نهج البلاغة - ج ٣

محمد عبده

نهج البلاغة - ج ٣

المؤلف:

محمد عبده


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: مطبعة الإستقامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

الحسب حسن الخلق.

يا بنىّ ، إيّاك ومصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصادقة البخيل فإنّه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه (١) ، وإيّاك ومصادقة الفاجر فإنّه يبيعك بالتّافه (٢) ، وإيّاك ومصادقة الكذّاب فإنّه كالسّراب : يقرّب عليك البعيد ، ويبعد عليك القريب.

٣٩ ـ وقال عليه السلام : لا قربة بالنّوافل إذا أضرّت بالفرائض (٣)

٤٠ ـ وقال عليه السلام : لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه. قال الرضى : وهذا من المعانى العجيبة الشريفة ، والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة ، والأحمق تسبق حذفات لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره (٤) ومماخضة رأيه ، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه ، وكأن قلب الأحمق تابع للسانه

٤١ ـ وقد روى عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، وهو قوله : ـ قلب الأحمق فى فيه ، ولسان العاقل فى قلبه. ومعناهما واحد

__________________

(١) أحوج : حال من الكاف فى عنك ، ويروى «يقعد عنك أحوج ـ الخ»

(٢) التافه : القليل

(٣) كمن ينقطع للصلاة والذكر ويفر من الجهاد.

(٤) «مراجعة» وما بعده مفعول «تسبق» ، و «حذفات» فاعله. ومماخضة الرأى : تحريكه حتى يظهر زبده ، وهو الصواب

١٦١

٤٢ ـ وقال لبعض أصحابه فى علة أعتلها : جعل اللّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه ، ولكنّه يحطّ السّيّئات ويحتّها حتّ الأوراق (١). وإنّما الأجر فى القول باللّسان ، والعمل بالأيدى والأقدام ، وإنّ اللّه سبحانه يدخل بصدق النّيّة والسّريرة الصّالحة من يشاء من عباده الجنّة قال الرضى : وأقول صدق عليه السلام ، إن المرض لا أجر فيه ، لأنه من قبيل ما يستحق عليه العوض (٢) لأن العوض يستحق على ما كان فى مقابلة فعل اللّه تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجرى مجرى ذلك ، والأجر والثواب يستحقان على ما كان فى مقابله فعل العبد ، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب.

٤٣ ـ وقال عليه السلام فى ذكر خباب [بن الأرت] : يرحم اللّه خبّاب بن الأرتّ فلقد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه ، وعاش مجاهدا.

٤٤ ـ وقال عليه السلام : طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه.

__________________

(١) حت الورق عن الشجرة : قشره. والصبر على العلة رجوع إلى اللّه واستسلام لقدره ، وفى ذلك خروج إليه من جميع السيئات وتوبة منها ، لهذا كان يحت الذنوب أما الأجر فلا يكون إلا على عمل بعد التوبة.

(٢) الضمير فى «لأنه» للمرض ، أى : إن المرض ليس من أفعال العبد للّه حتى يؤجر عليها ، وإنما هو من أفعال اللّه بالعبد التى ينبغى أن اللّه يعوضه عن آلامها. والذى قلناه فى المعنى أظهر من كلام الرضى

١٦٢

٤٥ ـ وقال عليه السلام : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفى هذا على أن يبغضنى ما أبغضنى (١) ، ولو صببت الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّنى ما أحبّنى ، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النّبىّ الأمّىّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنّه قال : يا علىّ ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق

٤٦ ـ وقال عليه السلام : سيّئة تسوءك خير عند اللّه من حسنة تعجبك (٢)

٤٧ ـ وقال عليه السلام : قدر الرّجل على قدر همّته. وصدقه على قدر مروءته ، وشجاعته على قدر أنفته ، وعفّته على قدر غيرته.

٤٨ ـ وقال عليه السلام : الظّفر بالحزم ، والحزم بإجالة الرّأى ، والرّأى بتحصين الأسرار.

