موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٩

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-97-3
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٤٩٦

رجل من أسرتي وأهل بيتي ومن مصاص عبد مناف ، وأمّا الثالثة فإنّ أبي كان خلاً لأبيك ، وأمّا الرابعة فإنّك لسان قريش وزعيمها وفقيهها.

وأمّا الأربع التي غفرت لك : فعدوك عليَّ بصفين فيمن عدا ، واساءتك في خذلان عثمان فيمن أساء ، وسعيك على عائشة أم المؤمنين فيمن سعى ، ونفيك عني زياداً فيمن نفى. فضربت أنف هذا الأمر عينه حتى استخرجت عذرك من كتاب الله عزوجل وقول الشعراء.

وأمّا ما وافق كتاب الله عزوجل فقوله : ( خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً )(١).

وأمّا ما قالت الشعراء. فقول أخي بني ذبيان :

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

فأعلم أني قد قبلت فيك الأربع الأولى وغفرت لك الأربع الأخرى ، وكنت في ذلك كما قال الأوّل :

سأقبل ممن قد أحب جميله

وأغفر ما قد كان من غير ذلكا

ثم أنصت.

فتكلم ابن عباس ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا ما ذكرت أنّك تحبّني لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فذلك الواجب عليك وعلى كلّ مسلم آمن بالله ورسوله ، لأنّه الأجر الذي سألكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما آتاكم به من الضياء والبرهان المبين ، فقال عزّ وجلّ : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا

____________________

(١) التوبة / ١٠٢.

٣٦١

الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )(١) ، فمن لم يجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما سأله ، خاب وخزي وكبا في جهنم.

وأمّا ما ذكرت أنّي رجل من أسرتك وأهل بيتك ، فذلك كذلك ، وإنّما أردت به صلة الرحم ، ولعمري إنّك اليوم وصول ممّا قد كان ( مع ما كان ) منك ممّا ( فيما ) لا تثريب عليك فيه اليوم.

وأمّا قولك إنّ أبي كان خلاً لأبيك ، فقد كان كذلك ، وقد علمت ما كان من أبي إليه يوم فتح مكة وكان شاكراً كريماً ، وقد سبق فيه قول الأوّل :

سأحفظ من آخى أبي في حياته

وأحفظه من بعده في الأقارب

ولست لمن لا يحفظ العهد وامقاً

ولا هو عند النائبات بصاحبي

وأمّا ما ذكرت أنّي لسان قريش وزعيمها وفقيهها ، فإنّي لم أعط من ذلك شيئاً إلاّ وقد أوتيته ، غير أنّك قد أبيت بشرفك وكرمك إلاّ أن تفضلني ، وقد سبق في ذلك قول الأوّل :

وكلّ كريم للكرام مفضل

يراه له أهلاً وإن كان فاضلا

وأمّا ما ذكرتَ من عدوي عليك بصفين ، فوالله لو لم أفعل ذلك لكنت من الأم العالمين ، أكانت نفسك تحدثك يا معاوية أنّي كنت أخذل سيدي وابن عمي أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وقد حشد له المهاجرون والأنصار

____________________

(١) الانبياء / ١٠٧.

٣٦٢

والمصطفون الأخيار ، ولِمَ يا معاوية أشكاً في ديني ؛ أم جبناً ( حيرة ) في سجيتي؟ أم ضناً بنفسي؟ والله أن لو فعلت ذلك لأختبأته فيّ وعاتبتني عليه.

وأمّا ما ذكرت من خذلان عثمان ، فقد خذله مَن كان أمسّ رحماً به مني وأبعد رحماً مني ، ولي في الأقربين والأبعدين أسوة ، وإنّي لم أعد عليه فيمن عدا بل كففتُ عنه كما كفّ أهل المروآت والحجى.

وأمّا ما ذكرت من سعيي على عائشة ، فإنّ الله تبارك وتعالى أمرها أن تقرّ في بيتها وتحتجب بسترها ، فلمّا كشفت جلباب الحياء ( عصت ربها ) وخالفت نبيّها صلى الله عليه وآله وسلم وسعنا ما كان منا إليها.

وأمّا ما ذكرت من نفيي زياداً ، فإنّي لم أنفه ، بل نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وإنّي من بعد هذا لأحبّ ما يسرك في جميع أمورك (١).

فتكلم عمرو بن العاص ، فقال : يا أمير المؤمنين والله ما أحبّك ساعة قط ، غير أنّه أعطي لساناً ذرباً يقلبّه كيف شاء ، وإن مثلك ومثله كما قال الأوّل .. وذكر بيت شعر.

