همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

١
٢

٣
٤

مقدمة التحقيق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله بالهدى ودين الحق.

وبعد :

فإن من فضل الله علينا وكرمه أن شرفنا بخدمة هذا الكتاب العظيم القدر والفائدة ، وإخراجه بحلة جديدة ، حاولت فيه قدر المستطاع إظهار النصّ بشكل صحيح ، وهذا ما كنت أصبو إليه.

وقد كان العمل فيه على النحو التالي :

١ ـ مقابلة النص على طبعة قديمة.

٢ ـ تخريج الآيات القرآنية ضمن النص بين معكوفتين.

٣ ـ تخريج الأحاديث النبوية.

٤ ـ تخريج الآثار.

٥ ـ تخريج الأمثال.

٦ ـ تخريج الأبيات الشعرية ، مع ذكر نسبتها لقائلها ، وبحرها.

٥

وأخيرا : نسأله تعالى أن يجعل عملنا هذا وكافة أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يحفظنا من الخطأ والزلل ، إنه سميع قريب مجيب ، والحمد لله في البدء والختام.

وكتبه :

الشيخ أحمد عزو عناية وعلي محمّد مصطفى

دمشق / كفربطنا

في : ٦ / ربيع الآخر / ١٤٣١ ه

الموافق ل : ٢٠ / ٣ / ٢٠١٠ م

٦

ترجمة الإمام السيوطي

أسمه ومولده وكنيته :

جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري الأسيوطي (١).

كان مولده بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة بالقاهرة (٢).

وكان يلقب بابن الكتب ؛ لأن أباه كان من أهل العلم ، واحتاج إلى مطالعة كتاب فأمر أمه أن تأتيه بالكتاب من بين كتبه ، فذهبت لتأتي به فجاءها المخاض وهي بين الكتب فوضعته ، ثم سماه والده بعد الأسبوع عبد الرحمن ، ولقبه جلال الدين ، وكناه شيخه قاضي القضاة عز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني لما عرض عليه ، وقال له : ما كنيتك؟ فقال : لا كنية لي ، فقال : أبو الفضل ، وكتبه بخطه (٣).

نشأته وملامح من حياته :

نشأ الشيخ السيوطي يتيما ، فقد توفي والده وهو ابن خمس سنين ، وكان قد وصل في حفظ القرآن إلى سورة التحريم ، وأسند وصايته إلى جماعة من العلماء ، ومضى رحمه‌الله في طلب العلم ، فنجح وفاز ، ونال المنى ، وبرع وتقدم على علماء عصره ، وقال عن نفسه : لما حججت شربت من ماء زمزم لأمور ، منها : أن أصل في

__________________

(١) ينظر حسن المحاضرة للسيوطي ١ / ١١٠ ، وطبقات المفسرين ١ / ١٠ ، والأعلام للزركلي ٣ / ٣٠١ ، والبدر الطالع للشوكاني ١ / ٣١١.

(٢) ينظر النور السافر ١ / ٢٩ ، وطبقات المفسرين ١ / ١٠ ، والأعلام للزركلي ٣ / ٣٠١.

(٣) ينظر النور السافر ١ / ٢٩.

٧

الفقه إلى رتبة الشيخ البلقيني ، وفي الحديث إلى رتبة ابن حجر (١).

ولقد أجيز بتدريس العربية ، وشرع في التصنيف وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، ثم أفتى وله من العمر ثلاث وعشرين سنة ، وبعدها بسنة عقد مجالس إملاء الحديث (٢).

شيوخه :

كان للإمام السيوطي رحمه‌الله تعالى شيوخ في العلم كثيرون لا يكاد أحد أن يحصيهم عددا ، ولو لا أن الإمام السيوطي هو الذي جمعهم لما استطاع أحد أن يعرفهم ، فهو يقول عن مشايخه : وأما مشايخي في الرواية سماعا وإجازة فكثير ، أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه ، وعدتهم نحو مائة وخمسين ، ولم أكثر من سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهم ، وهو قراءة الدراية (٣).

