الوصيّة

بدر الدين بن الطيّب كسوبة

الوصيّة

المؤلف:

بدر الدين بن الطيّب كسوبة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-44-7
الصفحات: ٢٤٥

كثيراً عن حال الكتب السّماوية القديمة ، فمهما حرّف أهل التوراة توراتهم ، ومهما حرّف أهل الأنجيل إنجيلهم ، إلا أنّ الحقيقة باقية هناك يكشفها الاختلاف الكبير الذي ورّطوا أنفسهم فيه ، فإنّنا نجدُ بحمد الله كثيراً من الباحثين كالشيخ أحمد ديدات رحمه الله ، والأستاذ عليّ الجوهري وغيرهم ، حتّى من النصارى والمستشرقين ، استنتجوا حقيقة بعثة النبيّ الأميّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبطلان ما ادّعته النصارى في عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، فقط من خلال ما هو موجود من الكتاب المحرّف ، رغم أنّه ليس بأيديهم النسخ الأصليّة الصحيحة ، والحمد لله على ذلك.

١٤١
١٤٢

الفصل الثامن

تحقيق روايات كلّ صحابي

توصّلنا في الفصل السابق من خلال تحليل منطقي لمجموع روايات حديث الثقلين إلى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت ، وهذه النتيجة أيضاً سنتوصل بها بالتحقيق في الروايات المذكورة عن كلّ صحابي على حدة ، فالغرض في هذا الفصل هو الوقوف على ما يثبت عن كلّ صحابي ممّن رووا خطبة الغدير من حديث صيغة الوصيّة ، هل ذكرت أم لا ، وما الذي أوصى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حسب هذا الصحابي أو ذاك.

١ ـ تحقيق روايات زيد بن أرقم :

أكثر روايات حديث الثقلين ترجع إلى زيد بن أرقم بالمقارنة مع العدد الذي روي به الحديث عن بقيّة الصحابة ، والذي وقفنا عليه في هذا البحث هو أنّ الحديث يرويه عن زيد بن أرقم خمسة رواة هم : الصحابيّ عامر بن واثلة ومن التابعين يزيد بن حيّان ومسلم بن صبيح وعليّ بن ربيعة ويحيى بن جعدة ، لكن الرواية انتشرت بصفة خاصّة عن يزيد بن حيّان ، ثُمّ عن أبي عوانة الذي يروي عن

١٤٣

الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عامر بن واثلة ، ويلاحظ من خلال الرسم التوضيحي المختصر لروايات زيد بن أرقم ( انظر ص ١١٨ ) ما يلي :

« شذتّ روايات أبي عوانة ، ورواية الحاكم عن أبي بكر محمّد الفقيه ، عن محمّد بن أيّوب بعدم ذكر الوصيّة ، لا بالكتاب ولا بأهل البيت. بينما اتّفقت بقيّة الروايات على ذكر الوصيّة.

« كما شذتّ الرواية (٢١) عن يحيى بن جعدة من بين كلّ الروايات الأخرى بعدم ذكر أهل البيت مطلقاً ، وقد ذكر أهل البيت في بقيّة الروايات عن زيد بن أرقم بالإجماع.

معنى هذا أنّ الوصيّة وأهل البيت كلاهما مذكوران في الرواية الأصليّة عن زيد بن أرقم ، فإذا علمنا هذا فإنّنا نلاحظ بعد ذلك :

« أنّ روايات يزيد بن حيّان قد ذكرت الوصيّة وأهل البيت معاً ، غير أنّ الوصيّة فيها اقتصرت على التمسّك بالكتاب فقط ، مع التذكير بأهل البيت من باب المودّة لهم ورعاية حقوقهم وغير ذلك ممّا يمكن أن يُفهم من عبارة : ( أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ) ، لكنّ هذه العبارة قد انفرد بها يزيد بن حيّان ليس من بين بقية الرواة عن زيد بن أرقم فحسب ، بل من بين كلّ الرواة لحديث الثقلين على الإطلاق ، ممّا يؤكّد أنّ هذه العبارة إنّما هي شاذّة لا تثبت عن زيد بن أرقم ، ولو أنّ

١٤٤

مضمونها صحيح من حيث المعنى ، فهو موافق لمقتضى قول الله عَزَّ وَجْلَّ : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١).

