همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

(ش) في القول وما تصرف منه استعمالات :

أحدها : أن يحكى به الجمل نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠] ، (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) [المائدة : ٨٣] ، (قُولُوا آمَنَّا) [البقرة : ١٣٦] ، (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً) [الرعد : ٥] الآية ، (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨] ،

مقول لديهم : لا زكا مال ذي بخل

والأصل أن يحكى لفظ الجملة كما سمع ، ويجوز أن يحكى على المعنى بإجماع ، فإذا قال زيد : عمرو منطلق ، فلك أن تقول : قال زيد : عمرو منطلق ، أو المنطلق عمرو ، فإن كانت الجملة ملحونة حكيت على المعنى بإجماع فتقول في قول زيد : عمرو قائم بالجر ، قال زيد : عمرو قائم بالرفع ، وهل تجوز الحكاية على اللفظ؟ قولان صحح ابن عصفور المنع قال : لأنهم إذا جوزوا المعنى في المعربة فينبغي أن يلتزم في الملحونة ، وإذا حكيت كلام متكلم عن نفسه نحو : انطلقت فلك أن تحكيه بلفظه ، فتقول : قال فلان : انطلقت ، ولك أن تقول : قال فلان : انطلق ، أو إنه انطلق ، وهو منطلق.

وهل يلحق بالقول في ذلك معناه كناديت وجعوت وقرأت ووصيت وأوحى؟ قولان : أحدهما نعم وعليه الكوفيون نحو : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] ، (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠] ، بالكسر (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ١٣] ، قرأت : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ، واختاره ابن عصفور وابن الصائغ وأبو حيان ؛ لسلامته من الإضمار.

والثاني لا ، وعليه البصريون وقالوا : الجمل بعد ما ذكر محكية بقول مضمر ؛ للتصريح به في (نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِ) [مريم : ٣ ـ ٤] ، (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِ) [هود : ٤٥] ، (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى) [الأعراف : ٤٨] ، واختاره ابن مالك.

الثاني : أن ينصب المفرد وهو نوعان :

أحدهما : المؤدي معنى الجملة كالحديث والشعر والخطبة ، كقلت حديثا وشعرا وخطبة ، ونصبه على المفعول به ؛ لأنه اسم الجملة ، والجملة إذا حكيت في موضع المفعول به فكذا ما بمعناها ، وقيل : على أنه نعت مصدر محذوف ، أي : قولا.

٣٨١

الثاني : المراد به مجرد اللفظ وهو الذي لا يكون اسما للجملة نحو : قلت كلمة ، هذا ما ذهب إليه الزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن مالك ، وجعلوا منه (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) [الأنبياء : ٦٠] ، أي : يقول له الناس إبراهيم ، أي : يطلقون عليه هذا الاسم ، وذهب جماعة منهم ابن عصفور إلى أنه لا ينصب بالقول ، بل يحكى ، أما المفرد غير ما ذكر فليس فيه إلا الحكاية على تقدير متم الجملة كقوله :

٦١٢ ـ إذا ذقت فاها قلت : طعم مدامة

أي : طعمه طعم مدامة ، وقد يضاف لفظ قول ولفظ قائل إلى الكلام المحكي ، كما يضاف سائر المصادر والصفات كقوله :

٦١٣ ـ قول يا للرّجال ينهض منّا

مسرعين الكهول والشّبّانا

وقوله :

٦١٤ ـ وأجبت قائل : كيف أنت بصالح

وقد يغني القول عن المحكيّ به بأن يحذف لظهوره كقوله :

٦١٥ ـ لنحن الألى قلتم فأنّى ملئتم

برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا

أي : قلتم نقاتلهم ، وقد يحذف القول دون المحكي به وهو كثير حتى قال : ومنه (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] ، أي : فيقال لهم : أكفرتم.

الثالث : أن يعمل عمل ظن فينصب المفعولين وذلك في لغة بني سليم مطلقا يقولون :قلت زيدا قائما من غير اعتبار شرط من الشروط الآتية ، واختلف هل يعملونه باقيا على معناه أو لا يعملونه حتى يضمن معنى الظن؟ على قولين اختار ثانيهما ابن جني ، وعلى الأول الأعلم وابن خروف وصاحب «البسيط» ، واستدلوا بقوله :

__________________

٦١٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١١٠ ، وبلا نسبة في اللسان (تجر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٩٠.

٦١٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٢٣٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٢٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٦٠.

٦١٤ ـ البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٢٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٠٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٤.

٦١٥ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٤٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣.

٣٨٢

٦١٦ ـ قالت وكنت رجلا فطينا

يحملن أمّ قاسم وقاسما

إذ ليس المعنى على ظننت ، وفي لغة جمهور العرب شروط : تقدم استفهام بالهمزة أو بغيرها من الأدوات ، واتصاله به ، وكونه فعلا مضارعا لمخاطب كقوله :

٦١٧ ـ متى تقول القلص الرّواسما

يحملن أمّ قاسم وقاسما

وقوله :

٦١٨ ـ علام تقول الرّمح يثقل عاتقي

وحكى الكسائي : أتقول للعميان عقلا ، أي : تظن ، فإن فقد شرط مما ذكر تعينت الحكاية بأن لا يتقدم استفهام أو يفصل بينه وبينه ، نعم يستثنى الفصل بالظرف والمعمول مفعولا أو حالا كقوله :

٦١٩ ـ أبعد بعد تقول الدار جامعة

شملي بهم أم تقول البعد محتوما

وقوله :

٦٢٠ ـ أجهّالا تقول بني لؤيّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا

__________________

٦١٦ ـ الرجز لأعرابي في المقاصد النحوية ٢ / ٤٢٥ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٥٦ ، والسمط ص ٦٨١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٥٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٩ ، واللسان والتاج مادة (فطن ، ينن) ، والمعاني الكبير ص ٦٤٦ ، وجمهرة اللغة ص ٢٩٣ ، والمخصص ١٣ / ٢٨٢ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٧٦ ، وفي نسخة (هذا لعمرو الله) بدلا من (هذا ورب البيت).

٦١٧ ـ البيت من الرجز لهدبة بن الخشرم في ديوانه ص ١٣٠ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٦ ، والخزانة ٩ / ٣٣٦ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٩٥ ، واللسان والتاج (قول ، فغم) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٦٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٨٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٢٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٥٤.

