نهج البلاغة - ج ٣

محمد عبده

نهج البلاغة - ج ٣

المؤلف:

محمد عبده


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : الحديث وعلومه
المطبعة: مطبعة الإستقامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

وإنّ لهم بنا رحما ماسّة ، وقرابة خاصّة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، فاربع (١) أبا العبّاس ، رحمك اللّه ـ فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشرّ ، فإنّا شريكان فى ذلك ، وكن عند صالح ظنّى بك ، ولا يفيلنّ رأيى فيك ، والسّلام

١٩ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى بعض عماله

أمّا بعد ، فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة (٢) واحتقارا وجفوة ، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم (٣) ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم ، فالبس لهم جلبابا من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة (٤)

__________________

(١) اربع : ارفق وقف عند حد ما تعرف ، وتقول : اربع عليك ، واربع على نفسك ، واربع على ظلعك ـ كل ذلك من باب منع ـ أى : قف وانتظر ولا تزد على ذلك. يريد عليه السلام أمره بالتثبت فى جميع ما يعتمده فعلا وقولا من خير وشر وألا يعجل به لأنه شريكه فيه ، فانه عامله ونائب عنه. وقوله «كن عند صالح ظنى فيك» معناه كن واقفا عنده كأنك تشاهده فتمنعك مشاهدته من فعل ما لا يجوز ، وفال رأيه : ضعف

(٢) الدهاقين : الأكابر يأمرون من دونهم ولا يأتمرون ، والواحد دهقان ـ بكسر الدال وسكون الهاء ـ وهو معرب.

(٣) لأن يقربوا فانهم مشركون ، ولا لأن يبعدوا فانهم معاهدون

(٤) تشوبه : تخلطه.

٢١

وداول لهم بين القسوة والرّأفة (١) وامزج لهم بين التّقريب والادناء ، والابعاد والاقصاء ، إن شاء اللّه :

٢٠ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى زياد بن أبيه ، وهو خليفة عامله عبد اللّه بن عباس على البصرة ، وعبد اللّه عامل أمير المؤمنين [عليه السلام] يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان (٢)

وإنّى أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغنى أنّك خنت من فىء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا (٣) لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر ، ثقيل الظّهر ، ضئيل الأمر ، والسّلام.

__________________

(١) «داول بينهم» أى : مرة هكذا ، ومرة هكذا ، أمره أن يسلك معهم منهجا متوسطا : لا يدينهم كل الأدناء ، ولا يبعدهم كل البعد.

(٢) كور : جمع كورة ، وهى الناحية المضافة إلى أعمال بلد من البلدان ، والأهواز : تسع كور بين البصرة وفارس

(٣) فيئهم : ما لهم من غنيمة أو خراج ، والوفر : المال ، والضئيل : الضعيف النحيف ، وقوله «لأشدن عليك شدة» هو فى المعنى كقولك : لأحملن عليك حملة ، والمراد تهديده بالأخذ واستصفاء المال ، ثم وصف تلك الشدة فقال : إنها تتركك قليل الوفر ، أى : أفقرك بأخذ ما احتجنت من بيت مال المسلمين ، و «ثقيل الظهر» أى : مسكين لا تقدر على مؤنة عيالك ، و «ضئيل الأمر» أى : حقير ، لأنك إنما كنت نبيها بين الناس بالغنى والثروة ، فاذا افتقرت صغرت عندهم وتقحمتك أعينهم

٢٢

٢١ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إليه أيضا

فدع الإسراف مقتصدا ، واذكر فى اليوم غدا ، وأمسك من المال بقدر ضرورتك ، وقدّم الفضل ليوم حاجتك (١) أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبّرين؟ وتطمع ـ وأنت متمرّغ فى النّعيم تمنعه الضّعيف والأرملة ـ أن يوجب لك ثواب المتصدّقين (٢)؟ وإنّما المرء مجزىّ بما أسلف (٣) وقادم على ما قدّم ، والسّلام.

٢٢ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى عبد اللّه بن العباس [رحمه اللّه]

وكان [ابن عباس] يقول : ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللّه كانتفاعى بهذا الكلام أمّا بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم

__________________

(١) «الفضل» : ما يفضل من المال فقدمه ليوم الحاجة كالأعداد ليوم الحرب مثلا ، أو قدم فضل الاستقامة للحاجة يوم القيامة.