« رواية حكيم بن جبير ، عن عامر بن واثلة تذكر أيضاً الوصيّة بالكتاب فقط ، لكنّ حكيم بن جبير هذا لم يوثقه أحد من رجال الجرح والتعديل ، بل قالوا فيه أنّه ليس بشيء ، منكر الحديث وضعيف ، وفي السند أيضاً رواة مجاهيل.

« الروايات التي لم تذكر الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت معاً حصل فيها اضطراب بين ذكر أهل البيت أو عدم ذكرهم ، وأيضاً بين ذكر الوصيّة مقتصرة على التمسّك بالكتاب فقط ، أو عدم ذكرها أصلاً ، والملاحظ من خلال النظر إلى الحالتين أنّ الروايات التي حُذفت فيها الوصيّة بقي فيها ذكر أهل البيت ، وبالمثل فإنّ الروايات التي حُذف فيها أهل البيت قد بقي فيها ذكر الوصيّة.

ومعنى هذا أنّ آلة الحذف في كلتا الحالتين كان الغرض منها هو الفصْل بين الوصية وأهل البيت ، وهذه الملاحظة جارية على سائر الروايات عن بقيّة الصحابة ، إلا روايتي عليّ بن ربيعة ( رقم ١٩ و ٢٠ ) ، وهي ليست رواية مباشرة لنصّ الحديث وإنّما جاءت كسؤال وجواب من تابعي لصحابي.

____________

(١) سورة الشورى : آية ٢٣.

١٤٥

كُلّ هذه الملاحظات تدلّ على التلازم والارتباط الوثيق بين الوصيّة وأهل البيت في خطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما وقع الفصل بينهما في رواية يزيد بن حيّان بجعل الوصيّة بالكتاب فقط ، مع إضافة عبارة ( أُذكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ) ثلاثاً ، للتذكير بحقوق أهل البيت كالمحبّة والإكرام ، لكن لا تعني بالضرورة أنْ يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اوصى بالتمسّك بهم بعد الثقل الأكبر ، وهو القرآن الكريم ، وهذا ما التبس على كثير من علماء المسلمين في شأن حديث الثقلينن حيث اعتمدوا على هذه الرواية التي وردت في صحيح مسلم ، وذلك للمكانة التي حظي بها هذا المرجع في الحديث كمصدر صحيح موثوق فيه ، هذا من جهة ، ولأنّها جاءت أيضاً على هذا النحو في مصادر أخرى ، ممّا عزز صحّتها عندهم ، لكنّ البحث هنا يبيّن أنّ هذه الرواية راجعة إلى راوٍ واحدٍ هو يزيد بن حيّان ، الذي انفرد بهذه العبارة من بين ١٢ راوٍ آخر لنفس الحديث. أمّا بالنسبة لبقيّة الروايات ، فإنّ حذف الوصيّة أحياناً أو حذف أهل البيت أحياناً أخرى ، إنّما كان يحقّق هدفاً واحداً في كلا الوجهين ، وهو إخراج أهل البيت من الوصيّة.

ومع الأسف فإنّ الروايات التي انتشرت بشكل أوسع ـ كما يتّضح من خلال الرسوم التوضيحيّة ـ هي روايات يزيد بن حيّان ، وروايات أبي عوانة ، أمّا عند الأوّل فقد زُحزح أهل البيت عن الوصيّة ، وتمّ تعويض ذلك بعبارة تذكّر بحقوقهم ، وأمّا عند الثاني فقد حذفت

١٤٦

الوصيّة (١) ، هذا ولو أنّ الراويين يزيد بن حيّان وأبي عوانة كلاهما معدود في الثقات عند رجال الجرح والتعديل ، إلا أنّهما اختلفا اختلافاً بيّنا في روايتيهما ، فبديهي أنّ أحدهما أخطأ أو كليهما ، والذي توصّلنا إليه بالاستعانة بما جاء عن بقيّة الرواة ، هو أنّ كلاهما قد أخطأ.

