موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-97-3
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٩٦

وكذلك لا أدلّ على كماله من إكماله ما قاله قائده في وصف حال من كانوا يسبوّن الإمام عليّ عليه السلام ، فوقف عليهم ووبّخهم بأبلغ حجة ، ولما انصرف عنهم سأل قائده عن حالهم ، فقال :

نظروا إليك بأعين محمرّة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

فاستزاده ، فقال :

خزر العيون نواكس أبصارهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

فاستزاده ، فقال : ما عندي غير هذا ، قال : ولكن عندي ، فقال :

سبّو الإله وكذّبوا بمحمد

والمرتضى ذاك الوصي الطاهر

أحياؤهم عار على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر

هم تسعة لعنوا جميعاً كلهم

والله ملحقهم غداً بالعاشر

يوم القيامة يسكنون جهنماً

بئس المصير لكلّ عبد فاجر

وكذا النبيّ خصيمهم مع حيدر

نعم الخصيم غداً وخير الناصر

وستأتي المحاورة بنصها مع مصادرها وهي من محاسن المحاورات.

وشعره هذا يدلّ على صدق إيمانه وشعوره بما يحسّه في وجدانه ، وقد أتاه عفو الخاطر حيث دعته الحاجة إليه ، وهو مع تقدّم في السن وبعدما كفّ بصرهُ.

وأبلغ منها ما قالها لمن عيّره بذلك ، فإنّه قالها وقد تجاوز العقد

٤١

السادس من عمره ، وهذا ما لا شك في صحة نسبته إليه ، ولا يعني ذلك أنّي أشك في بقية ما رواه الرواة له ، كلا ، ولكنه وإن لم يكن بالمستوى الأدبي الذي أثر عنه في أسلوبه نثراً ذلك الإسلوب الأدبي الرفيع ، ومع ذلك لا يخلو من جوانب تربوية أو عقائدية وغير ذلك ، ولنقل إنّه يبقى شعره كشعر العلماء فيه الإقناع والإمتاع في المعنى ، دون الإبداع والإيقاع في السبك.

والآن إلى قراءة ما وقفت عليه منسوباً إليه ، وشعره كغيره ممّا له أو لغيره ، يبقى على ذمة الرواة :

١ ـ قال في ذهاب بصره :

قال ابن عبد البر في ترجمة ابن عباس في ( الإستيعاب ) : وهو القائل في ذلك ـ العمى ـ

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكيّ وعقلي غير ذي دخلٍ

وفي فمي صارم كالسيف مأثور (١)

فما روي عنه من هذا وجوه ، وبهذا اللفظ ورد الشعر في ( أسد الغابة ) و ( سير أعلام النبلاء ) و ( نكت الهميان ) و ( الوافي بالوفيات ) و ( الحلة السيراء ) لابن الأبار ، جميعاً في ترجمة ابن عباس وغيرها من المصادر.

____________________

(١) الإستيعاب ٣ / ٩٣٨.

٤٢

وفي بعضها إختلاف في رواية البيت الثاني من الشعر ، وهذه إشارة إلى بعضها :

ففي ( كشف الخفاء ) للعجلوني و ( الدرجات الرفيعة ) :

( وفي فمي صارم كالسيف مشهور ).

وفي ( فيض القدير ) للمناوي :

عقلي ذكي وقولي غير ذي خطل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور (١)

وفي ( مرآة الجنان ) لليافعي و ( وفيات الأعيان ) :

( وفي فمي صارم كالسيف مطرور ) (٢).

قال ابن الأبار في ( الحلة السيراء ) : وهذا من أحسن ما قيل في هذا المعنى ، وهو داخل في باب تحسين ما يقبح (٣).

____________________

(١) فيض القدير ٤ / ٦٤٠.

(٢) مرآة الجنان ١ / ١٤٣.

(٣) الحلة السيراء ١ / ٢٢ ـ ٢٣.

