الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩
الوحي على نبيِّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقّين :
الشقّ الأوّل : إما يجاوبني ، وإمّا يقول لي : ما هذا السؤال الذي تطرح؟ فيسفِّه سؤالي!!
والشقّ الثاني : إذا كان سؤالي عن مذهب معيَّن ، ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ فيقمعني : ما يجوز تسأل هكذا سؤال ، هذا سؤالك غلط ، لا يجوز أن تجادل ، الجدل فيه إثم ، صوم وصلي وبس ، لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار ، فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور.
فصرت أتساءل في نفسي : يا إلهي! إذا أريد أن أستفسر عن ديني ، وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع .. والإرهاب ، وأهل البلد مع الشيخ ، وليسوا معي ، ولا مع أفكاري ، فعشت في حيرة.
مع الشيخ عزّ الدين الخزنوي
فمرَّة من المرّات كنت طالباً في الثانوية ، وقال لي أحد الأصدقاء : ما رأيك في أن نزور الشيخ العلامة الكبير عزّ الدين الخزنوي ، بقرية تل معروف ، شرق مدينة القامشلي؟
فقلت له : حاضر ، وفعلا سافرنا أنا وصديقي ، وكانت في جعبتي مجموعة من الأسئلة ، ففرحت وشعرت بأن صديقي يريد أن ينفِّس عني ، فوصلنا إلى قرية تل معروف ؛ قرية الشيخ الخزنوي ، فرأيت الناس آلافاً مؤلَّفة تتقدَّم قبل عشرة أمتار من الوصول إلى الشيخ زحفاً على الأيادي والركب ، وبعد الوصول يقبِّلون أيادي الشيخ وجبهته ، فرأيت صفّاً كبيراً من الناس خلف بعضهم البعض ، بحيث
السائل يجلس عند الشيخ دقيقة ويخرج ، فقلت لصديقي : كيف أستطيع أن أسأل وسط هذا الزحام الهائل من البشر؟ وهل أتجرَّأ أن أناقش وسط هذا المعترك؟ فقلت لصديقي : والله إن سألت وناقشت ليمزِّقوني هؤلاء الخدم المقيمون عند الشيخ ، فقال لي : نتبارك بالشيخ ، ونسلِّم عليه ونخرج.
وبقينا أكثر من ثلاث ساعات ولم نستطع أن نصل للشيخ ، ورجعنا إلى القرية ولم نستفد شيئاً.
إلى الشيخ محمّد نوري
فصرت أتساءل ، هل الدين ديكتاتورية ، امبراطورية ، تسلط...؟
فقلت : غداً أذهب إن شاء الله تعالى إلى قرية تقع في الجنوب الشرقي من حقول البترول ( رميلان ) لشيخ مشهور هناك يدعى : الشيخ محمّد نوري ، عالم المنطقة ، فعندما ذهبت إليه أسأله ، ودخلت إلى المضافة التي تقع شرق المصلَّى للمسجد ، قالوا لي : الشيخ مريض ولم يستطع الإجابة عن الأسئلة.
ومرَّت الأيّام .. والسنون ... وأنهيت دراستي الجامعيَّة في حلب ، وشاء الله والأقدار بأن أخدم خدمة العلم في بيروت ، وكنت بعد الانتهاء من الدوام أقوم بزيارة بعض المكتبات ، وأجلس أقرأ في المكتبة ؛ لأن الوضع لا يسمح لي في المنطقة أن أقرأ بسبب عدم وجود الفراغ ، وبدأت أستعير بعض الكتب الدينيّة لأقرأها ، عسى أن أجد حلاًّ لأسئلتي التي كانت تدور في ذهني وأنا في الثانويَّة ، بالرغم من أن أسئلتي لم تكن محيِّرة ، مثل : من هي الفرقة الناجية؟ باعتبار أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية ،
والباقون في النار (١).
ومن هذه الأسئلة والسؤال الأكثر إلحاحاً : باعتبار أن الله خلق آدم وحوّاء فهل تزوَّج أولاد أدم أخوات بعضهم البعض؟
فاقترحت على بعض الأصدقاء الذهاب إلى الشيخ ونسأل ، وفعلا ذهبنا وسألته عن بعض القضايا العقائديَّة التي تتعلَّق بالكون والإله ، عقل يفكِّر ، فالإنسان بطبعه يحبُّ السؤال ؛ لأن عمدة العلم كما يقول العلماء في السؤال ، والرسولصلىاللهعليهوآله يقول : اثنان لا يتعلَّمان : مستح ومتكبِّر(٢)، وكما يقولصلىاللهعليهوآلهوسلم: لا حياء في الدين ، والله تعالى يقول في محكم كتابه: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
__________________
١ ـ راجع : سنن الدارمي : ٢/٢٤١ ، سنن ابن ماجة : ٢/١٣٢٢ ح ٣٩٩٢ ، سنن أبي داوود : ٢/٣٩٠ ح ٤٥٩٧ ، المستدرك ، الحاكم : ١/١٢٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٨/٢٧٣.
