نهج البلاغة - ج ٣

محمد عبده

نهج البلاغة - ج ٣

المؤلف:

محمد عبده


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: مطبعة الإستقامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

يوم فيه يبلسون (١)

٣٦٨ ـ وقال عليه السلام. إنّ اللّه سبحانه وضع الثّواب على طاعته ، والعقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته (٢) وحياشة لهم إلى جنّته (٣)

٣٦٩ ـ [وقال عليه السلام : يأتى على النّاس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه ، ومساجدهم يومئذ غامرة من البناء ، خراب من الهدى ، سكّانها وعمّارها شرّ أهل الأرض : منهم تخرج الفتنة ، وإليهم تأوى الخطيئة ، يردّون من شذّ عنها فيها ، ويسوقون من تأخّر عنها إليها ، يقول اللّه سبحانه : فبى حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة نترك الحليم فيها حيران وقد فعل ، ونحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة]

٣٧٠ ـ وروى أنه عليه السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو ، ولا ترك سدى فيلغو! (٤) وما دنياه الّتى تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتى قبّحها سوء النّظر عنده ، وما المغرور الّذى ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذى ظفر من

__________________

(١) أبلس : يئس وتحير ، ويوم الحيرة : يوم القيامة

(٢) ذيادة ـ بالذال ـ أى : منعا لهم عن المعاصى الجالبة للنقم

(٣) حياشة : من «حاش الصيد» جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة ويسوقه إليها ليصيده ، أى : سوقا الى جنته

(٤) لها : تلهى بلذاته ، ولغا : أتى باللغو ، وهو ما لا فائدة فيه «١٦ ـ ن ـ ج ـ ٣»

٢٤١

الآخرة بأدنى سهمته (١)

٣٧١ ـ وقال عليه السلام : لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عزّ أعزّ من التّقوى ، ولا معقل أحسن من الورع ، ولا شفيع أنجح من التّوبة ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضا بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الرّاحة (٢) وتبوّأ خفض الدّعة. والرّغبة مفتاح النّصب (٣) ومطيّة التّعب ، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التّقحّم فى الذّنوب ، والشّرّ جامع مساوى العيوب

٣٧٢ ـ وقال عليه السلام : لجابر بن عبد اللّه الأنصارى : يا جابر ، قوام [الدّين و] الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ، وجواد لا يبخل بمعروفه ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فاذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم (٤) ، وإذا بخل الغنىّ بمعروفه باع الفقير

__________________

(١) السهمة ـ بالضم ـ : النصيب ، وأدنى حظ من الآخرة أفضل من أعلاه فى الدنيا ، والفرق بين الباقى والفانى ـ وإن كان الأول قليلا والثانى كثيرا ـ لا يخفى

(٢) من قولك «انتظمه بالرمح» أى : أنفذه فيه كأنه ظفر بالراحة وتبو أنزل الخفض ـ أى : السعة ـ والدعة ـ بالتحريك ـ كالخفض ، والاضافة على حد «كرى النوم».

(٣) الرغبة : الطمع ، والنصب ـ بالتحريك ـ : أشد التعب

(٤) لاستواء العلم والجهل فى نظره

٢٤٢

آخرته بدنياه (١)

يا جابر ، من كثرت نعم اللّه عليه كثرت حوائج النّاس إليه ، فمن قام للّه فيها بما يجب [فيها] عرّضها للدّوام والبقاء (٢) ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزّوال والفناء

٣٧٣ ـ وروى ابن جرير الطبرى فى تاريخه عن عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه ـ وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث ـ أنه قال فيما كان يحض به الناس على الجهاد : إنى سمعت عليا عليه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام : أيّها المؤمنون ، إنّه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرىء (٣) ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ومن أنكره بالسّيف لتكون كلمة اللّه هى العليا وكلمة الظّالمين هى السّفلى فذلك الّذى أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطّريق ، ونوّر فى قلبه اليقين

٣٧٤ ـ وفى كلام آخر له يجرى هذا المجرى : فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتّارك بيده فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير ومضيّع خصلة ، ومنهم

