الكشف والبيان - ج ٩

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٩

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

والثاني : أن الصبي وإن كانت له طهارة فليست بكاملة لأن النية لا تصحّ منه ، فإذا جاز أن يحمله على طهر غير كامل جاز أن يحمله محدثا والله أعلم.

(تَنْزِيلٌ) أي منزل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) فسمي المنزّل تنزيلا على اتّساع اللغة ، كما تقول للمقدور قدر وللمخلوق خلق ، وهذا الدرهم ضرب الأمير ووزن سبعة ، ونحوها (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) يعني القرآن (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قال ابن عباس : مكذبون.

مقاتل بن حيان : كافرون ، ونظيره (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (١).

وقال ابن كيسان : المدهن الذي لا يفعل ما يحق عليه ويدفعه بالعلل.

وقال المؤرخ : المدهن المنافق الذي ليّن جانبه ليخفي كفره. وادّهن وداهن واحد وأصله من الدهن. وقال مجاهد : تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم.

وقال بعض أئمّة اللغة : (مُدْهِنُونَ) أي تاركون للحزم في قبول هذا القرآن والتهاون بأمره ، ومداهنة العدو وملاينته مكان ما يجب من مغالظته ، وأصله من اللين والضعف.

قال أبو قيس بن الأسلت :

الحزم والقوة خير من الإدهان

والفكّة والهاع (٢)

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) حظكم ونصيبكم من القرآن (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).

قال الحسن : في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلّا التكذيب به.

وقال آخرون : هذا في الاستسقاء بالأنواء.

أنبأني عبد الله بن حامد ، أنبأنا محمد بن الحسن ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، حدّثنا النضر بن محمد ، عكرمة ، حدّثنا أبو زميل حدّثني ابن عباس قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة وضعها الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء (٣) كذا وكذا» [٢٠٧] (٤).

قال : فنزلت هذه الآية.

(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) حتى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ، وشرح قول ابن عباس هذا في سبب نزول هذه الآية ما روي عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في سفر فنزلوا فأصابهم

__________________

(١) سورة القلم : ٩.

(٢) لسان العرب : ١٠ / ٤٧٦ وفيه : الإشفاق ، بدل : الادهان.

(٣) في نسخة : بنو ، بدل : نوء.

(٤) السنن الكبرى : ٣ / ٣٥٨ ، والمعجم الكبير : ١٢ / ١٥٣.

٢٢١

العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون سقينا هذا المطر بنوء كذا» (١) [٢٠٨].

فقالوا : يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء.

قال فصلى ركعتين ودعا ربه فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملئوا الأسقية فثم ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمرّ برجل يغترف بقدح له وهو يقول : سقينا بنوء فلان ، ولم يقل : هذا من رزق الله ، فأنزل الله عزوجل (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) أي شكركم لله على رزقه إياكم (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بالنعمة وتقولون : سقينا بنوء كذا، وهذا كقول القائل : جعلت العطاء إليك إساءة منك إليّ ، وجعلت شكر إكرامي لك أنك اتخذتني عدوا ، فمجاز الآية : وتجعلون شكر رزقكم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) ونحوها.

قال الشاعر :

وكان شكر القوم عند المنن

كنّ الصحيحات وقفا الأعين

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدّثنا أحمد ، حدّثنا أبي ، حدّثنا حصين عن هارون بن سعد عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن عن علي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ : (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون).

وذكر الهيثم عن عدي أن من لغة أزد شنوءة (٣) : ما رزق فلان ، بمعنى ما شكر (٤).

وأنبأني عقيل ، المعافي ، محمد بن جرير حدّثني يونس ، سفيان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ان الله سبحانه وتعالى ليصبح عباده (٥) بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح قوم كافرين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا» [٢٠٩] (٦).

قال محمد : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وهو يستسقي فلما استسقى التفت إلى العباس فقال : يا عم رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟

__________________

(١) أسباب نزول الآيات : ٢٧١.

(٢) سورة يوسف : ٨٢.

(٣) على وزن فعولة (لسان العرب : ١ / ١٠٣) ، وهي قبيلة سميت لشنآن بينهم ، قاله الفيروزآبادي.

(٤) راجع زاد المسير لابن الجوزي : ٧ / ٢٩٤ ، وتفسير القرطبي : ١ / ١٧٨.

(٥) في المصدر : [القوم].

(٦) جامع البيان للطبري : ٢٧ / ٢٧١ ، والدر المنثور : ٦ / ١٦٤.

٢٢٢

فقال : «العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا» قال : فما مضت سابعة حتى مطروا [٢١٠] (١).

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن خالد ، أخبرنا داود بن سليمان ، حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا هاشم بن القاسم ، حدّثنا محمد بن طلحة ، عن طلحة عن عبد الله بن محيريز قال : دعاه سليمان بن عبد الملك فقال : لو تعلّمت علم النجوم فازددت إلى علمك.

فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ان أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث : حيف الأئمة وتكذيبا بالقدر وإيمانا بالنجوم» (٢) [٢١١].

ثم خاطبهم خطاب التحذير والترهيب فقال عزّ من قائل : (فَلَوْ لا) فهلّا (إِذا بَلَغَتِ) يعني النفس (الْحُلْقُومَ) عند خروجها من الجسد فاختزل النفس لدلالة الكلام عليه.

كقول الشاعر :

أماويّ ما يغني الثراء عن الفنى

إذا حشرجت يوما وضاق به الصدر

(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إلى أمري وسلطاني.

وقال ابن عباس : يريد : من حضر الميت من أهله ينظرون إليه متى تخرج نفسه.

قال الفراء : وذلك معروف من كلام العرب أن يخاطبوا الجماعة بالفعل كأنهم أهله وأصحابه ، والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا فيقولوا : قتلتم فلانا والقاتل منهم واحد.

ويقولون لأهل المسجد إذا آذوا رجلا بالازدحام : اتقوا الله فإنكم تؤذون المسلمين (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) بالقدرة والعلم ولا قدرة لكم على دفع شيء عنه.

قال عامر بن عبد قيس : ما نظرت إلى شيء إلّا رأيت الله سبحانه أقرب إليّ منه.