٢ ـ تحقيق روايات أبي سعيد الخدريّ :

يروي عنه أساساً عطيّة العوفي ، بالإضافة إلى روايتين ، واحدة يرويها عنه ابنه عبد الرحمن والأخرى من طريق أبي حازم سلمة بن دينار ، والذي نلاحظه بدايةً هو أنّ رواية هذا الأخير قد انفردت بذكر ( السنّة ) على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بالتمسّك بالكتاب والسنّة ، فبينما نجد هذه الرواية تذكر ( السنّة ) إلا أنّنا لا نجد فيها ذكراً لأهل البيت ، وقد رأينا أنّ ذكر أهل البيت قد ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما ( السنّة ) لم يثبت ذكرها بأي سند صحيح على الإطلاق ، ثُمّ إنّنا نجدها هنا ترد في نفس السياق الذي يرد فيه ذكر أهل البيت في الروايات الأخرى ، أي في سياق الوصيّة بالتمسّك بهم بعد الكتاب ، وهذا يعني بوضوح أنّ التحريف قد حصل هنا باستبدال ( أهل البيت ) بـ ( السنّة ). ويزيد في تأكيد ذلك أنّ لدينا شاهدين يرويان ذكر أهل البيت في نصّ الخطبة هما عطيّة العوفي وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ.

____________

(١) حذفت من حيث اللفظ وإن كان سياق الحديث يشير إليها.

١٤٧

ولا يمكننا هنا أنْ نتّهم أحداً بتحريف الحديث ، لأنّ سلسلة السند فيها١٢ راوٍ ، لا ندري عند أيّ أحد منهم وقع التحريف ، لكنّ وجود سيف بن عمر في السند يكفي ، فالرجل مشهور عند رجال الجرح والتعديل بكونه كذاب متّهم بالوضع والزندقة.

ونلتفت الآن إلى روايات عطيّة العوفي ، لنلاحظ أنّ الوصيّة ذكرت في أربع روايات فقط من بين ١٣ رواية عن أبي سعيد الخدريّ ( ١١ منها عن عطيّة العوفي ). فلنا أن نتسائل هنا : هل ذكر أبو سعيد الخدريّ الوصيّة أم لا؟

عطيّة العوفي ضعيف عند أغلب رجال الجرح والتعديل ، ويروي عنه أربعة رواة هم :

كثير النواء : ضعيف

وعبد الملك بن أبي سليمان : مجمع على عدالته ، والرواة عنه ـ وهم أربعة ـ أجمعوا على ذكر الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت.

وإسماعيل الملائي : ضعيف

وسليمان بن مهران الأعمش : ثقة ، ويروي عنه ثلاثة :

١ ـ محمّد بن طلحة : ضعيف. ولم تذكر الوصيّة في روايته.

١٤٨

٢ ـ محمّد بن فضيل : ثقة. وقد جاء في روايته ذكر الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت.

٣ ـ عبد الله بن عبد القدوس : ضعيف. ولم تُذكر الوصيّة في روايته.

فإذا جمعنا روايات الثقات عن عطيّة العوفي نجدها إذن تتفق على ذكر الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت ، بينما الروايات التي لم يرد فيها ذكر الوصيّة لم تخل من ضعف في السند كما رأيت ، ومن ثُمّ يثبت ذكر الوصيّة عن عطية العوفي ، غير أنّ ثبوتها عنه لا يسمح لنا هنا بالقول أنّها تثبت عن أبي سعيد الخدريّ؛ لأنّ عطيّة العوفي راوٍ ضعيف في اعتبار طائفة من رجال الجرح والتعديل ، ولو أنّ هذا التضعيف فيه نظر.