__________________

(١) لأنه يضطر للخيانة أو الكذب حتى ينال بهما من الغنى شيئا

(٢) «عرضها» أى : جعلها عرضة ، أى : نصبها له

(٣) برىء من الاثم وسلم من العقاب ، إن كان عاجزا

٢٤٣

المنكر بقلبه والتّارك بيده ولسانه فذلك الّذى ضيّع أشرف الخصلتين من الثّلاث وتمسّك بواحدة (١) ، ومنهم تارك لانكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء. وما أعمال البرّ كلّها والجهاد فى سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر إلاّ كنفثة فى بحر لجّىّ (٢) وإنّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر لا يقرّبان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام جائر

٣٧٥ ـ وعن أبى جحيفة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول أوّل ما تعلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثمّ بألسنتكم ثمّ بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه

٣٧٦ ـ وقال عليه السلام : إنّ الحقّ ثقيل مرىء ، وإنّ الباطل خفيف وبىء (٣)

٣٧٧ ـ وقال عليه السلام : لا تأمننّ على خير هذه الأمّة عذاب اللّه لقوله تعالى : «فَلاٰ يَأْمَنُ مَكْرَ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخٰاسِرُونَ» ولا تيأسنّ لشرّ

__________________

(١) «أشرف الخلصتين» : من إضافة الصفة للموصوف ، أى : الخلصتين الفائقتين فى الشرف عن الثالثة ، وليس من قبيل إضافة اسم التفضيل إلى متعدد

(٢) النفثة كالنفخة : يراد ما يمازج النفس من الريق عند النفخ

(٣) مرىء : من «مرأ الطعام» ـ مثلثة الراء ـ مراءة ، فهو مرىء ، أى : هنىء حميد العاقبة ، والحق وإن ثقل إلا أنه حميد العاقبة ، والباطل وإن خف فهو وبىء وخيم العاقبة ، وتقول : أرض وبيئة ، أى : كثيرة الوباء وهو المرض العام.

٢٤٤

هذه الأمّة من روح اللّه (١) لقوله تعالى : «إِنَّهُ لاٰ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكٰافِرُونَ»

٣٧٨ ـ وقال عليه السلام : البخيل جامع لمساوى العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء

٣٧٩ ـ وقال عليه السلام : الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك فان لم تأته أتاك ، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك! كفاك كلّ يوم على ما فيه ، فان تكن السّنة من عمرك فانّ اللّه تعالى سيؤتيك فى كلّ غد جديد ما قسم لك ، وإن لم تكن السّنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك ، ولن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يبطىء عنك ما قد قدّر لك قال الرضى : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب ، إلا أنه ههنا أوضح وأشرح ، فلذلك كررناه على القاعدة المقررة فى أول الكتاب

٣٨٠ ـ وقال عليه السلام : ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره ، ومغبوط فى أوّل ليله قامت بواكيه فى آخره (٢)

__________________

(١) روح اللّه ـ بالفتح ـ : رحمته

(٢) ربما يستقبل شخص يوما فيموت ، ولا يستدبره ـ أى : لا يعيش بعده فيخلفه وراءه ـ والمغبوط : المنظور إلى نعمته ، وقد يكون المرء كذلك فى أول الليل فيموت فى آخره فتقوم بواكيه : جمع باكية

٢٤٥

٣٨١ ـ وقال عليه السلام : الكلام فى وثاقك ما لم تتكلّم به (١) فإذا تكلّمت به صرت وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فربّ كلمة سلبت نعمة [وجلبت نقمة].

٣٨٢ ـ وقال عليه السلام : لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلّ ما تعلم فإنّ اللّه فرض على جوارحك [كلّها] فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة.