٤٩ ـ وقال عليه السلام : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللّئيم إذا شبع

٥٠ ـ وقال عليه السلام : قلوب الرّجال وحشيّة ، فمن تألّفها أقبلت عليه

٥١ ـ وقال عليه السلام : عيبك مستور ما أسعدك جدّك (٣)

__________________

(١) الخيشوم : أصل الأنف. والجمات : جمع جمة ـ بفتح الجيم ـ : وهو من السفينة مجتمع الماء المترشح من ألواحها ، أى : لو كفأت عليهم الدنيا بجليلها وحقيرها.

(٢) لأن الحسنة المعجبة ربما جر الأعجاب بها إلى سيئات ، والسيئة المسيئة ربما بعث الكدر منها إلى حسنات

(٣) الجد ـ بالفتح ـ الحظ ، أى : ما دامت الدنيا مقبلة عليك

١٦٣

٥٢ ـ وقال عليه السلام : أولى النّاس بالعفو أقدرهم على العقوبة

٥٣ ـ وقال عليه السلام : السّخاء ما كان ابتداء ، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمّم (١)

٥٤ ـ وقال عليه السلام : لا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا ظهير كالمشاورة.

٥٥ ـ وقال عليه السلام : الصّبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عمّا تحبّ.

٥٦ ـ وقال عليه السلام : الغنى فى الغربة وطن ، والفقر فى الوطن غربة

٥٧ ـ وقال عليه السلام : القناعة مال لا ينفد [قال الرضى : وقد روى هذا الكلام عن النبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم]

٥٨ ـ وقال عليه السلام : المال مادّة الشّهوات.

٥٩ ـ وقال عليه السلام : من حذّرك كمن بشّرك.

٦٠ ـ وقال عليه السلام : اللّسان سبع إن خلّى عنه عقر.

٦١ ـ وقال عليه السلام : المرأة عقرب حلوة اللّبسة (٢).

__________________

(١) التذمم : الفرار من الذم ، كالتأثم والتحرج.

(٢) اللبسة ـ بالكسر ـ : حالة من حالات اللبس ـ بالضم ـ يقال : لبست فلانة ، أى : عاشرتها زمنا طويلا ، والعقرب لا تحل لبستها ، أما المرأة فهى هى فى الايذاء ، لكنها حلوة اللبسة

١٦٤

٦٢ ـ [وقال عليه السلام : إذا حيّيت بتحيّة فحىّ بأحسن منها ، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربى عليها ، والفضل مع ذلك للبادى]

٦٣ ـ وقال عليه السلام : الشّفيع جناح الطّالب.

٦٤ ـ وقال عليه السلام : أهل الدّنيا كركب يسار بهم وهم نيام.

٦٥ ـ وقال عليه السلام : فقد الأحبّة غربة

٦٦ ـ وقال عليه السلام : فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها

٦٧ ـ وقال عليه السلام : لا تستح من إعطاء القليل ، فانّ الحرمان أقلّ منه

٦٨ ـ وقال عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، [والشّكر زينة الغنى]

٦٩ ـ وقال عليه السلام : إذا لم يكن ما تريد فلا تبل ما كنت (١).

٧٠ ـ وقال عليه السلام : لا ترى الجاهل إلاّ مفرطا أو مفرّطا.

٧١ ـ وقال عليه السلام : إذا تمّ العقل نقص الكلام.

٧٢ ـ وقال عليه السلام : الدّهر يخلق الأبدان ، ويجدّد الآمال ، ويقرّب

__________________

(١) إذا كان لك مرام لم تنله فاذهب فى طلبه كل مذهب ، ولا تبال إن حقروك أو عظموك ، فان محط السير الغاية وما دونها فداء لها ، وقد يكون المعنى إذا عجزت عن مرادك فارض بأى حال ، على رأى القائل : ـ

إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

١٦٥

المنيّة ، ويباعد الأمنيّة : من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب (١).

