الوصيّة

بدر الدين بن الطيّب كسوبة

الوصيّة

المؤلف:

بدر الدين بن الطيّب كسوبة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-44-7
الصفحات: ٢٤٥

سعيد الخدريّ.

« كأنّي دُعيت فأجبت : في ٤ روايات عن زيد بن أرقم.

فتكون العبارة الأولى : ( أوشك أنْ أدعى فأجيب ) هي الأوثق إذن لتقارب الكلمتين ( أوشك ) و ( يوشك ) من حيث اللفظ ، ممّا جعل ألسنة الرواة تختلف بينهما ، فيحقّ لنا إذن ترجيحها على العبارة الثالثة ، ومن جهة ثانية فإنّ روايات زيد بن أرقم من حيّان أجمعت على العبارة الأولى بطرق صحيحة ، أمّا اللفظ الثاني فلم يرد إلا من طريق يحيى بن جعدة بسند ضعيف. أمّا المقارنة بين أسانيد الرواية إلى أبي سعيد الخدريّ وأسانيد الرواية إلى حذيفة بن أسيد ، ففي كليهما ضعف.

٣ ـ ( تركت فيكم ) أو ( تارك فيكم ) أو ( خلّفت فيكم )؟

هذه الصيغ الثلاث موزّعة بين الروايات كالآتي :

( تركت فيكم ) : جاءت في الروايات ١٢ ، ١٣ عن زيد بن أرقم ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٣٣ عن أبي سعيد الخدريّ ، و ٣٨ عن زيد بن ثابت ، و ٤٦ عن أبي هريرة ، و ٤٩ عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والرواية ٥٠ عن عمرو بن عوف.

( تارك فيكم ) : جاءت في الروايات : ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، و ٢١ عن زيد بن

١٦١

أرقم ، و ٢٢ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، عن أبي سعيد الخدريّ ، والروايات ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩ ، عن زيد بن ثابت.

( خلّفت فيكم ) : ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، أبو هريرة.

إنّ صيغة ( تارك فيكم ) وإنّ كانت هي المذكورة في أكثر الروايات ، إلا أنّها لم ترد إلا عن ثلاثة من الصحابة ، بينما وردت ( تركت فيكم ) عن ستّة من الصحابة ، ولكلتا الصيغتين أسانيد صحيحة وأخرى ضعيفة ، فالقول هنا إذن أنّ الصيغة الأولى : ( تركت فيكم ) هي الأصحّ ، وهي صيغة مشابهة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( تَرَكْتُكُمْ عَلَى الَمحَجَّةِ البَيْضَاء ) ، ولم يقل : ( إني تارككُم على .. ).

٤ ـ ( ثقلين ) أو ( خليفتين ) أو ..؟

في مجموع الروايات التي بين أيدينا نجد خمسة ألفاظ سُمّي بها الموصى بالتمسّك به وهي : ( ثقلين ) ، ( خليفتين ) ، ( شيئين ) ،

( أمرين ) و ( اثنين ) ، وذلك حسب التوزيع الآتي :

٣٠ رواية بلفظ ( ثقلين ) ، عن أربعة من الصحابة هم : زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت وحذيفة بن أسيد الغفاري ، وفيها أسانيد صحيحة سبقت الإشارة إليها زيادة على كثرة الأسانيد وتعدّد الرواة الذين رووا الحديث بهذا اللفظ في كلّ طبقة ، ممّا يقطع بثبوت هذه الكلمة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما وصف به الكتاب والعترة.

١٦٢

٣ روايات بلفظ ( خليفتين ) ، عن صحابيّ واحد هو زيد بن ثابت ، وقد مرّ بنا في تحليل روايات زيد بن ثابت أنها تمرّ كلّها من طريق شريك بن عبد الله النخعي ، وهو ضعيف ، فلعلّ كلمة ثقلين قد تفلتت لـه فرواها ( خليفتين ) خطأ أو من باب الرواية بالمعنى الذي فهمه من الكلمة الأصلية ، وهذا ينسجم مع الصفة التي وصفه بها رجال الجرح والتعديل فقيل فيه مثلاً : ثقة يُخطيء ، وقيل فيه : صدوق له أغاليط. وعلى كلّ فإنّنا نجد له رواية عند الطبراني ( الرواية رقم ٣٧ ) وفيها كلمة ( ثقلين ).