٣٨٣ ـ وقال عليه السلام : احذر أن يراك اللّه عند معصيته ويفقدك عند طاعته (٢) فتكون من الخاسرين ، وإذا قويت فاقو على طاعة اللّه ، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية اللّه

٣٨٤ ـ وقال عليه السلام : الرّكون إلى الدّنيا مع ما تعاين منها جهل (٣) والتّقصير فى حسن العمل إذا وثقت بالثّواب عليه غبن ، والطّمأنينة إلى كلّ

__________________

(١) الوثاق ـ كسحاب ـ : ما يشد به ويربط ، أى : أنت مالك لكلامك قبل أن يصدر عنك ، فاذا تكلمت به صرت مملوكا له ، فأما نفعك أو ضرك ، وخزن ـ كنصر ـ : حفظ ومنع الغير من الوصول إلى مخزونه ، والورق ـ بفتح فكسر ـ : الفضة

(٢) فقده يفقده ، أى : عدمه فلم يجده ، والكلام من الكناية. أى : إن اللّه يراك فى الحالين فاحذر أن تعصيه ولا تطيعه

(٣) تعاين من الدنيا تقلبا وتحولا لا ينقطع ولا يختص بخير ولا شرير ، فالثقة بها عمى عما تشاهد منها ، والغبن ـ بالفتح ـ الخسارة الفاحشة ، وعند اليقين بثواب اللّه لا خسارة أفحش من الحرمان بالتقصير فى العمل مع القدرة عليه

٢٤٦

أحد قبل الاختبار عجز.

٣٨٥ ـ وقال عليه السلام : من هوان الدّنيا على اللّه أنّه لا يعصى إلاّ فيها ، ولا ينال ما عنده إلاّ بتركها.

٣٨٦ ـ وقال عليه السلام : من طلب شيئا ناله أو بعضه (١)

٣٨٧ ـ وقال عليه السلام : ما خير بخير بعده النّار ، وما شرّ بشرّ بعده الجنّة (٢) ، وكلّ نعيم دون الجنّة فهو محقور ، وكلّ بلاء دون النّار عافية.

٣٨٨ ـ وقال عليه السلام : ألا وإنّ من البلاء الفاقة ، وأشدّ من الفاقة مرض البدن ، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب ، ألا وإنّ من النّعم سعة المال. وأفضل من سعة المال صحّة البدن ، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلب

٣٨٩ ـ [وقال عليه السلام : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. وفى رواية أخرى : من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه]

٣٩٠ ـ وقال عليه السلام : للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجى فيها

__________________

(١) أى : إن الذى يطلب ويعمل لما يطلبه ويداوم على ذلك لا بد أن يناله أو ينال بعضا منه

(٢) «ما» استفهامية إنكارية ، أى : لا خير فيما يسميه أهل الشهوة خيرا : من الكسب بغير الحق ، والتغلب بغير شرع ، حيث إن وراء ذلك النار. ولا شر فيما يدعوه الجهلة شرا : من الفقر ، أو الحرمان مع الوقوف عند الاستقامة ، فوراء ذلك جنة ، والمحقور : الحقير المحقر

٢٤٧

ربّه ، وساعة يرمّ معاشه (١) ، وساعة يخلّى بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ فى ثلاث : مرمّة لمعاش ، أو خطوة فى معاد أو لذّة فى غير محرّم.

٣٩١ ـ وقال عليه السلام : ازهد فى الدّنيا يبصّرك اللّه عوراتها ، ولا تغفل فلست بمغفول عنك!

٣٩٢ ـ وقال عليه السلام : تكلّموا تعرفوا ، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه

٣٩٣ ـ وقال عليه السلام : خذ من الدّنيا ما أتاك ، وتولّ عمّا تولّى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل فى الطّلب (٢)

٣٩٤ ـ وقال عليه السلام : ربّ قول أنفذ من صول (٣)

٣٩٥ ـ وقال عليه السلام : كلّ مقتصر عليه كاف (٤)

٣٩٦ ـ وقال عليه السلام : المنيّة ولا الدّنيّة! والتّقلّل ولا التّوسل (٥)

__________________

(١) يرم ـ بكسر الراء وضمها ـ أى : يصلح ، والمرمة ـ بالفتح ـ الاصطلاح والمعاد : ما تعود إليه فى القيامة

(٢) أى : فان رغبت فى طلب ما تولى وذهب عنك منها فليكن طلبك جميلا واقفا بك عند الحق

(٣) الصول ـ بالفتح ـ السطوة

(٤) مقتصر ـ بفتح الصاد ـ اسم مفعول ، وإذا اقتصرت على شىء فقنعت به فقد كفاك.

