نهج البلاغة - ج ٣

محمد عبده

نهج البلاغة - ج ٣

المؤلف:

محمد عبده


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: مطبعة الإستقامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

إليك بسوء عملى ، تقرّبا إلى عبادك ، وتباعدا من مرضاتك (١).

٢٧٧ ـ وقال عليه السلام : لا والّذى أمسينا منه فى غبر ليلة دهماء تكشر عن يوم أغرّ ما كان كذا وكذا (٢).

٢٧٨ ـ وقال عليه السلام : قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول (٣) [منه]

٢٧٩ ـ وقال عليه السلام : إذا أضرّت النّوافل بالفرائض فارفضوها.

٢٨٠ ـ وقال عليه السلام : من تذكّر بعد السّفر استعدّ.

٢٨١ ـ وقال عليه السلام : ليست الرّويّة كالمعاينة مع الإبصار (٤) فقد

__________________

(١) يستعيذ باللّه من حسن ما يظهر منه للناس وقبح ما يبطنه للّه من السريرة. وقوله «محافظا» حال من الياء فى «سريرتى» و «رثاء الناس» بهمزتين ، أو بياء يعد الراء ـ : إظهار العمل لهم ليحمدوه ، وقوله «بجميع» متعلق برثاء

(٢) غبر الليلة ـ بضم الغين وسكون الباء ـ : بقيتها ، والدهماء : السوداء ، وكشر عن أسنانه ـ كضرب ـ : أبداها فى الضحك ونحوه ، والأغر : أبيض الوجه. يحلف باللّه الذى أمسى بتقديره فى بقية ليلة سوداء تتفجر عن فجر ساطع الضياء ، ووجه التشبيه ظاهر

(٣) اعمل قليلا وداوم عليه فهو أفضل من كثير تسأم منه فتتركه

(٤) الروية ـ بفتح فكسر فتشديد ـ : إعمال العقل فى طلب الصواب ، وهى أهدى إليه من المعاينة بالبصر ، فان البصر قد يكذب صاحبه فيريه العظيم البعيد صغيرا ، وقد يريه المستقيم معوجا كما فى الماء. أما العقل فلا يغش من طلب نصيحته وفى نسخة «ليست الرؤية ـ بضم فهمز ـ مع الابصار» أى : إن الرؤية الصحيحة ليست هى رؤية البصر ، وليس العلم مقصورا على شهود المحسوس ، فان البصر قد يغش ، وإنما البصر بصر العقل فهو الذى لا يكذب ناصحه

٢٢١

تكذب العيون أهلها ، ولا يغشّ العقل من استنصحه.

٢٨٢ ـ وقال عليه السلام : بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرّة (١).

٢٨٣ ـ وقال عليه السلام : جاهلكم مزداد ، وعالمكم مسوّف (٢).

٢٨٤ ـ وقال عليه السلام : قطع العلم عذر المتعلّلين.

٢٨٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ معاجل يسأل الانظار ، وكلّ مؤجّل يتعلّل بالتّسويف (٣).

٢٨٦ ـ وقال عليه السلام : ما قال النّاس لشىء «طوبى له» إلاّ وقد خبأ له الدّهر يوم سوء.

٢٨٧ ـ وسئل عن القدر فقال : طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسرّ اللّه فلا تتكلّفوه (٤).

__________________

(١) الغرة ـ بالكسر ـ : الغفلة.

(٢) أى : جاهلكم يغالى ويزداد فى العمل على غير بصيرة ، وعالمكم يسوف بعمله ـ أى : يؤخره عن أوقاته ـ وبئست الحال هذه

(٣) «كل» بالتنوين فى الموضعين ـ : مبتدأ خبره «معاجل» بفتح الجيم ـ فى الأولى ، و «مؤجل» بفتحها كذلك فى الثانى ، أى : كل واحد من الناس يستعجله أجله ولكنه يطلب الأنظار ـ أى : التأخير ـ وكل منهم قد أجل اللّه عمره وهو لا يعمل تعللا بتأخير الأجل والفسحة فى مدته وتمكنه من تدارك الفائت فى المستقبل.