(٢) المتمرغ فى النعيم : المتقلب فيه ، نهاه عن الأسراف ـ وهو التبذير فى الانفاق ـ وأمره أن يمسك من المال ما تدعو إليه الضرورة ، وأن يقدم فضول أمواله وما ليس له إليه حاجة ضرورية فى الصدقة فيدخره ليوم حاجته ، وهو يوم البعث والنشور.

(٣) أسلف : قدم فى سالف أيامه.

٢٣

يكن ليدركه (١) ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا ، وليكن همّك فيما بعد الموت

٢٣ ـ ومن كلام له عليه السّلام

قاله قبل موته على سبيل الوصية ، لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه

وصيّتى لكم أن لا تشركوا باللّه شيئا ، ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله [وسلّم (٢)] فلا تضيّعوا سنّته : أقيموا هذين العمودين ، [وأوقدوا هذين المصباحين] وخلاكم ذمّ (٣) أنا بالأمس صاحبكم ، واليوم عبرة لكم ، وغدا مفارقكم! إن أبق فأنا ولىّ دمى ، وإن أفن فالفناء ميعادى ، وإن أعف فالعفو لى قربة ، وهو لكم حسنة ، فاعفوا «أَلاٰ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللّٰهُ لَكُمْ»؟ واللّه ما فجأنى من الموت وارد كرهته ، ولا طالع أنكرته ، وما كنت إلاّ

__________________

(١) قد يسر الانسان بشىء وقد حتم فى قضاء اللّه أنه له ، ويحزن بفوات شىء ومحتوم عليه أن يفوته ، والمقطوع بحصوله لا يصح الفرح به ، كالمقطوع بفواته لا يصح الحزن له ، لعدم الفائدة فى الثانى ، ونفى الغائلة فى الأول. و «لا تأس» أى : لا تحزن

(٢) «ومحمد» عطف على «أن لا تشركوا» مرفوع

(٣) «خلاكم ذم» أى : عداكم الذم ، والمراد جاوزكم اللوم بعد قيامكم بالوصية.

٢٤

كقارب ورد (١) وطالب وجد «وَمٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرٰارِ» [قال الرضى] أقول : وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب ، إلا أن فيه ههنا زيادة أوجبت تكريره

٢٤ ـ ومن وصيّة له عليه السّلام

بما يعمل فى أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفين

هذا ما أمر به عبد اللّه علىّ بن أبى طالب [أمير المؤمنين] فى ماله ابتغاء وجه اللّه ، ليولجه به الجنّة (٢) ويعطيه به الأمنة منها : وإنّه يقوم بذلك الحسن بن علىّ : يأكل منه بالمعروف ، وينفق فى المعروف ، فإن حدث بحسن حدث (٣) وحسين حىّ قام بالأمر بعده ، وأصدره مصدره.

__________________

(١) القارب : طالب الماء ليلا ، كما قال الخليل. ولا يقال لطالبه نهارا ، وقيل : القارب : الذى يسير إلى الماء وقد بقى بينه وبينه ليلة واحدة ، والاسم القرب ـ بزنة قفل وجمل ـ والقوم قاربون ، ولا يقال مقربون ، وقال المجد : والقرب : طلب الماء ليلا ، أو ألا يكون بينه وبينه إلا ليلة ، أو إذا كان بينكما يومان : فأول يوم تطلب فيه الماء القرب والثانى الطلق ـ محركا ـ وقد قرب الابل ـ كنصر ـ قرابة ـ بالكسر ـ وأقربتها اه‍ يريد أنه عليه السلام مستعد للموت ، راغب فى لقاء اللّه ، وليس يكره ما يقبل عليه منه.

(٢) يولجه : يدخله ، والأمنة ـ بالتحريك ـ : الأمن

(٣) الحدث ـ بالتحريك ـ : الحادث ، أى : الموت ، وأصدره : أجراه كما كان يجرى على يد الحسن.

