موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-97-3
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٩٦

فقالت الإمرأة : سألتك بحق محمّد رسول الله ( كلمات مطموسة ) عليك إلاّ أخبرتني بالذي بعث إليك؟

قالت : إنّ رسول الله جعل طلاق نسائه بيد عليّ ، فمن طلّقها عليّ في الدنيا بانت من رسول الله في الآخرة (١).

فقالت لها الإمرأة : أنتِ قد علمتِ مثل هذا وقاتلتيه؟!

قالت : قد كان ما رأيتِ ) (٢).

نص المحاورة في مصادر القرن السابع :

١ ـ ( الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة ) لمحمّد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المشهور بالبُريّ ، قال :

( وقال عبد الله بن عباس : لمّا فرغ عليّ رضي الله عنه من أمر الجمل صعد على ربوة من الأرض وخطب ، فقال : ( يا أنصار المرأة ، وأصحاب البيهمة ، رغا فحننتم ، وانخشر ـ هرب جبناً ـ فانهزمتم ، نزلتم شر بلاد ، أبعدها من السماء ، بها مغيض كلّ ماء ، هي البصرة والبصيرة والمؤتفكة وتدمُر ، أين ابن عباس؟ ).

قال : فدعيت له من كلّ جانب. فلمّا حضرت ، قال لي : ( سر إلى هذه المرأة ـ يعني أم المؤمنين عائشة ـ وقل لها : تسير إلى الموضع الذي أمرها الله أن تقرّ فيه ).

____________________

(١) قارن مناقب آل أبي طالب لابن شهر اشوب ١ / ٣٩٧ ط الحيدرية.

(٢) مصباح الأنوار ( مخطوط ).

٢٤١

قال ابن عباس : فجئتها ، فاستأذنت عليها فلم تأذن لي. فدخلت عليها بغير إذن ، وعمدت إلى وساد كان في البيت فجلست عليه.

فقالت : تالله ما رأيت مثلك يابن عباس! تدخل بيتي وتجلس على وسادي بغير إذني؟

قال : فقلت لها : والله ما هو بيتك إلاّ الذي أمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي. إنّ أميرالمؤمنين يأمرك بالمسير إلى المدينة.

فبكت وقالت : رحم الله أميرالمؤمنين ، ذاك عمر بن الخطاب.

فقلت لها : نعم وهذا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب.

فقالت : أبيت أبيت.

فقلت لها : ما كان إباؤك إلاّ مثل فواق ناقة بكيّة (١) ثمّ صرت لا تحلين ولا تُمرين.

فقالت : نعم أسير ، إنّ أبغض البلاد إليَّ بلد أنتم فيه.

فقلت : والله ما كان هذا جزاؤنا منك ، أن صيّرناك للمؤمنين أمّاً ، وصيّرنا أباكِ لهم صدّيقاً.

فقالت : أتمنّ عليّ برسول الله يابن عباس؟

قلت : بلى والله نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا ) (٢).

____________________

(١) من المضحك ما جاء في الهامش : بكية كثيرة البكاء ، والصحيح غير ذلك بل الناقة البكية التي قلّ لبنها ( قطر المحيط ).

(٢) الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة لمحمّد بن أبي بكر ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ تح ـ د محمّد القوشنجي الاستاذ بجامعة حلب ط دار الرفاعي.

٢٤٢

٢ ـ ( الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية ) لحميد بن أحمد المحلي الشهيد الزيدي المتوفى سنة ٦٥٢ هـ ، قال :

( ولمّا انهزم أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين ابن عباس إلى عائشة ... يأمرها بالانصراف إلى بيتها بالمدينة الذي تركها فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال له : ( قل لها : إنّ الذي يردّها خير من الذي يخرجها ) (١).

٣ ـ ( تذكرة خواص الأئمة ) لسبط ابن الجوزي المتوفى سنة ٦٥٤ :

( قال علماء السير : ثمّ بعث عليّ عليه السلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالمسير إلى المدينة ، فدخل عليها ابن عباس بغير إذن.

فقالت له : أخطأت السنّة دخلت علينا بغير إذن.

