همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

٣ ـ ألا أيّهذا اللّائمي أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي

فيمن رواه برفع أحضر فإنه حذف منه أن لقرينة ذكرها في المعطوف ليصح عطفه عليه ، وإلا لزم عطف مفرد على جملة وهو ممنوع أما من رواه بالنصب فهو على إضمار أن لا حذفها والمضمر في قوة المذكور.

والثاني : أنه مما نزل فيه الفعل منزلة المصدر وهو سماعك ؛ لأنه مدلول للفعل مع الزمان ، فجرد لأحد مدلوليه كما في قوله :

٤ ـ فقالوا ما تشاء فقلت ألهو

 ...

فإنه نزل فيه ألهو منزلة اللهو ليكون مفردا مطابقا للمسؤول عنه المفرد وهو ما في ما تشاء ، ولم يحمل على حذف أن كما في البيت السابق ؛ لأن قوله : ما تشاء سؤال عما يشاء في الحال لا الاستقبال ، ولو حمل على حذفها لكان مستقبلا فلا يطابق السؤال ، واعترض بجواز أن يراد أشاء في الحال اللهو في الاستقبال ودفع بأن قوله في تمامه :

 ...

إلى الإصباح آثر ذي أثير

يمنع ذلك.

الخامس ـ الإضافة : أي : كونه مضافا أو مضافا إليه ، وأما نحو : (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) [المائدة : ١١٩] ، فإن الفعل فيه موضع المصدر.

السادس والسابع ـ الجر وحرفه : وإنما اختص به ؛ لأنه إنما دخل الكلام ليعدّي إلى الأسماء معنى الأفعال التي لا تتعدى بنفسها إليها لاقتضائها معنى ذلك الحرف ، فامتنع دخولها إلا على اسم بعد فعل لفظا أو تقديرا ، وإذا امتنع دخول عامل الجر على كلمة امتنع الجر الذي هو أثره فإن أورد على هذا نحو قول الشاعر :

__________________

٣ ـ البيت من الطويل ، ويروى بلفظ :

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي

وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٢ ، والإنصاف ٢ / ٥٦٠ ، وخزانة الأدب ١ / ١١٩ ، والدرر ١ / ٧٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٧٠.

٤ ـ البيت من الوافر ، وهو لعروة بن الورد في ديوانه ص ٥٧ ، والدرر ١ / ٧٥ ، ولسان العرب ٤ / ٩ ، مادة (أثر) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥٣٦ ، والخصائص ص ٥٣٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥١.

٢١

٥ ـ والله ما ليلي بنام صاحبه

ولا مخالط اللّيان جانبه

حيث أدخل الباء على نام وهو فعل باتفاق ، فالجواب أنه على حذف الموصوف ، أي : بليل نام صاحبه.

الثامن ـ عود ضمير عليه : وبه استدل على اسمية مهما لعود الهاء عليها في قوله تعالى : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) [الأعراف : ١٣٢] ، وما التعجبية لعود ضمير الفاعل المستكن عليها في نحو : ما أحسن زيدا ، وأل الموصولة لعوده عليها في قولهم : قد أفلح المتقي ربه ، فإن أورد على هذا نحو : قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] حيث عاد الضمير إلى فعل الأمر ، فالجواب أنه عائد على المصدر المفهوم منه وهو العدل لا على الفعل نفسه.

التاسع ـ مباشرة الفعل : أي : ولاؤه من غير فاصل ، وبذلك استدل على اسمية كيف قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) [الفيل : ١] ، وبه استدل الرياشي على اسمية إذا في قوله : ألقاك إذا خرج زيد.

ثم نبهت على أن الاسم ينقسم إلى أربعة أقسام : اسم عين : وهو ما دل على الذات بلا قيد كزيد ورجل ، واسم معنى : وهو ما دل على غير الذات بلا قيد كقيام وقعود ، ووصف عين : وهو ما دل على قيد في الذات كقائم وقاعد ، ووصف معنى : وهو ما دل على قيد في غير الذات كجلي وخفي.

وقد يصح الاسم لهما كبعض المضمرات والوصف كنافع وضار ، والمراد بالاسم هنا قسيم الوصف لا قسيم الفعل والحرف ، ولا قسيم الكنية واللقب ، وبالمعنى قسيم الذات لا المعنى المذكور في أقسام الكلمة السابق فإنه أعم.

وقولي : «ومنه ما سمي به إلخ» فيه لف ونشر مرتب ، فالمثالان الأولان لما سمي به والأخيران لما أريد لفظه.

فائدة : قولهم : زعموا مطية الكذب لم أقف عليه في شيء من كتب الأمثال ، وذكر بعضهم أنه روي مظنة الكذب بالظاء المعجمة والنون ، وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره»

__________________

٥ ـ الرجز للقناني (أبي خالد) في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٩٩ ، ١٠٠ ، والإنصاف ١ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، والخصائص ٢ / ٣٦٦ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١١٣.

٢٢

عن صفوان بن عمرو الكلاعي قال : «بئس مطية المسلم زعموا ، إنما زعموا مطية الشيطان» (١) ، وأخرج ابن سعد في «الطبقات» من طريق الأعمش عن شريح القاضي قال : «زعموا كنية الكذب» (٢).

أقسام الفعل :

(ص) والفعل ماض إن دخله تاء فاعل أو تاء تأنيث ساكنة ، وأمر إن أفهم الطلب وقبل نون توكيد وهو مستقبل ، وقد يدل عليه بالخبر وعكسه ، ومضارع إن بدئ بهمزة متكلم فردا أو نونه معظما أو جمعا أو تاء مخاطب مطلقا أو غائبة أو غائبتين أو ياء غائب مطلقا أو غائبات.

(ش) الفعل ثلاثة أقسام خلافا للكوفيين في قولهم قسمان ، وجعلهم الأمر مقتطعا من المضارع ، وذكرت مع كل قسم علامته ؛ لأنه أبلغ في الاختصار.

أحدها : الماضي ، ويتميز بتاء الفاعل سواء كانت لمتكلم أم لمخاطب ، وبتاء التأنيث الساكنة ، وإنما اختص بها لاستغناء المضارع عنها بتاء المضارعة واستغناء الأمر بياء المخاطبة ، والاسم والحرف بالتاء المتحركة.

قال ابن مالك في شرح «الكافية» : وقد انفردت التاء الساكنة بلحاقها نعم وبئس ، كما انفردت تاء الفاعل بلحاقها تبارك ، ورد الأخير بجواز أن يقال : تباركت أسماء الله.

