مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات المستبصرين

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩

المناظرة الثامنة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع الشيخ المفتي عزيز الرحمان في بومباي

في المراد من ( أهل البيت عليهم‌السلام ) في آية التطهير

قال الدكتور التيجاني في رحلته إلى الهند : طلب مني ـ أي السيد شرف الدين صاحب دار النشر للمنشورات الإسلامية ـ إن كان بإمكاني زيارة مفتي الجماعة الإسلامية في بومباي فهو سني وله أتباع كثيرون يأتمرون بكل أوامره ، ولوا أقنعته هو فسيكون فتح عظيم لكل المسلمين في الهند. قلت : ما اسمه؟ أليس هو أبو الحسن الندوي؟

قال : لا ، أبو الحسن الندوي يقيم الآن في دلهي ، أما هذا فاسمه عزيز الرحمن ، وهو الكل هنا.

قلت : أنا لا أرى مانعاً في لقائه إن كان يرغب في ذلك طبعاً.

قال : لا عليك أنا عندي معه علاقة وديّة وسأرتّب الأمور ، فأين أتّصل بك؟

قلت : عند السيّد محمّد الموسوي.

قال : عندي رقم تليفونه فأتّصل بك حالماً أتفاهم وأتفق مع الجماعة ـ إلى أن قال : وبعد يومين فقط ، جاءني السيد محمّد الموسوي إلى مقرّ إقامتي

١٤١

وأعلمني بأن الجماعة في انتظاري وأن السيد شرف الدين قادم ليأخذني عندهم ، فهيأت نفسي للخروج ووقف السيّد الموسوي يقرأ على رأسي بعض الأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وفهمت بأنه متخوّف عليّ ، وخصوصاً بعدما قدم السيّد شرف الدين فحذّره السيّد الموسوي وأوصاه بي قائلا : لولاك أنت وثقتي فيك لما تركت السيّد التيجاني يذهب إليهم ، فطمنه السيد شرف الدين قائلا : يحصل خير إن شاء الله.

وذهبت بصحبة السيد شرف الدين إلى الجامع الكبير في مدينة بومباي ودخلنا من باب صغير خلف الجامع وصعدنا طابقين ومشينا كثيراً حتى وصلنا إلى مقرّ الجماعة.

سلّمنا عليهم وكانوا خمسة يحيطون بالشيخ المفتي عزيز الرحمان وكلّهم يلبسون اللّباس السعودي ولحاهم تكشف هويّتهم السلفية ، وكان في أفواههم ورق أو حشيش يلوكونه بأسنانهم ويمتصوّن عصارته ثم يبصقون من حين لآخر في أواني وضعت إلى جانب كلّ واحد منهم.

واشمأزت نفسي لأول وهلة رأيتهم فيها وما شعرت إلاّ بالنّفور وفهمت بأن الجماعة يبادلوني نفس الشعور ، وزيادة خصوصاً وأنا أشاهدهم يبصقون لونا أحمر ظننت أنه دم ، وعرفت فيما بعد بأنه عصير الورق الذي يمضغونه.

وقلت في نفسي : هذا يذكّرني بالحشّاشين وبالغلابة الذين شاهدتهم في اليمن وفي موريطانيا والمغرب وفي كينيا الذين يخدّرون عقولهم بهذا النّوع من « القات » ليسبحوا في بحر النسيان والخيال فهل هؤلاء العلماء الذين دعوني للنّقاش العلميّ يخدّرون عقولهم أيضاً فكيف سأناقشهم وموازينهم العقليّة مختلّة؟

١٤٢

جلست معهم وأنا أبتسم لكل واحد منهم فلا أرى إلاّ وجوها كالحة تنظر إليّ شزرا وكأنها حيوانات مفترسة تريد أن تنقضّ عليّ وتفتك بي.

دعوت السيّد شرف الدين للجلوس بجانبي فأسرع وأخذ بيدي وقدّمني للجماعة وهو يقول : السيد الدكتور التيجاني صاحب كتاب « ثم اهتديت ».

ضحك أحدهم قائلا : ثم اهتدى إلى ماذا؟ إلى الضلالة بلا شك.

وقلت في نفسي : هذه أول لكمة ، فما عليك يا تيجاني إلاّ بالصبر وتحمّل الأذى ما دمت ورطّت نفسك وجئت إليهم تمشي على قدميك.

قلت : سامحك الله ، أنا اهتديت لأهل البيت ، العترة الطاهرة عليهم‌السلام فإذا كان أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً هم ضلالة ، فقولك هذا لا يغضبني بل يزيدني شرفا وافتخارا.