قال الشيخ علي بن يونس العاملي عليه الرحمة في الصراط المستقيم : ٢/٩٦ : روى أهل الإسلام قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، فهذه شهادة صريحة من النبيِّ المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم على وصف أكثرهم بالضلال والبوار ، ولا بدَّ أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال ، لئلا يكون لهم الحجّة عليهما يوم الحساب والسؤال ، وبهذا يتّضح وجه إمساك علي عليهالسلام وعترته عن الجهاد ، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد؟ ومن فرَّ عن أكثر من اثنين قد عذره القرآن ، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان؟!
٢ ـ روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في علل الشرائع : ٢/٦٠٦ عن أبي إسحاق الليثي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهالسلام ، في حديث له عن المؤمن المستبصر قال عليهالسلام : فإن هذا العلم لا يتعلَّمه مستكبر ولا مستحي.
وقال الشهيد الثاني عليه الرحمة في منية المريد : ١٧٥ : وقيل أيضاً : لا يتعلَّم العلم مستحي ولا مستكبر.
وروى العامة عن مجاهد أنه قال : لا يتعلَّم مستحي ولا مستكبر.
مقدّمة ابن الصلاح ، عثمان بن عبد الرحمن : ١٥٢ ، فتح الباري ، ابن حجر : ١/٢٠٢.
وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (١) ويقول تعالى في آية أخرى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (٢).
قراءة كتاب المراجعات
فلهذا كانت طبيعتي منذ نعومة أظفاري التساؤل ، وأسأل بكثرة لأفهم المسألة والموضوع ، وهكذا تعرَّفت على صديق لي في بيروت أثناء فترة خدمة العلم ، اسمه : دخل الله ، من الجنوب ، يسكن في منطقة اسمها : حي السلم ، فدعاني مرَّة لزيارته في بيته فلبَّيت الدعوة ، ولأول مرَّة أزوره ، فعندما زرته رأيت عنده مكتبة صغيرة ، فدفعني الفضول وحبُّ المعرفة لأرى هذه الكتب ، وعن ماذا تبحث وتدور ، فوقع نظري على كتاب اسمه ( المراجعات ) ، فسألت صديقي : عن ماذا يبحث هذا الكتاب؟
فقال لي : عبارة عن حوار بين عالم سنّيٍّ وعالم شيعيٍّ ، يتحاورون في قضيَّة الخلافة والإمامة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قلت له : لطيف ، هل أن العالم السنّيّ غلب الشيعيَّ في الحوار؟
فضحك صديقي ، وقال لي : العالم السنّيُّ يغلب العالم الشيعيَّ؟! هذا مستحيل ، فعرفت منذ تلك اللحظة بأن صديقي شيعي ، حيث إنه كان يجهِّز الطعام ، ففوجئت ، ذلك لأن أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً : إيّاك ومجالسة الشيعي ، إياك ومحاورة الشيعي ، لا تحاور الشيعي ، ولو كان الجدال
__________________
١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٩.
٢ ـ سورة فاطر ، الآية : ٢٨.
عن حقّ ، هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين عليهالسلام ، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم ندماً وخوفاً ، عسى الله أن يغفر لهم.
هؤلاء الشيعة يعتقدون بأن الرساله نزلت على علي ( كرّم الله وجهه ) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وغير ذلك ، يسجدون للحجر ، ويسبُّون الصحابة ، ويعملون بالتقيَّة بينهم سرّاً ، لا يظهرونها لأحد ، وذبيحتهم محرَّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها.
فتذكَّرت كلام الشيخ عندنا في المنطقة ، فاعتذرت عن الطعام بطريقة لبقة ، بحيث إني لم أشعر صديقي بشيء ، وشربت عنده القهوة والشاي ، فقال لي صديقي : لماذا لا تأكل؟ أنا أتيت باللحم من أجلك.
فقلت له : لا أستطيع أن آكل اللحم! فصارت الأفكار تتضارب في ذهني وتتصادم وتتصارع ، فقلت : يا إلهي! هذا ما حدَّثنا به الشيخ ، وفعلا شاهدته أمام عيني ، كان يقول لنا الشيخ عندما كنّا في المنطقة : الشيعي يقول آخر الصلاة ثلاث مرَّات : تاه الوحي جبرائيل ..
وفعلا راقبت صديقي وهو يصلّي على الحجر ، وأشار إلى أذنه ثلاث مرَّات دون أن أفهم ما قال ؛ لأنه كان يتمتم بصوت هادئ ، عندئذ أيقنت تماماً بأن كلام الشيخ صحيح ، وكان يؤكِّد لنا الشيخ : حتى إذا سألته لا يعطيك الحقيقة ؛ لأنهم يستعملون التقيّة ، والتقية أشدُّ خطراً ، ولا يطلعون أحداً على دينهم ؛ لأن لديهم الظاهر شيء ، والباطن شيء آخر ، ولا يطلعون أحداً على باطنهم.