الثاني الأمر وخاصته أن يفهم الطلب ويقبل نون التوكيد ، فإن أفهمته كلمة ولم تقبل النون فهي اسم فعل نحو : صه ، أو قبلتها ولم تفهمه ففعل مضارع ، والأمر مستقبل أبدا ؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل أو دوام ما حصل نحو : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١].

قال ابن هشام : إلا أن يراد به الخبر نحو : «ارم ولا حرج» فإنه بمعنى رميت والحالة هذه ، وإلا لكان أمرا له بتجديد الرمي وليس كذلك ، وقد يدل على الأمر بلفظ الخبر نحو :(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة : ٢٣٣] ، (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة : ٢٢٨] ، كما يدل على الخبر بلفظ الأمر نحو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] ، أي : فيمد.

__________________

(١) لم أجده بهذا اللفظ.

(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٦ / ١٤١.

٢٣

الثالث : المضارع ويميزه افتتاحه بأحد الأحرف الأربعة الهمزة والنون والتاء والياء والتمييز بها أحسن من التمييز ب : سوف وأخواتها للزوم تلك وعدم لزوم هذه ؛ إذ لا تدخل على أهاء وأهلم فالهمزة للمتكلم مفردا نحو : أكرم ، والنون له جمعا أو مفردا معظما نفسه نحو : (نَحْنُ نَقُصُ) [يوسف : ٣] ، والتاء للمخاطب مطلقا مفردا كان أو مثنى أو مجموعا ، مذكرا أو مؤنثا وللغائبة والغائبتين ، والياء للغائب مطلقا مفردا أو مثنى أو مجموعا وللغائبات ، واحترز من همزة ونون وتاء وياء لا تكون كذلك كأكرم ونرجس الدواء إذا جعل فيه نرجسا وتكلم ويرنأ الشيب خضبه باليرناء وهو الحناء.

زمن المضارع :

(ص) وهو صالح للحال والاستقبال خلافا لمن خصه بأحدهما ، ثم المختار حقيقة في الحال ، وثالثها فيهما.

(ش) في زمان المضارع خمسة أقوال :

أحدها : أنه لا يكون إلا للحال وعليه ابن الطراوة قال : لأن المستقبل غير محقق الوجود ، فإذا قلت : زيد يقوم غدا فمعناه ينوي أن يقوم غدا.

الثاني : أنه لا يكون إلا للمستقبل وعليه الزجاج ، وأنكر أن يكون للحال صيغة لقصره فلا يسع العبارة ؛ لأنك بقدر ما تنطق بحرف من حروف الفعل صار ماضيا ، وأجيب بأن مرادهم بالحال الماضي غير المنقطع لا الآن الفاصل بين الماضي والمستقبل.

الثالث : وهو رأي الجمهور وسيبويه أنه صالح لهما حقيقة فيكون مشتركا بينهما ؛ لأن إطلاقه على كل منهما لا يتوقف على مسوغ ، وإن ركب بخلاف إطلاقه على الماضي فإنه مجاز ؛ لتوقفه على مسوغ.

الرابع : أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال وعليه الفارسي وابن أبي ركب ، وهو المختار عندي بدليل حمله على الحال عند التجرد من القرائن ، وهذا شأن الحقيقة ودخول السين عليه لإفادة الاستقبال ولا تدخل العلامة إلا على الفروع كعلامات التثنية والجمع والتأنيث والنسب.

الخامس : عكسه ، وعليه ابن طاهر ؛ لأن أصل أحوال الفعل أن يكون منتظرا ثم حالا

٢٤

ثم ماضيا ، فالمستقبل أسبق فهو أحق بالمثال ، ورد بأنه لا يلزم من سبق المعنى سبقية المثال.

حالات المضارع :

(ص) ويرجح الحال مجردا ، ويتعين ب : الآن ونحوه وليس وما وأن ولام الابتداء عند الأكثر ، والاستقبال بظرفه وإسناده لمتوقع وكونه طلبا أو وعدا ومع توكيد وترج ومجازاة وناصب ، خلافا لبعضهم مطلقا ، وللسهيلي في أن ولو مصدرية وحرف تنفيس ، لا لام قسم ولا نافية في الأصح ، وينصرف للمضي ب : لم ولما ، وقيل : كان ماضيا فغيرت صيغته ، ولو للشرط وإذ وربما وقد للتقليل ، وكونه خبر باب كان ، قيل : ولمّا الجوابية وما عطف عليه أو عطف على حال أو مستقبل أو ماض فكهو.

(ش) للمضارع أربع حالات :

أحدها : أن يترجح فيه الحال وذلك إذا كان مجردا ؛ لأنه لما كان لكل من الماضي والمستقبل صيغة تخصه ، ولم يكن للحال صيغة تخصه جعلت دلالته على الحال راجحة عند تجرده من القرائن جبرا لما فاته من الاختصاص بصيغة ، وعلله الفارسي بأنه إذا كان لفظ صالحا للأقرب والأبعد فالأقرب أحق به والحال أقرب من المستقبل.

الثاني : أن يتعين فيه الحال وذلك إذا اقترن ب : الآن وما في معناه ك : الحين والساعة وآنفا ، أو نفي ب : ليس أو ما أو إن ؛ لأنها موضوعة لنفي الحال ، أو دخل عليه لام الابتداء هذا قول الأكثر في الجميع ، وزعم بعضهم أنه يجوز بقاء المقرون ب : الآن ونحوه مستقبلا ؛ لاقتران ذلك بالأمر وهو لازم الاستقبال نحو : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) [البقرة : ١٨٧] ، وأجيب بأن استعمالها في المستقبل والماضي مجاز وإنما تخلص للحال إذا استعملت على حقيقتها ، وزعم ابن مالك أن المنفي بالثلاثة قد يكون مستقبلا على قلة ، قال حسان:

٦ ـ وليس يكون الدّهر ما دام يذبل

وقال تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ)

__________________

٦ ـ البيت من الطويل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢٦ ، والجنى الداني ص ٤٩٩ ، والدرر ١ / ٧٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٩.

٢٥

[يونس : ١٥] ، وأجيب بأن الكلام إذا لم يكن قرينة تصرفه إلى الاستقبال لفظية أو معنوية ، وزعم ابن أبي الربيع وابن مالك أن لام الابتداء توجد مع المستقبل قليلا نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ١٢٤] ، (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٣] ف : يحزن مستقبل لإسناده إلى متوقع.