تكلّم الثاني قائلا : هكذا الشيعة دائماً يكذبون على الله ويؤولون القرآن على حسب مزاجهم ، فالقرآن يقول صراحة بأن أهل البيت هم نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم يقولون : أهل البيت هم أئمّة الشيّعة.

قلت : نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدق منا جميعاً فهنّ اللائي قلن صراحة بأن أهل البيت هم أئمّة الشيعة.

ضحك شيخهم الكبير عزيز الرحمان حتى بدت نواجذه وهو يقول : في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزول القرآن ما كان هناك شيعة فضلا عن أئمّتهم ، فكيف يقول نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن أهل البيت هم أئمّة الشيعة؟

فرحت في داخلي وقلت : الحمد لله إن الجماعة لم تغب عقولهم بعد بهذا الحشيش الذي يملأ أفواههم فقلت : لا يا سيّدي الشيخ أنا لم أقصد اللّفظ ولكنّي قصدت المعنى.

١٤٣

فزاد ضحكه واستعجابه وقال : وهل عند الشيعة أن اللّفظ يخالف المعنى؟

قال الذي بجانبه : إنه النّفاق الذي يسمونه التقية.

بدأت أملّ هذا النقاش الذي لا زال في بدايته ، ولكنّي تجلّدت ولم أبالي بالمتكلّم الجديد وتوجهت لشيخهم الكبير ظنّا منّي بأنه أذكاهم وأعلمهم ، وإذا قدرّ له أن يقتنع بكلامي فسيكون فتحاً كبيراً.

قلت : يا سيدي الشيخ دعني أشرح الموضوع بطريقة أخرى ، إن عائشة وأم سلمة أمهات المؤمنين وهنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالتا بأن الآية لم تنزل فينا بل نزلت في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وهؤلاء الأشخاص اتّخذهم الشيعة أئمّة لهم ، فلا يتّقون إلا فيهم ولا يقتدون إلاّ بهم ، وهذا هو قصدي من اللّفظ الذي لا يخالف المعنى.

فضحك بقهقهة حتى شرق بالسّعال وقال : فاطمة عليها‌السلام إمام الشيعة؟ قال رسول الله : « لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » فكيف تكون فاطمة أميرالمؤمنينعليه‌السلام؟

وضحك هو وكلّ الحاضرين ، وغمزني السيّد شرف الدين أن اصبر على استهزائهم.

التفت إلي أحدهم وقال : الشيعة كلّهم منافقون ويتستّرون بمحبّة أهل البيت عليهم‌السلام لهدم الإسلام وتخريبه ، ولذلك كان أهل البيت يلعنون الشيعة ويحذّرون المسلمين منهم ومن دسائسهم.

قلت : متى وأين وجدت أهل البيت عليهم‌السلام يلعنون الشيّعة؟

قال : في نهج البلاغة سيّدنا علي كرّم الله وجهه يلعنهم ويشتمهم.

قلت : أولا سيّدنا علي عليه‌السلام لم يلعن شيعته ولكن ذمّ الذين تخاذلوا عن

١٤٤

الجهاد في سبيل الله ، فهذا هو الموجود في نهج البلاغة ، أمّا ثانياً فأنا أطلب منكم أن تتفاهموا فيما بينكم على أهل البيت ، وتشخّصوهم هل هم نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ادعيتم منذ قليل أم هو سيّدنا علي عليه‌السلام كما تقولون الآن؟

فتكلّم أحدهم وكأنه أراد أن ينقذهم من الورطة التي وقعوا فيها فقال : العجيب في الأمر أن الشيعة من حماقتهم يحتجّون بنهج البلاغة ، وهو عندهم كالقرآن الكريم ، وهذا الكتاب يلعنهم ويشتمهم ويكشف كلّ فضائحهم.

وتكلّم الذي بجانبه يؤيّده فقال : الشيعة هم المجوس الذين دخلوا في الإسلام ليتآمروا على المسلمين ، وهم الذين قتلوا سيّدنا عمر وسيّدنا عثمان وسيّدنا علي عليه‌السلام.

قلت : دعونا من الشيعة فأنا لست لسان الدّفاع عنهم ، وناقشوني أنا فأنا لا أمثل إلاّ نفسي ، وقد كنت مالكيّا ولكن بعد البحث والتنقيب اكتشفت بأني كنت مضلّلا ، وبأن أهل البيتعليه‌السلامهم أحقّ بالاتباع من غيرهم وقد سمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمسفينة النّجاة من ركبهانجا ومن تخلّف عنها غرق ، فإن كانت لكم حجّة غير هذه فأقنعوني بها وأعطوني الأدلّة كي اتّبعكم ، وأكن لكم من الشّاكرين ، وإن لم تكن عندكم حجّة ولادليل ، فاسمعوني واسألوني عسى أن تهتدوا.