ولا يسعنا في هذا الموطن إلا أن نذكر أهم مشايخه الذين لازمهم وانتفع بهم ممن ذكرهم في ترجمته لنفسه في كتابه حسن المحاضرة ، وهم :

١ ـ الشيخ علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني (٧٩١ ـ ٨٦٨ ه‍) ، أخذ عنه الفقه ، وأجازه بالتدريس (٤).

٢ ـ الشيخ شرف الدين يحيى بن محمد المناوي (٧٩٨ ـ ٨٧١ ه‍) ، وهو آخر علماء الشافعية ومحققيهم ، قال السيوطي : (قرأت عليه قطعة من المنهاج ، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني ، وسمعت دروسا من شرح البهجة ، ومن حاشيته عليها ، ومن تفسير البيضاوي) (٥).

٣ ـ الشيخ محي الدين محمد بن سليمان الرومي الكافيجي (٧٨٨ ـ ٨٩٩ ه‍) ،

__________________

(١) حسن المحاضرة ١ / ١١١.

(٢) ينظر المصدر السابق ١ / ١١٢.

(٣) ينظر المصدر السابق ١ / ١١٢.

(٤) ينظر المصدر السابق ١ / ١١١.

(٥) ينظر المصدر السابق ١ / ١١١ ، وطبقات المفسرين ١ / ١٠.

٨

أخذ عنه الفنون من التفسير ، والأصول ، والعربية ، والمعاني ، وغير ذلك ، وكتب له إجازة عظيمة (١).

٤ ـ الشيخ تقي الدين أحمد بن محمد الداري ويعرف بالشّمني (٨٠١ ـ ٨٧٢ ه‍) ، واظب عليه أربع سنين ، وكتب له تقريظا على شرح ألفية ابن مالك ، وعلى جمع الجوامع في العربية له ، وشهد ليه غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه (٢).

مؤلفاته :

كان الإمام السيوطي رحمه‌الله تعالى آية كبرى من آيات الله في سرعة الكتابة والتأليف ، قال تلميذه الداودي : (عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا ، وكان مع ذلك يملي الحديث ، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة) (٣).

وقد استقصى الداودي مؤلفات شيخه ، وذكر السيوطي أكثرها في حسن المحاضرة (٤) ، ومن أعظمها وأشهرها :

١ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور.

٢ ـ الإتقان في علوم القرآن.

٣ ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير.

٤ ـ تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي.

٥ ـ اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة.

٦ ـ الخصائص الكبرى (كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب).

__________________

(١) ينظر المصدر السابق ١ / ١١١.

(٢) ينظر طبقات المفسرين ١ / ١٠ ، والبدر الطالع ١ / ٣١٥.

(٣) ينظر الكواكب السائرة ١ / ١٤٣.

(٤) ينظر حسن المحاضرة ١ / ١١٢.

٩

٧ ـ طبقات الحفاظ.

٨ ـ طبقات النحاة.

٩ ـ إسعاف المبطأ برجال الموطأ.

١٠ ـ المزهر.

وفاته :

قدّر الله على الشيخ السيوطي رحمه‌الله تعالى أن يعاني آلام المرض سبعة أيام من ورم شديد في ذراعه الأيسر ، توفي بعدها في سحر ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى من سنة إحدى عشر وتسعمائة (١) ، في منزله بروضة المقياس ، عن عمر بلغ إحدى وستين سنة ، وعشرة أشهر ، وثمانية عشر يوما ، ودفن طيّب الله ثراه في حوش قوصون خارج باب القرافة ، وصلّي عليه غائبة في الجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثامن رجب سنة إحدى عشرة المذكورة (٢).

***

__________________

(١) ينظر البدر الطالع ١ / ٣١٥.

(٢) ينظر الكواكب السائرة ١ / ١٤٣.