٦١٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ٧٢ ، والخزانة ٢ / ٤٣٦ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٣ ، واللسان (قول) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٣٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٧٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٤ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٦.

٦١٩ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٧٧ ، وتخليص الشواهد ص ٤٥٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٨٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٩ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٢ ، والمقاصد ٢ / ٤٣٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٣٨.

٦٢٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للكميت بن زيد في الخزانة ٩ / ١٨٣ ، ١٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٣ ، وشرح المفصل ٧ / ٧٩ ، ٨٧ ، والكتاب ١ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٢٩ ، ـ

٣٨٣

ونحو : أفي الدار تقول زيدا ، وأ محمدا تقول هندا واصلة ، قال أبو حيان : وكذا معمول المعمول نحو : أهندا تقول زيدا ضاربا ، وقيل : لا يضر الفصل مطلقا ولو بأجنبي نحو : أأنت تقول زيدا منطلقا ، وعليه الكوفيون وأكثر البصريين ما عدا سيبويه والأخفش ، وكذا تتعين الحكاية في غير المضارع والمضارع لغير المخاطب ، وذهب السيرافي إلى جواز إعمال الماضي بشروط المضارع ، وذهب الكوفيون إلى جواز إعمال الأمر بشروطه أيضا ، وذكر ابن مالك لإعمال المضارع شرطا خامسا وهو أن يكون للحال لا للاستقبال ، وأنكره أبو حيان وقال : لم يذكره غيره ، وشرط السهيلي ألا يعدى الفعل باللام نحو : أتقول لزيد عمرو منطلق ؛ لأنه حينئذ يبعد عن معنى الظن ؛ لأن الظن من فعل القلب وهذا قول مسموع.

وإذا اجتمعت الشروط فالإعمال جائز لا واجب ، فتجوز الحكاية أيضا مراعاة للأصل نحو : أتقول زيد منطلق ، وكذا إعماله مطلقا في لغة بني سليم جائز لا واجب.

همزة التعدية :

(ص) مسألة : تدخل الهمزة على علم ورأى فتنصب ثلاثة : أولها الفاعل ، وحكم الثاني والثالث باق ، ومنع الأكثر التعليق ، وقوم الإلغاء ، وثالثها إن لم يبن للمفعول.

(ش) تدخل الهمزة المسماة بهمزة النقل وهمزة التعدية على علم ورأى المتعديين لمفعولين فتعديهما إلى ثلاثة مفاعيل ، أولها الذي كان فاعلا وذلك أقصى ما يتعدى إليه الفعل من المفعول به نحو : أعلمت زيدا عمرا قادما ، وأرأيت زيدا عمرا كريما ، وللثاني والثالث من هذه المفاعيل ما كان لهما في باب علم ورأى من جواز الإلغاء والتعليق وغيرهما ، ومنع قوم الإلغاء والتعليق هنا سواء بنيت للفاعل أم للمفعول وعليه ابن القواس وابن أبي الربيع ؛ لأن مبنى الكلام عليهما ، ولا يجيء بعد ما مضى الكلام على الابتداء ، ومنعهما آخرون إن بنيت للفاعل وعليه الجزولي لما فيه من إعمالها في المفعول الأول وإلغائها بالنسبة إلى الأخيرين ، وذلك تناقض ؛ لأنه حكم بقوة وضعف معا ، بخلاف ما إذا بنيت للمفعول به ، ومنع آخرون التعليق دون الإلغاء وعليه الأكثرون ، ومنع قوم إلغاء أعلم دون أرى وعليه الشلوبين ؛ لأن أعلم مؤثر فلا يلغى ، كما لا تلغى الأفعال المؤثرة ، وأرى

__________________

ـ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٧٨ ، وتلخيص الشواهد ص ٤٥٧ ، والخزانة ٢ / ٤٣٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٩.

٣٨٤

بمعنى أظن فوافقه في الإلغاء كما وافقه في المعنى ، ورد بأن أعلم وعلم أيضا متوافقان في المعنى فيلزم تساويهما في الإلغاء وقد ورد السماع بإلغائهما ، حكي : البركة أعلمنا الله مع الأكابر ، وقال الشاعر :

٦٢١ ـ وأنت أراني الله أمنع عاصم

واستدل ابن مالك للتعليق بقوله تعالى : (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ٧] الآية ، وقول الشاعر :

٦٢٢ ـ حذار فقد نبّئت إنّك للّذي

ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى

جواز حذف هذه المفاعيل الثلاثة أو بعضها :

(ص) وحذفها وأحدها لدليل جائز ، وأما دونه فمنع سيبويه وابن الباذش وابن طاهر حذف الأول والاقتصار عليه ، وجوز الأكثر حذف الأول دونهما أو هما دونه ، والشلوبين حذفه دونهما ، والجرمي عكسه.

(ش) يجوز حذف هذه المفاعيل الثلاثة وبعضها لدليل كقولك لمن قال : أأعلمت زيدا بكرا قائما؟ : أعلمت ، وأما الاقتصار وهو الحذف لغير دليل ففيه مذاهب :

أحدها : وعليه الأكثر منهم المبرد وابن كيسان ورجحه ابن مالك وخطاب يجوز حذف الأول بشرط ذكر الآخرين ، أو الآخرين بشرط ذكر الأول ، كقولك : أعلمت كبشك سمينا بحذف المعلم ، أو أعلمت زيدا بحذف الثاني والثالث ، إن لم يخل الكلام من فائدة بذكر المعلم به في الصورة الأولى والمعلم في الثانية.

الثاني : وعليه سيبويه وابن الباذش وابن طاهر وابن خروف وابن عصفور لا يجوز حذف الأول ولا الاقتصار عليه وحذف الآخرين ، بل لا بد من الثلاثة ؛ لأن الأول كالفاعل فلا يحذف ، والآخران كهما في باب ظن ، وقد منع هؤلاء حذفهما فيه اقتصارا.

الثالث : وعليه الشلوبين يجوز حذف الأول فقط مع ذكر الآخرين نحو : أعلمت

__________________

٦٢١ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٦ ، ٣ / ٣٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٧٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٧.

٦٢٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٨١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٨٥.

٣٨٥

كبشك سمينا ، ولا يجوز حذف الآخرين دون الأول ، ولا حذف الثلاثة ، ولا حذف الأول وأحد الآخرين ، ولا حذف أحد الآخرين فقط.

