همع الهوامع - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

همع الهوامع - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥

١٣٧ ـ إلّا لأن عيونه سال واديها

السادسة : إذا كان قبلها ساكن وحذف لعارض من جزم أو وقف جاز فيها الأوجه الثلاثة الإشباع نظرا إلى اللفظ ؛ لأنها بعد حركة ، والاختلاس نظرا إلى الأصل ؛ لأنها بعد ساكن ، والإسكان نظرا إلى حلولها محل المحذوف ، وحقه الإسكان لو لم يكن معتلا ، مثال ما حذف جزما : (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] ، (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) [النساء : ١١٥] ، ووقفا : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) [النمل : ٢٨].

السابعة : كسر الهاء في المثنى والجمع ككسرها في المفرد ، فيجوز في الصورتين عند غير الحجازيين ويضم فيما عداهما ، وعند الحجازيين مطلقا ، قال أبو عمرو : والضم مع الياء أكثر منه مع الكسرة.

الثامنة : قد تكسر بقلة كاف المثنى أو الجمع بعد الكسرة والياء الساكنة نحو : بكم وفيكم وبكما وفيكما ، هذه لغة حكاها سيبويه عن ناس من بكر بن وائل ، وقال : إنها رديئة جدا ، وحكاها الفراء في الياء عن الهمزة.

التاسعة : إذا كسرت الهاء في الجمع جاز كسر الميم إتباعا وهو الأقيس وضمها على الأصل وسكونها ، وقرئ بهما : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] ، والضم أشهر إن وليها ساكن ، والسكون أشهر إن وليها متحرك ، ولذا قرأ الأكثر بالضم في (بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البقرة : ١٦٦] ، وبالسكون في (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ) [الأنفال : ١٦].

العاشرة : قد تكسر ميم الجمع بعد الهاء قبل ساكن وإن لم تكسر الهاء كقوله :

١٣٨ ـ وهم الملوك ومنهم الحكماء

(ص) ويعود على جمع سلامة واو ، وتكسير هي أو التاء ، واسم جمع هي أو كمفرد ، وقد يخلفها نون لتشاكل ، وضمير المثنى والإناث بعد أفعل من كغيره ، وقيل :

__________________

١٣٧ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الخزانة ٥ / ٢٧٠ ، ٦ / ٤٥٠ ، والخصائص ١ / ١٢٨ ـ ٣١٧ ، ٢ / ١٨ ، ورصف المباني ص ١٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٧ ، واللسان ١٥ / ٤٧٧ ، مادة (ها) ، والمحتسب ١ / ٢٤٤ ، والمقرب ٢ / ٢٠٥ ، ذكر في هامش المعلمية.

١٣٨ ـ البيت من الكامل ، وهو بقافية (الحكّام) في الخصائص ٣ / ١٣٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ١٣٢ ، والمحتسب ١ / ٤٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ١٦٦ ، وشفاء العليل ص ١٨٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٩.

١٤١

قد يأتي مفردا مذكرا ، والأحسن في غير العاقل تاء وهاء في الكثرة ، ونون في القلة ، وفي العاقلات نون مطلقا.

(ش) لا يعود على جمع المذكر السالم ضمير إلا الواو نحو : الزيدون خرجوا ، ولا يجوز أن يعود عليه التاء على التأويل بجماعة ، وأما جمع التكسير لمذكر فيعود عليه الواو نحو : الرجال خرجوا ، والتاء على التأويل بجماعة نحو : الرجال خرجت ، ومنه : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] ، واسم الجمع يعود عليه الواو نحو : الرهط خرجوا والركب سافروا ، أو ضمير الفرد نحو : الرهط خرج والركب سافر ، وقد تأتي النون موضع الواو للمشاكلة كحديث : «اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن» (١) ، والأصل : وما أضلوا ، وإنما عدل عنه لمشاكلة أظللن وأقللن ، كما في «لا دريت ولا تليت» (٢) ، و «مأزورات غير مأجورات» (٣) ، وضمير المثنى والجمع المؤنث بعد أفعل التفضيل كغيره نحو : أحسن الرجلين وأجملهما وأحسن النساء وأجملهن.

وقيل : يجوز فيه حينئذ الإفراد والتذكير ، كحديث : «خير النساء صوالح قريش أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده» ، وقول الشاعر :

١٣٩ ـ وميّة أحسن الثّقلين جيدا

وسالفة وأحسنه قذالا

وهذا رأي ابن مالك ، ورده أبو حيان بأن سيبويه نص على أن ذلك شاذ اقتصر فيه على السماع ، ولا يقاس عليه ، والأحسن في جمع المؤنث غير العاقل إن كان للكثرة أن يؤتى بالتاء وحدها في الرفع ، وهاء مع التاء في غيره ، وإن كان للقلة أن يؤتى بالنون

__________________

١٣٩ ـ البيت من الوافر ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٥٢١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٦ ، والخزانة ٩ / ٣٩٣ ، والخصائص ٢ / ٤١٩ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٦ ، واللسان ، مادة (ثقل) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٤٩ ، ورصف المباني ص ١٦٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٣٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٣٧.

(١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٥ / ٢٥٦ (٨٨٢٦) ، وابن حبان في صحيحه ٦ / ٤٢٥ (٢٧٠٩).

(٢) أخرجه ابن ماجه ، كتاب ما جاء في الجنائز ، باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز (١٥٧٨) ، والبيهقي في سننه الكبرى ٤ / ٧٧ (٦٩٩٣).

(٣) أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب إلى من ينكح وأي النساء خير (٥٠٨٢) ، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل نساء قريش (٢٥٢٧).

١٤٢

فالجذوع انكسرت وكسرتها أولى من انكسرن وكسرتهن والأجذاع بالعكس ، وقد قال تعالى : (اثْنا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) إلى أن قال : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦] ، أي : في الأربعة ، والأحسن في جمع المؤنث العاقل النون مطلقا سواء كان جمع كثرة أو قلة تكسيرا أو تصحيحا فالهندات خرجن وضربتهن أولى من خرجت وضربتها ، قال تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة : ٢٢٨] ، (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة : ٢٣٣] ، (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ، ومن الوجه الآخر قوله تعالى : (أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [البقرة : ٢٥] ، فهو على طهرت ، ولو كان على طهرن لقيل : مطهرات ، وقول الشاعر :

١٤٠ ـ وإذا العذارى بالدّخان تلفّعت

(ص) الثاني : منفصل وهو للرفع أنا للمتكلم وألفه زائدة على الأصح ، والأفصح حذفها وصلا لا وقفا ، ويتلوه في الخطاب تاء حرفية كالاسمية لفظا وتصرفا ، وقيل : المجموع ضمير ، وقيل : التاء فقط ، وقيل : أنا مركب من ألف أقوم ونون نقوم ، وأنت منهما وتاء تقوم ، ولا يقع أنا موقع التاء ، وثالثها في الشعر ، ونحن له معظما أو مشاركا ، وقيل : أصله بضم الحاء وسكون النون ، وهي وهو وهما وهم وهن لغيبة ، والمختار وفاقا للكوفية وابن كيسان والزجاج أن الضمير الهاء فقط ، وثالثها الأصل هو وهي ، والباقي زوائد ، وقد يسكن هاء هو وهي بعد واو وفاء وثم ولام وهمز استفهام وكاف جر وسكون الواو والياء وتشديدهما لغة ، وحذفهما ضرورة وقد تستعمل هذه الضمائر مجرورة.