فقال لها : لو كنتٍ في البيت الذي خلّفك فيه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما دخلنا عليك بغير إذنكِ ، ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بالمسير إلى البيت الذي أمرك الله بالقرار فيه ، فأبت عليه ، فشدّد عليها ، وقال : هو أمير المؤمنين وقد عرفتيه ) (٢).

٤ ـ ( شرح نهج البلاغة ) :

( بعث عليّ عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة.

قال : فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شيء أجلس عليه ، فتناولت

____________________

(١) الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية / ٣٤ نسخة مخطوطة في مكتبة الإمام كاشف الغطاء بخط المرحوم الحجة والده الشيخ عليّ وفي المطبوعة بصنعاء ١ / ٦٣.

(٢) تذكرة خواص الأئمة لسبط ابن الجوزي / ٤٥ ط حجرية سنة ١٢٨٥ هـ.

٢٤٣

وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها.

فقالت : يا بن عباس أخطأت السنّة ، قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا.

فقلت : ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقرّي فيه ، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلاّ بإذنك ، ثمّ قلت : إنّ أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمركِ بالرحيل إلى المدينة.

فقالت : وأين أمير المؤمنين ذاك عمر.

فقلت : عمر وعليّ.

قالت : أبيت.

قلت : أما والله ما كان إباؤك إلاّ قصير المدة عظيم المشقة ، قليل المنفعة ، ظاهر الشؤم ، بيّن النكد ، وما عسى أن يكون إباؤك؟ والله ما كان أمرك إلاّ كحلب شاة ، حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ولا تأخذين ولا تعطين ، وما كنتِ إلاّ كما قال أخو بني أسد :

ما زال إهداء الصغائر بيننا

نثّ الحديث وكثرة الألقاب

حتى نزلتِ كأن صوتكِ بينهم

في كل نائبة طنين ذباب

قال : فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ، ثمّ قالت : إنّي معجّلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعالى ، والله ما من بلد أبغض إليّ من بلد أنتم فيه.

٢٤٤

قلت : ولم ذاك فوالله لقد جعلناكِ للمؤمنين أمّاً ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً.

قالت : يا بن عباس أتمن عليّ برسول الله؟

قلت : ما لي لا أمُنّ عليك بمن لو كان منك لمننتِ به عليَّ.

ثمّ أتيت عليّاً عليه السلام فأخبرته بقولها وقولي ، فسرّ بذلك ، وقال لي : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١) وفي رواية : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك ) (٢).

نص المحاورة في مصادر القرن التاسع :

١ ـ ( إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم ) لمحمّد بن خلفة الوشتاني الآبي المالكي المتوفى سنة ٨٢٧ هـ أو ٨٢٨ هـ :

( قال ابن عباس : ولمّا انقضى أمر الجمل دخل عليّ البصرة بعد ثلاثة أيام ، ثمّ خطب خطبته الطويلة التي يقول فيها : ( يا أهل السبخة ، يا أهل المؤتفكة ، إئتفكت بأهلها ثلاث مرات في الدهر وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة ، يا أتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعُقر فانهزمتم ، أخلاقكم دقاق ، وأحلامكم رقاق ، ودينكم نفاق ، نزلتم أشرّ بلاد الله وأبعدها من السماء وسُميت بشرّ الأسماء ، هي البصرة والمؤتفكة وتدمر. أين ابن عباس؟ ).

فدعي له من كلّ جانب. فقال : ( إئتِ هذه المرأة فلترجع إلى بيتها الذي أمر الربّ أن تقرّ فيه ).

____________________

(١) آل عمران / ٣٤.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٨١ ـ ٨٢ ط مصر الاُولى.

٢٤٥

قال : فجئت فاستأذنت فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، ومددت يدي إلى وسادة فجلست عليها.

فقالت : يا ابن عباس ما رأيت مثلك تدخل بيتي بغير إذن ، وتجلس على وسادتي بغير إذن.

فقلت : والله ما هو بيتكِ ، وإنّما بيتكِ الذي أمركِ الله أن تقري فيه فلم تفعليّ ، إنّ أمير المؤمنين يأمركِ أن ترجعي إلى بلدكِ الذي خرجتِ منه.

قالت : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر.

قلت : نعم وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قالت : أبيت أبيت.

قلت : ما كان إباؤك إلاّ فواق ناقة ثمّ أبتِ ما تحكمين ولا تأمرين ولا تنهين.