الرابع : وعليه الجرمي واختاره ابن القواس يجوز حذف الآخرين فقط ؛ لأنهما في حكم مفعولي ظن دون الأول ؛ لأنه في حكم الفاعل.

الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة :

(ص) وألحق سيبويه بأعلم نبأ ، واللخمي أنبأ وعرف وأشعر وأدرى ، والفراء خبر وأخبر ، والكوفية والمتأخرون حدث ، والأخفش وابن السراج أظن وأحسب وأخال وأزعم وأوجد ، وابن مالك وقوم أرى الحلمية ، والحريري علم ، والجرجاني استعطى ، وبعضهم أكسى.

(ش) المجمع على تعديته إلى ثلاثة أعلم وأرى ، وزاد سيبويه نبأ كقوله :

٦٢٣ ـ ونبّئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير أهل اليمن

وزاد ابن هشام اللخمي أنبأ وعرف وأشعر وأدرى ، وزاد الفراء في «معانيه» خبّر بالتشديد كقوله :

٦٢٤ ـ وخبّرت سوداء القلوب مريضة

وقوله :

٦٢٥ ـ وما عليك إذا خبّرتني دنفا

__________________

٦٢٣ ـ البيت من المتقارب ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٤٦٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، ومجالس ثعلب ص ٤١٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٦٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٤ ، وشرح عمدة الحفاظ ص ٢٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٧.

٦٢٤ ـ البيت من الطويل ، وهو للعوام بن عقبة (أو عتبة) في شرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٢ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٦٧ ، والخزانة ١١ / ٣٦٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤١٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٣٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٢٤.

٦٢٥ ـ البيت من البسيط ، وهو لرجل من بني كلاب في شرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٣ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٦٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٢٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤٠.

٣٨٦

وزاد الكوفيون حدث ، وتبعهم المتأخرون كالزمخشري وابن مالك ، وقال أبو حيان : وأكثر أصحابنا كقوله :

٦٢٦ ـ فمن حدّثتموه له علينا العلاء

وزاد الحريري في شرح «اللمحة» علم المنقولة بالتضعيف قال أبو حيان : ولم توجد في لسان العرب متعدية إلى ثلاثة ، وزاد ابن مالك أرى الحلمية كقوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٣] ، وزاد الأخفش وابن السراج أظن وأحسب وأخال وأزعم وأوجد قياسا على أعلم وأرى ، ولم يسمع ، وزاد الجرجاني استعطى ، وزاد بعضهم أكسى ، فبلغت أفعال الباب تسعة عشر ، والجمهور منعوا ذلك وأولوا المستشهد به على التضمين ، أو حذف حرف الجر أو الحال.

(ص) وما بني للمفعول فكظن.

(ش) ما بني للمفعول من أفعال هذا الباب صار كظن ، فما جاز في ظن جاز فيه ، قال ابن مالك : إلا الاقتصار على المرفوع فإنه غير جائز في ظن ؛ لعدم الفائدة جائز هنا لحصول الفائدة ، وقد تقدم الخلاف في ذلك في البابين ، فأغنى عن التصريح باستثباته.

الفاعل :

(ص) الفاعل ونائبه ، الفاعل : المفرغ له عامل على جهة وقوعه منه أو قيامه به.

(ش) لما كان الكلام ينعقد من مبتدأ وخبر ، وينشأ عنه نواسخ ، ومن فعل وفاعل ، وينشأ عنه النائب عن الفاعل انحصرت العمد في ذلك ، وقد تم الكلام على النوع الأول بما ينشأ عنه ، وهذا هو النوع الثاني فالفاعل ما أسند إليه عامل مفرغ على جهة وقوعه منه أو قيامه به ، فالعامل يشمل الفعل نحو : قام زيد وما ضمن معناه كالمصدر واسم الفاعل والصفة المشبهة ، والأمثلة واسم الفعل والظرف والمجرور ، والمفرغ يخرج نحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] ، وقولنا : على جهة وقوعه منه كضرب زيد ، وقيامه به كمات زيد.

__________________

٦٢٦ ـ البيت من الخفيف ، وهو للحارث بن حلزة في ديوانه ص ٢٧ ، وتخليص الشواهد ص ٤٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٦٩ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٨٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٦ ، والمعاني الكبير ص ١٠١١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٦٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨.

٣٨٧

رافع الفاعل :

(ص) وزعم هشام رافعه الإسناد ، وقوم شبهه للمبتدأ وخلف معنى الفاعلية ، وقوم إحداثه الفعل ، والكسائي كونه داخلا في الوصف ، ونصب المفعول بخروجه ، والجمهور يجب تأخيره وذكره ، ويحذف مع عامله أو فاعل المصدر ، أو فعل الاثنين أو الجماعة المؤكد ، ويقدر في نحو : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) [يوسف : ٣٥] ، وقد يجر ب : من أو الباء الزائدة ، ويغلب في كفى ، قال ابن الزبير : إن كانت بمعنى حسب.

(ش) فيه مسائل :

الأولى : في رافع الفاعل أقوال :

أحدها : وعليه الجمهور أنه العامل المسند إليه من فعل ، أو ما ضمّن معناه كما فهم من الحد ؛ لأنه طالب له.

الثاني : أن رافعه الإسناد ، أي : النسبة فيكون العامل معنويا ، وعليه هشام ، ورد بأنه لا يعدل إلى جعل العامل معنويا إلا عند تعذر اللفظي الصالح وهو هنا موجود.

الثالث : شبهه بالمبتدأ من حيث إنه يخبر عنه بفعله كما يخبر عن المبتدأ بالخبر ، ورد بأن الشبه معنوي ، والمعاني لم يستقر لها عمل في الأسماء.

الرابع : كونه فاعلا في المعنى وعليه خلف كما نقله أبو حيان ، ورد بقولهم : مات زيد ، وما قام عمرو.

الخامس : ذهب قوم من الكوفيين إلى أنه يرتفع بإحداثه الفعل ، كذا نقله ابن عمرون ، ونقل عن خلف أن العامل فيه معنى الفاعلية.

الثانية : الصحيح وعليه البصريون أنه يجب تأخير الفاعل عن عامله ، وجوز الكوفية تقديمه نحو : زيد قام مستدلين بنحو قوله :

٦٢٧ ـ ما للجمال مشيها وئيدا

__________________

٦٢٧ ـ الرجز للزّباء في اللسان والتاج (أود ، صرف ، زهق) ، وأوضح المسالك ٢ / ٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٧٤٢ ، ١٢٣٧ ، والخزانة ٧ / ٢٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ١٧٩ ، وعمدة الحفاظ (صرف) ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٨١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٨ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٤.

