تهذيب اللغة - ج ٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٣

القَصّارُ الثوبَ إذا شَقَّه ، وقد يقال لها : الحَرْصةُ.

وقال ابن السكيت : قال الأصمعي : الحريصةُ : سحابة تَقْشِر وجه الأرض وتُؤثر فيه من شدة وَقْعها ونحو ذلك روى أبو عُبَيد عنه ، وأصل الحَرْصُ : القشر ، وبه سُمِّيَت الشَّجّة حارِصة ، وقيل للشرِه حريص ، لأنه يَقْشِر بحرصه وَجُوه الناس يسألهم. والحِرْصِيانُ فِعْليَانٌ من الحَرْصِ وهو القَشْرُ.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال لباطن جِلْدِ الفيل حِرْصيان ، وقيل في قول الله جلّ وعزّ : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزُّمَر : ٦] هي الحِرْصيان والغِرْس والبطن ، قال : والحِرْصِيان : باطن جلد البطن ، والغِرْسُ : ما يكون فيه الولد.

وقال في قول الطرمَّاح :

وقد ضُمِّرتْ حتى انْطَوَى ذو ثَلاثِها

إلى أَبْهَرَي دَرْمَاء شَعْبِ السَّنَاسِن

قال : ذو ثلاثها أراد الحِرْصِيان والغِرْسَ والبَطن.

وقال ابن السكيت : الحرصِيَانُ : جِلدةٌ حمراءُ بين الجلد الأعلى واللحم تُقْشَرُ بعد السَّلْخ ، والجمع الحِرْصِيَانَات ، وذو ثَلَاثها عَنَى به بطنها ، والثلاثُ : الحِرْصِيانُ ، والرَّحِم ، والسابِيَاءُ. قلت : الحرصِيان فِعْلِيَانٌ من الْحَرْصِ ، وعلى مثاله حِذْريان وصِلِّيَان.

رصح : أهمله الليث. وروى ابن الفرج عن أبي سعيد الضَّريرِ أنه قال : الأرْصَح والأرصَعُ والأزَلُّ. واحد.

قال : وقال ذلك أبو عَمْرو ، ويقال : الرَّصَعُ : قُرْبُ ما بين الوَرِكَيْن ، وكذلك الرَّصَح والرَّسَحُ والزَّللُ.

ح ص ل

حصل ، لحص ، صلح ، صحل : مستعملة.

حصل : قال الليث : تقول : حَصَلَ الشيءُ يحصلُ حُصولاً ، قال : والحاصِل من كل شيءٍ : ما بقي وثبَتَ وذهب ما سواه يكون من الحساب والأعمال ونحوِها.

والتحصيل : تمييز ما يَحصُل ، والاسم الحَصِيلَةُ. وقال لبيد :

وكل امرىءٍ يَوْماً سَيُعْلم سَعْيُه

إذا حُصِّلت عند الإله الحصائِلُ

وقال الفرّاء في قوله تعالى : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) [العَاديَات : ١٠] أي بُيِّن.

وقال غيره : مُيِّزَ.

وقال بعضهم : جُمِعَ.

الليث : الحَوْصَلة : حَوْصَلَة الطَّائر ، ويقال للشاة التي عَظُم من بطنها ما فوق سُرَّتها حَوْصلٌ وأنشد :

* أو ذات أَوْنَيْن لها حَوْصلُ *

قال : والطائر إذا ثَنَى عُنُقه وأخرج حَوْصَلَته يقال : قد احوَنْصَل. وقال أبو النَّجم :

* وأصبَح : الروضُ لَوِيّاً حَوْصَلهُ *

وحَوْصلُ الروض : قَرَارُه ، وهو أبطؤها هَيْجاً ، وبه سُمِّيت حوصلةُ الطائر ، لأنها قرار ما يأكله.

١٤١

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : زَاوِرةُ القَطَاة : ما تحمل فيه الماء لفراخها ، وهي حَوْصَلتها ، قال : والغَرَاغِرُ : الحَوَاصِلُ ، ويقال : حَوْصلَة وحَوْصلَّة وحَوْصِلاء ممدود بمعنى واحد.

أبو زيد : الحَوْصلَّةُ للطير بمنزلة المعدة للإسنان ، وهي المصارين لِذي الظِّلْفِ والخُفِّ ، والقانصةُ من الطير تُدْعَى الْجِرِّيئَةُ مهموزة على فِعِّيلَة.

وقال ابن شميل : من أدواء الخيل : الحَصَلُ والقَصَلُ ، قال : والحَصَلُ : سَفُّ الفرسِ التُّرابَ من البَقْل فيجتمِعُ منه ترابٌ في بطنه فيقتله ، قال : فإن قَتَله الحصَلُ قيل : إنه لَحَصِلٌ.

وقال ابن الأعرابي : الحَصلُ في أولاد الإبل : أن تأكل التراب ، ولا تُخرِجَ الجِرَّة وربما قتَلها ذلك.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : وفي الطعام مُرَيْرَاؤه وحَصَلُه وغَفَاه وفَغَاهُ وحُثَالتُه وحُفالتُه بمعنى واحد.

قال : وحصَّلَ النخل إذا استدار بلَحُه.

وقال غيره : أحصل القومُ فهم مُحْصِلون إذا حصَّلَ نخْلُهم : وذلك إذا استبان البُسْرُ وتدحْرَج.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الحاصل : ما خَلَصَ من الفِضَّة من حجارة المَعْدِن ، ويقال للذي يُخَلِّصه مُحَصِّل ، وأنشد :

أَلَا رَجُلٌ جَزَاهُ الله خيراً

يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلةٍ تُبِيتُ

أي تُبِيتُني عندها لأُجَامِعها

صحل : قال الليث : الصّحَل. صَوتٌ فيه بُحَّة ، يقال : صَحِلَ صوتُه صَحَلاً فهو صَحِلُ الصوت. وفي صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وصَفَتْه بها أُمُّ مَعْبَد : «وفي صوتِه صَحَلٌ» أرادت أنَّ فيه كالبُحّة ، وهو ألّا يكون حادّاً.

وقال ابن شُمَيل : الأصْحَل : دون الأبَحّ ، إنما الصَّحَل : جُشوءٌ في الصوت إذا لم يكن صافياً وليس بالشديد ، ولكنه حَسَنٌ ، يوصف به الظِّباء ، وأنشد :

إن لها لَسَائقاً إن صَحَّا

لا صَحِلَ الصوتِ ولا أَبَحّا

إذا السُّقَاةُ عَرَّدُوا أَلَحَّا

صلح : الليث : الصُّلْح : تَصالُح القوم بينهم ، والصَّلَاح : نقيض الفساد ، والإصلاح : نقيض الإفساد ، ورجُلٌ صالح : مُصلحٌ ، والصالح في نفسه ، والمصلح في أعماله وأُموره ، وتقول : أصلحتُ إلى الدابة إذا أحسنتَ إليها.

والصِّلْحُ : نهر بمَيْسان.

ويقال : صلَح فلانٌ صُلُوحاً وصَلاحاً ، وأنشد أبو زيد :

فكيفَ بأطرافي إذا ما شَتَمْتَني

وما بعد شَتْم الوالدين صُلُوح

والصِّلَاح بمعنى المصالحة ، والعرب تؤنِّثها ، ومنه قول بِشْر بن أبي خازم :

يَسُومون الصِّلاح بذاتِ كَهْفٍ

وما فيها لهم سَلَعٌ وَقَارُ

وقوله : وما فيها أي في المصالحة ولذلك أنّث الصِّلَاح.

١٤٢

وصَلَاح : اسم لِمَكَّة على فَعَالِ.

والمصْلَحَةُ : الصَّلَاح.

وتصالح القوم واصّالحوا واصطلحوا بمعنى واحد.

لحص : قال الليث : اللَّحْص والتَّلْحِيص : استقصاءُ خبر الشيء وبيانه ، تقول : قد لحص لي فلان خبرَك وأمرَك إذا بيّن ذلك كله شيئاً بعد شيء ، وكتب بعض الفصحاء إلى بعض إخوانه كتاباً في بعض الوصف فقال : وقد كتبت كتابي هذا إليك وقد حَصَّلتُه ولَحّصْتُه وفَصَّلته ووصّلْتُه وبعض يقول : لَخَّصتُه بالخاء.

وأخبرني المنذري أنه سأل أبا الهيثم عن قول أُمَيَّة بن أبي عائذ الهُذَليّ :

قد كنتُ ولَّاجاً خروجاً صَيْرَفا

لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لحَاص

فقال : لحَاص أخرجه مُخْرَجَ قَطَام وحَذَامِ ، قال وقوله : لم تَلْتَحِصْنِي أي لم تُثَبِّطْنِي. يقال : لحصتُ فلاناً عن كذا ، والْتَحصْتُه أي حَبَسْتُه وثَبَّطْتُه.

قال : وأخبرني الحرّاني عن ابن السكيت في قوله : لم تَلْتَحِصْني أي لم أَنْشَب فيها.

ولَحَاصِ فَعَال منه. غيره : لَحِصَتْ عينُه والْتَحَصَتْ إذا الْتَزَقَت من الرَّمَص.

وقال اللِّحياني : الْتَحَصَ فُلانٌ البيضَةَ إذا تَحَسَّاها ، والتحصَ الذئبُ عينَ الشاة ، والْتَحَصَ بيضَ النَّعَام إذا شَرِبَ ما فيها من المحِّ والبياضِ.

ح ص ن

حصن ، حنص ، صحن ، نحص ، نصح : مستعملة.

حصن : قال الليث : الحِصْنُ : كل موضع حَصِين لا يُوصَلُ إلى ما في جوفه ، تقول : حَصُنَ يَحْصُن حَصَانَة ، وحَصَّنَه صاحِبُه وأَحْصَنُه ، والدِّرْعُ الحَصِينَةُ : المُحْكَمَةُ ، وقال الأعشى :

وكل دِلاصٍ كالأضَاةِ حَصِينَةٍ

ترى فضلها عن رَيْعها يَتَذَبْذَبُ

قال شمر : الحَصينَة من الدُّرُوعِ : الأمِينَةُ المُتَدَانِيَةُ الحَلَق التي لا يَحِيكُ فيها السلاح. وقال عنْتَرَةُ العبسيَّ.

فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حصيناً

وَعَطْعَطَ ما أَعَدَّ من السِّهَام

وقال الله جلّ وعزّ في قصة داود : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) [الأنبيَاء : ٨٠] ، قال الفرّاء : قرىء (ليُحْصِنَكم) و (لِتُحْصِنَكُمْ) و (لنُحْصِنَكُم) ، فمن قرأ (ليُحْصِنَكُم) فالتذكير لِلَّبُوسِ ، ومن قرأ (لِتُحْصِنَكُمْ) ذهب إلى الصّنْعَة ، وإن شئْتَ جعلتَه للدِّرْع لأنها هي اللَّبُوس وهي مُؤَنَّثَة ، ومعنى (ليُحْصِنَكُم) لِيَمْنَعكُم ويُحْرِزَكُم ، ومن قرأ (لنُحْصِنَكُم) بالنون فمعناه لنُحصِنَكم نحن والفِعْل لله عزوجل.

وقال الليث : الحِصَانُ : الفَحْلُ من الخَيلِ وجمعه حُصُن. وتَحَصَّن إذا تكلَّف ذلك.

أبو عُبَيد عن الكسائي : فرس حِصَانٌ بيَّن التَّحَصَّن ، وامرأَةٌ حَصَانٌ بفتح الحاء بَيِّنَةُ الحَصَانَةِ والحُصْنِ.

١٤٣

وقال شمر : امرأة حَصَانٌ وحاصِنٌ وهي العَفيفَةُ ، وأنشد :

وحاصِنٍ من حاصِنَاتٍ مُلْسِ

من الأذى ومِنْ قِرَافِ الوَقْسِ

الوَقْسُ : الجَرب. مُلْسٌ : لا عيب بهن.

وقال الليث : حَصُنَت المرأةُ تَحْصُن إذا عَفَّت عن الرِّيبَةِ فهي حَصَانٌ ، قال : والمُحْصَنَةُ : التي أحْصنهَا زَوجها ، وهي المحصنات ، فالمعنى أنهن أُحْصِنّ بأزواجهن.

وأخبرني الإيادي عن شمر عن ابن الأعرابي والمنذري عن ثعلب عنه أنه قال : كلام العرب كله على أفْعَلَ فهو مُفْعِل إلا ثلاثة أحرف أحْصَن فهو مُحْصَنٌ ، وألْفَجَ فهو مُلْفَج ، وأسْهَبَ فهو مُسْهَب.

وقال أبو عُبَيد : أجمع القراء : على نَصْبِ الصاد في الحرف الأول من النساء فلم يختلفوا في فتح هذه ، لأن تأويلها ذواتُ الأزواج يُسْبَيْن فيُحِلُّهُنَّ السِّبَاءُ لمنْ وطئها من المالِكين لها ، وتنقطع العِصْمَة بينهن وبين أزواجهن بأن يَحِضْن حَيْضَة ويَطْهُرن منها ، فأما ما سِوَى الحرف الأول فالقُرّاء مختلفون ، فمنهم من يكسر الصاد ، ومنهم من يفتحها ، فمن نصب ذهب إلى ذوات الأزواج ، ومن كسر ذهب إلى أنهن أسلَمْن فأَحْصَنَ أنْفُسَهن فهن مُحْصِنَات. قلت : وأما قول الله جلّ وعزّ : (فَإِذا أُحْصِنَ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النِّساء : ٢٥] فإن ابن مسعود قرأ : (فإذا أحْصَنَ) وقال : إحْصَانُ الأَمَةِ : إسْلامُها ، وكان ابن عباس يقرؤها (فَإِذا أُحْصِنَ) [النِّساء : ٢٥] على ما لم يُسَمّ فاعله. ويفسره فإذا أُحْصِنّ بِزَوْج ، وكان لا يَرَى على الأَمَةِ حَدّاً ما لم تتزوج ، وكان ابن مسعود يرى عليها نِصْفَ حَدِّ الحُرَّة إذا أسلمت وإن لم تُزَوّج وبِقَوْله يَقُول فُقَهاءُ الأمْصَارِ ، وهو الصواب ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعبد الله بن عامر ويعقوب (فَإِذا أُحْصِنَ) بضمّ الألف ، وقرأ حَفْصٌ عن عاصم مثلَه ، وأما أبو بكر عن عاصم فقد فتح الألف وقرأ حمزة والكسائي (فإذا أحْصنَ) بفَتْح الألف.

وقال شمر : أَصْلُ الحَصانَة المَنْعُ ، ولذلك قيل : مَدِينةٌ حَصِينَةٌ ، ودِرْعٌ حَصينَةٌ ، وأنشد يونس :

* زَوْجُ حَصَانٍ حُصْنُها لم يُعْقَم*

وقال : حُصْنُها : تَحْصِينُها نفسَها.

وقال ابن شميل : حَصَنَتِ المرأةُ نفسَها ، وامرأةٌ حَصَانٌ وَحَاصِنٌ.

سَلَمَةُ عن الفرّاء في قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) [النِّساء : ٢٤].

قال : الْمُحْصَناتُ : العَفَائِفُ من النِّسَاء ، الْمُحْصَناتُ : ذوات الأزْوَاج اللاتي قد أَحْصَنَهُن أَزْوَاجُهُنّ.

قال : والمُحْصَنَات بِنَصْبِ الصَّادِ أكثرُ في كلام العَرَب.

وقال الزجاج في قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النِّساء : ٢٤]. قال : مُتَزَوِّجِينَ غَيْرَ زُنَاة.

١٤٤

قال : والإِحْصَانُ : إحْصَانُ الفَرْج وهو إعْفَافُه ، ومنه قوله : (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) [الأنبيَاء : ٩١] أي أعَفَّتْه ، قلت : والأمَةُ إذا زُوِّجَت جاز أن يقال : قد أُحْصِنَتْ لأن تَزْويجها قد أَحْصَنَها وكذلك إذا أُعْتِقَت فهي مُحْصَنَة لأن عِتْقَها قد أَعَفَّها ، وكذلك إذا أَسْلَمَت فإن إسْلَامَها إِحْصَانٌ لها. ثعلب عن ابن الأعرابي قال : المِحْصَن : القُفْلُ.

وخَيْلُ العرب : حُصُونُها ، وهم إلى اليوم يُسَمُّونَها حُصُوناً ذُكُورَها وإنَاثَها.

وسُئِل بعضُ الحُكّام عن رَجُل جَعَل مَالاً له في الحُصُون ، فقال : اشتروا خَيْلاً واحْمِلُوا عليها في سبيل الله ذَهَب إلى قَولِ الجُعْفِيّ :

ولقد عَلِمْتُ عَلَى تَوَقِّيَّ الرَّدَى

أَنَ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مَدَرُ القُرَى

والعرب تسمي السلاح كُلَّه حِصْنا ، وجعل سَاعِدَةُ الهُذَلِيُّ النِّصالَ أَحْصِنَةً فقال :

وأَحْصِنَةٌ ثُجْرُ الظُّبَاتِ كأنَّها

إذا لم يُغَيِّبْها الجَفِيرُ جَحِيمُ

الثُّجْرُ : العِرَاض ، ويروى : وأَحْصَنَه ثُجْرُ الظُّبَاتِ أي أَحْرَزَهُ.

صحن : قال الليث : الصَّحْنُ : سَاحَةُ وَسَطِ الدار ، وساحة وسَط الفَلاة ونحوها من متون الأرض وسَعَة بُطُونِها ، وأنشد :

* ومَهْمَهٍ أَغْبَر ذِي صُحُونِ *

وقال أبو عمرو : الصَّحْنُ : المُسْتَوِي من الأرضِ.

وقال ابن شُمَيل : الصَّحْن : صَحْن الوَادِي ، وهو سَنَده ، وفيه شيء من إشْرافٍ عن الأرضِ يُشْرِفُ الأولَ فالأوَّلَ كأنه مُسْنَدٌ إسناداً ، وصَحْنُ الجَبَل ، وصَحْنُ الأكمة مثله ، وصُحُونُ الأرضِ : دُفُوفُها وهو مُنْجَرِدٌ يَسِيلُ وإن لم يكن مُنْجَرداً فليس بِصَحْن ، وإن كان فيه شَجَرٌ فليس بِصَحْنٍ حتى يَسْتَوِي.

قال : والأرضُ المُسْتَوِيَةُ أيضاً مِثلُ عَرْصَة المِرْبَد صَحْنٌ.

وقال الفرّاء الصَّحْنُ والصَّرْحَةُ : ساحة الدَّار وأَوْسَعُها.

عمرو عن أبيه : الصَّحْنُ : العَطِيَّةُ ، يقال : صَحَنَه ديناراً أي أَعْطاهُ.

وقال أبو زيد : خَرَجَ فلان يَتَصَحَّن الناسَ أي يسأَلُهُم.

وقال أبو عَمرو : الصَّحْنُ : الضَّرْبُ ، يقال : صَحَنَه عِشرين سَوْطاً أي ضَرَبه.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : أَوَّلُ الأقداحِ الغُمَرُ ، وهو الذي لا يُرْوِي الواحد ، ثم القَعْب يُرْوِي الرَّجلَ ، ثم العُسُّ ، ثم الرِّفْد ، ثم الصَّحْنُ ، ثم التِّبْنُ ، ونحوَ ذلك قال أبو زَيْد فيما رَوَى عنه أبو عُبَيد.

وقال الليث : يُقَالُ للسَّائِلِ : هو يتصحَّن الناسَ إذا سألهم في قَصْعَةٍ ونَحْوها.

قال : والصِّحْنَاةُ بوزن فِعْلاة إذا ذَهَبَت عنها الهاء دخلها التنوين وتجمع على الصِّحْنَى بطرح الهاء.

وقال ابن هانىء : سمعتُ أبا زَيْد يقول : الصِّحْنَاةُ : فارِسيَّة وتسميها العرب : الصِّيْر ، قال : وسأل رجل الحَسَنَ عن

١٤٥

الصِّحْنَاة؟ فقال وهل يأكل المسلمون الصِّحْنَاة! قال : ولم يعرفها الحَسَنُ ، لأنها فارِسِيَّة ، ولو سأله عن الصِّيرِ لأجابَه.