وقال بعضهم : أراد : ورسلنا الذين يقبضون.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) مملوكين ومحاسبين ومجزيين.

فإن قيل : فأين جواب قوله (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ) وقوله (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ)؟

قلنا : قال الفراء : إنهما أجيبا بجواب واحد ، وهو قوله (تَرْجِعُونَها) وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد فهذا من ذلك ، ومنه قوله (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا

__________________

(١) مسند الحميدي : ٢ / ٤٣٢ ، وجامع البيان للطبري : ٢٧ / ٢٧١.

(٢) الجامع الصغير : ١ / ٤٧ ح ٢٧٩ ، وكنز العمال : ٦ / ١٥ ح ١٤٦٣٢ بتفاوت يسير.

٢٢٣

خَوْفٌ عَلَيْهِمْ). أجيبا بجواب واحد ، وهما جزآن ومن ذلك قوله (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) (١).

وقيل : في الآية تقديم وتأخير مجازها (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها) أي تردّون نفس هذا الميت إلى جسده (إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) ، ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وفي البعث ، وبيّن درجاتهم فقال (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وهم السابقون (فَرَوْحٌ) قرأ الحسن وقتادة ويعقوب : بضم الراء على معنى أن روحه تخرج في الريحان. قاله الحسن.

وقال قتادة : الروح الرحمة ، وقيل : معناه فحياة وبقاء لهم ، وذكر أنها قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا محمد بن نعيم ، أخبرنا الحسين بن أيوب ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، أخبرنا أبو عبيد ، حدّثنا مروان بن معاوية عن أبي حماد الخراساني عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ هذا الحرف : (فَرُوحٌ وَرَيْحانٌ) بضم الراء.

وباسناده عن أبي عبيد ، حدّثنا حجاج عن هارون وأخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا عمر ابن الحسن ، أخبرنا أحمد ، حدّثنا أبي ، حدّثنا الحسين عن عبيد الله البصري عن هارون بن موسى المعلم أخبرني بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ (فَرُوحٌ وَرَيْحانٌ) بضم الراء.

وقرأ الآخرون : بفتح الراء.

واختلفوا في معناه ، فقال ابن عباس ومجاهد : فراحة. سعيد بن جبير : فرح. الضحّاك : مغفرة ورحمة.

(وَرَيْحانٌ) قال ابن عباس : مستراح. مجاهد وسعيد بن جبير : رزق. قال مقاتل : هو بلسان حمير ، يقال : خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه.

قال الربيع بن خثيم وابن زيد : (فَرَوْحٌ) عند الموت (وَرَيْحانٌ) يخبّأ له في الآخرة.

وقال الآخرون : هو الريحان المعروف الذي يشمّ.

قال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمّه ثم يقبض (٢).

(وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) قال أبو بكر الوراق : الرّوح : النجاة من النار ، والريحان : دخول دار القرار.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٨.

(٢) تفسير الطبري : ٢٧ / ٢٧٦.

٢٢٤

الترمذي : الروح : الراحة في القبر ، والريحان : دخول الجنة.

بسام بن عبد الله : الروح : السلامة ، والريحان : الكرامة.

شعر : (١) الروح معانقة الأبكار والريحان موافقة الأبرار بحران الروح كشف الغطاء والريحان الروية واللقاء.

وقيل : الروح : الراحة ، والريحان : النجاة من الآفة ، وقيل : الروح : الموت على الشهادة ، والريحان : نداء السعادة ، وقيل : الروح : كشف الكروب ، والريحان : غفران الذنوب ، وقيل : الروح : الثبات على الايمان ، والريحان : نيل الأمن والأمان.

وقيل : الروح فضلة ، والريحان : [فضالة (٢)]. وقيل : الروح تخفيف الحساب ، والريحان : تضعيف الثواب.

وقيل : الروح عفو بلا عتاب ، والريحان : رزق بلا حساب.

ويقال : (فَرَوْحٌ) للسابقين (وَرَيْحانٌ) للمقتصدين (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) للطالبين.

وقيل : الروح لأرواحهم ، والريحان لقلوبهم والجنة لأبدانهم والحق لأسرارهم.

(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ) رفع على معنى : فلك سلام ، وهو سلام لك ، أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتمّ لهم فإنهم سلموا من عذاب الله.

وقال الفراء : مسلّم لك أنهم من أصحاب اليمين. أو يقال لصاحب اليمين : إنه مسلم لك أنك (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) وقيل : فسلام عليك (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ).

(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) وهم أصحاب المشأمة (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وإدخال النار (إِنَّ هذا) الذي ذكروا (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أي الحق اليقين فأضافه إلى نفسه ، وقد ذكرنا نظائره.

قال قتادة : في هذه الآية : إن الله عزوجل ليس تاركا أحدا من الناس حتى يقفه على اليقين من هذا القرآن ، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة ، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فصلّ بذكر ربك وأمره. وقيل : فاذكر اسم ربك (الْعَظِيمِ) وسبّحه.

__________________

(١) كذا في المخطوط وليس هو بشعر.

(٢) في المخطوط فضلة في الموضعين.

٢٢٥

أخبرنا ابن فنجويه ، حدّثنا ابن شنبه ، حدّثنا حمزة بن محمد الكاتب ، حدّثنا نعيم بن حماد ، حدّثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمّه وهو إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال : «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اجعلوها في سجودكم» (١) [٢١٢].

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ ، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحافظ أخبرنا أبو بكر بن أبي عاصم النبيل ، حدّثنا الحوصي ، حدّثنا بقية ، عن يحيى بن سعيد ، عن خالد بن معدان عن أبي بلال عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ بالمسبّحات قبل أن يرقد ويقول : «إن فيهن آية أفضل من ألف آية» [٢١٣] (٢).

قال : يعني بالمسبحات : الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.

__________________

(١) مسند أحمد : ٤ / ١٥٥.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ١٢٨.