قالوا : كيف نستمع إليك وأنت جاهل لا تعرف آيات القرآن ولا أحكامه؟

قلت : فلنحتكم إلى البخاري ومسلم وهما أصحّ الكتب عندكم بعد كتاب الله ، وسأعطيكم الأدلّة من البخاري ومسلم على أن أهل البيت عليهم‌السلام ليسوا نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما هم أئمّة الشيعة.

قالوا : كلّ حديث تحتجّون به في البخاري ومسلم هو مدسوس من الشيعة.

١٤٥

ضحكت لهذا القول الرّخيص وقلت : إذا ، ما بقي لكم شيء تعتمدون عليه ما دام الشيعة قد دسوّا في كتبكم وفي صحاحكم ، فلا عبرة لها ولا لمذهبكم القائم عليها.

واستحسن السيّد شرف الدين هذا المنطق فلم يملك نفسه أن ضحك وضحكت معه.

ترضي البعض على معاوية ويزيد

وتكلّم أحدهم وتعمّد التهريج والاستفزاز فقال : من لا يؤمن بخلافة الرّاشدين سيّدنا أبو بكر وسيّدنا عمر وسيّدنا عثمان وسيّدنا علي عليه‌السلام وسيّدنا معاوية وسيّدنا يزيد رضي الله عنهم فليس بمسلم وإنما هو شيعيّ رافضي عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

استغربت لهذا المنطق المتناقض وقلت : معقول أن يترضى أهل السنة على أبي بكر وعمر وعثمان ولكن على يزيد وأبيه معاوية ، فهذا أمر غريب لم أسمع به إلاّ في الهند ، ففي كل بقعة من الدنيا أهل السنّة يقولون قولتهم الشهيرة « العن يزيد ولا تزيد » ، فكيف يترضى المسلمون في الهند عن يزيد.

التفت إلى الشيخ الكبير عزيز الرحمان وسألته أتوافقون هذا على ما قاله؟

فقالوا جميعاً : بأنهم متّفقون على ذلك لأنهم صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن يسبّ الصّحابة فهو من الزّنادقة الذين يجب قتلهم.

وعرفت وقتها بأن لا فائدة من مواصلة الحديث معهم وفهمت بأنهم يريدون استفزازي وإثارتي لكي ينتقموا منّي ، ويقتلوني بدعوى سبّ الصحابة إذا أقاموا عليّ شاهدين منهم.

١٤٦

ورأيت في أعينهم شرّاً ، وخفت على نفسي وطلبت من مرافقي السيّد شرف الدين أن يرجعني إلى السيّد الموسوي الذي ينتظرنا مدّعيا أنه سيأتي بنفسه إلينا إذا ما تأخرنا عنه ، وأخرجني السيّد شرف الدين بسرعة وهو يقول إليّ على الدّرج : أسرع يا دكتور قبل أن تحل بنا مصيبة ، وأسرعت مهرولا وراءه وأنا لا أصدّق النّجاة.

ولمّا خرجنا خارج المسجد تنفّس وتنفّست معه ، فاعتذر إليّ على ما وقع وتحسّر كثيراً على هؤلاء الذين كان يعتقد بصلاحهم وغزارة علومهم ، وحمد الله مرّة أخرى على سلامتي منهم ، خرجت من عندهم فرحا بنجاتي وأحسست في داخلي بأني ولدت من جديد ، ولكنّي ساخط متأسف على ما وصلت إليه حالة المسلمين في الهند ، وخصوصاً الذين يتزعّمون مراكز الصّدارة ويتسمّون بالعلماء ، وقلت في نفسي : إذا كان العلماء بهذه الدّرجة من التعصّب الأعمى والجهل المركّب ، فكيف تكون حالة عامّة الناس وجهّالهم الذين لا يعرفون غير لغة الخناجر والسّكاكين (١).

__________________

١ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٦٩ ـ ٢٧٣.

١٤٧

المناظرة التاسعة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أبي ياسين في طهران

في روايات أبي هريرة

قال الدكتور التيجاني : في إحدى المؤتمرات الإسلامية التي حضرتها في طهران تعرّفت على الأخ محمود الطّاهري الذي يقيم في السويّد وهو تونسي.