(ش) القسم الثاني من قسمي الضمير المنفصل وهو نوعان : ما للرفع وما للنصب ولا يقع مجرورا.

فالأول ألفاظ :

أحدها : أن بفتح النون بلا ألف للمتكلم ، ولكون النون مفتوحة زيدت فيها الألف في الوقف لبيان الحركة كهاء السكت ، ولذلك تعاقبها كقول حاتم : هذا فزدي أنه ، وليست

__________________

١٤٠ ـ البيت من الكامل ، وهو لسلمى بن ربيعة في الخزانة ٨ / ٣٦ ، ٤٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٥ / ١٠٥ ، ونوادر أبي زيد ص ١٢١ ، ولعلباء بن أرقم في الأصمعيات ١٦٢ ، وبلا نسبة في شرح اختيارات المفصل ص ٨١٦ ، والحيوان ٥ / ٧٤ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٤٨.

١٤٣

الألف من الضمير بدليل حذفها وصلا هذا مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين واختاره ابن مالك أن الضمير هو المجموع بدليل إثبات الألف وصلا في لغة ، قالوا : والهاء في أنه بدل من الألف ، وفي الألف لغات إثباتها وصلا ووقفا ، وهي لغة تميم ، وبها قرأ نافع ، وقال أبو النجم :

١٤١ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري

وحذفها فيهما وحذفها وصلا وإثباتها وقفا وهي الفصحى ولغة الحجاز ، وإذا أريد الخطاب زيد عليه تاء لفظا وهي حرف خطاب لا اسم ، وهي كالتاء الاسمية فتفتح في المذكر وتكسر في المؤنث ، فيقال : أنت وأنت ، وتصرف فتوصل بميم في جمع المذكر كأنتم ، وبميم وألف في المثنى كأنتما ، وبنون في جمع الإناث كأنتن ، وتضم التاء في الثلاثة لما تقدم هذا مذهب البصريين ، وذهب الفراء إلى أن الضمير مجموع أن والتاء ، وذهب ابن كيسان إلى أن الضمير في هذه المواضع التاء فقط وهي تاء فعلت ، وكثرت بأن ، وزيدت الميم للتقوية ، والألف للتثنية ، والنون للتأنيث ، وردّ بأن التاء على ما ذكر للمتكلم ومناف للخطاب.

وذهب بعض المتقدمين إلى أن أنا مركب من ألف أقوم ونون نقوم ، وأنت مركب من ألف أقوم ونون نقوم وتاء تقوم ، وردها أبو حيان.

وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان : قال سيبويه نصا : لا تقع أنا في موضع التاء التي في فعلت لا يجوز أن يقال : فعل أنا ؛ لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا ، وأجاز غير سيبويه فعل أنا ، واختلف مجيزوه فمنهم من قصره على الشعر ، وعليه الجرمي ، ومنهم من أجازه في الشعر وغيره ، وعليه المبرد وادعى أن إجازته على معنى ليس في المتصل ؛ لأنه يدخله معنى النفي والإيجاب ومعناه ما قام إلا أنا ، وأنشد الأخفش الصغير تقوية لذلك :

١٤٢ ـ أصرمت حبل الحي أم صرموا

يا صاح ، بل صرم الحبال هم

انتهى.

__________________

١٤١ ـ الرجز لأبي العجلي في ديوانه ص ٩٩ ، والأغاني ٢٢ / ٣٣٩ ، (دار الكتب) ، ومعاهد التنصيص ص ٢٦ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٤٤ ، والخزانة ١ / ٤٣٩ ، والخصائص ٣ / ٣٣٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٦١٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٦٩.

١٤٢ ـ البيت من الكامل ، تفرد به السيوطي ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٧٣.

١٤٤

وقد تحصل عن ذلك ثلاثة مذاهب حكيتها في المتن.

الثاني : نحن للمتكلم معظما نفسه نحو : (نَحْنُ نَقُصُ) [يوسف : ٣] ، أو مشاركا نحو :

١٤٣ ـ نحن الّذون صبّحوا الصّباحا

واختلف في علة بنائه على الضم ، فقال الفراء وثعلب : لما تضمن معنى التثنية والجمع قوي بأقوى الحركات ، وقال الزجاج : نحن لجماعة ومن علامة الجماعة الواو والضمة من جنس الواو ، وقال الأخفش الصغير : نحن للمرفوع فحرك بما يشبه الرفع ، وقال المبرد : تشبيها بقبل وبعد ؛ لأنها متعلقة بشيء وهو الإخبار عن اثنين فأكثر ، وقال هشام : الأصل نحن بضم الحاء وسكون النون فنقلت حركة الحاء على النون وأسكنت الحاء.

والبواقي من الألفاظ للغيبة وذلك هو للغائبة ، وهي للغائبة ، وهما لمثناهما ، وهم للغائبين ، وهن للغائبات ، واختلف في الأصل منها فعند البصريين أن هو وهي فقط أصلان ، فضمائر الرفع المنفصلة عندهم أربعة ، وزيدت الميم والألف والنون في المثنى والجمع ، وقال أبو علي : الكل أصول ، ولم يجعل الميم والنون والألف زوائد ، وقال الكوفيون والزجاج وابن كيسان : الضمير من هو وهي الهاء فقط ، والواو والياء زائدان كالبواقي لحذفهما في المثنى والجمع ، ومن المفرد في لغة قال :

١٤٤ ـ بيناه في دار صدق قد أقام بها

وقال :

١٤٥ ـ دار لسعدى إذه من هواكا

وهذا المذهب هو المختار عندي ، وقد تسكن هاء هو وهي بعد الواو والفاء وثم

__________________

١٤٣ ـ الرجز لليلى الأخيلية في ديوانها ص ٦١ ، ولها أو لأبي حرب الأعلم في الخزانة ٦ / ٢٣ ، ولأبي الحرب بن الأعلم في نوادر أبي زيد ص ٤٧ ، ولهما أو لرؤبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٢٦ ، ولرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ، وللعقيلي في مغني اللبيب ٢ / ٤١٠ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ١٤٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٣٥.

١٤٤ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الإنصاف ص ٦٧٨ ، والخزانة ٥ / ٢٦٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٣ ، والكتاب ١ / ٣١.