٣٨٨

أي : وئيد مشيها ، وتأوله البصريون على الابتداء وإضمار الخبر الناصب وئيدا ، أي :ظهر أو ثبت ، وثمرة الخلاف تظهر في نحو : الزيدان أو الزيدون قام.

الثالثة : الصحيح أيضا وعليه البصريون أنه يجب ذكر الفاعل ولا يجوز حذفه ، وفرقوا بينه وبين خبر المبتدأ بأنه كالصلة في عدم تأثره بعامل متلوه ، وكالمضاف إليه فإنه يعتمد البيان ، وكعجز المركب في الامتزاج بمتلوه ، ولزوم تأخيره ، والخبر مباين للثلاثة وهو معتمد الفائدة لا معتمد البيان ، وبأن من الفاعل ما يستتر فلو حذف لالتبس الحذف بالاستتار بخلاف الخبر.

وذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل لدليل كالمبتدأ والخبر ، ورجحه السهيلي وابن مضاء ، ويستثنى على الأول صور يجوز فيها الحذف :

أحدها : مع رافعه تبعا له كقولك : زيدا لمن قال : من أكرم؟ والتقدير : أكرم زيدا ، فحذف الفاعل مع الفعل.

ثانيها : فاعل المصدر يجوز حذفه نحو : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد ١٤ ـ ١٥].

ثالثها : فاعل فعل المؤنث أو الجماعة المؤكد بالنون نحو : (لَتُبْلَوُنَ) [آل عمران : ١٨٦] ، (فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم : ٢٦] ، فإن ضمير المخاطبة والجمع حذف ؛ لالتقاء الساكنين.

فإن قلت : قد ورد ما ظاهره الحذف في غير هذه المواضع المذكورة نحو : قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) [يوسف : ٣٥] ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (١).

فالجواب : إن الفاعل فيه ضمير مقدر راجع إلى ما دل عليه الفعل ، وهو البداء في الآية لدلالة بدا ، والشارب في الحديث ؛ لدلالة يشرب ، ويقاس بذلك ما أشبهه.

الرابعة : قد يجر الفاعل من الزائدة نحو : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) [الأنبياء : ٢] ، أي :ذكر ، أو الباء الزائدة نحو : (وَكَفى بِاللهِ) [النساء : ٦] ، والمحل في الصورتين رفع فيجوز الإتباع بالرفع والجر ، مراعاة للمحل واللفظ ، وغلبت زيادة الباء في فاعل كفى نحو : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥].

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب المظالم والغصب ، باب النهي بغير إذن صاحبه (٢٤٧٥).

٣٨٩

تجرد عامل الفعل :

(ص) ويجرد عامله إن كان ظاهرا من علامة تثنية وجمع ، إلا في لغة أكلوني البراغيث ، وقيل : هو خبر مقدم ، وقيل : الثاني بدل.

(ش) إذا أسند الفعل إلى الفاعل الظاهر فالمشهور تجريده من علامة التثنية والجمع نحو : قام الزيدان وقام الزيدون وقامت الهندات ، ومن العرب من يلحقه الألف والواو والنون على أنها حروف دوال كتاء التأنيث لا ضمائر ، وهذه اللغة يسميها النحويون لغة :

أكلوني البراغيث ، ومنها قوله :

٦٢٨ ـ وقد أسلماه مبعد وحميم

وقوله :

٦٢٩ ـ يلومونني في اشتراء النّخي

ل أهلي فكلّهم ألوم

وقوله :

٦٣٠ ـ نتج الرّبيع محاسنا

ألقحنها غرّ السحائب

وقوله :

٦٣١ ـ بحوران يعصرن السّليط أقاربه

__________________

٦٢٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ١٩٦ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٤ ، ٧٩٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٠٦ ، والجنى الداني ص ١٧٥ ، وجواهر الأدب ص ١٠٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٩٠.

٦٢٩ ـ البيت من المتقارب ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٦٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٧ ، ٧ / ٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٦٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٩.

٦٣٠ ـ البيت من مجزوء الكامل ، وهو لأبي فراس الحمداني في ديوانه ٢٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٠٢ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٨.

٦٣١ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤٦ ، والاشتقاق ص ٢٤٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٤ ، والخزانة ٥ / ١٦٣ ، ٥ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٧ / ٣٤٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩١ ، ـ

٣٩٠

ومن النحويين من جعلها ضمائر ، ثم اختلفوا فقيل : ما بعدها بدل منها ، وقيل : مبتدأ والجملة السابقة خبر ، والصحيح الأول ؛ لنقل الأئمة أنها لغة وعزيت لطيّئ وأزد شنوءة ، وكان ابن مالك يسميها لغة : «يتعاقبون فيكم ملائكة» (١) ، وهو مردود كما بينته في «أصول النحو» وغيره.

حذف عامل الفاعل :

(ص) ويحذف لقرينة كأن يجاب به نفي أو استفهام ، ولا يقاس ليبك يزيد ضارع ، وقيل : يجوز إن أمن ، وجوز قوم زيد عمرا ، أي : ليضرب لدليل.

(ش) يجوز حذف عامل الفاعل لقرينة كأن يجاب به نفي أو استفهام ك : زيد في جواب ما قام أحد؟ أو من قام؟ ، ومما حذف فيه لعدم اللبس قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] ، على قراءة بناء يسبح للمفعول ؛ إذ التقدير : يسبحه رجال ؛ لدلالة يسبح عليه ، ومثله قول الشاعر :

٦٣٢ ـ ليبك يزيد ، ضارع لخصومة

أي : يبكيه ضارع ، واختلف في القياس على ذلك فمنعه الجمهور ، وجوزه الجرمي وابن جني وابن مالك حيث لم يلتبس الفاعل بالنائب عنه ، فلو قيل : يوعظ في المسجد رجال ، على معنى يعظ رجال ، لم يجز ؛ لصلاحية إسناد يوعظ إليهم ، بخلاف يوعظ في المسجد رجال يزيد ، فإنه يجوز ؛ لعدم اللبس ، وأجاز بعض النحويين زيد عمرا بمعنى ليضرب زيد عمرا إذا كان ثمّ دليل على إضمار الفعل ولم يلبس ، ومنع ذلك سيبويه وإن لم يلبس ؛ لأن إضمار فعل الغائب هو على طريق التبليغ ، وإضماره يستدعي إضمار فعل آخر ؛ لأن المعنى قل له ليضرب فكثر الإضمار.