٧٣ ـ وقال عليه السلام : من نصب نفسه للنّاس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم النّاس ومؤدّبهم.

٧٤ ـ وقال عليه السلام : نفس المرء خطاه إلى أجله (٢).

٧٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ معدود منقض ، وكلّ متوقّع آت.

٧٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأوّلها (٣)

٧٧ ـ ومن خبر ضرار بن حمزة الضبائى عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين ، وقال : فأشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم فى محرابه (٤) قابض على لحيته يتململ تململ السليم (٥) ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عنّى ، أبى تعرّضت؟ أم إلىّ تشوّفت؟ لا حان حينك (٦)

__________________

(١) أى : يبليها. ونصب ـ من باب تعب ـ أعنى ومن ظفر بالدهر لزمته حقوق وحفت به شؤون يعييه ويعجزه مراعاتها وأداؤها ، هذا إلى ما يتجدد له من الآمال التى لا نهاية لها ، وكلها تحتاج إلى طلب ونصب

(٢) كأن كل نفس يتنفسه الانسان خطوة يقطعها إلى الأجل.

(٣) أى : يقاس آخرها على أولها ، فعلى حسب البدايات تكون النهايات.

(٤) سدوله : حجب ظلامه

(٥) السليم : الملدوغ من حية ونحوها

(٦) تعرض به كتعرضه : تصدى له وطلبه. و «لا حان حينك» لا جاء وقت وصولك لقلبى وتمكن حبك منه

١٦٦

هيهات! غرّى غيرى ، لا حاجة لى فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها! فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير. آه من قلّة الزّاد ، وطول الطّريق ، وبعد السّفر ، وعظيم المورد (١)

٧٨ ـ ومن كلام له عليه السلام [للسائل الشامى] لما سأله : أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه وقدر؟ بعد كلام طويل هذا مختاره : ويحك! لعلّك ظننت قضاء لازما ، وقدرا حاتما ، ولو كان [ذلك] كذلك لبطل الثّواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد (٢) إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يكلّف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الأنبياء لعبا ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا ، ولا خلق السّموات والأرض وما بينهما باطلا و «ذٰلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنّٰارِ»

٧٩ ـ وقال عليه السلام : خذ الحكمة أنّى كانت فإنّ الحكمة تكون

__________________

(١) المورد : موقف الورود على اللّه فى الحساب.

(٢) القضاء : علم اللّه السابق بحصول الأشياء على أحوالها فى أوضاعها. والقدر : إيجاده لها عند وجود أسبابها ، ولا شىء منهما يضطر العبد لفعل من أفعاله ، فالعبد وما يجد من نفسه من باعث على الخير والشر ولا يجد شخص إلا أن اختياره دافعه إلى ما يعمل ، واللّه يعلمه فاعلا باختياره : إما شقيا به ، وإما سعيدا. والدليل ما ذكره الامام

١٦٧

فى صدر المنافق فتلجلج فى صدره (١) حتّى تخرج فتسكن إلى صواحبها فى صدر المؤمن

٨٠ ـ وقال عليه السلام : الحكمة ضالّة المؤمن ، فخذ الحكمة ولو من أهل النّفاق

٨١ ـ وقال عليه السلام : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه قال الرضى : وهى الكلمة التى لا تصاب لها قيمة ، ولا توزن بها حكمة ولا تقرن إليها كلمة.