____________________

(١) روى الطيالسي في مسنده / ٣٠٠ ط حيدر آباد بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أدعي إلى غير أبيه فلن يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة سبعين عاماً ، فلما رأى ذلك جنادة بن أبي أمية وكان معاوية أراد أن يدعيه ، قال جنادة : إنما أنا سهم من كنانتك فارم بي حيث شئت.

ومن هذا يعلم أن نسب جنادة كنسب زياد ، لذلك أراد معاوية أن يدعيه ، ويعلم أيضاً أن الجميع لا يريحون ريح الجنة ، ولتسخن أعين النواصب الكواذب حين يروون هذا ويروون ما يناقضه.

٣٦٣

فقال ابن عباس : إنّ عمرواً داخل بين العظم واللحم ، والعصا واللحا ، وقد تكلم فليستمع ، فقد وافق قرناً. أما والله يا عمرو ، إنّي لأبغضك في الله وما أعتذر منه ، إنّك قمت خطيباً فقلت أنا شانئ محمد فأنزل الله عزّوجلّ : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ )(١) ، فأنت أبتر الدين والدنيا ، وأنت شانئ محمد في الجاهلية والإسلام ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )(٢) ، وقد حاددتَ الله ورسوله قديماً وحديثاً ، ولقد جهدت على رسول الله جهدك ، وأجلبت عليه بخيلك ورجلك ، حتى إذا غلبك الله على أمرك وردّ كيدك في نحرك وأوهن قوتك ، وأكذب أحدوثتك ، نزعت وأنت حسير ، ثم كدت بجهدك لعداوة أهل بيت نبيّه من بعده ، ليس بك في ذلك حبّ معاوية ولا آل معاوية ، إلاّ العداوة لله عزّوجلّ ولرسوله مع بغضك وحسدك القديم لأبناء عبد مناف ، ومثلك في ذلك كما قال الأوّل :

تعرض لي عمرو وعمرو خزاية

تعرض ضبع القفر للأسد الورد

فما هو لي ندٌّ فأشتم عرضه

ولا هو لي عبدٌ فأبطش بالعبد

فتكلم عمرو بن العاص ، فقطع عليه معاوية.

وقال : أما والله ياعمرو ما أنت من رجاله فإن شئت فقل وإن شئت فدع. فأغتنمها عمرو وسكت.

____________________

(١) الكوثر / ٣.

(٢) المجادلة / ٢١.

٣٦٤

فقال ابن عباس : دعه يا معاوية فوالله لأسمّنه بميسم يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة تتحدث به الإماء والعبيد ، ويتغنى به في المجالس ويتحدث به في المحافل.

ثم قال ابن عباس : ياعمرو وابتدأ في الكلام.

فمدّ معاوية يده فوضعها على فيّ ابن عباس ، وقال له : أقسمت عليك يابن عباس إلاّ أمسكت ، وكره أن يسمع أهل الشام ما يقول ابن عباس.

وكان آخر كلامه : أخسأ أيّها العبد وأنت مذموم. وافترقوا ) (١).

( المحاورة السابعة )

( ما تكشف الأيام منك إلا عن سيف صقيل )

روى المدائني ، قال :

( وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرّة ، فقال معاوية لابنه يزيد ، ولزياد بن سمية ، وعتبة بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن أم الحكم :

____________________

(١) الخصال للشيخ الصدوق / ١٩٢ ـ ١٩٣ ط الحيدرية بتقديمي ، بحار الأنوار ١٠ / ١٢٩ ط تبريز حجرية.

وذكر ما جرى بين ابن عباس ومعاوية من محاورة صاحب مختصر تاريخ الخلفاء ( طبع موسكو ١٩٦٧ من ورقة ٢٤٠ بـ إلى ورقة ٢٤١ ) وقال : ( وإنما أوردنا هذه الحكاية على وجهها لأن فيها مسائل يقع الشك فيها لكل من تأملها ويشتهى المخرج منها والمظنون أن من جعل عبد الله بن العباس قدوة في ذلك مع علمه وقرباه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكونه في الفتن واختياره لنفسه ، وسار بسيرته وحكم بمثل حكمه كان من الفائزين ) ..

٣٦٥

إنّه قد طال العهد بعبد الله بن عباس ما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمه ، ولقد كان نَصَبه للتحكيم فدُفع عنه ، فحركّوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته ، ونقف على كنه معرفته ، ونعرف ما صُرف عنّا من شبا حدّه ، ووُري عَنا من دهاء رأيه ، فربّما وصف المرء بغير ما هو فيه وأعطي من النعت والإسم ما لا يستحقه.

ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس ، فلمّا دخل عليه وأستقرّ به المجلس ، ابتدأه عتبة بن أبي سفيان ، فقال : يا ابن عباس ما منع عليّاً أن يوجّه بك حَكَمَاً؟

فقال : أما والله لو فعل لقرن عمرواً بصعبة من الإبل ، يوجع كتفيه مراسها ، ولأذهلت عقله وأجرضته بريقه ، وقدحت في سويداء قلبه ، فلم يبرم أمراً ولم ينفض تراباً ، إلاّ كنت منه بمرأى ومسمع ، فإن نكثه أرمت قواه ، وإن أرمّه فصمت عراه ، بغرب مقولٍ لا يفل حدّه ، وأصالة رأي كمتاح الأجل ، لا وزر منه ، أصدع به أديمه ، وأفلّ به شبا حدّه ، وأشحذ به عزائم المتقين ، وأزيح به شُبه الشاكين.

فقال عمرو بن العاص : هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم أوّل الشر ، وأفول آخر الخير ، وفي حسمه قطع مادته ، فبادره بالحملة وأنتهز منه الفرصة ، وأردع بالتنكيل به غيره ، وشرّد به مَن خلفه.

فقال ابن عباس : يا ابن النابغة ضلّ والله عقلك ، وسفه حلمك ، ونطق الشيطان على لسانك. هلاّ توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت نزال ،

٣٦٦

وتكافح الأبطال ، وكثرت الجراح ، وتقصفت الرماح ، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولاً ، فانكفأ نحوك بالسيف حاملاً ، فلمّا رأيت الكواثر من الموت ، أعددت حيلة السلامة قبل لقائه ، والإنكفاء عنه بعد أجابة دعائه ، فمنحته رجاء النجاة عورتك ، وكشفت له خوف بأسه سوأتك ، حذراً أن يصطلمك بسطوته ، أو يلتهمك بحملته ، ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته وحسّنت له التعرض لمكافحته ، رجاء أن تُكفى مؤنته ، وتعدم صورته ، فعلم غلّ صدرك وما أنحنت عليه من النفاق أضلعك ، وعرف مقر سهمك في غرضك ، فأكفف غرب لسانك ، وأقمع عوراء لفظك ، فإنّك بين أسد خادر وبحرٍ زاخر ، إن تبرّزت للأسد أفترسك ، وإن عمت في البحر قمسك.

فقال مروان بن الحكم : يا ابن عباس إنّك لتصرّف بنابك ، وتوري نارك ، كأنّك ترجو الغلبة ، وتؤمّل العافية ، ولو لا حلم أمير المؤمنين عنك ، لتناولكم بأقصر أنامله ، فأوردكم منهلاً بعيداً صدرهُ ، ولعمري لئن سطا بكم ليأخذنّ بعض حقه منكم ، ولئن عفا عنكم جرائركم ، فقديماً ما نُسب إلى ذلك.

فقال ابن عباس : وإنّك لتقول يا عدو الله وطريد رسول الله ، والمباح دمه ، والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أثباجه ، أما والله لو طلب معاوية ثاره لأخذك به ، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوّله وآخره. وأمّا قولك لي إنّك لتصرّف بنابك وتوري نارك ،

٣٦٧

فسل معاوية وعمراً يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات ، واستخفافنا بالمعضلات ، وصدق جلادنا عند المصاولة ، وصبرنا على اللأواء والمطاولة ، ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة ، ومباشرتنا بنحورنا حدّ الأسنة ، هل خمنا عن كرائم تلك المواقف ، أم لم نبذل مهجنا للمتالف ، وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود ، ولا يوم مشهود ، ولا أثر معدود. وإنّهما شهدا ما لو شهدت لأقلقك ، فاربع على ظلعك ، ولا تتعرض لما ليس لك ، فإنّك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل ولا يرقى بيد.

فقال زياد : يا ابن عباس إنّي لأعلم ما منع حسناً وحسيناً من الوفود معك على أمير المؤمنين ، إلاّ ما سولّت لهما أنفسهما ، وغرّهما به مَن هو عند البأساء يسلمهما ، وأيم الله لو وليتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما ، ولقلّ بمكانهما لبثهما.