(٤) فليعمل كل عمله المفروض عليه ، ولا يتكل فى الأعمال على القدر

٢٢٢

٢٨٨ ـ وقال عليه السلام : إذا أرذل اللّه عبدا حظر عليه العلم (١)

٢٨٩ ـ وقال عليه السلام : كان لى فيما مضى أخ فى اللّه ، وكان يعظمه فى عينى صغر الدّنيا فى عينه ، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهى ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتا ، فإن قال بدّ القائلين (٢) ونقع غليل السّائلين ، وكان ضعيفا مستضعفا! فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب وصلّ واد (٣) ، لا يدلى بحجّة حتّى يأتى قاضيا (٤) ، وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر فى مثله حتّى يسمع اعتذاره (٥) ، وكان لا يشكو وجعا إلاّ عند برئه ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السّكوت ، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم ، وكان إذا بدهه أمران (٦) ينظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها ، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ

__________________

(١) أرذله : جعله رذيلا ، و «حظر عليه» أى : حرمه منه

(٢) «بدهم» أى : كفهم عن القول ومنعهم ، ونقع الغليل : أزال العطش

(٣) الليث : الأسد ، والغاب جمع غابة ، وهى الشجر الكثير الملتف يستوكر فيه الأسد ، والصل ـ بالكسر ـ : الحية. والوادى معروف ، والجد ـ بالكسر ـ : ضد الهزل.

(٤) أدلى بحجته : أحضرها.

(٥) أى : كان لا يلوم فى فعل يصح فى مثله الاعتذار إلا بعد سماع العذر.

(٦) بدهه الأمر : فجأه وبغته

٢٢٣

القليل خير من ترك الكثير.

٢٩٠ ـ وقال عليه السلام : لو لم يتوعّد اللّه على معصيته (١) لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمه.

٢٩١ ـ وقال عليه السلام ـ وقد عزى الأشعث بن قيس عن ابن له ـ : يا أشعث ، إن تحزن على ابنك فقد استحقّت منك ذلك الرّحم ، وإن تصبر ففى اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث ، إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور (٢) ، [يا أشعث] ابنك سرّك وهو بلاء وفتنة (٣) وحزنك وهو ثواب ورحمة.

٢٩٢ ـ وقال عليه السلام على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ساعة دفن : ـ إنّ الصّبر لجميل إلاّ عنك ، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك ، وإنّ المصاب بك لجليل ، وإنّه قبلك وبعدك لجلل (٤).

__________________

(١) التوعد : الوعيد. أى : لو لم يوعد على معصيته بالعقاب

(٢) اى : مقترف للوزر ، وهو الذنب ،

(٣) «سرك» أى : أكسبك سرورا ، وذلك عند ولادته ، وهو إذ ذاك بلاء بتكاليف تربيته ، وفتنة بشاغل محبته ، وحزنك : أكسبك الحزن. وذلك عند الموت

(٤) أى : إن المصائب قبل مصيبتك وبعدها هينة حقيرة ، والجلل ـ بالتحريك ـ الهين الصغير. وقد يطلق على العظيم ، وليس مرادا هنا

٢٢٤

٢٩٣ ـ وقال عليه السلام : لا تصحب المائق (١) فإنّه يزيّن لك فعله ، ويودّ أن تكون مثله.

٢٩٤ ـ وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب ، فقال عليه السلام : مسيرة يوم للشّمس

٢٩٥ ـ وقال عليه السلام : أصدقاؤك ثلاثة ، وأعداؤك ثلاثة : فأصدقاؤك صديقك ، وصديق صديقك ، وعدوّ عدوّك. وأعداؤك عدوّك وعدوّ صديقك ، وصديق عدوّك.

٢٩٦ ـ وقال عليه السلام لرجل رآه يسعى على عدوله بما فيه إضرار بنفسه : إنّما أنت كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه (٢)

٢٩٧ ـ وقال عليه السلام : ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار!

٢٩٨ ـ وقال عليه السلام : من بالغ فى الخصومة أثم ، ومن قصّر فيها ظلم (٣) ، ولا يستطيع أن يتّقى اللّه من خاصم.

٢٩٩ ـ وقال عليه السلام : ما أهمّنى ذنب أمهلت بعده حتّى أصلّى

__________________

(١) المائق : الأحمق.

(٢) الردف ـ بالكسر ـ : الراكب خلف الراكب

(٣) قد يصيب الظلم من يقف عند حقه فى المخاصمة فيحتاج للمبالغة حتى يرد إلى الحق ، وفى ذلك إثم الباطل ، وإن كان لنيل الحق «١٥ ـ ن ـ ج ـ ٣»

٢٢٥

ركعتين (١) [وأسأل اللّه العافية]

٣٠٠ ـ وسئل عليه السلام : كيف يحاسب اللّه الخلق على كثرتهم؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم على كثرتهم ، فقيل : كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم ولا يرونه

٣٠١ ـ وقال عليه السلام : رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك!