٨٢ ـ وقال عليه السلام : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل (٢) لكانت لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، ولا يخافنّ إلاّ ذنبه ، ولا يستحينّ أحد [منكم] إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، ولا يستحينّ أحد إذا لم يعلم الشّىء أن يتعلّمه ، وعليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد ، ولا خير فى جسد لا رأس معه ، ولا فى إيمان لا صبر معه

٨٣ ـ وقال عليه السلام لرجل أفرط فى الثّناء عليه ، وكان له متّهما : أنا دون ما تقول وفوق ما فى نفسك

__________________

(١) «تلجلج» أى : تتحرك

(٢) الآباط : جمع إبط ، وضرب الآباط : كناية عن شد الرحال وحث المسير

١٦٨

٨٤ ـ وقال عليه السلام : بقيّة السّيف أبقى عددا وأكثر ولدا (١)

٨٥ ـ وقال عليه السلام : من ترك قول «لا أدرى» أصيبت مقاتله (٢)

٨٦ ـ وقال عليه السلام : رأى الشّيخ أحبّ إلىّ من جلد الغلام (٣) وروى «من مشهد الغلام»

٨٧ ـ وقال عليه السلام : عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار (٤)

٨٨ ـ وحكى عنه أبو جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام أنه قال : كان فى الأرض أمانان من عذاب اللّه وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به : أمّا الأمان الّذى رفع فهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأمّا الأمان الباقى فالاستغفار ، قال اللّه تعالى : «وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»

__________________

(١) بقية السيف : هم الذين يبقون بعد الذين قتلوا فى حفظ شرفهم ودفع الضيم عنهم وفضلوا الموت على الذل ، فيكون الباقون شرفاء نجداء ، فعددهم أبقى وولدهم يكون أكثر ، بخلاف الأذلاء ، فان مصيرهم إلى المحو والفناء ، ويروى «أنمى عددا ، وأكثر ولدا»

(٢) مواضع قتله ، لأن من قال ما لا يعلم عرف بالجهل ، ومن عرفه الناس بالجهل مقتوه فحرم خيره كله فهلك

(٣) جلد الغلام : صبره على القتال ، ومشهده : إيقاعه بالأعداء ، والرأى فى الحرب أشد فعلا فى الأقدام

(٤) أى : التوبة

١٦٩

قال الرضى : وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط

٨٩ ـ وقال عليه السلام : من أصلح [ما] بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين النّاس ، ومن أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه ، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللّه حافظ

٩٠ ـ وقال عليه السلام : الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه ، ولم يؤيسهم من روح اللّه (١) ، ولم يؤمنهم من مكر اللّه

٩١ ـ وقال عليه السلام : إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكم (٢)

٩٢ ـ وقال عليه السلام : أوضع العلم ما وقف على اللّسان (٣) ، وأرفعه ما ظهر فى الجوارح والأركان

٩٣ ـ وقال عليه السلام : لا يقولنّ أحدكم «اللّهمّ إنّى أعوذ بك من الفتنة» لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ

__________________

(١) روح اللّه : لطفه ورأفته ، وهو بالفتح. ومكر اللّه : أخذه للعبد بالعقاب من حيث لا يشعر ، فالفقيه هو الفاتح للقلوب بابى الخوف والرجاء.

(٢) طرائف الحكم : غرائبها ، تنبسط إليها القلوب كما تنبسط الأبدان لغرائب المناظر

(٣) «أوضع العلم» أى : أدناه ما وقف على اللسان ، ولم يظهر أثره فى الأخلاق والأعمال ، وأركان البدن : أعضاؤه الرئيسية كالقلب والمخ

١٧٠

من مضلاّت الفتن ، فإنّ اللّه سبحانه يقول : «وَاِعْلَمُوا أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَأَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ» ومعنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه ، والرّاضى بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال الّتى بها يستحقّ الثّواب والعقاب ، لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور ويكره الإناث ، وبعضهم يحبّ تثمير المال (١) ويكره انثلام الحال

قال الرضى : وهذا من غريب ما سمع منه فى التفسير

٩٤ ـ وسئل عن الخير ما هو؟ فقال : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكنّ الخير أن يكثر علمك و [أن] يعظم حلمك ، وأن تباهى النّاس بعبادة ربّك ، فإن أحسنت حمدت اللّه ، وإن أسأت استغفرت اللّه ، ولا خير فى الدّنيا إلاّ لرجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتّوبة ، ورجل يسارع فى الخيرات

٩٥ ـ وقال عليه السلام : لا يقلّ عمل مع التّقوى ، وكيف يقلّ ما يتقبّل؟

٩٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، ثمّ تلى : (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ قال : إنّ ولىّ محمّد من أطاع اللّه وإن بعدت لحمته (٢) ، وإنّ عدوّ محمّد من

__________________

(١) تثمير المال : إنماؤه بالربح ، وانثلام الحال : نقصه.