٢٥

وإنّ لبنى فاطمة من صدقة علىّ مثل الّذى لبنى علىّ ، وإنّى إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابنى فاطمة ابتغاء وجه اللّه ، وقربة إلى رسول اللّه ، وتكريما لحرمته ، وتشريفا لوصلته (١) ويشترط (٢) على الّذى يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له ، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى وديّة (٣) حتّى تشكل أرضها غراسا ومن كان من إمائى اللاّتى أطوف عليهنّ لها ولد أو هى حامل فتمسك على ولدها وهى من حظّه ، فإن مات ولدها وهى حيّة فهى عتيقة : قد أفرج عنها الرّقّ ، وحرّرها العتق قال الرضى : قوله عليه السلام فى هذه الوصية «أن لا يبيع من نخيلها ودية» : الودية : الفسيلة ، وجمعها ودى ، وقوله عليه السلام «حتى تشكل أرضها غراسا» هو من أفصح الكلام ، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التى عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها

__________________

(١) الوصلة ـ بالضم ـ : الصلة ، وهى هنا القرابة

(٢) ضمير الفعل إلى على أو الحسن ، و «الذى يجعله إليه» : هو من يتولى المال بعد على أو الحسن بوصيته ، و «ترك المال على أصوله» : ألا يباع منه شىء ، ولا يقطع منه غرس

(٣) الودية ـ كهدية ـ : واحدة الودى ، أى : صغار النخل ، وهو هنا الفسيل والسر فى النهى أن النخلة فى صغرها لم يستحكم جذعها فى الأرض فقلع فسيلها يضر بها.

٢٦

٢٥ ـ ومن وصيّة له عليه السّلام

كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات ، وإنما ذكرنا هنا جملا [منها] ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق ، ويشرع أمثلة العدل : فى صغير الأمور وكبيرها ، ودقيقها وجليلها

انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له ، ولا تروّعنّ مسلما (١) ولا تجتازنّ عليه كارها ، ولا تأخذنّ منه أكثر من حقّ اللّه فى ماله ، فإذا قدمت على الحىّ فانزل بمائهم ، من غير أن تخالط أبيانهم ، ثمّ امض إليهم بالسّكينة والوقار حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم ، ولا تخدج بالتّحيّة لهم (٢) ثمّ تقول : عباد اللّه ، أرسلنى إليكم ولىّ اللّه وخليفته لآخذ منكم حقّ اللّه فى أموالكم ، فهل للّه فى أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال قائل : لا! فلا تراجعه

__________________

(١) الروع : الفزع ، ويقال : رعته أروعه ـ مثل قلته أقوله ـ وروعته ترويعا ، أى : خوفته ، والاجتياز : المرور ، أى : لا تمر عليه وهو كاره لك لغلظة فيك ، وروى «ولا تختارن عليه» من الاختيار ، أى : لا تقسم ماله وتختر أحد القسمين وهو كاره لذلك. والرواية الأولى هى المشهورة ، وقوله «وانزل بمائهم» فهو جار على عادة العرب المحمودة عندهم ، فانهم يحمدون من القادم عليهم الانقباض ، ويكرهون منه أن يخالط بيوت الحى لاحتمال أن يكون هناك من النساء من لا تليق رؤيته ولا يحسن سماع صوته.

(٢) أخدجت السحابة : قل مطرها ، وأخدجت الناقة : إذا جاءت بولد ناقص الخلق وإن كانت أيامه تامة ، وخدجت ـ بلا همز ـ إذا ألقت ولدها قبل تمام أيامها وإن كان تام الخلق ، والباء زائدة ، ويحتمل أنه ضمنه معنى فعل يتعدى بالباء فلا تكون زائدة ، أى : لا تبخل

٢٧

وإن أنعم لك منعم (١) فانطلق معه من غير أن تخيفه وتوعده ، أو تعسفه ، أو ترهقه! فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة ، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه ولا عنيف به ، ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ، ولا تسوءنّ صاحبها فيها واصدع المال صدعين (٢) ثمّ خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره ، ثمّ اصدع الباقى صدعين ، ثمّ خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه فى ماله ، فاقبض حقّ اللّه منه ، فإن استقالك فأقله (٣) ، ثمّ اخلطهما ، ثمّ اصنع مثل الّذى صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه فى ماله. ولا تأخذنّ عودا (٤) ولا هرمة ، ولا مكسورة ، ولا مهلوسة ، ولا ذات عوار ، ولا تأمننّ عليها إلاّ من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتّى يوصّله إلى وليّهم فيقسمه بينهم ، ولا توكّل بها إلاّ ناصحا شفيقا

__________________

(١) «أنعم لك منعم» أى : قال لك «نعم» أو تعسفه : تأخذه بشدة ، وترهقه : تكلفه ما يصعب عليه.