١٤٥ ـ الرجز بلا نسبة في الإنصاف ص ٦٨٠ ، والخزانة ٢ / ٦ ، ٥ / ٦٤ ، ٨ / ١٣٨ ، ٩ / ٨٤٣ ، والخصائص ١ / ٨٩ ، ورصف المباني ص ١٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٤٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٩٠ ، والتاج ، مادة (هوا ، ها) ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٩.

١٤٥

واللام ، وقرئ بذلك في السبع : (وَهُوَ مَعَكُمْ) [الحديد : ٤] ، (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ) [النحل : ٦٣] ، (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [القصص : ٦١] ، (لَهِيَ الْحَيَوانُ) [العنكبوت : ٦٤].

وبعد همزة الاستفهام كقوله :

١٤٦ ـ فقلت : أهي سرت ، أم عادني حلم؟

وبعد كاف الجر كقوله :

١٤٧ ـ وقد علموا ما هنّ كهي فكيف لي

وتسكين الواو والياء لغة قيس وأسد كقوله :

١٤٨ ـ وركضك لو لا هو لقيت الذي لقوا

وقوله :

١٤٩ ـ حبذا هي من خلّة لو تحابي

وتشديد الواو والياء لغة همدان كقوله :

١٥٠ ـ وهوّ على من صبّه الله علقم

وقوله :

١٥١ ـ وهيّ ما أمرت باللّطف تأتمر

__________________

١٤٦ ـ البيت من البسيط ، وهو لزياد بن منقذ في الخزانة ٥ / ٢٤٤ ، وشرح التصريح ٣ / ١٤٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٩٦ ، ١٤٠٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٩٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٣٤ ، ومعجم البلدان ١ / ٢٥٦ ، مادة (أمليح) ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٥٩ ، ٤ / ١٣٧ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥٦ ، وأوصح المسالك ٣ / ٣٧٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٧.

١٤٧ ـ البيت من الطويل ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٤٠.

١٤٨ ـ البيت من الطويل ، وهو لعبيد في اللسان ١٥ / ٤٧٦ ، مادة (ها) ، وبلا نسبة في شفاء العليل ص ١٨٩ ، وشرح التسهيل ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٧١.

١٤٩ ـ البيت من الخفيف ، وهو بقافية (تخالي) للهذلي في اللسان ، مادة (خلل) ، وبلا نسبة في شرح التسهيل ١ / ١٤٤ ، انظر المعجم الفصل ١ / ١٠٠.

١٥٠ ـ البيت من الطويل ، وهو لرجل من همدان في شرح التصريح ١ / ١٤٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٥١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٧٧ ، وتخليص الشواهد ص ١٦٥ ، والجنى الداني ص ٤٧٤ ، والخزانة ص ٥ / ٢٦٦ ، وشرح الأشموني ١ / ٨١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٨٦٥.

١٥١ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٦٥ ، والخزانة ٥ / ٢٦٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٧٨.

١٤٦

وحذفها ضرورة كالبيتين السابقين ، وقد تستعمل هذه الضمائر المنفصلة مجرورة ، حكي : أنا كأنت وكهو ، وقال :

١٥٢ ـ فلو لا المعافاة كنّا كهم

 ...

 (ص) وللنصب إيا ، ويليه دليل مراد به من متكلم وغيره اسما مضافا إليه عند الخليل ، وحرفا عند سيبويه وهو المختار ، وقيل : اللواحق هي الضمائر وإيا حرف دعامة ، وقيل : اسم ظاهر مضافا ، وقيل : بين الظاهر والمضمر ، وقيل : المجموع الضمير ، والصواب أن إيا غير مشتقة ، وقد تخفف كسرا وفتحا مع همزة وهاء.

(ش) النوع الثاني من المضمر المنفصل ما للنصب وهو لفظ واحد وذلك إيا ، ويليه دليل ما يراد به من متكلم أو مخاطب أو غائب إفرادا وتثنية وجمعا تذكيرا وتأنيثا ، فيقال : إياي ، إيانا ، إياك ، إياك ، إياكما ، إياكم ، إياكن ، إياه ، إياها ، إياهما ، إياهم ، إياهن ، وهذه اللواحق حروف تبين الحال كاللاحقة في أنت وأنتما وأنتم وأنتن ، وكاللواحق في اسم الإشارة هذا مذهب سيبويه والفارسي ، وعزاه صاحب «البديع» إلى الأخفش.

قال أبو حيان : وهو الذي صححه أصحابنا وشيوخنا ، وذهب الخليل والمازني واختاره ابن مالك إلى أنها أسماء مضمرة أضيف إليها الضمير الذي هو إيا ؛ لظهور الإضافة في قوله : فإياه وإيا الشواب ، وهو مردود لشذوذه ، ولم تعهد إضافة الضمائر.

قال أبو حيان : ولو كانت إيا مضافة لزم إعرابها ؛ لأنها ملازمة لما ادعوا إضافتها إليه ، والمبني إذا لزم الإضافة أعرب كأي ، بل أولى ؛ لأن إيا لا تنفك ، وأي قد تنفك عن الإضافة ، وذهب الفراء إلى أن اللواحق هي الضمائر فإيا حرف زيد دعامة يعتمد عليها اللواحق لتنفصل عن المتصل ، ووافقه الزجاج في أن اللواحق ضمائر إلا أنه قال : إن إيا اسم ظاهر أضيف إلى اللواحق فهي في موضع جر به ، وقال ابن درستويه : إنه بين الظاهر والمضمر ، وقال الكوفيون : مجموع إيا ولواحقها هو الضمير فهذه ستة مذاهب.

وإيا على اختلاف هذه الأقوال ليست مشتقة من شيء وذهب أبو عبيدة وغيره إلى أنها مشتقة ، ثم اختلف فقيل : اشتقاقها من لفظ أو من قوله :

__________________

١٥٢ ـ البيت من المتقارب ، ولم يرد في المصادر النحوية الأخرى ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٤.

١٤٧

١٥٣ ـ فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها

 ...

وقيل : من الأية فتكون عينها ياء ، ثم اختلف في وزنها فقيل : إفعل ، والأصل إووو أو إأوى ، وقيل : فعيل إويو أو إويي ، وقيل : فعول والأصل إووو أو إويي ، وقيل : فعلى والأصل إويا أو إووى.

وفي إيا سبع لغات قرئ بها بشديد الياء وتخفيفها مع الهمزة وإبدالها هاء مكسورة ومفتوحة ، فهذه ثمانية يسقط منها فتح الهاء مع التشديد ، فالتشديد مع كسر الهمزة قراءة الجمهور ، ومع الفتح قراءة علي ، ومع كسر الهاء قراءة ، والتخفيف مع كسر الهمزة قراءة عمرو بن فائد ، ومع الفتح قراءة الرقاشي ، ومع كسر الهاء قراءة ، ومع فتحها قراءة أبي السوار الغنوي.