ثلاث روايات بلفظ ( شيئين ) ، عن صحابيّ واحد هو أبو هريرة الدوسي ، وقد رأينا أنّ كلّ روايات أبي هريرة تمرّ من طريق صالح بن موسى الطلحي وهو متروك.

روايتان بلفظ ( أمرين ) ، عن صحابيين هما : زيد بن أرقم وعمرو بن عوف. أمّا السند إلى زيد بن أرقم فهو صحيح إلى يحيى ابن حمّاد من ثلاث طرق يروي بها الحاكم في المستدرك ، لكن تعارضها رواية النسائي عن محمّد بن المثنّى ـ وهو ثقة ـ عن يحيى بن حمّاد بذكر لفظ ( الثقلين ) عوض ( أمرين ). وأمّا رواية عمرو بن عوف ، وهو ركن من أركان الكذب كما وصفه الشافعي وأبو داود ، فلا يحتجّ بروايته.

رواية واحدة بلفظ ( اثنين ) ، عن صحابيّ واحد هو أبو هريرة.

١٦٣

في سنده صالح الطلحي وقد سبق الكلام فيه.

فالصحيح الثابت إذن هو لفظ ( ثقلين ) ، وعليه اتّفق جمهور العلماء حتّى سُميت هذه الخطبة بحديث الثقلين.

٥ ـ أحدهما أكبر من الآخر :

جاءت هذه العبارة في الروايات : ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ عن زيد بن أرقم. و ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ عن أبي سعيد الخدريّ ، و ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ عن حذيفة بن أسيد الغفاري. ومجموع هذه الأسانيد يُقوّي بعضها بعضاً ، إذ ليس فيها رواة متروكون.

٦ ـ صفة كتاب الله عَزَّ وَجْلَّ :

هناك ثلاث صيغ وُصف بها كتاب الله عزّ وجلّ في خطبة الغدير في مختلف الروايات وهي :

( حبل ممدود من السماء إلى الأرض ) : الرواية ١٥ عن زيد بن أرقم بسند صحيح ، والروايات ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ عن أبي سعيد الخدريّ ، والرواية ٣٥ عن زيد بن ثابت.

« ( حبل الله من اتّبعه كان على الهدى ) الرواية ١ و ٩ عن زيد ابن أرقم.

١٦٤

( فيه الهدى والنور ) : الروايات ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٨ عن زيد ابن أرقم.

( طرف بيد الله وطرف بأيديكم ) : الروايات : ١٦ عن زيد بن أرقم ، ٣٤ عن أبي سعيد الخدريّ ، والروايات ٤٠ ، ٤١ و ٤٢ عن حذيفة بن أسيد ، وكلّها بأسانيد ضعيفة لا يعوّل عليها إلا عند أبي شريح في الروايتين ٥١ و ٥٢ فسندهما صحيح ، ثمّ إنّنا نلاحظ أنّها تأتي دائماً في روايات لا ترد فيها عبارة ( حبل ممدود من السماء إلى الأرض ) التي هي صحيحة السند أيضاً ، فالغالب هنا أنّه قد تمّ قلب هذه العبارة بقولهم ( طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ) لمّا توحيه من معنى الحبل الممدود من السماء إلى الأرض ورجحت هنا عبارة الحبل لكون أسانيد زيد بن أرقم أقوى.

بالنسبة لعبارة : ( من اتّبعه كان على الهدى ) إذا كانت واردة فسيكون هناك تكرار في الحديث لكون أنّ اتبّاع الكتاب متضمّن في لفظ الوصيّة ، ثمّ إنّ هذه العبارة لم تُرو إلا من طريق يزيد بن حيّان الذي رويت عنه عبارات أخرى مغايرة لهذه بأسانيد أكثر ولا تحمل لفظ الاتّباع وهي : ( فيه الهدى والنور ) ، فتكون هذه العبارة الأخيرة هي الأصحّ عن يزيد بن حيّان وهو ثقة ، إلا أنّ انفراده بها من جهة ، وعدم روايته لقوله : ( حبل ممدود من السماء إلى الأَرض ) قد تدلّ على أنّها زيادة لا تصحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خاصّة وأنّ هاتين العبارتين

١٦٥

لم تجتمعا في أيّة رواية من روايات حديث الثقلين ، والله تعالى أعلم.