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة همع الهوامع للمؤلف

يقول عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي لطف الله تعالى به :

سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وأصلي وأسلم على محمد أفضل من خصصته بروح قدسك.

وبعد فإن لنا تأليفا في العربية جمع أدناها وأقصاها ، وكتابا لم يغادر من مسائلها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ومجموعا تشهد لفضله أرباب الفضائل ، وجموعا قصرت عنه جموع الأواخر والأوائل ، حشدت فيه ما يقر الأعين ويشنف المسامع ، وأوردته مناهل كتب فاض عليها همع الهوامع ، وجمعته من نحو مائة مصنف فلا غرو أن لقبته «جمع الجوامع» ، وقد كنت أريد أن أضع عليه شرحا واسعا كثير النقول طويل الذيول جامعا للشواهد والتعاليل ، معتنيا بالانتقاد للأدلة والأقاويل ، منبها على الضوابط والقواعد والتقاسيم والمقاصد ، فرأيت الزمان أضيق من ذلك ، ورغبة أهله قليلة فيما هنالك ، مع إلحاح الطلاب علي في شرح يرشدهم إلى مقاصده ويطلعهم على غرائبه وشوارده ، فتخيرت لهم هذه العجالة الكافلة بحل مبانيه وتوضيح معانيه وتفكيك نظامه وتعليل أحكامه ، مسماة بهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، والله أسأل أن يبلغ به المنافع ، ويجعلنا ممن يسابق إلى الخيرات ويسارع بمنه وكرمه.

١١
١٢

مقدمة جمع الجوامع

(ص) أحمدك اللهم على ما أسبغت من النعم ، وأصلي وأسلم على نبيك المخصوص بجوامع الكلم ، وعلى آله وصحبه ما قام بالنفس ضمير وأعرب عنه فم ، وأستعينك في إكمال ما قصدت إليه من تأليف مختصر في العربية جامع لما في الجوامع من المسائل والخلاف ، حاو لوجازة اللفظ وحسن الائتلاف ، محيط بخلاصة كتابي «التسهيل» و «الارتشاف» ، مع مزيد واف فائق الانسجام قريب من الأفهام ، وأسألك النفع به على الدوام ، وينحصر في مقدمات وسبعة كتب.

(ش) المقدمات في تعريف الكلمة ، وأقسامها ، والكلام والكلم والجملة والقول ، والإعراب والبناء ، والمنصرف وغيره ، والنكرة والمعرفة وأقسامها.

والكتاب الأول : في العمد وهي المرفوعات وما شابهها من منصوب النواسخ.

والثاني : في الفضلات وهي المنصوبات.

والثالث : في المجرورات وما حمل عليها من المجزومات وما يتبعها من الكلام على أدوات التعليق غير الجازمة وما ضم إليها من بقية حروف المعاني.

والرابع : في العوامل في هذه الأنواع وهو الفعل وما ألحق به وختم باشتغالها عن معمولاتها وتنازعها فيها.

والخامس : في التوابع لهذه الأنواع وعوارض التركيب الإعرابي من تغيير كالإخبار والحكاية والتسمية وضرائر الشعر وهذه الكتب الخمسة في النحو.

والسادس : في الأبنية.

والسابع : في تغييرات الكلم الإفرادية كالزيادة والحذف والإبدال والنقل والإدغام.

١٣

وختم بما يناسبه من خاتمة الخط.

وهذا ترتيب بديع لم أسبق إليه حذوت فيه حذو كتب الأصول ، وفي جعلها سبعة مناسبة لطيفة مأخوذة من حديث ابن حبان وغيره : «إن الله وتر يحب الوتر ، أما ترى السموات سبعا والأيام سبعا ، والطواف سبعة» (١) ، الحديث.

***

__________________

(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه ٤ / ٢٨٥ (١٤٣٧).

١٤

الكلمة حدها وأقسامها

(ص) الكلام في المقدمات : الكلمة قول مفرد مستقل ، وكذا منوي معه على الصحيح ، وشرط قوم كونه حرفين.