فائدة : علم مما تقدم أن المجمع على كونه ضميرا ستة ألفاظ : التاء والكاف والهاء وياء المتكلم وأنا ونحن ، وتضم إليها على المختار ستة أخرى النون والواو والألف وياء المخاطبة ونا وإيا ، ويضم إليها على رأي البصريين هو وهي ، وعلى رأي قوم ها ، ورأي قوم أنت ، فتكمل ستة عشر ، وعلى رأي أبي علي هما وهم وهن ، فهذه مجموع الضمائر باتفاق واختلاف.

(ص) مسألة يجب استتار مرفوع أمر ومضارع غير غيبة ، واسمهما والتعجب والتفضيل وفعل الاستثناء ، ويجوز في غيرها.

(ش) من الضمير ما يجب استتاره ، وهو ما لا يخلفه ظاهر وهو المرفوع بفعل الأمر كاضرب ، والمضارع للمتكلم كأضرب ونضرب ، أو المخاطب كتضرب ، واسم فعل الأمر كصه ونزال ذكره في التسهيل ، واسم فعل المضارع كأوه وأف زاده أبو حيان في شرحه ، والتعجب ك : ما أحسن زيدا ، والتفضيل ك : زيد أفضل من عمرو ، وأفعال الاستثناء ك : قاموا ما خلا زيدا وما عدا عمرا ولا يكون خالدا ، زادها ابن هشام في «التوضيح» ، وابن مالك في باب الاستثناء من «التسهيل».

وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان : وذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أن فاعل حاشا

__________________

١٥٣ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٨٩ ، ٣ / ٣٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٦٥٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٣٨ ، واللسان ١٣ / ٤٧٢ ، مادة (أوه) ، ١٤ / ٥٤ ، مادة (أوا) ، والمحتسب ١ / ٣٩ ، والمنصف ٣ / ١٢٦ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦.

١٤٨

وخلا وعدا إذا نصبت ضمير مستكن في الفعل لا يبرز عائد على البعض المفهوم من الكلام ، ولذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ؛ لأنه عائد على مفرد مذكر والتقدير خلا هو ، أي : بعضهم زيدا ، وذهب المبرد إلى أنه عائد على من المفهوم من معنى الكلام المتقدم ، فإذا قلت : قام القوم علم المخاطب وحصل في نفسه أن زيدا بعض من قام ، فإذا قلت : عدا زيدا فالتقدير عدا هو ، أي : عدا من قام زيدا.

وقال ابن مالك : الأجود أن يعود الضمير على مصدر الفعل ، أي : عدا قيامهم وهو غير مطرد فيما لم يتقدمه فعل أو نحوه.

قال : وكذا ليس ولا يكون ، اتفق البصريون والكوفيون على أن الاسم فيهما مضمر لازم الإضمار ، ثم قال البصريون : هو عائد على البعض المفهوم من الكلام السابق ، وقال الكوفيون : على المصدر المفهوم من الفعل السابق ورد بأنه غير مطرد كما تقدم ، قال : وإنما التزم الإضمار في هذه الأفعال الخمسة لجريانها مجرى أداة الاستثناء التي هي أصل فيه وهي إلا ، فكما أنه لا يظهر بعدها سوى اسم واحد فكذلك بعد ما جرى مجراها انتهى.

وما عدا ذلك جائز الاستتار وهو المرفوع بالماضي كضرب وضربت واسم فعله كهيهات ، والمضارع الغائب كيضرب وتضرب هند ، والوصف كضارب ومضروب والظرف كزيد عندك أو في الدار.

(ص) مسألة : أخص الضمائر الأرفع ، ويغلب في الاجتماع ومتى أمكن متصل تعين اختيارا ، ويتعين الفصل إن حصر بإنما ، وزعم سيبويه أنه ضرورة ، وخير الزجاج ، أو رفع بمصدر مضاف لمنصوب ، أو بصفة جرت على غير صاحبها ، أو أضمر عامله ، أو أخر ، أو كان معنويا ، أو حرف نفي ، أو فصله متبوع ، خلافا لمن خصه بالشعر ، أو ولي واو مع أو إلا أو إما أو لاما فارقة ، أو نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتحدا رتبة ، وربما اتصلا غيبة إن اختلفا لفظا ، وجازا رتبة ، ويجب غالبا تقديم الأخص وصلا ، فإن أخر تعين الفصل ، وقيل : يحسن ، وثالثها يحسن في ضمير مثنى أو ذكور ، قيل : أو إناث ، ويجب في غيره ، ويختار وصل هاء أعطيتكه وخلتنيه في الإخبار على الأصح فيهما ، وانفصال ثاني ضربيه وضربكه ومعطيكه وكذا خلتكه وكنته ، وقيل : وصلهما ، وثالثها وصل كان دون خلت ، ويتعين الفصل في أخوات كان ومفاعيل أعلم إن كن ضمائر ، فغير الثالث كأعطيت ، وكذا اثنان أو واحد اتصل.

١٤٩

(ش) أخص الضمائر أعرفها فضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب ، وذلك لقلة الاشتراك ، وإذا اجتمع الأخص وغيره غلب الأخص تقدم أم تأخر فيقال : أنا وأنت أو أنت وأنا فعلنا ، ولا يقال : فعلتما أنت وهو أو هو وأنت فعلتما ، ولا يقال : فعلا ومتى أمكن اتصال الضمير لم يعدل إلى المنفصل لقصد الاختصار الموضوع لأجله الضمير إلا في الضرورة كقوله :

١٥٤ ـ بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير

ويتعين انفصال الضمير في صور :

أحدها : أن يحصر بإنما كقوله :

١٥٥ ـ ... وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

هذا ما جزم به ابن مالك ، وزعم سيبويه أن الفصل في البيت ونحوه من الضرورات ، وتوسط الزجاج فأجازه ولم يخصه بالضرورة ولم يوجبه.

الثانية : أن يرفع بمصدر مضاف إلى المنصوب كعجبت من ضربك هو ، قال :

١٥٦ ـ بنصركم نحن كنتم ظافرين فقد

الثالثة : أن يرفع بصفة جرت على غير صاحبها كزيد هند ضاربها هو ، قال :

١٥٧ ـ غيلان ميّة مشغوف بها هو مذ

بدت له فحجاه بان أو كربا

الرابعة : أن يضمر عامله كقوله :

__________________

١٥٤ ـ البيت من البسيط ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٢١٤ ، والخزانة ٥ / ٢٨٨ ، ص ٢٩٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٧٤ ، ولأمية بن الصلت في الخصائص ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ١٩٥ ، وله أو للفرزدق في تخليص الشواهد ص ٨٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٦٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٩٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦ ، ٦٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤٥٢.