٢٢٦

سورة الحديد

مدنية وهي ألفان وأربعمائة وستة وسبعون حرفا

وخمسمائة وأربع وأربعون كلمة وتسع وعشرون آية

أخبرنا أبو الحسين المقرئ ، حدّثنا أبو بكر الاسماعيلي ، حدّثنا وأبو الشيخ الأصفهاني قالا ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك ، حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي ، حدّثنا سلام بن سليم المدايني ، حدّثنا هارون بن كثير ، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسوله» [٢١٤] (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨))

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) يعني (هُوَ الْأَوَّلُ) قبل كل شيء بلا حد ولا ابتداء ، كان هو ولا شيء موجود (وَالْآخِرُ) بعد فناء كل شيء (وَالظَّاهِرُ) الغالب العالي على كل شيء ، وكل شيء دونه (وَالْباطِنُ) العالم بكل شيء ، فلا أحد أعلم منه.

وهذا معنى قول ابن عباس.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ٩ / ٣٨١.

٢٢٧

وقال ابن عمر : (الْأَوَّلُ) بالخلق (وَالْآخِرُ) بالرزق ، (وَالظَّاهِرُ) بالاحياء (وَالْباطِنُ) بالإماتة.

وقال الضحّاك : هو الذي أول الأول وآخر الاخر ، وأظهر الظاهر وأبطن الباطن.

مقاتل بن حيان : (هُوَ الْأَوَّلُ) بلا تأويل أحد ، (وَالْآخِرُ) بلا تأخير أحد (وَالظَّاهِرُ) بلا إظهار أحد (وَالْباطِنُ) بلا إبطان أحد.

وقال يمان : (هُوَ الْأَوَّلُ) القديم ، (وَالْآخِرُ) الرحيم ، (وَالظَّاهِرُ) الحليم ، (وَالْباطِنُ) العليم.

وقال محمد بن الفضل : (الْأَوَّلُ) ببرّه (وَالْآخِرُ) بعفوه ، (وَالظَّاهِرُ) بإحسانه (وَالْباطِنُ) بسرّه.

وقال أبو بكر الوراق : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالأزلية (وَالْآخِرُ) بالأبدية ، (وَالظَّاهِرُ) بالأحدية (وَالْباطِنُ) بالصمدية.

عبد العزيز بن يحيى : هذه الواوات مقحمة والمعنى : هو الأول الآخر الظاهر الباطن ، لأن من كان منا أولا لا يكون آخرا ، ومن كان ظاهرا لا يكون باطنا.

وقال الحسين بن الفضل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بلا ابتداء ، (وَالْآخِرُ) بلا انتهاء ، (وَالظَّاهِرُ) بلا اقتراب ، (وَالْباطِنُ) بلا احتجاب.

وقال القناد : (الْأَوَّلُ) السابق إلى فعل الخير والمتقدم على كل محسن إلى فعل الإحسان ، (وَالْآخِرُ) الباقي بعد فقد الخلق ، والخاتم بفعل الإحسان ، (وَالظَّاهِرُ) الغالب لكل أحد ، ومن ظهر على شيء فقد غلبه ، (وَالظَّاهِرُ) أيضا : الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر ، (وَالظَّاهِرُ) أيضا : ظهر للعقول بالإعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على أعين الناظرين ، (وَالْباطِنُ) الذي عرف المغيّبات وأشرف على المستترات ، (وَالْباطِنُ) أيضا : الذي خفي عن الظواهر فلم يدرك إلّا بالسرائر.

وقال السدي : (الْأَوَّلُ) ببرّه إذ عرّفك توحيده ، (وَالْآخِرُ) بجوده إذ عرّفك التوبة على ما جنيت ، (وَالظَّاهِرُ) بتوفيقه إذ وفقك للسجود له ، (وَالْباطِنُ) بستره إذ عصيته فستر عليك.

وقال ابن عطاء : (الْأَوَّلُ) بكشف أحوال الدنيا حتى لا يرغبوا فيها ، (وَالْآخِرُ) بكشف أحوال العقبى حتى لا يشكّوا فيها ، (وَالظَّاهِرُ) على قلوب أوليائه حتى يعرفوه ، (وَالْباطِنُ) عن قلوب أعدائه حتى ينكروه.

وقيل : (الْأَوَّلُ) قبل كل معلوم ، (وَالْآخِرُ) بعد كل مختوم ، (وَالظَّاهِرُ) فوق كل مرسوم ، (وَالْباطِنُ) محيط بكل مكتوم.

وقيل (هُوَ الْأَوَّلُ) بإحاطة علمه بذنوبنا قبل وجود ذنوبنا ، (وَالْآخِرُ) بسترها علينا في عقبانا ، (وَالظَّاهِرُ) بحفظه إيانا في دنيانا ، (وَالْباطِنُ) بتصفية أسرارنا وتنقية أذكارنا.

٢٢٨

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالتكوين ، بيانه قوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) (وَالْآخِرُ) بالتلقين ، بيانه قوله (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) الآية.

(وَالظَّاهِرُ) بالتبيين بيانه (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (٣) (وَالْباطِنُ) بالتزيين بيانه (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤).

وقال محمد بن علي الترمذي : (الْأَوَّلُ) بالتأليف (وَالْآخِرُ) بالتكليف (وَالظَّاهِرُ) بالتصريف ، (وَالْباطِنُ) بالتعريف.

وقال الجنيد : (هُوَ الْأَوَّلُ) بشرح القلوب ، (وَالْآخِرُ) بغفران الذنوب ، (وَالظَّاهِرُ) بكشف الكروب ، (وَالْباطِنُ) بعلم الغيوب.

وسأل عمر كعبا عن هذه الآية فقال : معناها أن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالهيبة والسلطان ، (وَالْآخِرُ) بالرحمة والإحسان ، (وَالظَّاهِرُ) بالحجة والبرهان ، (وَالْباطِنُ) بالعصمة والامتنان.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالعطاء ، (وَالْآخِرُ) بالجزاء ، (وَالظَّاهِرُ) بالثناء ، (وَالْباطِنُ) بالوفاء.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالبرّ والكرم ، (وَالْآخِرُ) بنحلة القسم ، (وَالظَّاهِرُ) بإسباغ النعم ، (وَالْباطِنُ) بدفع النقم.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالهداية ، (وَالْآخِرُ) بالكفاية ، (وَالظَّاهِرُ) بالولاية ، (وَالْباطِنُ) بالرعاية.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بالانعام ، (وَالْآخِرُ) بالإتمام ، (وَالظَّاهِرُ) بالإكرام ، (وَالْباطِنُ) بالإلهام.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بتسمية الأسماء ، (وَالْآخِرُ) بتكملة النعماء ، (وَالظَّاهِرُ) بتسوية الأعضاء ، (وَالْباطِنُ) بصرف الأهواء.