٣٠٢ ـ وقال عليه السلام : ما المبتلى الّذى قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذى لا يأمن البلاء!

٣٠٣ ـ وقال عليه السلام : النّاس أبناء الدّنيا ، ولا يلام الرّجل على حبّ أمّه :

٣٠٤ ـ وقال عليه السلام : إنّ المسكين رسول اللّه (٢) فمن منعه فقد منع اللّه ، ومن أعطاه فقد أعطى اللّه

٣٠٥ ـ وقال عليه السلام : ما زنى غيور قطّ

٣٠٦ ـ وقال عليه السلام : كفى بالأجل حارسا

__________________

(١) كان إذا كسب ذنبا فأحزنه وأعطى مهلة من الأجل بعده صلى ركعتين تحقيقا للتوبة.

(٢) لأن اللّه هو الذى حرمه الرزق فكانه أرسله إلى الغنى ليمتحنه به

٢٢٦

٣٠٧ ـ وقال عليه السلام : ينام الرّجل على الثّكل ولا ينام على الحرب (١)!! قال الرضى : ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد ولا يصبر على سلب الأموال

٣٠٨ ـ وقال عليه السلام : مودّة الآباء قرابة بين الأبناء (٢) والقرابة إلى المودّة أحوج عن المودّة إلى القرابة.

٣٠٩ ـ وقال عليه السلام : اتّقوا ظنون المؤمنين ، فإنّ اللّه تعالى جعل الحقّ على ألسنتهم

٣١٠ ـ وقال عليه السلام : لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما فى يد اللّه أوثق منه بما فى يده (٣)

٣١١ ـ وقال عليه السلام : لأنس بن مالك ، وقد كان بعثه إلى طلحة والزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئا مما سمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فى معناهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال (٤) إنّى أنسيت ذلك الأمر

__________________

(١) الثكل ـ بالضم ـ : فقد الأولاد ، والحرب ـ بالتحريك ـ : سلب المال

(٢) إذا كان بين الآباء مودة كان أثرها فى الأبناء أثر القرابة من التعاون ، والمرافدة ، والمودة أصل فى المعاونة ، والقرابة من أسبابها. وقد لا تكون مع القرابة معاونة إذا فقدت المحبة. فالأقرباء فى حاجة إلى المودة. أما الأولاد فلا حاجة بهم إلى القرابة.

(٣) أى : حتى تكون ثقته بما عند اللّه من ثواب وفضل أشد من ثقته بما فى يده

(٤) الضمير فى «قال ، ولوى» لأنس. روى أن انسا كان فى حضرة النبى صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول لطلحة والزبير : إنكما تحاربان عليا وأنتما له ظالمان

٢٢٧

فقال عليه السلام : إن كنت كاذبا فضربك اللّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة قال الرضى : يعنى البرص ، فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد فى وجهه فكان لا يرى إلا مبرقعا.

٣١٢ ـ وقال عليه السلام : إنّ للقلوب إقبالا وإدبارا (١) : فإذا أقبلت فاحملوها على النّوافل ، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.

٣١٣ ـ وقال عليه السلام : وفى القرآن نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم (٢).

٣١٤ ـ وقال عليه السلام : ردّوا الحجر من حيث جاء ، فإنّ الشّرّ لا يدفعه إلاّ الشّرّ (٣).

٣١٥ ـ قال عليه السلام لكاتبه عبيد اللّه بن [أبى] رافع : ألق دواتك ، وأطل جلفة قلمك (٤) ، وفرّج بين السّطور ، وقرمط بين الحروف فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ.

__________________

(١) إقبال القلوب : رغبتها فى العمل ، وإدبارها : مللها منه

(٢) «نبأ ما قبلنا» أى : خبرهم فى قصص القرآن ، و «نبأ ما بعدنا» الخبر عن مصير أمورهم ، وهو يعلم من سنة اللّه فيمن قبلنا ، و «حكم ما بيننا» فى الأحكام التى نص عليها.