وهنا نرجع إلى الرواية الأخرى التي من طريق أبي حازم سلمة ابن دينار والتي أتى فيها ذكر الوصيّة بالكتاب والسنّة ، لكن ـ كما بينّا من قبل ـ أنّ فيها سيف بن عمر وآخرين متروكين متهمين في الحديث ، ومن ثُمّ يكون تصحيح رواية أبي حازم بن دينار الذي أجمع أهل الجرح والتعديل على توثيقه ، هو إعادة ذكر ( أهل البيت ) في نص الحديث بدل ( السنّة ) ، وعليه فإنّ الرواية الصحيحة عن أبي حازم تكون هي الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت ، وبالتالي فإنّ هذه الرواية وإنْ كان رواتها متروكين إلا أنّها تنقلب دليلاً على ثبوت

١٤٩

الرواية الأصليّة بتصحيح ما تمّ تحريفه ، والحمد لله على ذلك.

والنتيجة أنّ الوصيّة بالتمسّك بالكتاب وأهل البيت ثابتة عن أبي سعيد الخدريّ باجتماع روايتي عطيّة العوفي وأبي حازم بن دينار مصححةً.

٣ ـ تحقيق روايات زيد بن ثابت :

يروي عن زيد بن ثابت راوٍ واحد هو القاسم بن حسّان ( ثقة ) وعنه أيضاً راوٍ واحد هو ركين بن الربيع ( ثقة أيضاً ) وعنه راوٍ واحد أيضاً هو شريك النخعي وهو ضعيف ، وعنه تتفرّع كلّ الروايات بعد ذلك. ومن ثمّ فإنّ أسانيد الحديث إلى زيد بن ثابت كلّها ضعيفة ، ونلاحظ أيضاً في هذه الروايات أنّها أجمعت على عدم ذكر الوصيّة إلا في رواية عبد بن حميد عن يحيى بن عبد الحميد ، لكنّ هذا الأخير متّهم بالكذب ، فلا يُحتجّ بروايته.

٤ ـ تحقيق روايات حذيفة بن أسيد الغفاري :

جاء حديث الثقلين عن حذيفة بن أسيد الغفاري بثلاث روايات بسند واحد تفّرع عند زيد بن الحسن ، ثمّ عند نصر بن عبد الرحمن الذي تمر منه الروايات الثلاث ، ومع ذلك فقد تباينت بينها تبايناً كبيراً. والروايتين متطابقتين لفظاً إلا في عبارة : ( وعترتي أهل بَيْتِي ، فإنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يردا عليّ

١٥٠

الحوض ) ، إذن فهي إمّا أن تكون زيادة عند الحكيم الترمذي والطبراني ، أو منقوصة عند الخطيب البغدادي ، الذي يروي عن المطيّن ، وكلّهم يروون عن نصر بن عبد الرحمن وهو ثقة. وقد ثبت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر أهل البيت في حديثه ، كما أنّ بقيّة العبارة ( إنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا .. ) قد أجمعت عليها جلّ روايات حديث الثقلين ، ومن ثمّ فإنّ العبارة إنّما هي منقوصة ، فهل حذفها الخطيب البغدادي نفسه أو حذفها المطيّن أو هو تحريف وقع عند نسّاخ الكتاب؟

وقد جاءت عند الطبراني زيادات كثيرة انفرد بها عن الخطيب البغدادي والحكيم الترمذي ، ولهذه الزيادات شواهد في باقي الروايات ، سنأتي على تحقيقها إنّ شاء الله.

أمّا من حيث السند عموماً ففيه زيد بن الحسن الأنماطي وهو ضعيف ، ومن ثمّ فإنّ الرواية عن حذيفة بن أسيد ضعيفة لا ترقى إلى منزلة الصحّة. والخلاصة هنا هي أنّ الوصيّة في هذه الروايات عن حذيفة بن أسيد تناولت التمسّك بالكتاب فقط ، شانها كشأن روايات يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم ، وسندها ضعيف.

٥ ـ تحقيق روايات أبي هريرة :

اتفّقت الروايات عن أبي هريرة على ذكر الوصيّة بالتمسّك بالكتاب والسنّة. وإذا ما تتبعنا أسانيد هذه الروايات نجدها كلّها تتفرّع عن راوٍ واحد هو صالح الطلحي ، وهو منكر الحديث ، لم يُوثّقه أحد

١٥١

من رجال الجرح والتعديل (١) ، وعليه فإنّه لا يؤخذ برواياته.