وقيل : (هُوَ الْأَوَّلُ) بإنشاء الخلائق ، (وَالْآخِرُ) بافناء الخلائق ، (وَالظَّاهِرُ) بإظهار الحقائق ، (وَالْباطِنُ) بعلم الدقائق.

وقال الواسطي : لم يدع للخلق نفسا (٥) بعد ما أخبر عن نفسه أنه (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ).

__________________

(١) سورة يس : ٨٢.

(٢) سورة إبراهيم : ٢٧.

(٣) سورة النساء : ٢٦.

(٤) سورة الحجرات : ٧.

(٥) كذا في المخطوط.

٢٢٩

وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت الشبلي يقول : في هذه الآية أشياء ساقطة فإني أول آخر ظاهر باطن.

(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أخبرنا شعيب بن محمد أخبرنا مكي بن عبدان أخبرنا أحمد بن الأزهر حدّثنا روح بن عبادة ، حدّثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال : «هل تدرون ما هذا؟» قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «هذا العنان هذا روايا الأرض يسوقه الله عزوجل إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه» ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإنها الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ».

قال : «فكم تدرون بينكم وبينها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإن بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة» قال : «هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإن فوقها سماء أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة» حتى عدّد سبع سماوات بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة.

ثم قال : «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء السابعة مثلما بين سماءين».

ثم قال : «هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإنها الأرض».

قال : «فهل تدرون ما تحتها؟» قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «فإن تحتها أرضا أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدّد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة» ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السفلى لهبط على الله» [٢١٥] ثم قرأ (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ومعناه بالعلم والقدرة والخلق والملك.

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أبا مكي ، أخبرنا أحمد بن منصور المروزي ، حدّثنا علي ابن الحسن ، حدّثنا أبو حمزة عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألته خادما فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك أن تقولي : اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، فالق (الْحَبِّ وَالنَّوى) أعوذ بك من شر كل شيء أنت أخذ بناصيته ،

٢٣٠

أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنّا الدين وأغننا من الفقر» (١) [٢١٦].

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ (وَالْأَرْضَ) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أخبرني ابن فنجويه ، حدّثنا عمر بن الخطاب ، حدّثنا عبد الله بن الفضل حدّثني أحمد بن وركان ، حدّثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : قلت لعبد الله بن المبارك : كيف نعرف ربنا عزوجل؟ قال : في السماء السابعة على عرشه ، ولا تقول كما قالت الجهمية : هاهنا في الأرض.

وقد ذكرنا معنى الاستواء وحققنا الكلام فيه فأغنى عن الإعادة.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ) بالعلم والقدرة (أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) مملّكين ، معمرين فيه (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) في ظهر آدم بان الله ربكم لا إله لكم سواه. قاله مجاهد.

وقيل : (أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) بأن ركّب فيكم العقول وأقام الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول.

وقراءة العامة : بفتح الهمزة والقاف.

وقرأ أبو عمرو بضمّهما على وجه ما لم يسمى فاعله. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يوما من الأيام ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام على حقيقة الإسلام وصحة نبوة المصطفى عليه‌السلام.

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١))

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ) الله بالقرآن ، وقيل : (لِيُخْرِجَكُمْ) الرسول بالدعوة (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).

__________________

(١) مسند أحمد : ٢ / ٣٧٠ ، ومجمع الزوائد : ١ / ٨٥ ، وجامع البيان للطبري : ٢٨ / ١٩٦.

٢٣١

(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ثم بيّن سبحانه فضل السابقين في الانفاق والجهاد فقال عزّ من قائل (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) يعني : فتح مكة في قول أكثر المفسرين.

وقال الشعبي : هو صلح الحديبية قال : وقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله أفتح هو؟ قال : «نعم عظيم» (١).

(وَقاتَلَ) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ) أي من بعد الفتح (وَقاتَلُوا).

أخبرني عقيل أن المعافى أخبرهم عن محمد بن جرير حدّثني ابن البرقي ، حدّثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن أبي سعيد التمار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم».

قال : من هم يا رسول الله؟ قريش.

قال : «لا هم أرق أفئدة وألين قلوبا» وأشار بيده إلى اليمن فقال : «هم أهل اليمن ، ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقلنا : يا رسول الله هم خير منّا؟

قال : «والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدرك مدّ أحدهم (٢) ولا نصيفه» ثم جمع أصابعه ومدّ خنصره فقال : «ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ)» (٣) [٢١٧].

وروى محمد بن الفضل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، وفي هذه الآية دلالة واضحة وحجة بيّنة على فضل أبي بكر بتقديمه لأنه أول من أسلم (٤).

__________________

(١) تفسير الطبري : ٢٧ / ٢٨٧.

(٢) في المصدر : أحدكم.

(٣) جامع البيان للطبري : ٢٧ / ٢٨٨.

(٤) اتفقت الرواية عن النبي والصحابة والتابعين بكون علي أول من أسلم وأول من صلى وأول من آمن :

حقيقة إسلام علي عليه‌السلام

المحقق كون أمير المؤمنين عليه‌السلام أول المتبعين لرسول الله عن وعي ويقين :قال المسعودي فيمن استنقص الأمير بصغر سنه عند إسلامه : وهذا قول من قصد إلى إزالة فضائله ودفع مناقبه ؛ ليجعل إسلامه اسلام طفل صغير ، وصبي غرير لا يفرق بين الفضل والنقصان ، ولا يميز بين الشك واليقين ، ولا يعرف حقا فيطلبه ولا باطلا فيجتنبه (التنبيه والأشراف : ١٩٨ ذكر التاريخ من مولد الرسول).

وقال : ذهب كثير من الناس إلى أنه لم يشرك بالله شيئا فيستأنف الإسلام (مروج الذهب : ٢ / ٤٠٠ ط. مصر ١٣٤٦ ه‍ ، وط. بيروت ٢ / ٢٧٦ ذكر مبعثه وما جاء في ذلك إلى هجرته).