(٢) أى : اقسمه قسمين ، ثم خير صاحب المال فى أيهما

(٣) أى : فان ظن فى نفسه سوء الاختيار ، وأن ما أخذت منه الزكاة أكرم مما فى يده ، وطلب الاعفاء من هذه القسمة ، فأعفه منها ، واخلط ، وأعد القسمة

(٤) العود ـ بفتح فسكون ـ : المسنة من الأبل ، والهرمة : أسن من العود ، والمهلوسة : الضعيفة ، تقول : هلسه المرض ، أى : أضعفه. والعوار ـ بفتح العين ، وتضم العيب ـ :

٢٨

وأمينا حفيظا ، غير معنّف ولا مجحف (١) ولا ملغب ولا متعب ، ثمّ احدر إلينا ما اجتمع عندك (٢) ، نصيّره حيث أمر اللّه ، فاذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها (٣) ولا يمصّر لبنها فيضرّ ذلك بولدها ولا يجهدنّها ركوبا ، وليعدل بين صواحباتها فى ذلك وبينها ، وليرفّه على اللاّغب (٤) ، وليستأن بالنّقب والظّالع ، وليوردها ما تمرّ به من الغدر (٥) ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّرق ، وليروّحها فى السّاعات ، وليمهلها عند النّطاف (٦) والأعشاب ، حتّى تأتينا ، باذن اللّه ، بدنا منقيات ، غير متعبات ولا مجهودات (٧) لنقسمها على كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله ، فانّ ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، إن شاء اللّه.

__________________

(١) المجحف : من يشتد فى سوقها حتى تهزل ، والملغب : المعيى من التعب

(٢) حدر يحدر ـ كينصر ويضرب ـ : أسرع. والمراد سق إلينا سريعا

(٣) فصيل الناقة : ولدها وهو رضيع ، ومصر اللبن تمصيرا : قلله ، أى : لا تبالغ فى حلبها حتى يقل اللبن فى ضرعها.

(٤) أى : ليرح ما لغب ، أى : أعياه التعب ، و «ليستأن» أى : يرفق ، من الأناة بمعنى الرفق ، والنقب ـ بفتح فكسر ـ : ما نقب خفه ـ كفرح ، أى : تخرق ـ وظلع البعير : غمز فى مشيته

(٥) جمع ٩ غدير : وهو ما غادره السيل من المياه

(٦) النطاف : جمع نطفة ، وهى المياه القليلة ، أى : يجعل لها مهلة لتشرب وتأكل

(٧) البدن بضمتين : جمع بادنة ، أى : سمينة ، والمنقيات : اسم فاعل من «أنقت الأبل» إذا سمنت ، وأصله صارت ذات نقى ـ بكسر فسكون ـ أى : مخ

٢٩

٢٦ ـ ومن عهد له عليه السلام

إلى بعض عماله ، وقد بعثه على الصدقة

آمره بتقوى اللّه فى سرائر أمره وخفيّات عمله ، حيث لا شاهد غيره ، ولا وكيل دونه وآمره أن لا يعمل بشىء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ (١) ومن لم يختلف سرّه وعلانيته ، وفعله ومقالته ، فقد أدّى الأمانة ، وأخلص العبادة وآمره أن لا يجبههم (٢) ولا يعضههم ، ولا يرغب عنهم تفضّلا بالامارة عليهم ، فإنّهم الإخوان فى الدّين ، والأعوان على استخراج الحقوق. وإنّ لك فى هذه الصّدقة نصيبا مفروضا ، وحقّا معلوما ، وشركاء أهل مسكنة ، وضعفاء ذوى فاقة ، وإنّا موفّوك حقّك فوفّهم حقوقهم! وإلاّ فإنّك من أكثر النّاس خصوما يوم القيامة ، وبؤسا لمن خصمه عند اللّه الفقراء ، والمساكين (٣) والسّائلون ، والمدفوعون ، والغارم ، وابن السّبيل!! ومن استهان بالأمانة ، ورتع فى الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها ، فقد أحلّ بنفسه

__________________

(١) فيخالف هو مصب النهى.

