مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

قِبلِهِ الرُّسلُ ) (١).

وقوله أيضاً : ( مُّحَمّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلىَ الكُفَّارِ ) (٢).

وقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمّدٌ أَبا أَحَد مِّن رجَالكُم وَلَكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَم النَّبِيِّينِ ) (٣)

قلت : بلى أعرف هذه الآيات.

قال : فأين هو علي عليه‌السلام؟ إذا كان قرآننا يقول بأنّ محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أين جاءت هذه الفرية؟ سكتُّ ولم أجد جواباً.

وأضاف يقول : وأمّا خيانة جبرئيل « حاشاه » فهذه أقبح من الأولى ، لأنّ محمداً كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل عليه‌السلام ، ولم يكن عليّ عليه‌السلام إلاّ صبياً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات ، فكيف يا ترى يخطئ جبرئيل ولا يفرّق بين محمد الرجل وعلي الصبي؟.

ثم سكتّ طويلا ، بينما بقيت أفكّر في أقواله وأنا مطرق أحلّل وأتذّوق هذا الحديث المنطقي الذي نفذ إلى أعماقي وأزال غشاوة عن بصري ، وتساءلت في داخلي كيف لم نحلّل نحن بهذا المنطق.

أضاف « السيد الخوئي » يقول : وأزيدك بـأنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل الفرق الإسلامية الأخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة ، فإذا كان أئمتنا ـ سلام الله عليهم ـ معصومين عن الخطاء وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرئيل وهو ملك مقرّب سمّاه ربّ العزّة بـ « الروح الأمين ».

قلت : فمن أين جاءت هذه الدعايات؟!

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.

٢ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

٣ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٤٠.

٨١

قال : من أعداء الإسلام ، الذين يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض ، وإلاّ فالمسلمون إخوة سواء كانوا شيعة أم سنّة ، فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً وقرآنهم واحد ، ونبيّهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، ولا يختلف الشيعة عن السنّة ، إلاّ في الأمور الفقهية ، كما يختلف أئمـة المذاهب السنّية أنفسهم في ما بينهم ، فمالك يخالف أبا حنيفة ، وهذا يخالف الشافعي وهكذا ...

قلت : إذاً كل ما يُحكى عنكم هو محض افتراء؟

قال : أنت بحمد الله عاقل ، وتفهم الأمور وقد رأيت بلاد الشيعة وتجوّلت في أوساطهم فهل رأيت أوسمعت شيئاً من تلك الأكاذيب؟

قلت : لا ، لم أسمع ولم أر إلاّ الخير (١).

__________________

١ ـ كتاب : ثم اهتديت ، للدكتور التيجاني : ٥٥ ـ ٥٧.

٨٢

المناظرة التاسعة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع السيد الصدر 1 في حكم الشهادة

لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية والسجود على التربة

والبكاء على الحسين عليه‌السلام

يقول الدكتور التيجاني في لقاءه مع السيد الصدر قدس‌سره : سألت السيد الصدر عن الإمام علي عليه‌السلام ، لماذا يشهدون له في الأذان بأنه وليّ الله؟!

فأجاب قائلا : إنّ أمير المؤمنين عليّاً ـ سلام الله عليه ـ هو عبد من عبيد الله ، الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل أعباء الرسالة بعد أنبيائه ، وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء ، فلكل نبي وصي وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام هو وصيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن نفضله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقليّة من القرآن والسنّة ، وهذه الأدلّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الشكّ لأنّها متواترة وصحيحة من طرقنا وحتى من طرق أهل السنة والجماعة ، وقد ألّف في ذلك علماؤنا العديد من الكتب.

ولمّا كان الحكم الأموي يقوم على طمس هذه الحقيقة ومحاربة أمير المؤمنين علي وأبنائه عليهم‌السلام وقتلهم ، ووصل بهم الأمر إلى سبّه ولعنه على منابر

٨٣

المسلمين ، وحمل الناس على ذلك بالقهر والقوة (١).

فكانت شيعته واتباعه ـ رضي الله عنهم ـ يشهدون أنّه وليّ الله ، ولا يمكن للمسلم أن يسبّ وليّ الله ، وذلك تحدّياً منهم للسلطة الغاشمة حتى تكون العزّة لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللمؤمنين ، وحتى تكون حافزاً تأريخياً لكلّ المسلمين عبر الأجيال فيعرفون حقيقة علي عليه‌السلام وباطل أعدائه.

ودأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي عليه‌السلام بالولاية في الأذان والإقامة استحباباً ، لا بنيّة أنها جزء من الأذان أو الإقامة ، فإذا نوى المؤذّن أو المقيم أنّها جزء بطل أذانه وإقامته (٢).

__________________

١ ـ جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١١/٤٤ قال : روى أبو الحسن المدايني في كتاب ( الأحداث ) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل منبر يلعنون علياً عليه‌السلام ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه‌السلام .. الخ.

قال عامر بن عبدالله بن الزبير لما سمع ابنا له يتنقص علياً عليه‌السلام : يا بني إياك والعودة إلى ذلك ، فإن بني مروان شتموه ستين سنة ، فلم يزده بذلك إلاّ رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبنِ شيئاً إلاّ عادت على ما بنت فهدمته.

راجع : الجوهرة في نسب الإمام علي وآله : ، البري : ٩٤ ـ ٩٥ ، المحاسن والمساوئ ، البيهقي : ٥٥.

وجاء في رواية الثقفي : فإن بني أميه لعنوه على منابرهم ثمانين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاّ رفعة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٣/٢٢١.

٢ ـ قال السيد الخوئي 1 في كتاب الصلاة من التقرير الشريف : ٢/٢٨٨ : لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متممات الرسالة ، ومقومات الإيمان ، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) بل من الخمس التي بني عليها الإسلام ، ولا سيما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر ، وأبرز رموز التشيع ، وشعائر مذهب الفرقة

٨٤

والمستحبات في العبادات والمعاملات لا تحصى لكثرتها ، والمسلم يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها ، وقد ورد على سبيل المثال أنه يذكر استحباباً بعد شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، بأن يقول المسلم : وأشهد أن الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأن الله يبعث من في القبور (١).

قلت : إنّ علماءنا علّمونا : أنّ أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ، ثم سيدنا عمر الفاروق ، ثم سيدنا عثمان ، ثم سيدنا علي عليه‌السلام؟

سكت السيد قليلا ، ثمّ أجابني : لهم أن يقولوا ما يشاؤون ، ولكن هيهات أن يثبتوا ذلك بالأدلّة الشرعيّة ، ثم أن هذا القول يخالف صريح ما ورد في كتبهم الصحيحة المعتبرة ، فقد جاء فيها ، أنّ أفضل الناس أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولا وجود لعلي عليه‌السلام بل جعلوه من سوقة الناس ، وإنّما ذكره المتأخّرون استحباباً لذكر الخلفاء الراشدين (٢).

__________________

الناجية ، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعاً ، وراجح قطعاً في الأذان وغيره ، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئية بدعة باطلة ، وتشريعاً محرماً حسبما عرفت.

١ ـ جاء ذكر هذه الكلمات في روايات أهل البيت عليهم‌السلام بعد ذكر الشهادتين ( بتفاوت ) ـ على سبيل المثال ـ كما في التشهد والوصية والعتق ، راجع وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٦٨٢ ، ( ب ١ من أبواب أفعال الصلاة ح ١١ ) ، وص ٩٨٩ ( ب ٣ من أبواب التشهد ح ٢ ) ، و ج ١٣ ص ٣٥٣ ( ب ٣ من أحكام الوصايا ح ١ ) ، وج ١٦ ص ١٠ ( ب ٦ من أبواب العتق ح ٢ ).

٢ ـ فانظر كيف جعلوا خليفة رسول الله 6 علياً أميرالمؤمنين عليه‌السلام واحداً كسائر الناس لا فضل له عليهم ، وهو الذي نصبه رسول الله 6 عليهم خليفة وإماماً يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .. ، وقال في حقه : أنا مدينة العلم وعلي بابها .. وسد كل الأبواب الشارعة في المسجد إلاّ باب علي عليه‌السلام ، قال أحمد بن حنبل : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي عليه‌السلام ، وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابه بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي ( فيض القدير ، المناوي :

٨٥

السجود على التربة الحسينية

سألته بعد ذلك عن التربة التي يسجدون عليها والتي يسمّونها بـ « التربة الحسينية ».