فبكت حتى علا نشيجها ، ثمّ قالت : نرجع ، فإنّ أبغض البلاد إليّ البلاد أنتم فيها.

فقلت : أما والله ما كان جزاؤنا منك أن جعلناكِ أمّ المؤمنين ، وجعلنا أباكِ صدّيقاً لهم.

قالت : أتمنّ عليَّ برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟

قلت : نعم أمنّ عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا.

ثمّ أتيت عليّاً فأخبرته ، فقبّل بين عيني ، وقال : بأبي وأمي ( ذُرِّيَّةً

٢٤٦

بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(١) (٢).

فنادى ابن عباس؟

ماذا قال سعيد الأفغاني في كتابه ( عائشة والسياسة ) في هذا المقام؟

لقد جعل الفصل الخامس من كتابه في آخر أيام عائشة بالبصرة ، وعنونه : ( دخول عائشة البصرة وتجهيزها إلى الحجاز ). ثمّ بدأ ينقل نصوص الطبري في ذلك بانتقاء أحاديث سيف خاصة! وهي لا تخلو من مناقشة سنداً ومتناً ، ثمّ ختم ذلك بقوله : ( وظلت السيدة مدّة إقامتها بالبصرة راضية عن سيرة عليّ ، فقد كانت خطته مع المخالفين خطة إجمال وكفّ ، وتغافل في الجملة ، وخاصة مع السيدة نفسها ، فقد صانها عن كلّ أذى ومكروه ، ورعاها وكمّ الأفواه عن قولة السوء فيها ، واشتد في ذلك على أصحابه حتى أمسكوا ).

وهنا فصل بنجوم ثلاث بين ما مرّ وبين ما يأتي ، وتبدلت اللهجة الجادة إلى هزل أدبي ، وكأنّه كاتب قصصي يصوّر للقارئ بعض مشاهد مسرحياته الخيالية ، ولعلّه أصابه السأم من مرويات الطبري لأحاديث سيف ـ المتهم حتى بالزندقة والكذب (٣) ـ فاستبدل النغم ، فقال يخاطب قارئه :

____________________

(١) آل عمران / ٣٤.

(٢) إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم ٦ / ٢٣٩ ط دار الكتب العلمية بيروت.

(٣) قال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات. قال وقالوا انه كان يضع الحديث. وبقية كلام ابن حبان : اتهم

٢٤٧

( لعلك اشتقت إلى روايات ابن أبي الحديد الطريفة! فقد طال إمساكنا عن أخباره وإضرابنا عن قصصه ، فها نحن أولاء مطلعوكَ على مشهد ممتع وحوار أمتع :

لمّا فرغ عليّ من القتال دعا بآجرتين : فحمد الله وأثنى عليه وخطب في أهل البصرة قائلاً : ( يا أنصار المرأة ، وأصحاب البهيمة! رغا فجئتم ، وعقر فانهزمتم ، نزلتم شر بلاد ، أبعدها عن السماء ... إلخ ).

ثمّ نادى (١) ابن عباس ، فاقبل إليه ، فقال له : ( إئتِ هذه المرأة فمرها أن ترجع إلى بيتها الذي أمرها الله أن تقرّ فيه ) ، ثمّ تمثل :

إني زلَلتُ زلَة فأعتذر

واجمع الأمر الشتيت المنتشر

واجمع الأمر الشتيت المنتشر

قال ابن عباس : فجئت فاستأذنت عليها فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، فمددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها.

فقالت عائشة : تالله ما رأيت مثلك يا بن عباس! تدخل بيتنا بلا إذننا ، وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا؟ ، ( أخطأت السنّة مرتين ).

____________________

بالزندقة وقال البرقاني عن الدار قطني : متروك وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط. تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٦.

(١) هكذا يريد ابن أبي الحديد : نداء وصراخا على رؤوس الأشهاد. تعليقة الأفغاني في كتابه عائشة والسياسة / ١٩٣.

٢٤٨

فقلت : ( نحن علمناكم السنّة ) (١) والله ما هو بيتك ، وما بيتك إلاّ الذي خلّفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به وأمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي. إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجتِ منه.

قالت : رحم الله أمير المؤمنين ، ذاك ابن الخطاب.