__________________

ـ وشرح شواهد الإيضاح ٣٣٦ ، ٦٢٦ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٩ ، ٧ / ٧ ، والكتاب ٢ / ٤٠ ، واللسان مادة (سلط ، دوف) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٦٣.

٦٣٢ ـ البيت من الطويل وهو لضرار بن نهشل في معاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، وللحارث بن نهيك في الخزانة ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٨٨ ، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ، ولنهشل بن صرى في الخزانة ١ / ٣٠٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٦٥.

(١) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر (٥٥٥) ، ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر ... (٦٣٢).

٣٩١

الفصل بين الفعل وفاعله :

(ص) مسألة : الأصل أن يلي فعله وقد يفصل بمفعول لا إن ألبس ، خلافا لابن الحاج في مقدر الإعراب ، أو كان ضميرا غير محصور ، ويجب إن كان المفعول ضميرا ويؤخر ما حصر منهما بإنما وكذا إلا ، خلافا للكسائي مطلقا ، وللفراء وابن الأنباري في حصر الفاعل ، وحكم المتصل بضمير مر.

(ش) الأصل أن يلي الفاعل الفعل ؛ لأنه منزل منه منزلة الجزء ، ويجوز الفصل بينهما بالمفعول نحو : ضرب عمرا زيد ، ويجب البقاء على الأصل إذا حصل لبس كأن يخفى الإعراب ولا قرينة نحو : ضرب موسى عيسى ؛ إذ لا دليل حينئذ على تعين الفاعل من المفعول ، وهذا ما نص عليه ابن السراج والجزولي والمتأخرون ، ونازعهم في ذلك أبو العباس بن الحاج في نقده على «المقرب» بأن سيبويه لم يذكر في «كتابه» شيئا من هذه الأغراض الواهية ، وبأن في العربية أحكاما كثيرة إذا حدثت ظهر منها لبس ، ثم لا يقال بامتناعها كتصغير عمر وعمرو ، فإن اللفظ بهما واحد ولم يمنع ذلك تصغيرهما أو تصغير أحدهما ، مع أن من المقاصد المعروفة بين العقلاء إجمال ما يتخاطبون به لما لهم في ذلك من غرض ، فلا يبعد لذلك جواز ضرب موسى عيسى ؛ لإفادة ضرب أحدهما الآخر من غير تعيينه ، انتهى.

فإن كان قرينة أو لفظية جاز وفاقا نحو : أكل الكمثرى موسى ، وأضنت سعدى الحمى ، وضربت موسى سعدى ، وضرب موسى العاقل عيسى ، ويجب البقاء على الأصل أيضا إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور نحو : ضربت زيدا وأكرمتك ؛ لأن الفصل يؤدي إلى انفصال الضمير مع إمكان اتصاله ، ويجب الخروج عن الأصل إذا كان المفعول ضميرا والفاعل ظاهرا لما ذكر نحو : ضربني زيد.

ويجب تأخير المحصور فاعلا كان أو مفعولا ، ظاهرا أو ضميرا محصورا بإنما إجماعا خوف الإلباس ، وكذا بإلا على الأصح إجراء لها مجرى إنما نحو : إنما ضرب عمرا زيد ، أي : لا ضارب له غيره ، وقد يكون لزيد مضروب آخر وإنما ضرب زيد عمرا ، أي : لا مضروب له غيره وقد يكون لعمرو ضارب آخر ، وكذا إنما ضرب زيدا أنا ، وإنما ضربت زيدا ، أو إياك ، وما ضرب عمرا إلا زيد ، وما ضرب زيد إلا عمرا ، وما ضرب زيد إلا أنا ، وما ضربت إلا زيدا ، أو إلا إياك ، وأجاز الكسائي تقديم المحصور بإلا فاعلا كان أو مفعولا ؛ لأمن اللبس فيه بخلاف إنما ، ومنه قوله :

٣٩٢

٦٣٣ ـ فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها

وقوله :

٦٣٤ ـ ولمّا أبى إلّا جماحا فؤاده

وقوله :

٦٣٥ ـ فلم يدر إلّا الله ما هيّجت لنا

وقوله :

٦٣٦ ـ ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم

وأجاز الفراء وابن الأنباري تأخير الفاعل إن حصر المفعول ، ومنعا تقديمه إن حصر هو ؛ لأن الفاعل إذا تأخر في اللفظ كان في نية التقديم ، فحصل للمحصور فيه تأخير من وجه وهو النية ، بخلاف ما إذا كان هو المحصور وقدم ، فإنه يكون في رتبته فلم يحصل للمحصور فيه تأخير بوجه ، وأما التقديم والتأخير لاتصال الفاعل بضمير المفعول أو عكسه فقد مر في مبحث الضمير ، فأغنى عن إعادته هنا.

نائب الفاعل :

(ص) مسألة : يحذف لغرض كعلم وجهل وضعة ورفعة وخوف وإيهام ووزن

__________________

٦٣٣ ـ البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٩٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٢٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٥٣ ، الشطر الثاني في نسخة (فما زادني إلا غراما كلامها).

٦٣٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لدعبل الخزاعي في ملحق ديوانه ، ص ٣٤٩ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٠ ، وللحسين بن مصير في ديوانه ص ١٨٢ ، وسمط اللآلي ص ٥٠٢ ، ولابن الدمينة في ديوانه ص ٩٤ ، وللمجنون في ديوانه ص ١٨١ ، وبلا نسبة في أمالي القالي ١ / ٢٢٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٩.

٦٣٥ ـ البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٩٩٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٣١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٣ ، والمقرب ١ / ٥٥ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٩٥.

٦٣٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٢٩ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨٧ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣٥ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٨٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٢.

٣٩٣

وسجع وإيجاز ، فينوب عنه المفعول به فيما له ويقام الثاني من باب أعطى ؛ إذ لا لبس ، ومنعه قوم ، وثالثها إن كان نكرة والأول معرفة ، ورابعها قبيح ، وظن وأعلم ، خلافا لقوم إن أمن أو لم يكن جملة ولا ظرفا ، قيل : ولا نكرة ، والأول أولى لا ثاني اختار ، وثالث أعلم على الصحيح فيهما.

