همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

١٨١ ـ وربّه عطبا أنقذت من عطبه

الخامس : أن يبدل منه المفسر نحو : اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم ، هذا مذهب الأخفش ، وصححه ابن مالك وأبو حيان ، ومنع ذلك قوم وقالوا : البدل لا يفسر ضمير المبدل ، ورده أبو حيان بالورود ، قال :

١٨٢ ـ فلا تلمه أن ينام البائسا

وقال :

١٨٣ ـ فاستاكت به عود إسحل

السادس : أن يخبر عنه بالمفسر نحو : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا) [الأنعام : ٢٩] قال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه ، وأصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ثم وضع في موضع الحياة ؛ لأن الخبر يدل عليها ويبينها ، قال ومنه :

١٨٤ ـ هي النفس تحمل ما حمّلت

وهي العرب تقول ما شاءت ، قال ابن مالك : وهذا من جيد كلامه.

السابع : ضمير الشأن ، فإن مفسره الجملة بعده ، قال أبو حيان : وهو ضمير غائب يأتي صدر الجملة الخبرية دالا على قصد المتكلم استعظام السامع حديثه ، وتسميه البصريون ضمير الشأن والحديث إذا كان مذكرا ، وضمير القصة إذا كان مؤنثا ، قدروا من معنى الجملة اسما جعلوا ذلك الضمير يفسره ذلك الاسم المقدر حتى يصح الإخبار بتلك الجملة عن الضمير ، ولا يحتاج فيها إلى رابط به ؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى ، والفرق بينه وبين الضمائر أنه لا يعطف عليه ولا يؤكد ، ولا يبدل منه ولا يتقدم خبره عليه ، ولا يفسر بمفرد.

__________________

١٨١ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٢٨٥ ، ٣ / ١٦٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٧١ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٥٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٠.

١٨٢ ـ الرجز بلا نسبة في رصف المباني ص ٦٨٩ ، والكتاب ٢ / ٧٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٤٥ ، ٤٩٢ ، وسيعاد البيت برقم ١٥٣٦ ، ١٥٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٧.

١٨٣ ـ البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩٨ ، والرد على النحاة ص ٩٧ ، وشرح المفصل ١ / ٧٩ ، والكتاب ١ / ٧٨ ، ولطفيل الغنوي في ديوانه ص ٦٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨٨ ، ولعمر أو لطفيل أو للمقنع الكندي في المقاصد النحوية ٣ / ٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٩.

١٨٤ ـ هذا الشاهد في نسخة العلمية ولم يذكر الشارح عليه كلاما.

١٦١

وسماه الكوفيون ضمير المجهول ؛ لأنه لا يدرى عندهم ما يعود عليه ، ولا خلاف في أنه اسم يحكم على موضعه بالإعراب على حسب العامل ، إلا ما ذهب إليه ابن الطراوة من زعمه أنه حرف فإنه إذا دخل على إن كفها عن العمل كما يكفها ما ، وكذا إذا دخل على الأفعال الناسخة كفها ، وتلغى كما يلغى في باب ظن ، ومال أبو حيان إلى موافقته.

وشرط الجملة المفسر بها ضمير الشأن أن تكون خبرية فلا يفسر بالإنشائية ولا الطلبية ، وأن يصرح بجزأيها فلا يجوز حذف جزء منها فإنه جيء به لتأكيدها وتفخيم مدلولها ، والحذف مناف لذلك ، كما لا يجوز ترخيم المندوب ولا حذف حرف النداء منه ولا من المستغاث ، وزعم الكوفيون أنه يفسر بمفرد ، فقالوا في ظنته قائما زيد : إن الهاء ضمير الشأن وقائم يفسره ، وزعموا أيضا أنه يجوز حذف جزء الجملة ، فيقال : إنه ضرب وإنه قام على حذف المسند إليه من غير إرادة ولا إضمار ، ولا يجوز أيضا تقدم هذه الجملة ولا جزئها.

قال ابن هشام في «المغني» : وقد غلط يوسف بن السيرافي إذ قال في قوله :

١٨٥ ـ أسكران كان ابن المراغة

إن كان شأنية ، وابن المراغة وسكران مبتدأ وخبر ، والجملة خبر كان ، وضمير الشأن لازم الإفراد ؛ لأنه ضمير يفسره مضمون الجملة ، ومضمون الجملة شيء مفرد وهو نسبة الحكم للمحكوم عليه وذلك لا تثنية فيه ولا جمع.

ومذهب البصريين أن تذكيره مع المذكر وتأنيثه مع المؤنث أحسن من خلاف ذلك نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧] ، (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] ، ويجوز التذكير مع المؤنث ، حكي : إنه أمة الله ذاهبة ، والتأنيث مع المذكر كقراءة : أولم تكن لهم آية أن يعلمه [الشعراء : ١٩٧] بالفوقية ، فإن الاسم أن يعلمه وهو مذكر.

وأوجب الكوفيون الأول وهو مردود بالسماع ، وفصل ابن مالك فقال : يجب التذكير كما يجب الإفراد ، فإن وليه مؤنث نحو : إنها جاريتك ذاهبة أو مذكر شبه به المؤنث نحو : إنها قمر جاريتك ، أو فعل بعلامة تأنيث نحو : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] ،

__________________

١٨٥ ـ ذكر هذا الشاهد في نسخة العلمية.

١٦٢

فالتأنيث في الصور الثلاث أرجح من التذكير لما فيه من مشاكلة اللفظ ، ويبرز ضمير الشأن مبتدأ نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، واسم ما كقوله :

١٨٦ ـ وما هو من يأسو الكلوم ويتقّى

به نائبات الدّهر كالدائم البخل

ومنع الأخفش والفراء وقوعه مبتدأ وقالا : لا يقع إلا معمولا ، ومنع بعضهم وقوعه اسم ما ، ويبرز منصوبا في بابي إن وظن نحو : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) [الجن : ١٩] ، وقوله :

١٨٧ ـ علمته الحقّ لا يخفى على أحد

ويستكن في باب كان وكاد نحو :

١٨٨ ـ إذا متّ كان الناس صنفان شامت

وآخر مثن بالذي كنت أصنع

وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) [التوبة : ١١٧] في قراءة يزيغ بالتحتية ، ومنع الفراء وقوعه في باب كان ، وطائفة وقوعه في باب كاد.

(ص) الفصل ويسمى عمادا ودعامة ، وصفة ضمير رفع منفصل يقع مطابقا لمعرفة قبل مبتدأ ، أو منسوخ بعده معرفة ، أو كهي في منع اللام جامدا أو مشتقا ، لا إن تقدم متعلقه في الأصح.

قال ابن مالك : وقد يقع بلفظ غيبة بعد حاضر مقام مضاف ، وجوز الأخفش وقوعه بين حال وصاحبها ، وقوم بين نكرتين كمعرفة ، وقوم مطلقا ، وقوم بعد اسم لا ، وقوم قبل مضارع ، ويتعين كونه فصلا إن وليه نصب وولي ظاهرا منصوبا أو قرن بلام الفرق على الأصح ويحتمله ، والابتداء قبل رفع ، والبدل أيضا بعده ، والتوكيد أيضا بعد ضميره ، ويتعين الابتداء قبل رفع ما ينصب.

__________________

١٨٦ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شفاء العليل ص ٢٠٥ ، وشرح التسهيل ١ / ١٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٧٠.