(ش) الكلمة لغة تطلق على الجمل المفيدة قال الله تعالى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) [التوبة : ٤٠] ، أي : لا إله إلا الله ، (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) [آل عمران : ٦٤] ، (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] ، إشارة إلى قوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩] وما بعده ، في حديث الصحيحين : «الكلمة الطيبة صدقة» (١) ، و «أفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد :

١ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

  ...» (٢)

وهذا الإطلاق منكر في اصطلاح النحويين ولذا لا يتعرض لذكره في كتبهم بوجه ، كما قال ابن مالك في شرح التسهيل وإن ذكره في الألفية ، فقد قيل : إنه من أمراضها التي لا دواء لها ، وقد اختلفت عباراتهم في حد الكلمة اصطلاحا ، وأحسن حدودها : قول مفرد مستقل أو منوي معه ، فخرج بتصدير الحد بالقول غيره من الدوال كالخط والإشارة ، وبالمفرد وهو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه المركب ، وبالمستقل أبعاض الكلمات الدالة على معنى ، كحروف المضارعة وياء النسب وتاء التأنيث وألف ضارب فليست بكلمات ؛

__________________

١ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٨٢ ، والخزانة ٢ / ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١١ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٠.

(١) أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير باب من أخذ بالركاب وغيره (٢٩٨٩) وسلم كتاب الزكاة باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (١٠٠٩)

(٢) أخرجه البخاري كتاب المناقب ، باب أيام الجاهلية (٣٨٤١) ومسلم كتاب الشعر ، باب .. (٢٢٥٦).

١٥

لعدم استقلالها ومن أسقط هذا القيد رأي ما جنح إليه الرضي من أنها مع ما هي فيه كلمتان صارتا واحدة لشدة الامتزاج ، فجعل الإعراب على آخره كالمركب المزجي ، ولم أحتج إلى ما زاده في التسهيل من قوله : دال بالوضع مخرجا المهمل لتعبيره باللفظ الشامل لذلك.

وذكري القول الذي يخرجه لما سيأتي من أنه الموضوع لمعنى ، ولذلك عدلت إليه ، وما قيل من أن ذكر اللفظ أولى لإطلاق القول على غيره كالرأي ممنوع ؛ لعدم تبادره إلى الأذهان ؛ إذ هو مجاز ، وعدلت ك «اللباب» إلى جعل الإفراد صفة القول عن جعلهم إياه صفة المعنى حيث قالوا ومنهم ابن الحاجب وأبو حيان : وضع لمعنى مفرد ؛ لأنه كما قال الرضي وغيره : صفته في الحقيقة ، وإنما يكون صفة للمعنى بتبعية اللفظ ولسلامته من الاعتراض بنحو الخبر فإنه كلمة ومعناه مركب وهو زيد قائم مثلا ، ونحو : ضرب فإنه كلمة ومعناه مركب من الحدث والزمان.

وقدمت المعرف على المعرف كصنع الجمهور ؛ لأنه الأصل في الإخبار عنه ، وعكس صاحب اللب لتقدم المعرف عقلا فقدم وضعا ، ومن قال : إن اللام في الكلمة للجنس المقتضي للاستغراق والتاء للوحدة فيتناقضان فقد سها سهوا ظاهرا ، بل هي للماهية والحقيقة ، وشملت العبارة الكلمة تحقيقا كزيد ، وتقديرا كأحد جزأي العلم المضاف كعبد الله ، فإن كلا منهما كلمة تقديرا ؛ إذ لا تأتي الإضافة إلا في كلمتين وإن كان مجموعهما كلمة تحقيقا ؛ لعدم دلالة جزئه على جزء معناه وشمل المنوي المستكن وجوبا كأنت في قم ، وجوازا كما سيأتي في مبحث المضمر.