(٥) «المنية» أى : الموت ، يكون ولا يكون ارتكاب الدنية كالتذلل والنفاق ، و «التقلل» أى : الاكتفاء بالقليل يرضى به الشريف ولا يرضى بالتوسل إلى الناس.

٢٤٨

ومن لم يعط قاعدا لم يعط قائما (١) ، والدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك فاذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر!

٣٩٧ ـ [وقال عليه السلام : نعم الطّيب المسك خفيف محمله ، عطر ريحه]

٣٩٨ ـ [وقال عليه السلام : ضع فخرك ، واحطط كبرك ، واذكر قبرك]

٣٩٩ ـ [وقال عليه السلام : إنّ للولد على الوالد حقّا ، وإنّ للوالد على الولد حقّا ، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه فى كلّ شىء ، إلاّ فى معصية اللّه سبحانه ، وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن]

٤٠٠ ـ [وقال عليه السلام : العين حقّ ، والرّقى حقّ ، والسّحر حقّ والفأل حقّ ، والطّيرة ليست بحقّ ، والعدوى ليست بحقّ ، والطّيب نشرة ، والعسل نشرة ، والرّكوب نشرة ، والنّظر إلى الخضرة نشرة]

٤٠١ ـ وقال عليه السلام : مقاربة النّاس فى أخلاقهم أمن من غوائلهم (٢)

٤٠٢ ـ وقال عليه السلام : لبعض مخاطبيه ـ وقد تكلم بكلمة يستصغر مثله عن قول مثلها (٣) ـ : لقد طرت شكيرا ، وهدرت سقبا قال الرضى : والشكير ههنا : أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى

__________________

(١) كنى بالقعود عن سهولة الطلب ، وبالقيام عن التعسف فيه

(٢) المنافرة فى الأخلاق والمباعدة فيها مجلبة للعداوات ، ومن عاداه الناس وقع فى غوائلهم ، فالمقاربة لهم فى أخلاقهم حافظة لمودتهم ، لكن لا تجوز الموافقة فى غير حق

(٣) كلمة عظيمة : مثله فى صغره قاصر عن قول مثلها

٢٤٩

ويستحصف (١) والسقب : الصغير من الابل ، ولا يهدر إلا بعد أن يستفحل

٤٠٣ ـ وقال عليه السلام : من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل (٢)

٤٠٤ ـ وقال عليه السلام : وقد سئل عن معنى قولهم «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ـ إنّا لا نملك مع اللّه شيئا ، ولا نملك إلاّ ما ملّكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا (٣) ومتى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا

٤٠٥ ـ وقال عليه السلام لعمار بن ياسر ، وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما : دعه يا عمّار ، فإنّه لم يأخذ من الدّين إلاّ ما قاربه من الدّنيا ، وعلى عمد لبّس على نفسه (٤) ليجعل الشّبهات عاذرا لسقطاته.

٤٠٦ ـ وقال عليه السلام : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه! وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه (٥).

__________________

(١) كأنه قال : لقد طرت وأنت فرخ لم تنهض

(٢) أومأ : أشار ، والمراد طلب وأراد ، والمتفاوت : المتباعد ، أى : من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى بعض خذلته الحيل فيما يريد فلم ينجح فيه

(٣) أى : متى ملكنا القوة على العمل ـ وهى فى قبضته أكثر مما هى فى قبضتنا ـ فرض علينا العمل

(٤) «على عمد» متعلق بلبس ، أى : أوقع نفسه فى الشبهة عامدا لتكون الشبهة عذرا له فى زلاته

(٥) لأن تيه الفقير وأنفته على الغنى أدل على كمال اليقين باللّه ، فانه بذلك قد أمات طمعا ومحا خوفا ، وصابر فى يأس شديد ، ولا شىء من هذا فى تواضع الغنى

٢٥٠

٤٠٧ ـ وقال عليه السلام : ما استودع اللّه امرأ عقلا إلاّ استنقذه به يوما مّا (١)!

٤٠٨ ـ وقال عليه السلام : من صارع الحقّ صرعه.

٤٠٩ ـ وقال عليه السلام : القلب مصحف البصر (٢)

٤١٠ ـ وقال عليه السلام : التّقى رئيس الأخلاق.