١٨٧ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح التسهيل ١ / ١٦٦ ، وشفاء العليل ص ٢٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٣٦.

١٨٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للعجير السلولي في الأزهية ص ١٩٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٤٦ ، والخزانة ٩ / ٧٢ ، ٧٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٤ ، والكتاب ١ / ٧١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٨٥ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥٦ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٣٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥٤١.

١٦٣

قال سيبويه : وفاء الجزاء ، والبصرية تلو إلا ، والفراء : وإنما ولا النافية وقبل عارض أل وفي باب ما ، ورجحه في ليس ، وتميم مطلقا ، والأصح وجوب رفع معطوف بالواو ولا ولكن إن كرر الضمير ، والجزأين إن اتفقا ، ونحو : ما بال زيد هو القائم ومررت بعبد الله هو السيد وظننت زيدا هو القائم جاريته ، وثالثها إن كان غير خلف ، ومنع هي القائمة ، ووقوعه بين ضميرين وخبرين وتصديره وتقدمه مع الخبر ، وتوسطه بعد كان وظن ، ويجوز بين مفعولي ظن المتأخر.

قال أبو حيان : وفي المتوسط نظر ، والأصح أنه اسم ولا محل له ، وقيل : محله كتاليه ، وقيل : كمتلوه ، وفائدته الإعلام بأن تاليه خبر لا تابع والتأكيد ، قال البيانيون : والاختصاص.

(ش) هذا مبحث الضمير المسمى عند البصريين بالفصل ؛ لأنه فصل بين المبتدأ والخبر ، وقيل : لأنه فصل بين الخبر والنعت ، وقيل : لأنه فصل بين الخبر والتابع ؛ لأن الفصل به يوضح كون الثاني خبرا لا تابعا وهذا أحسن ؛ لأنه قد يفصل حيث لا يصلح النعت نحو : كنت أنت القائم ؛ إذ الضمير لا ينعت ، والكوفيون يسمونه عمادا ؛ لأنه يعتمد عليه في الفائدة ؛ إذ به يتبين أن الثاني خبر لا تابع ، وبعض الكوفيين يسميه دعامة ؛ لأنه يدعم به الكلام ، أي : يقوى به ويؤكد ، والتأكيد من فوائد مجيئه وبعض المتأخرين سماه صفة.

قال أبو حيان : ويعني به التأكيد ، ومذهب الخليل وسيبويه وطائفة أنه باق على اسميته ، وذهب أكثر النحاة إلى أنه حرف وصححه ابن عصفور كالكاف في الإشارة ، وإذا قلنا باسميته فالصحيح أنه لا محل له من الإعراب وعليه الخليل ؛ لأن الغرض به الإعلام من أول وهلة بكون الخبر خبرا لا صفة ، فاشتد شبهه بالحرف ؛ إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره فلم يحتج إلى موضع بسبب الإعراب ، وقال الكسائي : محله محل ما بعده ، وقال الفراء : كمحل ما قبله ففي زيد هو القائم محله رفع عندهما ، وفي ظننت زيدا هو القائم محله نصب عندهما ، وفي كان زيد هو القائم محله عند الكسائي نصب وعند الفراء رفع ، وفي إن زيدا هو القائم بالعكس.

ويقع بلفظ المرفوع المنفصل مطابقا ما قبله في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والتكلم والخطاب والغيبة ، ولا يقع إلا بعد معرفة مبتدأ أو منسوخ نحو : زيد هو القائم ، (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ) [المائدة : ١١٧] ، (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ) [آل عمران : ٦٢] ،

١٦٤

(تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠] ، ولا يقع بعده إلا اسم معرفة كالأمثلة الأول ، أو شبيه بها في امتناع دخول أل عليه كالمثال الأخير ، سواء كان ظاهرا أم مضمرا أم مبهما أم معرفا باللام أم مضافا جامدا أم مشتقا لم يتقدم متعلقه عليه ، سواء كان الناسخ فعلا أم حرفا هذا مذهب الجمهور في الجميع ، وفي كل خلاف ، فذهب ابن مالك إلى أنه قد تنتفي المطابقة فيقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف كقوله :

١٨٩ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يراني لو أصبت هو المصابا

فهو فصل بلفظ الغيبة بعد المفعول الأول وهو الياء في يراني على حذف مضاف ، أي : مصابي هو المصاب فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وحمله العسكري في «المصباح» على أن هو تأكيد للفاعل في يراني والمضاف مقدر والمصاب مصدر ، أي : يظن مصابي المصاب ، أي : يحقر كل مصاب دونه ، وقال غيره : هو عند صديقه بمنزلة نفسه فإذا أصيب في نفسه فكأن صديقه قد أصيب ، فجعل ضمير الصديق مؤكدا لضميره ؛ لأنه هو في المعنى مجازا واتساعا فهو من باب زيد زهير ، وذهب الأخفش إلى جواز وقوعه بين الحال وصاحبها كقراءة (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] بنصب أطهر ، وتقول : هذا زيد هو خيرا منك ، وردّ بأن أطهر نصب ب : لكم على أنه خبر هن فيكون من تقديم الحال على عاملها الظرفي.

وذهب قوم إلى جواز وقوعه بين نكرتين كمعرفتين في امتناع دخول أل عليهما نحو : ما أظن أحدا هو خيرا منك وحسبت خيرا من زيد هو خيرا من عمرو ، وذهب قوم من الكوفيين إلى جواز وقوعه بين نكرتين مطلقا وخرجوا عليه : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) [النحل : ٩٢].

وذهب قوم منهم إلى جواز وقوعه بعد اسم لا نحو : لا رجل هو منطلق ، وذهب آخرون إلى جواز وقوعه قبل المضارع نحو : كان زيد هو يقوم ، وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز وقوعه قبل معرفة بغير اللام ، فلم يجز كان زيد هو أخاك وكان زيد هو صاحب الحمار ونحوه ، وأوجب ابتدائية ورفع ما بعده ، وكذا لم يجز وقوعه في باب ما ، وأوجب فيه الابتدائية ، وجوز في ليس الوجهين ورجح الابتدائية ، وذهب الكسائي والفراء إلى جواز

__________________

١٨٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لجرير في الخزانة ٥ / ٣٩٧ ، ٤٠١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٧٥ ، ومغني اللبيب ص ٤٩٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٦٦٢ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ١٠٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٢.

١٦٥

وقوعه في غير الابتداء والنواسخ نحو : ما بال زيد هو القائم ، وما شأن عمرو هو الجالس ، ومررت بعبد الله هو السيد بنصب الجميع.

وذهب قوم إلى جواز وقوعه قبل مشتق تقدم ما ظاهره التعلق به نحو : كان زيد هو بالجارية الكفيل ، بشرط أن لا يقصد كون بالجارية في صلة الكفيل على حد : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] ، فإن قصدته لم يجز إجماعا ، وذهب الفراء إلى جواز وقوعه أول الكلام قبل المبتدأ والخبر ، وجعل منه : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) [البقرة : ٨٥] ، وذهب آخرون إلى جواز تقدمه مع الخبر نحو : هو القائم زيد وهو القائم كان زيد وهو القائم ظننت زيدا ، وذهب آخرون إلى جواز توسطه بين كان واسمها وبين ظن والمفعول الأول نحو : كان هو القائم زيد وظننت هو القائم زيدا.