٧ ـ لفظ الوصيّة :

لفظ الوصيّة جاء في عموم الروايات مُركّباً من قسمين : قسم فيما يأمرهم به ، وقسم في وعده إيّاهم بما سيكون إنْ هم أخذوا بهذا الأمر.

أمّا صيغ الأمر فجاءت متعدّدة كالآتي :

الاستمساك : جاءت في الروايات ١ ، ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٧ عن يزيد ابن حيّان عن زيد بن أرقم ، والرواية ١٦ عن عامر بن واثلة عن زيد ابن أرقم ، والروايات ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ عن حذيفة بن أسيد الغفاري.

( المجموع ٩ روايات عن صحابيين ).

التمسّك : الروايات ٢ ، ٤ ، ٨ ، ١٥ ، ١٨ ، عن زيد ابن أرقم ، والرواية ٢٨ عن أبي سعيد الخدريّ ، الرواية ٣٩ عن زيد بن ثابت ، والرواية ٥٠ عن عمرو بن عوف ، ٥١ ، ٥٢ عن أبي شريح الخزاعي ، ( المجموع ١٠ روايات عن ٥ صحابة )

الأخذ : جاء في الرواية ٨ عن زيد بن أرقم ، الروايات ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٣٣ عن أبي سعيد الخدريّ ، الروايتان ٤٣ و ٤٤ عن أبي هريرة ، الرواية ٤٩ عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ( المجموع ٨ روايات عن ٤ صحابة ).

١٦٦

الاتبّاع : الروايتان ٩ و ١٤ عن زيد بن أرقم. ( روايتان عن صحابي واحد ).

بدون لفظ معيّن : الرواية ٢١ عن زيد بن أرقم ، الروايات ٤٦ ، ٤٧ ، و ٤٨ عن أبي هريرة ( ٤ روايات عن صحابيين ).

فالأرجح والأصحّ هنا والله أعلم هي كلمة ( التمسّك ) ؛ لأنّ الكلمتين : ( التمسّك ) و ( الاستمساك ) قريبتان من حيث اللفظ ، ممّا يُفسّر اشتباههما على ألسنة الرواة ، ثمّ إنّ ( التمسّك ) هي أوثق من ( الاستمساك ) لكونها وردت عن أربعة من الصحابة ، بينما وردت الأولى عن صحابيين فقط ، ولهما جميعاً أسانيد صحيحة.

وهذا التعدّد في لفظ الوصيّة إنّما يفيدنا في فهم ما يُراد قوله بالكلمة الأصليّة ( التمسّك ) ، فقد فهم منها السلف إذن كلّ معاني التمسّك والاستمساك والأخذ والاتّباع ، من باب أنّ من كان من الرواة ينسى اللفظ بذاته فإنّه يروي بما لا يخل بالمعنى.

أمّا عن القسم الثاني من لفظ الوصيّة ، فالذي عليه إجماع أكثر الروايات كما هو واضح هو قوله : ( لن تضلّوا ) حيث وردت عن جميع الصحابة الذين ذكروا لفظ الوصيّة ما عدا حذيفة بن أسيد ، فإنّنا نجد عنده لفظاً مقارباً : ( لا تضلّوا ).

ثمّ إنّه من الروايات ما جاء فيها هذا القسم الثاني مقدّماً على

١٦٧

القسم الأول على نحو : ( لن تضلّوا إنْ تمسّكتم به ) ، ومنها ما جاء بالعكس ، أي على نحو : ( إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا ) ، وهذا الوجه الأخير هو الأرجح إذا تتبعنا الأسانيد الصحيحة.

٨ ـ ( يفترقا ) أو ( يتفرّقا ) حتّى يردا عليّ الحوض؟

جاءت هذه العبارة في ٣٢ رواية ، عن خمسة من الصحابة هم : زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت وحذيفة بن أسيد وأبو هريرة ، وفيها أكثر من سند صحيح ممّا يثبت صحّة هذه العبارة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ الثقلين : كتاب الله والعترة أهل البيت ، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

بقي أنْ نحقّق في اللفظ الوارد في العبارة هل هو : ( يفترقا ) أو ( يتفرّقا )؟

( يفترقا ) جاءت في ١٧ رواية عن ٥ من الصحابة : زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت وأبي هريرة وحذيفة بن أسيد الذي جاءت هذه الكلمة في كلّ رواياته.