فقال ابن عباس : إذن والله يقصر دونهما باعك ، ويضيق بهما ذراعك ، ولو رمتَ ذلك لوجدتَ من دونهما فئة صدقاً صبراً على البلاء ، لا يخيمون عن اللقاء ، فلعركوك بكلاكلهم ، ووطؤك بمناسمهم ، وأوجروك مشق رماحهم ، وشفار سيوفهم ، ووخز أسنتهم ، حتى تشهد بسوء ما أتيت ، وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت ، فحذار حذار من سوء النية ، فإنّها ترد الأمنية ، وتكون سبباً لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما ، وسعياً في إختلافهما بعد أئتلافهما ، حيث لا يضرّهما إبساسك ، ولا يغني عنهما إيناسك.

٣٦٨

فقال عبد الرحمن بن أم الحكم : لله در ابن ملجم فقد بلغ الأمل وآمن الوجل ، وأحدّ الشفرة وألان المهرة ، وأدرك الثار ، ونفى العار ، وفاز بالمنزلة العليا ، ورقى الدرجة القصوى.

فقال ابن عباس : أما والله لقد كرع كأس حتفه بيده ، وعجّل الله إلى النار بروحه ، ولو أبدى لأمير المؤمنين صفحته ، لخالطه الفحل القطم (١) ، والسيف الخذم (٢) ، ولألعقه صاباً وسقاه سماماً ، وألحقه بالوليد وعتبة وحنظلة ، فكلّهم كان أشدّ منه شكيمة وأمضى عزيمة ، ففرى بالسيف هامهم ، ورملهمّ بدمائهم ، وقرى الذياب أشلاءهم ، وفرّق بينهم وبين أحبائهم ، أولئك حَصُب جهنم هم لها واردون ، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ، ولا غرو أن ختل ، ولا وصم إن قتل ، فأنّا لكما ، قال دريد بن الصمة :

فإنّا للحم السيف غير مكرّه

ونلحمه طوراً وليس بذى نكر

يغار علينا واترين فيشتفى

بنا إن أصبنا أو نغير على وتر

فقال المغيرة بن شعبة : أما والله لقد أشرت على عليّ بالنصيحة فآثر رأيه ، ومضى على غلوائه ، فكانت العاقبة عليه لا له ، وإنّي لأحسب أنّ خَلفَه يقتدون بمنهجه.

فقال ابن عباس : كان والله أمير المؤمنين عليه السلام أعلم بوجوه الرأي ،

____________________

(١) قطِم الفحل ، بالكسر أي اهتاج وأراد الضراب ( الصحاح ـ قطم ).

(٢) السيف الخذم ، القاطع ( الصحاح ـ خذم ).

٣٦٩

ومعاقد الحزم ، وتصريف الأمور ، من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنف عليه ، قال سبحانه : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )(١). إلى آخر الآية ، ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوة ، قوله تعالى : ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً )(٢) ، وهل كان يسوغ له أن يحكّم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين مَن ليس بمأمون عنده ، ولا موثوق به في نفسه ، هيهات هيهات هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله ، أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتقية ، لات حين تقية ، مع وضوح الحق وثبوت الجنان ، وكثرة الأنصار ، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله ، مؤثراً لطاعة ربّه ، والتقوى على آراء أهل الدنيا.

فقال يزيد بن معاوية : يا ابن عباس إنّك لتنطق بلسان طلق ، تنبئ عن مكنون قلب حرق ، فاطو ما أنت عليه كشحاً ، فقد محا ضوء حقنا ظلمةَ باطلكم.

فقال ابن عباس : مهلا يزيد ، فو الله ما صفت القلوب لكم منذ تكدّرت بالعداوة عليكم ، ولا دنت بالمحبّة إليكم مذ نأت بالبغضاء عنكم ، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت الأمس من أفعالكم ، وإن تدلّ الأيام نستقضي ما شذّ عنّا ، ونسترجع ما ابتزّ منّا ، كيلاً بكيل ووزناً بوزن ، وإن تكن الأخرى فكفى بالله وليّاً لنا ، ووكيلاً على المعتدين علينا.

____________________

(١) المجادلة / ٢٢.

(٢) الكهف / ٥١.

٣٧٠

فقال معاوية : إنّ في نفسي منكم لحزازاتُ يا بني هاشمٌ ، وإنّي لخليق أن أدرك فيكم الثأر ، وأنفي العار ، فإنّ دماءنا قبلكم ، وظلامتنا فيكم.

فقال ابن عباس : والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أُسداً مخدّرة ، وأفاعي مطرّقة ، لا يفثؤها كثرة السلاح ، ولا تعضها نكاية الجراح ، يضعون أسيافهم على عواتقهم ، يضربون قدماً قدماً من ناواهم ، يهون عليهم نباح الكلاب ، وعواء الذّئاب ، لا يفاتون بوتر ، ولا يسبقون إلى كريم ذكر ، قد وطّنوا على الموت أنفسهم ، وسمت بهم إلى العلياء هممهم ، كما قالت الأزدية.