ووجه المنع في الكل عند الجمهور أن فائدته صون الخبر من توهمه تابعا ، ومع تقديم الخبر يستغنى عنه ؛ لأن تقديمه يمنع كونه تابعا ؛ إذ التابع لا يتقدم على المتبوع فلو تقدم مفعولا ظننت عليها جاز وقوع الفصل بينهما نحو : زيدا هو القائم ظننت ، وإن تقدم الأول وتأخر الثاني نحو : زيدا ظننت هو القائم ففي جواز ذلك نظر قاله أبو حيان ، وقال : ولا يقع بين الخبرين فلا تقول : ظننت هذا الحلو هو الحامض ؛ لأن الثاني ليس بالمعول عليه وحده ، وقيل : بدخوله بينهما.

قال : وكذا لا يدخل بين الضميرين نحو : زيد ظننته هو إياه خيرا من عمرو عند سيبويه ؛ لأنه تأكيد في المعنى لهذه الثلاثة ، وكل منها يغني عن صاحبه ، فإن فصلت وأخرت البدل جاز نحو : ظننته هو القائم إياه ؛ لأنه في نية الاستئناف وصار بذلك بمنزلة إن واللام في كلام واحد إذا تأخرت اللام ، وسواء أكان الفصل بالمفعول الثاني أو بظرف معمول الخبر نحو : ظننته هو يوم الجمعة إياه القائم.

فإن كان أحدهما ضميرا والآخر ظاهرا جاز اتفاقا لعدم الضميرين المؤذنين بالضعف نحو : ظننته هو نفسه القائم ، وإنما يتعين فصلية هذا الضمير في صورتين :

الأولى : أن يليه منصوب وقبله ظاهر منصوب نحو : ظننت زيدا هو القائم ؛ إذ لا تمكن الابتدائية فيه ؛ لنصب ما بعده ، ولا البدلية لنصب ما قبله ولا التوكيد ؛ لأن المضمر لا يؤكد الظاهر.

والثانية : أن يليه منصوب ويقرن بلام الفرق نحو : إن كان زيد لهو الفاضل ، وإن

١٦٦

ظننت زيدا لهو الفاضل ؛ لامتناع الابتدائية لما سبق في التبعية لدخول اللام عليه ، فإن رفع ما قبله نحو : كان زيد هو القائم احتمل أن يكون فصلا وأن يكون مبتدأ ثانيا ، وأن يكون بدلا ، فإن كان المرفوع قبله ضميرا نحو : أنت أنت القائم احتمل الثلاثة والتوكيد أيضا ، وإن كان قبله رفع وبعده نصب ولا لام أو عكسه نحو : كان زيد هو القائم وكنت أنت القائم وإن زيدا هو القائم وإنك أنت القائم احتمل في الأولى ما عدا الابتداء ، وفي الثانية ما عدا البدل.

وإن كان بين منصوبين والأول ضمير احتمل الفصل والتأكيد نحو : ظننتك أنت القائم ، ويتعين فيه الابتدائية إذا وقع بعد مفعول ظننت ووقع بعده مرفوع وهو معنى قولي : قبل رفع ما ينصب نحو : ظننت زيدا هو القائم وظننتك أنت القائم ، وتميم يرفعون الفصل على الابتداء وما بعده خبر مطلقا ، ويقرؤون : إن ترني أنا أقل [الكهف : ٣٩] ، (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل : ٢٠].

وفائدة الفصل عند الجمهور إعلام السامع بأن ما بعده خبر لا نعت مع التوكيد ، وأضاف إلى ذلك البيانيون ، وتبعهم السهيلي الاختصاص ، فإذا قلت : كان زيد هو القائم أفاد اختصاصه بالقيام دون غيره ، وعليه : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ٣] ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة : ٥] ، ولو وقع بعده فاء الجزاء نحو : أما زيد هو فالقائم ، فقال سيبويه : يتعين للابتدائية ولا يجوز الفصل ؛ لأن الفاء تدل على أنه ليس بنعت ، وجوزه المبرد ، ولو وقع قبله إلا نحو : ما كان زيد إلا هو الكريم فقال البصريون : يتعين الابتدائية ولا يجوز الفصل ، وجوزه الكسائي ، ولو وقع قبله لا النافية أو إنما نحو : كان عبد الله لا هو العالم ولا الصالح ، فقال الفراء : تتعين الابتدائية ولا يجوز الفصل وجوزه البصريون ؛ لأن لا لا تصلح فارقة بين النعت والمنعوت ، وإن وقع بعده مشتق رافع للسببي فإن طابق الضمير الاسم نحو : ظننت زيدا هو القائم أبوه أو هو القائمة أو القائم جاريته ، فقال البصريون : تتعين الابتدائية ولا يجوز الفصل ، وجوزه الكسائي ، وفصل الفراء بين أن يكون الوصف خلفا من موصوف فيوافق الكسائي ، أو غير خلف فيوافق البصريين.

وإن لم يطابق نحو : كان زيد هي القائمة جاريته فالبصريون يمنعون هذا التركيب أصلا لا يرفع ولا ينصب ؛ لتقدم الضمير على الظاهر ، وجوزه الكسائي على الفصل ، ويجري ما ذكر في باب ظن وفي ثاني وثالث باب أعلم.

ولو عطف على ما بعده الضمير بالواو ، فإن كرر الضمير تعين في المعطوف الرفع إن اختلفا نحو : كان زيد هو القائم وهو الأمير ، وأجاز هشام نصبه ، ورفع المعطوف

١٦٧

والمعطوف عليه إن اتفقا نحو : إن كان زيد هو المقبل وهو المدبر ، وأجاز هشام والفراء نصبهما ، فإن لم يكرر الضمير جاز اتفاقا نحو : كان زيد هو المقبل والمدبر ، والعطف بلا ولكن كالواو فيما ذكر نحو : كان زيد هو القائم لا هو القاعد أو لا القاعد ، وما كان زيد هو القائم لكن هو القاعد أو لكن القاعد.

العلم

(ص) العلم : هو ما وضع لمعين لا يتناول غيره ، فإن كان التعيّن ذهنا فعلم الجنس ، وحكمه كمعرفة لفظا ، ونكرة معنى ، قيل : ويرادفه اسم الجنس ، والأصح أنه للماهية من حيث هي ، أو خارجا فالشخص.

(ش) العلم : ما وضع لمعين لا يتناول غيره ، فخرج بالمعين النكرات ، وبما بعده سائر المعارف ، فإن الضمير صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب ، وليس موضوعا لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره ، لكن إذا استعمل صار جزئيا ولم يشركه أحد فيما أسند إليه ، واسم الإشارة صالح لكل مشار إليه ، فإذا استعمل في واحد لم يشركه فيما أسند إليه أحد ، وأل صالحة لأن يعرف بها كل نكرة ، فإذا استعملت في واحد عرفته وقصرته على شيء بعينه ، وهذا معنى قولهم : إنها كليات وضعا جزئيات استعمالا.

ثم التعين إن كان خارجيا بأن كان الموضوع له معينا في الخارج كزيد فهو علم الشخص ، وإن كان ذهنيا بأن كان الموضوع له معينا في الذهن ، أي : ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم للسبع ، أي : لماهيته الحاضرة في الذهن فهو علم الجنس.