١٥٥ ـ البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٥٣ ، وتذكرة النحاة ص ٨٥ ، والجنى الداني ص ٣٩٧ ، والخزانة ٤ / ٤٦٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٨ ، واللسان ١٥ / ٢٠٠ ، مادة (قلا) ، والمحتسب ٢ / ١٩٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٦٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٠٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦٥.

١٥٦ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية ١ / ٢٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٢.

١٥٧ ـ البيت من البسيط ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٦٦١ ، (طبعة كارليل هنري) ، وبلا نسبة في شفاء العليل ص ١٩٣ ، وشرح التسهيل ١ / ١٤٩ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٤١.

١٥٠

١٥٨ ـ وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها

وقوله :

١٥٩ ـ فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

الخامسة : أن يوخر عامله ك : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥].

السادسة : أن يكون عامله معنويا وهو الابتداء نحو : أنت تقوم.

السابعة : أن يكون عامله حرف نفي نحو : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢] ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [العنكبوت : ٢٢].

١٦٠ ـ إن هو مستوليا على أحد

الثامنة : أن يفصله متبوع كقوله :

١٦١ ـ فالله يرعى أبا حرب وإيّانا

وخصه بعضهم بالضرورة ، ورد بقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) [الممتحنة : ١].

التاسعة : أن يلي واو مع كقوله :

١٦٢ ـ تكون وإيّاها بها مثلا بعدي

العاشرة : أن يلي إلا نحو : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [يوسف : ٤٠] ، ما قام إلا أنا.

الحادية عشرة : أن يلي إما نحو : قام إما أنا وإما أنت.

__________________

١٥٨ ـ البيت من الطويل ، وهو للسموءل في ديوانه ص ٩٠ ، وله أو للجلاح الحارثي (عبد الملك بن عبد الرحيم) في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٧٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٢٣.

١٥٩ ـ البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٥ ، والخزانة ٣ / ٣٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٨ ، ٢ / ٧٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٥١ ، والمعاني الكبير ص ١٢١١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٨ ، ٢٩١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٧٣.

١٦٠ ـ ذكر هذا الشاهد في نسخه ولم يذكر له شرح.

١٦١ ـ البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٢٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٥ ، والكتاب ٢ / ٣٥٦ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٢.

١٦٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٢١٩ ، والخزانة ٨ / ١٥ ، ٥١٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٨٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٩٥ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٤٤ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦١.

١٥١

الثانية عشرة : أن يلي اللام الفارقة كقوله :

١٦٣ ـ إن وجدت الصّديق حقّا لإيّا

ك فمرني فلن أزال مطيعا

الثالثة عشرة : أن ينصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتحدا رتبة نحو : علمتني إياي وعلمتك إياك وعلمته إياه ، بخلاف ما لو كان الضمير الأول مرفوعا كالتاء من علمتني ، فإنه لا يجوز فصل الياء بعدها ، وأما إذا لم يتحدا بأن كان أحدهما لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب ، والآخر لغيره ، فإن الفصل حينئذ لا يتعين ، بل يجوز الوصل والفصل نحو : الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه ، نعم قد يتحدان في الرتبة ولا يتعين الفصل ، وذلك إذا كان لغائب ، واختلف لفظهما حكى الكسائي هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها ، وقال الشاعر :

١٦٤ ـ بوجهك في الإحسان بسط وبهجة

أنالهماه قفو أكرم والد

ومع ذلك فالفصل أكثر وأحسن ، فإن لم يختلف اللفظان تعين الفصل وإذا اجتمع ضميران فأكثر متصلة فإن اختلفت الرتبة وجب غالبا تقديم الأخص ، فيقدم المتكلم ثم المخاطب ثم الغائب نحو : الدرهم أعطيتكه ، فإن أخر الأخص تعين الفصل نحو : الدرهم أعطيته إياك ، وندر قول عثمان : «أراهمني الباطل شيطانا» (١) ، والقياس : أرانيه.

وذهب المبرد وكثير من القدماء إلى أن الفصل مع التأخير أحسن لا واجب ، وأن الاتصال أيضا جائز نحو : أعطيتهوك.

وذهب الفراء إلى تعين الانفصال إلا أن يكون ضمير مثنى أو ضمير جماعة ذكور فيجوز إذ ذاك الاتصال ، والانفصال أحسن نحو : الدرهمان أعيطتهماك والغلمان أعطيتهموك ، ووافق الكسائي والفراء ، وزاد جواز الاتصال إذا كان الأول ضمير جماعة الإناث نحو : الدراهم أعطيتهنكن وإذا كان الفعل يتعدى لاثنين ليس ثانيهما خبرا في

__________________

١٦٣ ـ البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية ١ / ٣٠١ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٥ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٥١٢.

١٦٤ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٥ ، وتخليص الشواهد ص ٩٧ ، وتذكرة النحاة ص ٥٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٤ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٤٢ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٨.

(١) ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث ٢ / ٧٨.

١٥٢

الأصل ، وجاءا ضميرين مختلفي الرتبة جاز في الثاني الوصل والفصل نحو : الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه ، والوصل أرجح عند ابن مالك ، ولازم عند سيبويه ، ومرجوح عند الشلوبين ، فهذه ثلاثة مذاهب.

فإن أخبرت عن المفعول الثاني منه بالذي جاز أيضا نحو : الذي أعطيته زيدا درهم ، والذي أعطيت إياه زيدا درهم ، والوصل أرجح عند المازني وابن مالك ؛ لأنه الأصل والفصل أرجح عند قوم ؛ ليقع الضمير موقع المخبر عنه على قاعدة باب الإخبار ، ويجوز الأمران أيضا في كل ضمير منصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل أو مفعول أو باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول نحو : زيد عجبت من ضربيه وضربي إياه ، ومن ضربكه وضربك إياه ، والدرهم زيد معطيكه ، ومعطيك إياه ، والفصل في الثلاثة أرجح بلا خلاف ، ومسألة اسم الفاعل زادها أبو حيان على «التسهيل».

ويجوز الأمران أيضا في كل ضمير منصوب هو خبر في الأصل كثاني باب ظن وكان نحو : خلتكه وخلتك إياه وكنته وكنت إياه ، وفي الأرجح مذاهب :

أحدها : الفصل فيهما وعليه سيبويه ؛ لأنه خبر في الأصل ولو بقي على ما كان لوجب الفصل فكان بعد الناسخ راجحا.

والثاني : الوصل فيهما ورجحه ابن مالك في الألفية ؛ لأنه الأصل.

والثالث : التفصيل وهو الفصل في باب ظن ، والوصل في باب كان ، ورجحه ابن مالك في التسهيل ، وفرق بأن الضمير في خلتكه قد حجزه عن الفعل منصوب آخر بخلافه في كنته ، فإنه لم يحجزه إلا مرفوع والمرفوع كجزء من الفعل ، فكان الفعل مباشرا له فهو شبيه بهاء ضربته ، ولأن الوارد عن العرب من انفصال باب ظن واتصال باب كان أكثر من خلافهما ، أما أخوات كان فيتعين فيها الفصل كما في البديع وغيره ، كقوله :

١٦٥ ـ ليس إيّاي وإيّا

ك ولا نخشى رقيبا

وشذ قولهم : ليسي وليسك.