وقال أبو علي : لا توجد إلا مع الحال وهذه حكاية حال يعني الآية الأولى ، وأول بعضهم الثانية على حذف مضاف تقديره نيتكم أو قصدكم أن تذهبوا به.

الثالث : أن يتعين فيه الاستقبال وذلك إذا اقترن بظرف مستقبل سواء كان معمولا به أو مضافا إليه نحو : أزورك إذا تزورني فالفعلان مستقبلان لعمل الأول في إذا ، وإضافة إذا إلى الثاني ، أو أسند إلى متوقع كقوله :

٧ ـ يهولك أن تموت وأنت ملغ

لما فيه النّجاة من العذاب

إذ لو أريد به الحال لزم سبق الفعل للفاعل في الوجود وهو محال ، أو اقتضى طلبا نحو: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة : ٢٣٣] ، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) [الطلاق : ٧] ، (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، أو وعدا نحو : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٤٠] ، أو صحب أداة توكيد كالنونين ؛ لأنه إنما يليق بما لم يحصل ، أو أداة ترج نحو : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) [غافر : ٣٦] ، أو أداة مجازاة جازمة أم لا نحو : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) [النساء : ١٣٣] ، كيف تصنع أصنع ، أو حرف نصب ظاهرا كان أم مقدرا خلافا لبعض المتأخرين في قوله : لا يتعين بشيء من حروف النصب ، وللسهيلي في قوله : لا يتعين ب : أن أو لو المصدرية نحو : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [البقرة : ٩٦] ، بخلاف لو الشرطية فإنها تصرفه للمضي كما سيأتي ، أو حرف تنفيس وهو السين وسوف ؛ لأن وضعهما لتخليص المضارع من ضيق الحال إلى سعة الاستقبال ، قيل : أو لام القسم أو لا النافية وعليه في الأولى الجزولي وجماعة ؛ لأنها في معنى التوكيد وفي الثانية معظم المتأخرين ، وصحح ابن مالك مذهب الأخفش والمبرد وهو بقاؤه على الاحتمال معهما فقد دخلت على الحال في قوله : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) [هود : ٣١].

الرابع : أن ينصرف معناه إلى المضي وذلك إذا اقترن ب : لم أو لما ، وذهب الجزولي وغيره أن مدخولهما كان ماضيا فغيرت صيغته ونسب إلى سيبويه ، ووجهه أن المحافظة على

__________________

٧ ـ البيت من الوافر ، ولم اجده إلا في الهمع ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٠١.

٢٦

المعنى أولى من المحافظة على اللفظ ، ورد بأنه لا نظير له ونظير الأول المضارع الواقع بعد لو ؛ إذ المعهود للحروف قلب المعاني لا قلب الألفاظ ولم أقيد لما بالجازمة للاستغناء عنه ؛ إذ لا يدخل على المضارع سواها أو لو الشرطية نحو : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ) [النحل : ٦١] ، أو إذ نحو : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٣٧] أي : قلت ، أو ربما نحو :

٨ ـ ربّما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

أو قد التقليلية نحو :

٩ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله

 ...

بخلاف ما إذا كان لم تكن للتقليل أو كان خبرا لباب كان نحو : كان زيد يقوم ، قال ابن عصفور : أو صحب لما الجوابية نحو : لما يقوم زيد قام عمرو ، قال أبو حيان : ويحتاج إثبات ذلك إلى دليل من السماع ، أي : في جواز وقوع المضارع بعدها ؛ إذ المعروف أنها لا تدخل إلا على ماضي اللفظ والمعنى كما سيأتي.

وما عطف على حال أو مستقبل أو ماض أو عطف عليه ذلك فهو مثله ؛ لاشتراط اتحاد الزمان في الفعلين المتعاطفين نحو : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ) [الحج : ٦٣] ، أي : فأصبحت الأرض ، وقوله :

١٠ ـ ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني

أي : مررت.

قال أبو حيان : ومن القرائن المخلصة للحال وقوعه في موضع نصب على الحال نحو : جاء زيد يضحك.

__________________

٨ ـ البيت من الخفيف ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٠ ، والأزهية ص ٨٢ ، ٩٥ ، وحماسة البحتري ص ٢٢٣ ، والخزانة ٦ / ١٠٨ ، ١١٣ ، ١٠ / ٩. وشرح أبيان سيبويه ٢ / ٣ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٠.

٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لعبيد بن الأبرص في خزانة الأدب ١١ / ٢٧٤.

١٠ ـ البيت من الكامل ، وهو لرجل من بني سلول في شرح التصريح ٢ / ١١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٠ ، والكتاب ٣ / ٢٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨ ، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤٨.

٢٧

حالات الماضي

(ص) والماضي للحال بالإنشاء والاستقبال بطلب ووعد وعطف على مستقبل ونفي ب : لا وإن بعد قسم ويحتمله ، والمضي بعد همزة التسوية فإن كانت لم بعد أم تعين المضي وتحضيض وكلما وحيث ، وواقعا صلة أو صفة نكرة عامة ، وأنكر أبو حيان هذا القسم.

(ش) للماضي أربع حالات أيضا :

أحدها : أن يتعين معناه للمضي وهو الغالب.

الثاني : أن ينصرف إلى الحال وذلك ؛ إذ قصد به الإنشاء كبعت واشتريت وغيرهما من ألفاظ العقود ؛ إذ هو عبارة عن إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود.

الثالث : أن ينصرف إلى الاستقبال وذلك إذا اقتضى طلبا نحو : غفر الله لك وعزمت عليك إلا فعلت أو لما فعلت ، أو وعدا نحو : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١] ، أو عطف على ما علم استقباله نحو : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود : ٩٨] ، (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) [النمل : ٨٧] ، أو نفي ب : لا أو إن بعد قسم نحو : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر : ٤١] ، أي : ما يمسكهما.

١١ ـ ردّوا فو الله لا ذدناكم أبدا

 ...

الرابع : أن يحتمل الاستقبال والمضي ، وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية نحو : سواء علي أقمت أم قعدت ؛ إذ يحتمل أن يراد ما كان منك من قيام أو قعود ، أو ما يكون من ذلك ، وسواء كان الفعل معادلا ب : أم أم لا نحو : سواء عليّ أيّ وقت جئتني ، فإن كان الفعل بعد أم مقرونا ب : لم تعين المضي نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ؛ لأن الثاني ماض معنى فوجب مضي الأول ؛ لأنه معادل له ، أو وقع بعد أداة تحضيض نحو : هلا فعلت إن أردت المضي فهو توبيخ نحو : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) [هود : ١١٦] ، أو الاستقبال فهو أمر به نحو : (فَلَوْ لا نَفَرَ) [التوبة : ١٢٢] ، أي : لينفر ، أو بعد كلما فالمضي نحو : (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها) [المؤمنون : ٤٤] ، والاستقبال نحو : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ) [النساء : ٥٦] ، أو بعد حيث فالمضي

__________________

١١ ـ ذكر هذا البيت في نسخة ، ولم يأت عليه شرح في الدرر.

