موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

وبه نستعين

الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً.

والصلاة والسلام على محمد وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ورضي الله عن الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان ممن لم يبدّلوا ولم يغيّروا.

وبعد؛ فهذا أوّل الجزء الثاني من الحلقة الثانية من موسوعة « عبد الله ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن » وفيه يكون البحث في الباب الثالث بمقدمته وفصوله وما يتبع بعده.

أمّا المقدمة : ففيها الإشارة أوّلاً إلى جملة معارف ابن عباس ، وثانياً ما هي مناهجه؟ وثالثاً ماذا بقي من آثاره.

٧

وأمّا الفصول : فهي خمسة :

الفصل الأوّل : في معارفه القرآنية؛ بدءاً فيما جاء عنه في أشهر العلوم التي لمع نجمه فيها وهو التفسير ، ثم التأويل ، ثم أسباب النزول ، ثم القصص القرآني ، ثم المتشابه في القرآن ، وذلك في خمسة مباحث.

الفصل الثاني : فيما جاء عنه في الحديث النبوي الشريف ، كمّاً وكيفاً.

الفصل الثالث : فيما جاء عنه في الفقه وما اشتهر عنه من الفتاوى التي خالف فيها الجمهور.

الفصل الرابع : فيما جاء عنه في اللغة العربية وآدابها وتاريخها وأنسابها وأيامها.

الفصل الخامس : فيما جاء عنه من حِكَم الكلم القصار.

٨

المقدمة

إنّ الباحث عن معارف ابن عباس رضي الله عنه يجدها ملأت آثارها مساحات طويلة عريضة من تاريخ الإسلام الثقافي ، فأفاد منها المسلمون علماً جمّاً وفضلاً عظيماً. ويكفي أن نتذكر ما قرأناه في الجزء الأوّل من هذه الحلقة من خلال مدارسه وتلاميذه ، فكان استاذاً لجيل من أعلام التابعين في التفسير والحديث والفقه واللغة والأنساب والحساب وأيام العرب ، فاستحق أن يلقّب « بحبر الأمّة » ، ومن ملأت شهرته دنيا المسلمين منذ عهده وحتى اليوم ، سيبقى خالد الذكر في حديث الأجيال ما دام المسلم متجهاً في ثقافته صوب الثقافة الإسلامية.

وإن أوّل ما يطلّ علينا بإشعاعه من علومه ، هو نبوغه في علم التفسير وما إليه من علوم قرآنية ، مستمدة أنوارها من مشكاة نبويّة علويّة (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ) (١).

____________

(١) النور / ٣٥.

٩

فلا بدع لو اختص بلقب « ترجمان القرآن » وهذا يعني اتساع معارفه القرآنية تنزيلاً وتأويلاً وتفسيراً ، وقد شهد له بذلك أكابر الصحابة وأعيان التابعين ، ولعل من أشهر الأقوال في وصف تلك الحال قول عمر بن الخطاب « لقد عُلّمت علماً ما علمناه » (١).

وما دون هذا قوله لمن عاتبه من المهاجرين : ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال : « ذاكم فتى الكهول إنّ له لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً » (٢) ، وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى كلمات عمر في حقه ، فراجع.

وفي أقوال الباقين نجد صيغة أفعل التفضيل تحتل مكان الصدارة في تعريفه والثناء عليه. فقد قال عنه سعد بن أبي وقاص : « ما رأيت أحداً أحضر فهماً ، ولا ألبّ لبّاً ، ولا أكثر علماً ، ولا أوسع حلماً من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول : قد جاءتك معضلة ، ثم لا يجاوز قوله ، وإنّ حوله لأهل بدر » (٣).

وستأتي شواهد على شموخ صيغة أفعل التفضيل حين تبقي معَلماً بارزاً في جمل الثناء ، ولا غرابة في ذلك بعدما احتل الصدارة في رآسته المفسرين من بعد ابن عمه ومعلّمه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد أحاط علماً بتأويل الكتاب محكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، من ابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام ،

____________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٧ ، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ٢ / ١٤٠ ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٧.

(٢) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٧.

(٣) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٨.

١٠

الذي كان يدعوه فيملي عليه من دقائق التفسير حتى يطلع الفجر ما لم يحظَ ويَخص به سواه ، وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى أخباره في ذلك.

ومن بعد علم التفسير كانت براعته في الحديث ، وشهرته في ذلك تغني عن الإطالة في الحديث عنه ، على أنّا لم نغفل فيما مضى ذكره في كثرة مرويّاته وما قيل فيها والدفاع عنه ، وشهرته في السماع والتلقي ، وتشدّده في احتياطه البالغ في ذلك ، حتى كان يسأل عن الحديث الواحد أكثر من واحد.

