مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

لسيِّدنا أبي بكر ، ومعنى كلمة الخوخة أي ( الباب الصغير ).

السيِّد البدري : لو أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد إكرامه لفتح له باباً كبير ، لماذا باب صغير؟ وحتى أثبت لك بالأدلّة والبراهين القاطعة بأن هذا الحديث وضع مقابل حديث ( سدُّوا كل الأبواب إلاَّ باب علي ) فتفضَّل يا أخي :

أوّلا : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسدِّ أبواب الصحابة من المسجد تنزيهاً له عن الجنب والجنابة ، ولكنَّه أبقى باب علي عليه‌السلام ، وأباح له عن الله تعالى أن يجنب في المسجد ، كما كان هذا مباحاً لهارون ، فدلَّنا على ذلك عموم المشابهة كما كان هذا مباحا لهارون عليه‌السلام.

الحديث : قال ابن عباس حبر الأمّة : وسدَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمأبواب المسجد غير باب عليٍّ ، فكان يدخل المسجد جنباً ، وهو طريقه ليس له طريق غيره (١).

الحديث : كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبواب شارعة في المسجد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سدُّوا هذه الأبواب إلاَّ باب عليٍّ ، فتكلَّم الناس في ذلك ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعد ، فإني أمرت بسدِّ هذه الأبواب إلاَّ باب علي ، فقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني أمرت بشيء فاتبعته (٢).

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام يومئذ

__________________

١ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/١٣٤ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٢ ـ ١١٣ ح ٨٤٠٩ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/٧٨ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٩٩ ـ ١٠٢ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ٨٧ ـ ٨٨.

٢ ـ السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٨ ح ٨٤٢٣ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٧/١٢ ـ ١٣ ، فيض القدير ، المناوي : ١/١٢٠.

٣٤١

فقال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ، ولا أنا تركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، إنما أنا عبد مأمور ، ما أمرت به فعلت ، إن أتَّبِعُ إلاَّ ما يوحى إليَّ (١).

يا عليُّ! لا يحلُّ لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك (٢).

وعن سعد بن أبي وقاص ، والبرّاء بن عازب ، وابن عباس ، وابن عمر وحذيفة بن أسيد الغفاري ، قالوا كلُّهم : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمإلى المسجد فقال : إن الله تعالى أوحى إلى نبيِّه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاَّ أنت وهارون ، وإن الله أوحى إليَّ أن ابنِ مسجداً طاهراً لايسكنه إلاَّ أنا وأخي علي (٣)

حديث المنزلة ومنازل هارون من موسى 7

السيِّد البدري : وحتى أثبت لك بأن حديث الخلّة وضع مقابل حديث المنزلة ، حتى تكون على بصيرة من أمرك أيُّها الأستاذ الباحث عن الحقيقة ، فالواجب الشرعي يفرض عليَّ أن أبيِّن لك الحقائق لتنقذ نفسك من الصراع الذي تعيشه ، والتناقض والحيرة ، فهذا الإمام البخاري يحدِّثنا في صحيحه (٤) في مناقب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذاك الإمام مسلم في صحيحه يحدِّثنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبيَّ

__________________

١ ـ المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/١١٤ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١١٥ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦٠٠ ح ٣٢٨٨٧.

٢ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٠٣ ح ٣٨١١ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٧/٦٦ ، فتح الملك العلي ، المغربي : ٤٦ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٤٠ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢٦/٢٥٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ١٣/٢٧٢ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ٧٧.

٣ ـ المناقب ، ابن المغازلي : ٢٥٢ ح ٣٠١ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/٢٥٨ ح ٦.

٤ ـ صحيح البخاري : ٤/٢٠٨ و٥/١٢٩ ، التأريخ الكبير ، البخاري : ١/١١٥ ، رقم : ٣٣٣.

٣٤٢

بعدي (١).

وفي القرآن العربي المبين يقول الله تعالى في سورة طه : آية ٢٥ وما بعدها ، حكاية عن كليمه موسى عليه‌السلام : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) إلى قوله تعالى : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ) وأنت تعلم ـ يا أخي المحاور ـ أن منازل هارون عليه‌السلام من موسى عليه‌السلام كثيرة ومتعدِّدة ، وسأورد لك بعض المقارنات بين هارون ومنزلته من موسى لتعلم أن علياً هو الخليفة الحق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الأوَّل : إن هارون عليه‌السلام كان وزيراً لموسى عليه‌السلام ، فكذلك علي عليه‌السلام وزير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثاني : إن هارون عليه‌السلام كان شريكاً لموسى عليه‌السلام في أمره ، فكذلك علي عليه‌السلام شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره على الخلافة والإمامة ، إلاّ النبوَّة ، والمستثناة من عموم المنازل في الحديث الشريف.