وقال المقريزي : أما علي فلم يشرك بالله قط ، فعند ما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي وأخبر خديجة وصدّقت

٢٣٢

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أبو بكر ، أخبرنا أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا محمد بن أيوب ، أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ، حدّثنا عكرمة بن عماد ، حدّثنا شداد بن عبد الله أبو عمار

__________________

كانت هي وعلي. فلم يحتج علي أن يدعى ولا كان مشركا حتى يوحّد فيقال أسلم ، هذا هو التحقيق (أمتاع الأسماع : ١ / ١٦ ـ ١٧ تحقيق محمود شاكر ط. مصر).

ونحوه عن العامري (الرياض المستطابة : ١٦٨ ترجمته).

وقال أبو جعفر الاسكافي بعد ذكر حديث الدار :

فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز؟! وغير عاقل؟! وهل يؤتمن على سرّ النبوة طفل؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلّا عاقل لبيب؟! وهل يضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالاخرة والوصية والخلافة إلّا وهو أهل لذلك؟! بالغ حدّ التكليف محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه ، وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ولم يلصق بأشكاله ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟!.

بل ما رأيناه إلّا ماضيا على إسلامه ، مصمما في أمره محققا لقوله بفعله ، قد صدّق إسلامه بعفافه وزهده ولصق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين جميع من بحضرته.

وقد ذكر هو عليه‌السلام في كلامه وخطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم لمّا دعا رسول الله الشجرة فأقبلت تخذ الأرض فقالت قريش : ساحر حفيف السحر.

فقال علي عليه‌السلام : «يا رسول الله أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به ، وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وبرهانا على دعوتك».

فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان؟! وأوثق عقدة وأحكم مرّة؟! ولكن حنف العثمانية وغيظهم وعصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه (شرح النهج : ١٣ / ٢٤٤ الخطبة ٢٣٨ ، والغدير : ٢ / ٢٨٧ عن كتابه على العثمانية).

(علي أول من أسلم)

قال ابن عبد البر في الاستيعاب : وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم : «أن علي بن أبي طالب أول من أسلم وفضّله هؤلاء على غيره». (الاستيعاب : ٣ / ١٥ ترجمة علي ، وجواهر العقدين : ٤٦٢ الباب الخامس عشر).

وروي حديث أولية إسلامه عن كل من : زيد بن أرقم (مسند أحمد : ٤ / ٣٦٧ ـ ٣٧١ ط. م و٥ / ٤٩٩ ط. ب ، وصحيح الترمذي : ٥ / ٦٤٢ ح ٣٧٣٤ ـ ٣٧٣٥). وعن حبة العرني (مسند أبي حنيفة : ٢٤٧ ط. مصر) ، وجابر (الإصابة : ٨ / ١٨٣ القسم ١ ط. مصر) ، والحارث (اسد الغابة : ٥ / ٥٢٠) ، وابن عباس (مستدرك الصحيحين : ٣ / ١٣٣ وخصائص النسائي : (٤٥ ح ٢٣) ، وابي هريرة (كنز العمال : ١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٥) ، ومالك بن الحويرث (المعجم الكبير : ١٩ / ٢٩١ ترجمته) ، وأبي موسى الاشعري (مستدرك الصحيحين : ٣ / ٤٦٥ مناقب أبي موسى الاشعري) ، وعفيف الكندي (مستدرك الصحيحين : ٣ / ١٨٣ فضائل خديجة) ، وسعد بن أبي وقاص (مستدرك الصحيحين : ٣ / ٥٠٠ مناقب سعد) ، وعمر (ذخائر العقبى : ٥٨ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : ١٣ / ٢٣٠ خطبة ٢٣٨) ، وسلمان والمقداد وابي سعيد وخباب وابي ذر (شرح النهج لابن أبي الحديد :١٣ / ٢٣٠ خطبة ٢٣٨ ، والمعجم الكبير : ٥ / ٨٤ ح ٤٦٥٢ ترجمة زيد بن الحارث ، و٦ / ٢٦٥ ترجمة سلمان ما روي عنه الكندي ، والاستيعاب : ٢ / ٤٥٨ ، ومستدرك الصحيحين : ٣ / ١٣٦ مناقب الأمير) ، وأبي رافع وبريدة (المعجم الكبير : ٢٢ / ٤٥٢ ترجمة خديجة ، ومجمع الزوائد : ٩ / ٢٢٠ ط. مصر وبغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد : ٣٥٣ ح ١٥٢٥٨ ، والأوائل : ٣٠ ح ٧٠) ، وأنس (المعجم الكبير : ٢٢ / ٤١١

٢٣٣

وقد كان أدرك نفرا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال أبو امامة لعمرو بن عبسة بأي شيء تدّعي أنك ربع الإسلام؟ قال : إني كنت أرى الناس على الضلالة ولا أرى الأوثان شيئا ، ثم

__________________

ترجمة فاطمة) ، ومحمد بن أبي بكر (مروج الذهب : ٢ / ٥٩ ط. مصر ١٣٤٦ ه‍ ، وط. بيروت ٣ / ١١ ذكر معاوية) والحسن عليه‌السلام (الاستيعاب : ٢ / ٤٥٨ ، والحلية : ٤ / ٢٩٤ ط. مصر ١٣٥١) ، والكلبي (تاريخ الطبري : ٢ / ٥٧ ذكر أول من أسلم) ، وابن عوف

(الفتوح لا بن اعثم : ١ / ٢١٧ كتاب علي لمعاوية) ، وعروة وسلمان بن يسار (أعلام النبوة : ٢٠٥ باب ١٢) ، والمقداد وحبان وجابر وحسن البصري (الائمة الاثنا عشر : ٤٨) ، والأعمش (مناقب ابن المغازلي : ١٠٧ ط. بيروت ـ وط. طهران : ١٥١ ح ١٨٨) ، وأبي أيوب وأم سلمة (مناقب الخوارزمي : ٣٥٣ ح ٣٦٤ فصل ٢٠ و: ١١٢ فصل ٩ ح ١٢٢) ، والصادق عن آبائه (شرح النهج لابن أبي الحديد : ١٣ / ٢٢٧ الخطبة ٢٣٨) ، وعائشة وأسماء (فتح الملك العلي : ٦٧).