(٢) لحمته ـ بالضم ـ أى : نسبه

١٧١

عصى اللّه وإن قربت قرابته!

٩٧ ـ وقد سمع رجلا من الحرورية (١) يتهجد ويقرأ ، فقال : نوم على يقين خير من صلاة فى شكّ.

٩٨ ـ وقال عليه السلام : اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ، ورعاته قليل.

٩٩ ـ وسمع رجلا يقول : «إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» فقال عليه السّلام : إن قولنا «إِنّٰا لِلّٰهِ» إقرار على أنفسنا بالملك ، وقولنا «وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» إقرار على أنفسنا بالهلك (٢)

١٠٠ ـ ومدحه قوم فى وجهه ، فقال : اللّهمّ إنّك أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم ، اللّهمّ اجعلنا خيرا ممّا يظنّون ، واغفر لنا ما لا يعلمون

١٠١ ـ وقال عليه السلام. لا يستقيم قضاء الحوائج إلاّ بثلاث : باستصغارها لتعظم (٣) ، وباستكتامها لتظهر ، وبتعجيلها لتهنؤ

__________________

(١) الحرورية ـ بفتح الحاء ـ : الخوارج الذين خرجوا عليه بحروراء و «يتهجد» أى : يصلى بالليل.

(٢) الهلك ـ بالضم ـ : الهلاك

(٣) استصغارها فى الطلب لتعظم بالقضاء ، وكتمانها عند محاولتها لتظهر بعد قضائها ، فلا تعلم إلا مقضية ، وتعجيلها للتمكن من التمتع بها فتكون هنيئة. ولو عظمت عند الطلب أو ظهرت قبل القضاء خيف الحرمان منها ، ولو أخرت خيف النقصان.

١٧٢

١٠٢ ـ وقال عليه السلام : يأتى على النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل (١) ، ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر ، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف : يعدّون الصّدقة فيه غرما ، وصلة الرّحم منّا ، والعبادة استطالة على النّاس! فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء وإمارة الصّبيان وتدبير الخصيان

١٠٣ ـ ورئى عليه إزار خلق مرقوع فقيل له فى ذلك ، فقال : يخشع له القلب ، وتذلّ به النّفس ، ويقتدى به المؤمنون. إنّ الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان : فمن أحبّ الدّنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما : كلّما قرب من واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرّتان!

١٠٤ ـ وعن نوف البكالى ، قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر فى النجوم فقال لى : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت : بل رامق (٢) قال : يا نوف طوبى للزّاهدين فى الدّنيا الرّاغبين فى الآخرة ، أولئك قوم اتّخذوا الأرض

__________________

(١) الماحل : الساعى فى الناس بالوشاية عند السلطان ، و «لا يظرف» أى : لا يعد ظريفا. و «لا يضعف» أى : لا يعد ضعيفا ، والغرم ـ بالضم ـ أى : الغرامة والمن : ذكرك النعمة على غيرك مظهرا بها الكرامة عليه ، والاستطالة على الناس : التفوق عليهم والتزيد عليهم فى الفضل

(٢) أراد بالرامق منتبه العين ، فى مقابلة الراقد بمعنى النائم ، يقال : رمقه ، إذا لحظه لحظا حفيفا

١٧٣

بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا (١) والدّعاء دثارا ، ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح. يا نوف ، إنّ داود عليه السّلام قام فى مثل هذه السّاعة من اللّيل فقال : إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له إلاّ أن يكون عشّارا (٢) أو عريفا أو شرطيّا ، أو صاحب عرطبة (وهى الطنبور) أو صاحب كوبة (وهى الطبل. وقد قيل أيضا : إن العرطبة الطبل والكوبة الطنبور (٣)

١٠٥ ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه افترض عليكم الفرائض فلا تضيّعوها وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها (٤) وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها.