كنّا في ليلة الجمعة نقرأ دعاء كميل ولاحظت كثرة البكاء وشدة التّأثر على الأخ محمود ورقّ له قلبي ، واختليت به بعد الدّعاء فعرّفني على نفسه وأنه من جهة صفاقس كما عبّر عن إعجابه بهذا الدعاء الذي سمعه لأول مرّة ، وأخذ ( يناقشني في ) عدّة مسائل ، ولم يفارقني تلك اللّيلة حتى استبصر قبل الفجر فعلّمته وضوء أهل البيت عليه‌السلام وصلّيت أمامه وهو يصلّي خلفي ، ونمنا بعدها في الغرفة نفسها.

أعلمني بأنه قدم من السويد بصحبة مجموعة تضمّ تونسيّين ومعهم جزائري واحد ، وألحّ عليّ أن أسهر في الليلة التالية مع المجموعة وافتح لهم موضوع التشيع لعلّهم يهتدون ، اتّفقنا على أن يعمل هو على جمعهم في غرفته ثم يدعوني لأتعرّف عليهم خلال سهرة علميّة.

واجتمعنا وتعارفنا ، عرفوا بأني تونسيّ متشيّع فالبعض يسمع عنّي وكان

١٤٨

يتمنّى رؤيتي ، وتعرّفت عليهم فمنهم الأخ عبد الرحمان الشطّي الذي يدير رابطة المسلمين في ستوكهولم العاصمة السويدية ، ومعه بعض أعضائها ومنهم الأخ الجزائري رشيد بدرة وبدران غزال وكمال مبذر والأخ الأمين بن سعيد ، وكذلك السيد أبو حيدر ، والذين لم يحضر منهم إلاّ رشيد بدرة والأمين بن سعيد.

بدأنا نتحدّث عن الشيعة والفرق بينها وبين أهل السنّة والجماعة ، واستعرضت معهم تاريخ المسلمين باختصار ، كما استعرضت معهم الأحاديث النبوية الصحيحة الدّاعية للتمسّك بأهل البيت عليهم‌السلام.

كان الحاضرون كلّهم منسجمون يصغون إليّ بإعجاب عدا واحد منهم يكنّى أبو يس ويقول بأنه أمير الجماعة ، يفهم من حديثه واعتراضاته بأنه متأثر بكتب إحسان إلهي ظهير الباكستاني الذي يتحامل على الشيعة ، فكان ينتقد الشيعة ، ولكن بدهاء واضح يحاول تغطيته من حين لآخر بقوله : نحن دعاة الوحدة الإسلامية التي ينادي بها الإمام الخميني ولا نحبّ إثارة الفتن بين المسلمين خصوصاً في هذا الوقت الذي تكالب فيه الشرق والغرب على محق الإسلام.

فأرجوك وأطلب من فضلك أن توقف الحديث ولا تواصل فنحن في غنى عن هذا ونعمل بقوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).

واعتذرت للحاضرين إن كنت أسأت إليهم في شيء لأني ما كنت لأتكلّم في مثل هذا لولا دعوتهم لي وسؤالهم إيّاي.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٤١.

١٤٩

وتدخل بعض الحاضرين بالخصوص محمود الطاهري الذي ألح على مواصلة البحث حتى يتجلى الحق ونفهم الواقع الذي نعيشه.

فقال له أبو يس : أي حق وأي واقع ، هو يريد ( مشيرا إلي ) هدم عقيدتنا من الأساس ، أنا أعرف سياسته إنه بدأ كلامه بالطعن في المنافقين وسينتهي بكم بعد ذلك في طعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وفي أكبر راوية للإسلام أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين ، وكان يتكلّم بحدّة ووجهه مصفرّ اللّون.

قلت : سامحك الله يا أخي نحن نريد بحثا علميا ولا نريد ملاكمة ، ولماذا أنت تحكم على الإسلام من خلال هؤلاء الرّجال ، والمفروض أنك تحكم على هؤلاء الرجال من خلال الإسلام ، وهذا عين ما قاله الإمام علي عليه‌السلام : لا يعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله (١) ، فماذا علينا لو حكمنا على هؤلاء النّاس بأحكام القرآن والسنّة.

قال : أيّ سنّة ، أنت ترفض السنّة ولا تأخذ منها إلاّ ما يعجبك وأنا قرأت ما يقوله الشيعة في أبي هريرة يقولون عنه : كذّاب والعياذ بالله.

قلت : لا تتسرّع ، وإذا أردت أن تعرف قول السنّة في أبي هريرة فهو كقول الشيعة تماما لا يختلف بعضهم عن بعض ، ولو صبرت قليلا وسمحت لنا بإخراج الأدلة فسوف تغيّر رأيك في الرجل.