قلت : وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قالت : أبيت أبيت.

قلت : ما كان إباؤكِ إلاّ فواق (٢) ناقة ، ثمّ صرت ما تُحلين ولا تمرِين ، ولا تأمرين ولا تنهين ، وما كنت إلاّ كما قال أخو بني أسد :

مـا زال إهـداء الصغـائر بيننا

نثّ الحديث وكثرة الألقاب

حـتى نزلتِ كأن صوتكِ بينهم

في كل نـائبة طنـين ذباب

فبكت حتى علا نشيجها (!!!) ثمّ قالت : نعم أرجع ، فإنّ أبغض البلدان إليّ بلدٌ أنتم فيه.

قالت ( كذا في المطبوع والصواب قلت ) : أما والله ما كان هذا جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أمّاً ، وجعلنا أباكِ لهم صدّيقاً.

قالت : أتمنّ عليَّ برسول الله يا بن عباس؟.

قلت : نعم ، نمنّ عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننتِ به علينا.

____________________

(١) علق الأفغاني في المقام بقوله : هكذا في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٨٢.

(٢) الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت ، لأنها تحلب ثمّ تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ، ثمّ تحلب ـ مختار الصحاح.

٢٤٩

قال ابن عباس : فأتيت عليّاً فأخبرته بما كان ، فقبّل بين عينيّ ، وقال : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ )(١) ، أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك (٢) .. انتهت الرواية.

أمّا الذي لا يمكن أن يقبله امرؤ ذو روية فما رواه المسعودي المؤرخ الحزبي فقد زعم أنّ عائشة قالت لعليّ بعد خطب طويل كان بينهما : ( إنّي أحبّ أن أقيم معك فأسير إلى قتال عدوك عند مسيرك.

فقال عليّ : بل ارجعي إلى البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (٣).

وهذا خبر غير معقول ألبتة ، وهو مخالف منطق الحوادث ، أمن تجييش الجيوش على عليّ ، إلى القتال معه؟ أهكذا إنقلاباً فجائياً من

____________________

(١) آل عمران / ٣٤.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٨٢ ، وانظر العقد الفريد ٣ / ١٠٣ ، واليعقوبي ٢ / ٢١٣ ، ولقد كان هذا الخبر ـ ان صح ـ أجدر أن يوجد في الطبري وأرجّح أنه راج بعده ( مات الطبري سنة ٣١٠ ) ولعله علم به وأهمله لكذبه. ومن أمعن في هذه الأقوال استبعد صدورها عن مثل ابن عباس ، فليس ممّا يرضاه ذوق أن تجابه امرأة مهزومة بمثل هذا فكيف بمثل عائشة مكانة وحرمة. والخبر مصنوع بأداة حزبية عصبية طبقية ، والا فابن عباس أصح عقيدة وأتقى لله من أن ينسب إلى أسرته ما هو من صنع الله ، وكلّ مسلم يعلم : أن زواج عائشة كان بوحي من الله ، وأن صديقية أبي بكر كانت هداية من الله وحده ، لا وساماً تمنحه أسرة. وكلّ ما مرّ بك آنفاً وما سيمرّ بك عاجلاً من معاملة عليّ لعائشة ومخالفيه ... مبعد عن تصديق هذا الخبر الروائي. لقد كان ابن أبي الحديد ( أو صناع بعض أخباره على الأصح ) في كثير ممّا يروى : الصديق الجاهل للإمام كرم الله وجهه. والمشهور من نبل عليّ ودينه وسمو خلقه ... يجعل المنصفين يضربون بكثير من هذه الروايات عرض الحائط. وقريب منه في ذلك ابن عباس. ( تعليقة سعيد الأفغاني بنصها وفصها ).

(٣) مروج الذهب ٢ / ٩ تعليقة سعيد الأفغاني.

٢٥٠

أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بهذه الخفة والسرعة الخاطفة؟!! ألا قليلاً من العقل والرويّة أيّها المؤرخون العصبيون! ).