أجاب قائلا : يجب أن يُعرف قبل كلّ شيء أننا نسجد على التراب ، ولا نسجد للتراب ، كما يتوهّم البعض الذين يشهّرون بالشيعة ، فالسجود هو لله سبحانه وتعالى وحده ، والثابت عندنا وعند أهل السنّة أيضاً أن أفضل السجود على الأرض أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ، ولا يصحّ السجود على غير ذلك ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفترش التراب وقد اتخذ له خمرة من التراب والقش يسجد عليها ، وعلّم أصحابه فكانوا يسجدون على الأرض ، وعلى الحصى ، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا.

وقد اتّخذ الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسينعليهما‌السلامتربة

__________________

٤٦٨ ).

فمع كل هذه النصوص الدالة على إمامته وولايته عليهم ، غصبوه حقه في الخلافة ، وفضلوا غيره عليه ، وجعلوه واحداً من سائر الناس لا فضل له عليهم ، فإنا لله وانا إليه راجعون ، وإليك هنا كلام ابن عمر الصريح في ظلامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، روى أبو علي الموصلي في مسنده : ٩/٤٥٤ ح ٥٦٠٢ ، وابن عساكر أيضاً في تأريخ دمشق : ٣٩/١٦٦ عن ابن عمر قال : كان رسول الله 6 ولا نعدل به أحداً ، ثم نقول : خير الناس أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ثم لا نفاضل.

أقول : فأين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يذكروه بالفضل حتى بعد عثمان..؟! وفي رواية ابن عساكر بعد ذكر عثمان قال : ثم لم نبال من قدمنا أو أخرنا؟! وهذا صريح في استقصاء أميرالمؤمنين عليه‌السلام وتجاهله وجحده حقه ، وإنكار فضله على سائر الخلق بعد رسول الله 6.

٨٦

من قبر أبيه أبي عبدالله عليه‌السلام باعتبارها تربة زكية طاهرة (١) سالت عليها دماء سيد الشهداء ، واستمر على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا ، فنحن لا نقول بأنّ السجود لايصحّ إلاّ عليها ، بل نقول بأنّ السجود يصحّ على أي تربة أو حجرة طاهرة ، كما يصحّ على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك.

البكاء واللطم على الإمام الحسين 7

قلت : على ذكر سيدنا الحسين عليه‌السلام لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتى تسيل الدماء؟! وهذا محرّم في الإسلام ، فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » (٢).

أجاب السيد قائلا : الحديث صحيح لا شكّ فيه ، ولكنّه لا ينطبق على مأتم أبي عبدالله عليه‌السلام ، فالذي ينادي بثأر الحسين ، ويمشي على درب الحسين ، دعوته ليست دعوى جاهلية ، ثم إنّ الشيعة بشر فيهم العالم وفيهم الجاهل ولديهم عواطف ، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبدالله عليه‌السلام وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي ، فهم مأجورون لأنّ نواياهم كلّها في سبيل الله ، والله سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم.

وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرسميّة للحكومة المصرية بمناسبة موت

__________________

١ ـ من الواضح عناية أهل البيت عليهم‌السلام بهذه التربة المقدّسة العظيمة كما حدّثوا أيضاً أصحابهم وشيعتهم بفضلها وفضل السجود عليها وإنها شفاء من كلّ داء ، راجع في ذلك : مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي : ٧٣١ ـ ٧٣٥ ، كامل الزيارات : ٢٧٤ ـ ٢٨٦ ب ٩١ ـ ٩٥ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ٧٩ ح ٧٥ وج ٨٢ ص ٤٥ و ج ٨٥ ص ١٤٤ ، و ج ١٠١ ص ١٢٠.

٢ ـ صحيح البخاري : ٢/٨٢ ، صحيح مسلم : ١/٧٠ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٨٦.

٨٧

جمال عبد الناصر ، تقول هذه التقارير الرسميّة بأنّه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النبأ ، فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة ، ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك ، وأمّا المجروحون والمصابون فكثيرون ، وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغي على أصحابها.

وإذا كان الناس ـ وهم مسلمون بلا شك ـ يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتاً طبيعياً ، فليس من حقّنا ـ بناءً على مثل هذا ـ أن نحكم على أهل السنّة بأنّهم مخطئون؟!

وليس لإخواننا من أهل السنّة أن يحكموا على إخوانهم من الشيعة بأنّهم مخطئون في بكائهم على سيّد الشهداء عليه‌السلام ، وقد عاشوا محنة الحسين عليه‌السلام وما زالوا يعيشونها حتى اليوم ، وقد بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه على ابنه الحسين عليه‌السلام وبكى جبريل لبكائه.