وأما اسم الجنس فهو ما وضع للماهية من حيث هي ، أي : من غير أن تعين في الخارج أو الذهن كالأسد اسم السبع ، أي : لماهيته ، هذا تحرير الفرق بينهما فإنهما ملتبسان لصدق كل منهما على كل فرد من أفراد الجنس ، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنهما مترادفان ، وأن علم الجنس نكرة حقيقة أو إطلاق المعرفة عليه مجاز ، ورد باختلافهما في الأحكام اللفظية فإن العرب أجرت علم الجنس كأسامة وثعالة مجرى علم الشخص في امتناع دخول أل عليه وإضافته ومنع الصرف مع علة أخرى ونعته بالمعرفة ومجيئه مبتدأ وصاحب حال نحو : أسامة أجرأ من ثعالة وهذا أسامة مقبلا ، وأجري اسم الجنس كأسد مجرى النكرات ، وذلك دليل على افتراق مدلوليهما ؛ إذ لو اتحدا معنى لما افترقا لفظا ، وقد فرق بعض أهل المعقول بأن أسدا إذا وضع على شخص لا يمتنع أن يوجد منه أمثال ، فوضع على الشياع وأسامة وضع على معنى الأسدية المعقولة التي لا يمكن أن توجد خارج

١٦٨

الذهن ، ولا يمكن أن يوجد منها اثنان في الذهن ، ثم صار أسامة يقع على الأشخاص ؛ لوجود ذلك المعنى في الأشخاص ، وقد بسطت كلام الأئمة في الفرق بينهما في كتاب الأشباه والنظائر النحوية فليطلب منه.

(ص) فمنه مفرد عري من إضافة وإسناد ومزج ومضاف ، اسم ، وكنية بدئت بأب أو أم أو ابن أو بنت ، ولقب أفاد مدحا أو ذما ، ويؤخر عن الاسم غالبا ، وكذا عن الكنية على المختار ، ثم إن أفردا دون أل أضيفا ، وجوز الكوفية الإتباع وإلا أتبع أو قطع ومزج ، فإن ختم بويه كسر ، وقد يعرب ممنوع الصرف وقد يضاف ، وإلا أعرب ممنوعا مفتوح آخر الأول غير الياء والمنون ومضافا ، والأصح جواز منعه حينئذ وبنائه.

(ش) ينقسم علم الشخص إلى أربعة أقسام :

أحدها : مفرد وهو ما عري من إضافة وإسناد ومزج كزيد.

الثاني : ذو الإسناد وهو المحكي من جملة نحو : برق نحره ، وتأبط شرا ، وشاب قرناها ، وأشرت إليه بقولي بعد ذلك : و «منقول من جملة» ، وسيأتي مبسوطا في باب مستقل ، وهو باب التسمية آخر الكتاب الخامس.

الثالث : ذو المزج وهو كل اسمين نزل ثانيهما منزلة هاء التأنيث ، وهو نوعان : مختوم بويه كسيبويه ونفطويه ، وفيه لغات الفصحى بناؤه على الكسر تغليبا لجانب الصوت ، ويليها الإعراب ممنوع الصرف ، وغير مختوم بويه كمعدي كرب وبعلبك ، ففيه ثلاث لغات : الفصحى إعرابه إعراب ما لا ينصرف على الجزء الثاني ، ويفتح آخر الأول للتركيب ما لم يكن ياء كمعدي كرب فيسكن ، أو منونا ، ويليها إضافة صدره إلى عجزه فيخفض ، ويجري الأول بوجوه الإعراب إلا أنه لا تظهر الفتحة في المعتل حالة نصبه كما تقدم ، وقد يمنع العجز من الصرف حالة الإضافة أيضا في لغة حكاها في التسهيل ، فيفتح نحو : هذا معدي كرب على جعله مؤنثا ، والثالثة بناؤه على الفتح في الجزأين ما لم يعتل الأول فيسكن كخمسة عشر ، وهذه اللغة أنكرها بعضهم وقد نقلها الأثبات.

الرابع : ذو الإضافة وهو اسم وكنية ، فالأول : كعبد الله وعبد الرحمن ، والثاني : ما صدر بأب كأبي بكر ، أو أم كأم كلثوم ، وزاد الرضي أو بابن أو بنت كابن آوى وبنت وردان.

ومن العلم اللقب : وهو ما أشعر بمدح المسمى كزين العابدين ، أو ذمه كأنف الناقة،

١٦٩

وينطق به مفردا ومع الاسم ومع الكنية ، فإذا كان مع الاسم فالغالب أن يتأخر ، وعلله ابن مالك بأنه في الغالب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقفة ، فلو قدم توهم السامع أن المراد مسماه الأصلي ، وذلك مأمون بتأخره ، فلم يعدل عنه ، وعلله غيره بأنه أشهر من الاسم ؛ لأن فيه العلمية مع شيء من معنى النعت ، فلو أتى به أولا لأغنى عن الاسم وندر قوله :

١٩٠ ـ بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا

وإن كان مع الكنية فالذي ذكروه جواز تقدمه عليها وتقدمها عليه ، ومقتضى تعليل ابن مالك امتناع تقديمه عليها وهو المختار ، نعم لا ترتيب بين الاسم والكنية. قال ابن الصائغ : والأولى تقديم غير الأشهر منهما.

ثم إذا تأخر اللقب عن الاسم ، فإن كانا مفردين أضيف إلى الاسم اللقب نحو : جاء سعيد كرز على تأويل الأول بالمسمى والثاني بالاسم تخلصا من إضافة الشيء إلى نفسه ، وجوز الكوفيون فيه الإتباع على البدل أو عطف البيان ، واختاره ابن مالك ؛ لأن الإضافة في مثل ذلك خلاف الأصل ، فإن كان في الأول أل فليس إلا الإتباع وفاقا نحو : الحارث كرز ، ذكره أبو حيان وغيره ، وإن لم يكونا مفردين بأن كانا مضافين نحو : عبد الله زين العابدين ، أو الأول مفردا والثاني مضافا نحو : سعيد زين العابدين أو عكسه نحو : عبد الله بطة امتنعت الإضافة وتعين الإتباع بدلا أو بيانا ، أو القطع إلى الرفع بإضمار هو ، أو إلى النصب بإضمار أعني.

(ص) ومنقول من جملة وسيأتي ، ومصدر ، وعين ، وصفة ، وماض ، ومضارع ، وأمر ، قيل : وصوت ، وهو مقيس وشاذ بفك أو فتح أو إعلال ما استحق خلافه وضدها ، ومرتجل لم يستعمل قبل أو جهل أو لم يقصد به النقل أقوال ، وقيل : كلها منقولة ، وقيل : مرتجلة وغيرهما ، وقيل : ليس علما ما غلب بإضافة ، أو أل وتحذف في نداء وإضافة حتما ، ودونهما نزرا كأن قارنت ارتجالا أو نقلا ، وإلا فإن لمح الأصل دخلت وإلا فلا لا منقول من فعل اختيارا.

(ش) ينقسم العلم إلى منقول ومرتجل ، وواسطة بينهما لا توصف بنقل ولا ارتجال ، هذا رأي الأكثرين ، وذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة وليس منها شيء مرتجل ،

__________________

١٩٠ ـ البيت من البسيط ، وهو لجنوب أخت عمرو ذي الكلب في ديوان الهذليين ٣ / ١٢٥ ، وتخليص الشواهد ص ١١٨ ، واللسان ، مادة (شرى) ، ومعجم ما استعجم ص ٧٣٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٩٥ ، ولريطة أخت عمرو في الأغاني ص ٢٢ / ٢٥٣ ، (دار الكتب) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٨٨.