(٣) رد الحجر : كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه ، وهذا إذا لم يمكن دفعه بالأحسن

(٤) جلفة القلم ـ بكسر الجيم ـ : ما بين مبراه وسنته ، وإلاقة الدواة : وضع الليقة فيها ، والقرمطة بين الحروف : المقاربة بينها وتضييق فواصلها

٢٢٨

٣١٦ ـ وقال عليه السلام : أنا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الفجّار قال الرضى : ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعوننى والفجار يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها ، وهو رئيسها

٣١٧ ـ وقال له بعض اليهود : ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه؟ فقال عليه السلام له : إنّما اختلفنا عنه لا فيه (١) ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم : «اِجْعَلْ لَنٰا إِلٰهاً كَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ قٰالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»

٣١٨ ـ وقيل له : بأى شىء غلبت الأقران؟ فقال عليه السلام : ما لقيت رجلا إلاّ أعاننى على نفسه قال الرضى : يومئ بذلك إلى تمكن هيبته فى القلوب

٣١٩ ـ وقال عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية : يا بنىّ ، إنّى أخاف عليك الفقر فاستعذ باللّه منه فإنّ الفقر منقصة للدّين (٢) مدهشة للعقل داعية للمقت

٣٢٠ ـ وقال عليه السلام لسائل سأله عن معضلة (٣) : سل تفقّها ، ولا تسأل تعنّتا ، فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم ، وإنّ العالم المتعسّف شبيه بالجاهل المتعنّت.

__________________

(١) أى : فى أخبار وردت عنه لا فى صدقه وأصول الاعتقاد بدينه.

(٢) إذا اشتد الفقر فربما يحمل على الخيانة ، أو الكذب ، أو احتمال الذل ، أو القعود عن نصرة الحق ، وكلها نقص فى الدين

(٣) أى : أحجية بقصد المعاياة لا بقصد الاستفادة

٢٢٩

٣٢١ ـ وقال عليه السلام لعبد اللّه بن العباس ، وقد أشار عليه فى شىء لم يوافق رأيه : لك أن تشير علىّ وأرى ، فإن عصيتك فأطعنى (١)

٣٢٢ ـ وروى أنه عليه السلام لما ورد الكوفة قادما من صفين مر بالشباميين (٢) فسمع بكاء النساء على قتلى صفين وخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامى وكان من وجوه قومه فقال عليه السلام له : أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع (٣)؟ ألا تنهونهنّ عن هذا الرّنين ، وأقبل [حرب] يمشى معه وهو عليه السلام راكب فقال عليه السلام : ارجع فإنّ مشى مثلك مع مثلى فتنة للوالى ومذلّة للمؤمن (٤)

٣٢٣ ـ وقال عليه السلام ، وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان : بؤسا لكم ، لقد ضرّكم من غرّكم ، فقيل له : من غرهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : الشّيطان المضلّ والأنفس الأمّارة بالسّوء ، غرّتهم بالأمانىّ ، وفسحت لهم بالمعاصى ، ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النّار.

__________________

(١) وذلك عند ما أشار عليه أن يكتب لابن طلحة بولاية البصرة ، ولابن الزبير بولاية الكوفة ، ولمعاوية باقراره فى ولاية الشام حتى تسكن القلوب وتتم بيعة الناس وتلقى الخلافة بوانيها ، فقال أمير المؤمنين : لا أفسد دينى بدنيا غيرى ، ولك أن تشير الخ

(٢) شبام ـ ككتاب ـ : اسم حى

(٣) على ما أسمع ، أى : من البكاء ، وتغلبكم عليه ، أى : يأتينه قهرا عنكم ، والرنين : صوت البكاء.

(٤) أى : مشيك وأنت من وجوه القوم معى وأنا راكب فتنة للحاكم تنفخ فيه روح الكبر ، ومذلة ، أى : موجبة لذل المؤمن ، ينزلونه منزلة العبد والخادم

٢٣٠

٣٢٤ ـ وقال عليه السلام : اتّقوا معاصى اللّه فى الخلوات ، فانّ الشّاهد هو الحاكم.

٣٢٥ ـ وقال عليه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبى بكر : إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به ، إلاّ أنّهم نقصوا بغيضا ونقصنا حبيبا.

٣٢٦ ـ وقال عليه السلام : العمر الّذى أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستّون سنة (١).