وقال أبو عُبَيْدة في كتاب «الخيل» : صَحْنا الأذُنَيْن من الفَرَس : مُسْتَقَرُّ داخِل الأذُنَيْن ، قال : والصَّحْنُ : جَوْفُ الحافر ، والجميع أَصْحَانٌ.

وقال الأصْمَعي : الصَّحْنُ : الرَّمْح ، يقال : صَحَنَه برجْله إذا رَمَحَه بها ، وأنشد قولَه يصف عَيْراً وأَتَانه :

قوداءُ لا تَضَغْن أو ضَغُونُ

مُلِحَّةٌ لنَحْرِه صَحُونُ

يقول : كُلَّما دَنَا الحِمَارُ منها صَحَنَتْه أي رَمَحَتْه.

نصح : قال الليث : فلانٌ ناصِحُ الجَيْبِ معناه ناصِحُ القلبِ ليس فيه غِشٌّ.

قال : ويقال : نَصَحْتُ فلاناً ونَصَحْتُ له نُصْحاً ونَصِيحةً ، وإنّ فلاناً لَنَاصِحُ الجيْب ، مثل قولهم : طاهر الثياب. يريدون به ناصح الصدر.

وقال الليث : النِّصاحَةُ : السُّلُوكُ التي يُخَاطُ بهَا ، وتصغيرها نُصَيِّحَةٌ ، وقميص منصوح أي مَخِيط.

أبو عُبَيد عن أبي عَمرو قال : النِّصَاحات الجُلُودُ ، وقال فيه الأعْشى :

فَتَرَى القومَ نَشَاوَى كُلَّهُم

مِثْلَما مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ

والرُّبَحُ ، قال بعضهم : أراد به الرُّبَع.

وقال المؤرّج : النِّصَاحَاتُ : حِبَال يُجْعَل لها حَلَق وتنصب للقُرُودِ إذا أرادوا صيدها ، يَعْمِد رجل فيجعل عِدَّةَ حِبَالٍ ، ثم يأخذ قِرْداً فيجعله في حبل منها ، والقرود تنظر إليه من فوق الجبل ، ثم يَتَنَحّى الحابِلُ فتنزل القرودُ فتدخل في تلك الحبال ، وهو ينظر إليها من حيث لا تراه ، ثم ينزل إليها فيأخذ ما نشب في الحبال ، وهو قول الأعشى :

* مِثْلَما مُدَّت نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ*

قالت : والرُّبَحُ : القُرُودُ ، وأَصْلُه الرُّباحُ.

أبو عُبَيد عن الأصمعي وأبي زيد : نصَحْتُ القيمصَ أَنْصَحُه نَصْحاً إذا خِطْتَه ، قال : والنِّصَاحُ : الخَيْطُ ، وبه سُمِّي الرَّجُلُ نِصَاحاً.

وقال أبو عَمْرو : المُتَنَصَّحُ : المُخَيَّطُ وقال ابن مقبل :

* غَدَاةَ الشَّمال الشُّمْرُخُ المُتَنَصَّحُ *

وروى عن أكثم بن صَيْفي أنه قال : «إياكم وكثرة التنصح فإنه يُورِثُ التُّهمَة.

وقال الفَرَّاءُ في قول الله جلّ وعزّ : (تَوْبَةً نَصُوحاً) [التّحْريم : ٨] قرأها أَهْلُ المدينة بفتح النون.

وذكر عن عاصم (نُصُوحاً) بضم النون.

قال الفرَّاء : وكان الذين قرأوا (نُصُوحاً) أرادوا المصدر مثل القُعود ، والذين قرأوا (نَصُوحاً) جعلوه من صفة التوبة ، والمعنى أن يُحَدِّثَ نفسه إذا تاب من ذلك الذنب ألَّا يعود إليه أبداً.

وسُئِل أبو عمرو عن نُصوحاً فقال : لا أعرفه.

قال الفرّاء : قال المُفَضَّل : بات عَذُوباً

١٤٦

وعُذوباً ، وعَرُوساً وعُرُوساً.

وقال أبو إسحاق : تَوْبَةٌ نَصُوحٌ : بالِغَةٌ في النُّصْح.

قال : ومن قرأ نُصُوحاً فمعناه يَنْصَحُون فيها نُصُوحاً.

وقال غيره : النَّاصِحُ : الخالِصُ ، وقال الهُذَلِيُّ :

فأَزَالَ نَاصِحَها بأَبْيض مُفْرَطٍ

من ماء أَلْخَابٍ عليه التَّأْلَبُ

يصف رجلا مَزَجَ عسلا صافياً بماء حتى تَفَرَّقَ فيه.

وقال أبو زيد : نَصَحْتُه أي صَدَقْتُه ، وتَوْبَةٌ نَصُوحٌ : صادِقَةٌ.

وقال أبو عمرو : النَّاصِحُ : النَّاصِعُ في بيت ساعدة الهُذَلِيّ ، حكاه أبو تُرَاب ، قال : وقال النَّضْرُ : أراد أنَّه فرّق بين خالصها ورديئها بأبيض مُفْرَط أي بماء غدير مَمْلُوء.

أبو عُبَيد عن الأصْمَعي : إذا شَرِبَ حتى يَرْوَى قال : نَصَحْتُ الرِّيّ بالصاد وبَضَعْتُ ونَقَعْتُ مثله.

ويقال : إن في ثوبك مُتَنَصَّحاً أي مَوضعَ خِياطة وإصلاح ، كما يقال : إن فيه مُتَرَقَّعاً.

وقال النَّضر : نَصَح الغيْثُ البلاد نَصْحاً إذا اتصل نَبْتُها فلم يكن فيه فضاءٌ ولا خَلَلٌ ، وقال غيره : نَصَح الغيثُ البلادَ ونصَرَها بمعنى واحد.

وقال أبو زيد : الأرضُ المنصوحةُ هي المَجُودَةُ نُصِحت نَصحاً.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال للإِبْرَة : المنْصَحَة فإذا غَلُظَت فهي الشَّغِيزَةُ.

ويقال : انْتَصَحْتُ فلاناً وهو ضد اغْتَشَشْته ومنه قوله :

ألا رُبّ من تَغْتَشُّه لك ناصحٌ

ومُنتَصِحٍ بادٍ عليك غَوائلُهْ

تَغْتَشُّه : تعُدُّه غاشًّا لك ، وتَنْتَصِحُه : تعدُّه ناصحاً لك.

ويقال : نصَحْتُ فلاناً نصْحاً ، وقد نصَحْتُ له نصيحتي نُصوحاً أي أَخْلَصتُ وصَدَقْتُ.

نحص : قال الليث : النَّحُوصُ : الأتَان الوحشيَّة الحائلُ.

وقال أبو عُبَيد : قال الأصمعيّ : النَّحُوصُ من الأُتُنِ : التي لا لَبنَ لها.

وقال شمر : النَّحُوصُ : التي مَنعَها السِّمَنُ من الحَمْل ، ويقال : هي التي لا لَبَنَ لها ولا وَلدَ لها.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يا لَيْتَني غُودِرْت مع أصحابِ نُحْصِ الجَبَل ، أراد يا ليتني غُودِرْتُ شهيداً مع شهداء أُحُد.

وقال أبو عُبَيد : قال أبو عمرو : النُّحْصُ : أصلُ الجبل وسَفْحُه.

ثعلب عن ابن الأعرابي. قال : المِنْحاصُ : المرأةُ الدقيقة الطويلة.

حنص : قال الليث : الحِنْصَأوَةُ من الرجال :

الضعيف ، يقال : رأيتُ رجلاً حِنْصَأْوَةً أي ضعيفاً ، وقال شمر نحوه ، وأنشد :

حتى ترى الحِنْصَأْوَةَ الفَرُوقَا

مُتَّكِئاً يَقْتَمِحُ السَّوِيقَا

١٤٧

ح ص ف

حصف ، حفص ، صفح ، صحف ، فصح ، فحص : [مستعملة].

حصف : يقال : رجل حَصِيفٌ بَيّن الحَصافة ، وقد حَصُفَ حَصافة إذا كان جَيِّد الرأي مُحْكَم العَقِل.

وثوْبٌ حَصِيفٌ إذا كان مُحْكَمَ النسج صفيقَهُ.

ورَأْيٌ مُسْتَحْصِفٌ ، وقد استَحْصَفَ رأيُه إذا استحكم ، وكذلك المُسْتَحْصِد.

ويقال للفرس وغيره : أَحْصَفَ إحْصَافاً إذا عَدَا فأَسرَعَ وفيه تقارُب ، ومنه قول العَجّاج :

* ذَارٍ إذا لَاقَى العَزَازَ أَحْصَفَا*

رواه أبو عُبَيد عن أصحابه.

وقال الليثُ : الحَصَفُ : بَثْرٌ صغار يَقِيحُ ولا يَعْظُم وربما خرجَ في مَرَاقّ البَطن أيامَ الحرِّ.

يقال : حَصِف جِلْدُه حَصفاً.

وقال أبو عُبَيْد : حَصِفَ فلانٌ يَحْصَفُ حَصَفاً ، وبَثِرَ وَجهُه يَبْثَرُ بَثَراً.

وقال الليث : الحَصَافَةُ : ثَخَانَة العقل ورجلٌ حَصِيفٌ وحَصِفٌ.

وأَحْصَفَ الناسجُ نَسْجَه ، ويقال : اسْتَحْصَفَ القومُ واستَحصَدُوا إذا اجتمعوا ، قال الأعشى :

تأْوِي طوائِفُها إلى مَحْصوفَةٍ

مَكْروهةٍ يَخشَى الكُمَاةُ نِزالَها

قلتُ : أراد بالمحصوفة كتيبةً مجموعة ، وجعلها مَحْصوفة من حُصِفَت فهي مَحصوفة.

وفي «النوادر» : حَصبْتُه عن كذا وكذا ، وأَحْصَبَتْهُ وحَصفْتُه وأحْصفْتُه ، وحَصَيتُه وأَحصَيتُه إذا أقْصَيتَه.