١٧٠

وقال : إن الوضع سبق ووصل إلى المسمى الأول ، وعلم مدلول تلك اللفظة في النكرات وسمي بها ، وجهلنا نحن أصلها فتوهمها من سمى بها من أجل ذلك مرتجلة ، وذهب الزجاج إلى أنها كلها مرتجلة ، والمرتجل عنده ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا ولذلك لم تجعل أل في الحارث زائدة ، وعلى هذا فيكون موافقتها للنكرات بالعرض لا بالقصد.

حكى هذا الخلاف أبو حيان وقال قبله : المنقول هو الذي يحفظ له أصل في النكرات ، والمرتجل هو الذي لا يحفظ له أصل في النكرات ، وقيل : المنقول هو الذي سبق له وضع في النكرات ، والمرتجل هو الذي لم يسبق له وضع في النكرات ، فحكى قولين ، ويؤخذ من تقريره لكلام الزجاج قول ثالث في حد المرتجل أنه ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا ، فلذلك حكيت فيه ثلاثة أقوال : وعندي أن الخلاف المذكور هل كلها مرتجلة أو منقولة أو متبعضة ، والخلاف المذكور في حد المنقول والمرتجل أحدهما مبني على الآخر كما بينته في «السلسلة».

ثم قال أبو حيان : ينقسم العلم إلى قسمين : منقول ، ومرتجل بالنظر إلى الأكثر وإلا فقد لا يكون منقولا ولا مرتجلا وهو الذي علميته بالغلبة ، وحكاه ابن قاسم بصيغة قيل ، وتلك عادته في أبحاث شيخه أبي حيان ، فظاهره أن ذلك من تفرداته ، ثم المنقول إما من جملة وستأتي في باب التسمية ، أو من مصدر كفضل وزيد وسعد ، أو من اسم عين كأسد وثور وذئب ، أو من صفة اسم فاعل كحارث وطالب ، واسم مفعول كمضروب ومسعود ، أو صفة مشبهة كحسن وسعيد ، أو صيغة مبالغة كعباس ، أو من فعل ماض كشمر ، أو من مضارع كيزيد وأحمد وتغلب ، أو من أمر كاصمت اسما لفلاة ، وزعم بعضهم أنه قد ينقل من صوت كببة وهو صوت كانت أمه ترقصه به تقول :

١٩١ ـ لأنكحنّ ببّه

جارية خدبّه

فلقب به ، وقال ابن خالويه : ببة الغلام السمين فالنقل من صفة لا صوت ، قال ابن مالك : وهو الصحيح.

__________________

١٩١ ـ الرجز لهند بنت أبي سفيان في الحماسة البصرية ٢ / ٤٠٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٩٩ ، والاشتقاق ص ٧٠ ، وشرح المفصل ١ / ٣٢ ، واللسان ، مادة (ببب ، خدب) ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٠٣ ، وتاريخ بغداد ١ / ٢١٢ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٠٠ ، والنقائض ص ١١٣ ، ولامرأة من قريش في جمهرة اللغة ص ٦٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٠٧.

١٧١

ثم المنقول قسمان : قسم مقيس : وهو ما وافق حكم نظيره من النكرات ، وشاذ : وهو ما خالف إما بفك ما استحق الإدغام كمحبب فإنه مفعل من الحب وقياسه محب بالإدغام ، أو بإدغام ما استحق الفك ، أو بفتح ما استحق الكسر كموهب والقياس كسر الهاء ؛ لأن ذلك حكم مفعل مما فاؤه واو وعينه صحيحة كموعد ، أو بكسر ما استحق الفتح كمعدي من معدي كرب ، والقياس فتح الدال كمرمى ، أو بإعلال ما استحق التصحيح كداران وماهان ، والقياس دوران وموهان كالجولان والطوفان ، أو بتصحيح ما استحق الإعلال كمدين وحيوة والقياس مدان وحية بقلب الواو ياء وإدغامهما لاجتماعهما وسكون السابق ، ومن أمثلة المرتجل : سعاد وأدد.

وأما ذو الغلبة فهو كل اسم اشتهر به بعض ما هو له اشتهارا تاما ، وهو ضربان : مضاف كابن عمر وابن زالان ، فكل واحد من ولد عمر وزالان يطلق عليه ابن عمر وابن زالان إلا أن الاستعمال غلب على عبد الله وجابر.

وذو أداة كالأعشى والنابغة ؛ إذ غلبا عليه من بين سائر ذي عشا ونبوغ ، ونازع قوم في عده من أقسام العلم ، وقالوا : إنه شبه العلم لا علم ، وصححه ابن عصفور ، قال : لأن تعريفها ليس بوضع اللفظ على المسمى ، بل بالإضافة أو أل ، ثم أل فيما غلب بها لازمة ويجب حذفها في النداء والإضافة كحديث : «يا رحمن ، ورحمن الدنيا والآخرة» (١) ، وقوله :

١٩٢ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

وقوله :

١٩٣ ـ أحقّا أنّ أخطلكم هجاني

وقل حذفها في غيرهما كقوله :

__________________

١٩٢ ـ الرجز لجرير بن عبد الله البجلي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢١ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، واللسان ، مادة (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم في الخزانة ٨ / ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٩٩.

١٩٣ ـ البيت من الوافر ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٦٤ ، وتخليص الشواهد ص ١٧٦ ، والخزانة ١٠ / ٢٧٣ ، ٢٧٧ ، والكتاب ٣ / ١٣٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٠٤ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٥٣ ، انظر المعجم المفصل ١٠٠٨.

(١) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٦ / ١٧١ ، والطبراني في الدعاء ص ٢١٧ (١٠٤١).

١٧٢

١٩٤ ـ إذا دبران منك يوما لقيته

وحكي : هذا عيوق طالعا ، أما ما غلب بالإضافة فلا يفصل منها بحال ، قال : ولو قارنت اللام نقل علم كالنضر والنعمان ، أو ارتجاله كاليسع والسمؤل فحكمها حكم ما غلب بها من اللزوم إلا في النداء والإضافة.

قال ابن مالك : بل هذا النوع أحق بعدم التجرد ؛ لأن الأداة فيه مقصودة في التسمية قصد همزة أحمد وياء يشكر وتاء تغلب ، بخلافها في الأعشى ونحوه ، فإنها مزيدة للتعريف ، ثم عرض بعد زيادتها شهرة وغلبة اغتنى بها ، إلا أن الغلبة مسبوقة بوجودها فلم تنزع ولو لم يقارن الأداة النقل بأن نقل من مجرد ، لكن المنقول منه صالح لها كالمصدر والصفة واسم العين نظر ، فإن لمح فيها الأصل دخلت الأداة ، فيقال : الفضل والحارث والليث ، وإن لم يلمح استديم التجرد فإن لم يكن المنقول صالحا للأداة كالفعل وكيزيد ويشكر لم تدخل إلا في ضرورة.