٢٨

نحو : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٢٢] ، والاستقبال نحو : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِ) [البقرة : ١٤٩] ، أو وقع صلة فالمضي نحو : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] ، والاستقبال نحو : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٣٤] ، وقد اجتمعا في قوله :

١٢ ـ وإنّي لآتيكم تشكّر ما مضى

من الأمر واستيجاب ما كان في غد

أو وقع صفة لنكرة عامة فالمضي نحو :

١٣ ـ ربّ رفد هرقته ذلك اليوم

 ...

والاستقبال كحديث «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها» (١) ، أي :يسمع ؛ لأنه ترغيب لمن أدرك حياته في حفظ ما يسمعه منه ، وأنكر أبو حيان هذا القسم الرابع بصوره كلها فقال بعد أن ساقها : وهذه المثل في هذه الاحتمالات من كلام ابن مالك ، والذي نذهب إليه الحمل على المضي لإبقاء اللفظ على موضعه ، وإنما فهم الاستقبال فيما مثل به من خارج ووافقه المرادي.

(ص) وليس أصلا للأفعال والباقي فرع ، والأمر مقتطعا من المضارع على الأصح.

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : ذهب بعضهم إلى أن الأصل في الأفعال هو الماضي ؛ لأنه أسبق الأمثلة لاعتلال المضارع والأمر باعتلاله ، ولأن المضارع هو الماضي مع الزوائد والأمر منه بعد طرحها ، والجمهور على أن الثلاثة أصول.

الثانية : ذهب الكوفيون إلى أن أصول الفعل الماضي والمضارع فقط ، وأن الأمر

__________________

١٢ ـ البيت من الطويل ، وهو للطرماح في ملحق ديوانه ص ٥٧٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٣٣١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩٨ ، ولسان العرب ٤ / ٤٢٣ (شكر) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٣.

١٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٦٣ ، والخزانة ٩ / ٥٧٠ ، ٥٧٥ ، ٥٧٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٥ ، وشرح المفضل ٨ / ٢٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٨٧ ، ولأعشى همدان في المقاصد النحوية ٣ / ٢٥١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٠.

(١) أخرجه الترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع (٢٦٥٨) ، وابن ماجه ، كتاب المقدمة ، باب من بلغ علما (٢٣٦) وأحمد في مسنده (١٦٢٩٦).

٢٩

مقتطع من المضارع ؛ إذ أصل افعل لتفعل كأمر الغائب ، ولما كان أمر المخاطب أكثر على ألسنتهم استثقلوا مجيء اللام فيه فحذفوها مع حرف المضارعة طلبا للتخفيف مع كثرة الاستعمال ، وبنوا على ذلك أنه معرب ، والبصريون على أنه أصل برأسه وما ذكر في أصله فممنوع.

الحرف وأقسامه :

(ص) والحرف لا علامة له ، فإن اختص باسم أو فعل عمل وإلا فلا ، ويستثنى من الأول هل التي في حيزها فعل ، ومن الثاني ما ولا وإن النافيات.

(ش) الحرف لا علامة له وجودية ، بل علامته ألا يقبل شيئا من خواص الاسم ، ولا من خواص الفعل ، وهو ثلاثة أقسام : مختص بالاسم ، ومختص بالفعل ، ومشترك بينهما.

والأصل في كل حرف يختص أن يعمل فيما اختص به ، وفي كل حرف لا يختص ألا يعمل ، وقيد أبو حيان الأول بألا يتنزل منه منزلة الجزء ، فإن تنزل ك : أل وسين التنفيس لم يعمل ، ومما خرج عن هذا الأصل هل التي في حيزها فعل فإنها تختص به بمعنى أنه يجب إيلاؤه إياها كما سيأتي في باب الاشتغال ، حيث رجح النصب بعدها ومع ذلك لا تعمل ؛ لأن هذا الاختصاص عرضي لا يلزم وما ولا وإن النافيات فإنها لا تختص ومع ذلك تعمل ؛ لأن لها شبها ب : ليس في أنها للنفي وللحال ، وتدخل على المبتدأ والخبر فألحقت بها.

(ص) وليس منه عسى وليس وكان وأخواتها على الصحيح.

(ش) المشهور من مذهب الجمهور أن المذكورات أفعال ؛ لاتصال ضمائر الرفع والتاء الساكنة بها ، وذهب ابن السراج إلى حرفية عسى وليس مستندا إلى عدم تصرفهما ، ووافقه في الأولى ثعلب ، وفي الثانية الفارسي وابن شقير ، ورد بأن ذلك لا يصلح دليلا للحرفية مع قيام دليل الفعلية ، وذهب الزجاجي إلى أن كان وأخواتها حروف.

وقال ابن هشام في حواشي «التسهيل» : الخلاف في عسى وليس شهير ، وفي كان غريب ، قال ابن الحاج في «النقد» : حكى العبدي في شرح «الإيضاح» أن المبرد قال : إنّ كان حرف ، قال العبدي : وهذا أطرف من قول من قال : إن ليس وعسى حرفان ، قال ابن الحاج : هو وإن كان في بادئ الرأي ضعيفا إلا أنه أقوى لمن تأمل ؛ لأنها لا تدل على حدث ، بل دخلت لتفيد معنى المضي في خبر ما دخلت عليه.

٣٠

تعريف الكلام :

(ص) والكلام قول مفيد ، وهو ما يحسن سكوت المتكلم عليه ، وقيل : السامع ، وقيل : هما ، والأصح اشتراط القصد وإفادة ما يجهل ، لا اتحاد الناطق ، وأشكل تصوير خلافه.

(ش) الكلام يطلق لغة على الخط والإشارة وما يفهم من حال الشيء وإطلاقه على هذه الثلاثة مجاز ، وعلى التكليم الذي هو المصدر ، وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن إطلاقه على هذا حقيقة ، وعلى ما في النفس من المعاني التي يعبر عنها وعلى اللفظ المركب أفاد أم لم يفد ، وهل هو حقيقة فيهما أو في الأول فقط أو الثاني فقط ثلاثة مذاهب للنحويين ، وعلى الكلمة الواحدة كما في «الصحاح».