الثالث : إن هارون عليه‌السلام كان ثاني موسى عليه‌السلام في قومه ، فكذلك علي عليه‌السلام ثاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته.

الرابع : إن هارون عليه‌السلام كان أخاً لموسى عليه‌السلام ، فكذلك علي عليه‌السلام كان أخاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بدليل حديث المؤاخاة المتواتر نقله في كتب السنة والشيعة ، وعدم استثناء النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه إلاَّ النبوة ، وقد أخرج ذلك أحد علمائكم ـ أحمد بن حنبل في مسنده ـ عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس في حديث :

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧/١٢٠ ـ ١٢١.

٣٤٣

بضع عشرة فضيلة كانت لعلي عليه‌السلام لم تكن لغيره من الصحابة (١).

الخامس : إن هارون عليه‌السلام كان أفضل قوم موسى عليه‌السلام عند الله تعالى وعند نبيِّه موسى عليه‌السلام ، فكذلك علي عليه‌السلام أفضل أمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الله تعالى وعند رسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

السادس : إن هارون عليه‌السلام كان هو القائم مقام موسى عليه‌السلام في غيبته مطلقاً ، فكذلك علي عليه‌السلام هو الذىِّ يقوم مقام النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غيبته مطلقاً ، وقد جاء التنصيص عليه جليّاً واضحاً ، لا يرتاب فيه اثنان من أهل الإيمان ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ينبغي أن أذهب إلاَّ وأنت خليفتي (٢).

السابع : إن هارونعليه‌السلامكان أعلم قوم موسىعليه‌السلامفكذلك علي عليه‌السلام أعلم أمة

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٣ ، خصائص أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، النسائي : ٦٢ ، وقال محقِّق الكتاب في الهامش : في نسخة : فضائل ليست لأحد غيره ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٩٩ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧/٣٧٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٨٧.

وروى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه بإسناده عن ابن عباس : وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ( المناقب ، الموفق الخوارزمي : ١٢٥ ح ١٤٠ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٣٢ ).

وفي رواية النعمان المغربي : عن عمرو بن ميمون ، عبدالله بن عبّاس : وقعوا في رجل قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر خلال ، كل خلّة منها خير من الدنيا وما فيها ، وقعوا في علي أميرالمؤمنين.

( شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي : ٢/٢٠٩ ح ٥٤١ ).

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم : ٥٥١ ، خصائص أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، النسائي : ٦٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/٧٨ ، المناقب ، الموفق الخوارزمي : ١٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٠٢ ، الإصابة ، ابن حجر : ٤/٤٦٧ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧/٣٧٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٨٧ ، كنز العمال ، المتقى الهندي : ١١/٦٠٦ ح ٣٢٩٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٢٠ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/١١٢.

٣٤٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صرَّح النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب (١).

الثامن : إن هارون عليه‌السلام كان واجب الطاعة على يوشع بن نون وصيِّ موسى عليه‌السلام وغيره من أمّته ، فكذلك علي عليه‌السلام واجب الطاعة على الخلفاء : أبي بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم من أمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

التاسع : إن هارون عليه‌السلام كان أحبَّ الناس إلى الله تعالى وإلى كليمه موسى عليه‌السلام ، فكذلك عليٌّ أحبُّ الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

العاشر : إن الله تعالى قد شدَّ أزر نبيِّه موسى عليه‌السلام بأخيه هارون عليه‌السلام ، فكذلك شدَّ أزر نبيِّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخيه علي عليه‌السلام.

الحادي عشر : إن هارون عليه‌السلام كان معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان ، فكذلك علي عليه‌السلام يكون معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان.

أدلة أخرى في إمامة علي 7

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! هل لديك أدلّة أخرى في عليٍّ كرَّم الله وجهه ، وفي إثبات أحقّيّته بالخلافه؟ زدني من فضلك.

__________________

١ ـ روى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن سلمان ، عن النبي 6 أنه قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب 7.

راجع : المناقب ، الموفق الخوارزمي : ٨٢ ، فتح الملك العلي ، أحمد بن الصديق المغربي : ٧٠ عن مسند الفردوس ، ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/٧٠ ح ٦ و٢٣٩ ح ٦٦٩ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦١٤ ح ٣٢٩٧٧.

٣٤٥

السيِّد البدري : وما أزيدك؟ ما هذا الذي ذكرته إلاَّ غيض من فيض من فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، إذا قلت لك إن عليّاً جامع لفضائل الأنبياء هل تقنع؟

هشام آل قطيط : إذا كان هناك أدلّة وبراهين تقنعني لماذا لا أقنع؟ الإمام علي عليه‌السلام جامع فضائل الأنبياء.