٤١١ ـ وقال عليه السلام : لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من سدّدك (٣)

٤١٢ ـ وقال عليه السلام : كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك.

٤١٣ ـ وقال عليه السلام : من صبر صبر الأحرار ، وإلاّ سلا سلوّ الأغمار (٤)

__________________

(١) أى : إن اللّه لا يهب العقل إلا حيث يريد النجاة ، فمتى أعطى شخصا عقلا خلصه به من شقاء الدارين

(٢) أى : ما يتناوله البصر يحفظ فى القلب كأنه يكتب فيه

(٣) الذرب : الحدة ، والتسديد : التقويم والتثقيف ، أى : لا تطل لسانك على من علمك النطق ، ولا تظهر بلاغتك على من ثقفك وقوم عقلك

(٤) الأغمار : جمع غمر ـ مثلث الأول ـ وهو الجاهل لم يجرب الأمور ، ومن فاته شرف الجلد والصبر فلا بد يوما أن يسلو بطول المدة ، فالصبر أولى

٢٥١

٤١٤ ـ وفى خبر آخر أنه عليه السلام قال للأشعث بن قيس معزيا : إن صبرت صبر الأكارم ، وإلاّ سلوت سلوّ البهائم.

٤١٥ ـ وقال عليه السلام فى صفة الدنيا : تغرّ وتضرّ وتمرّ ، إنّ اللّه تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه ، ولا عقابا لأعدائه ، وإنّ أهل الدّنيا كركب بينا هم حلّوا إذ صاح [بهم] سائقهم فارتحلوا (١).

٤١٦ ـ وقال لابنه الحسن عليه السلام : لا تخلّفنّ وراءك شيئا من الدّنيا ، فإنّك تخلّفه لأحد رجلين : إمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، وإمّا رجل عمل فيه بمعصية اللّه [فشقى بما جمعت له] فكنت عونا له على معصيته ، وليس أحد هذين حقيقا أن تؤثره على نفسك قال الرضى : ويروى هذا الكلام على وجه آخر وهو أمّا بعد ، فإنّ الّذى فى يدك من الدّنيا قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل بعدك ، وإنّما أنت جامع لأحد رجلين : رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، أو رجل عمل فيه بمعصية اللّه فشقيت بما جمعت له ، وليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على نفسك ولا أن تحمل له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة اللّه ، ولمن بقى رزق اللّه.

٤١٧ ـ وقال عليه السلام لقائل قال بحضرته «أستغفر اللّه» ثكلتك

__________________

(١) اى : بينما هم قد حلوا يفاجئهم صائح الأجل وهو سائقهم بالرحيل فارتحلوا

٢٥٢

أمّك أتدرى ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها النّدم على ما مضى ، والثّانى : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثّالث : أن تؤدّى إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرّابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّى حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللّحم الّذى نبت على السّحت (١) فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسّادس : أن تذيق الجسم ألم الطّاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : «أستغفر اللّه».

٤١٨ ـ وقال عليه السلام : الحلم عشيرة (٢)

٤١٩ ـ وقال عليه السلام : مسكين ابن آدم : مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقّة ، وتقتله الشّرقة ، وتنتنه العرقة (٣).

٤٢٠ ـ وروى أنه عليه السلام كان جالسا فى أصحابه ، فمرت بهم امراة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام : إنّ أبصار هذه الفحول

__________________

(١) السحت ـ بالضم ـ : المال من كسب حرام.

(٢) خلق الحلم يجمع إليك من معاونة الناس لك ما يجتمع لك بالعشيرة ، لأنه يوليك محبة الناس فكأنه عشيرة

(٣) «مكنون» أى : مستور العلل والأمراض لا يعلم من أين تأتيه : إذا عضته بقة تألم ، وقد يموت بجرعة ماء إذا شرق بها ، وتنتن ريحه إذا عرق عرقة

٢٥٣

طوامح (١) ، وإنّ ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله ، فإنّما هى امرأة كامرأة ، فقال رجل من الخوارج «قاتله اللّه كافرا ما أفقهه» فوثب القوم ليقتلوه ، فقال عليه السلام : رويدا إنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب (٢)!