فقال لي صديقي : إذا أردت أن تستعير هذا الكتاب فخذه ، وبعد الانتهاء منه أرجعه إليَّ ، فأخذت منه كتاب ( المراجعات ) إعارة لمدّة أسبوع ، وفعلا بدأت بالقراءة في هذا الكتاب ، وكنت واثقاً من نفسي بأنه كتاب ضلال ، سوف
أردُّ عليه ، وأفهم الشيعي من هو السني؟!!
فقرأت ترجمة الكتاب ، واستمرّيت بالقراءة ، وقطعت منه تقريباً أكثر من مئتين صفحة ، ففوجئت وتشنَّجت من هذا الكتاب المدسوس ، واستغربت من هذه المعلومات الغريبة التي لأول مرَّة تطرق ذهني ، وخاصة علماؤنا دائماً يحذِّرونا من قراءة كتب الضلال ، فقلت : إن استمرّيت في القراءة في هذا الكتاب سوف يحرفني ، لا شك في ذلك إطلاقاً ، وإذا أردت أن أتتبَّع الأدلّة ليس لديَّ المصادر ، وليس لديَّ الفراغ الكافي للبحث في هذه القضية الشائكة ، فأغلقت الكتاب لأنه شوَّش تفكيري.
اللقاء مع الدكتور عبد الفتاح صقر المصري (١)
وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدّة ما رأيت فيه من بعض المسائل التي جعلتني أتشنَّج ، فقرَّرت وبدافع قويٍّ أن ألتقي الشيخ عبد الفتاح صقر ، وذهبت أسأل عنه في كليَّة الشريعة ، فقالوا لي : في السكن حالياً ، والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبي طالب عليهالسلام ، فنزلت فيها وبدأت أسأل إلى أن وصلت موقع السكن ، فصعدت وطرقت الباب ، انتظرت قليلا ، وفتح الباب ، فقلت للذي فتح الباب : أودُّ مقابلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، وإذا به يقول لي : تفضَّل ، تفضَّل يا بنيَّ ، ودخلت وجلست لحظات ، وقال لي : من أين أنت أيها الأخ؟
__________________
١ ـ الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، من البعثة الأزهرية في بيروت ـ عائشة بكار ، أستاذ في كلية الشريعة ، وأحياناً يخطب الجمعة في مسجد دار الفتوى في بيروت.
قلت له : من سوريا.
فقال : أهلا وسهلا ، أهلا وسهلا ، نحن وسوريا كنّا وحدة ، ولا يزال الشعب المصري والسوري شعباً واحداً.
قلت له : نعم.
قال : ما سؤالك أيُّها الأخ؟
قلت له : سؤالي ـ شيخنا الجليل! ـ دعاني أحد الأصدقاء ، ولم أعلم أنه شيعيٌّ ، لأني لو كنت أعلم أنه شيعيٌّ بصراحة لم أزره ، لماذا؟ لأن الشيخ عندنا في المنطقة دائماً يحذِّرنا من مجالسة الشيعيِّ ، وعدم محاورته في المجال الديني.
فقال الشيخ عبد الفتاح صقر : الشيعة عندهم مبالغات كثيرة ، وكثير من أقوال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينسبونها للإمام علي عليهالسلام ، وعندهم تحريف في بعض الأحاديث.
فقلت : أيُّها الشيخ! ما رأيكم في كتاب المراجعات؟
الشيخ عبد الفتاح صقر : إيَّاك أن تقرأه يا بنيَّ ، هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه عبد الحسين شرف الدين بعد وفاة شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري ، أحذِّرك من قراءته ، لا تفرقن بك السبل يا بنيَّ ، مالك ومال الشيعة؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة!!
ودَّعت الشيخ عبد الفتاح صقر ، وطلبت منه الدعاء ، وأرجعت كتاب المراجعات لصديقي ، وأوقفت المطالعة طيلة فترة خدمة العلم.
وأخيراً انتهت خدمة العلم في عام تسعين ، وبعد الانتهاء من معركتنا مع ميشيل عون ، حيث لم أسافر إلى البلد مباشرة ، بسبب الفقر المدقع ، والظروف
الصعبة التي يمرُّ بها أهلي ، وخاصة الظروف الماديّة ، حيث لم أتمكَّن من الذهاب إلى أهلي بعد التسريح من خدمتي الإلزاميَّة ، فاضطررت إلى المكوث في بيروت ، وأسكن مع الشباب السوريين في منطقة تسمَّى خلدة ( مشروع نائل السكني ) ، فكان هناك شباب من القرية والبلد فسكنت معهم ، وتركت مهنة التعليم ، وكنت أجد مصلحة شاقّة وصعبة من الإعداديّة والثانويّة ، حيث كنت أسافر مع عمّي ( أبو طلال ) إلى بيروت ، وعلَّمني تجارة الإسمنت والحديد ، إذ أصبحت معلِّماً في هذا المجال ، ومكثت أكثرمن شهرين بعد انتهائي من الخدمة.