وإذا وردت مفاعيل أعلم الثلاثة ضمائر ، فحكم الأول والثاني حكم باب أعطيت ،

__________________

١٦٥ ـ هذا البيت في نسخة العلمية وليس له شرح.

١٥٣

وإن كان بعضها ظاهرا فإن كان المضمر واحدا وجب اتصاله أو اثنين أول وثان فكأعطيته أو ثان وثالث فكظننت.

(ص) مسألة : يجب قبل ياء المتكلم إن نصبت بغير صفة نون وقاية ، وحذفها مع التعجب ، وليس وليت وقد وقط ومن وعن شاذ على الأصح ، ومع بجل ولعل أجود ، ولدن وأخوات ليت جائز ، وقيل : أجود ، وقال قوم : المحذوف من أخوات ليت المدغمة ، وقوم : المدغم فيها ، ويجري في نحو : أنا ، ويجب في لد ، وقد تلحق أفعل من واسم الفاعل ، وقيل : إن نحو أمسلمني تنوين ، والمختار أنها المحذوفة في فليني ، خلافا لابن مالك.

(ش) يلحق وجوبا قبل ياء المتكلم إن نصبت بغير صفة نون الوقاية ، وذلك بأن ينصب بالفعل ماضيا ومضارعا وأمرا كأكرمني ويكرمني وأكرمني متصرفا كما مثل ، أو جامدا كهبني وعساني وليسني وما أحسنني.

واسم الفعل نحو : رويدني وعليكني ، أو الحرف نحو : إنني وكأنني وليتني ولعلني ولكنني ، وسميت نون الوقاية ؛ لأنها تقي الفعل من الكسر المشبه للجر ، ولذا لم تلحق الوصف نحو : الضاربي ، وأصل اتصالها بالفعل وإنما اتصلت بغيره للشبه به ، وقال ابن مالك : بل لأنها تقي من التباس أمر المذكر بأمر المؤنث لو قيل : أكرمني ، ومن التباس ياء المخاطبة بياء المتكلم فيه ، ومن التباس الفعل بالاسم في نحو : ضربي ؛ إذ الضرب اسم للفعل ، وقد لحق الكسر الفعل في نحو : أكرمي ولم يبال به ، انتهى.

وكذا يجب إلحاق النون إذا جرت بمن أو عن أو قد أو قط أو بجل ، والثلاثة بمعنى حسب أو لدن فيقال : مني وعني وقدني وقطني وبجلني ولدني ، وورد حذفها في بعض ما ذكر ، وهو أقسام : قسم شاذ خاص بالضرورة ، وذلك في سبعة ألفاظ فعل التعجب وليس ، قال :

١٦٦ ـ إذ ذهب القوم الكرام ليسي

__________________

١٦٦ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٥ ، والخزانة ٥ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ١١٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٤٨٨ ، ٧٦٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٤٤ ، وتهذيب اللغة ١٣ / ٢٨ ، ٧٤ ، واللسان والتاج ، مادة (طيس) وكتاب العين ٧ / ٢٨٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٨ ، وتخليص الشواهد ص ٩٩ ، والجنى الداني ص ١٥٠ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٨٢.

١٥٤

وليت قال :

١٦٧ ـ كمنية جابر إذ قال ليتي

وقد قال :

١٦٨ ـ قدني من نصر الخبيبين قدي

وقط ومن وعن ، قال :

١٦٩ ـ أيّها السّائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وأجاز الكوفيون حذفها في السعة من فعل التعجب لشبهه بالأسماء من حيث إنه لا يتصرف ، وأجازه قوم في ليس ، وأجازه الفراء في ليت ، وأجازه البدر بن مالك بكثرة في قد وقط ، وأجازه الجزولي في من وعن ، فقولي : «على الأصح» راجع للسبعة.

وقسم راجح وذلك في لفظين بجل ولعل ، فإن الأعرف فيهما بجلي ولعلي ، وهو الوارد في القرآن قال تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) [غافر : ٣٦] ، ومن لحاقها قوله :

١٧٠ ـ فقلت : أعيراني القدوم لعلّني

وقسم جائز مساو للحوق من غير ترجيح لأحدهما وذلك في لدن وإن وأن وكأن ولكن قال تعالى : (مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) [الكهف : ٧٦] قرئ في السبع مشددا ومخففا ، وقال : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) [طه : ١٤] ، (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) [يس : ٢٥] ، وإنما لحقتها النون تكميلا

__________________

١٦٧ ـ البيت من الوافر ، وهو لزيد الخيل في ديوانه ص ٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ١٠٠ ، والخزانة ٥ / ٣٧٥ ، ٣٧٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٧ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٤٦ ، ونوادر أبي زيد ص ٦٨ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٥٦.

١٦٨ ـ الرجز لحميد بن مالك الأرقط في الخزانة ٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٣ ، ٣٨٥ ، ٣٨٩ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٨٧ ، واللسان ، مادة (خبب ، قدد) والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٧ ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٤٧ ، ٥٣ ، والتاج ، مادة (خبب ، حكد) ولحميد بن ثور في اللسان ، مادة (لحد) ، وليس في ديوانه ، ولأبي بجدلة في شرح المفصل ٣ / ١٢٤ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٤٨.

١٦٩ ـ البيت من المديد ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٩٠ ، وأوضح المسالك ١ / ١١٨ ، وتخليص الشواهد ص ١٠٦ ، والجنى الداني ص ١٥١ ، وجواهر الأدب ص ١٥٢ ، والخزانة ٥ / ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ورصف المباني ص ٣٦١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٣٤.

١٧٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٦ ، ١ / ١٢٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٦٢ ، وانظر المقاصد النحوية ١ / ٣٥٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٤٩.