(ش) قد يترك الفاعل لغرض لفظي أو معنوي كالعلم به نحو : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) [البقرة : ٢١٦] ؛ للعلم بأن فاعل ذلك هو الله ، أو للجهل به كسرق المتاع ، أو تعظيم فيصان اسمه عن أن يقترن باسم المفعول كقوله : «من بلي منكم بهذه القاذورات» (١) ، أو تحقيره فيصان اسم المفعول عن مقارنته كقولك : أوذي فلان إذا عظم ، أو حقر من آذاه ، أو خوف منه ، أو خوف عليه فيستر ذكره ، أو قصد إبهامه بأن لا يتعلق مراد المتكلم بتعينه نحو : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) [البقرة : ١٩٦] ، (وَإِذا حُيِّيتُمْ) [النساء : ٨٦] ، (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) [المجادلة : ١١] ، أو إقامة وزن الشعر كقوله :

٦٣٧ ـ وإذا شربت فإنّني مستهلك

مالي وعرضي وافر لم يكلم

وإصلاح السجع نحو : من طابت سريرته حمدت سيرته ، أو قصد الإيجاز نحو : (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) [الحج : ٦٠] ، فينوب عنه المفعول به فيما له من رفع وعمديّة ووجوب تأخير وامتناع حذف ، وينزل منزلة الجزء.

فإن كان الفعل مما يتعدى لأكثر من واحد فإن كان من باب أعطى ففي إقامة المفعول الثاني عن الفاعل دون الأول الأقوال : أصحها وعليه الجمهور الجواز إذا أمن اللبس نحو : أعطي درهم زيدا ، والأحسن إقامة الأول ، والمنع إذا لم يؤمن ويتعين الأول نحو : أعطي زيد عمرا ؛ إذ لا يدري لو أقيم الثاني هل هو آخذ أو مأخوذ.

والثاني : المنع مطلقا.

والثالث : المنع إن كان نكرة والأول معرفة ؛ لأن المعرفة بالرفع أولى قياسا على باب كان ، وعزاه أبو ذر الخشني للفارسي.

__________________

٦٣٧ ـ البيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ص ٢٠٦ ، والأغاني ٩ / ٢١٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٠١ ، ٢٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٤٥.

(١) أخرجه مالك ، كتاب الحدود ، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا (١٥٦٢).

٣٩٤

والرابع : أنه قبيح حينئذ ، أي : إذا كان نكرة والأول معرفة ، فإن كان معرفة كالأول كانا في الحسن سواء ، وعزي للكوفيين.

وإن كان من باب ظن أو أعلم ففيه أيضا أقوال : أحدها : الجواز إذا أمن اللبس ولم يكن جملة ولا ظرفا ، مع أن الأحسن إقامة الأول نحو : ظنت طالعة الشمس ، وأعلم زيدا كبشك سمينا ، والمنع إن ألبس نحو : ظن صديقك زيدا ، أو أعلم بشرا زيد قائما ، أو كان جملة أو ظرفا نحو : ظن في الدار زيدا ، وظن زيدا أبوه قائم ، وأعلم زيدا غلامك في الدار ، وأعلم زيدا غلامك أخوه سائر ، وهذا ما صححه طلحة وابن عصفور وابن مالك.

والثاني : المنع مطلقا وتعين الأول ؛ لأنه مبتدأ في الأصل وهو أشبه بالفاعل فكان بالنيابة عنه أولى ، وهذا ما اختاره الجزولي والخضراوي.

والثالث : الجواز بالشروط السابقة ، وبشرط ألا يكون نكرة فلا يجوز ظن قائم زيدا ، قال أبو حيان : فإن عدم المفعول الأول ونصبت الجملة فمقتضى مذهب الكوفيين الجواز نحو : أعلم أيهم أخوك ، وصرح به السيرافي والنحاس ، ومنعه الفارسي.

وإن كان من باب اختار ففيه قولان أصحهما كما قال أبو حيان تعين الأول وهو ما تعدى إليه بنفسه ، وعليه الجمهور ، وامتناع إقامة الثاني نحو : اختير زيد الرجال وبه ورد السماع قال :

٦٣٨ ـ ومنّا الذي اختير الرّجال سماحة

وجوز الفراء وابن مالك إقامة الثاني نحو : اختير الرجال زيدا ، وأشار أبو حيان إلى أن الخلاف مبني على الخلاف في إقامة المجرور بالحرف مع وجود المفعول به الصريح ؛ لأن الثاني هنا على تقدير حرف الجر ، وأما الثالث من باب أعلم فلا يجوز إقامته ، وقال الخضراوي وابن أبي الربيع بالاتفاق ، لكن قال أبو حيان : ذكر صاحب «المخترع» جوازه ، وعن بعضهم بشرط ألا يلبس نحو : أعلم زيدا كبشك سمين ، وهو مقتضى كلام «التسهيل» ، وجزم به ابن هشام في «الجامع».

__________________

٦٣٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤١٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٣١ ، والخزانة ٩ / ١١٣ ، ٥ / ١١٥ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١ ، والكتاب ١ / ٣٩ ، واللسان مادة (خير) ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٨ / ٥١ ، والمقتضب ٤ / ٣٣٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٢٤.

٣٩٥

إقامة غير المفعول به مع وجوده :

(ص) فإن فقد قال الكوفية والأخفش أولا ، قيل : أو تأخر فمصدر متصرف لا لتوكيد ، ولو مضمرا دل عليه غير العامل ، قيل : أو هو لا صفته ، خلافا للكوفية ، أو ظرف مختص متصرف وفي غيره ومقدر وصفته خلف ، أو مجرور بزائد وكذا غيره ، وقال هشام : النائب ضمير مبهم ، والفراء : الحرف ، وابن درستويه والسهيلي والرندي : ضمير المصدر ، فعلى الأصح لا يقدم ، والجمهور : لا يقام مفعول له وتمييز ويخير في مصدر وغيره ، وقدمه ابن عصفور وابن معط المجرور ، وأبو حيان : المكان وهو المختار ، وينصب غير النائب بتعدية ، وقيل : بالأصل.

