تهذيب اللغة - ج ٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٣

عمرو عن أبيه قال : الحاتم : المشئوم ، والحاتِمُ : الأسْوَدُ من كُلِّ شيء.

وقال غيره : سُمِّي الغراب الأسْوَدُ حاتماً لأنه يَحْتِم عندهم بالفراق إذا نَعَبَ أي يَحْكم ، والحاتِمُ : الحاكِمُ المُوجِبُ للحُكْم.

وقال الليث : التَّحَتُّم : الشَّيء إذا أَكَلْتَه فكان في فمك هَشّاً.

أبو عُبَيد عن أبي زيد قال : الحُتَامَةُ : ما فَضَل من الطَّعام على الطَّبقَ الذي يُؤْكل عليه فهو الحُتَامَة.

وقال غيره : ما بقي على المائدة من الطعام.

سَلَمَةُ عن الفرَّاء : التَّحَتُّم : أَكْلُ الحُتَامَةِ وهي فُتاتُ الخُبز.

وجاء في الخبر : «من أَكَلَ وتَحَتَّم فَلَهُ كذا وكذا من الثواب».

قال الفَرَّاء : والتَّحَتُّم أيضاً : تَفَتُّتُ الثُؤْلُول إذا جَفَّ ، والتَّحَتُّم : تَكَسُّر الزُّجاج بعضه على بعض.

قال : والْحَتَمَةُ : القارُورَةُ المُفَتَّتَةُ.

وفي «نوادر الأعراب» يقال : تحتَّمتُ له بخير أي تَمَنَّيْتُ له خيراً وتَفَاءَلْتُ له.

ويقال : هو الأخُ الْحَتْمُ أي المَحْضُ الحَقُّ.

وقال أبو خِرَاش يَرْثي رَجُلاً :

فوالله لا أَنْسَاكَ ما عِشْتُ لَيْلَةً

صَفِيٍّ من الإخوانِ والْوَلَدِ الْحَتم

تحم : قال الليث : الأتْحَمِيُ : ضَرْبٌ من البُرُود وقال رُؤْبَة :

* أَمْسَى كَسَحْقِ الأتْحَمِيّ أَرْسُمُه*

وقد أتحمْتُ البُرُودَ إتحاماً فهي مُتْحَمَةٌ ، وقال الشاعر :

صَفْرَاء مُتْحَمَةً حِيكَتْ نَمانِمُها

من الدِّمِقْسِيِّ أو مِنْ فَاخِرِ الطُّوطِ

الطُّوطُ : القُطْنُ.

وقال غيره : تَحَّمْتُ الثوبَ : وشَّيْتُه ، وفرسٌ مُتَحَّمُ اللَّوْنِ إلى الشُّقْرَةِ ، وكأنه شُبِّه بالأتْحمِيِ من البُرودِ وهو الأحْمَرُ.

وفرسٌ أَتْحَمِيُ اللون.

وروى أبو العَبّاس عن سَلَمَة عن الفرَّاء قال : التَّحَمَةُ : البُرُودُ المخططة بالصُّفْرَة.

عمرو عن أبيه : التَّاحِمُ الحائِكُ.

متح : قال الليث : المَتْحُ : جَذْبُك رِشَاءَ الدَّلْو تَمُدُّه بيد وتأخُذُ بيد على رَأْسِ البِئْر.

والإبلُ تَتَمَتَّحُ في سَيرها إذا تَرَاوَحَت بأيديها.

وقال ذو الرُّمَّة :

* لأيْدِي المَهَارَى خَلْفَها مُتَمَتَّحُ *

وفَرسٌ مَتَّاحٌ أي مَدَّادٌ.

وسُئل ابن عباس عن السفر الذي تُقْصَرُ فيه الصَلاة ، فقال : لا تُقْصَرُ إلا في يوم مَتَّاحٍ إلى الليل ، أراد لا تقصر الصلاة إلا مَسِيرَة يوم يَمْتَدُّ فيه السير إلى المساء بلا وَتِيرةٍ ولا نُزُول.

وقال أبو سعيد المَتْح : القَطْعُ. يقال : مَتَحَ الشيءَ ومَتَخَه إذا قطعه من أصلهِ ، وقال : مَتَحَ بِسَلْحِه وَمَتَخَ به إذا رَمَى به رواه أبو تراب عنه.

٢٦١

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال للجراد إذا ثَبَّتَ أذنابه ليَبِيض مَتَحَ وأَمْتَحَ ومَتَّحَ ، وبَنَّ وأَبَنَّ وبَنَّنَ وقَلَزَ وأَقْلَزَ وقَلَّزَ.

قلتُ : ومَتَخَ الجَرَادُ بالخاءِ مِثْلُ مَتَحَ.

أبو عُبَيد عن الأصمعي : بئرٌ مَتُوحٌ وهي التي يُمَدُّ منها باليَدَيْن نَزْعاً.

قلتُ : وهذا هو الصَّواب لا ما قاله الليث.

ويقال : رَجُلٌ ماتِحٌ ورجالٌ مُتَّاحٌ ، وبَعيرٌ ماتِحٌ وجِمَالٌ مَوَاتِحُ ، ومنه قولُ ذي الرُّمَّة :

* ذِمامُ الرَّكَايَا أَنْكَرَتْها المَوَاتِحُ *

وقال الأصمعي : يقال مَتَحَ النهارُ ومَتَحَ الليلُ إذا طَالا. ويومٌ متَّاحٌ : طَوِيلٌ تامٌّ ، يقال ذلك النهار الصيف وليل الشتاء.

حمت : قال الليث : الحَمِيتُ : وِعَاءُ السَّمن كالعُكَّة والجميع الحُمُت.

وفي حديث عمر أنه قال لِرَجُل أتاه سائلاً فقال : هَلَكْت ، فقال له : أَهَلَكْتَ وأنتَ تِنِثُّ نَثِيثَ الحَمِيت.

قال أبو عُبَيد : الأحْمَرُ الحَمِيتُ : الْزِّقُّ المُشْعَر الذي يُجعَل فيه السمنُ والعسلُ والزيتُ وجمعه حُمُتٌ.

وقال ابن السكيت : الحَمِيتُ : المَتِينُ من كلِّ شيء وسُمِّي النِّحْيُ حَمِيتاً : لأنه مُتِّن بالرُّبِّ. قال وغَضَبٌ حَمِيتٌ : شديدٌ وأنشد :

* حتَّى يَبُوخَ الغَضَبُ الحَمِيتُ *

ويقال للتَّمرةِ الشديدةِ الحلاوة : هي أَحْمَتُ حَلاوةً من هذه أي أشدُّ حلاوة.

أبو عُبَيد عن الكسائي : يومٌ حَمْتٌ وليلةٌ حَمْتَةٌ ، ويوم مَحْتٌ وليلةٌ مَحْتَةٌ ومَحْت وقد حَمُتَ ومَحُتَ كل هذا في شدة الحَرِّ ، وأنشد شمر :

* مِنْ سَافِعاتٍ وهَجِيرٍ حَمْت *

عمرو عن أبيه : الحامِتُ : التَّمر الشديد الحلاوة.

وقال ابن شُمَيل : حَمَتَك الله عليْه أي صَبَّك الله عليه بِحَمتِك.

محت : أبو عُبَيد عن الكِسائي : مَحَتَ يَوْمُنا وحَمُتَ إذا اشتدَّ حرُّه.

عمرو عن أبيه. الماحِتُ : اليومُ الحارُّ.

وقال غيرُه : عربيٌّ بَحْتٌ مَحْتٌ أي خالِصٌ.

أبواب الحاء والظاء

(ح ظ ذ) ـ (ح ظ ث) : أهملت وجوهها.

ح ظ ر

استعمل من وجوهها : حظر.

حظر : قال الليث : الحِظَارُ : حائِطُ الحَضِيرَة ، والحَظِيرَةُ تُتَّخَذُ من خشبٍ أو قصب ، وصاحبُها مُحْتَظِر إذا اتَّخَذَها لنفسه ، فإذا لم تَخُصَّه بها فهو مُحَظِّر ، وكلُّ من حال بينكَ وبين شيء فقد حَظَرَهُ عليك.

قال الله تعالى : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) [الإسرَاء : ٢٠] وكلُّ شيء حَجَزَ بين شَيئين فهو حِظَارٌ وحِجَارٌ.

قلتُ : وسَمِعْتُ العربَ تقول للجدار من الشَّجَر يُوضَع بعضُه على بعض ليكون ذَرًى لِلمَالِ يَرُدُّ عنه برد الشمال في الشتاء حَظَارٌ بفتح الحاء ، وقد حَظَّر فُلانٌ على

٢٦٢

نَعَمِه ، وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القَمَر : ٣١] وقُرِىء (كهَشِيم المُحْتَظَر) ، فمن قرأ الْمُحْتَظِرِ أراد كالهشيم الذي جمعه صاحبُ الحظيرَة ، ومن قرأ المُحْتَظَر بفتح الظاء فالمحتظَر اسم للحظيرة ، المعنى كهشيم المكان الذي يُحْتَظَرُ فيه الهشيمُ ، والهشيمُ : ما يَبِسَ من الحُظُرَاتِ فارْفَتَّ وتَكَسَّر.

المعنى أنهم بادوا وهَلكوا فصاروا كيَبِيس الشجر إذا تَحَطَّم.

وقال الفرّاء : معنى قوله : (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي كهشيم الذي يَحْتَظِر على هَشِيمِه ، أراد أَنَّه حَظَّرَ حِظَاراً رَطْباً على حِظَارٍ قديمٍ قد يَبِسَ.

ويقال للحَطَبِ الرَّطْب الذي يُحْظَرُ به الحَظِرُ. ومنه قول الشاعر :

* ولم تمشِ بينَ الحيِ بالحظِر الرَّطْب*

أي لم تَمْشِ بينهم بالنميمة.

وفي حديث أُكَيْدِر دُومَة : «ولا يُحْظَرُ عليكم النَّبَاتُ».

يقول : لا تُمْنَعُون من الزراعة حيث شِئْتُم ، ويجوز أن يكون معناه : لا يُحْمَى عليكم المَرْتَعُ.

ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا حِمَى في الأراك». فقال له رجلٌ : أَرَاكةٌ في حَظَارِي ، فقال : «لا حِمَى في الأَرَاك».

رواه شَمِر وقَيَّدَهُ بخَطِّه في حِظارِي بكسر الحاء.

وقال : أراد بِحَظَارِ الأرض التي فيها الزرع المحاط عليه.

ح ظ ل

استعمل من وجوهه : حظل ، لحظ.

حظل : قال الليث : الحَظِلُ : المُقَتِّرُ ، وأنشد :

* طَبَانِيَةٌ فيَحْظُلَ أو يَغَارا*

قال : والحاظِلُ : الذي يَمْشي في شِقٍّ مهن شَكاة.

وقال : مَرَّ بنا فُلانٌ يَحْظُل ظالِعاً.

وعن ابن الأعرابي أنَّه أنشد :

وحَشَوْتُ الغَيْظَ في أَضْلَاعه

فَهُوَ يَمْشي حَظَلاناً كالنَّقِر

قال : والكَبْشُ النَّقِرُ الذي قد التوى عِرْقٌ في عُرْقُوبَيْه فهو يكُفُّ بعض مَشْيِه. قال : وهو الْحَظَلَانُ.

قال : حَظَلَ يَحْظُلُ حَظَلَاناً.

وقال ابن السكيت : حَظَلَت النَّقِرَةُ من الشاء تَحْظُلُ حَظْلاً أي كَفَّتْ بَعْضَ مِشْيَتِها.

وأما البيت الذي احْتَجَّ به الليثُ فإن الرواة رووه مَرْفُوعاً :

فما يُخْطِئْكِ لا يُخْطِئْكِ منه

طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أو يَغَارُ

يَصِفُ رجُلاً بشدة الغَيْرَة ، والطِّبَانَةِ لِكُل مَنْ نَظَرَ إلى حليلَتِه فإما أن يَحْظِلَها أي يَكُفُّها عن الظهور أو يَغَارُ فيغضب ، ورفع فيحظل على الاستئناف.

وقال الليث : بَعيرٌ حَظِلٌ إذا أكَلَ الحَنْظَلَ وقلَّما يأكله يحذفون النون ، فمنهم من يقول : هي زائدة في البناء ، ومنهم من

٢٦٣

يقول هي أصلية ، والبناء رُباعي ولكنها أحَقّ بالطّرْح لأنها أخف الحروف ، وهم الذين يقولون : قد أسبل الزرعُ بطرح النون ، ولغة أخرى قد سَنْبَلَ الزرع.

وقال شمر : حظَلْتُ على الرِّجُل وحظَرْتُ وعَجَزْتُ وحجَرْتُ بمعنى واحد. سمعت ابن الأعرابي يقوله ، وأنشدنا :

ألا يا لَيْلَ إنْ خُيِّرْتِ فينَا

بعَيْشِكِ فانْظُري أَيْنَ الخِيَارُ

فما يُخْطِئْكِ لا يُخْطِئْكِ منه

طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أو يَغَارُ

قال الفرَّاء : يَحْظُل : يَحْجُر ويُضَيِّق.

وقال أبو عمرو : الحِظْلِانُ : المَنْعُ ، وأَنْشَد :

* تُعَيِّرُني الحِظْلَانَ أُمُّ مُغَلِّس*

لحظ : قال الليث : اللِّحَاظُ : مُؤْخِرُ العَيْنِ.

واللَّحْظَةُ : النَّظْرَةُ من جانِب الأُذُن.

ومنه قول الشاعر :

فلمَّا تَلَتْه الخَيْلُ وهوَ مُثَابِرٌ

على الركْضِ يُخْفِي لَحظَةً ويُعِيدُها

وقال ابن شميل : اللِّحَاظُ : مِيسَمٌ من مُؤْخرِ العَيْنِ إلى الأُذُن وهُو خَطُّ ممْدُود ، وربْما كانَ لِحَاظَيْن من جانبين ، وربما كانَ لِحَاظاً واحداً من جانب واحد ، وكانت سِمَةَ بني سعد.

وجَمَلٌ مَلْحُوظٌ بلِحَاظَيْن ، وقد لَحَظْتُ البَعِيرَ ولَحَّظْتُه تلْحِيظاً.

ولَحْظَةُ : مَأْسَدَةٌ بتهامة.

يقال : أُسْدُ لَحْظَة كما يُقالُ : أُسْدُ بِيشَة.

قال النَّابِغةُ الجَعْدِيّ :

سَقَطُوا عَلَى أَسَدٍ بِلَحْظَة مَشْ

بُوحِ السَّوَاعِدِ باسِلٍ جَهْمِ

وأما قول الهُذَلِيّ يَصِفُ سِهاماً :

كساهُنَّ أَلآماً كأنَ لِحَاظَها

وتفصِيلَ ما بَيْنَ اللِّحَاظ قَضِيمُ

أراد كساها رِيشاً لُؤَاماً.

ولِحَاظُ الرِّيشَةِ : بَطْنُها إذا أُخِذَتْ من الجَنَاح فَقُشِّرَتْ فأَسْفَلُها الأبيضُ هو اللِّحاظُ. شَبَّه بَطْنَ الرِّيشة المقشُورة بالقَضيم ، وهو الرِّقُّ الأبْيضُ يُكْتَبُ فيه.

وقال غير واحد : المأْقُ : طَرَفُ العَيْنِ الذي يَلِي الأَنْفَ.

واللِّحاظُ : مُؤْخِرُها الذي يلي الصُّدْغَ.

أبو زيد : لَحَظ فلان يَلْحَظُ لَحَظاناً إذا نَظرَ بمُؤْخِرِ عَيْنِه.

وفلانٌ لَحِيظُ فلانٍ أي نَظيرُه.

ح ظ ن

استعمل من وجوهه : نظح ، حنظ.

نظح : قال الليث : أَنْظَح السُّنْبُلُ إذا رأيت الدقيق في حَبِّه.

قلت : الذي حَفِظْناه وسمعناه من الثِّقَات : نَضَحَ السُّنبُلُ وأَنْضحَ وقد ذكرته في باب الحاء والضاد ، والظَّاء بهذا المعنى تصحيف إلا أن يكون محفوظاً عن العرب فيكون لغة من لغاتهم ، كما قالوا بَضْرُ المرأة لِبَظْرِها.

حنظ : تقول العرب : رَجُلٌ حِنْظِيانٌ وحِنْذِيان وخِنْذِيان وعِنْظِيان إذا كان فَحَّاشاً.

٢٦٤

ويقال للمرأة : هي تُحَنْظِي وتُحَنذِي وتُعَنْظِي إذا كانت بَذِيَّةً فحّاشةً.

قلت : وحنْظَى وعنْظَى ملحقان بالرُّبَاعي ، وأصْلُها ثُلاثي ، والنون فيها زائدة ، كأنَّ الأصلَ مُعْتَل.

ح ظ ف

استعمل من وجوهه : [حفظ].

حفظ : قال الليث : الحِفْظُ : نَقِيضُ النسيان ، وهو التَّعاهُد وقِلَّةُ الغفْلةِ.

والحَفيظُ : المُوكَّلُ بالشَّيْء يَحْفَظُه ، يقال : فُلانٌ حَفِيظُنَا عليْكُم وحافِظُنا.

قلت : والحَفيظُ من صفات الله جلّ وعزّ ، لا يَعْزُبُ عن حِفظِه الأشياءُ كُلُّها (مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، وقد حَفِظَ على خَلْقِه وعباده ما يعْمَلون من خَيْرٍ أو شَرٍّ ، وقد حفِظَ السمواتِ والأرضَ بقدرته (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

وقال جَلَّ وعزَّ : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢١ ، ٢٢] قال أبو إسحاق : أي القرآن (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) ، وهو أُمُّ الكِتَاب عند الله جَلَّ وعزَّ ، قال : وقُرِئَتْ مَحْفُوظٌ وهو من نعت قوله : في لَوْحٍ.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يُوسُف : ٦٤] ، وقُرِىء (خَيْرٌ حِفْظاً) نَصبٌ على التمييز ، ومَنْ قرأ حافِظاً ، جاز أن يكون حالاً ، وَجَاز أن يكون تمييزاً.

وَرَجُلٌ حَافِظٌ ، وقَوْمٌ حُفَّاظٌ ، وهُم الذين رُزقوا حِفْظ ما سَمِعوا ، وقلَّما يَنْسَوْن شَيْئاً يَعُونه.

وقال بعضهم : الاحْتِفَاظُ : خصوص الحِفْظِ ، تقول : احْتَفَظْتُ بالشيء لِنَفْسي. ويقال : اسْتَحْفَظتُ فُلاناً مالاً إذا سألته أن يحفظه لك واستحفظتُه سِرّاً ، وقال الله في أهل الكتاب : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) [المَائدة : ٤٤] أي استُودِعُوه وأَتُمِنُوا عليه.

وقال الليث : التَّحَفُّظ : قِلَّةُ الغفلة في الكلام ، والتَّيَقُّظُ من السَّقْطة.

والمحافظةُ : المواظبةُ على الأمر.

قال الله جلّ وعزّ : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) [البَقَرَة : ٢٣٨] أي واظبوا على إقَامتها في مَواقيتها. ويقال : حافَظ على الأمر والعمل وثابَرَ علَيه بمَعْنًى وحَارَضَ وبَارك إذا داوم عليه.