قلت : ولماذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب والفضّة ، وهو محرّم في الإسلام؟

أجاب السيد الصدر : ليس ذلك منحصراً بالشيعة ، ولا هو حرام فها هي مساجد إخواننا من أهل السنة سواء في العراق أو في مصر أو في تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية مزخرفة بالذهب والفضة ، وكذلك مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة المنورة ، وبيت الله الحرام في مكّة المكرّمة ، الذي يُكسى في كل عام بحلّة ذهبية جديدة يصرف فيها الملايين ، فليس ذلك منحصراً بالشيعة.

تعظيم قبور الصالحين

قلت : إنّ بعض العلماء يقولون : إنّ التمسح بالقبور ، ودعوة الصالحين ،

٨٨

والتبرّك بهم ، شرك بالله ، فما هو رأيكم؟

أجاب السيد محمد باقر الصدر : إذا كان التمسّح بالقبور ، ودعوة أصحابها بنيّة أنّهم يضرّون وينفعون ، فهذا شرك ، لا شكّ فيه : وإنّما المسلمون موحِّدون ويعلمون أنّ الله وحده هو الضارّ والنافع ، وإنّما يدعون الأولياء والأئمة عليهم‌السلام ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك ، والمسلمون سنّة وشيعة متّفقون على ذلك من زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هذا اليوم ...

وإنّ السيّد شرف الدين من علماء الشيعة لمّا حجّ بيت الله الحرام ... كان من جملة العلماء المدعوين إلى قصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك ، ولمّا وصل الدور إليه وصافح الملك قدّم إليه هديّة وكانت مصحفاً ملفوفاً في جلد ، فأخذه الملك وقبّله ووضعه على جبهته تعظيماً له وتشريفاً.

فقال له السيد شرف الدين عندئذ : أيّها الملك لماذا تقبّل الجلد وتعظّمه وهو جلد ماعز؟

أجاب الملك ، أنا قصدت القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد!

فقال السيد شرف الدين عند ذلك : أحسنت أيها الملك ، فكذلك نفعل نحن عندما نقبّل شبّاك الحجرة النبويّة أو بابها ، فنحن نعلم أنّه حديد لا يضرّ ولا ينفع ، ولكنّنا نقصد ما وراء الحديد وما وراء الأخشاب ، نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما قصدت أنت القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلّفه.

فكبّر الحاضرون إعجاباً له وقالوا : صدقت ، واضطر الملك وقتها إلى السماح للحجّاج أن يتبركوا بآثار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وسألته عن الطرق الصوفيّة فأجابني بإيجاز : بأن فيها ما هو إيجابي وفيها

٨٩

ما هو سلبي ، فالإيجابي منها تربية النفس وحملها على شظف العيش ، والزهد في ملذّات الدنيا الفانية ، والسموّ بها إلى عالم الأرواح الزكية ، أمّا السلبي منها ، فهو الإنزواء والهروب من واقع الحياة ، وحصر ذكر الله في الأعداد اللفظية وغير ذلك ، والإسلام ـ كما هو معلوم ـ يقرّ الإيجابيات ويطرح السلبيات ، ويحق لنا أن نقول بأنّ مبادئ الإسلام وتعاليمه كلّها إيجابية (١).

__________________

١ ـ كتاب : ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : ٦٥ ـ ٦٩.

٩٠

المناظرة العاشرة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع السيد الصدر قدس‌سره

في حكم الجمع بين الصلاتين

قال الدكتور التيجاني في معرض حديثه عن مسألة جواز الجمع بين الصلاتين (١) : وأنا أتذكّر بأنّ أوّل صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت

__________________

١ ـ مسألة جواز الجمع بين الصلاتين من المسائل التي قام الدليل عليها في كتب الحديث عند السنة ، ومع ذلك لم يعملوا بها ، فقد رووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير سفر ولا خوف ولا مطر ، ومع ذلك قد شُنّع على الشيعة الإمامية في مسألة الجمع إذ عملوا بسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، أضف إلى ذلك ما ثبت عن بعض الصحابة في جواز ذلك كما في كتب الصحاح ، مع أن المذاهب الإسلامية يرون جواز الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ويسمى جمع تقديم ، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة ويُسمى جمع تأخير ، وإنما الخلاف هو في مسألة الجمع بدون عذر السفر وغيره من سائر الأعذار.

فأما المالكية ، عندهم أن أسباب الجمع هي السفر والمرض والمطر والطين مع الظلمة في آخر الشهر ، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة.