ثم يأتي دور فقاهته من بعد التفسير والحديث ، وقد بلغ في الفقه مبلغاً عظيماً سبق فيه مَن كان أكبر منه سنّاً من الصحابة ، حتى بذّهم فحدّث عنه طاووس قال : « أدركت نحواً من خمسمائة من الصحابة إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه ، فلم يزل يقرّرهم حتى ينتهوا إلى قوله » (١).

ولئن تميّز بعض الصحابة في جانب من العلم ، كما قيل عن ابن مسعود ، أو أبيّ بن كعب ، أو زيد بن ثابت ، أو غيرهم ، لكنهم لم يبلغوا شأو ابن عباس في جامعيته وإحاطته بما لم يحيطوا به خبراً من بقية فنون العلم والمعرفة.

وحسبنا أن نقرأ قول أحد الرواة عنه وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

____________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٥١ دار الفكر.

١١

ابن مسعود ، قال : « كان ابن عباس قد فاق الناس بخصال ، بعلم ما سُبق إليه ، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه ، وحلم ونسب ونائل ، وما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث النبيّ صلى الله عليه واله وسلم منه ، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ، ولا أفقه في رأي منه ، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير للقرآن ، ولا بحساب ولا بفريضة منه ، ولا أعلم فيما مضى ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه.

فلقد كان يجلس يوماً ما يذكر فيه إلاّ الفقه ، ويوماً ما يذكر فيه إلاّ التأويل ، ويوماً ما يذكر فيه إلاّ المغازي ، ويوماً الشعر ، ويوماً أيام العرب.

وما رأيت عالماً قط جلس إليه إلاّ خضع له ، ولا وجدت سائلاً سأله إلاّ وجد عنده علماً ، وربما حفظت القصيدة من فيه ينشدها ثلاثين بيتاً » (١).

وما قول عطاء بدون هذا في التقييم والتقسيم ، فقد قال : « ما رأيت مجلساً أكرم من مجلس ابن عباس ولا أكثر فقهاً ، ولا أعظم هيبة ، أصحاب القرآن يسألونه ، وأصحاب العربية يسألونه ، وأصحاب الشعر يسألونه ، فكلّهم يصدر عن واد واسع » (٢).

وثالث الشهود عمرو بن دينار ، يقول بإختصار : « ما رأيت مجلساً أجمع

____________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٥٠ ، أسد الغابة ٣ / ٢٩٣ ، طبقات ابن سعد ٢ ق٢ / ١٢٢.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٣٠٠.

١٢

لخير من مجلسه : الحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر والطعام » (١).

ولمّا كان ابن عباس يعيش الغيرية بكلّ معانيها الإسلامية السامية ، فقد كان يحبّ لغيره من عامّة المسلمين ما يحبّه لنفسه ، وهو القائل لمن شتمه : « أتشتمني وفيَّ ثلاث خصال ، إنّي لأسمع بالحاكم من حكّام المسلمين يعدل في حكمه فأحبّه ، ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً ، وإنّي لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين فأفرح به ، ومالي بها سائمة ولا راغية ، وإنّي لآتي على آية من كتاب الله تعالى ، فوددت أنّ المسلمين كلّهم يعلمون منها مثل ما أعلم » (٢).

وقد تعلّم هذا الخلق السامي الرفيع من ابن عمه الهادي الشفيع النبيّ الكريم صلى الله عليه واله وسلم الداعي إلى مكارم الأخلاق ، وستأتي بعض شواهده.

ومن هذا المنطلق كانت مناهجه التي نهجها لتلامذته ، وحبّذا لو تمثلناها سيرة ومثلاً ، بعد أن قرأناها عنه علماً ولم نتقنها عملاً ، فلننظر ما هي مناهجه.

____________

(١) الإصابة في ترجمته ، حلية الأولياء ١ / ٣٢٢.

(٢) نفس المصدر.

١٣
١٤

ما هي مناهجه علماً وتعليماً؟

لقد كانت منهجيته في ذلك تتضح من خلال الحالات التالية في مراحل التعليم :

١ ـ كيفية التلقي سماعاً وكتابة.

٢ ـ مادة الدرس ، ومنها التخصص.

٣ ـ متابعة الدرس ، وأهمها المذاكرة.

٤ ـ الترغيب في الطلب.

٥ ـ الترهيب من التطاول والإزدراء والغرور العلمي.

٦ ـ الإختبار.

٧ ـ التخرج مع الشهادات التقريضيّة.