السيِّد البدري : وقد شهد بذلك سيِّد الرسل ، وخاتم النبيين محمّد ، الصادق الأمين عليه‌السلام ، كما جاء في مناقب الخوارزمي : ص ٤٩ ـ ٢٤٥ والرياض النضرة : ٢ ـ ٢١٧ ، وذخائر العقبى : ٩٣ ، وغيرها أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع بعض الاختلافات اللفظيّة : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب ).

ونقل لنا ابن الصبّاغ المالكي في كتابه ( الفصول المهمة ) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عزمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وفي الرياض النضرة : ٢ ـ ٢٠٢ قال : أخرج الملا عمر بن خضر في سيرته : قيل : يا رسول الله! وكيف يستطيع علي عليه‌السلام أن يحمل لواء الحمد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف لا يستطيع ذلك وقد أعطي خصالا شتّى ؛ صبراً كصبري ، وحسناً كحسن يوسف ، وقوّة كقوّة جبريل عليه‌السلام؟!

وروى السيِّد مير علي الهمداني في كتابه ( مودّة القربى ) المودة الثامنة ، قال : عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته ، وإلى ميكائيل في رتبته ، وإلى جبرائيل في جلالته ، وإلى آدم في علمه ،

٣٤٦

وإلى نوح في خشيته ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى يعقوب في حزنه ، وإلى يوسف في جماله ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى أيوب في صبره ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى عيسى في عبادته ، وإلى يونس في ورعه ، وإلى محمّد في حسبه وخلقه ، فلينظر إلى عليٍّ ، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه ، ولم يجمعها في أحد غيره (١).

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيد! أنت هنا وصلت بي إلى مقايسة عليٍّ ـ كرَّم الله وجهه ـ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهذا مشكل منكم؟

السيِّد البدري : اسمع ـ يا أخي ـ لأروي لك ما نقله بعض من المؤرِّخين ، إذا الأدلّة لم تقنع فناقشني وحاورني.

مقايسة علي 7 بالأنبياء :

لقدحدَّثنا المؤرِّخون والمحدِّثون أنه عليه‌السلام في آخر يوم من حياته الكريمة ، حينما كان على فراش الموت والشهادة حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته ، وكان ممَّن حضر صعصعة بن صوحان ، وهو من كبار الشيعة في الكوفة ، وكان خطيباً بارعاً ، ومتكلِّماً لامعاً ، وهو من الرواة الثقات حتى عند أصحاب الصحاح الستة عندكم وأصحاب المسانيد ، فإنّهم يروون عنه ما ينقله عن الإمام علي عليه‌السلام ، وقد ترجم له كثير من أعلامكم مثل : ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ، وابن قتيبة في المعارف ، وغيرهم ، فكتبوا أنه كان عالماً صادقاً ، وملتزماً بالدين ، ومن خاصة أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، في ذلك اليوم سأل صعصعة الإمام عليّاً عليه‌السلام قائلا : يا أميرالمؤمنين!

__________________

١ ـ ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ٨٧٤.

٣٤٧

أخبرني أنت أفضل أم آدم عليه‌السلام؟

فقال الإمام عليه‌السلام : يا صعصعة! تزكية المرء نفسه قبيح ، ولولا قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (١) ما أجبت ، يا صعصعة! أنا أفضل من آدم ؛ لأن الله تعالى أباح لآدم كلَّ الطيِّبات المتوفِّرة في الجنة ، ونهاه عن أكل الحنطة فحسب ، ولكنَّه عصى ربَّه وأكل منها! وأنا لم يمنعني ربّي من الطيِّبات ، وما نهاني عن أكل الحنطة ، فأعرضت عنها رغبة وطوعاً.

فقال صعصعة : أنت أفضل أم نوح؟

فقال عليه‌السلام : أنا أفضل من نوح ؛ لأنه تحمَّل ما تحمَّل من قومه ، ولمَّا رأى منهم العناد دعا عليهم ، وما صبر على أذاهم ، فقال : ( رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) ، ولكنّي بعد حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمَّلت أذى قومي وعنادهم ، فظلموني كثيراً ، فصبرت وما دعوت عليهم (٣).

فقال صعصعة : أنت أفضل أم إبراهيم؟

فقال عليه‌السلام : أنا أفضل ، لأن إبراهيم قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٤) ، ولكنّي قلت وأقول : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً.

قال صعصعة : أنت أفضل أم موسى؟

قالعليه‌السلام: أناأفضل من موسى؛ لأن الله تعالى لمَّا أمره أن يذهب إلى فرعون

__________________

١ ـ سورة الضحى ، الآية : ١١.