١٥٥

لشبهها بالفعل الذي عملت لأجله ، وإنما شذ الحذف في ليت دون البواقي ؛ لأنها أشبه بالفعل منهن بدليل إعمالها مع ما دونهن ، ولاجتماع الأمثال في الأربعة والمتقاربات في لعل ، وذهب بعضهم إلى أن الحذف فيها وفي لدن أجود من الإثبات ، وعليه ابن عصفور في لدن حملا لها على لد المحذوفة النون ، فإنها لا تلحقها نون الوقاية بحال ؛ لأنها بمنزلة مع ، وذهب آخرون إلى أن المحذوف من أخوات ليت ليس نون الوقاية ، بل نون الأصل ؛ لأن تلك دخلت للفرق فلا تحذف ، ثم اختلف فقيل : المحذوف النون الأولى المدغمة ؛ لأنها ساكنة والساكن يسرع إليه الاعتلال ، وقيل : الثانية المدغم فيها ؛ لأنها طرف ، ويجري هذا الخلاف في إنا وأنا ولكنا وكأنا ، فقيل : المحذوف النون الأولى ، وقيل : الثانية ، ولم يقل أحد بحذف الثالثة ؛ لأنها اسم وقد حكاه بعضهم كما ذكره ابن قاسم في شرح «الألفية» ، وورد لحوق النون في غير ما ذكر شذوذا كأفعل التفضيل كحديث : «غير الدجال أخوفني عليكم» (١) تشبيها له بالفعل وزنا ومعنى خصوصا فعل التعجب ، وكاسم الفاعل في قوله :

١٧١ ـ أمسلمني إلى قومي شراحي

وقوله :

١٧٢ ـ وليس الموافيني ليرفد خائبا

تشبيها له أيضا بالفعل ، وذهب هشام إلى أن النون في أمسلمني ونحوه مما لا لام فيه هي التنوين ، وأجاز هذا ضاربنك وضاربني ورد بوجودها مع اللام ، وأما قول الشاعر :

١٧٣ ـ تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني

__________________

١٧١ ـ البيت من الوافر ، وهو ليزيد بن محرم الحارثي في شرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٨٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٤٣ ، وتذكرة النحاة ص ٤٢٢ ، ورصف المباني ص ٣٦٣ ، واللسان ١١ / ٣٥٣ ، مادة (شرحل) ، والمحتسب ٢ / ٢٢٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٨٠.

١٧٢ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٧ ، ١٢٥ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٤٥ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٨٧ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٥٨.

١٧٣ ـ البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ١٨٠ ، والخزانة ٥ / ٣٧١ ، ٣٧٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٣ ، والكتاب ٣ / ٥٢٠ ، واللسان ، مادة (فلا) ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٧٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٤٦.

(١) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (٢٩٣٧) ، والترمذي كتاب الفتن ، باب ما جاء في فتنة الدجال (٢٢٤٠).

١٥٦

أي : فلينني ، فاختلف أيّ النونين المحذوفة؟ فقال المبرد : هي نون الوقاية ؛ لأن الأولى ضمير فاعل فلا تحذف ، وهذا هو المختار عندي ورجحه ابن جني والخضراوي وأبو حيان وغيرهم ، وحكى صاحب «البسيط» الاتفاق عليه ، وقال سيبويه : هي نون الإناث واختاره ابن مالك قياسا على (تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤].

قال أبو حيان : هو قياس على مختلف فيه ، ثم هذا الحذف ضرورة لا يقاس عليها كما صرح به في «البسيط» ، قال أبو حيان : وسهله اجتماع المثلين.

(ص) مسألة : الأصل تقديم مفسر الغائب ولا يكون غير الأقرب إلا بدليل وهو لفظه أو ما يدل عليه حسا أو علما ، أو جزؤه أو كله ، أو نظيره أو مصاحبه بوجه ، ويجوز تقديم مكمل معمول فعل أو شبهه على مفسر صريح إن كان مؤخر الرتبة ، ومنع الكوفية نحو : ضاربه ضرب زيد وما رأى أحب من زيد ، والفراء زيدا غلامه ضرب بتصريفه ، والجمهور ضرب غلامه زيدا ، وأجازه الطوال وابن جني وابن مالك ، ويجب تقديم مرفوع باب نعم وأول المتنازعين ومجرور رب ، وما أبدل منه مفسره على الأصح ، قال الزمخشري : أو أخبر عنه به وضمير الشأن ، وهو لازم الإفراد وتذكيره مع مذكر وتأنيثه مع مؤنث أجود ، وأوجب الكوفية وابن مالك التذكير ما لم يله مؤنث أو مشبه به ، أو فعل بعلامة فيرجح تأنيثه ويبرز مبتدأ واسم ما على الأصح فيهما ، ومنصوبا في باب إن وظن ، ويستتر في كان وكاد ، ومنعه قوم ، وإنما يفسره جملة خبرية صرح بجزأيها ، خلافا للكوفية في ظننته قائما وإنه ضرب أو قام ، ولا يتقدم خبره ولا جزؤه ، خلافا لابن السيرافي ولا يتبع بتابع ، وزعمه ابن الطراوة حرفا.

(ش) ضمير المتكلم والمخاطب يفسرهما المشاهدة ، وأما ضمير الغائب فعار عن المشاهدة فاحتيج إلى ما يفسره ، وأصل المفسر الذي عود عليه أن يكون مقدما ؛ ليعلم المعنى بالضمير عند ذكره بعد مفسره ، وأن يكون الأقرب نحو : لقيت زيدا وعمرا يضحك ، فضمير يضحك عائد على عمرو ولا يعود على زيد إلا بدليل ، كما في قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) [العنكبوت : ٢٧] ، فضمير ذريته عائد على إبراهيم وهو غير الأقرب ؛ لأنه المحدث عنه من أول القصة إلى آخرها.

ثم المفسر إما مصرح بلفظه وهو الغالب كزيد لقيته ، وقد يستغنى عنه بما يدل عليه حسا نحو : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) [يوسف : ٢٦] ، و (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) [القصص : ٢٦] ؛ إذ لم يتقدم التصريح بلفظ زليخا وموسى لكونهما كانا حاضرين ، أو علما نحو : (إِنَّا

١٥٧

أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] ، أي : القرآن ، أو جزئه أو كله نحو : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) [التوبة : ٣٤] ، أي : المكنوزات التي بعضها الذهب والفضة ، وقوله :

١٧٤ ـ أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

أي : النفس التي هي بعض الفتى ، وجعل من ذلك (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ) [المائدة : ٨] ، أي : العدل الذي هو جزء مدلول الفعل ؛ لأنه يدل على الحدث والزمان ، وقوله :

١٧٥ ـ إذا نهي السفيه جرى إليه

أي : السفه الذي هو جزء مدلول السفيه ؛ لأنه يدل على ذات متصفة بالسفه ، أو نظيره نحو : عندي درهم ونصفه ، أي : ونصف درهم آخر ، ومنه : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] ، أي : عمر معمر آخر.

١٧٦ ـ قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد

أي : ونصف حمام آخر مثله في العدد ، أو مصاحبه بوجه ما كالاستغناء بمستلزم عن مستلزم نحو : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ) [البقرة : ١٧٨] ضمير إليه عائد إلى العافي الذي استلزمه عفي ، (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] ، أي : الشمس ، أغنى عن ذكرها ذكر العشي.

وقد يخالف الأصل السابق في تقديم المفسر فيؤخر عن الضمير وذلك في مواضع : أحدها : أن يكون الضمير مكملا معمول فعل أو شبهه إن كان المعمول مؤخر الرتبة ،

__________________

١٧٤ ـ البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٩٩ ، والأغاني ١٧ / ٢٩٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣٤ ، ١١٣٣ ، والخزانة ٤ / ٢١٢ ، والصاحبي ص ٢٦١ ، واللسان ، مادة (قرن) ، وأساس البلاغة ، مادة (حشر) ، وبلا نسبة في اللسان والتاج ، مادة (حشرج) ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٥٦.