وأما في الاصطلاح فأحسن حدوده وأخصرها أنه قول مفيد فخرج ب : القول الخمسة الأول المذكورة وب : المفيد الكلمة وبعض المركبات وهو الذي لا يفيد ، والمراد ب : المفيد ما يفهم معنى يحسن السكوت عليه.

وهل المراد سكوت المتكلم ، أو السامع ، أو هما؟ أقوال أرجحها الأول ؛ لأنه خلاف التكلم فكما أن التكلم صفة المتكلم كذلك السكوت صفته أيضا ، والمراد ب : حسن السكوت عليه ألا يكون محتاجا في إفادته للسامع كاحتياج المحكوم عليه إلى المحكوم به ، أو عكسه فلا يضره احتياجه إلى المتعلقات من المفاعيل ونحوها.

وهل يشترط إفادة المخاطب شيئا يجهله؟ قولان :

أحدهما : نعم ، وجزم به ابن مالك ، فلا يسمى نحو : السماء فوق الأرض والنار حارة وتكلم رجل كلاما.

والثاني : لا ، وصححه أبو حيان قال : وإلا كان الشيء الواحد كلاما وغير كلام إذا خوطب به من يجهله فاستفاد مضمونه ، ثم خوطب به ثانيا ، ومحل الخلاف ما إذا ابتدئ به فيصح أن يقال : زيد قائم كما أن النار حارة بلا خلاف ذكره أبو حيان في «تذكرته».

وهل يشترط في الكلام القصد؟ قولان :

أحدهما : نعم ، وجزم به ابن مالك وخلائق ، فلا يسمى ما ينطق به النائم والساهي كلاما ، وعلى هذا يزاد في الحد : مقصود.

٣١

والثاني : لا ، وصححه أبو حيان.

وهل يشترط فيه اتحاد الناطق؟ قولان :

أحدهما : نعم ، فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا والآخر فاعلا ، أو مبتدأ والآخر خبرا لم يسم ذلك كلاما ، وعلل بأن الكلام عمل واحد فلا يكون عامله إلا واحدا وعلى هذا يزاد في الحد : من ناطق واحد.

والثاني : لا ، وصححه ابن مالك وأبو حيان كما أن اتحاد الكاتب لا يعتبر في كون الخط خطا ، وقال ابن قاسم : صدور الكلام من ناطقين لا يتصور ؛ لأن كل واحد من المتكلمين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى ، فكأنها مقدرة في كلامه ، وهذا معنى قولي : «وأشكل تصوير خلافه».

تنبيه : تخصيص النحاة الكلام بالمفيد مجرد اصطلاح لا دليل عليه ، وقد بالغ الخفاجي في إنكار ذلك عليهم ، فقال في كتابه «سر الفصاحة» : الكلام عندنا ما انتظم من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة إذا وقع ممن تصح منه أو من قبيله الإفادة ، قال : وإنما شرطنا الانتظام ؛ لأنه لو أتى بحرف ومضى زمان وأتى بحرف لم يصح وصف فعله بأنه كلام ، وذكرنا الحروف المعقولة ؛ لأن أصوات بعض الجمادات ربما تقطعت على وجه يلتبس بالحروف ، لكنها لا تتميز تميزها ، وشرطنا وقوع ذلك ممن تصح منه أو من قبيله الإفادة ؛ لئلا يلزم عليه أن يكون ما يسمع من بعض الطيور كلاما.

وقولنا : القبيل دون الشخص ؛ لأن ما يسمع من المجنون يوصف بأنه كلام وإن لم تصح منه الفائدة وهو بحاله ، لكنها تصح من قبيله وليس كذلك الطائر ، ولا يجوز أن يشترط في حدّ الكلام كونه مفيدا على ما ذهب إليه أهل النحو ؛ لأن أهل اللغة قسموا الكلام إلى مهمل ومستعمل ، فالمهمل ما لم يوضع لشيء من المعاني ، والمستعمل هو الموضوع لمعنى له فائدة فلو كان الكلام هو المفيد عندهم وما لم يفد ليس بكلام لم يكونوا قسموه على قسمين ، بل كان يجب أن يسلبوا ما لم يفد اسم الكلام رأسا على أن الكلام إنما يفيد بالمواضعة وليس لها تأثير في كونه كلاما كما لا تأثير لها في كونه صوتا ، وقد تصدى أبو طالب العبيدي في شرح «الإيضاح» لنصر مذهب النحويين في ذلك ، وأكثر ما استدل بقولهم لمن يورد ما تقل فائدته : هذا ليس بكلام ، وبقول سيبويه : إن الكلام إنما يقع على الجمل ، وقرره بأنه اسم لمصدر ونائب عنه وذلك المصدر وهو التكليم موضوع للمبالغة والتكثير ؛ لأن فعله كلم دال على ذلك ، فلما جرى الكلام عليه وجب أن يراد به

٣٢

التكثير ، وأقل أحوال التكثير والتكرير أن يكون واقعا على جملة ، قال : ولا حجة له في ذلك ، وأما قولهم لقليل الفائدة : ليس بكلام فمن باب المجاز والمبالغة كقولك للبليد : ليس بإنسان ، وأما قول سيبويه فلا تقوم به حجة ؛ لأن الخصم قال : نعم يمكن أن يقال : إن المتقدمين من أهل النحو تواضعوا في عرفهم على أن سموا الجملة المفيدة كلاما دون ما لم يفد ؛ لأن ذلك على سبيل التحقيق ، كما أنهم سموا هذه الحوادث الواقعة ك : ضرب أفعالا ، ولو عدلنا إلى التحقيق كانت أسماء لما وقع من الحوادث اه.

وقال ابن جني في «الخصائص» : فإن قيل : لم وضع الكلام على ما كان مستقلا بنفسه وعلى الجملة التامة دون غيرها ، الاشتقاق قضى بذلك أم مجرد السماع؟ قيل : لا ، بل الاشتقاق قضى به دون مجرد السماع ؛ لأن الكلام مأخوذ من الكلم وهو الجرح والتأثير ، وإنما يحصل التأثير بالتام المفهوم دون غيره ، قال : ومما يؤنسك بذلك أن العرب لما أرادت الآحاد من ذلك خصته باسم له لا يقع إلا على الواحد وهو قولهم كلمة ، ثم قال في آخر كلامه :

١٤ ـ ....