وبعد فترة من العمل أكثر من أسبوع جاءتنا عطلة ، فتوقَّفت أسبوعاً آخر عن العمل ، وكنت أقف صباحاً مع العمَّال العاطلين في هذا المشروع ؛ لأن هناك مكاناً يشبه المعرض كنت أقف فيه وأنتظر الساعات الطويلة ، حتى يأتيني إنسان بحاجة إلى عامل أو معلِّم حدّاد أو نجّار ، وهكذا تجري الأَيَّام والليالي ، وإذا بهذا الصديق الشيعي ( دخل الله ) يأتي إلى معرض العمَّال ، فينظر في وجوه العاملين ، فيشاهدني من بينهم ، شتان ما بين الموقفين!! موقف كنت أرتدي البزّة العسكريّة ، وموقف حاليّاً أرتدي فيه لباس العمل ، فقال صديقي الشيعي : أتشتغل معي؟ تشغِّلني في مصلحة ( البلاط )؟
فقلت له بعد فترة : نعم ، وبدأنا نشتغل أنا وصديقي الشيعي سويَّة ، وفي اليوم الثاني قال لي : لِمَ لمْ تحدِّثني ـ يا أخي ـ إلى أين وصلت في كتاب المراجعات؟
فقلت له : والله لم أتمكَّن من قراءته كما يجب ؛ لأن القراءة ـ يا صديقي ـ تحتاج إلى ذهن صاف ؛ لأن العلم ـ كمايقال ـ شديد الانفلات ، إذا أعطيته كلَّك أعطاك بعضه ، وإذا أعطيته نصفك لم يعطك شيئاً ، وأنا كنت مكابراً معه لوصايا
علمائنا الحادّة من مجالسة الشيعي والحوار معه.
وبدأ شبح المراجعات يطاردني من جديد ، وشبح صديقي يطاردني في كل مكان ، أفكِّر بكلمات الشيخ عندنا في المنطقة ، أفكِّر بكلمات الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر : يا بنَّي! هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه العالم الشيعي بعد وفاة شيخ الأزهر.
وأحدِّث نفسي وأصارعها ، هل أنا أعقل من هذا الدكتور الذي قضى عمره في الدراسة واختصاصه في الشريعة الإسلاميّة ، ومن الجامع الأزهر العاصمة الإسلاميّة للعالم؟
مع الشيخ عبدالله الهرري وكتاب ثم اهتديت والمراجعات
وذات يوم جاء أخي إلى بيروت ليعمل في العطلة الصيفيّة ، حيث كان طالباً في الثانويّة ، فحدَّثته في الموضوع وقلت له : ما رأيك ـ يا أخي ـ تنزل معي إلى بيروت؟
قال لي : لماذا؟
قلت له : عندي بعض الأسئلة عن الشيعة ، وقلت له أيضاً بأني ذهبت فيما سبق إلى دار الفتوى منذ ستة أشهر ، والتقيت بشيخ مصري ، وأريد اليوم الذهاب إلى مسجد برج أبي حيدر ، يقال أن هناك عالماً علامة اسمه : الشيخ عبد الله الهرري ، أودُّ اللقاء معه ، وفعلا وصلنا أنا وأخي والصغير ( دحام ) إلى هذا المسجد ، والتقيت بشيخ اسمه : طارق اللحام ، وبعد أن أدَّيت فريضة صلاة المغرب خلف سماحة الشيخ اقتربت منه وصافحته ، وقلت له : تقبَّل الله أعمالكم يا شيخ.
فردَّ عليَّ : وأنتم كذلك.
فقلت له : شيخنا! لديَّ بعض الأسئلة.
فقال لي : تفضَّل ، حيث كان يتكلَّم الفصحى.
فقلت له : ما رأيك بكتاب المراجعات عند الشيعة؟
فقال لي الشيخ طارق : من أين أنت؟
قلت له : من سوريا ، وأصلا من ريف حلب ، وأسكن حاليّاً في مدينة القامشلي.
وإذا به يسألني : هل قرأت كتاب ( ثمَّ اهتديت ) للضالّ التونسي؟ إذا قرأته أو موجود عندك فأحرقه!!
قلت له : لأوَّل مرَّة أسمع باسم هذا الكتاب.
فقال لي : مؤلِّفه خياليٌّ غير موجود ، اسمه : التيجاني السماوي ، كتبوه الشيعة باسمه على أنه سنّيٌّ وتشيَّع ، وبدأ يدعو لمذهبهم ، ونحن اتصلنا في تونس ، فقالوا لنا : هذا الاسم غير موجود.