ثمّ وضع نجومه الثلاث للفاصلة ، وقال : ( ونعود ـ بعد هذه الإستجمامة المسليّة ـ إلى التاريخ الجدّ :

جهز عليّ عائشة بكلّ شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع ... ) (١)

وقفة مع الأفغاني للحساب :

وهنا لابدّ من وقفة عابرة معه لنحاسبه بعد أن استعاد نشاطه في تلك الإستجمامة المسليّة ، فإنّ في كلامه متناً وهامشاً مواقع للنظر! وإلى القارئ بعضاً منها :

أوّلاً : لقد ساق المحاورة موهماً قراءه أنّها نقلاً عن ابن أبي الحديد ، وأكّد ذلك في تعليقه على أوّل جملة منها ( ثمّ نادى ابن عباس ) ، فقال في الهامش ـ كما مرّ ـ : ( هكذا يريد ابن أبي الحديد نداءً وصراخاً على رؤوس الجماهير ) ، وزاد في تأكيده بذكر الجزء والصفحة ( ٢ / ٨٢ )! وهل يشك بعد هذا أحد بأنّه نقلها عن ابن أبي الحديد؟

ونحن لا نعنّي القارئ كثيراً سوى الرجوع إلى ما مرّ من نص المحاورة التي رواها ابن أبي الحديد ، وهي في مدوّنات القرن السابع ، فليقرأها بإمعان فهل يجد فيها جملة ( ثمّ نادى ابن عباس ) كما زعم الأفغاني؟ أو سيجدها تبتديء بجملة : ( بعث عليّ عبد الله بن عباس إلى

____________________

(١) عائشة والسياسة / ١٩٠.

٢٥١

عائشة يأمرها بالرحيل ... ) فلماذا البهتان والتزوير؟!!

وقد يعجب القارئ إذا ما نبّهته إلى إغراق الأفغاني في التعتيم على الواقع حين قال في الهامش بعد ذكر شرح النهج : ( واُنظر العقد الفريد ٣ / ١٠٣ ، واليعقوبي ٢ / ٢١٣ ). وهذا يعني أنّ في المصدرين المذكورَين أيضاً مثل ما سبق نقله عن شرح نهج البلاغة ( ٢ / ٨٢ )! وقد مرّت المحاورة أيضاً نقلاً عنهما معاً وليس فيهما جملة ( ثمّ نادى ابن عباس )!!

نعم ، ورد في نص ( العقد الفريد ) جملة : ( أين ابن عباس ) ، ولعلّه أوّل مصدر ترد فيه هذه الجملة ، ثمّ لم ترد بعد إلاّ في نص ورد عند الآبي المالكي في ( إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم ) ، وهو من مدونات القرن التاسع. واللافت للنظر أن ابن عبد ربه صاحب ( العقد الفريد ) ، والآبي صاحب ( الإكمال ) كلاهما مغربيّان ، وليست لهما أي صلة بحزبية ابن أبي الحديد كما يحلو للأفغاني رميه بذلك على استحياء كما سيأتي.

وقد يزداد القارئ عجباً إذا أخبرته أن ما ذكره الأفغاني من تمثل الإمام عليه السلام بالشعر الرجز فذكر ثلاثة شطور ليس له في أيّ من المصادر التي مرّ ذكرها أيّ أثر!! وقد مرّت جميع نصوص المحاورة في مختلف المصادر عبر القرون وليس فيها ذكر لذلك الرجز ، فمن أين أتى به ودسّه سعيد الأفغاني؟

إنّه أتى به من تاريخ الطبري ، ولو أنّه نقله بأمانة لرفع عنه إصر

٢٥٢

الخيانة ، ولكنه غيّر وبدّل!

والأبيات مذكورة في تاريخ الطبري ، وهي من حديث سيف ، فقد ذكرها في حديث بيعة الإمام عليه السلام بالمدينة ، قال :

( ولمّا فرغ عليّ من خطبته وهو على المنبر قال المصريون :

خذها ... واحذراً أبا حسن

إنا نمرّ الأمر إمرار الرسن

وإنّما الشعر : خذها إليك واحذراً أبا حسن.