( يتفرّقا ) : جاءت في ١٥ رواية عن ٤ من الصحابة : زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت وأبي هريرة. روايات زيد بن أرقم كلّها اتّفقت على كلمة ( يتفرّقا ) ما عدا الرواية ١٨ التي يرويها الفسوي ، بسنده عن مسلم بن صبيح ، عن زيد بن أرقم ، ما عدا رواية

١٦٨

الحاكم بسنده إلى مسلم بن صبيح أيضاً ، فيكون هذا اللفظ إذن هو الأصحّ عن زيد بن أرقم.

كلا الكلمتين جاءتا بأسانيد صحيحة أو متساوية من حيث درجة الصحّة عن كلّ صحابي إلا فيما يخصّ حذيفة بن أسيد وزيد بن أرقم ، فأمّا عند حذيفة بن أسيد فلم ترد عنه إلاّ كلمة ( يفترقا ) والسند عنده ضعيف ، وأمّا زيد بن أرقم فالأصحّ عنه هي كلمة : ( يتفرّقا ) وسندها صحيح ، فنميل إلى القول أنّها الأصحّ ، والله تعالى أعلم.

وفي كتاب الله نجد كلمة ( التفرّق ) في قوله سبحانه : ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (١) ، وفي قوله تعالى : ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) (٢) ، ومواضع أخرى.

٩ ـ فانظروا كيف تخْلُفوني فيهما :

وردت في ١٣ رواية عن ٣ من الصحابة هم : زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وحذيفة بن أسيد ، ولها سند صحيح إلى زيد بن أرقم من طريق أبي عوانة ، وبقيّة الطرق تقوّي هذا الإسناد.

١٠ ـ أذكّركم الله في أهل بيتي :

____________

(١) سورة الشورى : آية ١٤.

(٢) سورة البينة : آية ٤.

١٦٩

لاحظ من خلال الجدول ، أنّ هذه العبارة لم ترد إلا من طريق يزيد بن حيّان ، وهذه العبارة بالاضافة إلى ذلك لا تنسجم مع بقيّة الألفاظ التي تحقّقت صحتّها في هذا البحث ، ومع عدم وجود شاهد آخر مع يزيد بن حيّان لهذا اللفظ ، فلا يمكننا القول بصحّته ، بالرغم من أنّه راوي ثقة على قول رجال الجرح والتعديل؛ لأنّه قد ثبت عندنا أيضاً أنّ الوصيّة لم ترد في رواياته بالصيغة الصحيحة.

١١ ـ لا تقدموهم فتهلكوا :

قوله : ( لا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تُعَلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) لم يرد إلا في رواية حكيم بن جبير ( رقم ١٦ ) ، وهو متروك ، ( انظر هامش الرواية في الفصل الأول ) ، فلا يمكننا إذن القول بصحّتها.

١٢ ـ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه :

نكتفي بالقول هنا أنّ هذا الطرف صحيح من حيث السند ، حيث رواه كلّ من ابن أبي عاصم والطبراني والحاكم والنسائي بأسانيد متفرّقة كلّها تنتهي إلى أبي عوانة ، وهو ثقة ، ويرويه أبو عوانة ، عن سليمان الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عامر بن واثلة ، عن زيد بن أرقم ، وكلّ هؤلاء ثقات مجمع على عدالتهم.

ثمّ نخصّص لهذا الطرف الثاني من الحديث فصلاً خاصاً؛ لوروده منفرداً في كثير من الروايات عن حديث الثقلين ، وهو يمثّل

١٧٠

الجزء الثاني من خطبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو واضح في مجموعة من الروايات ، حيث لمّا أنهى كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله في التمسّك بالثقلين ، كان هناك فاصل وصف الرواة فيه حركة قام بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليُلفت انتباه الناس إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بأن أخذ بعضده ، ثمّ استأنف خطبته بإعلان ( من كنت مولاه فعليُّ مولاه ).