٣٢٧ ـ وقال عليه السلام : ما ظفر من ظفر الإثم به ، والغالب بالشّرّ مغلوب (٢)

٣٢٨ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه فرض فى أموال الأغنياء أقوات الفقراء : فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غنىّ ، واللّه تعالى سائلهم عن ذلك

٣٢٩ ـ وقال عليه السلام : الاستغناء عن العذر أعزّ من الصّدق به (٣)

__________________

(١) إن كان يعتذر ابن آدم فيما قبل الستين بغلبة الهوى عليه وتملك القوى الجسمانية لعقله فلا عذر له بعد الستين إذا اتبع الهوى ومال إلى الشهوة لضعف القوى وقرب الأجل

(٢) إذا كانت الوسيلة لظفرك بخصمك ركوب إثم واقتراف معصية فانك لم تظفر حيث ظفرت بك المعصية فألقت بك إلى النار ، وعلى هذا قوله : الغالب بالشر مغلوب

(٣) العذر وإن صدق لا يخلو من تصاغر عند الموجه إليه ، فانه اعتراف بالتقصير فى حقه. فالعبد عما يوجب الاعتذار أعز.

٢٣١

٣٣٠ ـ وقال عليه السلام : أقلّ ما يلزمكم للّه أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه

٣٣١ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه جعل الطّاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة (١)

٣٣٢ ـ وقال عليه السلام : السّلطان وزعة اللّه فى أرضه (٢).

٣٣٣ ـ وقال عليه السلام فى صفة المؤمن : المؤمن بشره فى وجهه (٣) وحزنه فى قلبه ، أوسع شىء صدرا ، وأذلّ شىء نفسا (٤) ، يكره الرّفعة ، ويشنأ السّمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته ، مشغول وقته ، شكور صبور ، مغمور بفكرته (٥) ، ضنين بخلّته (٦) ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة!

__________________

(١) العجزة : جمع عاجز ، وهم المقصرون فى أعمالهم لغلبة شهواتهم على عقولهم ، والأكياس : جمع كيس ، وهم العقلاء ، فاذا منع الضعيف إحسانه على فقير مثلا كان ذلك غنيمة للعاقل فى الاحسان إليه ، وعلى ذلك بقية الأعمال الخيرية

(٢) الوزعة ـ بالتحريك ـ : جمع وازع ، وهو الحاكم يمنع من مخالفة الشريعة ، والاخبار بالجمع لأن أل فى السلطان للجنس

(٣) البشر ـ بالكسر ـ : البشاشة والطلاقة ، أى : لا يظهر عليه إلا السرور وإن كان فى قلبه حزينا ، كناية عن الصبر والتحمل

(٤) ذل نفسه لعظمة ربه وللمتضعين من خلقه ، وللحق إذا جرى عليه ، وكراهته للرفعة : بغضه للتكبر على الضعفاء ، ولا يحب أن يسمع أحد بما يعمل للّه فهو يشنأ ـ أى : يبغض ـ السمعة ، وطول غمه خوفا مما بعد الموت ، وبعد همه لأنه لا يطلب إلا معالى الأمور

(٥) «مغمور» أى : غريق فى فكرته لأداء الواجب عليه لنفسه وملته

(٦) الخلة ـ بالفتح ـ الحاجة. أى : بخيل باظهار فقره للناس ، والخليقة :

٢٣٢

نفسه أصلب من الصّلد (١) وهو أذلّ من العبد

٣٣٤ ـ وقال عليه السلام : لو رأى العبد الأجل ومصيره لأبغض الأمل وغروره.

٣٣٥ ـ وقال عليه السلام : لكلّ امرىء فى ماله شريكان : الوارث ، والحوادث.

٣٣٦ ـ [وقال عليه السلام : المسئول حرّ حتّى يعد]

٣٣٧ ـ وقال عليه السلام : الدّاعى بلا عمل كالرّامى بلا وتر (٢).

٣٣٨ ـ وقال عليه السلام : العلم علمان : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع (٣).

٣٣٩ ـ وقال عليه السلام : صواب الرّأى بالدّول : يقبل باقبالها ، ويذهب بذهابها (٤).

__________________

الطبيعة ، والعريكة : النفس

(١) الصلد : الحجر الصلب : ونفس المؤمن أصلب منه فى الحق ، وإن كان فى نواضعه أذل من العبد

(٢) الرامى من قوس بلا وتر يسقط سهمه ولا يصيب ، والذى يدعو اللّه ولا يعمل لا يجيب اللّه دعاءه

(٣) مطبوع العلم : ما رسخ فى النفس وظهر أثره فى أعمالها ، ومسموعه : منقوله ومحفوظه ، والأول هو العلم حقا

(٤) إقبال الدولة : كناية عن سلامتها وعلوها ، كأنها مقبلة على صاحبها تطلبه

٢٣٣

٣٤٠ ـ وقال عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، والشّكر زينة الغنى.