وقال ابن الابار بعد ذكر ما تقدم أعلاه : وقد جمعت قطعة من ذلك في تأليفي للخزانة العالمية الإمامية الموسوم بـ قطع الرياض في بدع الأغراض ، ومن ذلك قول بشار بن برد :

عميت جنينا والذكاء من العمى

فجئت مصيب الظن للعلم موئلا

وغاض صفاء العين للعقل رافدا

بقلب إذا ما ضيّع الناس حصّلا

وشعر كنور الروض لامست نظمه

بقول إذا ما أحزن الشعرا سهلا

٤٣

____________________

وقال آخر ويروى لأبي العلاء ، والصحيح أنه لأبي الحسن الحصري :

وقالوا قد عميت فقلت كلا

وإني اليوم أبصر من بصير

سواد العين زار سواد قلبي

ليجتمعا على فهم الأمور

وقال عبد الله بن سليمان القرطبي النحوي ، المعروف بدرود ، ويقال : دربود ، وكان أعمى :

تقول من للعمى بالحسن قلت لها

كفى عن الله في تصديقه الخبر

القلب يدرك ما لا عين تدركه

والحسن ما استحسنته النفس لا البصر

وما العيون التي تعمى إذا نظرت

بل القلوب التي تعمى بها النظر

ومن جيّد الشعر لولا شوبه بالهجر قول الآخر :

قالوا العمى منظر قبيح

قلت بفقدي لهم يهون

تالله ما في الأنام شيء

تأسى على فقده العيون

كأنه أخذ من قول سعيد بن المسيب وقد نزل الماء في عينيه ، فقيل له : لو قدحتهما ، فقال : وعلى من أفتحهما ، مثل هذا قول المعري وهو عندي من المنشد :

أبا العلاء بن سليمانا

إن العمى أولاك إحسانا

لو أبصرت عيناك هذا الورى

لم ير إنسانك إنسانا

أقول : وإضافة على ما ذكره ابن الابار فقد أقتبس معنى بيتي ابن عباس إسحاق بن حسان القوهي المعروف بالخزيمي ، فقد قال :

فإن تك عيني خبا نورها

فكم قبلها نور عين خبا

فلم يعمِ قلبي ولكنما

أرى نور عيني اليه سرى

فالسراج فيه إلى ضوئه

سراجا من العلم يشفي من العمى

تاريخ بغداد ٦ / ٣٢٦ ، نكت الهميان / ٧١.

٤٤

٢ ـ وقال في ذلك أيضاً :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

فإنّ قلبي مضيء مابه ضرر

أرى بقلبي دنياي وآخرتي

والقلب يدرك ما لا يدرك البصر (١)

أقول : ربما كانت فكرة التعويض هي الدافع وراء أقواله في ذهاب بصره ، إذ لا شك بأنّ فقدان البصر مظهر من مظاهر النقص الذي يجسد الضعف لصاحبه ، فلا مؤاخذة لو استعان على مواجهة إحساسه بذلك النقص بقوة إحساسه بنفاذ البصيرة ، وحق له لو أفتخر بالقدرة على تجاوز ذلك الإحساس المؤلم بما فقده من نعمة البصر بما عوّضه الله سبحانه من قوة البصيرة ، بنور الفؤاد والقلب.

ومن تلك القوّة كان التعويض كبيراً وعظيماً ، فالقلب ذكي ، والعقل سليم ، واللسان طلق ذلق قوي الحجة ، فأيّ قوّة هي أعظم من تلك القوّة التي استطاع أن يدفع بها من عيّره بذهاب بصره ، ولم أقف على من عيّره بذلك سوى ابن الزبير في تعريضه به حين قال : ( إنّ ها هنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزعم أنّ متعة النساء حلال من الله ورسوله يفتى في القملة والنملة ، وقد أحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ، وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن وقاه بيده.

____________________

(١) حاشية الفرائد الشنشورية للبيجوري / ١٨ ط مصر.

٤٥

فقال ابن عباس لقائده سعيد بن جبير : استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري ، فاستقبل به وأقام قامته ، فحسر عن ذراعيه ، ثم قال : يابن الزبير.

قد أنصف القارة من راماها

إنّا إذا ما فئة نلقاها

نردّ أولاها على آخراها

حتى تصير حرضا دعواها

يابن الزبير ، أمّا العمى فإنّ الله تعالى يقول : ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )(١).

ثم أنشأ قوله :

إن يأخذ الله من عيني نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

وأمّا فتياي في القملة والنملة : فإنّ فيهما حكماً لا تعلمه أنت ولا أصحابك.