١٧١
١٧٢

الفصل العاشر

روايات : ( من كنت مولاه فعليّ مولاه )

أورد في هذا الفصل مجموعة من الروايات التي جاء فيها هذا الطرف منفرداً عن حديث الثقلين ، مرويّة عن ١٤ صحابيّاً بأسانيد متّصلة وهم : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله البجلي وسعد بن أبي وقّاص وطلحة بن عبيد الله وأبي أيّوب الأنصاري وبريدة الأسلمي وحبشي بن جنادة السلولي ومالك بن الحُويرث وأبو ذر الغفاريّ وأبو هريرة الدوسي وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عبّاس ، ( إضافة إلى حذيفة بن أسيد الذي تجد روايته للحديث في الفصل الأوّل ، فيكون المجموع ١٥ صحابيّاً ). وهذا وإنّ روايات هذا الحديث كثيرة فعلاً ، يصعب حصرها ، وإنّما اقتصرنا على هذا العدد إتماماً للمائة ، وفي هذا الكفاية بما يفي بالغرض أنْ شاء الله تعالى.

رواية الحديث عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ( حديث المناشدة )

٦٨ ـ عن أحمد بن حنبل في مسنده : حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عبد

١٧٣

الملك ، عن أبي عبد الرحيم الكندي (١) ، عن زاذان أبي عمر (٢) قال : سمعت عليّاً في الرحبة وهو ينشد الناس ، من شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ وهو يقول ما قال ، فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : ( مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ ) (٣).

٦٩ ـ وفي مسند أحمد أيضاً : حّدثنا عبد الله ، حدّثنا عليّ بن حكيم الأودي (٤) ، أنبأنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب (٥) وعن زيد بن يثيع (٦)

____________

(١) أبو عبد الرحيم الكندي : مجهول.

(٢) أبو عمر زادان الكندي البزّار ، توفي سنة ٨٢ هـ. قال فيه يحيى بن معين : ثقة لا يُسأل عنه. كما وثّقه العجلي ومحمّد بن سعد والخطيب ، وقال ابن عدي : أحاديثه لا بأس بها إذا روى عنه ثقة. ابن حبّان : وثّقه وقال كان يخطيء كثيراً.

(٣) مسند أحمد : الحديث ٦٠٦.

(٤) أبو الحسن عليّ بن حكيم بن ذبيان الأودي : من أهل الكوفة ، توفي سنة ٢٣١ هـ. قال يحيى بن معين : ثقة ، ليس به بأس. أبو داود وأبو حاتم الرازي : صدوق. النسائي والمطين وابن قانع قالوا عنه : ثقة.

(٥) سعيد بن وهب الهمداني الخيواني القرّاد ، من أهل الكوفة ، توفي سنة ٧٦ هـ. وثّقه يحيى بن معين والعجلي وابن نمير وابن حبّان والذهبي.

(٦) زيد بن يثيع الهمداني : من أهل الكوفة. وثّقه العجليّ وابن حبّان والذهبي.

١٧٤

قالا : نشد عليّ الناس في الرحبة ، من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ إلا قام قال ، فقام من قبل سعيد ستّة ، ومن قبل زيد ستّة (١) ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام يوم غدير خُمٍّ : ( أَلَيْسَ اللهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ )؟ قالوا بلى.

قال : ( اللَّهُمَّ مِنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَاَلاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ). حدّثنا عبد الله ، حدّثنا عليّ بن حكيم ، أنبأنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مر بمثل حديث أبي إسحاق ، يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه ( وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ ). حدثنا عبد الله ، حدّثنا عليّ ، أنبأنا شريك ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله (٢).

٧٠ ـ وفي مسند أحمد أيضاً : حدّثنا عبد الله ، حدّثني عبد الله بن

____________

(١) جاء في كتاب أرجح المطالب لعبيد الله آخر تسرّي الحنفي بسنده عن أبي الطفيل أنّ الصحابة الذين قاموا وشهدوا بالرحبة عند مناشدة الإمام عليّ عليه‌السلام هم : خزيمة بن ثابت ، وسهل بن سعد ، وعديّ بن حاتم الطائي ، وعقبة بن عامر وأبو أيّوب الأنصاري ، وأبو ليلى ، وأبو الهيثم ، وأبو سعيد الخدريّ ، وأبو قدامة الأنصاري ، وشريح الخزاعي ، ورجال من قريش. ( أرحج المطالب ص ٣٩٩ ).