علي أول من صلى

روي الحديث عن كل من : ابن عباس (منحة المعبود : ١ / ٨٩ ـ ١٨٠ ح ٢٣٢٣ ـ ٢٦٥٧ والكامل في التاريخ : ١ / ٤٨٤ ذكر اختلاف في أول من أسلم) ، وحبة العرني (الأوائل : ٣٠ ح ٦٨ ، والطبقات الكبرى : ٣ / ١٥ ترجمة علي ، وخصائص النسائي : ١٩ ح ١) ، وزيد بن أرقم وابي حمزة (خصائص النسائي : ٢٢ و٢٦ ح ٢ و٤ ، واسد الغابة : ٤ / ١٧ ، ومسند احمد : ١ / ١٤١ و٤ / ٣٧٠ ط. م و١ / ٢٢٧ و٥ / ٤٩٨ ط. ب) ، ومجاهد (الطبقات الكبرى : ٣ / ١٣ قسم ١ ط. ليدن ١٣٢٢ و٣ / ١٥ ترجمة علي ط. بيروت دار الكتب العلمية) ، وابن إسحاق وجابر (تاريخ الطبري : ٢ / ٥٥ ط. مصر ١٣٥٧ ، وشرح النهج : ١٣ / ٢٢٩ خطبة ٢٣٨ ، وسيرة ابن هشام : ١ / ٢٨١ ط. ب و١ / ٢٦٢ ط. مصر الحلبي) ، وابي مسعود (المعجم الكبير : ١٠ / ١٨٤ ترجمة ابن مسعود ح ١٠٣٩٧) ، وأنس بن مالك (ذخائر العقبى : ٥٩ ، وشرح النهج : ١٣ / ٢٢٨ خطبة ٢٣٨ ، وصحيح الترمذي : ٥ / ٦٤٢ ح ٣٧٣٤) ، وبريدة (مستدرك الصحيحين : ٣ / ١١٢ ذكر إسلامه من كتاب المعرفة) ، وعفيف الكندي (خصائص النسائي : ٢٧ ح ٥ ، ومستدرك الصحيحين : ٣ / ١٨٣ مناقب خديجة ، والكامل في التاريخ : ١ / ٤٨٤) ، وابن مسعود (كنز العمال : ٧ / ٥٦) ، والحكم بن عيينة (ذخائر العقبى : ٥٩) ، ورافع (ذخائر العقبى : ٥٩ ، ومناقب الخوارزمي : ٥٧ ح ٢٤) ، وعبد الله بن نجي (ترجمة علي : ١ / ٦٤ ح ٩١ و٩٢) ، وعمرو بن العاص (الفتوح : ١ / ٤٠١ صفين) ، وهاشم بن عتبة (الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٨٤ حوادث سنة ٣٧).

وأبي أيوب وأنس وعباد بن عبد الله وأبي ذر (شرح النهج : ١٣ / ٢٣٠ خطبة ٢٣٨ ، وترجمة علي من تاريخ دمشق : ١ / ٨٠ ح ١١٢ ، و١١٣ ، ومناقب ابن المغازلي : ٢٥ ط. بيروت ـ وط. طهران : ١٤ ح ١٧ و١٩ ، وتاريخ الطبري : ٢ / ٥٦).

علي أول من عبد الله تعالى

فعن حبة العوني أنه سمع عليا يقول : «اللهم لا أعترف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك ـ ثلاث مرات ـ» مسند أحمد : ١ / ٩٩ ط. م ، و١ / ١٦٠ ط. ب ، وذخائر العقبى : ٦٠ ذكر انه أول من صلى ، ومنتخب كنز العمال : ٥ / ٤٠ ، وكنز العمال : ٦ / ٣٦٥ ط. مصر ، و١٣ / ١٢٦ ح ٣٦٤٠٠ ط. بيروت ، وأسد الغابة :٤ / ١٧ مع تفاوت ، وكنز الفوائد : ١٢٢ ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١٠٢ ط. مصر وبغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد : ١٢٥ ح ١٤٦٠١ ، والاستيعاب : ٢ / ٤٥٨ ، والقول المسدد : ٨٣ الحديث العاشر ، وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم : ٤ / ٣٦ ، خصائص النسائي : ٣ ط. مصر و٣١ ح ٧ ط. بيروت.

وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ : «اللهم إنك تعلم أن لم يعبدك أحد من هذه الأمة بعد نبيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبلي ، ولقد عبدتك قبل أن يعبدك أحد من هذه الأمة بست سنين» المعجم الأوسط : ٢ / ٤٤٤ ح ١٧٦٧.

٢٣٤

سمعت عن رجل يخبرنا أخبار مكة فركبت راحلتي حتى قدمت عليه ، فإذا قومه عليه جرآء قال :

قلت : ما أنت؟

قال : أنا نبي. قلت : وما نبي؟ قال : رسول الله.

قلت : بأي شيء أرسلك؟ قال : «أوحد الله ولا أشرك به شيئا وكسر الأوثان وصلة الأرحام».

قلت : من معك على هذا؟ قال : حرّ وعبد. وإذا معه أبو بكر وبلال ، فأسلمت عند ذلك فلقد رأيتني ربع الإسلام (١).

ولأنه أول من أظهر الإسلام : أخبرنا أبو محمد الأصبهاني ، أخبرنا أبو بكر الصعي ، أخبرنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، أخبرنا أبي ، حدّثنا يحيى بن أبي كثير ، حدّثنا زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله ابن مسعود قال : كان أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمار وأمّه سمية وصهيب وبلال والمقداد.

ولأنه أول من قاتل على الإسلام : أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد الجرجاني بها ، أخبرنا أبو الطاهر محمد بن الحسن

__________________

علي أول من آمن

فعن معاذة العدوية : قال علي عليه‌السلام : «أنا الصديق الأكبر آمنت بالله قبل أن يؤمن أبو بكر» (كنز العمال : ١٣ / ١٦٤ ح ٣٦٤٩٧ ، وترجمة علي من تاريخ دمشق : ١ / ٦٢ ح ٨٨ ، وأنساب الأشراف : ٢ / ١٤٦ ترجمة علي ، وشرح النهج : ١٣ / ٢٢٨ خطبة ٢٣٨.