وأمّا حملي المال : فإنّه كان مال جبيناه فأعطينا كلّ ذي حق حقه ، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا.

وأمّا المتعة : فسل أمّك عن بردي عوسجة ، فإنّ أوّل متعة سطع مجمرها لمجمر سطع بين أمّك وأبيك ، فسل أمّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك.

____________________

(١) الحج / ٤٦.

٤٦

وأمّا قتالنا أم المؤمنين : فبنا سميّت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك. فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها ، ثم إتخذاها فتنة ( فئة ) يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما ، فما أنصفا الله ولا محمّداً من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيّه وصانا حلائلهما.

وأمّا قتالنا إياكم : فإنّا لقيناكم زحفاً ، فإن كنّا كفاراً فقد كفرتم بفراركم منّا ، وإن كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا ، فقد لقيت أباك وأنا مع إمام هدى ، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا ، وإن يكن على ما تقول فقد كفر به بهربه منّا ، وأيم الله لولا مكان صفيّة فيكم ، ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظماً إلا كسرته.

فانقطع ابن الزبير ونزل خجلاً مغضباً ، وعاد إلى أمّه فسألها عن بردي عوسجة؟ فقالت : يا بني ما ولدتك إلاّ في المتعة ، ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم ، فإنّهم كعُم الجواب إذا بدهوا ، فقال : بلى ، وعصيتك.

فقالت : يا بني إحذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن ، واعلم أنّ عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها ، فإياك وإياه آخر الدهر ). وقد أورد هذه الحادثة ابن أبي الحديد في شرح النهج (١) ، والراغب في محاضراته (٢) ، والمدني في ( الدرجات الرفيعة ) ، وعنهم نقلنا ما تقدم.

____________________

(١) شرح النهج ٤ / ٤٤٨٩ ـ ٤٩١.

(٢) محاضرات الراغب٢ / ٩٢.

٤٧

وقد رواها غيرهم بأخصر من ذلك ، ومنهم : مسلم في صحيحه (١) ، والزيلعي في ( نصب الراية ) (٢) ، وابن الهمام الحنفي في شرح الفتح (٣) ، وابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) (٤) ، والمسعودي في ( مروج الذهب ) (٥) ، وغير هؤلاء ، كما سيأتي ذكر المحاورة وما يتبعها في صفحة إحتجاجاته على ابن الزبير.

٣ ـ وقال في ذلك أيضاً وتعيير قوم له بأنّه ضرير :

وعيرّني الأقوام والعيب فيهم

ولا عيب إلا أن يقال ضرير

إذا أبصر القلب المرؤة والتقى

فإنّ العمى بالعين ليس يضير

إذا كفرّت عني ذنوبي فإنّها

وإن فجعت رزء عليّ يسير

يقولون صبراً إنّما الصبر شيمتي

ألم تعلموا أنّ الكريم صبور (٦)

وقد نسب غلطاً البيتان الأوّلان من أشعاره إلى أبي العلاء المعري وإلى أبي العيناء. فقد ورد ذكرهما في ( معجم أدباء ذوي العاهات أعلام

____________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ١٣٣.

(٢) نصب الراية ٣ / ١٣٥٧ ، ط مصر.

(٣) شرح الفتح ٢ / ٢٨٦.

(٤) العقد الفريد ٣ / ١٥٧.

(٥) مروج الذهب ٢ / ١٠٣ ط مصر ١٣٤٦ هـ ، ٣ / ٨٩ ط تح محمد محيي الدين.

(٦) نكت الهميان / ٧١ ، وغيره.

والبيتان الأولان في النسب الأصيلي لابن الطقطقي ورقة / ١٤١ ( نسخة مصورة ) ، والأبيات عدا الأول في ناسخ التواريخ ٢ / ٥١٩.

٤٨

الجبابرة ) تأليف كارين صادر ونصير الجواهري نسبتهما إلى أبي العلاء المعري (١) ، وفي موضع آخر نسبتهما إلى أبي العيناء (٢) ، وكلتا النسبتين غلط ، وربّما إقتبساهما في بعض أشعارهما فظنّ المؤلفان أن البيتين لمن ذكراهما. والإقتباس شائع ذائع عند الشعراء.