لكن بما أنّ هذه الروايات لم تذكر أهل البيت في حين ذكرت كلمة ( السنّة ) ، فإنّنا نرجع إلى نفس الملاحظة التي سجّلناها بالنسبة لرواية أبي حازم بن دينار ، عن أبي سعيد الخدريّ ، وذلك اعتماداً على ما جاء في الفصل السادس من ثبوت ذكر أهل البيت في خطبة الغدير ، وعدم ثبوت ذكر السنّة فيها ، وسواء كان صالح الطلحي هذا هو من حرّف في الحديث أو أنّه قد حرّفه الرواة الذين من قبله ، فبتصحيحنا لرواياته نقف مرّة أخرى على أنّ الرواية الأصـليّة هي الوصيّة بالتمسّـك بالكتاب وأهل البيت ، أي أنّ كلمة ( عترتي أهل بيتي ) استبدلت بكلمة ( سنّتي ).

٦ ـ تحقيق رواية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام :

رواتها كلّهم ثقات كما بيّنا في الفصل السادس ، وقد نقلت هذه الرواية الوصيّة بالكتاب والعترة ، أهل البيت ، وهي من الروايات الصحيحة الإسناد لحديث الثقلين.

٧ ـ تحقيق رواية عمرو بن عوف :

سبقت الإشارة إلى ورود اسم أحد الرواة المتروكين في سند الرواية إلى عمرو بن عوف ، وهو كثير بن عبد الله بن عمرو بن

____________

(١) انظر في الفصل الخامس.

١٥٢

عوف ، فلا يُلتفت إليه.

٨ ـ تحقيق روايات أبي شريح الخزاعي :

رواية أبي شريح الخزاعي ، ذكرت الوصيّة بالكتاب فقط دون ذكر أهل البيت ، وإنْ كان رجالُها ثقات إلا أنّ الرواية ناقصة بعدم ذكر أهل البيت ، فنرجع إلى ما قيل في رواتها ، فنجد فيهم بعض التضعيف ، كقول ابن عديّ في أبي خالد الأحمر : يغلط ويُخطيء. وقال فيه يحيى بن معين : ثقة وليس بحجّة. وكذلك قول ابن حبّان في عبد الحميد بن جعفر : ربّما أخطأ. ولا يروي عن أبي شريح غيرهم لتعزيز الخبر ، وبالتالي فلا يُحتجّ بهم في إثبات هذه الرواية لاختلافها مع ما ثبت في الروايات الأخرى.

١٥٣
١٥٤

الفصل التاسع

تحقيق ألفاظ حديث الثقلين

نظراً لأهميّة هذا الحديث ، ولتباين ألفاظه بين مختلف الروايات التي جاء بها ، فإنّه من المناسب جدّاً التحقيق في الفاظه ، للوقوف على أصحّ صيغ هذه الخطبة الشريفة لنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الرواية