قال ضاحكا : هذا أمر غريب كيف يطعن أهل السنة في أبي هريرة ويعدّونه راوية الإسلام ، ويأخذون عنه أكثر الأحاديث؟ هذا عجيب.

استغرب الحاضرون أيضاً وقالوا : لأول مرّة نسمع بمثل هذا.

__________________

١ ـ روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : ٣١ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٠/١٢٦.

١٥٠

قلت : إذاً موعدنا في الليلة القادمة إن شاء الله بعد صلاة العشاء وسآتيكم ( بالأدلة ) المقنعة.

والتقينا في الليلة الثانية وقد جلبت معي من مكتبة المؤتمر التي تعرض الكتب الإسلامية للبيع بأثمان رمزية ، جلبت كتاب الموطّأ للإمام مالك وكتاب صحيح البخاري ، وكان محمود الطاهري فرحا مسرورا منتظرا المفاجأة وقد نقل إليّ قول أمير الجماعة أبو يس الذي حاول أن يثبّط همّتهم ويحلّ عزيمتهم لإلغاء اللّقاء ، ولكن الجماعة أصرّوا على الحضور لكي يعرفوا الأدلّة التي وعدتهم بها ، واضطرّ أبو يس للحضور معهم خوفا عليهم أن يتشيّعوا.

بدأت السهرة بافتتاح قصير من الأخ محمود الطاهري الذي عبّر عن تمسّك الجماعة بمواصلة البحث للوصول إلى الحقيقة ، فهذه الفرصة التي أتاحها الله لهم لزيارة إيران الإسلام لعلّها تكون ابتلاءً لهم ، وبدأت كلامي بحمد الله والثّناء الذي بشرّ عباده الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وقلت لهم : لا شكّ أنكم متشوقون لمطالعة الأدلّة التي وعدتكم بها ، ولكنّي وكما تعلمون أني عابر سبيل مثلكم وليست مكتبتي تحت يدي ، ومع ذلك فقد جئتكم بكتابين وجدتهما هنا وهما لإمامين جليلين من أئمّة أهل السنّة والجماعة ، أما الأول فهو موطّأ الإمام مالك الذي يقولون عنه ـ رواية عن الشافعي ـ : ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصحّ من كتاب مالك (١).

أمّا الثاني فهو صحيح البخاري وهو غنّي عن التعريف فهو عمدة أهل السنّة والجماعة ، وسوف أطلب أحد المتطوّعين منكم للقراءة ، فتطوّع أحدهم

__________________

١ ـ كتاب الموطأ ، الإمام مالك : ١/٣ ، تنوير الحوالك ، السيوطي : ٧.

١٥١

وأعطيته موطّأ مالك مفتوحا على الصفحة المعنيّة فأخذ يقرأ والكل يستمعون قال:

وحدّثني عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ابن هشام ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام يقول : كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان : أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبنّ إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنّهما عن ذلك ، فذهب عبد الرحمان وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلّم عليها ثم قال : يا أم المؤمنين إنا كنّا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم ، قالت عائشة : ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمان أترغب عمّا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع ، فقال عبد الرحمان : لا والله ، قالت عائشة : فاشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم.

قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة ، قال : فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا ، فقال مروان : أقسمت عليك يا أبامحمّد لتركبنّ دابّتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنّه ذلك ، فركب عبد الرحمان وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة ، فتحدّث معه عبد الرحمان ساعة ثم ذكر له ذلك.

فقال أبو هريرة : لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر (١).

ضحك الأخ الجزائري عند سماع هذه العبارة وهو يقول بلهجته : اشنيّة؟

__________________

١ ـ كتاب الموطأ ، الإمام مالك : ١/٢٩٠ ح ١١.

١٥٢

صار هي وكالة أنباء « متاع قيل وقالوا »؟

قلت : اصبر قليلا وأعطيت الكتاب الثاني وهو صحيح البخاري للمتطوع فأخذ يقرأ : حدّثنا عمر بن حفص حدّثنا أبي حدّثنا الأعمش حدّثنا أبو صالح قال : حدّثني أبو هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الصدّقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعوّل ، تقول المرأة : إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلّقني ، ويقول العبد : أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : أطعمني إلى من تدعني ، فقالوا : يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : لا ، هذا من كيس أبي هريرة (١).

قال محمود الطّاهري وهو يضحك : كلّنا مشينا في كيس أبي هريرة ، وحاول أمير الجماعة أبو يس أن يتفلسف في الحديثين ويجد لهما مخرجا فقال : سبحان الله الذي لا ينسى ، أبو هريرة كسائر البشر نسي أو اشتبه عليه الأمر في حديث الجنب الذي يفطر ذلك اليوم فذكّرته أم المؤمنين عائشة فرجع عن رأيه.