٢ ـ سورة نوح ، الآية : ٢٦.

٣ ـ راجع : نهج البلاغة ـ الخطبة الشقشقية حيث يصف عليه‌السلام فيها جانباً من الوضع الذي قاساه فصبر.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٦٠.

٣٤٨

ويبلِّغ رسالته قال : ( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (١) ، ولكنّي حين أمرني حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله عزَّوجلَّ حتى أبلِّغ أهل مكة المشركين سورة براءة ، وأنا قاتل كثير من رجالهم وأعيانهم! مع ذلك أسرعت غير مكترث ، وذهبت وحدي بلا خوف ولا وجل ، فوقفت في جمعهم رافعاً صوتي ، وتلوت الآيات من سورة براءة وهم يسمعون!!

قال صعصعة : أنت أفضل أم عيسى؟

قال عليه‌السلام : أنا أفضل ؛ لأن مريم بنت عمران لمَّا أرادت أن تضع عيسى كانت في بيت المقدس ، جاءها النداء : يا مريم! اخرجي من البيت ، هاهنا محلُّ عبادة ، لا محلُّ ولادة ، فخرجت ( فَأَجَاءهَا الَْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) (٢) ، ولكنَّ أمّي فاطمة بنت أسد لمَّا قرب مولدي جاءت إلى بيت الله الحرام ، والتجأت إلى الكعبة ، وسألت ربَّها أن يسهِّل عليها الولادة ، فانشقَّ لها جدار البيت الحرام ، وسمعت النداء : يا فاطمة! ادخلي ، فدخلت وردَّ الجدار على حاله ، فولدتني في حرم الله وبيته (٣).

وانتهى اللقاء ، وعشت في دوَّامة أكثر ، وأحدِّث نفسي : تابع البحث ، إياك والملل!!

اللقاء السادس : خبر منع عمر النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الكتاب

هشام آل قطيط: لقد فاتنا ـ سماحة السيِّد البدري! ـ المناقشة في الحديث

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٣٣.

٢ ـ سورة مريم ، الآية : ٢٣.

٣ ـ راجع : الأنوار النعمانية : ١/٢٧.

٣٤٩

الشريف الذي يقول : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً ، ثمَّ قال : يأبى الله والمسلمون إلاَّ أبا بكر (١).

فهذا الحديث أفهم منه أن هناك عزيمة وتصميم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتوصية بالخليفة أبي بكر من بعده ، والذي يدلّني أكثر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يكتب كتاباً ، ويؤكِّد من خلال فعل الأمر الذي يبدأ به الحديث.

السيِّد البدري : ألم يكن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عازماً على أن يكتب كتاباً ومنعه الخليفة عمر بن الخطاب ، وقال : إن رسول الله غلبه الوجع ، وإنَّه هجر ، أي بمعنى يهذي ، والرسول المعصوم لا يمكن أن يهجر أو يهذي أيُّها الأستاذ ، وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قوموا عنّي ، لا ينبغي عند نبيٍّ تنازع (٢) ؛ لأنه لو أصرَّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كتابة الكتاب لقالوا : إنه هجر؟

ثمَّ إن هذا الحديث وضع مقابل الحديث المشهور ، عندما أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب الكتاب ، حيث قال : أعطوني دواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعدي ـ ولمَّا واجهه القوم بتلك الكلمة القارصة والعبارة الجارحة ـ خاصّة وهو في آخر أيامه من الدنيا ـ رأى أن من الحكمة والمصلحة أن يعدل عن كتابته حفاظاً على الدين ، وقياماً بما أوجبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقديمه الأهمَّ على

__________________

١ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : إن البكريّة وضعت لأبي بكر أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث نحو : ائتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان ، ثمَّ قال : يأبى الله تعالى والمسلمون إلاَّ أبا بكر ؛ فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المرويِّ عنه في مرضه : ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلُّون بعده ابداً ، فاختلفوا عنده ( شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١١/٤٩ ).

٢ ـ صحيح البخاري : ٤/٣١ ، المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني : ٦/٥٧ ح ٩٩٩٢ ، مسند أبي يعلى الموصلي : ٤/٢٩٨ ح ٢٤٠٩ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٢/٢٤٢ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٨/١٠١ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥/٢٤٧.

٣٥٠

المهمِّ.