وفي المقام نذكر إقتباس أحمد بن عبد الدايم الحنبلي المقدسي ، حيث قال :

( إن يذهب الله من عيني نورهما

فإنّ قلبي بصيرً ما به ضرر )

( أرى بقلبي دنياي وآخرتي

والقلب يدرك ما لا يدرك البصر )

والله إنّ لكم في القلب منزلة

ما نالها قبلكم أنثى ولا ذكر

وحالكم لي حياة لا نفاذ لها

والهجر موت فلا عينً ولا أثر (٣)

٤ ـ وقال في مدح سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام :

____________________

(١) معجم أدباء ذوي العاهات أعلام الجبابرة / ١١ ـ ١٢ و ١٤٢ ط بيروت.

(٢) نفس المصدر / ٣٢٣.

(٣) الوافي بالوفيات ٧ / ٣٤ ، نكت الهميان / ٩٩ ، شذرات الذهب ٥ / ٥ ، فوات الوفيات ١ / ٨١ ، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ٢ / ٢٧٨ ، منتخب السلامي / ٢٩. وعن ابن الأبار قال : وقد اقتبس معناهما إسحاق بن حسان القوهي المعروف بالخريمي فقد قال :

فإن تك عيني خبا نورها

فكم قبلها نور عين خبا

فلم يعمَ قلبي ولكنما

أرى نور عيني إليه سرى

فالسراج فيه إلى ضوئه

سراجا من العلم يشفي العمى

٤٩

سلام على الطهر الزكية فاطمٍ

سلام على أولادها الأنجم الزهر (١)

٥ ـ وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

وصّي رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل

فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا

أشمّ كنصل السيف غير حلاحل (٢)

٦ ـ وقال بمدحه عليه السلام متمسكاً بحبّه :

ولا ينجي من الرحمن شيء

ومن هول القيامة والحساب

ومن نارٍ تلهب في جحيم

سوى حب الإمام أبي تراب

شفيع الخلق في يوم التلاقي

هو المنعوت في أي الكتاب (٣)

٧ ـ وقال يرثي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

وهزّ علي بالعراقين لحية

مصيبتها جلّت على كلّ مسلم

وقال سيأتيها من الله نازل

ويخضبها أشقى البرية بالدم

فعاجله بالسيف شلّت يمينه

لشوم قطام عند ذاك ابن ملجم

فيا ضربة من خاسرٍ ضلّ سعيه

تبوأ منها مقعداً في جهنم

____________________

(١) روضة الواعظين للفتال النيسابوري / ١٢٧ ط ايران.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ١ / ٥٠ ط مصر الأولى. المراجعات للإمام شرف الدين / ٢٨٢.

(٣) المجموع الرائق للسيد أحمد العطار ١ / ورقة ١٤ مخطوط بمكتبة الإمام الصادق العامة في الكاظمية.

٥٠

ففاز أمير المؤمنين بحظّه

وإن طرقت أحدى الليالي بمعظم

ألا انما الدنيا بلاءٌ وفتنة

حلاوتها شيبت بصبر وعلقم

٨ ـ وقال لعثمان في محاورة جرت بينهما :

جعلت شعار جلدك قوم سوء

وقد يجزى المقارن بالقرين

فما نظروا لدنيا انت فيها

بإصلاح ولا نظروا لدين (١)

٩ ـ وقال يجيب معاوية في ضمن كتاب له أجاب به على كتاب معاوية إليه يخادعه وذلك في أيام صفين :

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة

وليس له حتى تموت بخادع (٢)

١٠ ـ وقال يخاطبه أيضاً بعد ما أظهر معاوية الشماتة بموت الإمام الحسن الزكي عليه السلام :

أصبح اليوم ابن هندٍ آمناً

ظاهر النخوة إذ مات الحسن

ولقد كان عليه عمره

مثل رضوى وثبير وجفن (٣)

____________________

(١) مختصر تاريخ ابن عساكر لإبن منظور ١٦ / ٢١١ ط دار الفكر بدمشق.

(٢) مناقب آل أبي طالب للحافظ ابن شهر آشوب السروي ٣ / ١٠٢.

(٣) رضوى : جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع ، وثبير : أحد الأثبرة الأربعة ، ثبير الأعرج هو المشرف بمكة على حق الطارقيين ، وقيل هو حراء ، وجفن بناحية الطائف ( ص ١ مراصد الإطلاع ).