(٢) جبهه ـ كمنعه ـ : ضرب جبهته ، وعضه فلانا ـ كفرح ـ : بهته. نهى عن المخاشنة والتقريع ، و «لا يرغب عنهم» : لا يتجافى

(٣) بئس ـ كسمع ـ بؤسا : اشتدت حاجته ، ومن كان خصمه الفقراء فلا بد أن يبأس ، لأنهم لا يعفون ولا يتسامحون فى حقهم لتقرح قلوبهم من المنع عند الحاجة

٣٠

فى الدّنيا [الذّلّ و] الخزى (١) وهو فى الآخرة أذلّ وأخزى ، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأفظع الغشّ غشّ الأئمّة ، والسّلام.

٢٧ ـ ومن عهد له عليه السلام

إلى محمد بن أبى بكر ، [رضى اللّه عنهما] حين قلده مصر

فاخفض لهم جناحك ، وألن لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وآس (٢) بينهم فى اللّحظة والنّظرة ، حتّى لا يطمع العظماء فى حيفك لهم ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم ، فإنّ اللّه تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصّغيرة من أعمالكم والكبيرة ، والظّاهرة والمستورة : فإن يعذّب فأنتم أظلم ، وإن يعف فهو أكرم.

واعلموا ، عباد اللّه ، أنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدّنيا وآجل الآخرة ، فشاركوا أهل الدّنيا فى دنياهم ، ولم يشاركهم أهل الدّنيا فى آخرتهم : سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت ، وأكلوها بأفضل ما أكلت ، فحظوا من الدّنيا بما حظى به المترفون (٣) وأخذوا منها ما أخذ [ه] الجبابرة المتكبّرون ، ثمّ انقلبوا

__________________

(١) جمع خزية ـ بفتح الخاء ـ أى : بلية ، والجمع بضم ففتح كنوبة ونوب.

(٢) آس : أمر من «آسى» بمد الهمزة ـ أى : سوى ، يريد اجعل بعضهم أسوة بعض ، أى : مستوين ، و «حيفك لهم» أى : ظلمك لأجلهم. يطمعون فى ذلك إذا خصصتهم بشىء من الرعاية

(٣) المترفون : المنعمون ، فان المتقى يؤدى حق اللّه وحقوق العباد ويتلذذ بما آتاه اللّه من

٣١

عنها بالزّاد المبلّغ ، والمتجر الرّابح : أصابوا لذّة زهد الدّنيا فى دنياهم ، وتيقّنوا أنهم جيران اللّه غدا فى آخرتهم ، لا تردّ لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة ، فاحذروا عباد اللّه الموت وقربه ، وأعدّوا له عدّته ، فإنّه يأتى بأمر عظيم ، وخطب جليل : بخير لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا! فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها ، ومن أقرب إلى النّار من عاملها؟ (١) وأنتم طرداء الموت : إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلّكم! الموت معقود بنواصيكم (٢) ، والدّنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد : [دار] ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرّج فيها كربة ، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه ، وأن يحسن ظنّكم [به] ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه (٣) ، وإنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه

__________________

النعمة ، وينفق ماله فيما يرفع شأنه ويعلى كلمته فيعيش سعيدا مترفا ، كما عاش الجبابرة ، ثم ينقلب بالزاد ـ وهو الأجر ـ الذى يبلغه سعادة الآخرة جزاء على رعاية حق نفسه ومنفعتها الصحيحة فيما أوتى من الدنيا ، وهو بهذا يكون زاهدا فى الدنيا وهى مغدقة عليه.

(١) استفهام بمعنى النفى ، أى : لا أقرب إلى الجنة ممن يعمل لها الخ

(٢) النواصى : جمع ناصية ، وهى مقدم شعر الرأس

(٣) فان من خاف ربه عمل لطاعته ، وانتهى عن معصيته ، فرجا ثوابه ، بخلاف من لم يخفه ، فان رجاءه يكون طمعا فى غير مطمع ، نعوذ باللّه منه