فقال عليّ مجيباً :

إنّي عجزت عجزة ما اعتذر

سوف أكيس بعدها واستمرّ

ثمّ قال الطبري : وكتب إليَّ السري عن شعيب عن سيف عن محمّد وطلحة قالا : ولمّا أراد عليّ الذهاب إلى بيته قالت السبيئة :

خذها ... واحذراً أبا حسن

إنا نمرّ الأمر إمرار الرسن

صولة أقوام كأسداد السفن

بمشرفّيات كغدران اللبنَ

ونطعن الملك بلين كالشطن

حتى يُمرّنَ على غير عنَن

فقال عليّ : وذكر تركهم العسكر والكينونة على عِدةَ ما منّوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم ، فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى ... (١)

إنّي عجزت عجزة لا أعتذر

سوف أكيس بعدها واستمر

____________________

(١) هنا نقص في أصول ط ( عن هامش الطبري ٤ / ٤٣٧ ط دار المعارف ).

٢٥٣

ارفع من ذيلي ما كنت أجرّ

وأجمع الأمر الشتيت المنتشر

إن لم يشاغبني العجول المنتصر

أو يتركوني والسلاح يبتدر ) (١)

ثانياً : لقد مرّت بنا تعليقة الأفغاني على جملة ( نحن علّمناكم السنّة ) ، فقال : ( هكذا في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ٢ / ٨٢ ).

وهذا كسابقه محض بهتان لا ظل له من الحقيقة! وقد مرّت المحاورة برواية ابن أبي الحديد فارجع البصر إليها كرّتين من جديد فلا تجد فيها ما نسبه إليه كذباً وزوراً. وهكذا تتكشف أمانة الأفغاني في النقل!

ثمّ إنّ جملة : ( نحن علمناكم السنّة ) لم ترد بهذا اللفظ نصاً في أيّ مصدر من المصادر التي بين يدي وهي أكثر من عشرين مصدراً!

نعم ، إنّ الذي ورد فيها جملة : ( نحن علّمناكِ وأباكِ السنّة ) (٢) ، أو جملة : ( نحن أولى بالسنّة منكِ ، ونحن علّمناك السنّة ) (٣) ، أو جملة : ( نحن علمناكِ السنّة ) (٤). ثمّ لم ترد في بقية المصادر بأيّ صيغة اخرى ، فأين الأمانة يا سعيد الأفغاني؟!

ثالثاً : لقد مرّ بنا تعليقه في نهاية الخبر تشكيكه في صحته ، ورجّح أنّه راج بعد الطبري الذي مات سنة٣١٠ هـ ، ثمّ قال : ( ولعلّه علم به وأهمله

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ط دار المعارف.

(٢) كما في أخبار الدولة العباسية ، راجع رقم٢ من مصادر القرن الثالث.

(٣) كما في رجال الكشي ، راجع رقم ٤ من مصادر القرن الخامس.

(٤) كما في مصباح الأنوار ، راجع رقم ١ من مصادر القرن السادس.

٢٥٤

لكذبه ... ). وهذا لعمري يدلّ على مدى لوذعية الأفغاني وبُعدِ غوره في فهم الأخبار التأريخية (؟) فما دام لم يذكره الطبري فهو بترجيحه راج الخبر من بعده ، أو لعلّه علم به وأهمله لكذبه ...

أيّ ميزان هذا؟! فإنّ الطبري رجل جمّاع أخبار وليس بصَنّاع ، وهو يعترف في مواضع من تاريخه بأنّه قد لا يذكر من الحقائق التاريخية لعلّة هناك ، وقد يذكر العلّة أحياناً وقد لا يذكرها!

وقد مرّت بالقارئ بعض تلك الموارد في خصوص الفترة من زمن عثمان إلى خلافة الإمام عليه السلام ، لنقرأ تصريحات خطيرة للطبري ، وهي تعني ضياع الكثير من الحقائق التاريخية ، ولا نترك الأفغاني دون أن ننبّه على حبّه الشديد لأمّه ، فهو المدافع العنيد.

قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( حبّك الشيء يعمي ويصم )

حديث نبوي شريف أخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن حجر ، وابن كثير ، والقرطبي ، وآخرون غيرهم (١).

وقد وجدت الغلوّ في الحبّ يشتطّ بصاحبه حتى يخرج به عن الجادة إلى مهاوي سحيقة في الضلالة ، ولا شك أنّ العدوّ القالي كذلك على حدّ المحبّ الغالي في سوء العاقبة ، وتبقى الفضيلة وسطاً بين الرذيلتين الإفراط والتفريط.