وأنقل لك ما سجَّله ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ، عن أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تأريخ بغداد ، مسنداً عن ابن عباس أنه قال ـ في حديث طويل جرى بينه وبين الخليفة عمر بن الخطاب ـ قال عمر في بعض ما أجاب به ابن عبّاس ما ملخَّصه : إني لمَّا علمت أن النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد في مرضه أن يكتب لعلي عليه‌السلام بالخلافة ويعهد بها إليه ، فمنعته من ذلك ، لعلمي بأن العرب تنقض عليه لبغضها له (١).

وهذا القول ـ يا أستاذ ـ يرشدك إلى أنهم كانوا يعلمون مسبقاً بالنصِّ على علي عليه‌السلام ، ولكنّهم يرون أن مصلحة الأمّة ، وانتقاض العرب ، وعدم رغبتهم في اجتماع النبوّة والإمامة في أهل بيت النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

المحاورة بين عمر وابن عباس تكشف عن لثام الحقيقة

السيِّد البدري يتابع الحديث قائلا : هذه المحاورة تكشف لك ـ يا أخي ـ عن المؤامرة التي حصلت من الخليفة عمر بن الخطاب عمَّا كان يريده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الكتاب ، كما وردت في تأريخ الطبري ، والكامل لابن الأثير ، فاسمع أيها المحاور ...

قال عمر بن الخطاب لابن عباس : يا بن عباس! أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري فإن أميرالمؤمنين يدريني.

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٢١.

٣٥١

فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوَّة والخلافة ، فتبجَّحوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفِّقت.

فقلت : يا أميرالمؤمنين! إن تأذن لي في الكلام ، وتمط عني الغضب تكلَّمت.

قال : تكلَّم ، قلت : أمَّا قولك يا أميرالمؤمنين : اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفِّقت ، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمَّا قولك : إنهم أبوا أن تكون لنا النبوَّة والخلافة ، فإن الله عزَّوجلَّ وصف قوماً بالكراهة ، فقال : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (١).

فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرَّك عليها فتزيل منزلتك مني (٢).

ولهذا يقول عمر بن الخطاب : لقد كان ـ أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمـ يربع في أمره ، ولقد أراد في مرضه أن يصرِّح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ، لا وربِّ هذه البنيَّة! لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانتفضت عليه العرب في أقطارها ، فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنني علمت ما في نفسه فأمسك (٣).

هشام آل قطيط : بعد كلِّ ما طرحناه من تساؤلات ومناقشات وردود من

__________________

١ ـ سورة محمّد ، الآية : ٩.

٢ ـ تاريخ الطبري : ٣/٢٨٩ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ١٣١ ، الكامل ، ابن الأثير : ٣/٦٢ في حوادث سنة ٢٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٥٣.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٢١.

٣٥٢

قبل سماحتكم ، إلى أين تريد أن توصلني؟

السيِّد البدري : يا أخي! نحن لسنا بحاجة ، إن تشيعت أم لم تتشيَّع لدينا أكثر من ٣٠٠ مليون شيعي في العالم ، ولكن الواجب الشرعي يفرض عليَّ أن أبيِّن لك بالأدلّة والبراهين أين هو الحق ، فالمسلم الواثق من عقيدته لا يهاب الحوار ، ولا تخيفه المناقشات ، لماذا الخوف من الحوار؟ فأعطيك مثالا : أنا السيِّد علي البدري ، من سكَّان بغداد ( الكرَّادة الشرقية ) ، نشأت في بيئة سنّية ، ودرجت كما درج أهلي ( الدين عندنا عادة وليس عبادة ).

وبعد أن أنهيت دراساتي الشرعيَّة من جامعة بغداد ، وذهبت إلى الأزهر لإكمال الدراسات العليا ، فبدأت من هناك أجري مقارنات بين العقيدة السنّيّة والعقيدة الشيعيّة ، فتوصَّلت بعد بحوث مجهدة ومعاناة طويلة إلى أن اخترت مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، أو مذهب الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، أو ما يسمُّونه اليوم بالشيعة ، أو المذهب الشيعيّ ، فأعلنت عن تشيُّعي ، وكنت وكيل زعيم الطائفة الشيعيّة السيِّد أبو القاسم الخوئي في مصر ، وحتى أصبحت داعية التشيُّع في كلِّ أقطار العالم الإسلاميّ وغير الإسلاميّ.

وأنا أتكلَّم من منطق الواثق من نفسه ، حيث إني درست واطّلعت على كتب الفريقين : السنّيّ والشيعيّ ، حتى توصَّلت إلى حفظ صحيح البخاري وأرقام الصفحات المهمّة بالحوار والاحتجاج ، وغيره من الصحاح وكتب التاريخ.

كل ممنوع مرغوب

أحكي لك هذه القصَّة : عندما كنت صغيراً في العشرينات كان أحد أساتذني يحذِّرني من قراءة كتب الشيعة.