٤٢١ ـ [وقال عليه السلام : كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيّك من رشدك]

٤٢٢ ـ وقال عليه السلام : افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فإنّ صغيره كبير وقليله كثير ، ولا يقولنّ أحدكم إنّ أحدا أولى بفعل الخير منّى فيكون واللّه كذلك. إنّ للخير والشّرّ أهلا فمهما تركتموه منهما كفاكموه أهله (٣)

٤٢٣ ـ وقال عليه السلام : من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه [اللّه] أمر دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين اللّه أحسن اللّه ما بينه وبين النّاس.

__________________

(١) جمع طامح أو طامحة وتقول : طمح البصر ، إذا ارتفع ، وطمح : أبعد فى الطلب. «وإن ذلك» أى : طموح الأبصار سبب هبابها ـ بالفتح ـ : أى : هيجان هذه الفحول لملامسة الأنثى

(٢) إن الخارجى سب أمير المؤمنين بالكفر فى الكلمة السابقة ، فأمير المؤمنين لم يسمح بقتله ويقول : إما أن أسبه أو أعفو عن ذنبه

(٣) ما تركتموه من الخير يقوم أهله بفعله بدلكم ، وما تركتموه من الشر يؤديه عنكم أهله. فلا تختاروا أن تكونوا للشر أهلا ، ولا أن يكون عنكم فى الخير بدلا

٢٥٤

٤٢٤ ـ وقال عليه السلام : الحلم غطاء ساتر ، والعقل حسام قاطع ، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل هواك بعقلك

٤٢٥ ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه عبادا يختصّهم اللّه بالنّعم لمنافع العباد فيقرّها فى أيديهم ما بذلوها (١) ، فإذا منعوها نزعها منهم ثمّ حوّلها إلى غيرهم

٤٢٦ ـ وقال عليه السلام : لا ينبغى للعبد أن يثق بخصلتين : العافية ، والغنى ، بينا تراه معافى إذ سقم ، وبينا تراه غنيّا إذ افتقر.

٤٢٧ ـ وقال عليه السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنّه شكاها إلى اللّه ، ومن شكاها إلى كافر فكأنّما شكا اللّه.

٤٢٨ ـ وقال عليه السلام فى بعض الأعياد : إنّما هو عبد لمن قبل اللّه صيامه وشكر قيامه ، وكلّ يوم لا يعصى اللّه فيه فهو عيد

٤٢٩ ـ وقال عليه السلام : إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا فى غير طاعة اللّه فورثه رجل فأنفقه فى طاعة اللّه سبحانه فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النّار.

٤٣٠ ـ وقال عليه السلام : إنّ أخسر النّاس صفقة (٢) وأخيبهم سعيا

__________________

(١) «يقرها» أى : يبقيها ويحفظها مدة بذلهم لها

(٢) «الصفقة» أى : البيعة ، أى : أخسرهم بيعا وأشدهم خيبة فى سعيه ذلك الرجل الذى أخلق بدنه : أى أبلاه ونهكه فى طلب المال ولم يحصله ، والتبعة ـ بفتح فكسر ـ

٢٥٥

رجل أخلق بدنه فى طلب ماله ، ولم تساعده المقادير على إرادته ، فخرج من الدّنيا بحسرته ، وقدم على الآخرة بتبعته.

٤٣١ ـ وقال عليه السلام : الرّزق رزقان : طالب ، ومطلوب ، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه عنها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفى رزقه منها.

٤٣٢ ـ وقال عليه السلام : إنّ أولياء اللّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا إذا نظر النّاس إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها (١) إذا اشتغل النّاس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم (٢) ، وتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالا ، ودركهم لها فوتا ، أعداء ما سالم النّاس وسلم ما عادى النّاس (٣)! بهم علم الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب

__________________

حق اللّه وحق الناس عنده يطالب به

(١) إضافة «الآجل» إلى «الدنيا» لأنه يأتى بعدها ، أو لأنه عاقبة الأعمال فيها والمراد منه ما بعد الموت

