إن يأتني أكرمه فهو مكرم ، حكاه في «البسيط» عن بعض شيوخه ، ورد بأن الفاء إنما دخلت لشبه المبتدأ بالشرط وهو هنا منتف ؛ لأن اسم الشرط لا يجوز دخوله على أداة الشرط ، وجوز بعضهم دخولها والصلة فعل ماض نحو : الذي زارنا أمس فله كذا ، واستدل بقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٦٦] ، (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) [الحشر : ٦] ، وأوله المانعون على معنى التبيين ، أي : وما يتبين إصابته إياكم وهو بعيد ، وجوز بعضهم دخولها والصلة فعل مطلقا وإن لم يقبل الشرطية حكاه ابن عصفور ، فأجاز نحو : الذي ما يأتيني فله درهم ، وإن لم يجز دخول أداة الشرط على ما النافية ؛ لأن هذا ليس شرطا حقيقة وإنما هو مشبه به ، ورد بأنه غير محفوظ من كلام العرب وإذا لم يسمع من كلامها أمكن أن يكون امتنعت من إجازة ذلك ، لما ذكر من أن الصلة إذ ذاك لا تشبه فعل الشرط ، ومنع هشام دخول الفاء مع استيفاء الشروط إذا أكد الموصول أو وصف ؛ لذهاب معنى الجزاء بذلك ، وأيد بأن ذلك لا يحفظ من كلام العرب.

الثالثة : أن يكون المبتدأ نكرة عامة موصوفة بأحد الثلاثة أعني الظروف والمجرور والفعل الصالح للشرطية ، نحو : رجل عنده حزم فهو سعيد ، وعبد للكريم فما يضيع ، ونفس تسعى في تجارتها فلن تخيب ، وخص ابن الحاج ذلك ب : كل ، والصحيح التعميم.

الرابعة : أن يكون المبتدأ مضافا إلى النكرة المذكورة وهو مشعر بمجازاة كقوله :

٣٤٠ ـ وكلّ خير لديه فهو مسؤول

الخامسة : أن يكون المبتدأ معرفة موصوفة بالموصول نحو : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ

__________________

٣٣٩ ـ البيت من الخفيف ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى.

٣٤٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لعبدة بن الطبيب في ديوانه ص ٧٥ ، والمفضليات ص ١٤٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٤.

٢٥٩

اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) [النور : ٦٠] ، ومنع بعضهم دخول الفاء في هذه الصورة ؛ لأن المخبر عنه ليس بمشبه لاسم الشرط ؛ لأن اسم الشرط لا يقع بعده إلا الفعل والاسم الموصوف بالذي ليس كذلك ، وأول الآية على أن اللاتي مبتدأ ثان والفاء داخل في خبره ؛ لأنه موصول وهو وخبره خبر الأول.

السادسة : أن يكون المبتدأ مضافا إلى الموصول نحو : غلام الذي يأتيني فله درهم ، ومنه قوله :

٣٤١ ـ وكلّ الذي حمّلته فهو حامل

وقيل : دخول الفاء في حيز كل مضافة إلى غير ذلك إما إلى غير موصوف كقولهم : كل نعمة فمن الله ، أو إلى موصوف بغير ما ذكر كقوله :

٣٤٢ ـ كلّ امرئ مباعد أو مدان

فمنوط بحكمة المتعالي

وجوز الأخفش دخولها في كل خبر نحو : زيد فمنطلق ، واستدل له بقوله :

٣٤٣ ـ وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وقوله :

٣٤٤ ـ أنت فانظر لأيّ ذاك تصير

والجمهور أولوا ذلك على أن خولان خبر هو محذوف ، وأنت فاعل بمقدر فسره

__________________

٣٤١ ـ البيت لزينب بنت الطثرية في اللسان ، مادة (عذر) ، والحماسة البصرية ١ / ٢٢٣ ، ولهما أو لزينب أو لأم يزيد بن الطثرية أو لوحشية الجرمية في الأغاني ٨ / ١٧٤ ، ولها أو للعجير السلولي في اللسان ، مادة (بأدل) ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٠٥.

٣٤٢ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٧ ، ومغني اللغبيب ٢ / ٤٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٤٧.

٣٤٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأزهية ص ٢٤٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٦٣ ، والجنى الداني ص ٧١ ، والخزانة ١ / ٣١٥ ، ٤٥٥ ، ٤ / ٣٦٩ ، ٨ / ١٩ ، ١١ / ٣٦٧ ، والرد على النحاة ص ١٠٤ ، ورصف المباني ص ٣٨٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤١٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٩ ، ٢ / ٧٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٨٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٨٩.

٣٤٤ ـ البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص ٨٤ ، والجنى الداني ص ٧١ ، والرد على النحاة ص ١٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤١٤ ، ٤١٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦٩ ، والكتاب ١ / ١٤٠ ، واللسان ، مادة (منن) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٣٦٢ ، والخزانة ١ / ٣١٥ ، والخصائص ١ / ١٣٢ ، ومغني اللبيب ١ / ١٦٦ ، وسيعاد البيت برقم ١٥٢٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٩٥.

٢٦٠