وخرج بقولي : «معه» ما نواه الإنسان في نفسه من الكلمات المفردة فإنه لا يسمى كلمة في اصطلاحهم ؛ لأنه لم ينو مع اللفظ ، وقيده في «التسهيل» بقوله : كذلك قال إشارة إلى الاستقلال ليخرج الإعراب المقدر فإنه منوي مع اللفظ ، وليس بكلمة لعدم استقلاله ، وحذفته للعلم به ؛ لأنه إذا شرط ذلك في اللفظ الموجود مع قوته ففي المنوي أولى ، ومقابل الصحيح فيه ما نقله أبو حيان وغيره أن صاحب «النهاية» وهو ابن الخباز منع تسمية الضمير المستكن اسما قال : لأنه لا يسمى كلمة.

وذهب قوم إلى أن شرط الكلمة أن تكون على حرفين فصاعدا نقله الإمام فخر الدين الرازي في «تفسيره» و «محصوله» ، قال : ورد عليهم بالباء واللام ونحوهما مما هو كلمة وليس على حرفين.

١٦

أقسام الكلمة

(ص) فإن دلت على معنى في نفسها ، ولم تقترن بزمان فاسم ، أو اقترنت ففعل ، أو غيرها بأن احتاجت في إفادة معناها إلى اسم أو فعل أو جملة فحرف ، وقال ابن النحاس : معناه في نفسه.

(ش) الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف ، ولا رابع لها إلا ما سيأتي في مبحث اسم الفعل من أن بعضهم جعله رابعا وسماه الخالفة ، والدليل على الحصر في الثلاثة الاستقراء والقسمة العقلية ، فإن الكلمة لا تخلو إما أن تدل على معنى في نفسها أو لا ، الثاني الحرف ، والأول إما أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا ، الثاني الاسم ، والأول الفعل.

وقد علم بذلك حد كل منها بأن يقال : الاسم ما دل على معنى في نفسه ولم يقترن بزمان ، والفعل ما دل على معنى في نفسه واقترن ، والحرف ما دل على معنى في غيره.

و (في) في المواضع الثلاثة للسببية ، أي : دلت على معنى بسبب نفسه لا بانضمام غيره إليه وبسبب غيره ، أي : انضمامه إليه ، فالحرف مشروط في إفادة معناه الذي وضع له انضمامه إلى غيره من اسم ك : الباء في مررت بزيد ، أو فعل ك : قد قام ، أو جملة كحروف النفي والاستفهام والشرط ، وقد يحذف المحتاج إليه للعلم به ك : نعم ولا ، وكأن قد ، وأما ذو وفوق ونحوهما وإن لم تذكر إلا بمتعلقها فليس مشروطا في إفادة معناها للقطع بفهم معنى ذو وهو صاحب من لفظه ، وكذا فوق ، وإنما شرط ليتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس ، وب : فوق إلى علو خاص وقس على هذا ، وقيل : هي للظرفية ، أي : معنى ثابت في نفسه وفي غيره ، أي : حاصل فيه ك : من في نحو : أكلت من الرغيف فإنها تفيد معناها وهو التبعيض في الرغيف وهو متعلقها ، بخلاف زيد مثلا ومن جعل الضمير المتصل ب : نفس وغير راجعا للمعنى كابن الحاجب فقد أبعد ؛ إذ لا معنى لقولنا ما دل على معنى بسبب نفس ذلك المعنى أو بسبب غيره أو ثابت فيه أو في غيره.

١٧

أما الأول فلأن الشيء لا يدل على معناه بسبب عين ذلك المعنى وإنما يدل عليه بسبب وضعه له ودلالة اللفظ عليه.