__________________

(١) القرآن شعارا : يقرأونه سرا للاعتبار بمواعظه والتفكر فى دقائقه ، والدعاء دثارا : يجهرون به إظهارا للذلة والخضوع للّه. وأصل الشعار : ما يلى البدن من الثياب ، والدثار : ما علا منها ، وقرضوا الدنيا : مزقوها كما يمزق الثوب بالمقراض على طريقة المسيح فى الزهادة.

(٢) العشار : من يتولى أخذ أعشار الأموال ، وهو المكاس ، والعريف : من يتجسس على أحوال الناس وأسرارهم فيكشفها لأميرهم مثلا ، والشرطى ـ بضم فسكون ـ نسبة إلى الشرطة : واحد الشرط ـ كرطب ـ وهم أعوان الحاكم

(٣) لم نر هذا فيما وقفنا عليه من كتب اللغة ، والمنقول أن الكوبة بالضم : الطبل الصغير ، وهو المعروف بالدربكة

(٤) أى : لا تنتهكوا نهيه عنها باتيانها ، والانتهاك : الاهانة والاضعاف ، و «لا تتكلفوا» أى : لا تكلفوا أنفسكم بها بعد ما سكت اللّه عنها

١٧٤

١٠٦ ـ وقال عليه السلام : لا يترك النّاس شيئا من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلاّ فتح اللّه عليهم ما هو أضرّ منه

١٠٧ ـ وقال عليه السلام : ربّ عالم قد قتله جهله (١) وعلمه معه لا ينفعه

١٠٨ ـ وقال عليه السلام : لقد علّق بنياط هذا الإنسان بضعة هى أعجب ما فيه (٢) وذلك القلب ، وله موادّ من الحكمة وأضداد من خلافها : فإن سنح له الرّجاء (٣) أذلّه الطّمع ، وإن هاج به الطّمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن أسعده الرّضا نسى التّحفّظ (٤) ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة (٥) ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن عضّته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضّعف ، وإن أفرط به الشّبع كظّته البطنة (٦) ، فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد.

__________________

(١) وهذا هو العالم الذى يحفظ ولا يدرى ، أو يعلم ولا يعمل ، أو ينقل ولا بصيرة له

(٢) النياط ـ ككتاب ـ : عرق معلق به القلب

(٣) سنح له : بدا وظهر

(٤) التحفظ : هو التوقى والتحرز من المضرات

(٥) الغرة ـ بالكسر ـ : الغفلة ، و «استلبته» أى : سلبته وذهبت به عن رشده وأفاد المال : استفاده ، والفاقة : الفقر

(٦) «كظته» أى : كربته وآلمته. والبطنة ـ بالكسر ـ : امتلاء البطن حتى يضيق النفس ، ويروى «وإن جهده الجوع قعدت به الضعة»

١٧٥

١٠٩ ـ وقال عليه السلام : نحن النّمرقة الوسطى (١) بها يلحق التّالى ، وإليها يرجع الغالى.

١١٠ ـ وقال عليه السلام : لا يقيم أمر اللّه سبحانه إلاّ من لا يصانع (٢) ولا يضارع ، ولا يتّبع المطامع.