والحِفَاظ : المحافَظةُ على العهد ، والمحَامَاةُ على الحُرَمِ ومَنْعُها من العَدُوِّ ، والاسم منه الحَفيظَةُ ، يقال : رَجُلٌ ذو حَفِيظة. وأهلُ الحَفَائِظ : أَهلُ الحَفَاظ ، وهم المحَامون على عَوْرَاتِهم الذَّابُون عليها ، وقال العَجَّاجُ :

* إنَّا أُنَاسٌ نَلزَمُ الحِفَاظا*

والحِفْظَةُ : اسم من الاحتفاظ عند ما يُرَى من حَفِيظة الرَّجُل ، تقول : أَحْفَظْتُه فاحْتَفَظَ حِفْظَةً ، قال العَجَّاجُ :

مَعَ الْجَلَا وَلَائحِ القَتِيرِ

وحِفْظَةٍ أَكَنَّهَا ضَمِيري

يُفَسَّر على غَضْبَةٍ أَجَنَّها قَلْبي ، وقال الآخر :

٢٦٥

وما العَفْوُ إلا لامرىء ذي حَفِيظَةٍ

متَى يُعْفَ عَنْ ذنْبِ امرىء السَّوْءِ يَلْجَجِ

وقال غَيْرُه : الحِفاظُ : المُحافَظَةُ على العَهْدِ ، والوَفَاء بالعَقْد ، والتَّمسُّك بالوُدّ.

والْحَفِيظَةُ : الغَضَبُ لِحُرْمَةٍ تْنْتَهك من حُرَمَاتِكَ أو جَارٍ ذي قَرابةُ يُظْلَمُ من ذَويك أو عَهْدٍ يُنْكَث.

والمُحْفِظَات : الأمُورُ التي تُحفِظُ الرجلَ أي تُغضِبه إذا وُتِرَ في حَميمه أو في جيرانه ، وقال القَطامِيُّ :

أخوكَ الذي لا يَمْلِكُ الحِسَّ نَفْسَه

وتَرْفَضُّ عند المُحْفِظاتِ الكَتَائفُ

يقول : إذا استَوْحَشَ الرجلُ من ذي قرابته فاضطغن عليه سخيمةً لإساءَةٍ كانت منه إليه فأوْحَشَتْه ثم رآه يُضامُ زال عن قَلْبه ما احْتَقَدَهُ عليه وغَضِبَ له فَنَصَره وانْتَصَر له من ظالمِه.

وحُرَمُ الرَّجُل : مُحْفِظاتُه أيضاً.

وقال النَّضْرُ : الطريق الحافِظُ هو البَيِّن المستقيم الذي لا يَنْقَطِع ، فأمَّا الطريق الذي يَبينُ مَرَّةً ثم يَنْقَطِع أَثَرُه ويمَّحى فَلَيْسَ بِحافِظٍ.

وقال الليث : احْفَاظَّت الجِيفَةُ إذا انْتفَخَت.

قلت : هذا تصحيف منكر ، والصواب اجْفَأَظَّت بالجيم ، وروى سَلَمَةُ عن الفراء أنه قال : الجَفيظُ : المقتول المُنْتَفِخُ بالجيم ، وهكذا قرأتُ في «نوادِر ابن بُزُرج» له بخط أبي الهيْثَمِ الذي عرفته له اجْفَأَظَّت بالجيم ، والحَاءَ تَصْحيف ، وقد ذكر اللَّيْثُ هذا الحرفَ في كتَابِ الجيم فَظَنَنْتُ أنه كان مُتَحَيراً فيه فذكره في موضعين.

ح ظ ب

أهمل الليث هذا الباب واستعمل منه : حظب.

حظب : أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : الحُظُبًّى : صُلْبُ الرَّجل ، وأنشد قول الفِنْذِ الزِّمَّانِي ، واسمه شَهْلُ بنُ شَيْبَان :

ولوْ لا نَبْلُ عَوْضٍ في

حظَبَّايَ وأوْصالِي

أراد بالعَوْضِ الدَّهْرَ له ، وحُظُبَّاهُ : صُلْبُه.

الحَرَّاني عن ابن السِّكِّيت قال الفراء : رَجُلٌ حُظُبَّة : حُزُقَّةٌ إذا كان ضيِّقَ الْخُلُق ، ورَجْلٌ حُظُبٌ أيضاً ، وأنشد :

حُظُبٌ إذا سَاءَلتِه أو تَركْتِه

قَلاكِ وإن أعْرَضْت رَاءَى وسمَّعَا

أبو عُبَيْد عن الأُمَوي : مِن أمْثالهم في باب الطعام : «اعْلُل تحْظُبْ» أي كُلْ مَرَّةً بعد أخْرى تَسْمَن ، يقال منه قد حَظَب يَحظِبُ حُظُوباً إذا امْتَلأ ، ومِثْلُه كَظَب يَكْظِبُ كُظُوباً.

وقال الفرَّاء : حَظَبَ بَطْنُه وكَظَبَ إذا انتفَخَ.

أخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلَمَةَ عن الفراء قال : من أَمْثال بَنِي أسَد : اشْدُدْ حُظُبَّي قَوْسَك ، يريد اشدد يا حُظُبَّى قَوْسَك ، وهو اسم رجل ، أي هَيِّىءْ أمْرَك. ابن السكيت : رأيت فُلاناً حاظِباً ومُحْظَئِباً

٢٦٦

أي مُمتَلِئاً بَطِيناً.

ح ظ م

أهمل الليث وجوهه :

[حمظ] : وقال أبو تُراب : سمعت بعضَ بني سُلَيْم يقول : حَمَزَهُ وحَمَظَه أي عَصَرَهُ جاء به في باب الظَّاء والزَّاي.

أبواب الحاء والذال

ح ذ ث : أهملت وجوهها كلها.

ح ذ ر

استعمل من وجوهها : حذر ، ذرح.

قال الليث ينظر في ذحر فإن وجد مستعملاً ذكر ما فيه قلت : ولم أجده مستعملاً في شيء من كلامهم.

حذر : قال الليث : الحَذَرُ : مَصْدَر قَوْلِك : حَذِرْتُ أحْذَرُ حَذَراً فأنا حاذِرٌ وحَذِرٌ قال : وتُقرأُ هَذِه الآية : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) [الشُّعَرَاء : ٥٦] أي مُسْتَعِدُّون ومن قَرأَ (حَذِرون) فمعْناهُ إنَّا نخَافُ شَرَّهُم.

وقال الفرّاء في قَوْلِه (حاذِرُونَ) ، رُوِي عن ابْنِ مسعود أنَّه قال : مُؤذُوْن ذَوُو أداةٍ من السِّلاح ، وقُرِىء (حَذِرون) ، قال : وكأنَ الحاذر الذي يَحْذَرُك الآن ، وكأن الحَذِر المخلوقُ حَذِراً لا تلقاه إلا حَذِراً ، وقال : الزجاج : الحاذِرُ : المسْتَعِدُّ ، والحَذِرُ : المُتَيَقّظُ ، وقال شمر : الحاذِرُ : المُؤذِي الشَّاكُّ في السِّلاحِ وأنشد :

وبِزّةٍ فَوْقَ كَمِيٍ حَاذِرِ

ونَثْرَةٍ سَلَبْتُها عن عَامِرِ

وحَرْبَةٍ مِثْلِ قُدَامَى الطّائر

أبو زيد : في العَيْن الحَذَرُ ، وهو ثِقَلٌ فيها من قَذًى يُصِيبُها. والحذَلُ : باللام طولُ البُكَاءِ ، وألّا تجِفّ عَيْنُ الإنسان.

الليث : أنَا حَذِيرُك مِنْ فُلَانٍ أي أُحَذِّرُكَهُ.

قلت : لم أسمع هذا الحَرْفَ لغَيْرِه ، وكأنَّه جاءَ به على لَفْظِ نَذِيرُك وعَذِيرك.

وقال الليث : يُقالُ حَذَارِ يا فلان أي احْذَرْ وأنشدَ :

* حَذَارِ من أَرْمَاحِنا حَذَارِ*

جُرَّتْ لِلْجَزْمِ الذي في الأمْر وأُنِّثَتْ لأنها كلمة ، وتقولُ : قد سَمِعْتُ حَذَارِ في عَسكَرِهم ودُعِيَتْ نَزَالِ بينَهم.

قال : وحُذَارُ : اسم أبي ربيعة بن حُذَارٍ قاضي العرب في الجاهِلية ، وكان مِنْ بَنِي أسدِ بن خُزَيمَة.

أبو عُبَيد عن الأصْمعي : الحِذْرِيَةُ مِن الأرضِ : الخَشِنَةُ والجمع حَذَارِيّ.

وقال النَّضْرُ : الحِذْرِيَةُ : الأرضُ الغَلِيظَة من القُفّ الخَشِنَةُ.

وقال أبو خَيْرَةَ : أَعْلى الجبَل إذا كان صُلْباً غليظاً مُسْتوِياً فهو حِذْرِيَةٌ ، ويقالُ : رَجُلٌ حِذْرِيانُ إذا كانَ حَذِراً عَلَى فِعْلِيَانٍ.

ذرح : ابن المُظفَّر : الذُّرَحْرَحَةُ : الواحِدَةُ مِنَ الذَّرَارِيح ، ومنهم مَنْ يقول : ذَرِيحة واحدةٌ وتقولُ : طعَامٌ مَذْرُوحٌ وهي أعظم من الذُّبَاب شيئاً ، مُجَزَّعٌ مُبَرْقَشٌ بحُمْرَة وسوَادٍ وصُفْرَةٍ لها جناحان تطيرُ بهما ، وَهُوَ سَمٌّ قاتلٌ فإذا أرَادُوا أَنْ يَكْسِرُوا حَدَّ سَمِّه خَلَطُوه بالعَدَس فيصير دوَاءً لِمَنْ عَضَّهُ الكلْبُ الكَلِبُ.

٢٦٧

قال : وبَنو ذَرِيحٍ : من أحياءِ العربِ.

والذَّرَحُ : شَجَرةٌ يُتَّخَذُ مِنها الرِّحَالةُ.

عَمْرُو عنْ أبيه : الذَّرَائح : هَضَباتٌ تُبْسَطُ عَلَى الأرْض حُمْرٌ ، واحدتُها ذَريحة.

ثعلب عن ابن الأعرابي : ذَرَّحَ إذا صَبَّ في لَبَنِه ماءً ليَكْثُرَ.

أبو حاتم قال أبو زيد : المَذِيقُ والضَّيْحُ ، والمُذَرِّحُ ، والذُّرَّاح والذُّلَّاحُ والمُذَرّقُ كلُّه : اللَّبَنُ الذي مُزِجَ بالماءِ.