(ش) اختلف هل تجوز إقامة غير المفعول به مع وجوده على قولين : أحدهما : لا وعليه البصريون ؛ لأنه شريك الفاعل ، والثاني : نعم وعليه الكوفيون والأخفش وابن مالك ؛ لوروده قرأ أبو جعفر (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] ، وقرأ عاصم نجي المؤمنين [الأنبياء : ٨٨] ، أي : النجاء ، وقال الشاعر :

٦٣٩ ـ لسبّ بذلك الجرو الكلابا

وقال :

٦٤٠ ـ لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا

قال أبو حيان : ونقل الدهان أن الأخفش شرط في جواز ذلك تأخر المفعول به في اللفظ ، فإن تقدم على المصدر أو الظرف لم يجز إلا إقامة المفعول به ، قال ابن قاسم:فالمذاهب على هذا ثلاثة ، فإن جوزناه أولا ولكن فقد المفعول به جاز إقامة غيره من مصدر أو ظرف أو مجرور ، وشرط المصدر أن يكون متصرفا بخلاف سبحان الله ومعاذ الله ؛ لالتزام العرب فيه النصب ، وألا يكون للتأكيد بخلافه في قام زيد قياما ؛ لعدم الفائدة ؛ إذ المفهوم منه حينئذ غير المفهوم من الفعل وسواء في الجواز الملفوظ به نحو : سير سير شديد ، والمضمر الذي دل عليه غير الفعل العامل نحو : بلى سير لمن قال : ما

__________________

٦٣٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في الخزانة ١ / ٣٣٧ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٣٩٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥.

٦٤٠ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٥٠ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٤ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٢٥٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٣.

٣٩٦

سير سير شديد ، فالنائب ضمير في سير مدلول عليه بغير سير ، وهو القول المذكور ، فإن كان مدلولا عليه بالفعل كقولك : جلس وضرب وأنت تريد هو ، أي : جلوس وضرب لم يجز ، قال أبو حيان : وفي كلام ابن طاهر إشعار بجوازه ، ولا يجوز إقامة وصف المصدر مقام المصدر الموصوف ، فلا يقال في سير سير حثيث : سير حثيث ، بل يجب نصبه ، وأجازه الكوفيون وشرط الظرف أن يكون مختصا بخلاف غيره ، فلا يقال في سرت وقتا وجلست مكانا : سير وقت وجلس مكان ؛ لعدم الفائدة ، ويجوز سير وقت صعب وجلس مكان بعيد.

وأن يكون متصرفا بخلاف ما لزم الظرفية كسحر وثم وعند ؛ لأن نيابته عن الفاعل تخرجه عن الظرفية ، وأجاز الكوفيون والأخفش نيابة غير المتصرف نحو : سير عليه سحر وجلس عندك ، ولا يجوز أيضا نيابة الظرف المنوي وجوزه ابن السراج كالمصدر ، وفي نيابة صفة الظرف الخلاف في نيابة صفة المصدر ، فالبصريون على المنع ، والكوفيون على الجواز ، وأما المجرور فإن جر بحرف زائد فلا خلاف في إقامته وأنه في محل رفع نحو : أحد في قولك : ما ضرب من أحد.

فإن جر بغيره فاختلف على أقوال أحدها : وعليه الجمهور أن المجرور في محل رفع وهو النائب نحو : سير بزيد ، كما لو كان الجار زائدا ، والثاني : وعليه هشام أن النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل ، وجعل ضميرا مبهما ليتحمل ما يدل عليه الفعل من مصدر أو ظرف مكان أو زمان ؛ إذ لا دليل على تعيين أحدها.

والثالث : وعليه الفراء النائب حرف الجر وحده وأنه في موضع رفع ، كما أن الفعل في زيد يقوم في موضع رفع ، قال أبو حيان : وهذا مبني على الخلاف في قولهم : مر زيد بعمرو ، فمذهب البصريين أن المجرور في موضع نصب ، فإذا بني للمفعول كان في موضع رفع ، ومذهب الفراء أن حرف الجر في موضع نصب فلذا ادعى أنه إذا بني للمفعول كان في موضع رفع.

والرابع : وعليه ابن درستويه والسهيلي والرندي أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل ، والتقدير : سير هو ، أي : السير ؛ لأنه لو كان المجرور هو النائب لقيل : سيرت بهند وجلست في الدار ، ولكان إذا قدم يصير مبتدأ كما هو شأن الفاعل ، وذلك لا يتصور في المجرور ، ورد بأن العرب تصرح معه بالمصدر المنصوب نحو : سير

٣٩٧

بزيد سيرا ، فدل على أنه النائب ، وأجيب عن ترك التأنيث بأنه نظير كفى بهند فاضلة فإنها فاعل قطعا ولا يؤنث كفى ، وعن امتناع المبتدأ بوجود المانع وهو العامل اللفظي.

ويتفرع على هذا الخلاف جواز تقديمه نحو : بزيد سير فعلى الأصح لا يجوز ، وكذا على الثالث ، وعلى الرابع يجوز وبه صرح السهيلي وابن أصبغ ، وكذا على الثاني قال أبو حيان : ولم يذهب أحد إلى أن الجار والمجرور معا النائب ، فيكونان في موضع رفع ، وإذا اجتمعت هذه الثلاثة المصدر والظرف والمجرور فأنت مخير في إقامة ما شئت هذا مذهب البصريين ، وقيل : يختار إقامة المصدر نحو : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، وعليه ابن عصفور ، وقيل : يختار إقامة المجرور وعليه ابن معط ، وقيل : يختار إقامة ظرف المكان ، وعليه أبو حيان ووجهه بأن المجرور في إقامته خلاف والمصدر في الفعل دلالة عليه ، فلم يكن في إقامته كبير فائدة وكذا ظرف الزمان ؛ لأن الفعل يدل على الحدث والزمان معا بجوهره بخلاف المكان فإنما يدل عليه دلالة لزوم كدلالته على المفعول به فهو أشبه به من المذكورات فكان أولى بالإقامة.