١١١ ـ وقال عليه السلام : «وقد توفى سهل بن حنيف الأنصارى بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين ، وكان أحب الناس إليه : لو أحبّنى جبل لتهافت (٣) معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار ، وهذا مثل قوله عليه السلام :

١١٢ ـ من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا «وقد يؤول ذلك على معنى آخر (٤) ليس هذا موضع ذكره»

__________________

(١) النمرقة ـ بضم فسكون فضم ففتح ـ الوسادة : وآل البيت أشبه بها للاستناد إليهم فى أمور الدين ، كما يستند إلى الوسادة لراحة الظهر واطمئنان الأعضاء ، ووصفها بالوسطى لاتصال سائر النمارق بها ، فكأن الكل يعتمد عليها إما مباشرة أو بواسطة ما يجانبه ، وآل البيت على الصراط الوسط العدل : يلحق بهم من قصر ، ويرجع إليهم من غلا وتجاوز

(٢) «لا يصانع» أى : لا يدارى فى الحق ، والمضارعة : المشابهة ، والمعنى انه لا يتشبه فى عمله بالمبطلين ، واتباع المطامع : الميل معها وإن ضاع الحق.

(٣) تهافت : تساقط بعد ما تصدع

(٤) هو أن من أحبهم فليخلص للّه حبهم ، فليست الدنيا تطلب عندهم

١٧٦

١١٣ ـ وقال عليه السلام : لا مال أعود من العقل (١) ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عقل كالتّدبير ، ولا كرم كالتّقوى ، ولا قرين كحسن الخلق ، ولا ميراث كالأدب ، ولا قائد كالتّوفيق ، ولا تجارة كالعمل الصّالح ولا ربح كالثّواب ، ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، ولا زهد كالزّهد فى الحرام ولا علم كالتّفكّر ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا إيمان كالحياء والصّبر ، ولا حسب كالتّواضع ، ولا شرف كالعلم [ولا عزّ كالحلم] ولا مظاهرة أوثق من المشاورة

١١٤ ـ وقال عليه السلام : إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله ثمّ أساء رجل الظّنّ برجل لم تظهر منه خزية (٢) فقد ظلم! وإذا استولى الفساد على الزّمان وأهله فأحسن رجل الظّنّ برجل فقد غرّر

١١٥ ـ وقيل له عليه السلام : كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : كيف يكون [حال] من يفنى ببقائه (٣) ويسقم بصحّته ، ويؤتى

__________________

(١) أعود : أنفع.

(٢) الخزية ـ بفتح فسكون ـ : البلية تصيب الانسان فتذله وتفضحه ، ويروى «حوبة» وهى الاثم ، و «غرر» أى : أوقع بنفسه فى الغرر ، أى : الخطر

(٣) كلما طال عمره ـ وهو البقاء ـ تقدم إلى الفناء ، وكلما مدت عليه الصحة تقرب من مرض الهرم ، وسقم ـ كفرح ـ : مرض. و «يأتيه الموت من مأمنه» أى : الجهة التى يأمن إتيانه منها ، فان أسبابه كامنة فى نفس البدن «١٢ ـ ن ـ ج ـ ٣»

١٧٧

من مأمنه!!

١١٦ ـ وقال عليه السلام : كم من مستدرج بالإحسان إليه (١) ومغرور بالسّتر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه! وما ابتلى اللّه أحدا بمثل الإملاء له

١١٧ ـ وقال عليه السلام : هلك فىّ رجلان ، محبّ غال (٢) ومبغض قال!

١١٨ ـ وقال عليه السلام : إضاعة الفرصة غصّة

١١٩ ـ وقال عليه السلام : مثل الدّنيا كمثل الحيّة ليّن مسّها والسّمّ النّاقع فى جوفها : يهوى إليها الغرّ الجاهل ، ويحذرها ذو اللّبّ العاقل!

١٢٠ ـ وسئل عليه السلام عن قريش فقال : أمّا بنو مخزوم فريحانة قريش تحبّ حديث رجالهم ، والنّكاح فى نسائهم ، وأمّا بنو عبد شمس (٣) فأبعدها رأيا ، وأمنعها لما وراء ظهورها ، وأمّا نحن فأبذل لما فى أيدينا ، وأسمح عند الموت بنفوسنا ، وهم أكثر وأمكر وأنكر ، ونحن أفصح وأنصح وأصبح

__________________

(١) استدرجه اللّه : تابع نعمته عليه وهو مقيم على عصيانه ، إبلاغا للحجة وإقامة للمعذرة فى أخده. والاملاء له : الامهال.