عمرو عنْ أبيه : ذَرَّحَ إذا طَلى إداوَتَه الجديد بالطين لتطيب رائحتها. وقال ابن الأعرابي مرّخ إداوته بهذا المَعْنَى.

قال : ويقال : أَحْمَرُ ذَرِيحِيٌ إذا كانَ شديدَ الحُمْرَة قال : وذَرَّحْتُ الزَّعْفَرَان وغيرَهُ في الماءِ إذا جَعَلْتَ منهُ فيهِ شيئاً يَسِيراً.

ح ذ ل

استعمل من وجوهه : حذل ، ذحل.

حذل : قال الليث : الحَذَل «مُثَقَّل» : حُمْرَةٌ في العَيْن. تقولُ : حَذِلتْ عَيْنُه حَذَلاً.

وقال العَجّاجُ :

* والشَّوْقُ شَاجٍ لِلْعُيونِ الحُذَّلِ *

وصَفَها كأنَّ تلكَ الْحمْرَة اعْتَرتْها مِنْ شِدَّةِ النَّظرِ إلى ما أَعْجِبَتْ به.

وقال أبو حاتم : الحَذَلُ : حُمْرَةٌ في العيْنِ وانْسِلَاقٌ وسَيَلانٌ. وانْسِلَاقُهَا : حُمْرَةٌ تَعْتَرِيها.

وقال أبو زيد : الحَذَلُ : طُولُ البُكاء وأَلَّا تَجِفَّ العَيْنُ.

ابن الأعرابي : الحُذَالُ : انسلاق العين.

والحَذَالُ بفتح الحاء : صَمْغُ الطَّلْح إذا خرَجَ فأكلَ العُودَ فانحَتَّ واخْتَلَط بالصَّمْغ وَإذا كانَ كذلكَ لم يُؤْكل ولَمْ يُنتفَع بِهِ.

أخبرَني المُنْذِريّ عنْ أبي العبَّاس عن سَلَمة عن الفرّاء قال الْحُذالُ : حَيْضُ السَّمُر وقال نُسَمِّه الدُّوَدِم : وذلكَ أَنهم يَحُزُّونَ حَزّاً في ساق السَّمُرَةِ فيخرُجُ منها دَمٌ كأَنَّه حَيْضٌ ، وأنشد :

* كأَنَّ نبيذكَ هذا الحُذَال *

قال : والحِذْلُ : الحُجْزَةُ.

وقال ثعلبٌ : وسمِعْتُه يقولُ : حُجْزَتُه وحُذْلَتُه وحُزَّته وحُبْكتُه واحِدٌ.

ذحل : قال الليث : الذَّحْلُ : طَلَبُ مكافأَةٍ بجِنَايَةٍ جُنِيتْ عَلَيْك أو عَداوةٍ أُتِيتْ إليك.

قُلتُ : وجمع الذَّحْلِ ذُحُول وهُوَ التِّرَةُ.

ح ذ ن

استعمل من وجوهه : حنذ ، حذن.

حنذ : قال الليث : الحَنْذُ : اشْتِوَاءُ اللحْمِ بالحِجَارة المُسَخَّنة ، تقول : حَنَذْتُه حَنْذاً ، وقال في قولِ الله جلّ وعزّ : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هُود : ٦٩]. قال : مَحْنوذٌ مَشْوِيٌّ.

سَلَمَةُ عنِ الفرَّاء قال : الحَنِيذُ : ما حفَرْت له في الأرْضِ ثمَّ غَمَمْته وهوَ من فِعْلِ أهلِ البادِيَةِ معْرُوف ، وهو مَحْنوذٌ في الأصْل ، قدْ حُنِذَ فهُوَ مَحْنوذٌ ، كما قيلَ : طَبِيخٌ ومَطْبُوخٌ.

وقال في كتاب «المصادِرِ» : الخَيْل تُحنَّذُ إذا أُلْقِيَتْ عَلَيْها الجِلَالُ بعضُها عَلَى بَعض لِتَعْرَقَ.

٢٦٨

قال : ويقال : إذا سَقَيْتَ فاحْنِذْ يَعني أخْفِسْ ، يُرِيدُ أقِلَّ الماء وأَكثِر النَّبِيذ. قال : وأَعْرَق في مَعْنى أَخْفَسَ.

وأَخبرني المُنْذري عن أبي الهيْثَم أَنّه أَنكرَ ما قاله الفرَّاء في الإحنْاذِ أنّه بمعْنى أخْفسَ وأعْرَقَ وعَرَفَ الإخفاس والإعْرَاقَ.

وقال أبو عمر : قال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : شَرَابٌ مُحْنَذٌ ومُخْفَسٌ ومُمْذًى ومُمْهًى إذا أُكثِرَ مِزَاجُه بالماء ، وهذا ضِدُّ ما قاله الفرَّاء.

وقال أبو الهيْثَم : أصلُ الحَنِيذِ من حِناذ الخيْل إذا ضُمِّرَتْ. وحِناذها أن يُظاهَرَ عليهَا جُلٌّ فوق جُلٍّ حتى تُجلَّلَ بأَجلَالٍ خمسةٍ أو ستة ليَعْرَقَ الفرسُ تحْتَ تلك الْجِلَالِ ويُخْرِجَ العَرَقُ شحمَه كيلَا يتنفس تنفُّساً شديداً إذا أُجرى. قال : والشِّوَاءُ المحنوذُ الذي قد أَلْقيت فوقه الحجارَةَ المَرْضُوفَةَ بالنار حتى يَنْشَوى انْشِواءً شديداً فَيتهَرَّى تحتها.

ويقال : حنَذْنا الفرسَ نحنِذُه حَنْذاً وحِناذاً أي ظاهَرنا عليه الجِلَالَ حتى يعرق تَحْتَها.

وقال أبو عُبَيْد : الحَنِيذُ : الشِّوَاءُ الذي لم يُبَالَغْ في نُضْجه ، قال : ويقال : هو الشِّوَاءُ المَغْمُومُ. وقال شمر : الحنيذ من الشواء : الحار الذي يقطر ماؤه وقد شُوِي ، وروى عن شَمِر ابن عَطِيَّة أنه قال في قوله : (جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : ٦٩] هو الذي يَقْطُر مَاؤُه وقد شُوِي وهذا أَحْسنُ ما قيل فيه.

وقال شمر : الحَنِيذُ : الماءُ السُّخْنُ. وأَنْشَد لابن مَيَّادَةَ :

* إذا بَاكَرَتْه بالْحَنِيذ غَوَاسِلُهُ*

قال شمر : الحَنِيذُ من الشِّوَاءِ : النَّضِيجُ وهو أن تَدُسَّه في النَّار وقد حَنَذَه يَحْنِذُه حَنْذاً ويقال : أَحْنِذِ اللَّحْمَ أي أنضجه.

قلت : وَقَدْ رأيتُ بوادي السِّتَارَيْن من ديار بني سَعْد عَيْنَ ماء عليه نَخْلٌ زَيْنٌ عامِرٌ وقُصُورٌ من قُصُورِ مياه العرب يقال لذلك الماء : حَنِيذ ، وكان نَشِيلُه حارّاً فإذا حُقِنَ في السِّقَاء وعُلِّق في الهواء حتى تَضْرِبَه الرِّيحُ عَذُبَ وطابَ.

وفي أَعْرَاضِ مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قَرْيَةٌ فيها نَخْلٌ كثير يقالُ لها : حَنَذ. وأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيت لبعض الرُّجازِ يصفُ النَّخْلَ وأنه بحذاء حَنَذ ويُتَأَبَّرُ منه دون أن يُؤْبَر فقال :

تَأبَّرِي من حَنَذٍ فَشُولي

تَأَبَّرِي يا خَيْرَةَ الفَسِيلِ

إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بالْفُحُولِ

ومعنى تَأَبري أي تلقَّحي وإن لم تُؤَبَّري برائحة حِرْق فحاحيل حَنَذ : وذلك أَنَّ النَّخْلَ إذا كان بحذاء حائِطٍ فيه فُحّالٌ مما يلي مَهَبَّ الجنوبِ فأنها تَتَأَبَّرُ برَوَائحها وإن لم تُؤَبَّرْ ، وقوله : فَشُولي ، شبَّهها بالنَّاقَةِ التي تَلْقَح فَتَشُولُ ذَنَبها أي ترفَعُه.

حذن : أبو عُبَيْد عن الأَحْمَرِ : الحُذُنَّتَانِ : الأذُنَانِ. قلت : والواحدة حُذُنَّةٌ وحُذْنُ الرَّجُلِ وحُذْلُه : حجزته.

والْحَوْذَانَةُ : بَقْلةٌ من بُقُولِ الرِّياضِ رَأَيتُها في رياض الصَّمَّان وقِيعَانها ، ولها نَوْرٌ أصفرُ رائحتُه طيِّبَةٌ وتجمعُ الحوذَان.

٢٦٩

ح ذ ف

استعمل من وجوهها : حذف ، وفذح.

حذف : قال ابْنُ المُظَفَّر : الحَذُف : قَطْفُ الشَّيءِ من الطَّرَفِ كما يُحْذَفُ ذنب الدَّابَّة.

قال : والمَحْذُوفُ : الزِّقُّ ، وأنشد :

قاعداً حَوْلَهُ النَّدَامى فما يَنْ

فَكُّ يُؤْتَى بمُوكَرٍ مَحْذُوفِ

المُوكَرُ : الزِّقُّ الملآنُ ، ورَوَاهُ شمر عن ابْن الأَعْرَابي مَجْدُوف ومَجْذُوف بالجيم وبالدَّال أو بالذَّال. قال : ومَعْناهُما المقَطُوعُ ، ورَواه أبو عُبَيد مَنْدُوف ، فأَمَّا مَحْذُوف فما رَواه غير الليث. قال : والحذْفُ : الرَّمْيُ عن جانِبٍ. تقول : حَذَفَ يحْذِفُ حَذْفاً.

وتقول : حَذَفني فُلانٌ بجائِزَةٍ أَيْ وَصَلني.

قال : وَحَذَفَه بالسَّيف إذا ضَرَبَه.

ابن شميل : الأبْقَعُ : الغُرَابُ الأبْيَضُ الجَنَاح.