٣٢

واعلم ، يا محمّد بن أبى بكر ، أنّى قد ولّيتك أعظم أجنادى فى نفسى : أهل مصر ، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك (١) ، وأن تنافح عن دينك ، ولو لم يكن لك إلاّ ساعة من الدّهر ، ولا تسخط اللّه برضا أحد من خلقه ، فانّ فى اللّه خلفا من غيره (٢) ، وليس من اللّه خلف فى غيره. صلّ الصّلاة لوقتها المؤقّت لها ، ولا تعجّل وقتها لفراغ ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال ، واعلم أنّ كلّ شىء من عملك تبع لصلاتك ومنه : فإنّه لا سواء : إمام الهدى ، وإمام الرّدى ، وولىّ النّبىّ ، وعدوّ النّبىّ. ولقد قال لى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّى لا أخاف على أمّتى مؤمنا ولا مشركا : أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه ، وأمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه (٣) ولكنّى أخاف عليكم كلّ منافق (٤) الجنان عالم اللّسان : يقول ما تعرفون ، ويفعل ما تنكرون»

__________________

(١) أى : مطالب بحق بمخالفتك شهوة نفسك. والمنافحة : المدافعة.

(٢) إذا فقدت مخلوقا ففى فضل اللّه عوض عنه ، وليس فى خلق اللّه عوض عن اللّه

(٣) يقمعه : يقهره ليعلم الناس أنه مشرك فيحذروه

(٤) «منافق الجنان» : هو من أسر النفاق فى قلبه ، و «عالم اللسان» : هو من يعرف أحكام الشريعة ويسهل عليه بيانها ، فيقول حقا يعرفه المؤمنون ، ويفعل منكرا ينكرونه!! «٥ ـ ج ـ ٣ ـ»

٣٣

٢٨ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب

أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لدينه ، وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا (١) إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه [تعالى] عندنا ، ونعمته علينا فى نبيّنا ، فكنت فى ذلك كناقل التّمر إلى هجر (٢) أو داعى مسدّده إلى النّضال ، وزعمت أنّ أفضل النّاس فى الاسلام فلان وفلان! [فذكرت] أمرا إن تمّم اعتزلك كلّه (٣) وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ، والسّائس والمسوس ، وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء ، والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم (٤)؟ هيهات! لقد حنّ قدح ليس منها (٥) وطفق يحكم فيها

__________________

(١) أخفى أمرا عجيبا ثم أظهره ، وطفقت ـ بفتح فكسر ـ : أخذت. وعطف النعمة على البلاء عطف تفسير وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا

(٢) هجر : مدينة بالبحرين كثيرة النخيل ، والمسدد : معلم رمى السهام ، والنضال : المراماة ، أى : كمن يدعو أستاذه فى فن الرمى إلى المناضلة ، وهما مثلان لناقل الشىء إلى معدنه والمتعالم على معلمه.

(٣) إن صح ما ادعيت من فضلهم لم يكن لك حظ منه ، فأنت عنه بمعزل ، وثلمه : عيبه

(٤) يريد : أى حقيقة تكون لك مع هؤلاء؟ أى : ليست لك ماهية تذكر بينهم ، والطلقاء : الذين أسروا بالحرب ثم أطلقوا ، وكان منهم أبو سفيان ومعاوية ، والمهاجرون : من نصروا الدين فى ضعفه ولم يحاربوه

(٥) حن : صوت ، والقدح ـ بالكسر ـ : السهم ، وإذا كان سهم يخالف السهام كان له عند الرمى صوت يخالف أصواتها ، وهو مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم. وأصل المثل لعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : قال له عقبة بن أبى معيط «أأقتل من بين قريش؟» فأجابه «حن قدح ليس منها»

٣٤

من عليه الحكم لها ، ألا تربع ، أيّها الانسان؟ على ظلعك (١) وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلمة المغلوب ولا ظفر الظّافر! وإنّك لذهّاب فى التّيه (٢) ، روّاغ عن القصد ، ألا ترى ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة اللّه أحدّث أنّ قوما (٣) استشهدوا فى سبيل اللّه من المهاجرين [والأنصار] ولكلّ فضل! حتّى إذا استشهد شهيدنا (٤) قيل «سيّد الشّهداء» وخصّه رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم فى سبيل اللّه ولكلّ فضل! حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم (٥) قيل : «الطّيّار فى الجنّة ، وذو الجناحين» ولو لا

__________________

(١) يقال «اربع على ظلعك» أى : قف عند حدك ، والذرع ـ بالفتح ـ : بسط اليد ، ويقال للمقدار

(٢) ذهاب ـ بتشديد الهاء ـ : كثير الذهاب ، والتيه : الضلال ، والرواغ : الميال ، والقصد : الاعتدال