٣٤١ ـ وقال عليه السلام : يوم العدل على الظّالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم!

٣٤٢ ـ [وقال عليه السلام : الغنى الأكبر اليأس عمّا فى أيدى النّاس]

٣٤٣ ـ وقال عليه السلام : الأقاويل محفوظة ، والسّرائر مبلوّة (١) ، و «كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» ، والنّاس منقوصون مدخولون (٢) إلاّ من عصم اللّه : سائلهم متعنّت ، ومجيبهم متكلّف ، يكاد أفضلهم رأيا يردّه عن فضل رأيه الرّضا والسّخط (٣) ، ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللّحظة ، وتستحيله الكلمة الواحدة (٤)!

__________________

للأخذ بزمامها ، وإن لم يطلبها ، وعلو الدولة يعطى العقل مكنة الفكر ويفتح له باب الرشاد ، وإدبارها يوقع فى الحيرة والارتباك فيذهب عنه صائب الرأى ، ويروى «ويدبر بادبارها».

(١) بلاها اللّه واختبرها وعلمها ، يريد أن ظاهر الأعمال وخفيها معلوم للّه ، والأنفس مرهونة بأعمالها : فان كانت خيرا خلصتها ، وإن كانت شرا حبستها

(٢) المدخول : المغشوش ، مصاب بالدخل ـ بالتحريك وهو مرض العقل والقلب ، والمنقوص : المأخوذ عن رشده وكماله ، كأنه نقص منه بعض جوهره

(٣) لو كان فيهم ذو رأى غلب على رأيه رضاه وسخطه : فاذا رضى حكم لمن استرضاه بغير حق ، وإذا سخط حكم على من أسخطه بباطل

(٤) أصلبهم عودا : أشدهم بدينهم تمسكا ، واللحظة : النظرة إلى مشتهى ، وتنكؤه ـ كتمنعه ـ أى : تسيل جرحه وتأخذ بقلبه ، وتستحيله : تحوله عما هو عليه ، أى : نظرة إلى مرغوب تجذبه إلى مواقعة الشهوة ، وكلمة من عظيم تميله إلى موافقة الباطل

٢٣٤

٣٤٤ ـ وقال عليه السلام : معاشر النّاس ، اتّقوا اللّه فكم من مؤمّل ما لا يبلعه ، وبان ما لا يسكنه ، وجامع ما سوف يتركه ، ولعلّه من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه : أصابه حراما ، واحتمل به آثاما ، فباء بوزره ، وقدم على ربّه آسفا لاهفا ، قد «خَسِرَ اَلدُّنْيٰا وَاَلْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ اَلْخُسْرٰانُ اَلْمُبِينُ»

٣٤٥ ـ وقال عليه السلام : من العصمة تعذّر المعاصى (١).

٣٤٦ ـ وقال عليه السلام : ماء وجهك جامد يقطره السّؤال ، فانظر عند من تقطره

٣٤٧ ـ وقال عليه السلام : الثّناء بأكثر من الاستحقاق ملق (٢) ، والتّقصير عن الاستحقاق عىّ أو حسد.

٣٤٨ ـ وقال عليه السلام : أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه.

٣٤٩ ـ وقال عليه السلام : من نظر فى عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضى برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف البغى قتل به ومن كابد الأمور عطب (٣) ومن اقتحم اللّجج غرق ، ومن دخل مداخل السّوء انّهم ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه ، ومن

__________________

(١) هو من قبيل قولهم «إن من العصمة ألا تجد» وروى حديثا

(٢) ملق ـ بالتحريك ـ : تملق ، والعى ـ بالكسر ـ : العجز.

(٣) كابدها : قاساها بلا إعداد أسبابها ، فكأنه يحاذ بها وتطارده

٢٣٥

قلّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النّار. ومن نظر فى عيوب النّاس فأنكرها ثمّ رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه (١) [والقناعة مال لا ينفد] ومن أكثر من ذكر الموت رضى من الدّنيا باليسير ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.