فصح : الليثُ : الفِصحُ : فِطْر النصارى.

قال : والمُفْصِحُ من اللَّبَنِ إذا ذهب عنه اللِّبَأُ وكثُر مَحْضُه وقلَّت رَغْوته ، ويقال : فَصَّحَ اللبنُ تَفْصيحاً.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : أولُ اللَّبَن اللِّبَأُ ثم الذي يليه المُفصِح. يقال : أفصح اللَّبنُ إذا ذهب عنه اللِّبأُ.

وقال الليث : رجل فَصِيحٌ ، وقد فَصُحَ فصاحةً ، وقد أفصح الرجلُ القولَ ، فلما كثُر وعُرِف أضمروا القول واكتفوا بالفعل ، كما تقول : أَحْسَن ، وأَسرع ، وأَبْطأ ، وإنما هو أَحْسَنَ الشيءَ وأسرعَ ، العمل. قال : وقد يجيء في الشّعرِ في وصف العُجْم أفصح يرادُ به بيان القول ، وإن كان بغير العربية كقول أبي النجم :

* أَعْجَم في آذانها فصيحاً*

يعني صوت الحمار أنه أعْجَمُ وهو في آذان الأَتنِ فصيح بَيِّن.

ويقال : أَفْصِحْ لي يا فلان ولا تُجَمْجِم قال : والفَصِيحُ في كلام العامة المُعْرِبُ.

وقال غيره : يقال : قد فَصَحَك الصُّبْحُ أي بَانَ لك وغَلَبَك ضَوْؤُه ، ومنهم مَن يقول : فَضَحَك.

وقال أبو زيد : ما كان فُلانٌ فَصِيحاً ، ولقد فَصُح فَصاحَةً ، وهو البيِّن في اللسان

١٤٨

والبلاغة ، ويقال أفصح الصبيُّ في منطقه إفْصَاحاً إذا فهمتَ ما يقول في أول ما يتكلم : وأفصح الأغْتَمُ إذا فهمتَ كلامه بعد غُتْمَتِه.

وقال ابن شُمَيل : هذا يومٌ فِصْحٌ كما ترى ، والفِصْحُ : الصَّحْوُ من القُرِّ إذا لم يكن فيه قُرّ فهو فِصْح وإن كان فيه غَيمٌ ومَطَرٌ وريحٌ بعد ألّا يكون فيه قُرّ ، وكذلك الفَصْيَةُ ، وهذا يوم فَصْيَةٍ كما ترى ، وقد أفْصَينَا من هذا القُرِّ أي خرجنا منه وقد أفْصى يَومنا.

وأفْصَى القُرُّ إذا ذهب قاله ابن شُمَيْل.

صحف : قال الليث : الصُّحُفُ : جماعةُ الصَّحِيفة ، وهذا من «النوادر» ، وهو أن تجْمَع فَعِيلَة على فُعُل ، قال : ومثله سفينة وسُفُن ، وكان قياسُهما صحائفُ وسَفائن ، قال : وقول الله جلّ وعزّ : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٩] يعني الكتب التي أنزلت عليهما ، قال : وصحيفةُ الوَجْه : بَشَرَةُ جِلده. وأنشد :

* إذا بَدَا من وجهك الصَّحِيفُ *

قال : وإنما سُمِّي المُصْحَفُ مُصْحَفاً لأنه أُصْحِفَ أي جعل جامعاً للصُّحُف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن.

وقال الفرّاء : يقال : مُصحفٌ ومِصْحَف ، كما يقال : مُطرَفٌ ومِطرَفٌ قال : وقوله : مُصحف من أُصْحِفَ أي جُمِعت فيه الصُّحُف ، قال : وأُطرِف : جُعل في طرَفيْه العَلَمان ، قال : فاستثقلت العربُ الضمة في حروف فكسرت الميم ، وأصلها الضم ، فمن ضَمّ جاء به على أصله ، ومن كسره فلاستثقاله الضمة ، وكذلك قالوا في المُغزَل مِغْزَلاً ، والأصلُ مُغْزَل من أُغْزِل أي أُدِير.

وقال أبو زيد : تميم تقول : المِغْزَلُ والمِطْرَفُ والمِصحف ، وقيس تقول : المُطرَف والمُغْزَل والمُصحَف.

وقال الليث : الصَّحْفة : شبه قَصْعة مُسْلَنْطِحَة عريضة وجَمْعُها صِحَاف.

وأنشد :

والمَكَاكِيك والصِّحَاف من الفِ

ضةِ والضامِزاتُ تحت الرِّحَالِ

وقال الله جلّ وعزّ : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) [الزّخرُف : ٧١].

أبو عُبَيد عن الكِسائي : أعظَمُ القِصَاع الجَفْنة ، ثم القَصْعةُ تليها تُشْبع العَشَرَة ، ثم الصَّحْفَة تشبع الخمسة ونحوهم ، ثم المِئكَلَة تُشْبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصُّحَيْفة تُشْبعُ الرجل.

قال الليث : والذي يَرْوِي الخطأ على قراءة الصُّحُف هو المُصَحِّف والصَّحَفِيُ.

صفح : قال الليث : الصَّفْحُ : الْجَنب ، وصفْحا كلِّ شيءٍ جانباه ، قال : وصَفْحَتا السَّيْف : وجهاه. وصفْحةُ الرجل : عُرْضُ وجهه ، وسَيفٌ مُصْفَحٌ : عريض ، والصَّدْر المُصفَح كذلك ، وأنشد للأعشَى :

أَلسنا نحن أكرَمَ إن نُسِبنا

وأَضرَبَ بالمُهَنَّدَةِ الصِّفاح

يعني العِراض ، وأنشد :

وصدرِي مُصْفَحٌ للموت نَهْدٌ

إذا ضاقَتْ عن الموْتِ الصُّدُور

١٤٩

وفي حديث حُذَيفة أنه قال : «القُلوبُ أربعة : فقلْبٌ أغلفُ ، فذاك قلب الكافر ، وقلبٌ مَنكوسٌ فذاك قلب رجع إلى الكُفر بعد الإيمان ، وقلبٌ أَجْرَدٌ مثل السِّرَاج يَزْهَر فذاك قلب المؤمِن ، وقلب مُصْفح اجتمعَ فيه النِّفاق والإيمانُ ، فَمَثَل الإيمان فيه كمَثلِ بَقْلَةٍ يُمِدُّها الماءُ العَذْب ، ومثَل النفاق فيه كمثل قَرْحَة يُمِدُّها القَيْحُ والدّم ، وهو لأيِّهما غَلَب».

وقال شمر فيما قرأتُ بخطِّه : القلب المُصْفَح ، زعم خالد أنه المُضْجع الذي فيه غلّ ، الذي ليس بخالص الدِّين.

وقال ابن بُزرْج : المُصفَح : المقلوب. يقال : قلبْتُ السيف وأَصْفَحْتُه وصابَيْتُه. فالمُصفَحُ والمُصابَى : الذي يُحَرَّف عن حَدِّه إذا ضُرِب به ويُمَال إذا أرادوا أن يغمدوه.

قال : وقال أبو عمرو وغيره : ضَرَبه بالسيف مُصْفَحاً إذا ضَرَبه بعُرْضه.

وقال الطِّرِمَّاح :

فلمَّا تناهتْ وهي عَجْلَى كأنها

على حَرْفِ سيفِ حَدُّه غير مُصْفَح

قال : وقال بعضهم : المُصْفَح : العَرِيض الذي له صفحاتٌ لم تستقم على وَجْه واحد كالمُصْفَح من الرُّؤُوسِ له جوانِب. قلت : والذي عِنْدِي في القلب المُصْفَح أنَّ معناه الذي له صَفْحَان أي وجهان يَلقى أهل الكُفْرِ بوجه ، ويلقى المؤمنين بوجه. وصَفْحُ كلِّ شيء : وجهه وناحيتُه ، وهو معنى الحديث الآخر : «من شَرِّ الرجال ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» وهو المنافق.

ويقال : صَفَحَ فلانٌ عنِّي أي أَعْرَضَ بوجههِ وَوَلَّاني وَجه قَفاه.

وأنشد أبو الهيثم :

يَصْفَحُ للقِنَّة وجهاً جَأْبا

صَفْحَ ذِرَاعَيْه لِعَظْمٍ كَلْبَا

قال : وصف حبلا عرّضه فاتِلُه حين فتله فصار له وجهان ، فهو مَصْفُوحٌ أي عريضٌ ، وقوله : صَفْح ذراعيه أي كما يبْسُط الكلب ذِراعيْه على عَرْقٍ يُوَتِّدُه على الأرض بذراعيه يَتَعَرَّقه ، ونصب كلباً على التفسير.

قال : وصَفْحَتا العُنُق : ناحيتاه ، وصَفْحَتا الوَرَق : وجهاه اللذان يُكْتَبُ فيهما فجعل حُذَيفَة قلب المنافق الذي يأتي الكُفار بوجه وأهل الإيمان بوجه آخر ذا وجهين. وقال رجل من الخوارج : «لنَضْرِبَنَّكم بالسيوف غير مُصْفَحات» يقول : نضْرِبُكم بحدّها لا بِعُرْضها.

وقال الشاعر :

تُحَيْتَ مناطِ القُرْط من غير مُصْفَحٍ

أجاد به خَدّ المُقَلَّد ضَارِبُه

ويقال : أتاني فلان في حاجة فأصفَحْتُه عنها إصفَاحاً إذا طلبها فمنَعْتُه.

والمُصَفَّحَات : السيوف العريضة وهي الصَّفائحُ واحدتُها صفيحة.

وقال لبيد يصف السحاب :

كأنَ مُصفَّحَاتٍ في ذُراه

وأَنْوَاحاً عَلَيهن المآلي

١٥٠

شَبّه البرق في ظلمة السحاب بسيوف عِرَاضٍ ، وواحد الصَّفائح صفيحة.

ويقال للحجارة العريضة صفائح أيضاً ، واحدتها صَفيحَة وصفيح.