(٢) الغالى : المتجاوز الحد فى حبه بسبب غيره ، أو دعوى حلول اللاهوت فيه أو نحو ذلك ، والقالى : المبغض الشديد البغض

(٣) ومنهم بنو أمية ، أى : وهم ـ أى : بنو عبد شمس ـ أكثر الخ ، «ونحن» أى : بنو هاشم

١٧٨

١٢١ ـ وقال عليه السلام : شتّان ما بين عملين (١). عمل تذهب لذّته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره

١٢٢ ـ وتبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب ، وكأنّ الّذى نرى من الأموات سفر (٢) عمّا قليل إلينا راجعون! نبوّئهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، [كأنّا مخلّدون بعدهم] ثمّ قد نسينا كلّ واعظ وواعظة ، ورمينا بكلّ جائحة (٣)!!

١٢٣ ـ وقال عليه السلام : طوبى لمن ذلّ فى نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته (٤) ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن النّاس شرّه ، ووسعته السّنّة ، ولم ينسب إلى البدعة. قال الرضى : أقول : ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وكذلك الذى قبله

١٢٤ ـ وقال عليه السلام : غيرة المرأة كفر (٥) وغيرة الرّجل إيمان.

__________________

(١) الأول عمل فى شهوات النفس ، والثانى عمل فى طاعة اللّه

(٢) «سفر» أى : مسافرون ، أى : منزلهم فى أجداثهم ، أى : قبورهم ، و «التراث» أى : الميراث

(٣) الجائحة : الآفة تهلك الأصل والفرع

(٤) الخليقة : الخلق والطبيعة.

(٥) أى : تؤدى إلى الكفر ، فانها تحرم على الرجل ما أحل اللّه له من زواج متعددات ، أما غيرة الرجل فتحريم لما حرمه اللّه ، وهو الزنا.

١٧٩

١٢٥ ـ وقال عليه السلام : لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلى : الإسلام هو التّسليم ، والتّسليم هو اليقين ، واليقين هو التّصديق ، والتّصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل.

١٢٦ ـ وقال عليه السلام : عجبت للبخيل يستعجل الفقر (١) الّذى منه هرب ، ويفوته الغنى الّذى إيّاه طلب ، فيعيش فى الدّنيا عيش الفقراء ، ويحاسب فى الآخرة حساب الأغنياء ، وعجبت للمتكبّر الّذى كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة ، وعجبت لمن شكّ فى اللّه وهو يرى خلق اللّه ، وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى الموتى ، وعجبت لمن أنكر النّشأة الأخرى وهو يرى النّشأة الأولى ، وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء!!!

١٢٧ ـ وقال عليه السلام : من قصّر فى العمل ابتلى بالهمّ (٢) ولا حاجة للّه فيمن ليس للّه فى ماله ونفسه نصيب.

١٢٨ ـ وقال عليه السلام : توقّوا البرد فى أوّله ، وتلقّوه فى آخره فانّه

__________________

(١) الفقر : ما قصر بك عن درك حاجتك ، والبخيل تكون له الحاجة فلا يقضيها ، ويكون عليه الحق فلا يؤديه فحاله حال الفقراء يحتمل ما يحتملون ، فقد استعجل الفقر وهو يهرب منه بجمع المال

(٢) الهم : هم الحسرة على فوات ثمراته ، ومن لم يجعل للّه نصيبه فى ماله بالبذل فى سبيله ، ولا فى روحه باحتمال التعب فى إعزاز دينه ، فلا يكون له رجاء فى فضل اللّه ، فانه لا يكون فى الحقيقة عبد اللّه بل عبد نفسه والشيطان.

١٨٠