وأما الثاني فلأنه لا يصح أن يكون الشيء ظرفا لنفسه ، والمراد بالزمان حيث أطلق المعين المعبر عنه بالماضي والحال والاستقبال لشهرتها في هذا المعنى ، والعبرة بالدلالة بأصل الوضع فنحو مضرب الشمول اسم ؛ لأنه دال على مجرد الزمان ، وكذا الصبوح للشرب في أول النهار ؛ لأنه وإن أفهم معنى مقترنا بزمان لكنه غير معين ، وكذا اسم الفاعل والمفعول ؛ لأنهما وإن دلا على الزمان المعين فدلالتهما عليه عارضة ، وإنما وضعا لذات قام بها الفعل ، وكذلك أسماء الأفعال ونحو : نعم وبئس وعسى أفعال لوضعها في الأصل للزمان وعرض تجردها منه وما ذكرناه من أن الحرف لا يدل على معنى في نفسه هو الذي أجمع عليه النحاة وقد خرق إجماعهم الشيخ بهاء الدين بن النحاس فذهب في تعليقه على" المقرب" إلى أنه يدل على معنى في نفسه قال : لأنه إن خوطب به من لا يفهم موضوعه لغة فلا دليل في عدم فهم المعنى على أنه لا معنى له ؛ لأنه لو خوطب بالاسم والفعل وهو لا يفهم موضوعهما لغة كان كذلك وإن خوطب به من يفهمه فإنه يفهم منه معنى عملا بفهمه موضوعه لغة ، كما إذا خوطب ب : هل من يفهم أن موضوعها الاستفهام ، وكذا سائر الحروف ، قال : والفرق بينه وبين الاسم والفعل أن المعنى المفهوم منه مع غيره أتم من المفهوم منه حال الإفراد بخلافهما ، فالمفهوم منهما في التركيب عين المفهوم منهما في الإفراد.

خواص الاسم

(ص) فالاسم من خواصه نداء ، ونحو : يا ليت تنبيه ، وتنوين لا في روي ، وحرف تعريف ، وإسناد إليه ، وتسمع بالمعيدي على حذف أن ، أو نزل منزلة المصدر ، وإضافة ، وجر ، وحرفه ، وبنام صاحبه على حذف الموصوف ، وعود ضمير واعدلوا هو على المصدر المفهوم ، ومباشرة فعل وهو لعين أو معنى اسما أو وصفا ، ومنه ما سمي به أو أريد لفظه كلو واللو ، وزعموا مطية الكذب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز.

(ش) للاسم خواص تميزه عن غيره وعلامات يعرف بها ، وذكر منها هنا تسعة :

أحدها ـ النداء : وهو الدعاء بحروف مخصوصة ، نحو : يا زيد ، وإنما اختص به ؛ لأن المنادى مفعول به في المعنى ، أو في اللفظ أيضا على ما سيأتي ، والمفعولية لا تليق

١٨

بغير الاسم ، فإن أورد على ذلك نحو قوله تعالى : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس : ٢٦] ، (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) [الأنعام : ٢٧] ، (أَلَّا يَسْجُدُوا) [النمل : ٢٥] ، وحديث البخاري : «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (١) ، حيث دخل فيه (يا) على (ليت) و (رب) وهما حرفان ، وعلى (اسجدوا) وهو فعل.

فالجواب أن (يا) في ذلك ونحوه للتنبيه لا للنداء ، وحرف التنبيه يدخل على غير الاسم ، وقيل : للنداء والمنادي محذوف ، أي : يا قوم ، وضعفه ابن مالك في «توضيحه» بأن القائل لذلك قد يكون وحده ، فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف ، ومن الأسماء ما لا دليل على اسميته إلا النداء ، نحو : يا مكرمان ويا فل ؛ لأنهما يختصان بالنداء.