هذه هي النواحي التي يلزمنا معرفتها من مناهجه ، لنتبين منها أنّ بعضها قد سبق فيها ابن عباس العصر الحديث ، كما سيأتي بيان ذلك.

ولنلمّ بكلّ ناحية إلمامة عابرة ولو بشاهد واحد عليها ، إذ استيفاء جميع ما يمتّ إلى ذلك يطول بنا ، فإلى الإلمام بما يقتضيه المقام :

(١) كيفية الإلقاء والتلقي ، سماعاً وكتابة

لقد قرأنا في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى كيفية تلقيه هو ، وقرأنا

١٥

في أوّل هذه الحلقة سنخ ذلك في منابع معارفه ، وهذا ما لا ينبغي أن نعيده ، كما إنّا لا نغفله ، فهو جزء من سيرته العلمية والعملية حين يتحدث هو عنها ، ويسمعها الرواة منه فيتحدثون بها ويتعلمون منها هم أوّلاً ثم السامعون لها ثانياً.

أليس من يروي لنا قوله في فضل طلب العلم : « تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائها » (١). فهو ممن وعاها فضيلة ، وعمل بها فدعا إلى العمل بها.

ولمّا كان تدارس العلم إنّما يكون في المرحلة الثانية من مراحل الطلب ، إذ كيف تكون المدارسة ما لم يحصل قبلها الدرس. إذن فلنقرأ ما جاء عنه قولاً وعملاً في ذلك :

وأوسع ما وقفت عليه هو ما في كتب الخطيب البغدادي ، فقد ذكر الخطيب الغدادي في كتابه « تقييد العلم » جانباً عن ابن عباس في ذلك ، وفي كتابه « الكفاية » أيضاً ، ولم يقصّر في كتابه « الفقيه والمتفقه » في تناول بعض الجوانب ممّا يمت إلى الموضوع بصلة ، وحتى كتابه « الرحلة في طلب الحديث » لم يخل عن ذكر ابن عباس في روايته وإحتياطه في النقل ، وكذلك كتابه « موضح أوهام الجمع والتفريق » ، وكتابه « الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة » ، فضلاً عن

____________

(١) سنن الدارمي ١ / ١٤٩.

١٦

كتابه « تاريخ بغداد » ، لم تخل كلّها من إفادات فيما نحن فيه أخذناها منها. وستكون هي مصادرنا الأولية في موضوعنا ، وقد نذكر بعض كتب الآخرين ممّا يمدّنا بمعلومة جديدة ، أو يؤيد معلومة سابقة. ولا حرج في ذلك.

ولنبدأ بتأديبه لأشهر تلامذته وهو عكرمة البربري الخارجي ـ كما كان هو أعقّهم لمولاه حيث صار يكذب عليه بعد موته ـ ، فقد ذكر الخطيب في كتابه « الفقيه والمتفقه » بسنده عن عكرمة قال : « كان ابن عباس يجعل الكبل في رجلي على تعليم القرآن والفقه ». قال أبو النعمان : على تعليم القرآن والسنة (١).

وذكر الخطيب في كتابه « موضح أوهام الجمع والتفريق » بسنده عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : « حدّث القوم في كلّ جمعة مرّة ، فإن أبيت فمرتين ، فإن أكثرت ـ وقال مرّة أخرى : فإن أبيت ـ فثلاثاً ، ولا تملنّ الناس ، ولا ألفينّك تأتي القوم وهم في حديثهم فتقصّ عليهم فتقطع عليهم حديثهم ، ولكن أنصت ، فإذا أتوك فحدثهم وهم يشتهونه ، وأنظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فانّي عهدت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه يجتنبونه » (٢).

فهذه الإضمامة من النصائح بينّت لنا جانباً مهمّاً عن كيفية التحديث والإلقاء.

____________

(١) الفقيه والمتفقه ١ / ٤٧. وروى ذلك الدارمي في سننه ١ / ١٣٤.

(٢) موضح أوهام الجمع والتفريق ١ / ١٩٨.

١٧

ولنقرأ شيئاً عن أدب التلقي ممّا رواه الخطيب في كتابه « الفقيه » ، قوله : « إذا سأل أحدكم فلينظر كيف يسأل ، فإنّه ليس أحد الاّ وهو أعلم بما سأل عنه من المسؤول » (١) ، وطالما تحدث عن بداية طلبه الحديث بعد موت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ الحديث في ذلك في الحلقة الأولى ، الجزء الأول ، فراجع.