(٢) مسند أحمد : الحديث ٩٠٦.

١٧٥

عمر القواريري (١) ، حدّثنا يونس بن أرقم (٢) ، حدّثنا يزيد بن أبي زياد (٣) ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (٤) قال : شهدت عليّاً عليه‌السلام في الرحبة ينشد الناس ، أنشدُ الله من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ : ( اللَّهُمَّ مِنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ ) لمّا قام فشهد ، قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدرّياً ، كأنّي أنظر إلى أحدهم ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ : ( أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ ) ، فقلنا : بلى يَا رسول الله.

قال : ( فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَلاَهُ وَعَادٍ مَنْ عَادَاهُ ) (٥).

____________

(١) أبو سعيد ، عبد الله بن عمر بن ميسرة القواريريّ البصريّ : من أهل بغداد وبها توفي سنة ٢٣٥ هـ. وثّقه يحيى بن معين والنسائي ومحمّد بن سعد وأبو حاتم الرازي والعجلي وصالح جزرة.

(٢) يونس بن أرقم الكنديّ البصريّ : قال ابن حبّان : معروف يتشيّع.

(٣) يزيد بن أبي زياد القرشيّ الهاشميّ : أحمد بن صالح المصري : ثقة. أحمد بن حنبل : ليس حديثه بذاك يحيى بن معين : ليس بالقويّ. أبو زرعة الرازي : ليّن يكتب حديثه ولا يُحتجّ به. أبو حاتم الرازي : ليس بالقويّ. ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه.

(٤) أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري الأوسي : من أهل الكوفة ، وتوفي بداريا سنة ٨٣ هـ. يحيى بن معين : ثقة. أبو حاتم الرازي : لا بأس به. ابن حبّان : وثّقه.

(٥) مسند أحمد : الحديث ٩١٥.

١٧٦

٧١ ـ وفي مسند أحمد أيضاً : حدثنا عبد الله ، حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي ، حدّثنا زيد بن الحبّاب ، حدّثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي (١) ، حدّثني سمّاك بن عبيد بن الوليد العبسي قال : دخلتُ على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنّه شهد علياً عليه‌السلام في الرحبة قال : أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهده يوم غدير خمّ إلا قام ، ولا يقوم إلا من قد رآه ، فقام : اثنا عشر رجلاً فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول : ( اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ ) فقام إلا ثلاثة لم يقوموا ، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته (٢).

٧٢ ـ وعن أحمد في مسنده : حدّثنا أسود بن عامر (٣) ، أخبرنا أبو إسرائيل (٤) ،

____________

(١) قال الذهبي : مجهول.

(٢) مسند أحمد : الحديث ٩١٨.

(٣) أبو عبد الرحمن الأسود بن عامر الشامي : الملقّب بشاذان ، من أهل بغداد وبها توفي سنة ٢٠٨ هـ. وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعليّ بن المدني وأبو حاتم الرازي ومحمّد بن سعد وابن حبّان.

(٤) أبو اسرائيل إسماعيل بن خليفة العبسي الملائي : من أهل الكوفة ، توفي سنة ١٦٠ هـ. قال عنه يحيى بن معين : ثقة ، صالح الحديث ، ومرّة : ضعيف ، وقال أبو زرعة الرازي : صدوق ، في رأيه غلوّ. وقال أبو حاتم الرازي : حسن الحديث ، له أغاليط. وقال يعقوب بن سفيان : ثقة. وقال أحمد بن حنبل : يُكتب حديثه ، خالف في أحاديث.

١٧٧

عن الحكم (١) ، عن أبي سليمان (٢) ، عن زيد بن أرقم قال : استشهد عليٌّ الناسَ فقال : أنشد الله رجلاً سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ) قال فقام ستّة عشر رجلاً فشهدوا (٣).

٧٣ ـ عن الطبراني أيضاً في المعجم الكبير قال : حدّثنا إبراهيم ابن نائلة الاصبهاني ، ثنا إسماعيل بن عمرو البجليّ ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب ، عن زيد بن أرقم قال : ناشد عليّ الناس في الرحبة ، من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الذي قالَ لـه ، فقام ستّة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ) قال زيد بن أرقم : فكنت فيمن كتم فذهب بصري ، وكان عليّ

____________

(١) أبو محمّد الحكم بن عُتيبة الكندي : من أهل الكوفة وبها توفي سنة ١١٣ هـ. وثّقه محمّد بن سعد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والنسائي وابن مهدي وقال ابن حبّان : ثقة وكان يُدلس.