(٢) أماتوا قوة الشهوة والغضب التى يخشون أن تميت فضائلهم ، وتركوا اللذات العاجلة التى ستتركهم ، ورأوا أن الكثير من هذه اللذات قليل فى جانب الأجر على تركه ، وإدراكه فوات ، لأنه يعقب حسرات العقاب

(٣) الناس يسالمون الشهوات ، وأولياء اللّه يحاربونها ، والناس يحاربون العفة والعدالة ، وأولياء اللّه يسالمونهما وينصرونهما

٢٥٦

وبه قاموا ، لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون (١)

٤٣٣ ـ وقال عليه السلام : اذكروا انقطاع اللّذّات ، وبقاء التّبعات.

٤٣٤ ـ وقال عليه السلام : اخبر تقله (٢) قال الرضى : ومن الناس من يروى هذا للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ومما يقوى أنه من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابى ، قال المأمون : لو لا أن عليا قال «اخبر تقله» لقلت : اقله تخبر

٤٣٥ ـ وقال عليه السلام : ما كان اللّه ليفتح على عبد باب الشّكر ويغلق عنه باب الزّيادة ، ولا ليفتح على عبد باب الدّعاء ويغلق عنه باب الإجابة (٣) ولا ليفتح لعبد باب التّوبة ويغلق عنه باب المغفرة

٤٣٦ ـ [وقال عليه السلام : أولى النّاس بالكرم من عرفت به الكرام]

٤٣٧ ـ وسئل منه عليه السلام : أيما أفضل : العدل ، أو الجود؟ فقال

__________________

(١) أى مرجو فوق ثواب اللّه؟ وأى مخوف أعظم من غضب اللّه؟

(٢) اخبر ـ بضم الباء ـ أمر من «خبرته» من باب قتل ـ أى : علمته ، و «تقله» مضارع مجزوم بعد الأمر ، وهاؤه للوقف من «قلاه يقليه» كرماه يرميه ـ بمعنى أبغضه ، أى : إذا أعجبك ظاهر الشخص فاختبره فربما وجدت فيه ما لا يسرك فتبغضه ، ووجه ما اختاره المأمون أن المحبة ستر العيوب ، فاذا أبغضت شخصا أمكنك أن تعلم حاله كما هو

(٣) تكرر الكلام فى أن الدعاء والاجابة والاستغفار والمغفرة إذا صدقت النيات وطابق الرجاء العمل ، وإلا فليست من جانب اللّه فى شىء ، إلا أن تخرق سعة فضله سوابق سنته «١٧ ـ ن ـ ج ـ ٣»

٢٥٧

عليه السلام : العدل يضع الأمور مواضعها ، والجود يخرجها من جهتها ، والعدل سائس عامّ ، والجود عارص خاصّ ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما

٤٣٨ ـ وقال عليه السلام : النّاس أعداء ما جهلوا.

٤٣٩ ـ وقال عليه السلام : الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن : قال اللّه سبحانه. «لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَلاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ» ومن لم يأس على الماضى (١) ولم يفرح بالآتى فقد أخذ الزّهد بطرفيه.

٤٤٠ ـ وقال عليه السلام : ما أنقض النّوم لعزائم اليوم (٢)

٤٤١ ـ وقال عليه السلام : الولايات مضامير الرّجال (٣)

٤٤٢ ـ وقال عليه السلام : ليس بلد بأحقّ [بك] من بلد (٤) ، خير البلاد ما حملك.

٤٤٣ ـ وقال عليه السلام ، وقد جاءه نعى الأشتر رحمه اللّه : مالك

__________________

(١) أى : لم يحزن على ما نفذ به القضاء

(٢) تقدمت هذه الجملة بنصها ، ومعناها قد يجمع العازم على أمر فاذا نام وقام وجد الانحلال فى عزيمته ، أو ثم يغلبه النوم عن إمضاء عزيمته

(٣) المضامير : جمع مضمار ، وهو المكان الذى تضمر فيه الخيل للسباق ، والولايات أشبه بالمضامير ، إذ يتبين فيها الجواد من البرذون

(٤) يقول : كل البلاد تصلح سكنا ، وإنما أفضلها ما حملك ، أى : كنت فيه على راحة ، فكأنك محمول عليه