أمّا في حديث البخاري الذي يقول : المرأة تقول أطعمني أو طلّقني الخ ...

واعترض عليه بعض الحاضرين الذين لم يقتنعوا بكلامه وقالوا : ليس من حقّ أبي هريرة أن يزيد في الحديث من كيسه ، فمرّة يقول : لا علم لي وإنما أخبرنيه مخبر ، ومرّة يقول : هذا من كيس أبي هريرة ، ومع ذلك فهو يبدأ الحديث بقوله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا كذب صريح على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولمّا كثر الجدال حول هذا واختلف الحاضرون كلّهم يدينون أبا هريرة إلاّ أبو يس بقي المدافع الوحيد الذي حاول تأويل الكلام على غير واقعه.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٦/١٩٠ باب وجوب النفقة على الأهل والعيال.

١٥٣

فتدخلّت بلطف لأحسم هذا النزاع فقلت : يا أخي العزيز سأعطيك دليلا أوضح كي لا يبقى بعده عندك عذر مقبول ، وإن شئت بعده أن تبقى على رأيك فأنت حرّ ، ورأيك محترم.

أعطيته صحيح البخاري وقلت : اقرأ وحدك بصوت عال حتى يسمع الجميع ، وأخذ الكتاب وقرأ : حدّثني عبد الله بن محمّد ، حدّثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معز بن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا عدوى ولا صفر ولا هامّة ، فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمّل كأنها الطباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يوردن ممرّض على مصح.

وأنكر أبو هريرة الحديث الأوقات : قلنا ألم تحدّث أنه لا عدوى ، فرطن بالحبشيّة ، قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثاً غيره (١).

وصاح فرحا ألم أقل لكم أنه نسي ، ودار الجدال من جديد بينه وبين رفاقه يحاول هو إقناعهم بنزاهة أبي هريرة ملتمسا له عذر السّهو والنسيان والغلط ، وهم لا يقبلون منه هذا الاعتذار ولكنّهم يردّدون : ما كنّا نعرف هذا عن أبي هريرة.

قلت : لو كانت المسألة تتعلّق بالسّهو والنسيان لهانت ، ولكن المسألة غير ذلك تماما لأن أبا هريرة اتّهمه كثير من الصحابة من أجل كثرة الحديث ، وعمر بن الخطّاب نفسه كذّبه في حديث خلق الله السماوات والانتشار في سبعة أيّام ، وكذّبته عائشة كما كذّبه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وحسبكم قراءة

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٧/٣١ ، باب لاهامة ولا عدوى.

١٥٤

كتاب « شيخ المضيرة » لمؤلفّه الشيخ محمود أبو ريّة العالم المصري الذي كشف عن أكاذيب أبي هريرة وهو سنيّ.

تكلّم الأخ الجزائري فقال : الشيعة يقولون : إن أبا هريرة كذّاب ، ولا يعطون الدليل على كذبه ، والسنّة يقولون بأنه ثقة ولكنّهم يعطون مائة دليل على كذبه.

انفعل أبو يس أمير الجماعة واصفرّ لون وجهه والتفت إليّ ليقول : أنت تستغلّ بسطاء العقول للتأثير عليهم ، أمّا أنا فإني حائز على دكتوراه دولة ولا يمكن أن تؤثّر عليّ.

غضب الأخوة من كلامه وكيف ينتقص من شأنهم ويقول عنهم بسطاء العقول.

فتكلّم الأخ الشطّي رئيس الرّابطة وقال : يا أخ التيجاني نحن معك إلى الصباح وسنستمع لكلّ ما تقوله ، ومن كان عقله بسيطاً فالباب مفتوح ، وما عليه إلاّ الخروج ومغادرة المكان.

وفهم أبو يس أنه المقصود ، لكنّه فهم أيضاً بأنه احترق عندما احتقرهم وسمّاهم بسطاء العقول.

وتدخّلت أنا لتهدئة الجوّ فقلت : يا أخ أبو يس أنا أحترم رأيك ولو لم تكن حائزاً على دكتوراه دولة فأنا لا أريد أنّ أقول لك بأني أنا أيضاً دكتور ، ولكن هذه الشهادات وهذه الألقاب لا تعني بالنسبة إليّ شيئاً لأني تعلّمت من أميرالمؤمنين عليه‌السلام قوله الحكيم : « قيمة كل امرئ ما يحسنه (١) ، المرء مخبوء تحت

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٤/١٨ ، رقم : ٨١ ، روضة الواعظين ، النيسابوري : ١٠٩ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٨/٢٣٠.