قال : والحَذْفُ : الصِّغَارُ السُّودُ ، والواحدة حَذَفَةٌ وهي الزِّيغَانُ التي تُؤكَل ، والحَذَفُ : الصِّغارُ مِنَ النِّعاج ، قال : والحَذَفُ : شاءٌ صِغارٌ ليست لها أذنابٌ ولا آذانٌ يُجاءُ بها مِنْ جُرَشَ.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تَرَاصُّوا بَيْنَكُم في الصلاة لا تَتَخَلَّلُكُم الشياطينُ كأنها بناتُ حَذَفٍ».

قال أبو عُبَيد : الحَذَفُ هي هذه الغَنمُ الصِّغار الحجازية واحدتها حَذَفَة ، ويقال لها : النَّقَدُ أيضاً. قال : وقد فُسِّر الحَذَفُ في بعض الرِّواية أنها ضَأنٌ سُودٌ جُرْدٌ صِغارٌ تكون باليمن.

قال أبو عُبَيد : وهذا أحبُّ التَّفسيرين إليَّ لأَنَّه في الحديث.

والعربُ تقولُ : حَذَفَه بالْعَصَا إذا رَمَاهُ بها.

قلت : وقد رأيتُ رُعْيانَهم يَحْذِفُونَ الأرانب بِعِصيِّهم إذا عَدَتْ ودَرَمَتْ بين أيديهم فرُبَّما أصابت العصا قَوَائِمَها فيصيدُونها ويذبحُونها.

وأما الخَذْفُ بالخاء فإنه الرَّمْيُ بالحَصَى الصِّغار بأطراف الأصابع ، يقال : خذَفَه بالحَصَى خَذْفاً.

ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نَهَى عن الخَذْفِ بالحَصى ، وقال : «إنه يَفْقَأُ العَيْنَ ولا يَنْكِي عَدُوّاً ولا يُحْرِزُ صَيْداً» ، ورَمْيُ الجِمَارِ يكون بِمِثْل حَصَى الخَذْف وهي صِغارٌ.

ورَوَى الحَرَّاني عن ابن السِّكِّيت أنه قال : يقال : ما في رَحْلِهِ حُذَافَةٌ أي شيءٌ من طعام ، وأكلَ الطَّعام فما ترك منه حُذَافَةً ، واحتملَ رَحْلَهُ فما ترك منه حُذَافَةً.

قلتُ : وأصحابُ أبي عُبَيْدٍ رَوَوْا هذا الحرف في باب النَّفي حُذَافَةٌ بالقاف ، وأنكره شَمِر ، والصَّواب ما قاله ابن السّكِّيت ونحو ذلك قاله اللِّحْياني بالفاءِ في «نوادره» وقال : حُذَافَةُ الأَدِيم : ما رُمِيَ منه.

قلت : وتَحْذِيفُ الشَّعَرِ تَطْرِيرُه وتسويته ، وإذا أخذتَ من نواحيه ما تُسوِّيهِ به فقد حَذَّفْتَه ، وقال امْرؤْ القيس :

لها جَبْهةٌ كَسَرَاة المِجَنْ

نِ حَذَّفَهُ الصَّانِعُ المُقْتدِر

٢٧٠

وقال النَّضْرُ : التَحْذِيفُ في الطُّرَّةِ أن تُجْعَلَ سُكَيْنِيَّةً كما يفعل النَّصارى.

فذح : أهمله الليثُ.

وقال ابن دُريد : تَفَذَّحَتِ النَّاقةُ وانْفَذَحَت إذا تَفَاجّتْ لِتَبولَ.

قلتُ : ولم أسمع هذا الحرف لغيرِه ، والمعروفُ في كلامهم بهذا المعنى تَفَشِّحَتْ وتَفَشَّجَتْ بالحاء والجيم.

ح ذ ب

استعمل من وجوهه : ذبح ، بذح.

حَبذ : قلت : وأما قولهم حَبَّذَا كذا وكذا بتشديد الباء فهو حرف مَعْنًى أُلِّفَ مِنْ حَبَّ وَذَا ، يقال : حَبَّذَا الإمارةُ والأصل حَبُبَ ذا فأُدغمت إحدى الباءين في الأخرى وشُدِّدت ، وذا إشارة إلى ما يقرب منك وأنشد بعضهم :

حبذا رجعها إليها يديها

في يَدَيْ درْعِهَا تَحُلُّ الإزَارَا

كأنه قال : حَبُبَ ذَا ، ثمَّ ترجم عن ذا فقال : هو رجعها يديها إلى حَلِّ تِكَّتِها أيْ ما أَحَبَّه وَيَدَا دِرْعِها : كُمَّاهَا.

وأما حَبَذَ : يَحْبِذُ فهو مهملٌ.

وقال أبو الحسن بن كَيْسَان : حَبَّذَا كلمتان جُعلتا شيئاً واحداً ولم تُغَيَّرا في تَثْنِيةٍ ولا جمعٍ ولا تأَنيثٍ ، وَرُفِعَ بها الإسمُ تقول : حَبَذَا زَيْدٌ وحَبَّذَا الزَّيْدَانِ ، وحَبَّذَا الزَّيْدُون ، وحَبَّذا هِندٌ وحَبَّذَا أَنْتَ وأَنْتُما وأَنْتُم. وحَبَّذَا يُبتدأ بها ، فإن قلتَ : زَيْدٌ حَبَّذَا فهي جائزة وهي قبيحة : لأن حَبَّذا كلمة مدح يُبتدأُ بها لأنها جواب وإنَّما لم تُثَنَّ ذَا ولم تجمع ولم تُؤنث : لأنك إنما أجريتها على ذِكْرِ شيء سمعته فكأنك قلت : حَبَّذَا الذَّكْرُ ذِكْرُ زَيْد فصار زَيْدٌ موضع ذِكْرِه وصار ذَا مُشاراً إلى الذِّكْرِ به ، والذِّكْرُ مُذَكَّر ، وحَبَّذا في الحقيقة فِعْلٌ واسم ، حَبَّ بِمنْزِلَةِ نِعْمَ وَذَا فاعل بمنزلة الرَّجُلِ.

ذبح : قال : الليث : الذَّبْحُ : قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عند النَّصِيل ، وهو موضع الذَّبْح من الحلق. قال : والذَّبيحَةُ : الشَّاةُ المذْبُوحَةُ.

والذَّبْحُ : مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وهو بمنزلة الذَّبِيح والمذبوح.

قلتُ : والذَّبِيحَةُ : اسم لما يُذْبَحُ من الحيوان ، وأُنِّثَ لأنه ذُهِبَ به مذهب الأسماء لا مذهب النَّعت فإذا قلتَ : شاةٌ ذَبِيحٌ أو كبشٌ ذَبِيحٌ أو نَعْجَةٌ ذَبِيحٌ لم تُدْخِل فيه الهاء لأن فَعِيلاً إذا كان نعتاً بمعنى مفعول يُذَكَّرُ. يقال : امرأةٌ قتيلٌ وكَفٌّ خَضِيبٌ.

والذَّبْحُ : المذبوحُ وهو بمنزلة الطِّحْنِ بمعنى المَطْحُون والقِطْفِ بمعنى المَقْطُوف.

قال الله جلّ وعزّ : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصَّافات : ١٠٧]. أي بِكَبْشٍ يُذْبَحُ ، وهو الكبش الَّذي فُدِي به إسماعيل بن خليلُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

والمِذْبَحُ : ما تُذْبَحُ به الذَّبِيحَةُ من شَفْرَةٍ

__________________

(١) في أحد نسخ «التهذيب» : «فدى به إسماعيل أو إسحاق عليهما‌السلام».

٢٧١

وغيرها.

وفي الحديث أَن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نَهَى عن ذَبَائِح الجِنْ.

قال أبو عُبَيد : وذَبَائح الجِنِّ : أن يَشْتَرِي الرجلُ الدارَ أو يَسْتَخْرِجَ العينَ أو ما أشبه ذلك فَيَذْبَحَ لها ذَبِيحَةً لِلطِيَرةِ ، قال : وهذا التفسيرُ في الحَديثِ.

قال : ومعناهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُون إلى هذا الفِعْلِ مَخَافَةَ أَنَّهُم إن لم يَذْبَحُوا ويُطْعِمُوا أن يُصِيبَهم فيها شيء منَ الجِنِّ يُؤْذِيهم ، فأَبْطَل النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونَهَى عنْه.

وقال الليث في كِتابه : جاءَ عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نَهَى أن يُذَبِّحَ الرَّجُلُ في الصلاةِ كما يُذَبِّحُ الحِمارُ.

قال وقولُه : أنْ يُذَبِّح هو أن يُطأْطِىءَ الرجلُ رأْسَه في الرُّكوعِ حتى يكونَ أخُفَضَ من ظَهْرِه.

قلتُ : صَحَّفَ الليثُ الحرْفَ ، والصَّحيحُ في الحديثِ أنْ يُدَبِّحَ الرجلُ في الصَّلاةِ بالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمة.

كذلك رواه أصحابُ أبي عُبَيْد عنْه في «غَريبِ الحديثِ» ، والذَّالُ خَطَأٌ لا شَكَّ فِيه.

رَوَى ابنُ شُمَيْل عنِ ابنِ عَوْنِ عن ابن سِيرين قال : لمَّا كان زَمَنُ ابن المُهَلب أُتِي مَرْوَانُ برَجُلٍ كفَرَ بعدَ إسْلامِه فقال كعْبٌ أدْخِلُوه المَذْبح وضَعُوا التَّوْرَاةَ وحَلِّفُوهُ بالله.

قال شَمِر : المذابِحُ : المقَاصِيرُ ، ويُقَالُ هي المَحارِيبُ ونحوُها.

قال : وذَبَّحَ الرجلُ إذا طأْطأَ رأْسَهُ للرُّكوعِ ودبَّحَ وَدَرْبَحَ.

قال : والذَّبْحُ : الشَّقُّ وكلُّ ما يُشَقُّ فقَدْ ذُبِحَ.