(ص) وقد ينكر العلم تحقيقا أو تقديرا ، ومسماه أولو العلم ، وما يحتاج لتعيينه من المألوفات ، وأنواع معان وأعيان لا تؤلف غالبا ، ومن النوعين ما لا يلزم التعريف ، ومن الأعلام أمثلة الوزن ، فما فيه مانع آخر منع صرفه غير منكر إلا ذا وزن متناه أو ألف تأنيث ، فإن صلحت لإلحاق فوجهان ، وما لا فلا ، وما حكي به موزونه المذكور أو قرن بما ينزل منزلته فكهو على الأصح ، وكذا بعض الأعداد المطلقة ، والمختار صرفها مطلقا ، والأصح أن أسماء الأيام أعلام ، ولامها للمح ، وكنوا عن اسم العالم بفلان وفلانة ، وكنيته بأبي فلان وأم فلانة ، وغيره باللام ، وجاء في الحديث بدونها ، واسم الجنس بهن وهنة وهنت ، قيل : والعلم ، ويعرف ويثنى ويجمع ويصغر بهنية ، والحديث بكيت وذيت مثلثا وذية وكذا ، ولا يبطل التصغير العلمية ، وقيل : إلا الترخيم.

(ش) فيه مسائل :

الأولى : قد ينكر العلم تحقيقا نحو : رأيت زيدا من الزيدين ، وما من زيد كزيد بن ثابت ، أو تقديرا كقول أبي سفيان : «لا قريش بعد اليوم» ، وقول بعض العرب : لا بصرة لكم ، وحينئذ يثنى ويجمع وتدخله أل ويضاف.

__________________

١٩٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٧٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٠٨ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٢.

١٧٣

الثانية : مسميات الأعلام أولو العلم من الملائكة والإنس والجن كجبريل وزيد والولهان ، وما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات كالسور والكتب والكواكب والأمكنة والخيل والبغال والحمير والإبل والغنم والكلاب والسلاح والملابس : كالبقرة والكامل وزحل ومكة وسكاب ودلدل ويعفور وشذقم وهيلة وواشق وذي الفقار ، وأنواع معان كبرة للمبرة وفجار للفجرة ويسار للميسرة وخياب بن هياب للخسران ، وأنواع أعيان لا تؤلف غالبا كأبي الحارث وأسامة للأسد وأبي جعدة وذؤالة للذئب ، وندر مجيئها لأعيان مألوفة ، كأبي الدغفاء للأحمق وهيان بن بيان للمجهول شخصا ونسبا ، وقنور بن قنور لنوع العبد ، واقعدي وقومي لنوع الأمة ، وأبي المضاء لنوع الفرس ، ومن النوعي ما لا يلزم التعريف.

قال ابن مالك : «لما كان لهذا الصنف من الأعلام خصوص من وجه وشياع من وجه جاز في بعضها أن يستعمل تارة معرفة ، فيعطي لفظه ما يعطاه المعارف الشخصية ، وأن يستعمل تارة نكرة فيعطى لفظه ما يعطاه النكرات ، ونعني بالنوعي نوعي المعاني والطريق فيه السماع ، فجاء من ذلك فينة وبكرة وغدوة وعشية ، تقول : فلان يأتينا فينة بلا تنوين ، أي : الحين دون الحين ، وفينة بالتنوين ، أي : حينا دون حين ، وكذلك يتعهدنا غدوة وبكرة وعشية بلا تنوين إذا قصدت الأوقات المعبر عنها بهذه الأسماء ، وبالتنوين ، أي : بكرة من البكر والمراد واحد وإن اختلف التقديران ، ولم يسمع ذلك في نوعي الأعيان ، بل ما جاء منه ملتزم تعريفه كأسامة وذؤالة» انتهى.

قلت : ومن أمثلة فينة حديث : «للمؤمن ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة» (١) ، فأدخل عليه اللام وذلك فرع التنكير.

الثالثة : من الأعلام الأمثلة الموزون بها ؛ لأنها دالة على المراد دلالة متضمنة الإشارة إلى حروفه وهيئته ، ولذلك تقع النكرة بعدها حالا وتوصف بالمعرفة كقولنا : لا ينصرف فعل المعدول ويصرف فعل غير معدول.

ثم هي أربعة أقسام :

قسم ينصرف معرفة ونكرة نحو : فاعل إذ ليس فيه سبب يمنع مع العلمية.

وقسم لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة : وهو ما كان بتاء التأنيث كفعلة أو على وزن

__________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١١ / ٣٠٤ (١١٨١٠) ، والبيهقي في الشعب ٥ / ٤١٩ (٧١٢٤).

١٧٤

الفعل به أولى كأفعل ، أو مزيدا آخره ألف ونون كفعلان ، أو ألف إلحاق مقصورة كفعنلى وزن حبنطى ، مثال تعريفها فعلة وزن جفنة وهكذا ، ومثال تنكيرها كل فعلة صحيح العين يجمع على فعلات وهكذا.

وقسم لا ينصرف مطلقا لا معرفة ولا نكرة : وهو ما كان على زنة منتهى التكسير كمفاعل ومفاعيل ، أو ذا ألف تأنيث ممدودة أو مقصورة كفعلاء وفعلى بالضم.

وقسم فيه وجهان : وهو ما آخره ألف مقصورة صالحة للتأنيث والإلحاق كفعلى بفتح الفاء فيه اعتباران إن حكم بكون ألفه للتأنيث امتنع في الحالين ، وإن حكم بكونها للإلحاق امتنع في التعريف وانصرف في التنكير ، وقال الخضراوي : اتفق أصحابنا في أمثلة الأوزان أنها إن استعملت للأفعال خاصة حكيت نحو : ضرب وزنه فعل وانطلق وزنه انفعل ، وإن استعملت للأسماء وأريد بها جنس ما يوزن فحكمها حكم نفسها ، فهي أعلام ، فإن كان فيها ما يمنع الصرف مع العلمية لم ينصرف ، كقولك : فعلان لا ينصرف وأفعل لا ينصرف ، وإن لم يرد بها ذلك وأريد حكاية موزون مذكور معها ففيه خلاف ، كقولك : ضاربة وزنها فاعلة فمنهم من لم يصرف هنا فاعلة ؛ لأن هذه الأمثلة أعلام فهذا علم فيه تاء التأنيث.

ومنهم من قال يحكى به حالة موزونه ، وهم الأكثر فيصرف هنا فاعلة ، وإذا قال : عائشة وزنها فاعلة منع من الصرف ؛ إذ لا حكاية توجب تنوينه ، وإن قرن مثال بما نزل منزلة الموزون فحكمه حكم ما نزل منزلته من الصفات مثاله هذا رجل أفعل حكمه حكم أسود ؛ لأنك تنزله منزلته فامتنع صرفه ، هذا رأي سيبويه والمبرد ، وخالف المازني وقال : ينبغي صرفه ؛ لأن أفعل هنا مثال للوصف وليس بوصف ، ألا ترى أنه يجب صرفه في قولنا : كل أفعل إذا كان صفة فإنه لا ينصرف ، ورد بأنه من اللفظ صفة في المقيس دون المقيس عليه والمرعي حكمه في اللفظ.

الرابعة : من الأعلام أيضا بعض الأعداد المطلقة وهي التي لم تقيد بمعدود مذكور ولا محذوف ، إنما تدل على مجرد العدد ، وإنما كانت أعلاما ؛ لأن كلا منها يدل على حقيقة معينة دلالة خالية من الشركة متضمنة الإشارة إلى ما ارتسم به ، فإذا انضاف إلى العلمية سبب آخر امتنع الصرف نحو : ستة ضعف ثلاثة ، وأربعة نصف ثمانية هذا رأي الزمخشري وابن الخباز وابن مالك ، ونقل أبو حيان عن بعض الشيوخ أنه يصرفها وهو المختار عندي ، قال ابن مالك : ولو عومل بهذه المعاملة كل عدد مطلق لصح ، يعني : أن يجعل علما ، قال : ولو عومل بذلك غير العدد من أسماء المقادير لم يجز ؛ لأن الاختلاف

١٧٥

في حقائقها واقع بخلاف العدد ، فإن حقائقه لا تختلف ، ونعني : بالاختلاف أن الرطل والقدح مثلا يختلف باختلاف المواضع.