وقال لبِيد :

وصَفَائِحاً صُمّاً روا

سِيها يُسَدِّدْن الغُضونا

وهي الصُّفَّاح أيضاً الواحدة صُفَّاحة ، ومنه قول النابغة :

* ويُوقِدْن بالصُّفَّاحِ نار الحُباحِبِ*

وأما قول الله جلّ وعزّ : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) [الزّخرُف : ٥] المعنى أفَنُعْرِض عن تذكيركم إعراضاً من أجل إسرَافِكم على أنفُسِكم في كفركم ، يقال : صَفَح عن فلان أي أعرض عنه مُوَلِّيا ، ومنه قول كُثَيِّر يصف امرأةً أعرَضَتْ عنه.

صفُوحاً فما تَلْقاك إلا بَخيلَةً

فَمَنْ مَلّ منها ذلك الوصل مَلَّتِ

وأما الصَّفوح من صفات الله جلّ وعزّ فمعناه العَفُوّ. يقال : صَفَحْتُ عن ذَنْبِ فلان أي أعْرَضت عنه فلم أُؤاخِذه به.

قلت : فالصَّفُوحُ في نعت المرأة المُعْرِضَةُ صَادَّةً هاجِرة والصَّفُوحُ في صفة الله العَفُوّ عن ذنب عبده معرِضاً عن مجازاته تَكَرُّماً ، فأحدهما ضد الآخر ونصب قوله : صَفْحاً في قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزّخرُف : ٥] على المصدر : لأنّ معنى قوله (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) [الزّخرُف : ٥] أَنُعْرِض عنكم ونصفح وضَرْبُ الذِّكْر : رَدُّه وكَفُّه ، وقد أضرب عن كذا أي كفَّ عنه وتركه.

وقال الليث : صفَحْتُ وَرَق المصحف صَفْحاً وصَفَحْتُ القومَ إذا عَرَضْتَهم واحداً واحداً ، وتَصَفَّحْتُ وُجُوهَ القوم إذا تأملتَ وجوههم تنظر إلى حُلاهم وصورهم وتَتَعَرَّف أمرهم.

قال والصُّفَّاح من الإبل التي عَظُمَت أسْنِمتُها ، فكأن سَنام الناقة يأْخُذُ قَرَاها ، وجَمْعُها صُفَّاحات وصَفَافِيح.

أبو عُبَيد : من أسماء قِداح المَيْسر المُصْفَحُ والمُعَلَّى.

قال أبو عُبَيد ، وقال أبو زيد : إذا سقَى الرجلُ غيرَه أيَّ شراب كان ومتى كان قال : صَفَحْتُ الرجلَ أصْفَحُه صَفْحاً ، قال : وصَفَحْتُ الرجلَ وأصْفَحْتُه كلاهما إذا سأَلَكَ فَمَنَعْته.

وفي الحديث : «التَّسْبِيحُ للرِّجال ، والتَّصْفِيحُ للنساء» ، ويروى التَّصْفِيق ومعناهما واحد ، يقال : صَفَّح وصَفَّق بيديه ، وروى بيت لبيد في صفة السحاب :

* كأنَ مُصَفِّحَاتٍ في ذُرَاه*

جعل المُصَفِّحَاتِ نساءً يُصَفِّقْنَ بأيديهن في مأتم ، شبّه صوت الرعد بتصفيقهن ، ومن رواه : مُصَفَّحَات ، أراد السيوف العَريضة ، شبَّه بريق البرق بَبرِيقها.

وقال ابن الأعرابي : الصَّافح : الناقةُ التي فقدت ولدها فَغَرَزَتْ وذهب لبنها وقد صَفَحت صُفُوحاً. والرجل يصافحُ الرجل إذا وضع صُفْحَ كَفِّه في صُفْح كَفّه وصُفْحا

١٥١

كَفَّيْهما : وَجْهَاهُما.

وصفْحٌ : اسم رجل من كَلْب بن وَبْرَة ، وله حديثٌ عند العرب معروف.

وصِفَاحُ نَعْمَانَ : جِبال تُتَاخِمُ هذا الجبل وتُصَادفه. ونَعْمانُ : جَبل بين مَكَّة والطائف.

أبو زيد : من الرؤوس : المُصَفح ، وهو الذي مُسِحَ جنبا رأسه ونتأ جَبينُه فخرج وظهرت قَمَحْدُوَتُه ، والأَرْأَسُ مِثْلُ المُصْفَح ولا يقال رؤاسِي.

وقال ابن الأعرابي : في جبهته صَفَحٌ أي عُرْضٌ فاحِشٌ. قال : وناقَةٌ مُصَفَّحَةٌ ومُصَرَّاةٌ ومُصَوَّاة ومُصَرّبَةٌ بمعنى واحد.

فحص : قال الليث : الفَحْصُ : شِدَّةُ الطَّلَب خلال كلِّ شيء ، تقول : فَحَصْتُ عن فُلانٍ ، وفَحَصْتُ عن أمْرِه لأعْلَم كُنْهَ حالِه ، والدَّجاجَة تَفْحَص برجليها وجَناحيها في التراب تَتَّخِذ لنفسها أُفْحُوصةً تبيض أو تَجْثُم فيها. وأَفاحيصُ القَطَا : التي تُفَرِّخُ فيها ، ومنه اشْتُقَّ قول أبي بكر : فحَصُوا عن أوساط الرءُوس أي عملُوها مثل أفاحِيص القَطَا.

ومنه الحديث المرفوع : «مَنْ بَنَى لله مَسْجداً ، ولَوْ مثل مَفْحَص قَطَاةٍ بَنَى الله له بيتاً في الجنة» ، ومَفْحَصُ القطاة حيث تُفَرِّخ فيه من الأرض ، والمطر يفحصُ الحَصَى إذا اشتد وقْعُ غَبْيَتِه فقلب الحَصَى ونحَّى بعضه عن بعض ، وغَبْيَةُ المطر : دَفْعَتُه الشديدة بوابل من المطر.

ويقال : بينهما فِحاصٌ أي عداوة ، وقد فاحَصَني فلانٌ فِحَاصاً : كأن كل واحد منهما يَفْحَصُ عن عيب صاحبه وعن سِرِّه. وفلانٌ فَحِيصي ومُفَاحِصِي بمعنى واحد.

حفص : قال الليث : الدَّجاجةُ تُكَنى أُمّ حَفْصَة ، وولد الأسد يسمى حَفْصاً.

وروى ابن شُمَيْل عن الخليل أنه قال : يسمى ولد الأسد حَفْصا.

وقال ابن الأعرابي : هو السبع أيضاً.

والزَّبِيلُ يسمى حَفْصاً. وجمعه أحْفاصٌ ، وهي المِحْفَصَةُ أيضاً.

ح ص ب

حصب ، حبص (١) ، صبح ، صحب : مستعملة.

حصب : قال الليث : الحَصَبُ : الحَطَبُ الذي يُلْقَى في تَنُّور أو في وَقُودٍ ، فأمَّا ما دام غير مستعمل لِلسُّجُورِ فلا يُسمَّى حَصَباً ، قال : والحَصْبُ : رَمْيُك بالحَصْبَاء : والحَصْبَاءُ : صغارُها وكِبَارُها.

وفي الحديث الذي جاء في مقتل عُثمان رحمه‌اللهُ قال : «تَحاصبُوا في المسجد حتى ما أُبْصِرَ أَديمُ السماء» أي ترامَوْا بالحصْباء.

وقال الفراء في قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبيَاء : ٩٨] ذُكِرَ أنَ الحَصَبَ في لغة أهلِ اليمنِ الحَطَب ، وروي عن عَلِيّ أنه قرأ

__________________

(١) أهمله الليث. وجاء في «اللسان» (حبص): «حبص حبصاً : عدا عدْواً شديداً».

١٥٢

(حَطَبُ جَهَنَّم).

قلت : ويقال : حَصَبْتُه أحْصِبُه حَصْباً إذا رَمَيْتَه بالحصْباء ، والحجَرُ المرْمِيّ به حَصَب ، كما يقال : نَفَضْتُ الشيء نَفْضاً ، والمنْفُوضُ نَفَضٌ فمعنى قوله : (حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبيَاء : ٩٨] أي يُلْقَوْنَ فيها كما يُلْقَى الحَطَبُ في النار. وقال الفرّاء : الحَصَبُ في لغة أهل نجد : ما رَمَيْتَ به في النار ، وحَصَبْتُ الرجلَ حصْباً إذا رمَيْتَه ، وقول الله : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) [القَمَر : ٣٤] أي عذاباً يَحْصِبهم أي يَرْميهم بحِجارة من سِجِّيل.

ويقال للريح التي تَحْمِل التُّرابَ والحَصى حَاصِبٌ ، وللسَّحَابِ يَرْمي بالبَرَد والثَّلْج حاصِبٌ لأنه يَرْمِي بهما رَمْياً ، وقال الأعْشَى :

لَنَا حَاصِبٌ مثلُ رِجْل الدَّبَى

وجَأْواءُ تُبْرِقُ عنْهَا الهَيوبَا

أراد بالحاصِبِ الرُّماة.

وفي الحديث أنَّ عُمَرَ أمَرَ بِتَحْصيبِ المَسْجِدِ وذلك أن يُلْقَى فيه الحَصى الصغار ، ليكون أَوْثَر للمُصلِّي وأغْفَرَ لِما يُلْقَى فيه من الأقْشَاب والخَراشِيِّ والأقْذَار.

ويقال لموضع الجِمَارِ بمِنى المُحَصَّب.

وأما التَّحْصِيب فهو النَّوْمُ بالشِّعْبِ الذي مَخْرَجُه إلى الأبْطَح ساعةً من اللَّيْل ثم يَخْرُجُ إلى مكَّة ، وكان مَوْضِعاً نَزَل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غير أَنْ يَسُنَّه للناس ، فمن شَاء حَصَّبَ ومن شَاءَ لم يُحصِّب.

والحَصْبَةُ : بَثْرَةٌ تَخْرُج بالإنسان ويجوز الحَصَبَة ، وهُما لُغتان قالهما الفرَّاء ، وقد حُصِبَ الرجلُ فهو مَحْصوب.