(٣) «أن قوما» : مفعول «لترى». وقوله «غير مخبر» خبر لمبتدإ محذوف ، أى : أنا ، والجملة اعتراضية

(٤) هو حمزة بن عبد المطلب استشهد فى أحد ، والقائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم

(٥) واحدنا : هو جعفر بن أبى طالب أخو الامام

٣٥

ما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه أذكر ذاكر فضائل جمّة (١) تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين. فدع عنك من مالت به الرّميّة (٢) فإنّا صنائع ربّنا (٣) والنّاس بعد صنائع لنا ، لم يمنعنا قديم عزّنا (٤) ولا عادىّ طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك كذلك ، ومنّا النّبىّ ومنكم المكذّب (٥)؟ ومنّا أسد اللّه ، ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب؟ فى كثير ممّا لنا وعليكم (٦)

__________________

(١) ذاكر : هو الامام نفسه

(٢) الرمية : الصيد يرميه الصائد ، ومالت به : خالفت قصده فأتبعها ، مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه

(٣) آل النبى : أسراء إحسان اللّه عليهم ، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك. وأصل الصنيع : من تصنعه لنفسك بالاحسان حتى خصصته بك كأنه عمل يدك.

(٤) «قديم» : مفعول «يمنع» ، والعادى : الاعتيادى المعروف ، والطول ـ بفتح فسكون ـ : الفضل : و «أن خلصناكم» : فاعل «يمنع» ، والأكفاء : جمع كفء ـ بالضم ـ وهو النظير فى الشرف.

(٥) المكذب : أبو جهل ، وأسد اللّه : حمزة ، وأسد الأحلاف : أبو سفيان ، لأنه حزب الأحزاب ، وحالفهم على قتال النبى فى غزوة الخندق ، وسيدا شباب أهل الجنة : الحسن والحسين بنص قول الرسول. وصبية النار : قيل : هم أولاد مروان ابن الحكم ، أخبر النبى عنهم وهم صبيان بأنهم من أهل النار ، ومرقوا عن الدين فى كبرهم. وخير النساء : فاطمة ، وحمالة الحطب : أم جميل بنت حرب عمة معاوية وزوجة أبى لهب

(٦) أى : هذه الفضائل المعدودة لنا ، وأضدادها المسرودة لكم ، قليل فى كثير مما لنا وعليكم

٣٦

فإسلامنا [ما] قد سمع وجاهليّتنا لا تدفع (١) ، وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله : «وَأُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ» وقوله تعالى : «إِنَّ أَوْلَى اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهٰذَا اَلنَّبِيُّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللّٰهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ» فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فلجوا عليهم (٢) فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم!

وزعمت أنّى لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت! فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (٣)

__________________

(١) شرفنا فى الجاهلية لا ينكره أحد

(٢) يوم السقيفة : عند ما اجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة بعد موت النبى صلّى اللّه عليه وسلم ليختاروا خليفة له ، وطلب الأنصار أن يكون لهم نصيب فى الخلافة فاحتج المهاجرون عليهم بأنهم شجرة الرسول ففلجوا ـ أى : ظفروا بهم ـ فظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية ، لأن الامام من ثمرة شجرة الرسول ، فان لم تكن حجة المهاجرين بالنبى صحيحة فالأنصار قائمون على دعواهم من حق الخلافة ، فليس لمثل معاوية حق فيها ، لأنه أجنبى منهم.

(٣) شكاة ـ بالفتح ـ أى : نقيصة ، وأصلها المرض ، وظاهر : من «ظهر» إذا صار ظهرا ـ أى : خلفا ، أى : بعيدا ـ والشطر لأبى ذويب ، وأول البيت : ـ وعيرها الواشون أنى أحبها

٣٧

وقلت : «إنّى كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع (١) ، ولعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من غضاضة فى أن يكون مظلوما (٢) ما لم يكن شاكّا فى دينه ، ولا مرتابا بيقينه ، وهذه حجّتى إلى غيرك قصدها (٣) ، ولكنّى أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.