الخامسة : مذهب الجمهور أن أسماء الأيام أعلام توهمت فيها الصفة فدخلت عليها (أل) التي للمح كالحارث والعباس ، ثم غلبت فصارت كالدبران فالسبت مشتق من معنى القطع ، والجمعة من الاجتماع ، وباقيها من الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس ، وخالف المبرد فقال : إنها غير أعلام ، ولا ماتها للتعريف فإذا زالت صارت نكرات.

السادسة : كنت العرب عن علم المذكر العاقل نحو : زيد بفلان ، وعن كنيته بأبي فلان أو ابن فلان ، وعن علم المؤنث العاقل نحو : هند بفلانة ، وعن كنيتها بأم فلان أو أم فلانة ، وفلان وفلانة علمان ، لا يثنيان ولا يجمعان ، وأمرهما غريب في لحاق التاء للمؤنث وهو علم ، وإنما تلحق للفرق بين الصفات ، والدليل على أنه علم منع مؤنثه من الصرف في قوله :

١٩٥ ـ فلانة أضحت خلّة لفلان

وكنوا عن علم ما لا يعقل بالفلان في المذكر والفلانة في المؤنث فزادوا (أل) فرقا بين العاقل وغيره ، وفي" تهذيب الأسماء واللغات" للنووي : أنه وقع في الحديث بغير لام فيما لا يعقل أخرجه ابن حبان والبيهقي وأبو يعلى عن ابن عباس قال : ماتت شاة لسودة ، فقالت : يا رسول الله ، ماتت فلانة ، تعني : الشاة ..» (١) الحديث.

وكنوا عن اسم جنس غير العلم ب : (هن) في المذكر ، و (هنة) بفتح النون ، و (هنت) بسكونها في المؤنث ، ولا يكنى به عن علم عاقل أو غيره كأسامة ، قاله الشلوبين والخضراوي وابن مالك وغيرهم ، وقال أبو عمرو : يكنى به عن علم ما لا يعقل ، وقال بعضهم : يكنى به عن علم العاقل أيضا كقوله :

١٩٦ ـ الله أعطاك فضلا من عطيّته

على هن وهن فيما مضى وهن

__________________

١٩٥ ـ ذكر في نسخة العلمية بدون شرح.

١٩٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لابن هرمة في ديوانه ص ٢٢٣ ، والخزانة ٧ / ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ومجالس ثعلب ص ٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٤.

(١) أخرجه أبو يعلى في مسنده ٤ / ٢٢٢ (٢٣٣٤) ، وابن حبان في صحيحه ٤ / ٩٨ (١٢٨١) ، والبيهقي في السنن الكبرى ١ / ١٨ (٥٧).

١٧٦

يخاطب حسن بن زيد ، وكنى عن أولاده عبد الله وحسن وإبراهيم ، وقال ابن تقي : يقال في العاقل : هنت وصلا وهنه وقفا ، وفي غيرهم هنه وصلا ووقفا فرقا بينهما.

وقال في «النهاية» : هن وهنة كناية عن نكرة عاقل وغير عاقل ويصغران ويثنيان ويجمعان تقول : عندي هنية ، أي : جويرية ، وهني ، أي : غليم ، وعنده هنوات ، زاد غيره :ويعرفان باللام ، فيقال : الهن والهنة.

قال بعضهم : فلان وفلانة وهن وهنة أعلام كنى بها عند النسيان أو قصد الإبهام ، ولما كان الغرض من الكناية الستر كثرت الكناية عن الفرج بهن وعن فعل الجماع بهنيت وكذا عن مقدماته ، وكنوا عن الحديث الذي يراد إبهامه وعن أحاديث مجموعة غير معلومة عند المخاطب بكيت وذيت بفتح التاء فيهما وكسرها وضمها ، وبذية بتشديد الياء والفتح ، وكذا ثم كذا تذكر مكررة ، ويقال : كيت وكيت ، وذيت وذيت ، وكيت كيت ، وذيت ذيت مكررا بعطف ودونه.

السابعة : التصغير لا يبطل العلمية ، وقيل : يبطلها تصغير الترخيم ، ورده ابن جني بقوله :

١٩٧ ـ وكان حريث في عطائي جاهدا

يريد الحارث بن وعلة فلو كان منكرا لأدخل عليه أل.

اسم الإشارة

(ص) اسم الإشارة ذا وذاك وذلك لمفرد ذكر ، وذي وتي وتا وذه وذه وته وته وذهي وتهي وذات وتيك وتيك وذيك ، ومنعها ثعلب ، وتلك وتلك وتيلك وتالك لأنثاه ، وذان وتان وذين وتين وذانك وتانك وذينك وتينك وتزاد ياء إبدالا من تشديد النون لمثناهما ، وأولاء مدا وقصرا ، وقد ينون ويضم وتشبع همزته ، ويقال : هلاء وهؤلاء وأولاك ، ويقال : ألاك وأولئك وأولالك لجمعهما ، والمشهور : أن المجرد للقريب ، وذا الكاف للمتوسط ، واللام للبعيد ، واختلف في أولئك والبعيد في المثنى بالتشديد أو بدله ، والمختار وفاقا لابن مالك أن غير المجرد للبعيد وعزي لسيبويه ، وقيل : ترك

__________________

١٩٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١١٥ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٦٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٠٣.

١٧٧

اللام تميمي ، وألف ذا قال البصرية : منقلبة عن ياء أو واو قولان ووزنه فعل ، وقيل : فعل ، والكوفية زائدة ، والمختار وفاقا للسيرافي أصل ، وقد يقال : ذاء وذائه وذائه وذاؤه ، ووزن أولى فعل وأولاء فعال ، وقيل : فعل وألفها عن ياء عند سيبويه ، والمختار وفاقا للمبرد أصل.

(ش) اسم الإشارة كما قال ابن قاسم في شرح «التسهيل» : محصور بالعد فاستغنى عن الحد كما تقدم في الضمير ، فيشار للمفرد المذكر بذا وذاك وذلك ، واختلف البصريون في ألف ذا بعد اتفاقهم على أنها منقلبة عن أصل ، فقال بعضهم : هي منقلبة عن ياء لقولهم في التصغير ذيا ، ولإمالتها فالعين واللام المحذوفة ياءان وهو ثلاثي الوضع في الأصل ، وقال بعضهم : عن واو وجعلوه من باب طويت ، وقال الكوفيون ووافقهم السهيلي : هي زائدة لسقوطها في التثنية ، ورد بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد ، وأما حذفها في التثنية فلالتقاء الساكنين ، وقد عوض منها تشديد النون.