٣٥٠ ـ وقال عليه السلام : للظّالم من الرّجال ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية (٢) ، ومن دونه بالغلبة ، ويظاهر القوم الظّلمة

٣٥١ ـ وقال عليه السلام : عند تناهى الشّدّة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرّخاء

٣٥٢ ـ وقال عليه السلام لبعض أصحابه : لا تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك وولدك : فان يكن أهلك وولدك أولياء اللّه فانّ اللّه لا يضيع أولياءه ، وإن يكونوا أعداء اللّه فما همّك وشغلك بأعداء اللّه؟!

٣٥٣ ـ وقال عليه السلام : أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله

٣٥٤ ـ وهنأ بحضرته رجل رجلا بغلام ولد له فقال له : ليهنئك الفارس فقال عليه السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل شكرت الواهب ، وبورك لك

__________________

(١) لأنه قد أقام الحجة لغيره على نفسه ، ورضى برجوع عيبه على ذاته

(٢) معصية أوامره ونواهيه ، أو خروجه عليه ورفضه لسلطته ، وذلك ظلم ، لأنه عدوان على الحق ، والغلبة : القهر ، و «يظاهر» أى : يعاون ، والظلمة : جمع ظالم

٢٣٦

فى الموهوب ، وبلغ أشدّه ، ورزقت برّه

٣٥٥ ـ وبنى رجل من عماله بناء فخما (١) فقال عليه السلام : أطلعت الورق رءوسها (٢) إنّ البناء يصف لك الغنى.

٣٥٦ ـ وقيل له عليه السلام : لو سد على رجل باب بيته وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال عليه السلام : من حيث يأتيه أجله.

٣٥٧ ـ وعزّى قوما عن ميت مات لهم فقال عليه السلام : إنّ هذا الأمر ليس لكم بدأ ، ولا إليكم انتهى (٣) ، وقد كان صاحبكم هذا يسافر فعدّوه فى بعض أسفاره ، فان قدم عليكم وإلاّ قدمتم عليه

٣٥٨ ـ وقال عليه السلام : أيّها النّاس ، ليركم اللّه من النّعمة وجلين كما يراكم من النّقمة فرقين (٤)! إنّه من وسّع عليه فى ذات يده فلم ير ذلك

__________________

(١) أى : عظيما ضخما

(٢) الورق ـ بفتح فكسر ـ : الفضة ، أى : ظهرت الفضة ، فأطلعت رءوسها كناية عن الظهور ، ووضح هذا بقوله «إن البناء يصف لك الغنى» أى : يدل عليه

(٣) «هذا الأمر» أى : الموت ـ لم يكن تناوله لصاحبكم أول فعل له ولا آخر فعل له ، بل سبقه ميتون وسيكون بعده ، وقد كان ميتكم هذا يسافر لبعض حاجاته فاحسبوه مسافرا ، فاذا طال زمن سفره فانكم ستتلاقون معه وتقدمون عليه عند موتكم

(٤) وجلين : خائفين ، وفرقين : فزعين ، كونوا بحيث يراكم اللّه خائفين من مكره عند النعمة كما يراكم فزعين من بلائه عند النقمة ، فان صاحب النعمة إذا لم يظن نعمته استدراجا من اللّه فقد أمن من مكر اللّه ، ومن كان فى ضيق فلم يحسب ذلك امتحانا من اللّه فقد أيس من رحمة اللّه وضيع أجرا مأمولا

٢٣٧

استدراجا فقد أمن مخوفا ، ومن ضيّق عليه فى ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا

٣٥٩ ـ وقال عليه السلام : يا أسرى الرّغبة أقصروا (١) فانّ المعرّج على الدّنيا لا يروعه منها إلاّ صريف أنياب الحدثان (٢). أيّها النّاس ، تولّوا من أنفسكم تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها (٣)

٣٦٠ ـ وقال عليه السلام : لا تظنّنّ بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها فى الخير محتملا

٣٦١ ـ وقال عليه السلام : إذا كانت لك إلى اللّه ، سبحانه ، حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على رسوله ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ثمّ سل حاجتك فانّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين (٤) فيقضى إحداهما ويمنع الأخرى

٣٦٢ ـ وقال عليه السلام : من ضنّ بعرضه فليدع المراء (٥)

__________________

(١) أسرى : جمع أسير ، والرغبة : الطمع ، وأقصروا : كفوا

(٢) المعرج : المائل إليها أو المعول عليها أو المقيم بها ، ويروعه : يفزعه والصريف : صوت الأسنان ونحوها عند الاصطكاك. والحدثان ـ بالكسر ـ النوائب