لماذا هذه البداية؟ إنّها إثارة قراءة فاحصة في كتاب ( الإجابة فيما

____________________

(١) أنظر موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٤ / ٥٢٣ ط عالم التراث بيروت.

٢٥٥

استدركته عائشة على الصحابة ) تأليف الإمام بدر الدين الزركشي ، عُني بتحقيقه ووضع مقدمته وتعاليقه وفهارسه سعيد الأفغاني ، وله حقوق الطبع ، طبع بالمطبعة الهاشمية بدمشق ١٣٥٨ هـ ١٩٣٩ م ( هكذا كتب على ظهر الكتاب ).

ولقد وجدت المؤلف جعل كتابه في ثلاثة أبواب :

الباب الأوّل في ترجمتها وخصائصها ، وهذا في فصلين.

١ ـ الفصل ـ ١ ـ في ذكر شيء من حالها.

٢ ـ الفصل ـ ٢ ـ في خصائصها الأربعين.

الباب الثاني في استداركاتها على أعلام الصحابة.

وهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبو هريرة ، ومروان بن الحكم ، وأبو سعيد الخدري ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، والبراء ابن عازب ، وعبد الله بن الزبير ، وعروة بن الزبير ، وجابر بن عبد الله ، وأبو طلحة ، وأبو الدرداء ، وابن عون ، وأخوها عبد الرحمن ، وفاطمة بنت قيس ، وأخيراً استدراكاتها على أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

أمّا الباب الثالث في الإستدراكات العامة ، وقد ذيل المؤلف بموارد أخرى.

وقد أغرق نزعاً في لملمة الهشيم والحطيم والرميم ، ليبني منها هيكلاً تقف على ذراه أم المؤمنين عائشة.

٢٥٦

وأمّا المحقق فلم يكن دونه في التفاني في حبّ السيدة أم المؤمنين.

ولمّا كان ابن عباس ممن جاء اسمه في قائمة الرجال الذين استدركت عليهم عائشة ، فلابد لي وأنا بعدُ في حلبتيهما الحوارية من عرض ما عند الزركشي ، لنزركش ما مرّ من المحاورات بما قاله الزركشي في ( ص ٩٥ ـ ١١١ ).

إستدراكها على عبد الله بن عباس

( الحديث الأوّل ) أخرج البخاري ومسلم كلاهما من طريق عمرة بنت عبد الرحمن : أنّ زياد بن أبي سفيان كتب إلي عائشة : ( إنّ عبد الله بن عباس قال : ( من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي ). وقد بعثت بهديي فاكتبي لي بأمرك ).

قالت عمرة : قالت عائشة : ( ليس كما قال ابن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ، ثم قلّدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده ، ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي ). وترجم عليه البخاري باب من قلد القلائد بيده ) ولم يذكر فيه ( وقد بعثت بهديي فاكتبي إليّ بأمرك ).

قال الحافظ أبو الحجاج المياسي ومن خطه نقلت : ( هكذا وقع في كتاب مسلم ( أنّ ابن زياد ) ووقع في جميع الموطآت : ( أنّ زياد بن أبي سفيان ) كما وقع في البخاري ).

وأخرج البيهقي في سننه عن شعيب ، قال : قال الزهري : أوّل من كشف

٢٥٧

العُمّى عن الناس وبيّن لهم السنة في ذلك عائشة رضي الله عنها : فأخبرني عروة وعمرة أنّ عائشة قالت : ( إنّي كنت لأفتل قلائد هدي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيبعث بهديه مقلداً وهو مقيم بالمدينة ، ثم لا يجتنب شيئاً حتى ينحر هديه ) ، فلمّا بلغ الناس قول عائشة هذا أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس.

قال البيهقي : وروى في هذا المعنى مسروق والأسود عن عائشة.

فإن قيل : فقد روي عن جابر خلاف ذلك.

قال الطحاوى في ( معاني الآثار ) : ثنا ربيع المؤذن ، ثنا أسد بن موسى ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن عطاء بن (١) أبي لبيبة ، عن عبد الملك بن جابر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنت عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جالساً فقدّ قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه ، فنظر القوم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( إنّي أَمرت ببُدني التي بعثت بها أن تقلّد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا ، فلبست قميصي ونسيت ، فلم أكن لأخرج قميصي من ورائي ). وكان بعث ببُدنه وأقام بالمدينة.