٣٥٣

فقلت له : يا أستاذ! ما دمتم تحذِّرونا من كتب الشيعة أسألك هذا السؤال : هذه الكتب المخيفة إمَّا أنها تحتوي على الحقيقة أو على الباطل ، فإن كانت الأولى فلماذا تحذِّرون من اتّباع الحقيقة؟ وإمَّا على الباطل فلماذا لا تردُّون عليها ـ يا أستاذ ـ وتبيِّنوا لنا الشبهات التي فيها حتى لا نقع في الشبهات؟

فضحك الأستاذ ، وقال لي : كان والدي يحذِّرني منها.

فقلت له : يا أستاذ! وإلى متى نبقى على هذا الخوف والتحذير؟

فكان الأستاذ من خلال تحذيره لي ، تولَّد عندي نزعة شديدة لقراءة هذه الكتب ، ووصلت بحمدالله تعالى إلى ما وصلت ، فأشجِّعك ـ يا أخي ـ قربة إلى الله ، وأنا رجل مريض ، وأصبحت في آخر العمر، ولا أعرف أكمل هذه السنة أم لا، فتابع البحث والسؤال يابنيَّ ؛ لأن عمدة العلم في السؤال ، ووفَّقك الله.

وانتهت هذه الجلسة بسبب مرض السيِّد البدري.

اللقاء السابع : المناقشة في بيعة أبي بكر وحديث الثقلين

ذهبت في تمام الساعة العاشرة صباحاً إلى منزل الداعية الشيعيِّ السيِّد علي البدري ، فطرقت الباب ، ففوجئت بحرمه الموقَّرة تبلغني نبأ مرضه الشديد ، وقالت : حصل معه ألم في القلب ، وهو في مشفى المجتهد ، في قسم العناية القلبيّة المشددة.

فنزلت على الدرج بسرعة هائلة ، وقطعت الشارع ركضاً ، وأقلَّتني سيَّارة إلى مشفى المجتهد ، فدخلت إلى المشفى ، وأدعو له طول الطريق بطول العمر ؛ لأنه الإنسان الوحيد الذي وجدت فيه الصدق في القول والإخلاص في العمل ، رجل شيبة في الثمانينات ، ويحاور ويسافر ، ويحمل أكداس من الكتب بيده

٣٥٤

الشريفة لينير الدرب أمام الشباب ، وسألت البوَّاب الذي يقف على باب قسم العناية القلبيّة المشدَّدة فأدخلني ، فسرت في الممرّ ، فسألت إحدى الممرِّضات عن غرفة السيِّد علي البدري ، فقالت لي : الشيخ الشيبة؟ قلت لها : نعم ، قالت : هو في الغرفة الثالثة.

فدخلت وقبَّلت جبينه ، وقال لي : يابنيَّ! لقدأتيت ، فقلت له : نعم ، فقال لي : أطلب من الله أن يطيل بعمري فقط ولو سنة حتى أوضح لك كل الشبهات التي في ذهنك ، فقلت له: عمرك طويل إن شاءالله تعالى ياسماحة السيِّد.

السيِّد : هل تريد منّي أيَّ خدمة؟ قال لي : اجلس هنا ، هذا السرير فارغ ، فجلست ، ورفع رأسه عن الوسادة.

حوار في مشفى المجتهد لمدة نصف ساعة!!

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد الجليل! أستطيع أن أتكلَّم معك وأسألك؟

السيِّد البدري : اسأل يا أخي! ما دام فيَّ عرق ينبض سأردُّ عليك ، ويساعدني الإمام علي والزهراء عليهما‌السلام ، والحجّة القائم الإمام المهدي عجَّل الله فرجه الشريف.

هشام آل قطيط : ألم يكن هناك إجماع وشورى على خلافة سيِّدنا أبي بكر بعد النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

السيِّد البدري : أرجو أن تبيِّن لي أدلّتك على صحة الإجماع والشورى.

هشام آل قطيط : أولا : إجماع الأمّة على خلافته.

ثانياً : كبر سنّه وشيخوخته ، والأمّة لا تقبل أن يكون الخليفة من هو أصغر سنّاً مثل الإمام علي ( كرَّم الله وجهه ) وأنتم لوأنصفتم ـ سماحة السيِّد ـ لأعطيتم

٣٥٥

الحقَّ للمسلمين ، فلا يجوز عقلا أن يتقدَّم في هذا الأمر العظيم شابٌّ حدث السن مع وجود شيوخ قومه وكبراء أهله ، وإن تأخَّر سيِّدنا علي ( كرَّم الله وجهه ) لا يكون نقصاً له بل كمالا له ، وإن أفضليته على أقرانه ثابتة ولا ننكرها.