٢٥٨

وما مالك (١) [واللّه] لو كان جبلا لكان فندا [ولو كان حجرا لكان صلدا] : لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفى عليه الطّائر

قال الرضى : والفند : المنفرد من الجبال

٤٤٤ ـ وقال عليه السلام : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه

٤٤٥ ـ وقال عليه السلام : إذا كان فى رجل خلّة رائقة فانتظروا أخواتها (٢)

٤٤٦ ـ وقال عليه السلام لغالب صعصعة أبى الفرزدق ، فى كلام دار بينهما : ما فعلت إبلك الكثيرة؟ قال : ذعذعتها الحقوق (٣) يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : ذلك أحمد سبلها

٤٤٧ ـ وقال عليه السلام : من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم فى الرّبا (٤)

٤٤٨ ـ وقال عليه السلام : من عظّم صغار المصائب ابتلاه اللّه بكبارها (٥)

__________________

(١) مالك : هو الأشتر النخعى ، والفند ـ بكسر الفاء ـ : الجبل العظيم ، والجملتان بعده كناية عن رفعته وامتناع همته ، و «أوفى عليه» وصل إليه

(٢) الخلة ـ بالفتح ـ : الخصلة ، أى : إذا أعجبك خلق من شخص فلا تعجل بالركون إليه وانتظر سائر الخلال

(٣) ذعذع المال : فرقه وبدده ، أى : فرق إبلى حقوق الزكاة والصدقات ، وذلك أحمد سبلها ـ جمع سبيل ـ أى : أفضل طرق إفنائها

(٤) ارتطم : وقع فى الورطة فلم يمكنه الخلاص ، والتاجر إذا لم يكن على علم بالفقه لا يأمن الوقوع فى الربا جهلا

(٥) من تفاقم به الجزع ولم يجمل منه الصبر عند المصائب الخفيفة حمله الهم إلى ما هو أعظم منها

٢٥٩

٤٤٩ ـ وقال عليه السلام : من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته

٤٥٠ ـ وقال عليه السلام : ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة (١)

٤٥١ ـ وقال عليه السلام : زهدك فى راغب فيك نقصان حظّ (٢) ، ورغبتك فى زاهد فيك ذلّ نفس.

٤٥٢ ـ وقال عليه السلام : الغنى والفقر بعد العرض على اللّه (٣)

٤٥٣ ـ [وقال عليه السلام : ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه المشئوم عبد اللّه]

٤٥٤ ـ وقال عليه السلام : ما لابن آدم والفخر : أوّله نطفة ، وآخره جيفة ، ولا يرزق نفسه ، ولا يدفع حتفه.

٤٥٥ ـ وسئل من أشعر الشعراء؟ فقال عليه السلام : إنّ القوم لم يجروا فى حلبة تعرف الغاية عند قصبتها (٤) فإن كان ولا بدّ فالملك الضّلّيل (يريد

__________________

(١) المزح والمزاحة والمزاح : بمعنى واحد ، وهو المضاحكة بقول أو فعل ، وأغلبه لا يخلو عن سخرية ، ومج الماء من فيه : رماه ، وكأن المازج يرمى بعقله ويقذف به فى مطارح الضياع

(٢) بعدك عمن يتقرب منك ويلتمس مودتك تضييع لحظ من الخير يصادفك وأنت تلوى عنه ، وتقربك لمن يبتعد عنك ذل ظاهر

(٣) العرض على اللّه يوم القيامة ، وهناك يظهر الغنى بالسعادة الحقيقية والفقر بالشقاء الحقيقى.

(٤) الحلبة ـ بالفتح ـ : القطعة من الخيل تجتمع للسباق ، عبر بها عن الطريقة الواحدة ، والقصبة : ما ينصبه طلبة السباق حتى إذا سبق سابق أخذه ليعلم بلا نزاع ، وكانوا يجعلون هذا من قصب ، أى : لم يكن كلامهم فى مقصد واحد ، بل ذهب بعضهم مذهب الترغيب ، وآخر مذهب الترهيب ، وثالث مذهب الغزل والتشبيب ، والضليل : من الضلال ، لأنه كان فاسقا

٢٦٠