الراوي

الراوي الثاني

الصفة

١

٢

٣

٤

٥

١

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٢

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٣

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٤

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٥

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٦

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٧

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٨

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ثقلين

يوشك

ـ

ـ

ـ

نعم

٩

زيد بن أرقم

يزيد بن حيّان

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

نعم

١٠

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ثقلين

كأنيّ

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

١١

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ثقلين

كأنيّ

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

١٢

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ثقلين

كأنيّ

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

١٣

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ثقلين

كأنيّ

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

١٤

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

أمرين

ـ

ـ

ـ

نعم

ـ

١٥٥

١٥

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ـ

ـ

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

١٦

زيد بن أرقم

عامر بن واثلة

ثقلين

أوشك

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

١٧

زيد بن أرقم

مسلم بن صبيح

ـ

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

١٨

زيد بن أرقم

مسلم بن صبيح

ـ

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

١٩

زيد بن أرقم

عليّ بن ربيعة

ثقلين

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٢٠

زيد بن أرقم

عليّ بن ربيعة

ثقلين

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٢١

زيد بن أرقم

يحيى بن جعدة

ـ

أوشك

ـ

ـ

نعم

ـ

٢٢

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٣

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٤

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٥

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٦

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ـ

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٧

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٢٨

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ـ

ـ

يتفرّقا

نعم

نعم

ـ

٢٩

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

ـ

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

٣٠

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

أوشك

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

٣١

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

أوشك

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

٣٢

أبو سعيد الخدريّ

عطيّة العوفي

ثقلين

أوشك

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

٣٣

أبو سعيد الخدريّ

أبو حازم

ثقلين

ـ

ـ

نعم

ـ

ـ

٣٤

أبو سعيد الخدريّ

عبد الرحمن ابنه

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٣٥

زيد بن ثابت

القاسم بن حسّان

خليفتين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٣٦

زيد بن ثابت

القاسم بن حسّان

خليفتين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٣٧

زيد بن ثابت

القاسم بن حسّان

ثقلين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٣٨

زيد بن ثابت

القاسم بن حسّان

خليفتين

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٣٩

زيد بن ثابت

القاسم بن حسّان

ـ

ـ

يتفرّقا

ـ

ـ

ـ

٤٠

حذيفة بن أسيد

عامر بن واثلة

ثقلين

ـ

ـ

نعم

ـ

ـ

٤١

حذيفة بن أسيد

عامر بن واثلة

ثقلين

ـ

يتفرّقا

نعم

ـ

ـ

١٥٦

٤٢

حذيفة بن أسيد

أبو صالح ذكوان

ثقلين

يفترقا

ـ

ـ

ـ

٤٣

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

ـ

يفترقا

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٤

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

شيئين

يفترقا

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٥

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

يفترقا

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٦

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

شيئين

يفترقا

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٧

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

اثنين

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٨

أبو هريرة

أبو صالح ذكوان

شينين

يفترقا

ـ

ـ

ـ

ـ

٤٩

عليّ بن أبي طالب

عمر بن عليّ

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٥٠

عمرو بن عوف

عبد الله بن عمرو

امرين

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٥١

أبو شريح الخزاعي

سعيد المقبري

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

٥٢

أبو شريح الخزاعي

سعيد المقبري

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

ـ

١ ـ نعي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه لأمّته.

٢ ـ عبارة : ( وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ).

٣ ـ عبارة : ( فانظروا كيف تخلفوني فيهما ).

٤ ـ عبارة : ( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) أو نحو ذلك.

٥ ـ عبارة : ( أذكركم الله في أهل بيتي ).

١ ـ لم يعمّر نبيّ إلاّ نصف عمُر الذي قبله :

جاء هذا الخبر في ثلاث روايات في مستهلّ خطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي :

١٥٧

الرواية ١٦ عن زيد بن أرقم : إنّي لا أجد لنبيّ إلا نصف عمر الذي قبله. رواه الطبراني ، في سنده حكيم بن جبير ، وهو متروك.

الرواية ٢١ عن زيد بن أرقم أيضاً : يَا ايها النّاسُ إنّه لم يبعث نبيّ قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله. رواه الحاكم وفيه كامل أبو العلاء : ضعيف.

الرواية ٤٢ عن حذيفة بن أسيد الغفاري : يَا أيّها النّاسُ إنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يُعمّر نبيّ إلا نصف عمر الذي يليه من قبله. رواه الطبراني ، وفي سنده زيد بن الحسن الأنماطي وهو ضعيف.

فإذا قلنا : لعلّ هذه الأسانيد تُقوّي بعضها بعضاً إلا أنّ عدم ورود هذا الخبر في مجموع الروايات السبعة والأربعين الأخرى جميعاً يفرض علينا القول بشذوذ هذا الخبر. ومن جهة ثانية فإنّ مضمون هذا الخبر يثير السؤال حول معقوليته؟

كلّ نبيّ لا يعيش إلا نصف عمر النبيّ الذي قبله : هل هذا معقول؟ إذا أخذنا كلمة ( نبيّ ) على إطلاقها في هذا الحديث ، فإنّ الحسابات تفضي إلى أرقام غير معقولة تماماً (١) فلنقل إذن أنّ المراد