(٣) الضراوة : اللهج بالشىء والولوع به ، أى : كفوا أنفسكم عن اتباع ما تدفع إليه عاداتها

(٤) الحاجتان : الصلاة على النبى وحاجتك ، والأولى مقبولة مجابة قطعا

(٥) ضن : بخل ، والمراء : الجدال فى غير حق ، وفى تركه صون للعرض عن الطعن

٢٣٨

٣٦٣ ـ وقال عليه السلام : من الخرق المعاجلة قبل الامكان والأناة بعد الفرصة (١)

٣٦٤ ـ وقال عليه السلام : لا تسأل عمّا لا يكون ففى الّذى قد كان لك شغل (٢)

٣٦٥ ـ وقال عليه السلام : الفكر مرآة صافية ، والاعتبار منذر ناصح (٣) وكفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته لغيرك

٣٦٦ ـ وقال عليه السلام : العلم مقرون بالعمل : فمن علم عمل ، والعلم يهتف بالعمل : فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه (٤)

٣٦٧ ـ وقال عليه السلام : يا أيّها النّاس ، متاع الدّنيا حطام موبئ فتجنّبوا مرعاه (٥)!! قلعتها أحظى من طمأنينتها (٦) ، وبلغتها أزكى من ثروتها (٧).

__________________

(١) الخرق ـ بالضم ـ : الحمق وضد الرفق ، والأناة : التأنى ، والفرصة : ما يمكنك من مطلوبك ، ومن الحكم ألا تتعجل حتى تتمكن ، وإذا تمكنت فلا تمهل

(٢) لا تتمن من الأمور بعيدها ، فكفاك من قريبها ما يشغلك

(٣) الاعتبار : الاتعاظ بما يحصل للغير ويترتب على أعماله

(٤) العلم يطلب العمل ويناديه : فان وافق العمل العلم وإلا ذهب العلم ، فحافظ العلم العمل

(٥) الحطام ـ كغراب ـ : ما تكسر من يبس النبات ، و «موبىء» أى : ذو وباء مهلك ، ومرعاه : محل رعيه والتناول منه

(٦) القلعة ـ بالضم ـ : عدم سكونك للتوطن ، و «أحظى» أى : أسعد

(٧) البلغة ـ بالضم ـ : مقدار ما يتبلغ به من القوت

٢٣٩

حكم على مكثر بها بالفاقة (١) ، وأعين من غنى عنها بالرّاحة (٢). ومن راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها (٣) ، ومن استشعر الشّعف بها ملأت ضميره أشجانا (٤). لهنّ رقص على سويداء قلبه (٥) همّ يشغله ، وهمّ يحزنه ، كذلك حتّى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء (٦) منقطعا أبهراه ، هيّنا على اللّه فناؤه ، وعلى الاحوان إلقاؤه (٧) ، [و] إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار (٨) ، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض [إن] قيل أثرى قيل أكدى (٩)!! وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء! هذا ولم يأتهم

__________________

(١) المكثر بالدنيا حكم اللّه عليه بالفقر ، لأنه كلما أكثر زاد طمعه وطلبه ، فهو فى فقر دائم إلى ما يطمع فيه

(٢) غنى ـ كرضى ـ : استغنى : وغنى القلب عن الدنيا راحة تامة.

(٣) الزبرج ـ بكسر فسكون فكسر ـ : الزينة ، وراقه : أعجبه وحسن فى عينه ، والكمه ـ محركة ـ : العمى ، فمن نظر لزينتها بعين الاستحسان أعمت عينيه عن الحق

(٤) الشعف ـ بالعين محركة ـ : الولوع وشدة التعلق ، والأشجان : الأحزان

(٥) رقص ـ بالفتح وبالتحريك ـ : حركة واثب ، وسويداء القلب : حبته ، و «لهن» أى : للأشجان فهى تلعب بقلبه

(٦) الكظم ـ محركة ـ : مخرج النفس ، أى : حتى يخنقه الموت فيطرح بالفضاء. والأبهران : وريدا العنق ، وانقطاعهما : كناية عن الهلاك

(٧) إلقاؤه : طرحه فى قبره

(٨) أى : يأخذ من القوت ما يكفى بطن المضطر ، وهو ما يزيل الضرورة

(٩) بيان لحال الانسان فى الدنيا ، فلا يقال «فلان أثرى» ـ أى : استغنى ـ حتى يسمع بعد مدة بأنه أكدى ـ أى : افتقر ـ وصف لقلب الحال

٢٤٠