قال أبُو ذُؤَيْبٍ :

* كأَنَّ عيْنَيَّ فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ *

وكذلك كلُّ ما فُتَّ أو قُلِعَ فقَدْ ذُبِحَ.

قال : وتُسَمَّى مقَاصِيرُ الكنَائِس مَذابحَ ومَذْبحاً لأنهم كانوا يذْبحُونَ فيها القُرْبانَ.

وقال الليث : الذَّابِحُ : شَعَرٌ يَنْبُت بين النَّصِيل والمذْبحِ.

قال : والذُّبْحَةُ : داءٌ يأْخُذُ في الحَلْقِ وربَّما قَتَل.

قال والذُّبَحُ : نبَاتٌ له أصْلٌ يُقْشَرُ عنه قِشْرٌ أَسْوَدُ فيخرُج أبيضَ كأَنه جَزَرَةٌ ، حُلْوٌ طَيِّبٌ يُؤْكَل ، والواحدةُ ذُبَحةَ.

أبو عُبَيد عن الأصمعي قال : الذُّبْحةُ بتسْكِين الباء : وَجَعٌ في الْحَلْقِ ، وأما الذُّبَحُ فهو نَبْتٌ أحْمَرُ.

وفي الحديث أنَّ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كَوَى أسْعَدَ بنَ زُرارةَ في حَلْقِه من الذُّبْحَةِ ، وقال : لا أدَعُ في نفسي حَرَجاً من أسْعد.

وكان أبو زَيْد يقولُ : الذَّبَحَةُ والذِّبَحَةُ لهذا الدّاءِ ولم يعْرِفْه بإسكان الباء.

وأخبرني المُنْذِريُّ عن ثعلب أَنَّهُ قال : الذُّبَحةُ والذُّبَحُ هو الذي يُشْبِه الكَمْأَةَ قال : ويُقالُ لهُ : الذَّبَحَةُ والمذّبَحُ والضمُّ أكثرُ وهو ضَرْبٌ من الكمْأَةِ بِيضٌ.

وقال الليث : الذُّبَاحُ : نَبْتٌ من السَّمِّ وأنشد :

٢٧٢

* ولَرُبّ مَطْعَمَةٍ تكونُ ذُباحا*

وقال رُؤْبَةُ :

* كأساً منَ الذِّيفَانِ والذُّباح *

وقال الأعْشى :

ولكن مَاءُ عَلْقَمةٍ بِسَلْعٍ

يُخَاضُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَقِ الذُّباح

أبو عُبَيد : عن الأصمعي : أخَذَهُ الذُّبَّاحُ بتشديد الباء ، وهو تَحَزُّزٌ وَتَشَقُّقٌ بين أصابع الصِّبْيَانِ من التُّرابِ.

وقال ابنُ بُزُرْج : الذُّبَّاحُ : حَزٌّ في باطِن أصابِع الرِّجْلِ عَرْضاً ، وذلك أنه ذَبَحَ الأصابعَ وقَطَعَها عرْضاً ، وجَمْعُهُ ذَبَابِيحُ وأنشد :

حَرٌّ هِجَفٌّ مُتَجَافٍ مَصْرَعُه

به ذَبَابيحُ وَنَكْبٌ تُظْلِعُه

وكان أبو الهَيْثَم يقول : ذُبَاح بالتَّخْفيف ويُنْكِر التَّشْديد.

قلت : والتَّشْديد في كلام العربِ أكثر ، وذهبَ أبو الهَيْثَم إلى أنَّه من الأدْواءِ التي جَاءت عَلَى فُعال.

وقال ابن شُمَيل : مَذابِحُ النَّصَارى : بيوتُ كُتُبهم ، وهو المَذْبَحُ لِبَيتِ كُتُبهم.

ويقال : ذَبَحْتُ فارَة المِسْكِ ، إذا فَتَقْتها وأخْرَجْتَ مَا فيها من المِسْكِ ، وأنشد ابنُ السِّكِّيت :

كأنَّ بين فَكِّها والفَكِ

فأرَةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ في سُكِ

أي فُتِقت في الطِّيبِ الذي يُقال لَهُ : سُكُّ المِسْكِ.

وقال بعضُهمْ : الذُّبَحُ : الجَزَرُ البَرِّيُّ ، ولوْنُه أَحْمَرُ ، وأنشدَ بيتَ الأعْشَى :

وشَمُولٍ تَحْسِبُ العينُ إذا

صُفِّقَتْ في دَنّها لوْنَ الذُّبَح

ويُرْوَى

صُفِّقَتْ بُرْدَتُها لوْنَ الذُّبَح»

. وبُرْدَتُها : لَوْنُها وأَعْلاها.

ويقال ذَبَحَتْ فُلاناً لِحْيَتُه ، إذا سالت تَحْتَ الذَّقَنِ وبَدَا مُقَدّمُ حَنكِه ، فهوَ مَذْبُوحٌ بها ، وقال الراعي :

من كلِّ أَشْمَطَ مَذْبوحٍ بِلِحْيَتِه

بادِي الأداةِ على مَرْكُوِّهِ الطَّحِلِ

يصِفُ قَيِّمَ ماءٍ منعَهُ الوِرْدَ.

ويقالُ : ذَبَحَتْه العَبْرةُ ، أي خَنَقَتْه.

شمر : يقال : أصابه موت زُؤام ، وذُؤاب ، وذُباح. وأنشد للبيد :

* كأساً من الذِّيفانِ والذُّبَاح *

قال : الذُّباح : الذّبْح.

يقال : أخذهم بنو فلانٍ بالذُّباحِ ، أي بالذَّبْح ، أَي ذبحوهم.

قال : ويقال : أخذ فلاناً الذُّبَحَةُ في حلقه بفتح الباء.

يقال : كان ذلك مثل الذُّبَحَةُ على العُرِّ ، مثل يضرب للذي تخاله صديقاً فإذا هو عدو ظاهر العداوة.

وقال النضر : الذُّبَحَةُ : قَرْحَةٌ تخرج في حلق الإنسان مثل الذِّئبة التي تأخذ الحمار.

وقال النَّضْرُ : الذَّابحُ : مِيسَمٌ على الْحَلْقِ في عُرْضِ العُنُق ، ويُقَالُ للسِّمَةِ : ذَابِحٌ.

٢٧٣

وقال ابن كُنَاسة : سَعْدٌ الذَّابحُ : من الكواكب ، أحدُ السُّعُودِ سُمِّي ذابحاً لأنَّ بحذائه كَوْكَباً صغيراً كأنه قد ذبحهُ ، والعربُ تقولُ : إذا طلع الذابحُ انجحر النَّابحُ ، وأصلُ الذبحِ الشّقُّ ، ومنه قوله :

* كأَنَّ عَيْنَيَّ فيهَا الصَّابُ مذبوح *

أي مشقوق مَعْصُور.

وقال شَمِر : المذَابِحُ : من المسَايِلِ واحدها مَذْبَح ، وهو مسِيلٌ يسيل في سَنَدٍ أو عَلَى قَرار الأرضِ ، إنما هو جَرْحُ السَّيْلِ بعضِه عَلَى إثْرِ بعض.

وعَرْضُ المذْبحِ فِتْرٌ أَو شِبْرٌ ، وقد تكون المذابحُ خِلْقَةً في الأرض المُسْتوية لها كهيئة النَّهْر يسيلُ فيها ماؤها ، فذلك المذبحُ. والمَذابحُ تكون في جميع الأرضِ في الأوْدِية وغير الأوْدِيَةِ ، وفيما تواطأ من الأرض.

بذح : البَذْحُ : الشِّقُّ. أبو عُبَيد عن العَدَبَّس الكِناني : بَذَحْتُ لسان الفصيل بَذْحاً ، إذا فلَقْتَهُ. قلت : ورأيتُ من الرُّعْيَان مَنْ يَشُقُّ لسان الفصيلِ اللَّاهج بثنَاياه فيقْطَعُه ، وهو الإحْزَازُ عند العرب.

وقال أبو عَمْرو : أصابه بَذْحٌ في رجله ، أي شَقٌّ ، وهو مثل الذَّبح ، وكأَنه مَقلُوب.

ح ذ م

استعمل من وجوهه : حذم ، مذح.

حذم : قال الليث : الحَذُمُ : القَطْعُ الوحِيُّ. وسيفٌ حَذْيَمٌ : قاطع. وفي حديث عُمَر أنه قال لمُؤذِّنِه : «إذا أذَّنْت فترَسَّل ، وإذا أقمتَ فاحْذِم»

قال أبو عُبَيد : قال الأصمعي : الحذْمُ : الحَدْرُ في الإقامة وقطعُ التَّطْويل.

قال وأصلُ الحَذْم في المشي إنما هو الإسراع فيه ، وأن يكون مع هذا كأَنه يهْوِي بيديه إلى خلفه. وقال غيره : هو كالنَّتْفِ في المشيء شبيهٌ بمشي الأرنب.

ابن السّكِّيت عن الأصمعي : يقال : للأرْنب حُذَمَةٌ لُذَمَةٌ ، تَسْبق الجمع بالأكَمَة. حُذَمَة : إذا عدت في الأكَمَةِ أسْرَعت فسبقَت مَن يطلبها ، لُذَمَة : لازمةٌ للعَدْوِ.

وقال ابن شُمَيْل : يُقال : حَذَم في مشيته أي قارب الخطا وأسرع.

قال : والحُذَمُ : القصير من الرجال القريبُ الخطوِ.

وقال شمر : قال أبو عدنان : الحَذَمَانُ : شيءٌ من الذَّميل فوق المشي.

قال : وقال لي خالد بن جَنْبَةَ : الحَذَمَانُ : إبْطَاءُ المشي ، وهو من حْروف الأضدادِ.

قال : واشترى فلانٌ عَبْداً حُذَام المشي : لا خير فيه.