ثمَّ إنني أسمع حديثاً دائماً يردِّده علماؤنا السنّة ؛ قول سيِّدنا عمر : لا تجتمع النبوَّة والملك في أهل بيت واحد.

هذه أسباب تقدُّم أبي بكر وتأخُّر عليٍّ عليه‌السلام في أمر الخلافة ( ولا تجتمع أمّتي على ضلال أو على خطأ ).

السيِّد البدري : إن أدلَّتك ـ يا أخي ـ تضحك الثكلى ، وإن مثلك كمثل الذي يغمض عينيه فيصبح كالأعمى ، فلا يرى الشمس الطالعة في الضحى ، وينكر ضوء النهار إذا تجلَّى ، فافتح عينيك ، وانظر إلى منار الهدى ، واسلك طريق الحقّ ، ولا تتّبع الهوى ، ولا تغرّنّك الدنيا ، وإن الآخرة خير وأبقى.

وأرجو منك أن تقرأ كتب الشيعة بدقّة ، وتعمِّق الفكر في أدلّتنا وبراهيننا ، أقول هذا لأني فتَّشت أسواق القاهرة والحجاز والخليج والأردن ، وأسواق الشام وأندونيسيا وتنزانيا وبومباي ، وغيرها من البلاد الإسلاميّة التي غالب سكَّانها أهل السنة ، أو حكَّامها من أهل السنّة والجماعة ، فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها ، فكأنكم ـ مع الأسف ـ آليتم أن لا تطالعوا كتب الشيعة ، فلا أدري هل حكمتم عليها بأنها كتب ضلال فحرَّمتم قراءتها؟!!

وإنّي دخلت بيوت كثير من إخواننا أهل السنّة ، علماء وغير علماء ، وخاصة الذين يهوون مطالعة الكتب ، ويملكون مكتبات شخصيّة في بيوتهم ، فوجدت فيها كتب مختلفة حتى كتب غير المسلمين من الشرقيّين والغربيّين ، ولم أجد كتاباً واحداً من كتب الشيعة!!

٣٥٦

بينما نحن في بلادنا نطبع كتب السنّة وننشرها ، وندعو أهل العلم والمثَّقفين من شبابنا لمطالعتها ، فهذه مدينة النجف الأشرف ، وكربلاء المقدَّسة في العراق ، وهذه مدينة مشهد ، ومدينة قم المقدسة ، وكذلك شيراز وطهران وإصفهان ، التي فيها حوزاتنا العلميّة ومراجعنا العظام ، ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامّة والخاصّة تخلو من صحاحكم وكتبكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم ، لا لحاجة منّا إليها ؛ لأن مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام غنيّة ، والأخبار المرويَّة عن العترة الطاهرة تناولت جميع جوانب الحياة ، وكل ما يحتاجه الإنسان في أمر الدين والدنيا.

وعلاوة على ذلك ألفت نظرك إلى مسألة مهمّة جدّاً ، خذها بعين الاعتبار يا أخي ، أعطني دليلا واحداً أن هناك عالم شيعي انتقل من التشيُّع إلى التسنُّن ، لا يوجد .. أتحدَّاك ، بينما العشرات والمئات من علماء السنة ومثقَّفيهم انتقلوا من التسنُّن إلى التشيُّع .. لماذا ؟!! فكِّر في ذلك وأنصف.

لا إجماع على خلافة أبي بكر..

ويتابع سماحة السيِّد إجابته قائلا : أيُّها الأخ! لو فكَّرت قليلا وأنصفت ، ثمَّ نظرت نظرة الباحث المدقِّق المتأمِّل بأحداث السقيفة وما نجم منها لأذعنت أن خلافة أبي بكر ما كانت بموافقة أهل الحلِّ والعقد ، ولم يحصل الإجماع عليها ، ولو أنك تدبَّرت قول عمر بن الخطاب في صحيح البخاري ـ أصدق صحيح عندكم ـ ما قاله بعد هذا الإجماع والبيعة في السقيفة قوله : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وتمَّت ، ولكن الله وقى شرَّها (١) ، إلى أن قال : من بايع منكم رجلا من غير

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٨/٢٦ ، المعيار والموازنة ، أبو جعفر الإسكافي : ٣٨ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة :

٣٥٧

مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه تغرَّة أن يقتلا ، إلى قوله : إلاَّ أن الأنصار خالفوا ، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنّا علي عليه‌السلام والزبير ومن معهما.

وأزيدك أدلّة أخرى يا أستاذ ، فالإجماع الذي تزعمه نفاه كثير من علمائكم ، منهم : صاحب كتاب ( المواقف ) ، والفخر الرازي ، وجلال الدين السيوطي ، وابن أبي الحديد ، والطبري ، والبخاري ، ومسلم بن الحجاج ، وغيرهم.