١٥٥

طيّ لسانه لا تحت طيلسانه » (١).

فقام أبو يس غاضبا وغادر الغرفة وكنت أحاول إبقاءه معنا ولكن الجماعة غمزوني لأدعه يخرج كي يستفيدوا من الجلسة ، ولمّا خلا المكان منه طلبوا منّي تعليمهم كيفيّة الوضوء والصلاة على طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ، ففعلت ، ونزلوا من الغد إلى غرفتي وطلبوا منّي مصاحبتهم إلى معرض الكتاب كي أشير عليهم بالكتب التي تفيدهم ، واشتروا من المعرض كل كتب الشيّعة المعروضة ، ولمّا كان يوم المغادرة بعد انتهاء المؤتمر وجهّوا إليّ الدّعوة لزيارتهم في السوّيد عسى أن أقنع المزيد من رفاقهم ، وأعلموني بأن رابطتهم الإسلامية تنتمي إلى السعوديّة ، وأن الفكر الوهابي انتشر بين المصلّين ، لأن أغلب المسؤولين عن الرابطة يتقاضون مرتّبات شهريّة بالإضافة إلى المبالغ المخصّصة لإحياء شؤون الرّابطة (٢).

__________________

١ ـ راجع : نهج البلاغة ٤/٣٨ ، رقم : ١٤٨ ، الإرشاد ، المفيد : ٣٠٠.

٢ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٨١ ـ ٢٨٧.

١٥٦

المناظرة العشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أبي لبن

متعهد الرابطة الإسلامية في استكهولم

في المراد من ( أهل البيت عليهم‌السلام ) في آية التطهير

قال الدكتور التيجاني : كانت فرحة الإخوان المستبصرين كبيرة خصوصاً الأخ محمود الطّاهري الذي ألحّ عليّ في السّفر معه إلى مدينة قوتو بورق حيث يقيم هناك مع جالية إسلامية كبيرة أغلبها من الأتراك ، واستشرت الإخوة فاستحسنوا ذلك ، وسافرت معه ليلة كاملة في القطار السريع ، وقضيت في بيته يومين نسهر في الليل في المسجد مع المصلين وإمامهم من الأتراك الناطقين بالعربيّة ، وقد استهواه البحث ومال إلى التشيع ، ولكنّه فضلّ الكتمان على حاله حتى يتكاثر المستبصرون ، ولمّا كان اليوم الثالث اتّصل بنا جماعة استكهولم طالبين منّي القدوم على جناح السرعة ، لأن الجماعة المناوئين استنجدوا بأحد العلماء الكبار الذي قدم من النروج خصيصا لإبطال دعوتي وهو في انتظاري.

وركبت قطار اللّيل ووصلت يوم الجمعة صباحاً ، وكان في انتظاري بالمحطّة ثلاثة من الإخوة ، فأعطوني بعض الإرشادات عن العالم الذي يسمّى أبو لبن ، وهو متخرّج من جامعة الملك عبد العزيز بالسّعوديّة ، وهو الذي يتعهدّ

١٥٧

الرّابطة من حين لآخر ، ويبدو أن السعودية أسّست رابطة إسلامية لنشر الوهابية في كل بلد من البلد الاسكندنافيّة التي تقطنها جاليات إسلامية لا بأس بها.

تركوني لأخذ نصيباً من الرّاحة والنوم لأني قضيت ليلة بيضاء بالقطار ، ولمّا استيقظت كان أحد المستبصرين يروي لنا بأن أبو لبن هو الذي صلّى بالناس صلاة الجمعة ، وقد اكتظّ المسجد بالنّاس فخطبهم خطبة كلّها تكفير للشيعة ، وتحقير لهم ولعقائدهم الزّائفة المزيفة حسب تعبيره ، وكان الغذاء والدّعوة للمناظرة في بيت أحد الإخوة المستبصرين ، وهو من أمثلة العرائس من ولاية قفصة اسمه أحمد العيساوي ، وكان يحبّني كثيرا ، وهو صاحب نكتة وطرافة ، فكان يقول للجماعة : أنا لا أخاف على ولد بلادي.

وجاء أبو لبن ووراءه رجل سوداني يحمل حقيبته اليدويّة ، وهو رجل طويل القامة بلباس عربيّ ، ولحيته تتدلّى على صدره ، وعلى عينيه نظّارات ، قام الجميع يسلّمون عليه وقمت معهم ، قدّموني إليه فكأنه احتقرني ولم يعبأ بوجودي ، وتقدّم صاحب البيت باقتراح طلب فيه تسجيل ما يدور بيننا من جدال ، ووافقت أنا ولكن أبو لبن رفض التسجيل ، وبدأنا الحوار.