ولكلّ قوم سنّة وإمامها

أقل ما يتأتى منه الكلام

(ص) ولا يمكن في كلمة خلافا لابن طلحة ، ولا اسم وحرف خلافا للفارسي ، ولا فعل وحرف خلافا لشذوذ ، بل في اسمين ، واسم وفعل.

(ش) الضمير عائد إلى الكلام أو إلى الإفادة ، والحاصل أن الكلام لا يتأتى إلا من اسمين ، أو من اسم وفعل ، فلا يتأتى من فعلين ، ولا حرفين ، ولا اسم وحرف ، ولا فعل وحرف ، ولا كلمة واحدة ؛ لأن الإفادة إنما تحصل بالإسناد ، وهو لا بد له من طرفين مسند ومسند إليه ، والاسم بحسب الوضع يصلح أن يكون مسندا ومسندا إليه ، والفعل لكونه مسندا لا مسندا إليه ، والحرف لا يصلح لأحدهما فالاسمان يكونان كلاما ؛ لكون أحدهما مسندا والآخر مسندا إليه ، وكذلك الاسم مع الفعل لكون الفعل مسندا والاسم مسندا إليه ، والفعلان ، والفعل والحرف لا مسند إليه فيهما ، والاسم مع الحرف إما أن يفقد منه المسند أو المسند إليه ، والحرفان لا مسند إليه فيهما ولا مسند ، والكلمة لا إسناد فيها بالكلية.

__________________

١٤ ـ البيت من البحر الكامل ، وهو للبيد في ديوانه ص ١٠٦ ، ولسان العرب ١٢ / ٢٦ (أمم) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٤٥٩ (أمم) ، وبلات نسبة في الخصائص ١ / ٣٢.

٣٣

وزعم ابن طلحة أن الكلمة الواحدة قد تكون كلاما إذا قامت مقام الكلام ك : نعم ولا في الجواب ، ورد بأن الكلام هو الجملة المقدرة بعدها ، وزعم أبو علي الفارسي أن الاسم مع الحرف يكون كلاما في النداء نحو : يا زيد ، وأجيب بأن يا سدت مسد الفعل وهو أدعو أو أنادي ، وزعم بعضهم أن الفعل مع الحرف يكون كلاما في نحو : ما قام بناء على أن الضمير المستتر لا يعد كلمة.

أقسام الكلام

(ص) وهو خبر إن احتمل الصدق والكذب ، وإلا فإنشاء ، والأصح انحصاره فيهما.

(ش) اختلف الناس في أقسام الكلام :

فالحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصاره في الخبر والإنشاء ، وقال كثيرون : أقسامه ثلاثة خبر وطلب وإنشاء قالوا : لأن الكلام إما أن يقبل التصديق والتكذيب أو لا ، الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء ، وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب ، والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وأن معنى اضرب مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه ، وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه.

وقال قطرب : أقسام الكلام أربعة خبر واستخبار وهو الاستفهام وطلب ونداء ، فأدرج الأمر والنهي تحت الطلب ، وضعف بأن الاستخبار داخل تحته أيضا ، وبأن نحو : بعت واشتريت خارج منه.

وقال بعضهم : خمسة : خبر وأمر وتصريح وطلب ونداء.

وقال الأخفش : ستة : خبر واستخبار وأمر ونهي ونداء وتمن.

وقال بعضهم : عشرة : نداء ومسألة وأمر وتشفع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام.

وقال بعضهم : تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة.

وقال بعضهم : ثمانية بإسقاط التشفع لدخوله فيها.

وقال بعضهم : سبعة بإسقاط الشك ؛ لأنه من قسم الخبر.

٣٤

وقال بعضهم : ستة عشر : أمر ونهي وخبر واستخبار وطلب وجحود وتمن وإغلاظ وتلهف واختبار وقسم وتشبيه ومجازاة ودعاء وتعجب واستثناء ، والتحقيق انحصاره في القسمين الأولين ، ورجوع بقية المذكورات إليهما.

الكلم

(ص) والكلم المركب من ثلاث وإن لم يفد ، وهو اسم جنس ل : كلمة لا جمع كثرة ولا قلة ولا شرطه تعدد الأنواع خلافا لزاعميها.

(ش) الكلم : القول المركب من ثلاث كلمات فصاعدا أفاد أم لا ، فهو أخص من الكلام ؛ لأنه يكون بالتركيب من ثلاث ، وأعم منه لعدم اشتراط الفائدة والكلام عكسه ، فيتأتى اجتماعهما في قد قام زيد ، وارتفاعهما في إن قام ، ووجود الكلام دون الكلم في زيد قائم ، وعكسه في إن قام زيد.

وهل يشترط أن تكون الثلاث من الأنواع الثلاثة أو لا ، فتكون من نوع أو من نوعين؟ذكر ابن النحاس فيه خلافا ، والصحيح عدم الاشتراط ، والصحيح أنه اسم جنس للكلمة كتمر وتمرة لا جمع كثرة ولا قلة ، خلافا لزاعمي ذلك بدليل تذكيره في قوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر : ١٠] ، وأنه لم يتغير فيه نظم واحده ذكر ذلك ابن الصائغ في شرح «الألفية» ، وابن فلاح في «مغنيه» ، قال ابن الخشاب : ولا يطلق الكلم على المركب من كلمتين إلا عند من يجوز إطلاق اسم الجمع على اثنين.

وفي شرح «التسهيل» لناظر الجيش : اختلف النحاة في الكلم فذهب جماعة منهم الجرجاني إلى أنه جمع للكلمة ، وذهب الفارسي وغيره من المحققين إلى أنه اسم جنس لها ، ثم اختلفوا على مذاهب :

أحدها : وعليه الأكثر أنه لا يقع إلا على ما فوق العشرة ، وإذا قصد به ما دونها جمع بألف وتاء.

والثاني : أنه يقع على الكثير والقليل.

والثالث : أنه لا يقع على أقل من ثلاث وعليه ابن مالك.

٣٥

الجملة

(ص) والجملة قيل : ترادف الكلام ، والأصح أعم لعدم شرط الإفادة ، فإن صدرت باسم فاسمية ، أو فعل ففعلية ، أو ظرف أو مجرور فظرفية ، وإن تقدمها حرف والعبرة بصدر الأصل واسمية الصدر فعلية العجز ذات وجهين ، وتسمى الكبرى إن كان خبرها جملة ، والصغرى إن كانت خبرا ، ولما بينهما اعتباران.

(ش) ذهبت طائفة إلى أن الجملة والكلام مترادفان وهو ظاهر قول الزمخشري في «المفصل» ، فإنه بعد أن فرغ من حد الكلام قال : ويسمى جملة.