٥١

فارتع اليوم ابن هند قامصاً

إنما يقمص بالعير السَمَن (١)

فاتق الله وأظهر توبة

إنما كان كشيء لم يكن (٢)

١١ ـ وأمر له معاوية بأربعة آلاف درهم فقبضها ثم صرفها في بني عبد المطلب ، فقالوا له : لا نقبل صدقة.

قال : إنّها ليست بصدقة ، إنّما هي هدية ، فلم يبق منها شيء ، فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه يلومه وان يقصر عن ذلك ، فكتب إليه يقول :

بخيل يرى بالجود عارا وإنّما

على المرء عارٌ أن يضنّ ويبخلا

إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه

صديق فلاقته المنية أوّلا (٣)

١٢ ـ وقال ابن منظور أيضاً :

وأنشد المبرد لعبد الله بن العباس كتب به إلى معاوية بن أبي سفيان ـ ( الطويل ) :

[و]إنّي أغضيت عن غير بغضة

لراع لأسباب المودة حافظ

وما زال يدعوني إلى الصرم ما أرى

فآبى وتثنيني عليك الحفائظ

____________________

(١) وفي المثل ( ما بالعير من قماص ) وهو الحمار. يضرب لمن ذلّ بعد العزّ ( الصحاح ) قمص.

(٢) الحدائق الوردية للإمام حميد الشهيد ١ / ١٠٩ ( مخطوط بمكتبة الإمام كاشف الغطاء ) ، وأخرج الزمخشري منها البيت الأول والثالث في كتابه ربيع الأبرار ( باب الموت وما يتصل به ) مخطوط كما في نسخة الرضوية بخراسان والأوقاف ببغداد.

(٣) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ١٢ / ٣٢٤.

٥٢

 

وانتظر العتبى وأغضي على القذى

وألبس طوراً مرّه وأغالظ

وانتظر الإقبال بالودّ منكم

وأصبر حتى أوجعتني المغايظ

وجرّبت ما يسلي المحبّ عن الهوى

وأقصرت والتجريب للمرء واعظ (١)

١٣ ـ وقال في جواب عمرو بن العاص عن أبيات قالها حين خدع أبا موسى الأشعري في التحكيم :

كذبتَ ولكن مثلك اليوم فاسق

على أمركم ببغي لنا الشر والعز لا

وتزعم ان الأمر منك خديعة

إليه وكل القول في شأنكم فضلا

فأنتم ورب البيت قد صار دينكم

خلافاً لدين المصطفى الطيّب العدلا

أعاديتم حِبّ النبيّ ونفسه

فما لكم من سابقات ولا فضلا (٢)

وأنتم ورب البيت أخبث من مشى

على الأرض ذا نعلين أو حافياً رجلا

غدرتم وكان الغدر منكم سجيةً

كأن لم يكن حرثاً وأن لم يكن نسلا (٣)

١٤ ـ وقال يخاطب أبا موسى الأشعري عند ندامته بعد التحكيم :

أبا موسى بليت وكنت شيخا

قريب القعر مخزون اللسان

____________________

(١) نفس المصدر ١٢ / ٣٢٥.

(٢) حِبّ النبيّ حبيبه ، يشير الحبر ابن عباس إلى ما في آية المباهلة الصريحة في ان الإمام عليه السلام كان نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها من الآيات.

(٣) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ٦٣٤ ط مصر.

٥٣

 

رمى عمرو صفاتك يا بن قيس

فيا لله من شيخ يماني (١)

فأمسيت العشية ذا اعتذار

ضعيف الركن منكوب العنان

تعض الكف من ندمٍ وماذا

يردّ عليك عضّك بالبنان (٢)

١٥ ـ وقال يجيب ابن الزبير في منافرة جرت بينهما :

تنافرني يا ابن الزبير وقد قضى

عليك رسول الله لا قول هازل

ولو غيرنا يابن الزبير فخرته

ولكنما ساميت شمس الأصائل

وقال أيضاً في تلك المنافرة :

ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا

فلو ترك القطا لغفا وناما

وقال أيضاً فيها :