(٢) أبو سليمان زيد بن وهب الجُهني الهمداني : من أهل الكوفة ، توفي سنة ٩٦ هـ. وثّقه يحيى بن معين ومحمّد بن سعد والعجلي والبزار وابن حبّان وابن خراش.

(٣) مسند أحمد : الحديث ٢٢٠٦٢.

١٧٨

عليه‌السلام دعا على من كتم (١).

٧٤ ـ عن النسائي في سننه الكبرى : أخبرنا محمّد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري (٢) ، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأودي (٣) قالا : حدّثنا عبيد الله بن موسى (٤)

قال : أخبرني هانىء بن أيّوب (٥) ،

____________

(١) معجم الطبراني الكبير : ٥ / ١٧١.

(٢) أبو عبد الله محمّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري : من أهل حمص ، توفي سنة ٢٥٨ هـ. قال عنه أحمد ابن حنبل : لو أنّه عندنا لجعلناه إماماً في الحديث. وقال أبو حاتم الرازي : إمام زمانه ، ثقة. وقال النسائي : ثقة مأمون. وقال أبو بكر بن أبي داود : أمير المؤمنين في الحديث. ابن أبي حاتم : ثقة صدوق إمام. الخطيب : أحد الأئمة العارفين والحفّاظ المتقنين.

(٣) أبو عبد الله أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي : من أهل الكوفة ، توفي سنة ٢٦١ هـ. وثّقه أبو حاتم الرازي والبزّار والنسائي وابن خراش والعقيلي وابن حبّان.

(٤) أبو محمّد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي : من أهل الكوفة وبها توفي سنة ٢١٣ هـ. وثّقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والعجلي وابن حبّان وابن عدي وقال محمّد بن سعد : ثقة صدوق يتشيّع.

(٥) هاني بن أيّوب الحنفي : من أهل الكوفة. وثّقه ابن حبّان والذهبيّ. وقال محمّد بن سعد : فيه ضعف.

١٧٩

عن طلحة الايّامي (١) ، قال : حدّثنا عَميرة بن سعد (٢) : أنّه سمع علياً ، وهو يُنشد في الرحبة : مَنْ سمع رسول الله يقول : ( مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ )؟ فقام بضعة عشر فشهدوا (٣).

٧٥ ـ عن ابن حبّان في صحيحه قال : أخبرنا عبدُ الله بنُ محمّد الازديُّ ، حدّثنا إسحاق بنُ إبراهيم (٤) ، أخبرنا أبو نعيم (٥) ويحيى بنُ آدم (٦)

____________

(١) أبو محمّد ، طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب الأيّامي ( أو اليامي ) الهمداني : الملقّب بسيّد القرّاء ، من أهل الكوفة ، توفي سنة ١١٢ هـ. وثّقه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والعجلي ومحمّد بن سعد وابن حبّان.

(٢) الصواب : عمير بن سعيد ، وهو أبو يحيى عمير بن سعيد الصهباني النخعي : من أهل الكوفة وبها توفي سنة ١١٥ هـ. وثّقه يحيى بن معين ومحمّد بن سعد والعجلي وابن حبّان. وقال الحكم بن عُتيبة : حسبك به.

(٣) سنن النسائي الكبرى : ج ٥ ص ١٣٦ ، الحديث ٨٣٧٦.

(٤) أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلّد الحنظليّ المروزيّ : الملقّب بابن راهويه ، من أهل حمص وتوفي بنهاوند سنة ٢٣٨ هـ. قال عنه أحمد ابن حنبل : من أئمة المسلمين. وقال النسائي : أحد الأئمة. وذكره ابن حبّان في الثقات.

(٥) أبو نعيم ، الفضل بن دكين : سبق تخريجه ، ثقة مأمون.

(٦) أبو زكريّا يحيى بن آدم بن سليمان مولى آل أبي معيط الأمويّ : من أهل

١٨٠