والصواب أنها أعم منه ؛ إذ شرطه الإفادة بخلافها.

قال ابن هشام في «المغني» : ولهذا تسمعهم يقولون : جملة الشرط جملة الجواب جملة الصلة ، وكل ذلك ليس مفيدا فليس كلاما ، وعلى هذا فحد الجملة : القول المركب كما أفصح به شيخنا العلامة الكافيجي في شرح «القواعد» ، ثم اختار الترادف ، قال : لأنا نعلم بالضرورة أن كل مركب لا يطلق عليه الجملة ، وسبقه إلى اختيار ذلك ناظر الجيش وقال : إنه الذي يقتضيه كلام النحاة ، قال : وأما إطلاق الجملة على ما ذكر من الواقعة شرطا أو جوابا أو صلة فإطلاق مجازي ؛ لأن كلا منها كان جملة قبل فأطلقت الجملة عليه باعتبار ما كان ، كإطلاق اليتامى على البالغين نظرا إلى أنهم كانوا كذلك اه.

وتنقسم الجملة إلى اسمية وفعلية وظرفية ، فالاسمية التي صدرها اسم كزيد قائم وهيهات العقيق ، والفعلية التي صدرها فعل كقام زيد وضرب اللص وكان زيد قائما وظننته قائما ويقوم وقم ، والظرفية المصدرة بظرف أو مجرور نحو : أعندك زيد وأفي الدار زيد إذا قدرت زيدا فاعلا بالظرف أو المجرور لا بالاستقرار المحذوف ولا مبتدأ مخبرا عنه بهما.

وزاد الزمخشري وغيره في الجمل الشرطية ، والصواب أنها من قبيل الفعلية ؛ لأن المراد بالصدر المسند أو المسند إليه ، ولا عبرة بما تقدم عليهما من الحروف فالجملة من نحو : أقائم الزيدان وأزيد أخوك ولعل أباك منطلق وما زيد قائما اسمية ، ومن نحو : أقام زيد وإن قام زيد وهلا قمت فعلية ، والمعتبر أيضا ما هو صدر في الأصل فالجملة من نحو : كيف جاء زيد ونحو : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة : ٨٧] ، ونحو : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) [غافر : ٨١] فعلية ؛ لأن هذه الأسماء في رتبة التأخير وكذا جملة من

٣٦

نحو : يا عبد الله ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] ، (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) [النحل : ٥] ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل : ١] ؛ لأن صدورها في الأصل أفعال ، والتقدير أدعو زيدا وإن استجارك أحد وخلق الأنعام وأقسم بالليل ، وقد تكون الجملة ذات وجهين وهي اسمية الصدر فعلية العجز نحو : زيد يقوم أبوه.

قال ابن هشام : وينبغي أن يزاد عكس ذلك نحو : ظننت زيدا أبوه قائم ، وتنقسم أيضا إلى الكبرى والصغرى فالكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو : زيد قام أبوه وزيد أبوه قائم ، والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين ، وقد تكون الجملة كبرى وصغرى باعتبارين نحو : زيد أبوه غلامه منطلق فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير ، وغلامه منطلق صغرى لا غير ، وأبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق صغرى باعتبار جملة الكلام.

القول

(ص) والقول لفظ دل على معنى فيعم الثلاثة ، قيل : والمهمل ، وليس مجازا في غير الكلمة ، ولا خاصا بالمركب ولا المفيد ، خلافا لزاعميها.

(ش) القول هو اللفظ الدال على معنى ف : اللفظ جنس يشمل المستعمل والمهمل ؛ لأنه الصوت المعتمد على مقطع والدال على معنى فصل يخرج المهمل ، فشمل الكلمة والكلام والكلم شمولا بدليا ، أي : إنه يصدق على كل منها أنه قول إطلاقا حقيقيا ، وقيل :إنه حقيقة في المفرد ، وإطلاقه على المركب مجاز وعليه ابن معط ، وقيل : حقيقة في المركب سواء أفاد أم لا ، وإطلاقه على المفرد مجاز ، وقيل : حقيقة في المركب المفيد ، وإطلاقه على المفرد والمركب الذي لا يفيد مجاز ، وبه جزم الجويني في «تفسيره» ، وقيل : إنه يطلق على اللفظ المهمل أيضا فيرادف اللفظ حكاه أبو حيان في باب ظن من شرح «التسهيل» ، وجزم به أبو البقاء في «اللباب» ، أما إطلاقه على غير اللفظ من الرأي والاعتقاد فمجاز جزما إجماعا.

الإعراب

(ص) الإعراب.

(ش) أي : هذا بحثه ، وهو مصدر أعرب مشتركا لمعان ، الإبانة : يقال : أعرب

٣٧

الرجل عن حاجته أبان عنها ، ومنه حديث : «والثيب تعرب عن نفسها» (١) ، والإجالة : عربت الدابة جالت في مرعاها ، وأعربها صاحبها أجالها ، والتحسين : أعربت الشيء حسنته ، والتغيير : عربت المعدة وأعربها الله غيرها ، وإزالة الفساد : أعربت الشيء أزلت عربه ، أي : فساده ، ويتعدى الأول ب : عن ، والباقي بالهمزة ، ويأتي أعرب لازما بمعنى تكلم بالعربية ، أو صارت له خيل عراب ، أو ولد له ولد عربي اللون ، أو تكلم بالفحش ، أو أعطى العربون ، فهذه عشر معان ، والمناسب للمعنى الاصطلاحي منها هو الأول ؛ إذ القصد به إبانة المعاني المختلفة كما ستعرفه ، ويصح أن يكون من الخمسة بعده.

(ص) قال الجمهور : لفظي فهو أثر يجلبه العامل ظاهرا أو مقدرا ، قيل : أو منوي ، وخص المقدر بما ألفه منقلبة ، والمنوي بغيره ، وقيل : معنوي فهو التغيير لعامل لفظا أو تقديرا ، قيل : أو محلا في المبني.

(ش) اختلف هل الإعراب لفظي أو معنوي؟ على قولين :

فالجمهور على الأول وإليه ذهب ابن خروف والشلوبين وابن مالك ونسبه للمحققين وابن الحاجب وسائر المتأخرين ، وحده على هذا : أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في محل الإعراب وهو الآخر كما سيأتي ، والمراد ب : الأثر الحركة والحذف والسكون والحرف ، وب : المقدر ما كان في المقصور ونحوه مما سيأتي ، وقولنا : يجلبه العامل احتراز من حركة الإتباع نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] ، ومن حركة البناء وسائر الحركات.