وأدرك منها بعض ما كان يرتجي

وقصرّ عن جري الكرام وبلّدا

وما كان إلاّ كالهجين أمامه

عناق فجاراه العناق فأجهدا (٣)

١٦ ـ وقال في تكريم الخيل وحبّه لها :

____________________

(١) الصفاة ، الصخرة الملساء ويقال في المثل ( ما تندى صفاته ) الصحاح صفا.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٣٤ ط المطبعة البهية سنة ١٣٤٦ ، ٤١٠ ط الثانية ، وقد وردت في كتاب صفين لنصر بن مزاحم / ٦٣٢ أبيات لابن عم أبي موسى الأشعري تشبه هذه الأبيات ، وتتفق بعض صدور الأبيات والعجز الأخير منها مع الأبيات المذكورة ، كما نقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٩٨ ونسبها إلى بعض الأشعريين.

(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٥٠٢ ط مصر الأولى.

٥٤

 

أحبّوا الخيل واصطبروا عليها

فإنّ العزّ فيها والجمالا

إذا ما الخيل ضيّعها أناس

ربطناها فأشركت العيالا

نقاسمها المعيشة كلّ يوم

ونكسوها البراقع والجلالا (١)

وقد شطرها بعضهم كما في ( مختصر طبقات الحنابلة ) لمحمد جميل الشطي في ترجمة الشيخ عبد الجليل المواهبي قوله مشطراً هذه الأبيات :

( احبّوا الخيل واصطبروا عليها )

فإنّ بها المسرّة والكمالا

وراعوا حقها في كلّ وقت

( فإنّ العز فيها والجمالا )

( إذا ما الخيل ضيعّها أناس )

أنلناها الترفه والدلالا

فخير في نواصيها اقتضى أن

( حفظناها فأشبهت العيالا )

( نقاسمها المعيشة كلّ يوم )

ولا نخشى لنعمتنا زوالا

ونلبسها المحاسن من حلي

( ونكسوها البراقع والجلالا ) (٢)

وقد روى الأبيات الثلاثة علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي في ( حلبة الفرسان وأشعار الشجعان ) ط دار المعارف بمصر. منسوبة إلى الأخطل ، وقال : وتنسب لعبد الله بن عباس.

١٧ ـ وقال فيمن نزلت به ملمة فأتاه لكشفها :

____________________

(١) بهجة المجالس لابن عبد البر ٢ / ٦٨ ، نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد للأمير محمد باشا ط بيروت سنة ١٣٢٦ هـ.

(٢) مختصر طبقات الحنابلة / ١١٧.

٥٥

إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى

وأعمل فكر الليل والليل عاكر

وباكرني في حاجة لم يجد لها

سواي ولا من نكبة الدهر ناصر

فرجت بما لي همه عن خناقه

وزايله الهم الطروق المساور (١)

وكان له فضلٌ عليّ بظنّه

بي الخير إني للذي ظنّ شاكر (٢)

١٨ ـ وقال في مفاسدالسرف في الطعام والمنام والكلام وما يفعله الشيب بصاحبه :

إذا كثر الطعام فحذّروني

فإن القلب يفسده الطعام

إذا كثر المنام فنبهوني

فإن العمر ينقصه المنام

إذا اكثر الكلام فسكتّوني

فإن الدين يهدمه الكلام

إذا كثر المشيب فحذروني

فإن الشيب يتبعه الحِمام (٣)

____________________

(١) في رواية العمدة تفاوت يسير.

(٢) العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي ١ / ٢٢٦ وقد أنشدها عمر بن عبد العزيز والعمدة لابن رشيق القيرواني ١ / ٢٣ ووردت الأبيات بتفاوت يسير في تهذيب تاريخ ابن عساكر ٣ / ٤٧ منسوبة إلى أسماء بن خارجة فلاحظ.

(٣) مجموعة الحاج عيسى كبة وهي بخطه في مكتبة الإمام كاشف الغطاء ، ونسب البيت الثالث إليه الأديب علي أكبر دهخدا في كتابه امثال وحكم ٢ / ٨٩٤ ط إيران.