وقال الليث : حَذَامِ : من أسماء النسَاء وأنشد :

إذا قالت حَذَامِ فَصَدِّقُوها

فإن القوْلَ ما قالت حَذَامِ

قال : جَرّتِ العرب حذَامِ في موضع الرَّفْع لأنهَا مَصْروفةٌ من حَاذِمة فلما صُرِفتْ إلى فَعَال كُسِرَت : لأنهم وجدوا أكثر حالاتِ المؤنَّثِ إلى الكسر ، كقولك : أنتِ ، عليكِ ، وكذلك فجَارِ ، وفسَاقِ ، قال : وفيه

٢٧٤

قولٌ آخر أن كلّ شيء عُدل من هذا الضرب عن وجههِ يُحملُ على إعراب الأصوات والحكايات من الزَّجْرِ ونحوه مجروراً ، كما يقالُ في زجْرِ البَعيرِ : ياهٍ ياهٍ ، ضاعف ياهٍ مرتين.

وقال ذو الرُّمَّة :

يُنادي بَيَهْيَاهٍ وياهٍ كأنه

صُوَيْتُ الرُّوَيعِي ضلَّ بالليلِ صاحبُه

يقولُ : سكن الحرْف الذي قبل الحرف الأخير فحُرِّكَ آخره بكسْرَةٍ ، وإذا تحرَّكَ الحرف قبل الحرف الأخير وسكن الأخيرُ جزمْت كقولك : (بجَلْ) و (أَجَلْ). وأمَّا حَسْبُ ، وجَيْرُ ، فإنك كسرت آخره ، وحركْته لسكون السِّين والبَاء.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قال : الحُذُمُ : الأرانبُ السِّرَاع. والحُذُمُ أيضاً : اللُّصُوصُ الْحُذَّاقُ.

مذح : قال الليث : المَذَحُ : الْتِوَاءٌ في الفخِذيْنِ إذا مشى انْسَحَجَتْ إحداهما بالأخرى.

يُقال : مَذِحَ الرجل يَمْذَحُ مَذَحاً ، ومَذِحَتْ فخذاهُ وأنشد :

إنك لو صاحَبْتِنَا مَذِحْتِ

وفَكَّكِ الْحِنوَانِ فانفَتَحْتِ

أبو عُبَيد عن الأصمعي : إذا اصْطَكَّتْ أَلْيَتَا الرَّجُل حتى تنسحجا قيل : مَشِقَ مَشَقاً قال : وإذا اصْطكَّتْ فخذاه قيل : مَذِحَ يَمْذَحُ مَذَحاً.

وقال غيره : التَّمَذُّحُ : التَّمَدُّدُ.

ويُقال : شرب حتى تمذَّحت خاصرتُه أي انتفخت من الرِّيّ ، وأنشد أبو عُبَيد :

فلما سَقيناها العَكِيسَ تَمَذّحتْ

خواصرُها وازْدَادَ رَشْحاً وَرِيدُها

والعَكِيسُ : الدقيق يُصَبُّ عليه الماءُ ثم يُشْرَبُ.

أبواب الحاء والثاء

ح ث ر

استعمل من وجوهه : حرث ، حثر.

حرث : قال الليث : الْحَرْثُ : قَذفُكَ الحَبُّ في الأرض لازْدِرَاع ، وقال : الاحتراثُ من كَسْبِ المال ، وقال الشاعرُ يُخَاطبُ ذِئباً.

* ومن يَحْتَرِثْ حَرْثِي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ*

أبو عُبَيد عن أبي عُبَيْدَةَ قال : حَرَثتُ النَّاقَة وأَحْرَثتُها ، إذا سِرت عليها حتى تُهْزَلَ ، ونحوَ ذلك قال اللّيْثُ.

ابنُ بُزُرْج : أرضٌ مَحْرُوثةٌ ومُحْرَثَةٌ : وطِئَهَا الناس حتى أَحْرَثُوها وَحَرَثُوها ، وَوُطِئت حتى أَثَاروها ، وهو فسادٌ إذا وُطِئتْ فهي مُحْرَثَة ومَحْرُوثَة تُقْلَبُ للزَّرْعِ وكلاهُمَا يُقال بعدُ.

عمْرُو عن أَبيه : حَرِثَ الرجل إذا جمع بين أربع نسْوةٍ ، وحَرِثَ إذا تفقَّه ، وفَتَّشَ ، وحَرِث إذا اكتسب لعيَالِه واجتهد لهم.

والحُرْثَةُ : عِرق في أَصل أُدَاف الرَّجُل. ثعلب عن ابن الأعرابي : الحَرْثُ : إشعال النار قال الليث : مِحْراثُ النَّار : مِسْحَاتُها التي تحرك بها النار.

ومِحْراث الحرْب : ما يُهَيِّجُها.

وقال ابن الأعرابيّ : الحَرْث : الجِماع الكثير ، وقال : حرْثُ الرجلِ : امرأتُه.

٢٧٥

وأنشد المُبَرِّدُ :

إذا أكل الجراد حُرُوثَ قومي

فحرْثي همُّه أكلُ الجراد

وقال ابن الأعرابي الحرثُ : المَحَجَّةُ المكدودة بالحوافر. والحَرْث أصل جُرْدان الحمار. والحَرْث : تفتيش الكتاب وتدبُّره ، ومنه قول عبد الله : «احْرُثوا هذا القرآن» أي فتشوه. وقال غيره : الحَرْث : العمل للدُّنيا والآخرة. ومنه حديث ابن عمر أنه قال : «احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً واحرث لآخرتك كأنك تموت غداً». ومعناهُ تقديم أمر الآخرة وأعمالها حِذَار الفَوْت بالموت على عمل الدنيا ، وتأخير أمر للدنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة.

ويقال : هو يحْرُثُ لعياله ويحترث ، أي يَكتسب.

وقال أبو عمرو : الحُرثة : الفُرضة التي في طَرْف القوسِ للْوَتَرِ.

وقال الله جلّ وعزّ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البَقَرَة : ٢٢٣]. قال الزَّجَّاج : زعمَ أبو عُبَيدَة أنه كناية ، قال : والقول عندي فيه أنَّ معْنى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) : فيهنَ تحْرُثون الولد واللَّذَّة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، أي ائْتوا موضع حَرْثِكم كيف شِئْتم مُقْبِلةً ومُدْبرةً.

قال شِمر : قال الغَنَوِي : يُقال : حَرْق القوس والكُظرَة وهو فُرْضٌ ، وهي من القوْسِ حَرْثٌ ، وقد حرثتُ القوسَ أحرثها إذا هَيَّأْتَ موضعاً لِعُرْوة الوَتَر ، قال : والزَّندة تُحْرَث ثُم تُكْظَرُ بعد الحَرْثِ فهو حَرثٌ ما لم يُنفَذْ ، فإذا أُنفذ فهو كُظْرٌ.

وقال الفرَّاء : حَرَثْتُ القرآن أحْرُثه ، إذا أطَلْتَ دراسَتَه وتدَبَّرْتَهُ. وفي الحديث : أصدق الأسماء الحارث ، لأن الحارث معناهُ الكاسب.

واحتراث المال كسبه. وقول الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [الشورى : ٢٠] أي من كان يريد كسب الدنيا.

حثر : أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قال : الحَثْرَةُ : انْسلاق العين ، وتصغِيرها حُثَيْرَةٌ.

قال : والحَوْثرة : الفَيْشَة الضخمة وهي الكوْشَلَةُ ، والفَيْشَلة.

أبو عُبَيد : حَثِر الدِّبْسُ ، أي خَثُرَ ، وحَثِرَتْ عينه : خرج فيها حبٌّ أحْمَر.

شَمِر عن ابن الأعرابي قال : الدَّوَاء إذا بُلَّ وعُجِنَ فلم يجتمع وتناثر فهو حَثِرٌ ، وقد حَثِرَ حَثَراً.

وأُذُنٌ حَثِرَةٌ إذا لم تسمع سَمْعاً جيِّداً.

ولسانٌ حَثِرٌ : لا يجِد طَعْمَ الطَّعام.

أبو العباس عن ابنِ الأعْرَابيِّ : حَثَّر الدَّوَاءَ ، إذَا حَبَّبهُ ، وحَثِرَ إذَا تَحَبَّبَ.

ابنُ شُمَيْل : الحَثَرُ مِنَ العِنَب : ما لَمْ يُونِع وَهُوَ حَامِضٌ صُلْبٌ لم يُشْكِلْ وَلَمْ يَتَمَوَّه.

وحثِرَ العَسَلُ إذَا أَخَذَ يَتَحَبَّبُ ، وَهُوَ عَسَلٌ حاثِرٌ وحَثِرٌ.

والحَثَرَةُ مِنَ الجِبَأَة ، كأَنَّها تُرَابٌ مَجْمُوعٌ فإذَا قُلِعَتْ رَأَيْتَ الرملَ حَوْلَها.

٢٧٦

عَمْرو عَنْ أَبِيه قالَ : الحثَرُ : ثمَرُ الأرَاكِ ، وَهُوَ البَريرُ.

أبو حَاتِم الحَاثرُ ـ الحاءُ غَيْرُ مُعْجَمَة ـ : المُتَفَلِّقُ مِنَ اللَّبَنِ ، وقَدْ حثَرَ يَحْثِرُ حُثُوراً.

وقال الحِرْمَازِيُّ : الحَثِرُ : المُتَفَلِّقُ.

ح ث ل

[استعمل من وجوهه : حثل].

حثل : قال الليث : الحَثْلُ : سُوءُ الرَّضَاعِ ، تَقُولُ : أَحْثَلَتْهُ أُمُّه ، وقَدْ يُحْثِلُه الدَّهْرُ بِسُوءِ الحَالِ ، وأنْشَدَ :

وأَشْعَثُ يَزْهَاهُ النُّبُوح مُدَفَّعٌ

عَنِ الزَّادِ مِمَّن حَرَّفَ الدَّهْرُ مُحْثَلُ

وحُثَالَةُ النَّاسِ : رُذَالَتُهُمْ.

أَبُو زَيْد : أَحثَلَ فُلَانٌ غَنَمَهُ ، فهي مُحْثَلَةٌ إذا هَزَلَها.

أبُو عُبَيْد : المُحْثَلُ : السَّيِّيءُ الغِذَاء.

وقال غيرُه : جَاءَ في الحديث الَّذي يَرْويه عَبْدُ الله بنُ عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَ آخِرَ الزَّمان : فيبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ لا خَيْرَ فِيهم.