____________

(١) فإنّنا نعلم أنّ عدد الأنبياء منذ آدم عليه‌السلام حتّى النبيّ محمّد٥ يفوق٢٥ ، على الأقلّ الذين ذُكرت أسماءهم في القرآن الكريم ، بل إنّنا نجد

١٥٨

في الحديث هم الخمسة أولى العزم ، وعلى هذا الأساس يكون عمر سيّدنا عيسى عليه‌السلام ١٢٦ سنة ، وعمر سيّدنا موسى عليه‌السلام سيكون مقداره إذن ٢٥٢ سنة ( لكنّ ابن حجر روى في فتح الباري عن وهب بن منبه أنّ موسى عليه‌السلام عاش١٢٠ سنة ) (١) ، وعمر سيّدنا إبراهيم عليه‌السلام ٥٠٤ سنة ، ثُمّ عمر سيّدنا نوح عليه‌السلام ١٠٠٨ سنة. والقرآن يخبرنا هنا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) (٢) أي ٩٥٠ سنة ، فلعلّ هذا يطابق ما ورد في هذه الروايات

____________

في حديث أبي ذر أنّ عددهم ١٢٤٠٠٠ نبياً ، منهم ٣١٣ من الرسل ( الحديث صحّحه ابن حبّان ) ، وهذا يعني أنّ عمر سيّدنا آدم لا بد أنْ يفوق المليار سنة!! وهذا غير معقول ، بل إذا اعتبرنا عمر سيّدنا عيسى عليه‌السلام حسب هذا الحديث فسيكون ١٢٦سنة ( أي عمره الذي عاشه قبل أن يرفع مضافاً إليه العمر الذي سيعيشه بعد نزوله عليه الصلاة والسلام ) ، وعمر النبيّ الذي قبله وهو سيّدنا يحيى عليه‌السلام ٢٥٢ سنة ، ولكنّ سيّدنا يحيى استشهد قبل رفع سيّدنا عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فكان عمره إذن أقلّ من ٣٣ سنة على أقصى تقدير ، وعليه فإذا أخذنا كلمة ( نبيّ ) على إطلاقها ، فمعنى الحديث يكون باطلاً لا شكّ في ذلك.

(١) فتح الباري : شرح الحديث ٣١٥٥ من صحيح البخاري.

(٢) سورة العنكبوت : آية ١٤.

١٥٩

على اعتبار أنّ الآية إنّما تحصي السنوات التي لبث فيها نوح في قومه كنبيّ قبل الطوفان ، أي أنّه عاش٥٨ سنة مقسّمة ما بين ما عاشه قبل النبّوة وما عاشه بعد الطوفان ، وهذا لا يبعد أنْ يكون معقولاً ، أي أنّ النبوّة جاءته مثلاً في سنّ أربعين سنة ، فيكون قد عاش بعد الطوفان ١٨ سنة ، وقد جاء في تفسير ابن كثير عن ابن عبّاس قال : ( بعث نوح وهو لأربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وعاش بعد الطوفان ستّين عاماً حتّى كثُر النّاسُ وفشوا ) (١) ، فحسب هذه الرواية يكون سيّدنا نوح قد عاش١٠٥٠ سنة ، وعلى هذا الأساس يكون نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عمّر طبقاً لما في الحديث ٦٥ سنة ونصف ، وهذا لا يبعدُ عن مقدار العمر الذي عاشه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ كلّ هذا يبقى كافتراض لا غير ، ولا يقوم به دليل وإنْ كان يبقي احتمالاً ضعيفاً على أنّ الخبر صحيح ، والله أعلم.

٢ ـ النعي والإخبار باقتراب الأجل :

جاءت عبارات النعي في ١٨ رواية بثلاثة ألفاظ هي :

يوشك أنْ أُدعى فأجيب : في ٩ روايات عن زيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد.

أوشك أنْ أُدعى فأُجيب : في ٥ روايات عن زيد بن أرقم وأبي

____________

(١) تفسر القرآن العظيم ، لابن كثير : تفسير الآية ١٤ من سورة العنكبوت.

١٦٠