كما وردت الأبيات في كتاب زهر الربيع للجزائري / ٣٣٤ ط الحيدرية ١٣٧٥ هـ وهي إن صحت نسبتها فإنها لم تكن بمستوى ما تقدم له من شعر صحت نسبته إليه ، ومع ذلك فإن خلت من نمط أسلوبه الأدبي الرفيع ، لكنها لم تخل من الجانب التربوي الذي نتلمس نهجه في المأثور عنه من النثر في الوصايا والحكم ، وليس لنا أن ننفي صحة نسبتها إليه ، لمجرد خلو النظم من قوة الشعر الذي تميز فيما صحت نسبته إليه ، بعد ما عرفنا بالبداهة تفاوت حال المرء في مراحل حياته في نشاطه الثقافي. وتبقى صحة النسبة على ذمة الرواة.

٥٦

١٩ ـ وقال في طلب العلم واختيار أحسنه :

ما أكثر العلم وأوسعه

من ذا الذي يقدر أن يجمعه

إن كنت لا بد له طالباً

محاولاً فالتمس منه أنفعه (١)

٢٠ ـ وقال في طريقه من البصرة إلى الكوفة يحدو الإبل :

أوبي إلى أهلك يا رباب

أوبي فقد حان لك الإياب (٢)

٢١ ـ روى البلاذري في ( أنساب الأشراف ) في ترجمته ، فقال : حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال : حدثت ان ابن عباس لما كفّ بصره قال أو تمثل :

ما زال عمري على الأيام منتقصا

حتى فنيت وحبل الدهر ممدود

أقدّم العود قدامي وأتبعه

وكنت أمشي وما يمشي بي العود (٣)

٢٢ ـ ذكر الملا علي القاري في ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) ، قال : وحكي عن ابن عباس أنّه قال :

جميع العلم في القرآن لكن

تقاصر عنه أفهام الرجال (٤)

____________________

(١) جامع بيان العلم لابن عبد البر ١ / ١٠٦.

(٢) العقد الفريد ٣ / ٣٩٠.

(٣) أنساب الأشراف ترجمة ابن عباس برقم ٣٨ ( مخطوط ).

(٤) مشكاة المصابيح ١١ / ٣٠٢ ط دار الكتب العلمية بيروت.

٥٧

٢٣ ـ أخرج ابن عدي في ( الكامل ) بسنده عن ابن عباس ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( من آتاه الله وجهاً حسناً ، واسما حسنا ، وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله ) ، ثم أنشأ ابن عباس يقول :

عند شرط النبيّ إذ قال يوما

( اطلبوا الخير من حسان الوجوه ) (١)

وقال الآبي في ( نثر الدر ) : ( وقال ابن عباس : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجاء الأعشى علقمة ، نهى أصحابه أن يرووه ، وقال : ( إنّ أبا سفيان شعث مني عند قيصر ، فرد عليه علقمة وكذّب أبا سفيان ) ، فشكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ) (٢).

وهذا يكشف عن متابعة ابن عباس للشعر والشعراء ، وما يروى وما لايروى.

وأخيراً لقد ورد في كتاب ( الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي ) تأليف عبد الرحمن بن العربي الحريسي مدير المؤسسة (٣) :

القصيدة المربّعة عدد أبياتها ( ٤٧ ) بيتاً في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المؤلف ابن عباس ، أوّلها :

حادي النوازل إن لاحت لك الخيم

من الكثيب وبان البان والعلم

____________________

(١) الكامل ٣ / ٣٢٠.

(٢) نثر الدر ١ / ٢٨٩.

(٣) الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي ١ / ٦٥ رقم ٩٨.

٥٨

( صفحاته : ٢ ، مقايسه : ١٥ / ١٦ ، مسطرته : ٢٤ في مجموع ص : ٢٤٥ إلى صفحة : ٢٤٧ ، الخط مغربي رديء ).

ملاحظة لم أقف على من ذكرها. ثم أنظر من هو ابن عباس هذا؟

وتوجد أيضاً ضمن كناش عدد ع ٤١٦ بالمؤسسة.

أقول : فهل يحتمل أن تكون القصيدة المربعة لابن عباس الذي هو صاحبنا؟

احتمال قائم يخضع في إثباته ونفيه للإطلاع على القصيدة ، وأنّى لنا بها. ولكنا نشير إليها نظراً لخلو كتب السيرة والمدائح النبوية وغيرها عن ذكرها ولو كانت له لأشير إليها.

٥٩
٦٠