وأمَّا عن كتاب المراجعات أحذِّرك من قراءته ، ولا تأخذ علمك من القراءة والصحف فتسمَّى مصحفياً ؛ لأن هناك قواعد للقراءة ، فتضلن بك السبل ، إذا عندك فراغ احضر عندنا للدروس ؛ لأن العلم عندنا بالتلقّي ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان ، وقال لي : تفضَّل إلى المكتبة ، وقدَّم لي كتاباً هديَّة اسمه ( المقالات السنيّة في كشف ضلالات ابن تيمية ) للشيخ عبد الله الهرري.
فودَّعت سماحة الشيخ طارق ، وقبلت منه الهديَّة ، وذهبت ، وبدأ يراودني الفضول للبحث عن كتاب( ثمَّ اهتديت ) للتيجاني السماوي ، ورجعت أنا وأخي لمجمع نائل السكني حيث مقرُّنا هناك ، وبعد فترة أسبوع وإذا بصديقي الشيعي
يقدِّم لى كتاب ( ثمَّ اهتديت ) هذا ما حدَّثني به سماحة الشيخ طارق وحذَّرني من قراءته ، وأنه شخص لا أصل له.
فأخذت الكتاب وقلت لصديقي بأن هذا الشخص شخص خياليٌّ ، وإذا بالأخ دخل الله يقول لي : منذ شهر كان في بيروت ، وأنا رأيته بنفسي ، دعك ـ يا أخي ـ من هذه الأقاويل ، أنت إنسان متعصِّب ، وتفكيرك على الطريقة التقليديّة الموروثة ، دائماً تقول لي : الشيخ عندنا قال كذا ، والشيخ قال كذا ، فكِّر بعقليَّتك لا بعقليَّة الشيخ.
فقلت لصديقي : عفواً ، أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ؟
فردَّ عليَّ صديقي الشيعي قائلا : أنتم السنة .. الدين عندكم عادة وليس عبادة.
فقلت له : أفهمني كيف؟
قال لي : الشيوخ عندكم تصلون بهم إلى درجة القداسة ، وبعد قال الشيخ .. لم يبق مجالا إطلاقاً للنقاش والحوار معكم.
قلت : وأنتم الشيعة كيف تتعاملون مع الشيوخ؟
قال : نحن نحترم الشيوخ ، ولكن على الطريقة المألوفة في الوسط الشيعي ، إذا كان هناك خطأ من العالم .. ونبَّهته إليه فإنه يتقبَّل ذلك بكل رحابة صدر.
فقلت له : هل هذا من المعقول؟ عندنا العالم لا يستطيع أحد مناقشته ، حتى إذا أردت أن تسأل سؤالا ولم يعجبه لا يردُّ عليه أصلا.
مع مفتي دمشق في المسجد الأموي
وأعطيك مثالا على ذلك : مرَّة دخلت إلى المسجد الأموي ، وقصدت
مفتي دمشق في هذا المسجد ، وكان برفقتي المهندس عبد الحكيم السلوم ، لأسأله عن حديث الفرقة الناجية والخلفاء الاثني عشر من هم؟
فأجابني بكلمة : آسف.
وكرَّرت السؤال ، وقال لي : آسف .. وكرَّرته ثالثاً وقال لي : آسف. بصوت عال.
فخرجت مخذولا .. لماذا لم يردَّ على أسئلتي؟
حوارٌ مُحرج
صديقي الشيعي : وهل هذا عالم؟ العالم متواضع ، ليِّن ، لا يكون فظّاً غليظ القلب ، يردُّ على أسئلة الناس ، يجب أن يستقطب الناس من حوله .. لأنه إذا صلح العالِم صلح العالَم ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ، هؤلاء علماء الأمّة هم القدوة ، والأسوة الحسنة في المجتمع الإسلاميّ.
ولكن نحن الشيعة عندنا مسألة مهمّة ، وهي الدليل في النقاش والحوار ، والدليل يجب أن يكون من القرآن والسنّة ، ونحن أبناء الدليل ، أينما مال نميل.
فأجبته : هل نحن على الباطل حتى تقول لي : دليلكم القرآن والسنة؟
ونحن ماذا عندنا؟ أليس القرآن والسنة؟
صديقي الشيعي : يا أخي! نفترض جدلا هذا الكتاب كتاب ضلال ، لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم السنة؟
قلت له : يردّون على شخصيّة خياليّة موهومة ، مع الأسف عليك أيُّها الصديق ، إذا إنه إنسان خياليٌّ غير موجود فكيف يردُّون عليه؟
صديقي الشيعي : سؤال ، نفترض أن التيجاني شخصيّة خياليّة وهميّة غير
موجودة ، فهل الأدلّة الموجودة في كتابه أيضاً خياليّة موهومة وغير موجودة؟ أجبني على ذلك.
فأحرجت أمامه ؛ لأني لا أعرف مضمون كتاب ( ثم اهتديت ) ، ومن ثمَّ حذَّرني منه الشيخ طارق وقال لي : احرقه ، فوقعت بين نارين ، بين إحراج الصديق الشيعي : لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم؟ وبين تحذيرات الشيخ طارق : إيَّاك أن تقرأه ، فأحرقه! يا إلهي! خلِّصني من هذا المأزق الشديد ، الله أكبر!