ثمّ ذكرت ما كان من أمرى وأمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه (٤) فأيّنا كان أعدى له (٥) ، وأهدى إلى مقاتله ، أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه (٦)؟ أمّن استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه (٧)

__________________

(١) الخشاش ـ ككتاب ـ : ما يدخل فى عظم أنف البعير من خشب لينقاد ، وتقول : خششت البعير ، إذا جعلت فى أنفه الخشاش ، طعن معاوية على الامام بأنه كان يجبر على مبايعة السابقين من الخلفاء

(٢) الغضاضة : النقص

(٣) يحتج الامام على حقه لغير معاوية لأنه مظنة الاستحقاق ، أما معاوية فهو منقطع عن جرثومة الأمر فلا حاجة للاحتجاج عليه. و «سنح» أى : ظهر وعرض

(٤) لقرابتك منه يصح الجدال معك فيه

(٥) أعدى : أشد عدوانا ، والمقاتل : وجوه القتل

(٦) من بذل النصرة هو الامام ، و «استقعده عثمان» أى : طلب قعوده ولم يقبل نصره.

(٧) استنصر عثمان بعشيرته من بنى أمية كمعاوية فخذلوه وخلوا بينه وبين الموت فكأنما بثوا المنون ، أى : أفضوا بها إليه

٣٨

حتّى أتى قدره عليه؟! كلاّ واللّه : (لَقَدْ عَلِمَ اَللّٰهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ (١) وَاَلْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَلاٰ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً)

وما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحداثا (٢) فإن كان الذّنب إليه إرشادى وهدايتى له ، فربّ ملوم لا ذنب له

وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح (٣) (وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ اَلْإِصْلاٰحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَمٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [وَإِلَيْهِ أُنِيبُ])

وذكرت أنّه ليس لى ولأصحابى [عندك] إلاّ السّيف! فلقد أضحكت بعد استعبار (٤)! متى ألفيت بنى عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين (٥) وبالسّيف مخوّفين لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل (٦) فسيطلبك من تطلب ، ويقرب

__________________

(١) المعوقون : المانعون من النصرة

(٢) نقم عليه ـ كضرب ـ عاب عليه. والأحداث : جمع حدث ، وهو البدعة ولعل تسمية البدعة حدثا من قوله صلّى اللّه عليه وسلم «من أحدث فى أمرنا ما ليس منه فهو عليه رد»

(٣) الظنة ـ بالكسر ـ التهمة ، والمتنصح : المبالغ فى النصح لمن لا ينتصح ، أى : ربما تنشأ التهمة من إخلاص النصيحة عند من لا يقبلها. وصدر البيت : وكم سقت فى آثاركم من نصيحة

(٤) الاستعبار : البكاء ، فهو يبكى من جهة أنه إصرار على غير الحق ، وتفريق فى الدين ، ويضحك لتهديد من لا يهدد.

(٥) ألفيت : وجدت ، وناكلين : متأخرين

(٦) لبث ـ بتشديد الباء ـ : فعل أمر من «لبثه» إذا استزاد لبثه ـ أى : مكثه ـ يريد أمهل ، والهيجاء : الحرب ، وحمل ـ بالتحريك ـ : هو حمل بن بدر ، رجل من قشير : أغير على إبله فى الجاهلية فاستنقذها ، وقال : ـ لبث قليلا يلحق الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا الموت نزل فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب

٣٩

منك ما تستبعد ، وأنا مرقل نحوك (١) فى جحفل من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم (٢) ، ساطع قتامهم ، متسربلين سربال الموت (٣) أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة (٤) ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها فى أخيك وخالك وجدّك وأهلك (٥) «وَمٰا هِيَ مِنَ اَلظّٰالِمِينَ بِبَعِيدٍ»

٢٩ ـ ومن كتاب له عليه السّلام

إلى أهل البصرة

وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه (٦) ، فعفوت عن مجرمكم ، ورفعت السّيف عن مدبركم ، وقبلت من مقبلكم ، فإن خطت بكم

__________________

(١) مرقل : مسرع ، والجحفل : الجيش العظيم

(٢) صفة لجحفل ، والساطع : المنتشر ، والقتام ـ بالفتح ـ : الغيار.

(٣) متسربلين : لابسين لباس الموت كأنهم فى أكفانهم.

(٤) من ذرارى أهل بدر

(٥) أخوه : حنظلة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وجده : عتبة بن ربيعة ، وهو جده لأمه

(٦) انتشار الحبل : تفرق طاقاته ، وانحلال فتله : مجاز عن التفرق ، و «غبا عنه جهله» :

٤٠