فإن قلت : فلم لم تزد في الحد في آخر الكلمة كما صنع ابن هشام في «الشذور»؟

قلت : قد صرح هو في «شرحه» بأن ذلك ليس قيدا محترزا به عن شيء ؛ إذ ليس لنا أثر يجلبه العامل في غير الآخر فيحترز عنه ، وإنما هو بيان لمحل الإعراب من الكلمة ، وقد ذكرته بعد ذلك مفصولا من الحد فهو أقعد ؛ لئلا يتوهم كونه من تمامه ، وأيضا فلأن الإعراب قد يكون في غير الآخر كما سيأتي.

وذهب الأعلم وجماعة من المغاربة إلى أنه معنوي ونسب لظاهر قول سيبويه ورجحه أبو حيان ، وعلى هذا فحده : التغيير لعامل لفظا أو تقديرا.

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب استثمار البكر والثيب (١٨٧٣) ، وأحمد في مسنده (١٧٢٦٩).

٣٨

واستدل لصحة الأول بأن الإعراب قد يكون لازما للزوم مدلوله كرفع لعمرك ونصب سبحان الله ورويدك وجر الكلاع وعريط من ذي الكلاع وأم عريط فلا يصح قول من جعله تغييرا ، وأجيب بأن ذلك ونحوه متغير بمعنى أنه صالح للتغير ، أو متغير عن حالة السكون التي كان عليها قبل التركيب ، ورد بأن الأول مجاز والثاني يرد عليه المبني على حركة فإنه كذلك.

واستدل للثاني بأنه لو كانت الحركات ونحوها إعرابا لم تضف إليه في قولهم : حركات الإعراب ، وأجيب بأنها بيانية وبأنها توجد في المبني ، وأجيب بأنها غيرها وبأنها تزول في الوقف مع الحكم عليه بالإعراب ، وأجيب بأنه عارض لا اعتبار به ، وبأن السكون ليس بأثر ، وأجيب بأن الأثر أعم من وجود الحركة وحذفها ، وبأن فيه تخصيصا للفظ ببعض إطلاقاته اللغوية ، بخلاف ما إذا جعلناه نفس الحركات والحروف ، ففيه نقل اللفظ بالكلية عن مدلوله اللغوي ، وذلك غير جائز للمصطلحين.

وتقسيم الأثر إلى ظاهر ومقدر هو المعروف ، وقسمه بعضهم إلى ظاهر ومقدر ومنوي ، وخص المقدر بما ألفه منقلبة عن ياء مقدرة نحو : ملهى ، والمنوي بما ألفه غير منقلبة عن شيء نحو : حبلى وأرطى ، وبغير الألف كغلامي ، وكذلك تقسيم التغيير إلى لفظي وتقديري هو المشهور ، وقسمه بعضهم إلى ثلاثة : لفظي وتقديري ومحلي ، وفسر المحلي بموضع الاسم المبني.

(ص) ومحله آخر الكلمة أو ما نزل منزلته.

(ش) المراد بآخر الكلمة نحو : الدال من زيد والميم من يقوم ، وبما نزل منزلته الأفعال الخمسة ، فإن علامة الإعراب فيها النون وحذفها ، وليست هي آخر الكلمة ولا متصلة بالآخر ، بل الضمير الذي هو الفاعل ، والفاعل بمنزلة الجزء من الفعل ، وكذا اثنا عشر واثني عشر فإن الإعراب فيهما في حشو الكلام ، قال ابن جني في «الخاطريات» : لأن الاسمين المضموم أحدهما إلى الآخر بمنزلة المضاف والمضاف إليه ، وقال ابن هشام : الذي يظهر في الجواب أن عشر حال محل النون والنون بمنزلة التنوين.

تنبيه : يسمى آخر المعرب حرف إعراب والمبني لا حرف إعراب له ، قال ابن يعيش : وربما سمي آخره حرف إعراب على معنى أنه لو أعرب أو كان مما يعرب لكان محل الإعراب.

٣٩

(ص) والصحيح أنه زائد على الماهية ومقارن الوضع.

(ش) فيه مسألتان :

الأولى : الإعراب زائد على ماهية الكلمة كما جزم به أبو حيان ، وذكر ابن مالك أنه جزء منها وبعضها ، ووهاه أبو حيان.

والثانية : ذكر الزجاجي في أسرار النحو أن الكلام سابق الإعراب في المرتبة ، وهل تلفظت العرب به زمانا غير معرب ، ثم رأت اشتباه المعاني فأعربته ، أو نطقت به معربا في أول تبلبل ألسنتها به ، ولا يقدح ذلك في سبق رتبة الكلام كتقدم الجسم الأسود على السواد ، وإن لم يزايله خلاف للنحاة ، وفي «اللباب» لأبي البقاء أن المحققين على الثاني ؛ لأن واضع اللغة حكيم يعلم أن الكلام عند التركيب لا بد أن يعرض فيه لبس ، فحكمته تقتضي أن يضع الإعراب مقارنا للكلام.

(ص) وهو أصل في الأسماء ، وثالثها فيهما.

(ش) مذهب البصريين أن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال ؛ لأن الاسم يقبل بصيغة واحدة معاني مختلفة وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة ، فلو لا الإعراب ما علمت هذه المعاني من الصيغة ، وذلك نحو : ما أحسن زيدا بالنصب في التعجب ، وبالرفع في النفي ، وبالجر في الاستفهام ، فلو لا الإعراب لوقع اللبس ، بخلاف الفعل فإن الإلباس فيه لا يعرض لاختلاف صيغه باختلاف المعاني.

وقال الكوفيون : إنه أصل فيهما ؛ لأن اللبس الذي أوجب الإعراب في الأسماء موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالنصب نهي عن الجمع بينهما ، وبالجزم نهي عنهما مطلقا ، وبالرفع نهي عن الأول وإباحة الثاني ، وأجيب بأن النصب على إضمار أن ، والجزم على إرادة لا ، والرفع على القطع فلو أظهرت العوامل المضمر لم تحتج إلى الإعراب ، وذهب بعض المتأخرين إلى أن الفعل أحق بالإعراب من الاسم ؛ لأنه وجد فيه بغير سبب فهو له بذاته بخلافه الاسم فهو له لا بذاته فهو فرع ، وهذا هو القول الثاني المطوي في المتن ، قال في «الارتشاف» : وهذا من الخلاف الذي ليس فيه كبير منفعة.

٤٠