وروى أبو عُبَيد عن اليَزيدي : أرضٌ مَحْصَبةٌ : ذاتُ حَصْبَاء ومَحصاةٌ : ذاتُ حصًى.

قال أبو عُبَيد : وأرضٌ مَحْصَبَةٌ : ذاتُ حَصْبَة ومَجْدَرَةٌ : ذاتُ جُدَرِيّ.

قال : وقال الأصمعيُّ : الإحْصَابُ أن يُثِيرَ الحَصَى في عَدْوه.

ومكان حاصِبٌ : ذو حَصْبَاء ، والحاصِبُ : العددُ الكثيرُ من الرَّحَّالَة ، وهو معنى قوله :

* لَنَا حاصِبٌ مِثلُ رِجْلِ الدَّبَى*

شمر عن ابن الأعرابي : الحَاصِبُ من التُّراب : ما كان فيه الحَصْبَاء.

وقال ابن شُمَيْل : الحَاصبُ : الحَصْباءُ في الريح يقال : كان يوْمُنا ذا حاصِبٍ ، وريحٌ حاصِبٌ ، وقد حَصَبَتْنا تَحْصِبُنا. وريحٌ حَصِبَةٌ : فيها حَصْبَاء ، وقال ذو الرُّمَّة :

* حَفِيفُ نافِجَة عُثْنونُها حَصِب *

صحب : قال الليث : الصَّحْبُ جمع الصاحب ، والأصحابُ : جماعةُ الصَّحْب ، ويجمع الصاحِبُ أَيْضاً صُحْباناً وصُحْبَةً وصِحَاباً وصَحَابةً ، قال : والصَّحَابة مصدر قولك : صاحَبَك الله وأحْسَن صَحَابتك.

وتقول للرّجُل : عند التوديع : مُعاناً مُصاحَباً ، ومن قال : مُعانٌ مُصَاحَبٌ فمعناه أنْتَ مُعانٌ مُصاحَبٌ.

قال : والصُّحْبةُ : مصدر قولك : صَحِب

١٥٣

يَصْحَبُ. وقال غيرُه : يقال : صاحِبٌ وأَصْحَابٌ كما يقال شَاهِدٌ وأشْهاد ، وناصِرٌ وأنصَارٌ ، ومَنْ قال : صاحِبٌ وصُحْبة فهو كقولك : فَارِهٌ وفُرْهَة ، وغُلامٌ رائِقٌ ، والجميعُ رُوقة.

ويُقَال : إنَّه لمِصْحابٌ لنا بِمَا يُحَبُّ وقال الأعْشَى :

* فَقَدْ أراكِ لنا بالوُدِّ مِصْحَاباً*

وقد أَصْحَبَ الرجلُ إذا كان ذا أَصْحاب ، أَصْحَب إذا انْقَادَ ، وقال أبو عُبَيد : صَحِبْتُ الرجلَ من الصُّحْبة ، وأصْحَبْتُ أي انْقَدْتُ له ، وأنشد :

* تَوالِيَ رِبْعِيِّ السِّقابِ فأَصْحَبَا*

وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه ، ومنه قوله :

إنّ لك الفضل على صاحبِي

والمسك قد يَسْتَصْحِبُ الرَّامِكا

وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ : (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) [الأنبيَاء : ٤٣] قال : يعني الآلهة لا تمنع أنفسها (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) يَعْني يُجَارون أي الكفار ، ألا ترى أن العرب تقول : أنا جارٌ لك ، ومعناه أُجِيرُك وأمْنَعُك ، فقال : يُصْحبون بالإجارَة ، وقال قَتادة : لا يُصْحَبون من الله بخير.

وقال أبو عثمان المازني : أصْحَبْتُ الرجلَ أي مَنْعتُه ، وأنشد قولَ الهُذَليّ :

يَرْعَى برَوْض الحَزْنِ من أَبِّه

قُرْبانَه في عانةٍ تُصْحَبُ

أبُّه : كَلَؤُه. قُرْيانه : مجارى الماء إلى الرياض ، الواحد قَرِيّ ، قال : تُصْحَبُ : تُمْنَع وتُحْفَظَ ، وهو من قول الله : (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) [الأنبيَاء : ٤٣] أي يمنعون ، وقال غيره : هو من قَوْلك صَحِبَك الله أي حفظك وكان لكَ جارا.

أبو عُبَيد عن الأصمعي وأبي عَمْرو : أدِيمٌ مُصْحِب إذا كان على الجلد شَعْرُه أو صُوفُه أو وَبَرُه ، وقال ابن بُزُرْج : إنه يَتَصحَّب من مجالستنا أي يستحي منها ، وإذا قيل : فلان يَتَسحَّبُ علينا بالسين فمعناه أنه يتمادخ ويَتَدَلَّل.

ويقال : أصْحَبَ الماءُ إذا عَلاه العَرْمَضُ فهو ماءٌ مُصْحِبٌ. وفُلانٌ صاحِبُ صِدْق.

صبح : قال الليث : الصُّبح والصَّبَاح هما أوّل النهار ، وهو الإصباح أيضاً قال الله : (فالِقُ الْإِصْباحِ) [الأنعَام : ٩٦] يعني الصُّبْحَ ، وأنشد :

أفْنَى رَباحاً وذوي رَباحِ

تَنَاسُخُ الإمساءِ والإصْبَاح

يُرِيدُ به المَسَاءَ والصَّبَاح. وقال الفرّاءُ مثله وزاد : فإن قال الإمساء والأصْبَاح فهو جمع المسَاءِ والصُّبْح ومثله الإبكار والأبْكار.

وقال الليث : التَّصبُّح : النومُ بالغداة ، وفي حديث أم زرع أنها قالت : «وعنده أقول فلا أُقَبَّح ، وأَرْقُدُ فأَتصَبَّح» والرَّقْدَةُ تُسمّى الصَّبْحَة والصُّبْحَة ، وقد كرهها بعْضهُم.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : المِصبَاح : الناقةُ التي تُصبح في مَبْركها ولا تَرْتَعُ حتى يرتفع النَّهار.

١٥٤

قال : وهذا مِمّا يُسْتَحَبُّ من الإبل.

وقال الليث : المِصبَاح من الإبل : ما يَبْرك في مُعَرَّسِه فلا يثُور وإن أُثيرَ حتى يُصبح.

وقال الليث : الصَّبُوحُ : الخَمْرُ ، وأنشد :

ولقد غدوتُ إلى الصَّبُوح مَعِي

شَرْبٌ كِرَامٌ من بني رُهْمِ

والصَّبْحُ : سَقْيُك أخاك صَبُوحاً من لبن ، قال : والصَّبُوحُ : ما شُرِبَ بالغداة فما دون القَائلَة ، وفعلك الاصْطِبَاحُ.

وقيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : متى تَحِلّ لنا المَيْتَة؟ فقال : «ما لم تَصْطَبِحُوا أو تَغْتَبِقُوا أو تَجْتَفِئُوا بَقْلاً فشَأْنَكم بها».

قال : أبو عُبَيد : معناه إنما لكم منها الصَّبُوح ، وهو الغداء ، والغَبُوق وهو العَشَاء ، يقول : فليس لكم أن تجمعوهما من الميْتَة.

قال : ومنه قول سَمُرَة لبنيه : يُجزىء من الضَّرُورَةِ صَبُوحٌ أو غَبُوقٌ.

قلت : وقال غير أبي عُبَيد في تفسيره : معناه : سُئِل متى تحل لنا المَيْتَة؟ أجابهم ، فقال : إذا لم تجدوا من اللبن صَبُوحاً تَتَبَلَّغُونَ به ولا غَبُوقاً تَجْتَزِئُونَ به ، ولم تَجِدُوا مع عَدَمكم الصَّبُوحَ والغَبُوقَ بَقْلَةً تأكلُونها وتَهْجَأ غَرَثَكم حَلَّت لكم المَيْتَةُ حينئذٍ ، وكذلك إذا وجدَ الرجلُ غَداء أو عَشَاءً من الطعام لم تحلّ له.

وهذا التفسير واضح بَيِّن الصواب إن شاء الله.

ويقال : صَبَحْتُ فُلَاناً أي أَتَيْتُه صباحاً ، وأما قول بُجَيْر بن زُهَيْر المُزَني وكان أسلم :

صَبَحَناهم بأَلفٍ من سُلَيْمٍ

وسَبْعٍ من بني عُثمان وَافي

فمعناه أَتَيْنَاهم صبَاحاً بألف رجل من سُلَيْم.

وقال الرَّاجز :

نَحنُ صَبَحْنَا عامِراً في دَارِها

جُرْداً تَعَادَى طَرفَيْ نَهَارها

يريد أتيناها صباحاً بخيل جُرْدٍ.

ويقال : صَبَحْتُ فُلَاناً أي ناولتُه صَبُوحاً من لَبَنٍ أو خَمْر أَصْبَحُه صَبْحاً ، ومنه قول طَرَفَة :

* متى تأْتِني أَصْبَحْك كأساً رَوِيَّةً*

أي أَسقِيك كَأْساً.

وقال سيبويه : أَصْبَحْنا وأَمْسَيْنَا أي صِرْنا في حين ذاك ، وأما صَبَّحْنَا ومَسَّيْنا فمعناه أَتَيْنَاهُ صَبَاحاً وَمَساءً.

وقال شمر : قال أبو عدنان : الفرقُ بين صَبَّحنَا وصَبَحْنَا أنه يقال : صبَّحْنَا بَلَدَ كذا وكذا ، وصَبَّحْنَا فُلَاناً فهذه مشددة ، وصَبَحْنَا أهلها خَيْراً أو شَرّاً ، وأنشد :

صَبَحْناهُم هِنْدِيَّةً بأكُفِّنا

محرّبةً تذري سَوَاعِدُهُم صُعْدَا

ويقال أيضاً : صَبَّحتُه خيراً أو شرّاً.

وقال النابغة :

وصَبَّحَه فَلْجاً فلا زال كَعْبُه

على كل مَنْ عَادَى من الناس عَالِيا

ويقال : صَبَّحه بكذا ومسّاه بكذا كل ذلك جائز.