لماذا؟ لماذا البحث والعناء؟ ما هذه القصّة؟ من أين جاءني هذا الشيعي ليشوِّش عليَّ أفكاري ، وينغِّص حياتي ، وأنا رجل الآن أعمل بالإسمنت والأعمال الشاقّة المتعبة المجهدة؟ فعشت في صراع حادٍّ مع عقلي ونفسي ، عقلي يقول لي : اقرأ كتاب ثمَّ اهتديت واعرف ما فيه ، ونفسي قتلها الخوف والتحذير من الشيخ طارق.
نهاراً محرج من الصديق الشيعي ، يقول لي : أنت متعصِّب ، ولا تأتي بالدليل ، ألم تسمع بالبخاري ومسلم؟ فكتاب ثم اهتديت كل أدلّته من البخاري ومسلم.
فقلت له : هناك طبعات للبخاري ومسلم مزوَّرة ومدسوسة ، فما بالك يا صديقي؟ إن التيجاني شخصيّة موهومة كما يقول علماؤنا ، وأتى بأدلّة مزوَّرة من البخاري ومسلم.
فأين أصبح يا صديقي؟! دعني في حالي وعملي ، وكلُّنا إن شاء الله مسلمين ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ )(١) ، وكلَّما أصبحنا وأتانا
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٣٤.
يوم جديد يقول لي : فكِّر بمذهب أهل البيت عليهمالسلام ، فكِّر لتنقذ نفسك بموالاة علي بن أبي طالب عليهالسلام.
قلت له : أنا وأنت متفقان على حبِّ عليٍّ ( كرَّم الله وجهه ) لكن مذهب أهل البيت عليهمالسلام هذا مصطلح جديد لأوَّل مرَّة يطرق ذهني ، قلت له : وماذا تقصد من كلمة موالاة علي عليهالسلام؟
حول حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية )
سألني الشيعي قائلا : ألم تقل : عندكم سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا الحسنعليهالسلام؟
قلت له : نعم ، يقول علماؤنا ذلك ، بأن سيِّدنا معاوية اجتهد فأخطأ فله نصف الأجر.
الشيعي : وما تقول في البخاري؟
المحاور : أصدق كتاب عندنا ، وهو لا يقبل الشك.
الشيعي : ينقل لنا البخاري في صحيحه حديثاً مشهوراً ومـتواتراً ـ اسأل عنه علماؤكم ـ : يا عمَّار! تقتلك الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (١).
أليس الفئة الباغية هي فئة معاوية من خلال الحديث؟ وهي التي قتلت
__________________
١ ـ صحيح البخاري : ٣/٢٠٧ ، صحيح مسلم : ٨/١٨٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٣/٩١ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٥٥٣ ـ ٥٥٥ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٤٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، فتح الباري ، ابن حجر : ١/٤٥١ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٣/٤٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٣/٢٦٤.
عمّاراً ، ألم يقل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في عمار : إن عمّاراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه؟ (١)
قلت له : نعم.
قال : فمن أين جاء؟ فأين له وجه الاجتهاد كي يحصل على نصف الأجر ، وهو قد قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : صبراً صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة (٢)؟ فأين له من عمار بن ياسر؟
__________________
١ ـ روى الواحدي النيسابوري في أسباب نزول الآيات : ١٩٠ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه.
وروى ابن أبي شيبة بالإسناد عن هانئ بن هانئ ، قال : كنّا جلوساً عند علي عليهالسلام ، فدخل عمّار فقال : مرحباً بالطيِّب المطيب ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه.
راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٢١٧ ح ٧ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٣/٣٩١ ـ ٣٩٢ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢١/٢٢٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ١/٤١٣ ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٧/٣٥٨ ، الإصابة ، ابن حجر : ٤/٤٧٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٧٢٤ ح ٣٣٥٤٠.
وعن عمرو بن شرحبيل قال : قال رسول الله 6 : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه. المصنف ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٢١٧ ح ٦.
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٠/١٠٣ روى الحديث مثله وقال : ويروى إلى أخمص قدميه.
قال ابن حجر في فتح الباري : ٧/٧٢ : وقد جاء في حديث أن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه. أخرجه النسائي بسند صحيح ، والمشاش بضمِّ الميم ومعجمتين الأولى خفيفة ، وهذه الصفة لا تقع إلاَّ ممن أجاره الله من الشيطان.
وقال المناوي في فيض القدير : ٤/٤٧٣ ح ٥٦٠٤ : ( عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ) بضمِّ الميم بضبط المصنّف ؛ أي ملأ الله جوفه به حتى تعدَّى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة ، والمشاش رؤوس العظام ، وفي رواية أبي نعيم أيضاً : عمار ملي إيماناً من قرنه إلى قدمه قال : يعني مشاشه.