قال أبو حيان : ولو ذهب ذاهب إلى أن ذا ثنائي الوضع نحو : ما ، وأنّ الألف أصل بنفسها غير منقلبة عن شيء ؛ إذ أصل الأسماء المبنية أن توضع على حرف أو حرفين لكان مذهبا جيدا سهلا قليل الدعوى ، قال : ثم رأيت هذا المذهب للسيرافي والخشني ونقله عن قوم ، واختلف أيضا في وزن ذا فالأصح أنه فعل بتحريك العين ؛ لأن الانقلاب عن المتحرك أولى ، وقيل : فعل بسكونها ؛ لأنه الأصل ، وقد يقال في الإشارة إلى المفرد المذكر : ذاء بهمزة مكسورة بعد الألف ، وذائه بهمزة وهاء مكسورة قال :

١٩٨ ـ هذائه الدّفتر خير دفتر

ويشار إلى المفرد المؤنث بعشرة ألفاظ وهي ذي وما بعدها ، والهاء في ذه وته مكسورة باختلاس وساكنة ، وذات مبنية على الضم ، وتزاد تيك بكسر التاء وتيك بفتحها ، وذيك وأنكرها ثعلب وتلك بكسر التاء وتلك بفتحها حكاهما هشام ، وتيلك بكسر اللام والتاء ، وتالك بكسر اللام حكاهما الفراء ، وأنشد قوله :

١٩٩ ـ بأيّة تيلك الدّمن الخوالي

__________________

١٩٨ ـ الرجز بلا نسبة في شرح التصريح ١ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٧٢.

١٩٩ ـ البيت من الوافر ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٨٨.

١٧٨

وقوله :

٢٠٠ ـ وأنّ لتالك الغمر انقشاعا

وللمثنى المذكر ذان وذانك في الرفع وذين وذينك في النصب والجر ، وللمثنى المؤنث تان وتانك وتين وتينك ، وقد يقال في المذكر : ذانيك وذينيك ، وفي المؤنث : تانيك وتينيك وذلك على لغة من شدد النون بإبدال إحدى النونين ياء.

ولجمع المذكر والمؤنث معا أولاء وألاك بالتشديد ، وأولئك وأولالك بالقصر وأولاء بالمد في لغة الحجاز ، والقصر في لغة تميم ، ووزن الممدود عند المبرد والفارسي فعال كغثاء ، وعند أبي إسحاق فعل كهدى زيد في آخره ألف فانقلبت الثانية همزة ، ووزن المقصورة فعل اتفاقا وألفها أصل عند المبرد ؛ لعدم التمكن ، ومنقلبة عن ياء عند سيبويه ؛ لإمالتها وتنوينها لغة حكاها قطرب ، فيقال : أولاء ، قال ابن مالك : وتسمية هذا تنوينا مجاز ؛ لأنه غير مناسب لواحد من أقسام التنوين ، والجيد أن يقال : إن صاحب هذه اللغة زاد نونا بعد هذه الهمزة كنون ضيفن ، وبناء آخره على الضم لغة ، وكذا إشباع الهمزة أوله في أولاء ، وأولئك حكاهما قطرب ، وكذا إبدال أوله هاء مضمومة حكاها أبو علي ، ويقال أيضا : هو لا بفتح الهاء وسكون الواو في لغة حكاها الشلوبين ، إذا عرفت ذلك فلا خلاف أن المجرد من الكاف واللام للقريب ، ثم اختلف فقيل : ما فيه الكاف وحدها ، أو مع اللام كلاهما للبعيد ، وليس للإشارة سوى مرتبتين وهذا ما صححه ابن مالك ، وقال : إنه الظاهر من كلام المتقدمين ونسبه الصفار إلى سيبويه ، واحتج له ابن مالك بأن المشار شبيه بالمنادى والنحويون مجمعون على أن المنادى ليس له إلا مرتبتان ، فلحق بنظيره ، وبأن الفراء نقل أن بني تميم ليس من لغتهم استعمال اللام مع الكاف ، والحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان ، وبأن القرآن لم يرد فيه المجرد من اللام دون الكاف ، فلو كان له مرتبة أخرى لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة ، فإنه لو كانت المراتب ثلاثة لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين وهي وجوه حسنة إلا أن دعوى الإجماع في الأول مردودة.

وذهب أكثر النحويين إلى أن الإشارة ثلاث مراتب : قربى ولها المجرد ، ووسطى :

__________________

٢٠٠ ـ البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٣٥ ، والخزانة ٩ / ١٢٩ ، ١٣٠ ، واللسان ١٥ / ٤٥٤ ، مادة : (هذا) ، وبلا نسبة في الصاحبي ص ٢٢٣ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٩٣.

١٧٩

ولها ذو الكاف ، وبعدى : ولها ذو الكاف واللام ، وصححه ابن الحاجب ، واختلف على هذا في مرتبة مرتبة أولئك بالمد ، فقيل : هؤلاء وسطى كأولاك ، وقيل : للبعدى كأولالك قال أبو حيان : ويستدل للأول بقوله :

٢٠١ ـ يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر

لأن هاء التثنية لا تصحب ذا البعيد ، ومن الشواهد على أولالك قوله :

٢٠٣ ـ أولالك قومي لم يكونوا أشابة

ومن شواهد أولاك قوله :

٢٠٣ ـ من بين ألاك إلى ألّاكا

والمثنى توسطه بتخفيف النون وبعده بتشديدها أو الياء المبدلة منه جوازا مع الألف ، ولزوما مع الياء عند البصريين لمنعهم التشديد معها ، قاله أبو حيان.

(ص) وتصحب ها التنبيه المجرد ، وتقل مع الكاف ، وتمنع مع اللام ، قال ابن مالك : والمثنى والجمع ، وخالف أبو حيان ، وقيل : تلزم تي الهاء والكاف وتفصل بأنا وإخوته وقل بغيرها ، خلافا للزجاج ، وقد تعاد بعده توكيدا ، وأباه أبو حيان ، والمعروف في المؤنث ها هي ذه مفردة ، وحكى هو ذه وهو ذا والكاف حرف خطاب تبين أحواله كالاسمية ، وقد يغني ذلك عن ذلكم.

قال ابن مالك : وإشباع ضم الكاف عن الميم ، وقد يقتصر على الكاف مطلقا ، وتتصل بأرأيت بمعنى أخبرني فلا يلحق تاءه العلامة استغناء بها بخلاف العلمية والفاعل التاء ، وقيل : الكاف ، وقيل : محلها نصب وبحيهل والنجاء ورويد ، وقل ببلى وكلا وأبصر وليس ونعم وبئس وحسبت ، وقد ينوب ذو البعد عن غيره ، وعكسه لضعة أو رفعة ونحو ذلك ، ويتعاقبان ، ومنعه السهيلي.

__________________

٢٠١ ـ البيت من البسيط ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٣٠ ، وله أو للعرجي أو لكامل الثقفي أو لذي الرمة أو للحسين بن عبد الله في الخزانة ١ / ٩٣ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ولكامل الثقفي أو للعرجي في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٢ ، وللعرجي في ذيل ديوانه ص ١٨٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٤٣.

٢٠٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للأعشى في شرح المفصل ١٠ / ٦ ، ولأخي الكلحبة في الخزانة ١ / ٣٩٤ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥٤ ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣٨٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٢٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٢٩ ، والصاحبي ص ٤٨ ، واللامات ص ١٣٢ ، واللسان ١٥ / ٤٣٧ ، مادة (أولى) ، والتاج (أولو) ، والمنصف ١ / ١٦٦ ، ٣ / ٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦١٨.

٢٠٣ ـ الرجز بلا نسبة في التاج ، مادة (ألا).

١٨٠