١٥٥

والتَّصْبِيحُ على وجوه ، يقال : صَبَّحْتُ القوم الماء إذا سَرَيْتَ بهم حتى تُورِدَهم الماءَ صبَاحاً ، ومنه قوله :

وصَبَّحْتُهم ماءً بفَيْفَاءِ قَفْرَةٍ

وقد حَلَّقِ النَّجمُ اليَمَانِيُّ فاسْتَوى

أراد سَرَيْتُ بهم حتى انتهيتُ بهم إلى ذلك الماء صَبَاحاً. وتقول : صَبَّحْتُ القوم تَصْبِيحاً إذا أتيتهم مع الصباح ، ومنه قول عَنْتَرَة يصفُ خَيْلاً :

وَغداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوَابِساً

يَهْدي أَوَائِلَهُنَّ شُعث شُزَّبُ

أي أَتَيْنِ الجِفارَ صباحاً يعني خَيْلاً عليها فُرْسَانها.

ويقال : صَبَّحْتُ القومَ إذا سَقَيْتَهم الصَّبُوح.

والتَّصْبِيحُ : الغَداء. يقال : قَرِّب إلى تَصْبِيحي.

وفي حديث المَبْعَث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتيماً في حِجْر أبي طالب ، وكان يُقَرَّبُ إلى الصِّبْيَان تَصْبِيحُهم فيختلسون

ويَكُفَّ أي يُقَرّبُ إليهم غداؤهم ، وهو اسم بُنِي على تَفْعيل مثل التَّرعيب للسنام المُقَطَّع ، والتنبيتُ : اسم لِمَا نبت من الغِرَاس ، والتَّنوير : اسم لنَوْرِ الشجر.

والصَّابِحُ : الذي يَصْبَح إبِلَه الماء أي يسقيها صباحاً ، ومنه قول أبي زُبَيْد :

* حين لاحَتْ للصَّابح الجوزاء*

وتلك السّقْيَةُ تسميها العرب الصُّبْحة وليست بناجعة عند العرب.

وقال أبو الهيثم : الصَّبُوحُ : اللَّبَنُ يُصْطَبَحُ ، والنَّاقة التي تُحْلَبُ في ذلك الوقت صَبُوح أيضاً ، يقال : هذه النَّاقة صَبُوحِي وغَبُوقِي ، قال : وأنشدنا أبو لَيْلَى الأعرابي :

ما لي لا أسقي حُبَيِّبَاتي

صَبَائِحِي غَبَائِقِي قَيْلَاتِي

قال : والقَيْلُ : اللبن الذي يُشْرَبُ وَقْتَ الظهيرة ، والقَيْلُ والْقَالَةُ : الناقة التي تُحْلَبُ في ذلك الوقت ، وقَيَّلْتُ القومَ إذا سَقَيْتَهم القَيْل ، قال : واقْتَلْتُ اقْتِيالا إذا شَرِبْتَ القَيْلَ.

والعرب تقول إذا نَذِرَتْ بغارة من الخيل تفجؤهم صباحاً : يا صباحاه ، يُنْذِرُون الحَيَّ أَجْمَعَ بالنداء العالي.

وقال الليث : المِصْبَاحُ : السِّرَاجُ بالمِسْرَجة ، والمِصْبَاح نَفْسُ السِّرَاج ، وهو قُرْطُه الذي تراه في القِنْدِيل وغيره ، والقِرَاطُ لغة ، وهو قول الله جلّ وعزّ : (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) [النُّور : ٣٥].

ومصَابيحُ النجوم : أعلامُ الكواكب ، واحدها مِصْباح ، وقول الله جلّ وعزّ : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) [الحِجر : ٨٣] أي أخذتهم الهَلكَةُ وقت دخولهم في الصَّباح.

والمُصْبَح : الموضع الذي تُصْبِح فيه ، والمُمْسى : المكان الذي تُمْسي فيه ، وقوله :

* قَرِيبَةُ المُصْبَح من مُمْسَاها*

والمُصْبَحُ أيضاً : الإصْبَاحُ ، يقال : أصْبَحْنَا إصْبَاحاً ومُصْبَحاً ، ومن أمثال العرب :

١٥٦

«أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّقُ» يُضْرَبُ مثلاً لمن يُجَمْجِمُ ولا يُصَرِّح ، وقد يُضْرَبُ أيضاً لمنْ يُوَرِّي عن الخَطْبِ العظيم بكناية عنه ، ولمن يُوجِبُ عليك ما لا يجب بكلام يُلَطِّفه ، وأصله أن رجلاً من العرب نزل برجل من العرب عشاء فَغَبَقَه لبناً ، فلما روى عَلِقَ يُحَدِّثُ أُمَّ مَثْواه بحديث يُرَقِّقُهُ ، وقال في خلال كلامه : إذا كان غدا اصطبحنا وفعلنا ، فَفَطِن له المَنْزولُ عليه ، وقال : أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّق.

وروي عن الشعبي أنَّ رجلاً سأله عن رجل قبَّل أمّ امرأته ، فقال له الشَّعْبِي : أَعَن صَبُوحٍ تُرَقِّق حَرُمَت عليه امرأتُه ، ظنّ الشَّعْبِي أنه كنى بتقبيله إيّاها عن جِمَاعها.

وقال أبو عُبَيد : السِّيَاطُ الأصْبَحِيَّة منسوبة إلى ذِي أَصْبَح : ملك من ملوك حِمْيَر.

وقال الليث : الصَّبَح : شدة الحُمرة في الشَّعَر.

وقال أبو عُبَيد : قال الأصمعي : الأصْبَحُ : قريب من الأَصْهَب.

وروى شمر عن أبي نصْر قال : في الشَّعر الصُّبْحَةُ والمُلْحَةُ ، ورجل أَصْبَحُ اللِّحية : للذي يعلو شَعر لِحيته بياض مُشْربٌ حُمرة ، ورجل أصبح بَيِّن الصُّبحة ، وقد اصْبَاحَ شعره ، ومن ذلك قيل : دَمٌ صُبَاحِيٌ لِشَدّة حمرته ، قال أبو زُبيد :

* عَبِيطٌ صُبَاحِيٌ من الجَوْفِ أَشْقَرا*

وقال شمر : الأَصْبَحُ. الذي يكون في سَوَادِ شعرَه حُمْرَة ، ومنه صُبْحُ النَّهارِ مُشْتَقٌّ من الأَصْبَح.

وقال الليث : الصَّبِيحُ : الوضيء الوجه ، وقد صَبُحَ يَصْبُح صَباحَةً ، وأما مِن الأصْبَح فيقال صَبِحَ يَصْبَح صَبَحاً فهو أصْبَح الشَّعَر. قلت : ولون الصُّبْح الصادِق يَضربُ إلى الحُمْرَة قليلاً كأنها لونُ الشفق الأول في أول الليل.

ويقال للرَّجُل يُنَبَّه من سِنَةِ الغَفْلَةِ أَصْبِحْ أي انْتبه وأَبْصِر رُشدَك وما يُصْلِحُك ، وقال رؤبة :

* أَصْبِحْ فَمَا مِنْ بَشَرٍ مَأْرُوشِ*

أي بَشَرٍ مَعِيب ، وقولُ الشَّمَّاخ :

وتَشْكُو بِعَيْنٍ ما أَكَلَّ رِكَابَها

وقِيل المُنَادِي أَصْبَح القومُ أَدْلجِي

يسأل السائل عنه فيقول : الإِدْلَاجُ : سَيْرُ الليل ، فكيف يقول : أصبح القوم وهو يأمُر بالإدْلَاج ، والجواب فيه أن العرب إذا قَرَّبَتْ المكانَ تُرِيدُه تقول : قد بَلَغْنَاه ، وإذا قرَّبت للسَّارِي طلوعَ الصُّبْح وإن كان غَيْرَ طالع تقول : أصبحنا ، وأراد بقوله : أصْبَح القومُ : دنا وقتُ دخولهم في الصباح : وإنما فسّرت هذا البيت لأن بعض الناس فَسَّره بعينه على غير ما هو عليه.

وصَبَاح : حَيّ من العرب ، ومن أسماء العرب صُبح وصُبَيْح ومُصَبِّح وصَباحٌ وصَبيحٌ.

ومن أمثالهم السائرة في وصف الكذّاب قولهم : «أكذب من الآخِذِ الصَّبْحان». قال شمر : هكذا قال ابن الأعرابي قال : وهو الحُوار الذي قد شرب فروِي فإذا أردت

١٥٧

أن تستدر به أمَّه لم يشرب لريِّه درتها ، قال : ويقال أيضاً : فلان أكذَبُ من الأَخِيذَ الصبْحَان.

قال أبو عَدْنان : الأخِيذُ : الأسِيرُ ، والصَّبْحَانُ : الذي قد اصطبح فروى ، وقال ابن الأعْرَابي : هو رجل كان عند قوم فصَبَحُوه حين نهض عنهم شاخصاً ، فأخذه قوم وقالوا : دُلّنا على حيث كنت فقال : إنّما بِتُّ القَفْر ، فبَيْنَا هُم كذلك إذ قعد يَبُول فعلموا أنه بات قريباً عند قوم فاستدلوا به عليهم واسْتَبَاحُوهم.

أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : أتيتُه ذَاتَ الصَّبُوح وذَاتَ الغَبُوق إذا أتاه غُدْوَة وعَشِيَّةً ، وذَا صَبَاح وذا مَسَاء ، وذَاتَ الزُّمَيْن وذَاتَ العُوَيْم أي مذ ثلاثة أزمان وأَعْوَام.

ح ص م

حصم ، حمص ، صحم ، صمح ، مصح ، محص : مستعملات.

حصم : قال الليث : حَصَم الفرَسُ ، والحَصُومُ : الضَّرُوط.

أبو عُبَيْد عن الأصمعي : يقال : حَصَم بها ، ومَحَصَ بها ، وحَبَجَ بها وخَبَجَ بها بمعنى واحد.

ثعلب عن ابن الأعرابي : المِحْصَمَةُ : مِدَقَّةُ الحديد ، قال : والحَصْمَاءُ : الأَتَانُ الخَضَّافَةُ ، وهي الضَّرَّاطة.