٢ ـ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/٣٨٣ و٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم
وجاء الليل وجاء الصراع ، عقلي يقول : هل علماؤنا مضلَّلون عبر التاريخ؟ هل علماؤنا ضحايا لإعلام مضلِّل؟ تفكيرهم قائم على الطريقة التقليديّة الموروثة ، لا يقبلون الناش والحوار ، ومن خالفهم في الرأي اتهموه بالكفر وفسّقوه وضلَّلوه ، وأقاموا عليه الدنيا وأقعدوها ، لأنه خالفهم في الرأي ، وأخذوا يشهِّرون به في المجالس ، ويحذِّرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلا لا يعرفون الإجابة عليه ، أو لا يريدون الخوض فيه.
أستاذي العالم! لا تريد أن تبحث فدعني أبحث ، دعني أقرأ .. دعني أفكِّر ، فإلى متى ( ممنوع أن تقرأ ، ممنوع أن تبحث ، ممنوع أن تفكِّر ) إلاّ بإذن من الشيخ ، وإلاَّ فسَّقني ودمَّرني ، وأقام عليَّ أهل البلد.
الله أكبر! ما هذه السلطة المستبدّة؟ ما هذه الدكتاتوريَّة؟ نفسي تقول : إيَّاك أن تقرأ! الرعب مسيطر عليها ، تحذيرات الشيخ في المنطقة والشيخ الدكتور عبد الفتاح صقر ، والتحذيرات الحادّة من الشيخ طارق اللحام ، دوَّامة لا أعرف متى الخروج منها؟ فاستيقظت ليلا من شدّة الصراع الذي أرهقني وهدَّ كياني ، أفكار هذا الصديق الشيعي وطريقته في الحوار مقنعة ... إذا كان هذا الكتاب على ضلال فليردَّ عليه علماؤكم ، فليحاوروا هذا الكتاب ، وإلاَّ فإن هذا الكتاب كتاب صحيح.
وكيف تفكِّر وتقول : سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا عمّاراً رضياللهعنه ، وسيِّدنا معاوية سمَّ أو قتل سيِّدنا الحسنعليهالسلام، والحسن معروف بسيِّد شباب أهل الجنة؟ ما هذا
__________________
يخرجاه ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١/١٦١ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٣/٢٤٩ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٢٤/٣٠٣ ، المعجم الأوسط : ٢/١٤١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/٢٩٣ ، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٣/٢٥٥.
التناقض الحادّ؟ هل الدين جاء بالتناقض؟ لا والله لم يأتِ بالتناقض.
مع الشيخ صالح عيزوقي
وفي اليوم الثاني وبعد أن انتهينا من العمل قلت لأخي : ما رأيك في أن تنزل معي إلى بيروت؟ قال لي : أنا متعب جدّاً هذا اليوم.
فعزمت أن أنزل لوحدي ، وذهبت إلى مسجد صبرا ، والتقيت بالشيخ صالح عيزوقي ، وبعد أن أدَّيت فريضة صلاة المغرب خلفه قلت له : شيخنا الجليل! لديَّ بعض الأسئلة ، فسألني : من أين الأخ؟
فأجبته : من سوريا.
فقال لي : أنا درست في دمشق ، وتتلمذت على شيوخ دمشق.
فقلت له : سماحة الشيخ! أريدك أن ترشدني إلى كتب الصحاح ، وهل كتب الصحاح كلها صحيحة عندنا أهل السنة؟
فأخذني إلى جانب من الناس ، وقال لي : يا بنيّ! رحم الله من قبلنا ، إن الصحاح عندنا مليئة بالمسيحيّات والإسرائيليّات ، وتغيير بعض الحقائق.
فقلت له : البخاري ومسلم هل فيه مسيحيّات وإسرائيليات؟
قال ، نعم ، كلها جاءتنا عن طريق كعب الأحبار اليهودي ، وتميم الداري المسيحي وغيرهما.
قلت له : سماحة الشيخ! ما تنصحني؟ هناك صديق شيعي نعمل أنا وإيّاه في ورشة عمل في خلدة ، وقدَّم لي كتابين للقراءة ( المراجعات ، ثمَّ اهتديت ) وصار له فترة بعد أن امتنعت عن قراءتهما بسبب فتاوى من علمائنا ، أصبحت محرجاً أمامه في بعض الحوارات.
فقال لي : يا أخي! المذهب الخامس لديهم الاجتهاد مفتوح ، أمَّا قصَّة الحوار فهم أذكياء فيه ، بسبب ظلمهم واضطهادهم عبر التأريخ من السلطات ، فاضطرُّوا بكل السبل وأساليب فنّ الكلام للدفاع عن أنفسهم ، ممَّا جعلهم يغربلون الصحاح عندنا وكتب التأريخ ليثبتوا أنفسهم ، لأن علماءنا علماء المذاهب الأربعة لم يعترفوا بهم كمذهب قائم ، لكن أنصحك بعدم الخوض في حوارات مع صديقك هذا ؛ لأن القضية شائكة ، والبحث طويل ، وطريق صعب ومتعب ، هم لديهم أدلّة مقنعة ، ونحن لدينا أدلّة مقنعة ، فاتركه يا أخي.