وقد ذكر العسقلاني ، والبلاذري في تأريخه ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وغير هؤلاء أيضاً ، ذكروا : أن سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش ما بايعوا أبا بكر ، وثمانية عشر من كبار الصحابة رفضوا أيضاً أن يبايعوه ، وهم شيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأنصاره ، ذكروا أسماءهم كمايلي :

١ ـ سلمان الفارسي

٢ ـ أبو ذر الغفاري.

٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي

٤ ـ أُبي بن كعب.

٥ ـ عمار بن ياسر.

٦ ـ خالد بن سعيد بن العاص.

٧ ـ بريدة الأسلمي.

٨ ـ خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين.

٩ ـ أبو الهيثم بن التيهان.

١٠ ـ سهل بن حنيف.

١١ ـ عثمان بن حنيف.

١٢ ـ أبو أيوب الأنصاري.

__________________

٨/٦١٥ ـ ٦١٦ ، تأريخ اليعقوبي : ٢/١٥٨ ، كتاب الثقات ، ابن حبان : ٢/١٥٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٦/٥.

٣٥٨

١٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٤ ـ حذيفة بن اليمان.

١٥ ـ سعد بن عبادة.

١٦ ـ قيس بن سعد.

١٧ ـ عبد الله بن عبّاس.

١٨ ـ زيد بن أرقم.

وذكر اليعقوبي في تأريخه فقال : تخلَّف قوم من المهاجرين والأنصار عن بيعة أبي بكر ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد ، وسلمان ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأُبي بن كعب (١).

أقول : ألم يكن هؤلاء من صفوة أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المقرَّبين إليه والمكرَّمين لديه؟! فلماذا لم يشاورهم؟ فإن لم يكن هؤلاء الأخيار من أهل الحلِّ والعقد ، ومن ذوي البصيرة والرأي في المشورة والاختيار ، فمن يكون إذن؟!! وإذا لم يعبأ برأي أولئك الذين كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاورهم الأمور ويعتمد عليهم ، فبرأي من يعبأ؟ ورأي من يكون ميزاناً ومعياراً لإبرام الأمور المهمّة ، وحسم قضايا الأمة؟!

مخالفة أهل البيت عليهم‌السلام لخلافة أبي بكر

ويتابع السيِّد البدري استدلاله قائلا : أوَّل من خالف أبا بكر هم أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم بإجماع الأمة أفضل الصحابة ، وهم في الصفّ الأول والمتقدِّمين على أهل الحلّ والعقد، وإن إجماع أهل البيتعليهم‌السلامحجّة لازمة على الأمّة ، بدليل

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي : ٢/١٢٤.

٣٥٩

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً (١).

هشام آل قطيط : عفواً ، عفواً سماحة السيِّد! أنت ذكرت : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لماذا لم تذكر حديث : كتاب الله وسنّة نبيِّه؟ من أين أتيت بحديث : عترتي أهل بيتي؟

السيِّد البدري : أعطني دليلا على صحّة ما قلت أيُّها الأستاذ.

هشام آل قطيط : وقفت محتاراً عن عدم الدليل ( فاقد الشيء لا يعطيه ) ، إن شاء الله في جلسة أخرى سأحضر الدليل.

السيِّد البدري : لا تعذِّب نفسك يا أخي ، راجع : مسند أحمد بن حنبل ، الجزء الثالث : ص ١٧ ، وأخرجه أيضاً في نفس المصدر عن أبي سعيد الخدري ص ٢٦ ، وص ٥٩ عن أبي سعيد الخدري حديثاً آخر ، وأخرج في الجزء الرابع ص ٢٦٧ عن زيد بن أرقم حديثاً آخر ، وفي صحيح مسلم ذكره في الجزء الثاني ص ٢٣٨.

وأمَّا حديث : كتاب الله وسنَّة نبيِّه ، رواه الإمام مالك في موطَّئه ، الجزء الثاني : ص ٨٩٩ ، ط دار إحياء التراث العربي ، تحقيق الدكتور محمّد فؤاد عبد الباقي المصري. وصيغة الحديث على الشكل التالي : حدَّثنا مالك أنه بلغه : ما إن تمسَّكتم بأمرين : كتاب الله وسنّة نبيِّه.

فهذا الحديث عند علماء الجرح والتعديل عندكم والحفَّاظ حديث مرسل ولا يؤخذ به ، فاشتهر عندكم ( وكم من شهير ليس له أصل ) والصحاح الحاكمة

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٣٦٠