روى أولية إيمانه كل من : الإمام الحسن عليه‌السلام (المعجم الكبير : ١ / ٩٥ ح ١٦٣ ترجمة علي ـ سنّة ، وشرح النهج : ٦ / ٢٨٨ الخطبة ٨٣) ، وعمرو ابن عباد (خصائص النسائي : ٣ ط. مصر التقدم) ، وليلى الغفارية (الاستيعاب : ٢ / ٧٥٩ ترجمتها) ، وابي ذر ومعاذة العدوية ومعاذ بن جبل (الرياض النضرة : ٢ / ١٥٧ و١٩٨ ، وأنساب الأشراف : ٢ / ٣٦٢) ، وسلمان وأبي (فيض القدير : ٤ / ٢٥٨ ط. مصر ١٣٥٦ ، ومنتخب الكنز : ٥ / ٣٣ ، وذخائر العقبى : ٥٨) ، وأبي رافع (شرح النهج : ١٣ / ٢٢٨ خطبة ٢٣٨) ، ومحمد بن أبي بكر (مروج الذهب : ٢ / ٥٩ ط. مصر ١٣٤٦ ه‍ ، وط. بيروت ٣ / ١١ ذكر معاوية) ، وحذيفة (كنز العمال : ١١ / ٦١٦ ح ٣٢٩٩٠) ، وابي سعيد ومعاذ بن جبل (حلية الأولياء : ١ / ٦٦) ، وعمر (كنز العمال : ٦ / ٣٩٣ ط. مصر و١٣ / ١١٧ ح ٣٦٣٧٨ ط. ب ، ومناقب الخوارزمي : ٥٥ ح ١٩ فصل ٤) ، وجابر (مناقب الخوارزمي : ١١١ فصل ٩ ح ١٢٠) ، ومعاوية بن يزيد (تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٥٤ ايام معاوية بن يزيد) وابن عباس (كنز العمال : ١٣ / ١٢٣ ح ٣٦٣٩٢) ، والمقداد (تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٣ ايام عثمان) ، والأشتر (الفتوح : ١ / ٣٨٨ حرب صفين ـ ما جرى بين علي ومعاوية من الكتب) ، وابن شهاب (شرح النهج : ١ / ٢٢٦ الخطبة ٦) ، وعمرو بن العاص (الفتوح : ١ / ٤٠١ ذكر القوم الذين أنفذهم معاوية لعلي)

(١) صحيح مسلم : ٢ / ٢٠٨.

٢٣٥

المحمدآبادي وحدّثنا أبو قلابة ، حدّثنا يحيى بن أبي كثير ، حدّثنا زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال : أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر رضي‌الله‌عنه. ولأنه أول من أنفق على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سبيل الله.

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدّثنا العلا بن عمرو الشيباني ، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدّثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال فقال : «أنفق ماله عليّ قبل الفتح».

قال : فإن الله عزوجل يقول : اقرأ عليه‌السلام وتقول له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟

فقال أبو بكر : أأسخط؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض.

ولهذا قدّمه الصحابة على أنفسهم وأقروا له بالتقدم والسّبق.

وأخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن يونس عقبة بن سنان ، حدّثنا أبو بشر ، حدّثنا الهيصم بن شداخ عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي‌الله‌عنه قال : سبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر فلا أوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلّا جلدته جلد المفتري وطرح الشهادة!! (١).

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦))

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ) على الصراط (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ).

__________________

(١) ضعف الحفاظ هذا الحديث لأن بعض الصحابة قالت بتفضيل علي رضي‌الله‌عنه على الخلفاء رضي‌الله‌عنهم الذين سبقوه على ما ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب في ترجمة الإمام علي رضى الله عنه.

٢٣٦

قال بعضهم : أراد جميع جوانبهم ، فعبّر بالبعض عن الكل على مذهب العرب في الإيجاز ، ومجازه : عن أيمانهم.

وقال الضحّاك : أراد (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) كتبهم.

وقرأ سهل بن سعد الساعدي : بِإِيْمانِهِمْ بكسر الهمزة ، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة ، وأراد بالنور : القرآن.

قال عبد الله بن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يأتي نوره كالنخلة ومنهم من يؤتي نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا على إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة.

وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره موضع قدميه ، وتقول لهم الملائكة : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)» [٢١٨] (١).

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) قراءة العامة : موصولة أي انتظرونا.

وقرأ يحيى والأعمش وحمزة : (أَنْظِرُونا) بفتح الألف وكسر الظاء أي أمهلونا.

وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني أي انتظرني ، وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم :

أبا هند فلا تعجل علينا

وانظرنا نخبرك اليقينا (٢)

قال : يعني انتظرنا.

(نَقْتَبِسْ) نستضيء (مِنْ نُورِكُمْ) قال المفسرون : إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، وأعطى المنافقين الضالّين كذلك خديعة لهم وهو قوله عزوجل (وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٣).

وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور (٤).

قالوا فبينما هم يمشون إذ بعث الله تعالى ريحا وظلمة فأطفأ نور المنافقين ، فذلك قوله عزوجل (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة قالوا

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٣٣٠.

(٢) شرح المعلقات السبع : ١١٧.

(٣) سورة النساء : ١٤٢.

(٤) التسهيل لعلوم التنزيل : ٤ / ٩٦.

٢٣٧

للمؤمنين (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) من حيث جئتم (فَالْتَمِسُوا) فاطلبوا هناك لأنفسكم (نُوراً) فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) أي سور والباء صلة ، عن الكسائي. وهو حاجز بين الجنة والنار (لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) يعني الجنة (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ) أي من قبل ذلك الظاهر (الْعَذابُ) وهو النار.

أخبرني ابن فنجويه ، حدّثنا أحمد بن ماجة القزويني ، حدّثنا محمد بن أيوب الرازي ، حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : وأخبرني ابن حمدان ، حدّثنا ابن ماهان ، حدّثنا موسى بن إسماعيل حماد عن أبي سنان قال : كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم فحدّث عن أبيه وقرأ (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) الآية ثم قال : أي هذا موضع السور ، يعني وادي جهنم.