فودَّعت الشيخ صالح ، ورجعت إلى مكان عملي ، أفكِّر بكلمات الشيخ صالح ، وجاء الليل ، وجاء التفكير ، لديهم أدلّة مقنعة ، ولدينا أدلّة مقنعة ، فقلت : ما دام لديهم أدلة مقنعة ـ كما قال لي الشيخ ـ ما المانع من أن أقرأ كتاب المراجعات ، وكتاب ثمَّ اهتديت ، وأقف على هذه الأدلّة؟
مع الشيخ إسماعيل عرناسي
وقعت في تناقض حادّ ، الشيخ المصري حذَّرني!! والشيخ طارق حذَّرني!! والشيخ فتح الباب ولكن في مصراع واحد ، لماذا لا أكمل رحلة البحث؟ فسألت أحد أصدقائي من الذين يعملون معنا في الورشة ، فقلت له : من يصلّي عندكم إماماً للجماعة؟
فقال لي : نحن في برج البراجنة عندنا شيخ كبير اسمه : الشيخ إسماعيل عرناسي ( جامع العرب ) ، وفي اليوم الثاني وبعد الانتهاء من العمل ذهبت إليه ، حيث انتظرت في المسجد موعد صلاة المغرب ومجيء الشيخ ، فجاء الشيخ وصلَّينا خلفه جماعة ، وعندما انتهى صافحته واقتربت منه ، فقلت له : سماحة
الشيخ! أنا شابٌّ سوريٌّ ، وأعمل في ورشة في منطقة خلدة ، وأشتغل مع صديق شيعيٍّ ، وكل ساعة يحاورني في الدين ، ويسألني ويحرجني ، فما تنصحني بالله عليك أيُّها الشيخ وتريحني؟!!
فقال لي : يا بنيَّ! صار لي أكثر من أربعين سنة في هذا المسجد ، ولم اختلط مع واحد شيعيٍّ ، والكل يعلم ذلك ، لكن أنصحك هؤلاء الشيعه يقولون في آخر الصلاة : تاه الوحي ثلاث مرَّات ، وينسبون أقوالا للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقولون : قال الإمام علي عليهالسلام.
فقلت له : شيخنا الجليل! أنا قرأت في كتيِّب لتعليم الصلاة عندهم ، حيث يقولون آخر الصلاة ثلاث مرَّات : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.
فردَّ عليَّ : يا بنيَّ! ماذا تعرف من دهاء هؤلاء الشيعة؟ إنهم يستعملون التقيَّة ، وإمامهم الصادق عليهالسلام يقول : ( التقيّة ديني ودين آبائي ).
فرجعت إلى مكاني مخذولا تائها محتاراً ، وأوشكت من أن أصاب بأزمة نفسيَّة ، وسيطر عليَّ القلق ، بحيث لم أعد أستطيع العمل ، أصبت برجفة حادّة وقشعريرة ، فأخذني أخي إلى الدكتور ، وقال لي الدكتور : جسميّاً لا يوجد فيك شيء ، فأنت مرهق نفسيّاً وفكريّاً ، يا أخي! بماذا تفكر؟ هذه الدنيا لا تستحقّ التفكير ، خذ إجازة من العمل وسافر إلى البلد.
فنمت يومين في الفراش ، محاولا التخلُّص من التفكير ، وصرت أجلس مع أصدقائي ، أشاهد برامج التلفزيون والمسلسلات لأروِّح عن نفسي التعب والإرهاق.
وبعدها عزمت أن أكمل قراءة كتاب المراجعات ، وقلت لصديقي الشيعي : إذا سمحت ، غداً اجلب لي معك كتاب المراجعات.
ففرح صديقي وقال : أين أنت هذين اليومين؟
فقلت له مكابراً : والله إن أعصابي وجسمي مرهقان ، وأخذني أخي دحام إلى الدكتور ، وقال لي : تحتاج إلى إجازة وراحة من العمل.
العودة إلى كتاب المراجعات
وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات ، وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص ٧١ ، فاستوقفني مقال للشيخ الأنطاكي الحلبي المتشيِّع ( الاختلاف بين المذاهب الأربعة ) ، واستوقفتني أقوال للإمام عليٍّ ( كرَّم الله وجهه ) ، ما أقواها وأشدَّها وطأ وأثراً على النفس! في ص ٧٥ قوله : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاَّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمِّي سارقاً ).
حديث الثقلين في كتب السنة
ثمَّ قال في ص ٨٢ : وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين ، فنادى : ( يا أيُّها الناس! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ).
فسجَّلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه ( المراجعات ) ، وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتِّش