مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

قال الشيخ : إن الضمانة التي تركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتمنع الاُمة من الاختلاف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وسنتي (١).

قلت : لقد ذكرت قبل قليل ، في معرض كلامك قد يكون هناك حديث لا أصل له ، أي غير مذكور في كتب الحديث.

قال : نعم.

قلت له : هذا الحديث لا أصل له في الصحاح الستة ، فكيف تقول به ، وأنت رجل محدّث؟

... هنا ، شبت ناره ، وأخذ يصرخ قائلاً : ماذا تقصد ، هل تريد أن تضعّف هذا الحديث.

تعجبت من هذه الطريقة ، وعن سبب هيجانه مع أنني لم أقل شيئاً.

فقلت : مهلاً ، إنَّ سؤالي واحد ومحدد ، هل يوجد هذا الحديث في الصحاح الستة؟

قال : الصحاح ليست ستة ، وكتب الحديث كثيرة ، وإن هذا الحديث يوجد في كتاب الموطأ للإمام مالك (٢).

قلت ـ متوجها إلى الحضور ـ : حسناً ، قد اعترف الشيخ أن هذا الحديث ، لا وجود له في الصحاح الستة ، ويوجد في موطأ مالك ..

فقاطعني ـ بلهجة شديدة ـ قائلاً : شو ، الموطأ مو كتاب حديث؟

__________________

١ ـ كنز العمال : ج ١ ص ١٨٦ ح ٩٤٨.

٢ ـ الموطأ لمالك بن أنس : ج ٢ ص ٨٩٩ ح ٣ ( كتاب القدر ) وإليك نص الحديث كما جاء في الموطأ ، قال : وحدثني عن مالك ، أنّهُ بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مَسَكتُمْ بهما : كتاب الله وسنّة نبيه.

٣٨١

قلت : الموطأ كتاب حديث ، ولكن حديث : كتاب الله وسنتي مرفوع في لموطأ من غير سند ، مع العلم أن كل أحاديث الموطأ مسندة.

هنا صرخ الشيخ بعدما سقطت حجته ، وأخذ يضربني بيده ويهزني شمالاً ويميناً : أنت تريد أن تضعّف الحديث ، وأنت مَنْ حتى تضعّفه ... حتى خرج عن حدود المعقول ، وأخذ الجميع يندهش من حركاته وتصرفه هذا.

قلت : يا شيخ! هنا مقام مناقشة ودليل ، وهذا الاُسلوب الغريب الذي تتبعه لا يجدي ، وقد جلست أنا مع الكثير من علماء الشيعة ، ولم أر مثل هذا الاُسلوب أبداً ، قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (١) ... وبعد هذا ، هدأ قليلاً من ثورته.

قلت : أسألك يا شيخ : هل رواية مالك لحديث كتاب الله وسنتي ، في الموطأ ، ضعيفة أم صحيحة؟!

قال ـ بتحسر شديد ـ : ضعيفة.

قلت : فلماذا إذن ، قلت : أن الحديث في الموطأ ، وأنت تعلم أنه ضعيف؟ قال ـ رافعاً صوته ـ : إنَّ للحديث طرق اُخرى.

قلت للحضور : قد تنازل الشيخ عن رواية الموطأ ، وقال : إن للحديث طرق اُخرى ، فلنسمع منه هذه الطرق.

... هنا أحس الشيخ بالهزيمة والخجل ، لأن ليس للحديث طرق صحيحة ، وفي هذه الأثناء ، تحدث أحد الجلوس ، فوكزني الشيخ بيده ، وقال لي وهو مشيراً إلى المتحدث : إسمع له والتفت ، يريد بذلك الهروب من السؤال المحرج

__________________

١ ـ سورة آل عمران : الآية ١٥٩.

٣٨٢

الذي وجهته له.

أحسست منه هذا ، ولكني أصررت وقلت : أسمعنا يا شيخ الطرق الاُخرى للحديث؟؟

قال ـ بلهجة منكسرة ـ : لا أحفظها ، وسوف أكتبها لك.

قلت : سبحان الله! ، أنت تحفظ كل هذه الأحاديث ، في فضل البلدان والمناطق ، ولا تحفظ طريق أهم الأحاديث ، وهو مرتكز أهل السنة والجماعة ، والذي يعصم الاُمة عن الضلالة كما قلت ... فظل ساكتاً.

وعندما أحس الحضور بخجله ، قال لي أحدهم : ماذا تريد من الشيخ وقد وعدك أن يكتبها لك ، قلت : أنا أقرّب لك الطريق ، إن هذا الحديث يوجد أيضاً في سيرة ابن هشام (١) من غير سند.

قال الشيخ الأرنؤوطي : إن سيرة ابن هشام ، كتاب سيرة وليس حديث.

قلت : إذن تضعّف هذه الرواية.

قال : نعم.

قلت : كفيتني مؤونة النقاش فيها.

وواصلت كلامي قائلاً : ويوجد أيضاً في كتاب الإلماع للقاضي عياض (٢) ، وفي كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (٣) ... هل تأخذ بهذه الروايات؟

قال : لا.

__________________

١ ـ السيرة النبويّة لابن هشام : ج ٤ ص ٢٥١.

٢ ـ الألماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع للقاضي : ص ٩.

٣ ـ كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي : ج ١ ص ٩٤.

٣٨٣

قلت : إذن ، حديث كتاب الله وسنتي ، ضعيف بشهادة الشيخ ، ولم يبقى أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الاُمة من الاختلاف ، وهي حديث متواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد روته كتب الحديث السنية ، والصحاح الستة ما عدا البخاري وهو قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإن العليم الخبير ، انبئني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. كما في رواية أحمد بن حنبل (١) ، ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير هذا الطريق ، وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي ، وذكرت مجموعة من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، والشيخ ساكت لم يتفوه بكلمة طوال هذه المدة ـ على غير عادته ـ فقد كان يقاطع حديثي بين كلمة واُخرى.

وعندما رأى مريدوه الإنكسار في شيخهم ، أصبحوا يهرّجون ويمرّجون.

قلت : كفى دجلاً ونفاقاً ، ومراوغة عن الحق ، إلى متى هذا التنكر؟!! والحق واضحة آياته ، ظاهرة بيناته ، وقد أقمتُ عليكم الحجة ، بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وظل الشيخ ساكتاً ولم يرد عليَّ كلمة واحدة. فقام منتفضاً قائلاً : أنا أريد أن أذهب ، وأنني مرتبطٌ بدرس ، مع العلم أنه كان مدعواً لطعام الغذاء!!.

أصر عليه صاحب المنزل بالبقاء ، وبعد إحضار طعام الغداء ، هدأ

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٧ ، كنز العمال : ج ١ ص ١٧٣ ح ٨٧٣ و ٩٤٣ ـ ٩٤٥.

٣٨٤

المجلس ، ولم يتفوه الشيخ بكلمة واحدة في أي موضوع كان ، طيلة جلسة الغداء ، وقد كان فيما سبق هو صاحب المجلس والحديث أولاً! ...

هكذا مصير كل من يراوغ ويخفي الحقائق ، فلا بد أن ينكشف أمام الملأ..(١)

__________________

١ ـ الحقيقة الضائعة ، للشيخ معتصم السوداني : ص ٤٩ ـ ٥٦.

٣٨٥

المناظرة الثالثة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ أحمد الأمين

في صيانة القرآن عن التحريف(١)

قال الشيخ معتصم السوداني ـ في معرض كلامه عمّا جرى له مع بعض أولئك الذين ينالون من الشيعة ـ : وجرى حوار بيني وبين شيخهم ـ أحمد الأمين ـ وطلبت منه العقلانية وترك الإستهتار والتهجم دون جدوى ، وبعدما طفح الكيل وازداد تعنتهم وتعصبهم ذهبت إلى مسجدهم وصليتُ خلفه صلاة الظهر ، وبعد الإنتهاء من الصلاة سألته : هل تعرضتُ لك يوماً طوال هذه المدة ، التي تسب فيها الشيعة وتكفرهم بمكبرات الصوت؟!

قال : لا.

قلت : أو تدري ما السبب؟!

__________________

١ ـ من أراد الاطلاع الواسع على رأي الشيعة الإمامية واعتقادهم بصيانة القرآن الكريم عن التحريف فليراجع :

١ ـ البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي قدس‌سره : ص ١٩٧ ـ ٢٧٢.

٢ ـ التحقيق في نفي التحريف للسيد علي الميلاني.

٣ ـ سلامة القرآن من التحريف ، نشر وإصدار مؤسسة الإمام عليّ عليه‌السلام وغيرها الكثير.

٣٨٦

قال : لا أدري.

قلت : إن كلامك تهجم وجهل ، وتعرّض لشخصيتي ، فخفتُ أن أعترض عليك فيكون ذلك دفاعاً عن نفسي ، وليس دفاعاً عن الحق ، والآن أطلب منك مناظرة علمية ومنهجية أمام الجميع حتى ينكشف الحق.

قال : لا مانع عندي.

قلت : إذاً حدد محاور المناظرة.

قال : تحريف القرآن ، وعدالة الصحابة.

قلت : حسناً ، ولكن هناك أمران ضروريان لابد من مناقشتهما ، وهما صفات الله ، والنبوة في اعتقادكم ورواياتكم.

قال : لا.

قلت : ولِمَ؟

قال : أنا أحدد المحاور ، فإذا طلبتُ منك ـ أنا ـ المناظرة ، يكون الحق لك في تحديد المحاور.

قلت : لا خلاف ... متى موعدنا؟

قال : اليوم ، بعد صلاة المغرب ـ ظناً منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب ـ فأظهرت موافقتي بكل سرور ، وخرجت من المسجد.

وبعد أداء صلاة المغرب ، بدأت المناظرة ، فبدأ شيخهم ـ أحمد الأمين ـ الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن ، وكان يمسك في يده كتاب ( الخطوط العريضة لمحب الدين ).

وبعدالفراغ من حديثه ، ابتدأت حديثي ، وقمت بالردعلى كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل ، وبرأت الشيعة تماماً من القول بتحريف القرآن ، وبعد ذلك ،

٣٨٧

قلت له كما قيل : ترون التبنة في أعين غيركم ، ولا ترون الخشبة في أعينكم ، فإن الروايات التي احتوتها كتب الحديث عند السنة ظاهرة في اتهام القرآن الكريم بالتحريف ، فنسبة القول بالتحريف إلى السنة أقرب منها إلى الشيعة. وذكرت ما يقارب عشرين رواية مع ذكر المصدر ورقم الصفحة من صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، مثال :

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي بن كعب قال : كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل البقرة أو أكثر منها ، وإن فيها آية الرجم (١).

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب ، قال : إن الله بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ... إلى أن يقول : ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (٢).

وروى مسلم في صحيحه ، قال : بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة ، وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمر ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإناكنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ، غير

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ١٣٢.

٢ ـ صحيح البخاري : ج ٨ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠ ( ك المحاربين ، ب رجم الحبلى إذا زنت ).

٣٨٨

أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) (١).

وفي أثناء ذكري لهذه الروايات ، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيرة والدهشة على وجهه ، فما أن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول : أنا لم أسمع بذلك وأنا لم ارَ ذلك ، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي.

قلت : قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف ، فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها ، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك ، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث ، أحضرها حتى اُخرجَ لك هذه الروايات منها ، وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر ، وهو أن الشيعة تقول بالتقية فكيف نصدق كلامهم؟!

وهرج ومرج ، حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء ، وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة ، على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله ... ولما جاء الغد كنتُ جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلّم عليَّ بكل احترام وقال : إن هذه المباحث لا يفهمها العامة ، فمن الأفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد.

قلت : أوافق ، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة ، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة .. (٢)

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٢ ص ٧٢٦ ح ١١٩ ( ك الزكاة ب ٣٩ ).

٢ ـ الحقيقة الضائعة للشيخ معتصم السوداني : ص ٢٦ ـ ٢٩.

٣٨٩

المناظرة الرابعة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع الأستاذ عبد المنعم

في أن كتب السنّة فيها دلائل على التشيُّع

وبداية تحوُّله وبحثه عن الحقيقة

يقول الشيخ معتصم سيِّد أحمد السوداني : انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسوعات الضخمة ، فأصبحت ملازماً لها ، ولكنَّ المشكلة التي واجهتني هي : من أين أبدأ؟ وأيَّ شيء أقرأ؟

وبقيت على هذه الحال أنتقل من كتاب إلى آخر ، وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً فتح لي أحد أقاربنا باباً واسعاً ومهمّاً في البحث والتنقيب ، وهو دراسة التاريخ وتتبُّع المذاهب الإسلاميّة لمعرفة الحقِّ من بينها ، وكان الفتح توفيقاً إلهيّاً لم يكن في حسباني عندما التقيت بقريبي عبد المنعم ـ وهو خريج كلية القانون ـ في منزل ابن عمّي في مدينة عطبرة ، وقبل غروب الشمس رأيته في ساحة المنزل يتحاور مع أحد من الإخوان المسلمين الذي كان ضيفاً في البيت ، فأرهفت السمع لأرى فيم يتحادثان ، وأسرعت إليهم عندما علمت بطبيعة النقاش ، وهو في الأمور الدينيّة ، فجلست بالقرب منهم أراقب تطوُّرات المحاورة التي امتاز فيها عبد المنعم بالهدوء التامّ ، رغم استفزازات الطرف الآخر

٣٩٠

وتهجُّمه ، ولم أعرف طبيعة النقاش بتمامه إلى أن قال الأخ المسلم : الشيعة كفَّار زنادقة.

هنا انتهيت وأمعنت النظر ، ودار في ذهني استفهام حائر : من هم الشيعة؟ ولماذا هم كفَّار؟ وهل عبد المنعم شيعيٌّ؟ وما يقوله من غريب الحديث هل هو كلام الشيعة؟

وللإنصاف إن عبد المنعم أفحم خصمه في كلِّ مسألة طرحت في النقاش ، بالإضافة إلى لبقة منطقه وقوَّة حجَّته.

وبعد الانتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم ، وسألته بكلِّ احترام : هل أنت شيعيٌّ؟ ومن هم الشيعة؟ ومن أين تعرَّفت عليهم؟

قال : مهلا .. مهلا ، سؤال بعد سؤال.

قلت له : عفواً ، وأنا ما زلت مذهولا ممَّا سمعته منك.

قال : هذا بحث طويل ، ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب ، مع الأسف لم تكن النتيجة متوقَّعة.

فقاطعته : أيُّ نتيجة هذه؟

قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا ، نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل : هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام؟ وبعد البحث اتّضح أن الحقَّ كان مع أبعد الطرق تصوُّراً في نظري وهم الشيعة.

قلت له : لعلّك تعجَّلت .. أو اشتبهت.

فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمُّل وصبر؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً.

٣٩١

قلت متعجِّباً : مكتبتنا سنّيّة ، فكيف أبحث فيها عن الشيعة؟

قال : من دلائل صدق التشيُّع أنه يستدلُّ على صحّته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقَّهم بأجلى الصور (١).

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة؟

قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصّة تفوق أضعافاً مضاعفة مصادر السنة ، كلّها مرويَّة عن أهل البيت عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّهم لا يحتجُّون على أهل السنة بروايات مصادرهم ؛ لأنها غير ملزمة لهم ، فلابد أن يحتجُّوا عليهم بما يثقون به ؛ أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

سرَّني كلامه ، وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي؟

قلت : نعم ، عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث.

قال : من هذه ابدأ ، ثمَّ تأتي بعد ذلك التفاسير وكتب التأريخ ، فإن في هذه الكتب أحاديث دالّة على وجوب اتّباع مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام.

وبدأ يسردلي أمثلة منها ، مع ذكر المصدرورقم المجلَّد والصفحة ، توقَّفت

__________________

١ ـ وهذه الشهادة من الأستاذ عبد المنعم شهادة حقٍّ ، وقد سمعناها كثيراً ، وإليك كلام بعض المستبصرين الفضلاء ، وهو السيد حسين الرجاء ، إذ يقول عن الشيعة الإماميّة : لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخصّ وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنّة من كتبهم ، ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيع. راجع كتاب المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : ٣٦٧.

٣٩٢

حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل ، ممَّا جعلني أشكُّ في كتب السنّة ، ولكن سرعان ما قطع عنّي هذا الشكَّ بقوله : سجِّل هذه الأحاديث عندك ، ثمَّ ابحثها في المكتبة ، ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله.

البحث في مكتبة الجامعة

بعد مراجعة تلك الأحاديث في البخاري ومسلم والترمذي في مكتبة جامعتنا تأكَّد لي صدق مقالته ، وفوجئت بأحاديث أخرى أكثر منها دلالة على وجوب اتّباع أهل البيت عليهم‌السلام ، ممَّا جعلني أعيش في حالة من الصدمة ، لم نسمع بهذه الأحاديث من قبل.

فعرضتها على زملائي في الكلّيّة حتى يشاركوني في هذه الأزمة ، فتفاعل البعض ، ولم يكترث لها البعض الآخر ، ولكنّني صمَّمت على مواصلة البحث ولو كلَّفني ذلك كل عمري ، وعندما جاء يوم الخميس انطلقت لعبد المنعم ، فاستقبلني بكل ترحاب وهدوء ، وقال : يجب عليك ألا تتعجَّل ، وأن تواصل البحث بكل وعي.

ثمَّ بدأنا في بحوث أخرى لم أكن أعرفها ، وقبل رجوعي إلى الجامعة طلب منّي عدّة أمور أبحثها ، وهكذا دواليك إلى مدّة من الزمن ، وكانت طبيعة النقاش بيني وبينه تتغيَّر من فترة إلى أخرى ، فأحياناً أحتدُّ معه في الكلام ، وأحياناً أكابر في الحقائق الواضحة ، فكنت ـ مثلا ـ عندما أراجع بعض المصادر وأتأكَّد من وجودها أقول له : إن هذه الأحاديث غير موجودة ، ولست أعلم إلى الآن ما الذي كان يدفعني إلى ذلك سوى الشعور بالانهزام وحبِّ الانتصار.

وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن

٣٩٣

أتوقَّعها ، وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي.

إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قراءتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتّضح لي الحقُّ وانكشف الباطل ؛ لما في هذين السفرين من أدلّة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقّيّة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وازدادت قوَّتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٢٧٤ ـ ٢٧٩.

٣٩٤

المناظرة الخامسة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع بعض السلفيين في

وجوب اتّباع أهل البيتعليهم‌السلام والأدلّة على إمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام

الشيعة والتشيع حديث الساعة بين طلبة الجامعة

قال الشيخ معتصم السوداني تحت عنوان ( مع الوهّابيّة في أركان النقاش ) : دارت في الساحة الفكريّة في مدينة عطبره أحداث ساخنة ، بعد أن سيطر الطرح الشيعيُّ على مستوى المناظرات وأركان النقاش ، خاصة بين طلبة جامعة وادي النيل ، فكان حديث الساعة : الشيعة والتشيُّع حتى في الأماكن العامة ، هذا ممَّا أشعل نار الحقد الوهّابيّ ، فكثّفوا هجومهم على الشيعة في كل منابرهم ، وعندما علموا أن مصدر التشيّع في المدينة هو جامعة وادي النيل ، عملوا على حجز دار الطلاب ، وهي دار كبيرة تقام فيها نشاطات الطلاب الثقافيّة والسياسيّة ، لمدّة يومين وهما : الخميس والجمعة ، وكان برنامجهم يشتمل على معرض كتاب وملصقات وعرض فيديو ، كلُّها تعرِّض بالشيعة ، بالإضافة إلى محاضرة في اليوم الأول بعنوان : « وجاء دور المجوس » وكان المحاضر مستعاراً من مدينة أخرى وهي ( مدني ) جنوب الخرطوم ، وفي اليوم التالي كان ركن النقاش بعنوان : ( هذا أو الطوفان ) ويختلف ركن النقاش عن المحاضرة بأنّه

٣٩٥

يغلب عليه طابع النقاش والجدال والحدّيّة أكثر من المحاضرة.

وكان قصدهم من هذا الجهد هو تشديد الضربة على الشيعة ، حتى ينتهي وجودهم في المدينة ، أو على الأقل يحدثوا قطيعة بين الشيعة والمجتمع ، ولذلك عندما فشلوا في الردّ على الشيعة رفعوا شعارات الولاء والبراءة ، وأمروا الناس بمقاطعة الشيعة في كل أمور الحياة.

الحوار العلمي الساخن في مواجهة السلفيين في دار الطلاب

وعندما اكتشفنا نواياهم قرّرنا أن يكون ردّنا عليهم وعلى افتراءاتهم قويّاً ومحكماً ، وأن يكون أكثر علميّة ، ولا ننصاع لتهكُّماتهم ومهاتراتهم ، وخاصة أن الجوَّ الذي سوف يكون فيه الحوار هو جوٌّ مثقَّف وواعي بأهمّيّة البرهان والدليل.

وعندما جاء يوم الخميس زرنا الدار في الساعة الخامسة مساءً حتى نقف على آخر التطوُّرات ، فوجدنا أن الدار كلَّها معدّة لذلك ، فقد حشدوا فيها المعارض والملصقات ومكبّرات الصوت وكراسي ، ولحى طويلة تملأ الدار ، وقد كان الجوُّ مهيباً ، وهم ينظرون إلينا ويتهامزون ويتغامزون ، ولكنّا كسرنا حاجز الهيبة ، وتجوّلنا في أجنحته ، نتصفّح عناوين الكتب ، ونقرأ شعاراتهم التي كتبت بخط عريض في كفر الشيعة وبعدهم عن الدين ، فهي تحكم في الواقع على جهالة الوهابيّة ، وبعدهم عن الإسلام الصحيح ، فكان الأصدقاء يضحكون على هذه العقول السخيفة التي سطَّرت هذه الكلمات ، وعندما حان وقت المغرب ذهبنا لنصلّي جماعة ، ثمَّ نأخذ احتياطاتنا اللازمة في تأمين أنفسنا من اعتداءاتهم ، وتوزيع برامج النقاش بيننا ، وكيفيَّة الانتشار ، واتّخاذ المناطق المهمّة في الجلوس وغيرها ، وبالفعل تمَّ ذلك ، واتخذت أنا أول مقعد في مقابل

٣٩٦

المتحدِّث الوهابي مباشرةً.

دعوى أن الصحابة كلهم عدول

وبعد تلاوة آيات من القرآن الحكيم وتقديم المتحدِّث ، شرع المحاضر في حديثه وكان يحتوي على الآتي :

اختلف المسلمون إلى مذاهب عديدة ، وهذا مصداق لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى إلى اثني وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلاَّ واحدة ، وقيل : من هم يا رسول الله؟ قال : ما كنت عليه أنا وأصحابي (١).

وهذا الحديث نصّ صريح على أن طريق النجاة هو الأخذ بمنهج السلف الصالح ، فهم الذين فهموا الدين ونقلوه ، وحفظوا القرآن وفسرّوه ، ولا يجوز أن نقدِّم رأينا على كلامهم ، بل نتمسّك بهم ، ونعضُّ على سنّتهم بالنواجذ.

إنّ الشيعة عندما أرادوا أن يطعنوا في الدين طعنوا في الصحابة ، والطعن في الناقل هو الطعن في المنقول ، فشكّكوا في عدالة الصحابة وجرحوهم ، مع أنّ الجرح والتعديل لا يجوز في حقّهم ؛ لأنّهم وثَّقهم الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

__________________

١ ـ تذكرة الموضوعات ، الفتني : ١٥ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ١/١٥٠ ، فتح القدير ، الشوكاني : ١/٣٧١.

٢ ـ وهذا ما يروِّج له كبار القوم أمثال : ابن الأثير وابن حجر والنووي وابن حزم ومن تبعهم على ذلك ، وقد تقدَّم قول ابن الأثير أنه قال في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : ١/٣ : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنهم كلهم عدول لا يتطرَّق الجرح إليهم ؛ لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زكَّياهم وعدَّلاهم ...

٣٩٧

__________________

قال ابن حجر في الإصابة : ١/٢٢ : قال الإمام النووي : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم ، بإجماع من يعتدُّ به ، وقال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنّهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره ٦ ، ولما استرسلت سائر الأعصار.

وقال الخطيب البغدادي في الكفاية : ص ٦٤ مبوِّباً على عدالتهم : ما جاء في تعديل الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للصحابة ، وأنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم : كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يلزم العمل به إلاَّ بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نصّ القرآن.

وقال ابن حزم في المحلّى : ٩/٣٦٢ : فالصحابة كلهم عدول ، فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته ؛ لقول الله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) الآية. سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

وأمَّا أبو حنيفة فله رأي في ذلك ، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ٤/٦٨ : روى أبو يوسف أنَّه قال أبو حنيفة : الصحابة كلُّهم عدول ما عدا رجالا ، ثمَّ عدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.

أقول : لو كان كل الصحابة عدولا كما يزعم هؤلاء ، وقد زكَّاهم الله تعالى لما رمى بعضهم بعضاً بالكذب والافتراء ، ولما قاتل بعضهم بعضاً ، ولما اعتدى بعضهم على بعض ، ولصدَّق بعضهم بعضاً ، هذا ولم تكن الصحابة في يوم ما يعتقدون في أنفسهم هذا الاعتقاد من النزاهة والطهارة ، كيف وحال الصحابة يشهد بعدم ذلك؟ فلو كانت الصحابة كلهم عدولا لما خفي عليهم هذا الأمر ، ولا حتجّوا بالآية الشريفة على هذه الدعوى ، ولا حتجَّ بعضهم على بعض دفاعاً عن نفسه بما زعمه هؤلاء من التزكية ، وهذا لم يحصل إطلاقاً ، والآية الشريفة ليست مطلقة كي تشمل جميع الصحابة فراجع سبب نزولها.

وأمَّا قول إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره 6 ولما استرسلت سائر الأعصار.

فهو أول الكلام ؛ فإنّا لا نسلِّم انحصار الشريعة بهم ومن طريقهم ، وذلك لوجود عترة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام الذين أمرنا بالتمسُّك بهم في حديث السفينة وحديث الثقلين وغيرهما ، وثانياً : لو سلَّمنا توقُّفها فهي لا تتوقَّف على جميع الصحابة ، بل من ثبتت وثاقته وتزكيته.

٣٩٨

الحديث عن أثر التشيع في السودان

إنّ فرقة الشيعة ابتكرتها اليهوديَّة ، ولذلك نجد أن مؤسّسها يهوديٌّ اسمه عبدالله بن سبأ ، وهو دخيل على الإسلام وما كان يقصد إلاَّ الفتنة ، فغلوا جماعته

__________________

قال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة في البحار : ٢٨/٣٦ : اعلم أن أكثر العامة على أن الصحابة كلهم عدول ، وقيل : هم كغيرهم مطلقاً ، وقيل : هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن بين علي عليه‌السلام ومعاوية ، وأمَّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً ، وقالت المعتزلة : هم عدول إلاَّ من علم أنه قاتل علياً عليه‌السلام فإنه مردود ، وذهبت الإمامية إلى أنهم كسائر الناس من أن فيهم المنافق والفاسق والضال .. إلخ.

وقال العلاّمة الأميني عليه الرحمة في كتابه الغدير : ١٠/٩٦ ، في حال أبي محجن الثقفي : وما أدراك ما الثقفي؟! كان يدمن الخمر ، منهمكاً في الشراب ، حدَّه عمر في سبع مرَّات ، ونفاه إلى جزيرة في البحر ، وبعث معه رجلا فهرب منه ، وهو صاحب الشعر الدائر السائر :

إذا متُّ فادفنّي إلى جنب كرمة

تروِّي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنَّني بالفلاة فإني

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذاترى ، وأنت بين أمرين : إمَّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى : ( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا ) وإمَّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة : الصحابة كلهم عدول ، لا يستوي الحسنة ولا السيئة ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، لا يستوي الخبيث والطيب ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ) سورة السجدة ، الآية : ١٨.

وقال الأستاذ محمود أبو ريّة رحمهم‌الله في كتابه أضواء على السنّة المحمديّة : ٣٥٣ : وإذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول ، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة ، واعتبروهم جميعاً معصومين عن الخطأ والسهو والنسيان ، فإن هناك كثيراً من المحقِّقين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة ، وإنما قالوا كما قال العلامة المقبلي : إنها أغلبيّة لا عامة ، وإنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو والهوى ، ويؤيِّدون رأيهم بأن الصحابة إن هم إلاَّ بشر ، يقع منهم ما يقع من غيرهم ، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية ، ويعزِّزون حكمهم بما وقع في عهده من المنافقين والكذَّابين ، وبما وقع بعده من الحروب والفتن والخصومات التي لا تزال آثارها إلى اليوم ، وستبقى إلى ما بعد هذا اليوم.

٣٩٩

في عليٍّ عليه‌السلام وألّهوه حتى أحرقهم بالنار ، وهذا دليل كاف على أن علياً بريءٌ منهم.

إنّ الشيعة دخيلة على السودان ، وهو شعب سنّي أصيل ، وهذا من مساوئ الحكومة الحاكمة ، فإنها فتحت المجال لهم ، وكان من المفترض أن تقف في وجوههم وتردَّ كيدهم.

ومن مساوئ الشيعة أيضاً أنهم يؤمنون بزواج المتعة ، وهو زواج جاهليٌّ أبطله الإسلام ، ولكنهم يدّعون أنّه لم يحرّمه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن حرَّمه عمر بن الخطاب.

ولم يخرج كلامه من هذه النقاط ، وبعد أن ختم حديثه ، وزَّع جماعته قطعاً ورقيّةً حتى تكتب فيها الأسئلة ، ولكنّها طريقة غير مجدية في حقّنا ، فرفعت يدي ، وطلبت أن أسأل مباشرةً ، فوافق على ذلك.

طلب المناظرة مع المُحاضِر

وبعد أن أمسكت بلاقطة الصوت ، شكرته على إتاحته الفرصة لنا ، وقلت له : إنّ لي ملاحظات على كل كلامك ، ولكن أن أسألك وأنت تجيب فهذه مسألة غير منصفة ، فأخيّرك بين أمرين : إمّا تعقد معي مناظرة ، وإمّا أن تسمح لي بالكلام حتى أعقّب على كل المحاضرة ، فأيَّهما تختار؟

سكت مدّة من الزمن ، وقال : أسمح لك بخمس دقائق.

قلت : لا تكفي.

قال : عشر دقائق.

قلت : أيضاً لا تكفي ، وأنا أرى أن تكون مناظرة ، حتى لا تكون محدّدة

٤٠٠