وأمّا الشافعية ، قالوا : بجواز الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر ، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر.

وأما الحنفيّة ، قالوا : لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في السفر ولا في الحضر بأي عذر

٩١

بإمامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ عليه رضوان الله ـ إذ كنتُ أنا في النجف أفرّق بين الظهر والعصر ، حتّى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجتُ فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذي يؤمّ فيه مُقلّديه الذين احترموني وتركوا لي مكاناً خلفه بالضّبط ، ولّما انتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر ، حدّثتني نفسي بالانسحاب ، ولكن بقيتُ لسببين أوّلهما هيبةُ السيد الصّدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنّيتُ أن تطول ، وثانيهما وجودي في ذلك المكان ، وأنا أقرب المصلّين إليه ، وأحسستُ بقوّة قاهرة تشدّني إليه.

ولّما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه النّاس يسألونه بقيتُ خلفَه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفيّاً ، ثم أخذني معه إلى بيته للغذاء وهناك وجدتُ نفسي ضيف الشرّف ، واغتنمتُ فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين؟

ـ سيدي! أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟

__________________

من الأعذار إلاّ في حالتين.

الأولى : يجوز جمع الظهر والعصر في وقت الظهر جمع تقديم بشروط أربعة ، منها أن يكون ذلك في يوم عرفة.

الثانية : يجوز جمع المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير بشرطين : أن يكون ذلك بالمزدلفة ، وأن يكون محرماً بالحج ، وكل صلاتين لا يؤذن لهما إلا أذان واحد ، وان كان لكل منهما إقامة واحدة.

وأمّا الحنابلة ، قالوا بجواز الجمع المذكور تقديماً وتأخيراً فانه مباح ولكن تركه أفضل ، وإباحة الجمع عندهم لا بد أن يكون بأحد الأعذار التالية كأن يكون المصلي مسافراً أو مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع ، أو امرأة مرضعة أو مستحاضة وللعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة ، وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى والساكن تحت الأرض ، ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه ، ولمن خاف ضرر يلحقه بتركه في معيشته ، وفي ذلك سعة للعمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم. راجع : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري : ١/٤٨٣ ـ ٤٨٧.

٩٢

قال: يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة.

قلتُ : وما هي حجّتكم؟

قال : لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة ، وإنها فقط لدفع الحرج عنّا ، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار : (١) وثابت أيضاً عندكم.

ـ استغربتُ كيف يكون ثابتاً عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ، ولا رأيتُ أحداً من أهل السنّة والجماعة يعمل به ، بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة إذا وقعت حتى دقيقة قبل الأذان ، فكيف بمن يصلّيها قبل ساعات مع الظهر ، أو يصلّي صلاة العشاء مع المغرب ، فهذا يبدو عندنا مُنكراً وباطلا!!

وفهِمَ السيد محمد باقر الصّدر حيرتي واستغرابي ، وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعاً وجاءه بكتابين عرفتُ بأنّهما صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وكلّف السيد الصدر ذلك الطالب بأن يطلعني على الأحاديث التي تتعلّق بالجمع بين الفريضتين ، وقرأتُ بنفسي في صحيح البخاري (٢) كيف جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء ، كما قرأت في صحيح مسلم (٣) باباً كاملا في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف؟ ولا مطر ولا سفر.

ولم أخفِ تعجّبي ودهشتي ، وإن كان الشكّ داخلني بأنّ البخاري ومسلم

__________________

١ ـ راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي : ٣/١٦٠ ، ( ب ٣٢ من أبواب المواقيت ).

٢ ـ صحيح البخاري : ١/١٣٧ و٢/٣٩.

٣ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥١ ـ ١٥٢ ( ب ٦ الجمع بين الصلاتين في الحضر ) ، سنن الترمذي : ١/١٢١ ح ١٨٧.

٩٣

اللذين عندهم قد يكونان محرفين ، وأخفيتُ في نفسي أن أراجع هذين الكتابين في تونس.

وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدّليل؟

قلت : أنتم على الحق ، وأنتُم صادقون في ما تقولون ، وبودّي أن أسألكم سؤالا آخر.

قال : تفضّل.

قلت : هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثيرٌ من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلّون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاءً؟

قال : هذا لا يجوز.

قلتُ : إنّك قلتَ لي فيما سبق. بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق وجَمع ، وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي ارتضاها الله سبحانه.