١٧٥ ـ البيت من الوافر ، وهو لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري في الأشباه والنظائر ٥ / ١٧٩ ، والإنصاف ١ / ١٤٠ ، والخزانة ٣ / ٣٦٤ ، ٤ / ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والخصائص ٣ / ٤٩ ، والمحتسب ١ / ١٧٠ ، ومجالس ثعلب ص ١٧٥ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٥٩ ، ٦٨ ، ١١٣ ، ٣٠٥ ، ٢ / ١٣٢ ، ٢٠٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٤٤ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٥٧٩.

١٧٦ ـ البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٤ ، والأزهية ص ٨٩ ، ١١٤ ، والإنصاف ص ٤٧٩ ، وتخليص الشواهد ص ٣٦٢ ، وتذكرة النحاة ص ٣٥٣ ، والخزانة ١٠ / ٢٥١ ، ٢٥٣ ، والخصائص ٢ / ٤٦٠ ، ورصف المباني ص ٢٩٩ ، ٣١٦ ، ٣١٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٦٢ ، وشرح شواهد المغني ص ١ / ٧٥ ، ٢٠٠ ، ٢ / ٦٩٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٢٦٥.

١٥٨

ولذلك صور : ضرب غلامه زيد ، وغلامه ضرب زيد ، وضرب غلام أخيه زيد ، وغلام أخيه ضرب زيد ؛ لأن المضاف إليه يكمل المضاف ، وأمثلة شبه الفعل أضارب غلامه زيد ، أضارب غلام أخيه زيد ، وإنما جاز ذلك وشبهه ؛ لأن المعمول مؤخر الرتبة والمفسر في نية التقدم ، هذا رأي البصريين ووافقهم الكوفيون في صور وخالفوهم في صور.

فقالوا : إذا تأخر العامل عن المفعول والفاعل فإن اتصل الضمير بالمفعول مجرورا ، أو بما أضيف للمفعول جاز التقديم نحو : زيد غلامه ضرب ، وغلام ابنه ضرب زيد ، وإن اتصل به منصوبا لم يجز نحو : ضاربه ضرب زيد ، وإن لم يتصل بالمفعول ولا بالمضاف له لم يجز أيضا نحو : ما رأى أحب زيد وما أراد أخذ زيد ، قالوا : لأن في رأى وأراد ضميرا مرفوعا والمرفوع لا ينوى به التأخير ؛ لأنه في موضعه ، وأجاب البصريون بأن المرفوع حينئذ متصل بالمنصوب والمنصوب ينوى به التأخر ، فليس اتصال المرفوع به مما يمنعه ما يجوز فيه بإجماع ، فإن قدم العامل ، نحو أحب ما رأى زيد ، وأخذ ما أراد زيد جاز عند الكوفيين أيضا ، هكذا نقل أبو حيان خلاف الكوفيين ، وقال ابن مالك غلط في النقل عنهم.

وفي شرح «التسهيل» لأبي حيان في آخر النائب عن الفاعل : لو تقدم المفعول على الفعل نحو : زيدا ضرب غلامه لم يجز ذلك عند الفراء ، وأجازه المبرد بجعله بمنزلة ضرب زيدا غلامه ، وقال ابن كيسان : عندي بينهما فصل ؛ لأنك إذا قلت : زيدا ضرب غلامه فنقلت زيدا من أول الكلام إلى آخره وقع بعد الكلام فصار المضمر قبل المظهر فبطلت ، وقولك : ضرب زيدا غلامه في موضعه لا ينقل فيجعل بعد زيد ؛ لأن العامل فيه وفي الغلام واحد ، فإذا كانا جميعا بعد العامل فكل واحد منهما في موضعه. انتهى.

أما إذا كان المعمول الذي اتصل به الضمير مقدم الرتبة نحو : ضرب غلامه زيدا فإن الجمهور يمنعون التقديم لعود الضمير على متأخر لفظا ونية ، وحكى الصفار الإجماع عليه لكن أجازه أبو عبد الله الطوال من الكوفيين ، وعزي إلى الأخفش ورجحه ابن جني ، وصححه ابن مالك ؛ لوروده في النظم كثيرا كقوله :

١٧٧ ـ جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم

__________________

١٧٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٩١ ، والخصائص ١ / ٢٩٤ ، وله أو لأبي الأسود الدؤلي في الخزانة ١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧ ، ولهما أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح ١ / ٢٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٨٧ ، ولأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه ص ٤٠١ ، وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٨.

١٥٩

وقوله :

١٧٨ ـ كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

وقوله :

١٧٩ ـ جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

 ...

والأولون قصروه على الشعر ، قال أبو حيان : وللجواز وجه من القياس وهو أن المفعول كثر تقدمه على الفاعل فيجعل لكثرته كالأصل.

وصورة المسألة عند المجيز : أن يشاركه صاحب الضمير في عامله بخلاف نحو : ضرب غلامها جار هند فلا يجوز إجماعا ؛ لأن هندا لم تشارك غلامها في العامل ؛ لأنه مرفوع بضرب وهي مجرورة بالإضافة ، وذلك أن المشاركة تقتضي الإشعار به ؛ لأن الفعل المتعدي يدل بمجرد افتتاح الكلام به على فاعل ومفعول ، فإذا لم يشارك لم يحصل الإشعار به فيتأكد المنع ، ثم التقديم في هذا الموضع جائز ، وفي المواضع الآتية واجب.

الثاني : أن يكون الضمير مرفوعا بنعم وبابه نحو : نعم رجلا زيد وبئس رجلا زيد وظرف رجلا زيد.

الثالث : أن يكون مرفوعا بأول الفعلين المتنازعين نحو :

١٨٠ ـ جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني

الرابع : أن يكون مجرور رب نحو :

__________________

١٧٨ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٩٠ ، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٨ ، ٢ / ٥٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥١ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٩٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ١٠١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٦٢٨.

١٧٩ ـ البيت من البسيط ، وهو لسليط بن سعد في الأغاني ٢ / ١١٩ ، والخزانة ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ومعجم ما استعجم ص ٥١٦ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٥ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٨٩ ، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤ ، والخزانة ١ / ٢٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، ٢ / ٥٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٢ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ١٠١ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٤٦.

١٨٠ ـ البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٧٧ ، ٥ / ٢٨٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٠ ، وتخليص الشواهد ٥١٥ ، وتذكرة النحاة ص ٣٥٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٩ ، ٢٠٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٧٤ ، وشرح قطر الندى ص ١٩٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٨٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٤ ، وسيعاد البيت برقم ١٥٢١ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧١٠.

١٦٠