ومنه قول ابن عباس لسعيد بن جبير ـ وهو من الأوفياء لأستاذه ـ قال : « تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم ، فإنّه ليس مثل القرآن مجموع محفوظ ، وانّكم إن لم تذاكروا هذا الحديث ينفلت منكم ، ولا يقولنّ أحدكم حدثتُ أمس فلا أحدّثَ اليوم ، بل حدّث أمس ، ولتحدّث اليوم ، ولتحدّث غداً » (٢).

وقوله الآخر أيضاً رواه سعيد بن جبير ، قال ابن عباس : « ردّوا الحديث واستذكروه فإنّه إن لم تذكروه « كذا والصواب تذاكروه » ذهب ، ولا يقولن رجل لحديث قد حدّثه مرّة ، فانّه من كان سمعه يزداد علماً وتُسمع من لم يسمع » (٣).

ولمّا كان تلامذته مختلفي السنّ والمدارك ، ومتفاوتي الأغراض ، لذلك كلّ وعى ما ساعده التوفيق على وعيه من علم ابن عباس ، أمّا الذين

____________

(١) الفقيه والمتفقه ٢ / ١٨٣.

(٢) سنن الدارمي ١ / ١٤٧.

(٣) نفس المصدر.

١٨

كانت في أخلاقهم زعارة مثل أبي سلمة ، الذي كان يماري كثيراً حتى يزعج أستاذه ابن عباس فقد حرم علماً كثيراً ، وقد ندم بعد ذلك حتى عبّر عن ندمه فقال : « لو رفقت بابن عباس لأصبتُ منه علماً كثيراً » (١). بينما نجد ابن عباس مع غيره من تلامذته الأوفياء كسعيد ابن جبير يسعه خلقه ويوسعه علمه وحلمه ، حتى في السفر في الطريق إلى مكة ، فضلاً عن الحضر ، فقد حدث سعيد وقال : « كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً ، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه » (٢).

ولمّا كان ابن عباس يرى في سعيد بن جبير أهلية التلقي فكان يسمح له بالكتابة مع تحفظه الكثير في ذلك مع الآخرين ، ومن الشواهد على ذلك التحفّظ ، ما رواه الدارمي في سننه بسنده : « عن هارون بن عنترة ، عن أبيه : حدثني ابن عباس بحديث ، فقلت : أكتبه عنك؟ قال : فرخّص لي ولم يكد » (٣).

وإذا رجعنا إلى أسماء تلامذته والرواة عنه ـ وقد مرّت ـ لم نجد فيهم من اسمه عنترة سوى عنترة بن عبد الرحمن الكوفي الشيباني ، وقد مرّ تعريفه ، فراجع. فالرجل كوفيّ سمع من ابن عباس حديثه فأحبّ أن يكتبه فاستأذنه ، فأذن له بعد أن كاد لا يأذن له ، وهذا معنى كلمة « ولم يكد ».

____________

(١) نفس المصدر ١ / ١١١ و ١٣٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٢٨.

(٣) نفس المصدر.

١٩

وقد روى الخطيب في كتاب « الرحلة في طلب الحديث » (١) خبراً آخر عن عنترة هذا عن ابن عباس هو خبر موسى والخضر بصورة طويلة من شاء أن يقرأها فليرجع إلى المصدر.

وقد مرّت بنا ترجمة سعيد بن جبير وفيها مادلّ على مبلغ اعتناء ابن عباس به وقوله « حدّث » ، ومع ذلك فقد نصحه محذّراً له من إقتحام غمرة الفتاوى بغير علم ، قائلاً له : « من أفتى بفتيا يعمى عنها فإنّما اثمها عليه » (٢) ، فنفعت هذه النصيحة سعيداً ، فصار يحتاط من الإدلاء برأيه فيما فيه خلاف ، حتى أنّ الخطيب روى عنه في كتابه الآنف الذكر ، قال : « اختلف أهل الكوفة في هذه الآية : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً) (٣) ، فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها؟ فقال : لقد أنزلت آخر ما نزل ثمّ ما نسخها شيء » (٤).

وروى الخطيب أيضاً في كتابه « الرحلة في طلب الحديث » بسنده : « عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : انّ نوفاً البكالي يزعم أنّ موسى ليس بصاحب الخضر ، إنّما هو موسى آخر؟ فقال ابن عباس : كذب عدو الله ، قال ابن عباس : حدثنا أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « انّ موسى عليه السلام قام في بني اسرائيل خطيباً ، فسُئل أيّ الناس أعلم؟ فقال : « أنا »

____________

(١) الرحلة في طلب الحديث / ١٠٣.

(٢) الفقيه والمتفقه ٢ / ١٥٥.

(٣) النساء / ٩٣.

(٤) الفقيه والمتفقه ٢ / ١٧٧.

٢٠