وإذا اقتضى الفعل مفعولين أو ثلاثة أقيم أحدها ونصب الباقي بتعدي الفعل المبني للمفعول إليه عند سيبويه والجمهور ، وقيل : لا ينتصب به وإنما هو منصوب بفعل الفاعل لما بني الفعل للمفعول في أعطيت زيدا درهما بقي درهما منصوبا على أصله بفعل الفاعل ، واختاره الزمخشري ، وذهب الفراء وابن كيسان إلى أنه منصوب بفعل مقدر ، أي : وقبل أو أخذ ، وذهب الزجاجي إلى أنه انتصب على أنه خبر ما لم يسم فاعله كما في كان زيد قائما ، ولا تجوز نيابة المفعول له إذا كان منصوبا باتفاق ، وفي المجرور بحرف قولان أحدهما لا بناء على أن المجرور لا يقام ؛ ولأنه بيان لعلة الشيء ، وذلك لا يكون إلا بعد ثبوت الفعل بمرفوعه ، وهذا ما صححه الفارسي وابن جني ، وقيل : يجوز بناء على جواز إقامة المجرور.

ولا يجوز أيضا إقامة التمييز ، وجوزه الكسائي وهشام فيقال في امتلأت الدار رجالا : امتلئ رجال ، وحكي : خذه مطيوبة به نفسي ، قال أبو حيان : لا يقام في هذا الباب مفعول له ولا مفعول معه ولا حال ولا تمييز ؛ لأنها لا يتسع فيها بخلاف المصدر والظرف.

(ص) ويقام في كان قيل ضمير المصدر ، وقيل : ظرف أو مجرور معمول ، وعليهما يحذف جزءاها ، وجوز الفراء إقامة الخبر المفرد ، وكين يقام ، وجعل يفعل فارغا ، والكسائي بنية المجهول ، وفي اللازم ضمير مصدر أو مجهول أو فارغ أقوال.

٣٩٨

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : إذا جوزنا بناء كان للمفعول فقد اختلف فيما يقام مقام المرفوع فقيل : ضمير مصدرها ، ويحذف الاسم والخبر ، وعليه السيرافي وابن خروف ، وقيل : ظرف أو مجرور معمول لها بناء على أنها تعمل فيهما ، ويحذف الاسم والخبر أيضا وعليه ابن عصفور ، وجوز الفراء إقامة الخبر المفرد نحو : كين قائم في كان زيد قائما ، وجوز أيضا إقامة الفعل في كان زيد يقوم أو قام ، فيقال : كين يقام أو قيم ، ولا يقدر في الفعل شيء.

وجوزه أيضا في جعل من باب المقاربة فيقال : جعل يفعل ، كذلك من غير تقدير في الفعل ، ووافقه الكسائي في البابين إلا أنه يقدر في الفعل ضمير المجهول والبصريون على المنع مطلقا.

الثانية : إذا بني الفعل اللازم للمفعول ففي النائب أقوال أحدها ضمير المصدر كجلس ، أي : الجلوس وعليه الزجاجي وابن السيد ، قال أبو حيان : ويجعل فيه اختصاص ، أي : الجلوس المعهود ، الثاني : ضمير المجهول وعليه الكسائي وهشام ؛ لأنه لما حذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد ما يعمل فيه المصدر أو الوقت أو المكان ، فلم يعلم أيها المقصود فأضمر ضمير مجهول.

الثالث : أنه فارغ لا ضمير فيه وعليه الفراء.

(ص) مسألة : لا يكون الفاعل ونائبه جملة ، وثالثها يجوز إن كان قلبيا وعلق.

(ش) اختلف في الإسناد إلى الجملة على مذاهب أصحها المنع فلا يكون فاعلا ولا نائبا عنه ، والثاني : الجواز لوروده في قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف : ٣٥] ، فأجازوا يعجبني يقوم زيد وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وأجيب بأن الفاعل في الآية ضمير البداء المفهوم من بدا ، أو ضمير السجن المفهوم من الفعل ، والثالث : يجوز أن يقع فاعلا أو نائبا عنه بفعل من أفعال القلوب إذا علق ، نحو : ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وعلم أقام بكر أم خالد ، بخلاف نحو : يسرني خرج عبد الله فلا يجوز ، ونسب هذا لسيبويه.

رافع المضارع :

(ص) المضارع يرفع إذا تجرد من ناصب وجازم ، وهو رافعه عند الفراء وابن

٣٩٩

مالك وابن الخباز ، وقيل : تعريه من العوامل اللفظية مطلقا ، وقيل : الإهمال ، وقيل : نفس المضارعة ، وقيل : السبب الذي أوجب إعرابه ، وقال البصرية : وقوعه موقع الاسم ، والكسائي الزوائد.

(ش) لما انقضى الكلام في مرفوعات الأسماء ختمت بالمرفوع من الأفعال وهو الفعل المضارع حال تجرده من الناصب والجازم ، وفي عامل الرفع فيه أقوال :

أحدها : نفس التجرد والتعري من الناصب والجازم فهو معنوي ، وهو رأي الفراء واختاره ابن مالك وقال : إنه سالم من النقض ، ونسبه لحذاق الكوفيين ، واختاره أيضا ابن الخباز.

والثاني : وقوعه موقع الاسم فهو معنوي أيضا وهذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين ، وقال ابن مالك : إنه منتقض بنحو هلا تفعل ، وجعلت أفعل ، وما لك لا تفعل ، ورأيت الذي يفعل ، فإن الفعل في هذه المواضع مرفوع مع أن الاسم لا يقع فيها.

والثالث : وعليه الكسائي أنه ارتفع بحروف المضارعة فيكون عامله لفظيا.

والرابع : أنه ارتفع بنفس المضارعة ، وعليه ثعلب.

قال أبو حيان : في الرافع للفعل المضارع سبعة أقوال :

أحدها : أنه التعري من العوامل اللفظية مطلقا وهو مذهب جماعة من البصريين ، وعزي في الإفصاح للفراء والأخفش.

والثاني : التجرد من الناصب والجازم وهو مذهب الفراء.

والثالث : وهو قول الأعلم ارتفع بالإهمال وهو قريب من الذي قبله ، وهو على المذاهب الثلاثة عدمي.

والرابع : وعليه جمهور البصريين أنه ارتفع بوقوعه موقع الاسم ، فإن يقوم في نحو : زيد يقوم وقع موقع قائم ، وذلك هو الذي أوجب له الرفع.

والخامس : وهو مذهب ثعلب أنه ارتفع بنفس المضارعة.

والسادس : أنه ارتفع بالسبب الذي أوجب له الإعراب ؛ لأن الرفع نوع من الإعراب وهو على هذه المذاهب الثلاثة ثبوتي معنوي.

٤٠٠