الثاني ـ التنوين : وسيأتي حده وأقسامه العشرة في خاتمة الكتاب الثالث ، والذي يختص بالاسم منه ما عدا الترنم والغالي اللاحقين لروي البيت وهو الحرف الذي تعزى له القصيدة ، فإنهما لا يختصان به كما سيأتي ، وإنما اختص الباقي به ؛ لأن التمكين فيه للفرق بين المنصرف وغيره ، والتنكير للفرق بين النكرة وغيرها ، والمقابلة إنما يدخل جمع المؤنث السالم ، والعوض إنما يدخل المضاف عوضا من المضاف إليه ، ولا حظ لغير الاسم في الصرف ولا التعريف والتنكير ولا الجمع ولا الإضافة ، فإن أورد على هذا نحو قول الشاعر :

٢ ـ ألام على لوّ ولو كنت عالما

بأذناب لوّ لم تفتني أوائله

حيث أدخل التنوين على لو وهو حرف فالجواب أن لو هنا اسم علم للفظة لو ولذلك شدد آخرها وأعربت ودخلها الجر والإضافة كما سيأتي ذلك في مبحث التسمية.

الثالث ـ حرف التعريف : إذ لا حظ لغير الاسم في التعريف ، والتعبير بذلك أحسن من التعبير ب : أل ؛ لشموله لها وللّام على قول من يراها وحدها المعرفة ول : أم في لغة طيّئ ، ولسلامته من ورود أل الموصولة ، وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إياك واللو ، فإن اللو تفتح عمل

__________________

٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٣٢٠ ، والدرر ١ / ٧٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٠٩ ، وشرح المفصل ٦ / ٣١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٤.

(١) البخاري ، كتاب العلم ، باب العلم والعظة بالليل (١١٥).

١٩

الشيطان» (١) ، رواه بهذا اللفظ ابن ماجه وغيره ، فالجواب عنه كما سبق في الكلام على (لو).

الرابع ـ الإسناد إليه : وهو أنفع علاماته ؛ إذ به تعرف اسمية التاء من ضربت والإسناد تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب منه ولشموله القسم الثاني دون الإخبار عبرت به دونه ، وسواء الإسناد المعنوي واللفظي كما حققه ابن هشام وغيره ، وغلط فيه ابن مالك في شرح «التسهيل» حيث جعل الثاني صالحا للفعل والحرف كقولك : ضرب فعل ماض ومن حرف جر ، ورد بأنهما هنا اسمان مجردان عن معناهما المعروف لإرادة لفظهما ، ولهذا يحكم على موضعهما بالرفع على الابتداء فضرب هنا مثلا اسم مسماه ضرب الدال على الحدث والزمان ، وقد صرح ابن مالك نفسه في الكافية باسمية ما أخبر عن لفظه حيث قال :

وإن نسبت لأداة حكما

فابن أو اعرب واجعلنها اسما

وفي شرح «أوسط الأخفش» لمبرمان : إذا قلت : هل حرف استفهام فإنما جئت باسم الحرف ولم تأت به على موضعه ، وهذا مع ما تقدم في الكلام على لو معنى قولي : «ومنه ما سمي به أو أريد لفظه» ، وعلى الثاني يتخرج قول العرب : زعموا مطية الكذب ، وحديث الصحيحين : «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة» (٢) حيث أسند إلى الجملة الفعلية في الأول وللاسمية في الثاني ، فالمعنى في الأول هذا اللفظ مطية الكذب ، أي :يقدمه الرجل أمام كلامه ؛ ليتوصل به إلى غرضه من نسبة الكذب إلى القول المحكي كما يركب الرجل في مسيره إلى بلد مطية ليقضي عليها حاجته ، وفي الثاني هذا اللفظ كنز من كنوز الجنة ، أي : كالكنز في نفاسته وصيانته عن أعين الناس.

فإن قلت : فما تصنع بقوله : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فإن الإسناد وقع فيه إلى تسمع وهو فعل ولم يرد لفظه ، فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنه محمول على حذف أن ، أي : أن تسمع وهما في تأويل المصدر ، أي : سماعك ، فالإسناد في الحقيقة إليه ، وهو اسم كما هو في قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] ، (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، ونظيره في حذف أن قوله :

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه في المقدمة ، باب في القدر (٧٩).

(٢) البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا علا عقبة (٦٣٨٤) ، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر (٢٧٠٤).

٢٠