أَرَادَ بحُثَالَةِ النَّاسِ رُذَالَهُمْ وَشِرَارَهم ، وأصْلُه مِنْ حُثَالَة التَّمْرِ وحُفالَتِه وهو أَرَدَؤُه وَمَا لا خيْرَ فِيه مِمَّا يَبْقَي في أَسْفَلِ الْجُلَّةِ.

ثَعلبٌ عَنِ ابن الأعْرَابي قال : الحُثَالُ : السِّفَلُ.

أبو عُبَيد عنِ الأصمعيّ : الْحِثيَلُ : مِنْ أسْمَاءِ الشَّجَرِ معْروفٌ.

ح ث ن

استعمل من وجوهه : حنث ، حثن.

حثن : أَهْمَلَه اللَّيْثُ. وحُثُن : جَاءَ في شِعْرِ هُذَيْل ، وهُوَ موْضِعٌ مَعْروفٌ في بِلَادِهم.

حنث : قال الليث : الحِنْثُ : الذّنْبُ العظيمُ.

ويُقَالُ : بَلَغَ الغُلَامُ الحِنْث ، أي بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى القَلَم عَلَيْهِ بالطَّاعةِ والمَعَاصِي.

قال : وحَنِثَ في يَمينِه حنِثاً ، إذَا لمْ يُبِرَّها.

وفي الحديث : «اليمِينُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ» يَقُول : إمَّا أَنْ ينْدَمَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْه ، أو يَحْنَثَ ، فَتَلْزَمهُ الكَفَّارةُ.

وفي حَدِيثٍ آخَر أَنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ يَأْتي حِرَاءَ ، وَهو جَبَلٌ بِمَكَّةَ فِيهِ غَارٌ ، فكان يَتَحَنَّثُ فِيه اللَّيَالِي.

قالَ أبُو العَبَّاس : قالَ ابنُ الأعْرَابي : قَوْلُه : يَتَحَنَّثُ ، أي يَفْعَلُ فِعْلا يَخْرُجُ به من الحِنْثِ وَهُوَ الإثْم.

ويُقَالُ : هُوَ يَتَحَنَّث أَيْ يَتَعَبَّدُ لله. قالَ : ولِلْعَرَبِ أَفْعَالٌ تُخَالِف معَانيها أَلْفَاظَها ، يقَالُ فُلانٌ يَتَنَجَّسُ إذَا فَعَل فِعْلا يَخْرُجُ به مِنَ النَّجاسَةِ.

كما يُقَال فُلَانٌ يَتَأَثٌمَ وَيَتَحَرَّج ، إذَا فَعَل فعْلاً يَخْرُج به مِنَ الإثم والحَرَج.

قال : وقَوْلُهُم : بَلَغَ الغُلَام الحِنْثَ. أي الإدْرَاك والبُلوغ.

قال : والحِنْث في غير هذا : الرُّجُوعُ في اليمينِ.

وأخْبَرَني المُنْذِرِيُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : الحِنْثُ الحُلُمُ ، والْحِنْثُ : الشِّرْكُ. قال الله تعالى : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [الواقِعَة : ٤٦] وأنشد :

* من يَتشَاءَمْ بالهدى فالحِنْثُ شَرّ*

٢٧٧

أي الشِّرْكُ شَرٌّ.

قال : والْحِنْثُ : حِنْثُ اليمين إذا لم تَبرَّ وفي الحديث «من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ من الولد لم يبلغوا الحِنْثَ دخل من أيّ أبواب الجَنَّة شاء». قال ابنُ شُمَيل : معناه : قبل أن يبلغوا فيُكْتَبَ عليهم الإثمُ.

قال : والحِنْثُ : الإثمُ ، وحَنِثَ في يمينه أي أَثِمَ.

وقال خالد بنُ جَنْبةَ : الحِنْثُ : أن يقول الإنسان غيرَ الحَقِّ.

وقال ابن شُمَيْل : عَلَى فُلان يمينٌ قد حنِثَ فيها ، وعليه أَحْنَاثٌ كثيرة.

وقال مُجَاهِدٌ في قوله : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ).

قال : الحِنْثُ : الذَّنبُ ، ويُصِرُّون ، أي يَدُومون.

والحِنْثُ : المَيلُ مِنْ باطلٍ إلى حَقِّ ، وَمِن حقٍّ إلى باطل.

يقال : قد حَنِثْتُ ، أي مِلتُ إلى هَوَاك عَلَيَّ ، وقد حَنِثْتُ مع الحقِّ عَلَى هوَاك.

ورُوِي عن حَكِيم بن حِزَام أَنهُ قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنتُ أتحنَّثُ بها في الجاهِلية مِن صلة رَحِم وصَدَقةٍ هل لي فيها مِن أَجْرٍ؟ فقال لهُ عَليه السَّلام : أَسْلَمتَ عَلَى ما سَلَف لك مِنْ خَير» يُرِيدُ بقوله : كنتُ أتحَنَّث أي أتَعَبَّدُ وألْقِي بها الحِنْثُ ، وهو الإثم ، عن نفسي.

ويُقالُ للشيء الذي يَختلفُ فيه النَّاس فيحتَمِلُ وجهين : مُحْلِفٌ ، ومُحْنِث.

ح ث ف

حفث ، فحث (حثف ، فثح) : [مستعملات].

حفث : أبو عُبَيد عن الأحمر : الحَفِثُ والفَحِثُ : الذي يكونُ مع الكَرِشِ وهو يُشْبهها.

وقال الليث : الحفْثَةُ : ذَاتُ الطَّرَائق من الكَرِش كأَنها أَطْبَاقُ الفَرْثِ.

وأَنشد الليثُ :

لا تُكْرِبَنَّ بَعْدَها خُرْسِيّا

إنّا وَجَدْنَا لَحْمَها رَدِيّاً

الكِرْشَ والحِفْثَة والمَرِيّا

[فحث] : وقال أبو عَمْرُو : الفَحِثُ : ذاتُ الطَّرَائق والقِبَةُ الأخرَى إلى جَنْبه. وليس فيها طرائق قال : وفيها لُغَاتٌ : حَفِثٌ ، وحَثِفٌ ، وحِفْثٌ ، وحِثْفٌ : وقيل : فِثْحٌ ، وثِحْفٌ ، ويُجْمْعُ الأحْثَافَ والأفْثَاحَ والأثحَافَ ، كُلٌّ قد قيلَ.

وقال شَمِر : الحُفَّاثُ : حَيَّةٌ ضخمٌ عظيمُ الرَّأْسِ أَرْقَشُ أحْمَرُ أكْدَرُ ، يُشْبُه الأسْوَد وليس به ، إذا حَرَّبْته انتَفَخَ ورِيدُه.

وقال ابنُ شميل : هو أكبرُ مِنَ الأرْقَم ، ورَقَشُه مِثلُ رَقَشِ الأرْقم ، لا يَضُرُّ أحداً ، وجَمْعُه حَفَافِيثُ. وقال جرير :

إنَ الحفَافيثَ عِنْدِي يا بَنِي لَجأٍ

يُطرِقْنَ حِينَ يصُولُ الحيَّةُ الذَّكَرُ

وقال الليثُ : الحُفَّاثُ : ضَرْبٌ من الحيَّات يأْكلُ الحشيشَ لا يضُرّ شيئاً.

ويقال للغَضْبان إذا انْتَفختْ أوْدَاجه : قدِ احرَنفَشَ حُفَّاثُه.

٢٧٨

وفي «النَّوَادرِ» : افتحَثْتُ ما عند فُلَانٍ وابْتَحَثتُ بمعنى واحدٍ.

ح ث ب

استعمل من وجوهه : بحث ، حبث.

بحث : قال الليث : البَحْثُ : طلَبُك الشيءَ في التُّرَاب ، والبَحْث : أن تسألَ عن شيءٍ وتَسْتَخْبر ، يُقَالُ : بحَثْتُ أبحَثُ بَحْثاً ، واسْتَبْحَثتُ ، وابْتَحَثْتُ ، وتَبَحَّثْتُ بمعْنى واحدٍ.

والبَحُوث مِن الإبل : التي إذا سارَتْ بحثتِ التُّرَابَ بأيْديها أُخُراً ، أي ترْمي به إلى خَلفها ، قاله أبو عَمْرو.

وقال أبو زيد وابن شميل : البَاحِثَاءُ من جِحَرَةِ اليَرابيع : تُرَابٌ يُخَيَّلُ إلَيْكَ أنه القاصِعاءُ وليْسَ بها ، والجميع بَاحِثَاوَات. وسورةُ برَاءَة كانَ يُقالُ لها : البَحُوث : لأنها بحثَتْ عنِ المنافقِينَ وأسْرَارِهم.

وقال ابن شُمَيْل : البُحَّيْثى مِثال خُلَّيْطَى : لُعْبَةٌ يلعبون بها بالتُّرَاب.

قال : والبحْث : المَعْدِن يُبْحَث فيه عن الذَّهب والفِضَّة.

قال : والبُحَاثةُ : الترَاب الَّذي يُبْحَثُ عمّا يُطلَب فيه.

وقال شمر : البُحْثَة جاء في الحديث أنّ غُلَامَيْنِ كانا يَلعَبَانِ البُحْثةَ ، وهو لَعِبٌ بالتُّرَابِ.

حبث : ينشد للأصْمَعي في أُرجوزَةٍ له :

* أَوْمَجّ أَنْيَابٍ قُزَاتٍ أوْ حَبِث *

والقُزَات : جَمْع قُزَة : مِن الحَيّات ، وكذلك الحِبْثُ.

قُلت : لا أَعرِف الحَبِث.

ح ث م

أهمله الليث واستعمل من وجوهه : حثم.

حثم : أبو العبَّاس عن ابن الأعرابي : الحُثُمُ : الطُّرُق العالية.

وسمعت العرب تقول للرَّابية : الحَثَمة ، يقال : انزِل بهاتِيك الحَثَمَة ، وجمعها حَثَمات ، ويَجوز حَثْمَة بسكون الثّاء ، ومنه ابن أبي حَثْمَةَ.

٢٧٩
٢٨٠