قلت : قبل كلّ شيء ما رأيك بالشيّعة؟

وأردت بهذا السؤال أن أحرجه أمام الحاضرين الذين صلّوا معه وسمعوا قوله.

وأراد التخلّص من هذا السؤال ولكنّي أصررت على الإجابة فقال : نحن نكفّرالشيعة لأنهم لايؤمنون بقرآننا ، وعندهم قرآن خاصّ بهم يسمّونه ، مصحف فاطمةعليها‌السلام، ضحكت لهذه المعلومات ، وعرفت قيمة مجادلي ، وما مبلغه من

١٥٨

العلم ، فقلت : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً ) (١).

أنت تكفّرنا ، أمّا نحن فلا نكفّرك ، إنما نقول : بأن الدّعايات الأموية ضلّلتك ، ونطلب من الله أن يهديك إلى الحق ، وأنا سوف لن أجادلك في قضايا وهميّة ترددونها كالببّغاء خلفا عن السلّف بدون تحقيق ولا تمحيص ، ولكنّي سوف أجادلك في قضيّة اعتقد أنها من أهم القضايا التي تجمع المسلمين وتنقذهم من النّار ليفوزوا بالجنّة.

قال : هات ما عندك فما هي القضيّة؟

قلت : قضيّة أهل البيت عليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم لعصمتهم.

قال : لنبدأ بأهل البيت ، من هم أهل البيت؟ أليست عائشة منهم؟

قلت : لا ، لأن عائشة نفسها ما ادّعت يوما أنها منهم.

قال مستغربا وهو يكلّم الحاضرين : أعندكم مصحف قرآن في البيت؟

قلت : أتريد أن تقرا قوله تعالى : ( يَا نِساء النبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّن النِّسَاء إِنِ اتَّقَ يتُنَّ فَلَاَ تَخضَغنَ بِالقَولِ ... ) إلى قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢).

قال : نعم ، هي هذه.

قلت : هذه لاتقصد نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن الله سبحانه عندما خاطب نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاطبهم بنون النسوة ، فقال لستن ، إن اتقيتنّ ، فلا تخضعن ، وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة ،

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٢٧.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٢ ـ ٣٣.

١٥٩

وأطعن الله ورسوله فكلّ هذا خطاب لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّ قوله سبحانه : ( إنَّمَا يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويُطهِّرِكُم تَطهِيراً ) خارج عليهنّ ، ولو كان المقصود بها نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتواصل السيّاق نفسه وقال : إنما يريد الله ليذهب عنكنّ ويطهّركن.

فقال أبو لبن مستهزئا : يبدو أنك لاتعرف اللّغة العربيّة وتجهل قواعدها ، وإلاّ ما وقعت في هذا الخطأ الفاحش.

قلت : لماذا علّمني.

قال : لأن اللغة العربيّة تأتي بنون النّسوة عندما يكون نسوة فقط ، ولو كان عددهنّ ألف امرأة ، أمّا إذا كان بينهنّ رجل واحد فتأتي اللّغة بجمع المذكّر.

قلت : أنا أعرف ذلك ، وهذه من القواعد الابتدائيّة التي نعرفها.

قال : فلماذا تحتجّ عليّ بأنها لا تخصّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قلت : لعدّة أسباب وعدّة وجوه سوف أوقفك عليها فيما بعد ، ولكن سلّمت لك جدلا بصحّة ما تذهب إليه ، فسؤالي إليك من هو الرّجل الذي قصده الله ودخل مع نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية؟

قال بدون تردد : هو سيّدنا علي كرّم الله وجهه.

قلت : الحمد لله رب العالمين فهذا يكفيني حجّة ودليلا ، فأنت تقول بأن الله أذهب الرّجس وطهّر نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعاً ومعهنّ الإمام عليّ عليه‌السلام.

قال : أقول بذلك ، وهذا هو الردّ المناسب لمزاعم الشيعة الذين يريدون إسقاط نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العصمة لأنهم لا يحبّون أم المؤمنين عائشة.

قلت : دعنا من الهروب إلى الهامشيّات ، وخلّنا في صلب الموضوع ، فأنا أعيد عليك أمام الحاضرين لتتأكد ممّا تقول ، فقد قلت : بأن الآية نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعهم رجل واحد هو علي عليه‌السلام.

١٦٠