فالجواب : أنّ هذا حديث ضعيف لا يقاوم هذا الصحيح ، قال البخاري : ( عبد الرحمن بن عطاء فيه نظر ) ، وقال الطحاوي : ( قد تواترت الآثار عن عائشة بما لم تتواتر عن غيرها بما يخالف حديث جابر ، وحديث عائشة إسناده صحيح بلا خلاف بين أهل العلم ، ومعه النظر والمعنى ).

____________________

(١) في تهذيب التهذيب : أنه : ابن بنت أبي لبيبة.

٢٥٨

قلت : وممّا يضعف حديث جابر وحديث يعلي بن مرّة : أنّ (١) النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر صاحب الجبة إلاّ بنزعها. وروى الطحاوي ، عن يونس : ثنا ابن وهب : أَنّ مالكاً حدثه ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إِبراهيم التيمي ، عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَيْر : أَنّه رأى رجلاً متجرداً بالعراق ، قال : سأَلت الناس عنه؟ فقالوا : ( أََمر بهديه أَن يقلد فلذلك تجرد ) ، قال ربيعة : فلقيت عبد الله بن الزبير ، فقال : ( بدعة ورب الكعبة ) ، قال : ولا يجوز عندنا أن يكون ابن الزبير يحلف على ذلك أَنّه بدعة إِلاّ وقد علم السنة خلاف ذلك.

( الحديث الثاني ) أَخرج مسلم ، عن ابن جريج أَخبرني عطاء ، قال : كان ابن عباس يقول : ( لا يطوف بالبيت حاج ولا عن حاج إلاّ حلّ ) ، فقلت لعطاء : ( من أين تقول ذلك؟ ) ، قال : من قوله : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ )(٢) ، قلت : ( فإنّ ذلك بعد الوقوف ). قال : كان ابن عباس يقول : ( من بعد الوقوف وقبله ) ، وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه حين أَمرهم أَن يحلّوا من حجة الوداع.

قال البيهقي قد قررنا : إِن صح الحج كان خاصاً بهم فلا يقوي الإستدلال ، وقد أَنكرت عائشة ذلك وحكت فعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، أَخرجاه في الصحيحين عن عروة عن عائشة ، وأَنكره عليه ابن عمر أَيضاً. أخرجه مسلم عن وبرة ، قال : كنت جالساً عند ابن عمر فجاءه رجل فقال : ( أَيصلح أَن

____________________

(١) في الأصل : فأن.

(٢) الحج / ٣٣.

٢٥٩

أطوف بالبيت قبل أن آتي (١) الموقف )؟ فقال : [نعم] ، قال : فإِنّ ابن عباس يقول : ( لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف ) ، فقال ابن عمر : ( قد حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف ، فبقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن تأخذ أو بقول ابن عباس إِن كنت صادقاً ).

( الحديث الثالث ) أَخرجه البيهقي في سننه من جهة عبد الله بن الوليد العدني : ثنا سفيان ، عن جابر الجعفي ، عن أبي الضحى : أنّ عبد الملك أو غيره بعث إِلى عبد الله بن عباس الأطباء على البرد وقد وقع الماء في عينيه ، فقالوا : ( تصلي سبعة أيام مستلقياً ) ، فسأل أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه.

قال الذهبي في مختصره : ( الجعفي ليس بشيء وابن عباس (٢) كرهه تورعاً ، والتداوي مشروع ).

وقال صاحب ( الدر النقي ) : في ذكر عبد الملك هنا نظر ، لأنّه ولي الخلافة سنة خمس وستين ، وكانت وفاة عائشة وأم سلمة قبل ذلك بسنين ، اللهم إِلاّ أن يحمل على أن عبد الملك أرسلهم إِليه قبل خلافته وفيه بُعد ، إذ لا يعلم لعبد الملك في زمن عائشة وأم سلمة ولاية تقتضي الإِرسال على البُرد ، قال : ( والعدني متكلم فيه ) ، قال أَحمد : لم يكن صاحب حديث وكان ربما أخطأ في الأسماء ولا يحتج به. وقال ابن معين : لا

____________________

(١) في الأصل : آت.

(٢) في الأصل : فكرهه.

٢٦٠