قال : إنّ لفريضتي الظهر والعصر وقتاً مشتركاً ، ويبتدئ من زوال الشمس إلى الغروب ، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضاً وقتٌ مشترك ، ويبتدئ من غروب الشمس إلى منتصف الليل ، ولفريضة الصبح وقتٌ واحدٌ يبتدئ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتٌ عَلىَ المؤُمِنِينَ كِتَاباً مَّوقُوتاً ) (١) فلا يمكن لنا مثلا أن نصلّي الصبح قبل الفجر ، ولا بعد شروق الشمس ، كما لا يمكن لنا أن نصلّي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب ، كما لا يجوز لنا أن نصلّي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ، ولا بعد منتصف الليل.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ١٠٣.

٩٤

وشكرتُ السيد محمد باقر الصدر ، وإن كنتُ اقتنعتُ بكلّ أقواله ، غير أنّي لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته ، إلاّ عندما رجعتُ إلى تونس وانهمكتُ في البحث واستبصرتُ.

الجمع بين الصلاتين في صحاح السنة

هذه قصّتي مع الشهيد الصدر رحمهم‌الله في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبيّن إخواني من أهل السنّة والجماعة أولا ، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتّى كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.

وثانياً : كيف نجهلُ ما في صحاحنا ، ونُشنّعُ على غيرنا بأمور نعتقدُ نحن بصحّتها ، وقد وردت في صحاحنا :

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً (١).

وأخرج الإمام مالك في الموطأ عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاءَ جميعاً ، في غير خوف ولا سفر (٢).

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ، قال : عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر (٣).

كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الظُهر

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٢٢١.

٢ ـ موطأ الإمام مالك : ١/١٤٤ ح ٤.

٣ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥١ ( باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ).

٩٥

والعصر ، والمغرب والعشاء ، بالمدينة في غير خوف ولا مطر ، قال : قلتُ لابن عباس : لم فعلَ ذلك؟ قال : كي لا يحرجَ أُمّتَهُ (١).

ومّما يدلّك أخي القارئ أن هذه السنة النّبوية كانت مشهورة لدى الصحابة ويعملون بها ، ما رواه مسلم أيضاً في صحيحه في نفس الباب قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غَرُبت الشمس وبدت النجوم ، وجعل النّاس يقولون : الصّلاة الصّلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتُعلّمني بالسّنة لاَ أمّ لك! ثم قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (٢).

وفي رواية أخرى قال ابن عباس للرجل : لا اُم لك! أتعلّمنا بالصّلاة؟ وكنّا نجمعُ بين الصّلاتين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه في باب وقت المغرب قال : حدّثنا آدم ، قال : حدّثنا شعبة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، قال : سمعتُ جابر بن زيد عن ابن عبّاس قال : صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً (٤).

كما أخرج البخاري في صحيحه في باب وقت العصر ، عن سهل بن حُنيف قال : سمعتُ أبا أمامة يقول : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثم خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر ، فقلتُ : يا عمّ ، ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصْرُ وهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي كنّا نصلّي معه (٥).

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥٢.

٢ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥٢ ـ ١٥٣.

٣ ـ نفس المصدر : ٢/١٥٣.

٤ ـ صحيح البخاري : ١/١٤٠ ( باب وقت المغرب ) ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٢٨٥.

٥ ـ صحيح البخاري ١/١٣٨ ، صحيح مسلم : ٢/١١٠ ( باب وقتُ العصر ).

٩٦

تشنيع البعض على الشيعة في الجمع بين الصلاتين

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة ، وقد حَدث ذلك مرة في تونس ، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنع علينا ويُشهّر بنا وسط المصلّين قائلا : أرأيتم هذا الدّين الذي جاؤوا به ، إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلّون العصر ، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول : ( إنَّ الصلاةَ كانتْ عَلى المؤمنينَ كِتاباً مَوقُوتاً ) (١) وما ترك شيئاً إلاّ وشتم به المستبصرين.

وجاءني أحد المستبصرين ، وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة ، وحكى لي ما قاله الإمام بألم ومرارة ، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبتُ منه أن يطلعه على صحّة الجمع ، وهو من سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنني لا أريد الجدال معه ، فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسبّ والتّهم الباطلة ، والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفَه ، فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدّرس فتقدّم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين؟

فقال : إنها من بدع الشيعة.

فقال له صديقي : ولكنّها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم.

فقال له : غير صحيح ، فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ١٠٣.