وأخبرني ابن فنجويه ، حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني أخبرني أحمد بن عمير بن يوسف ، حدّثنا عبد السلام بن عتيق ، حدّثنا أبو مسهر ، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس حدّثني أبو العوام مؤذن أهل بيت المقدس عن عبد الله بن عمرو قال : إن السور الذي ذكر الله عزوجل في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) سور مسجد بيت المقدس الشرقي باطنه من المسجد (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) الوادي : وادي جهنم.

وأخبرني ابن فنجويه ، حدّثنا السني ، حدّثنا أبو يعلي الموصلي حدّثنا أبو نصر التمار ، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن زياد بن أبي سودة أن عبادة بن الصامت قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكى. فقال بعضهم : ما يبكيك يا أبا الوليد؟ فقال : من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رأى جهنم.

وأخبرني عقيل أن أبا الفرج حدثهم عن محمد بن جرير حدّثني محمد بن عوف ، حدّثنا أبو المغيرة ، حدّثنا صفوان ، حدّثنا شريح أن كعبا يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس أنه الباب الذي قال الله عزوجل (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) الآية.

(يُنادُونَهُمْ) يعني ينادي المنافقون المؤمنين حين حجز بينهم بالسور ، فبقوا في الظلمة والعذاب ، وصار المؤمنون في النور والرحمة (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا نصوم ونصلي ونناكحكم ونوارثكم؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ) أهلكتم (أَنْفُسَكُمْ) بالنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالأيمان.

وقال مقاتل : بل (تَرَبَّصْتُمْ) بمحمد الموت وقلتم : يوشك أن يموت محمد فتستريح (وَارْتَبْتُمْ) شككتم في التوحيد والنبوة (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) للأباطيل.

وقال أبو بكر الورّاق : طول الأمل.

٢٣٨

أخبرني الحسين ، حدّثنا ابن حمدان ، حدّثنا يوسف بن عبد الله ، حدّثنا مسلم بن أدهم حدّثنا همام بن يحيى ، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خط خطوطا وخط خطا منها ناحية فقال : «تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني ، وذلك الخط الأمل بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت» [٢١٩] (١).

وأخبرنا الحسين ، حدّثنا الكندي ، حدّثنا أبو عيسى حمزة بن الحسين بن عمر ، حدّثنا يحيى بن عبد الباقي ، حدّثنا عمرو بن عثمان ، حدّثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال : ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرّة.

(حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) يعني الموت (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي الشيطان. وقرأ سماك بن حرب : بضم الغين يعني الأباطيل.

قال قتادة : كانوا على خدعة من الشيطان وما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار.

(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) بدل وعوض.

قراءة العامة (يُؤْخَذُ) بالياء.

وقرأ ابن عامر والحسن وأبو جعفر ويعقوب بالتاء واختاره أبو حاتم.

(وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني المشركين (مَأْواكُمُ النَّارُ) أي صاحبتكم وأولى بكم وأحق بإن تكون مسكنا لكم.

قال لبيد :

فعذب كلا الفريقين بحسب أنه

مولى المخافة خلقها وإمامها (٢)

(وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) الآية. قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدّثنا عمّا في التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت الآية (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) إلى قوله (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (٣) فخبّرهم بأن هذا القرآن أحسن من غيره وأنفع لهم ، فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم [عادوا] (٤) فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزلت (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية (٥).

فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم [عادوا] أيضا فسألوا فقالوا : حدّثنا عن التوراة فإن فيها العجائب ، ونزلت هذه الآية.

__________________

(١) فتح الباري : ١١ / ٢٠٣ ، وتفسير القرطبي : ١٧ / ٢٤٧.

(٢) الصحاح : ٦ / ٢٥٢٩.

(٣) سورة يوسف : ٣.

(٤) في المخطوط : أعادوا.

(٥) سورة الزمر : ٢٣.

٢٣٩

فعلى هذا القول يكون تأويل الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) في العلانية واللسان.

وقال غيرهما : نزلت في المؤمنين.

قال عبد الله بن مسعود : ملّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله لو حدّثتنا! فأنزل الله عزوجل (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية.

فقالوا : يا رسول الله لو قصصت علينا! فأنزل الله عزوجل (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الآية.

فقالوا : يا رسول الله لو ذكّرتنا ووعظتنا. فأنزل الله عزوجل هذه الآية.

وقال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلّا أربع سنين ، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا.

وقال ابن عباس : إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، فقال (أَلَمْ يَأْنِ) يحن (لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ) ترق وتلين وتخضع (قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ).

قرأ شيبة ونافع وعاصم برواية المفضل وحفص : خفيفة الزاي ، غيرهم : مشددة.

(مِنَ الْحَقِ) وهو القرآن ، قال مجاهد : نزلت هذه الآية في المتعرّبين بعد الهجرة.

أخبرنا عبد الله بن حامد ، حدّثنا محمد بن خالد ، حدّثنا سليمان بن داود ، حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا يزيد بن هارون ، حدّثنا الحسام بن المصك (١) عن الحسن عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أول ما يرفع من الناس الخشوع» [٢٢٠] (٢).

(وَلا يَكُونُوا) يعني وألّا يكونوا ، محله نصب بالعطف على (تَخْشَعَ) قال الأخفش : وإن شئت جعلته نهيا فيكون مجازه : ولا يكونن ، ودليل هذا التأويل رواية يونس عن يعقوب أنه قرأ : (ولا تكونوا) بالتاء.

(كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) وهم اليهود والنصارى. (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) الزمان والدهر والغاية بينهم وبين أنبيائهم (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).

روى الأعمش عن عمارة بن عمير عن الربيع بن عميلة ، حدّثنا عبد الله حدّثنا ، ما سمعت (٣) حدّثنا هو أحسن منه إلّا كتاب الله عزوجل أو رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن بني إسرائيل لما

__________________

(١) في بعض كتب الرجال : حسام بن مصك ، بحذف الألف واللام ، أنظر تهذيب التهذيب : ٢ / ٢١٣ الرقم ٤٤٦.

(٢) مجمع الزوائد : ٢ / ١٣٦ ، والمعجم الكبير : ٧ / ٢٩٥.

(٣) كذا في المخطوط.

٢٤٠