حمص : قال الليث : الحِمَّصَةُ : حَبَّةُ القِدْرِ ، والجميع الحِمَّص.

وروى أبو العَبّاس عن سَلَمَة عن الفرّاء قال : لم يأت على فِعَّل بفتح العَيْن وكسر الفَاءِ إلا قِنَّفٌ وقِلَّفٌ ، وهو الطين المُتَشَقِّق إذا نَضَبَ عنه المَاء وحِمَّصٌ وقِنَّبٌ ، ورجل خِنَّبٌ وخِنّابٌ : طويل.

وقال أبو عمرو : قال المبرّد : جاء على فِعِّل جِلّقٌ وحِمَّصٌ ، قال : وأهل البصرة اختاروا حمِّصاً ، وأهل الكوفة اختاروا حِمَّصاً.

وقال الليث : حَمَصِيص : بَقْلة دُون الحُمَّاض في الحُمُوضَة ، طيّبةُ الطَّعْم ، تنبُت في رَمْل عالجٍ من أحرار البُقُول.

قلت : رأيت الحَمَصِيصَ في جبال الدَّهْنَاءِ وما يَليها ، وهي بَقْلَة جَعْدَةُ الوَرَقِ حامضةٌ ولها ثمرة كثمرة الحُمَّاض ، وطعمُها كطَعْمِه ، وسمعتهم يُشَدِّدُونَ المِيمَ من الحَمصِيصِ ، وكنَّا نأكلُه إذَا أجَمْنَا التمرَ وحلاوَتَه نَتَحَمَّضُ به ونَسْتَطِيبُه ، وقرأت في كتب الأطِبَّاء : حَبٌ مُحَمَّصٌ يريدون به المقْلُوَّ ، قلت : كأنه مأخوذ من الحَمْصِ ، وهو التَّرَجُّح.

قال الليث : الْحَمْصُ أن يَتَرَجَّحَ الغلامُ على الأُرْجُوحَة من غير أن يُرَجِّحَه أَحَدٌ ، يقال : حَمَص حَمْصاً ، قلت : ولم أسمع هذا الحرف لغير الليث.

وقال : الوَرَمُ إذا سكن يقال : قد انْحَمَصَ ، وحَمَّصه الدواءُ. وقال غيره : حمَّزَهُ الدواء وحَمَّصَه إذا أَخْرَجَ ما فيه.

وفي حديث ذِي الثُّدَيَّةِ المقتول بالنَّهْرَوانِ أنه كانت له ثُدَيَّة مثلُ ثَدْي المرأة ، إذا مُدَّتِ امْتَدَّت ، وإذا تُرِكَتْ تَحَمَّصَت ، قلت : معنى تَحَمَّصَت أي تَقَبَّضَت ، ومنه

١٥٨

قيل للورم إذا انْفَشَّ قد حَمَص وقد حَمَّصَه الدواءُ.

وروى أبو عُبَيد عن أبي زيد : إذا سكن وَرَمُ الجرح قيل حَمَص يَحْمُص حُمُوصاً ، وانْحَمَصَ انْحِمَاصاً.

وقال الليث : إذا وقعت قَذَاةٌ في العَيْن فَرَفَقْتَ بإخْرَاجِها مَسْحاً رُوَيْداً. قلت : حَمَصْتُها بيدي.

قال : وحِمْصُ : كورَةٌ من كُوَر الشأم.

عمرو عن أبيه قال : الأَحْمَصُ : اللِّصُّ الذي يسرقُ الحَمائص ، واحِدُها حَمِيصَة ، وهي الشاة المسروقة ، وهي المَحْموصة والحرِيسة.

سَلَمَة عن الفرّاء : حمَّص الرجلُ إذا اصطادَ الظِّبَاءَ نصفَ النهارِ.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : المِحْماصُ من النساء : اللِّصَّةُ الحاذِقةُ.

محص : قال الليث : المَحْصُ : خُلوصُ الشيء. تقول : مَحَصْتُه مَحْصاً إذا خَلَّصتَه من كل عَيْب وقال رؤبة يصفُ فرَساً :

شديدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى

كالكَرِّ لا شَخْتٌ ولا فيه لَوَى

أراد باللَّوَى العِوَج ، قال : والتَّحميص : التَّطْهيرُ من الذنوب.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [آل عِمرَان : ١٤١] يعني يُمَحِّص الذنوب عن الذين آمنوا ، ولم يزد الفرَّاء على هذا.

وقال أبو إِسحاق : جعل الله جلّ وعزّ الأيام دُوَلاً بين الناس ليُمَحِّص المؤمنين بما يقع عليهم من قتل أو ألم أو ذهاب مال ، (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) أي يَستأْصِلُهم.

قال : والمَحْصُ في اللغة : التخليص والتَّنْقيَةُ. قال : وسمِعتُ المبرّد يقول : مَحِصَ الحبلُ يَمْحَص مَحْصاً إذا ذهب وبَرُه حتى يَمَّلِصَ ، وحَبْلٌ محِصٌ ومَلِصٌ بمعنى واحد.

قال : وتأويل قول الناس : محِّص عنا ذنوبنا أي أَذْهِبْ ما تَعلَّق بنا من الذنوب ، قال : فمعنى قوله : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [آل عِمرَان : ١٤١] أي يخلصهم من الذنوب.

قال : ومَحَصَ الظبي يَمْحَصُ إذا عَدَا عَدْواً شديداً ، وكذلك فَحَص الظَّبيُ. قال ويُستحَبُّ من الفرَسِ أن تَمْحَص قوائمُه أي تَخْلُص من الرَّهَلِ.

أبو عُبَيد عن أبي عمرو : التَّمْحِيص : الاختبارُ والابتِلاءُ.

وقال أبو عُبَيدة : من صفاتِ الخَيْلِ المُمَحَّصُ والمَحْصُ ، فأما المُمَحَّصُ فالشديد الخَلْق ، والأثنَى مُمَحَّصةٌ.

وأنشد :

مُمَحَّصُ الخَلْقِ وأًى فُرافِصَهْ

كلُّ شديدٍ أَسْرَه مُصامِصهْ

قال : والمُمَحَّصُ والفُرافِصةُ سواء ، قال : والمَحْصُ بمنزلة المُمَحَّصِ ، والجميع مِحَاصٌ ومَحَصَاتٌ. وأنشد :

* مَحْصُ الشَّوَى مَعْصوبَةٌ قوائمُه*

قال : ومعنى مَحْصُ الشَّوَى : قليل اللحم إذا قلت : مَحِصَ كذا ، وأنشد في صفَةِ

١٥٩

فرَس :

مَحْصُ المُعَذَّرِ أشْرفَتْ حَجَباتُه

ينْضُو السوابقَ زاهِقٌ فَرِدُ

وقال غيره : المَمْحوصُ : السِّنانُ المَجْلُوُّ ، وقال أُسامة الهذَليّ :

* أَشَفُّوا بمَمحوصِ القِطاع فؤادَه*

والقِطاع : النِّصَال : يصف عَيْراً رُمِيَ بالنصال حتى رقّ فؤادُه من الفزَع.

أبو عُبَيد عن أبي عمرو : المَمحُوصُ والمَحِيصُ : البعيرُ الشَّديدُ الخَلْقِ.

عمرو عن أبيه قال : الأمْحَصُ : الذي يقبل اعتِذارَ الصّادقِ والكاذب.

ويقال للزِّمام الجيِّد الفَتْل مَحِصٌ ومَحْصٌ في الشِّعر ، وأنشد :

ومَحصٍ كاسق السَّوْذَقَانِيّ نازَعَت

بكَفِّي جَشَّاءُ البُغَامِ خَفوقُ

أراد مَحِصَ فخَفّفه ، وهو الزِّمام الشديد الفَتْل ، قال : والخفَوق : التي يَخْفِق مِشفَراها إذا عَدَت.

قال ابن عَرَفة : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [آل عِمرَان : ١٤١] أي يَبتليهم. قال : ومعنى التمحيص النقص.

يقال محَّص الله عنك ذُنوبَك أي نقَّصَها : فسمَّى الله ما أصاب المسلمين من بلاء تمحيصاً ، لأنه ينْقُصُ به ذنوبهم ، وسماه الله من الكافرين مَحْقاً.

قال أبو منصور : مَحَصْتُ العَقَبَ من الشّحْم إذا نَقّيتَه منه لِتَفْتله وتَرا وأراد أنه يخلصهم من الذنوب.

قال : ويقال : مَحَصتُ الذهبَ بالنار.

وفرس ممحوص القوائم : إذا خلص من الرَّهَل.

صحم : قال الليث : الصُّحْمَةُ : لون من الغُبرة إلى سواد قليل. وبلدة صَحْماء : ذات اغبرار ، وإذا أخذت البَقْلَةُ رِيَّها ، واشتدت خُضْرتها ، قيل : اصحامّت فهي مُصحامَّة.

قال : والصحماء : بقلة ليست بشديدة الخُضْرة.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : سواد إلى الصُّفرَة وقال شمر في باب الفيافي : الغَبْراءُ والصَّحماءُ : في ألوانها بين الغُبْرَة والصّحْمَة : قال والصُّحْمةُ حُمرةٌ في بياض ويقال : صُفْرَةٌ في بياض وقال الطِّرمّاح يصف فَلَاة :

وصحماءَ أشباهِ الحَزَابيّ ما يُرَى

بها ساربٌ غيرُ القَطَا المُتَرَاطِنِ

عمرو عن أبيه قال : الأصْحَمُ : الأسود الحالكُ.

أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : حَنَأَت الأرض تَحنأ ، وهي حانئة إذا اخضَرَّت والتَفَّ نَبْتُها.

قال : وإذا أدبر المطر وتَغَيَّر نَبْتُها قيل اصْحَامَّت فهي مُصحامَّة.

قال أبو منصور : وهذا أصح مما قاله الليث ، وقال لبيد في نعت الحَمير :

* وصُحْمٍ صِيَامٍ بين صَمْدٍ ورِجْلَةٍ*

صمح : قال الليث : صَمَحَهُ الصَّيف إذا كاد يذيب دماغه من شدة الحرِّ.

١٦٠