٩٧

يقول صديقي : فلمّا صدمتهُ الحقيقة أمام المصلّين الذين يستمعون لدروسه ، أغلق الكتب وأرجعها إليّ قائلا : هذه خاصة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصلّيها.

يقول هذا الصديق : فعرفتُ أنّه جاهل متعصّبُ ، وأقسمتُ من يومها أن لا أصلّي خلفَهُ ، بعد ذلك طلبتُ من صديقي بأن يرجع إليه ليُطلِعَه على أنّ ابن عبّاس كان يصلّي تلك الصلاة ، وكذلك أنس بن مالك ، وكثير من الصحابة ، فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن لنا في رسول الله أسوةٌ حسنة؟ ولكنّ صديقي اعتذر لي قَائلا : لا داعي لذلك ، وإنّه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإنّه والحمد لله بعد أن عرف كثيرٌ من الشباب هذه الحقيقة ، وهي الجمع بين الصلاتين ، رجع أغلبهم إلى الصّلاة بعد تركها ، لأنهم كانوا يُعانُونَ من فوات الصلاة في وقتها ، ويجمعون الأوقات الأربعة في اللّيل فتملّ قلوبهم ، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين ، لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنُّون ، وفهموا قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كي لا أحرج أمّتي (١) (٢).

__________________

١ ـ روى الطبراني في المعجم الأوسط : ٤/٢٥٢ بإسناده عن عبدالله بن مسعود قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الأولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي.

٢ ـ مع الصادقين ، الدكتور التيجاني : ٢١٠ ـ ٢١٥.

٩٨

المناظرة الحادية عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أحد علماء السنّة

في بريطانيا في مشروعية التقيّة

يقول الدكتور التيجاني : وقد عمل بالتقيّة الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين ، أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقصّة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة (١) وأمثال يزيد وابن زياد والحجّاج وعبد الملك بن مروان وأضرابهم ، ولو شئتُ جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملا (٢) ، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل

__________________

١ ـ راجع : تأريخ اليعقوبي : ٢/٣٢ ـ ٣٣ ، تاريخ الطبري : ٤/٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، الكامل في التأريخ لابن الأثير : ٣/٤٧٢.

٢ ـ قال العلاّمة المظفر عليه الرحمة في كتابه عقائد الإمامية ص ٣٤٣ ـ ٣٤٦ : ( عقيدتنا في التقيّة ) :

روي عن صادق آل البيت عليه‌السلام في الأثر الصحيح : « التقيّة ديني ودين آبائي » و « من لا تقيّة له لا دين له » ، وكذلك هي ، لقد كانت شعاراً لآل البيت عليهم‌السلام ، دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم وحقناً لدمائهم ، واستصلاحاً لحال المسلمين وجمعاً لكلمتهم ، ولمّاً لشعثهم ، وما زالت سمة تُعرف بها الإمامية دون غيرها من الطوائف والأُمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بد أن يتكتّم ويتقي في مواضع الخطر ، وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول ، ومن المعلوم أن

٩٩

السنّة والجماعة كاف بحمد الله.

__________________

الإمامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة أو اُمّة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا ، ولهذا السبب امتازوا ( بالتقية ) وعُرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية. وليست هي بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ولا تعز النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين باضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم ، وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية لغاية الهدم والتخريب ، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأُمور على وجهها ، ولا يكلِّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا ، كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أُمّة تدين بدينها.

بلى! إن عقيدتنا في التقيّة قد استغلها من أراد التشنيع على الإمامية ، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلاّ أن تقدم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعباسيين ، بل العثمانيين.

وإذا كان طعن من أراد أن يطعن يستند إلى زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية ، فإنا نقول له : « أولا » أننا متبعون لأئمّتنا : ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وهي عندهم من الدين وقد سمعت قول الصادق عليه‌السلام : ( من لا تقية له لا دين له ) ( راجع : بحار الأنوار : ج ٦٤ ص ١٠٣ ح ٢١ و ج ٧٥ ص ٣٤٧ ح ٤ ).

و « ثانياً » قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم ذلك قوله تعالى : « النحل : ١٠٦ » ( إلاّ مَن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام ، وقوله تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) ، وقوله تعالى : ( وَقالَ رَجُلٌ مِن آلِ فِرعونَ يَكتُم إيمانَهُ ) « سورة المؤمن ، الآية : ٢٨ ».

١٠٠