قوم إذا شهدوا الهياج فلا

ضرب ينهنههم ولا زجر

وكأنّهم آساد غيلة قد

غرثت وبلّ متونها القطر

فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك ، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك ، ولولا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم ، وبذلوا دونك مهجهم ، حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار ، رفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها ، لكنت شلواً مطروحاً بالعراء ، تسفي عليك رياحها ، ويعتورك ذبابها ، وما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك ، ولا أزالتك عن معقود نيتك ، لكن الرحم التي تعطف عليك ، والأواصر التي توجب صرف النصيحة إليك.

فقال معاوية : لله درك يا ابن عباس ، ما تكشف الأيام منك إلاّ عن سيف صقيل ، ورأي أصيل ، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم ،

٣٧١

ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قدكثرهم.

ثم نهض. فقام ابن عباس وأنصرف ) (١).

( المحاورة الثامنة )

( إنّما المعيب من يطلب ما ليس له )

( أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم ، فقال : يا بني هاشم ألا تحدثوني عن إدعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم؟ أبالرضا بكم؟ أم بالإجتماع عليكم دون القرابة؟ أم بالقرابة دون الجماعة؟ أم بهما جميعاً؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقاً ولا أسسّت ملكاً ، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا ، فما منع العباس عم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بن عبد مناف ، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً ، فإنّ القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها ، وأنتم تدّعون بها وحدها. ولكنّا نقول أحق قريش بها من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليها ، ونقلوا أقدامهم إليه للرغبة ، وطارت إليه أهواؤهم للثقة ، وقاتل عنها ( عليها ـ خ ل ـ ) بحقها فأدركها من وجهها ، إنّ أمركم لأمر تضيق به الصدور إذا سئلتم عمن إجتمع عليه من غيركم ، قلتم حق ، فإن كانوا اجتمعوا على حق فقد أخرجكم الحق من

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ / ٢٩٥.

٣٧٢

دعواكم ، أنظروا فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم ، وإن كانوا أخذوا حقهم فسلّموا إليهم ، فإنّه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. ثم سكت.

فالتفت إليه حبر الأمة ابن عباس لسان قريش وترجمان القرآن قائلاً : ندّعي هذا الأمر بحق مَن لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا ، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ، ويجتمعوا علينا حقاً ضيّعوه وحظاً حرموه ، وقد إجتمعوا على ذي فضل لم يخطئ الورد والصدر ، ولا ينقص فضل ذي فضل فضل غيره عليه ، قال الله عزوجل : ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )(١).

فأمّا الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ، ودِنّا بتأويله ، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه ، ولا يعاب أحد على ترك حقه ( إنّما المعيب من يطلب ما ليس له ).

وكلّ صواب نافع وليس كلّ خطأ ضاراً. انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهمها داود وفُهِمّها سليمان ولم يضّر داود.

فأمّا القرابة فقد نفعتْ المشرك وهي للمؤمن أنفع. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنت عمي ـ العباس ـ وصنو أبي ، ومن أبغض العباس فقد أبغضني ، وهجرتك آخر الهجرة ، كما أن نبؤتي آخر النبوة ) ، وقال لأبي طالب عند موته : ( يا عم قل لا إله إلاّ الله أشفع لك بها غداً ، وليس ذاك لأحد من

____________________

(١) هود / ٤.

٣٧٣

الناس ) ، قال الله تعالى : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(١) (٢).

( المحاورة التاسعة )

( أرحني من شخصك شهراً )

روى الجاحظ في ( المحاسن والأضداد ) ، والبيهقي في ( المحاسن والمساوئ ) وهذا لفظه ، قال :

( وروي عن ابن عباس أنّه قال : قدمت على معاوية وقد قعد على سريره وجمع أصحابه ، ووفود العرب عنده ، فدخلت فسلمتُ وقعدت.

فقال : مَن الناس يا بن عباس؟

فقلت : نحن.

قال : فإذا غبتم؟

قلت : فلا أحد.

____________________

(١) النساء / ١٨.

(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ / ٥ ط دار الكتب ، ولم أقف فعلاً على المحاورة في مصدر آخر يوثق به ، ولما كان ابن قتيبة متهما بالنصب ففي النفس ـ ريب من صحة جميع ما ذكر في نفع القرابة بقول ابن عباس : ( فقد نفعت المشرك وهي للمومن أنفع ) وما ذكره من قول النبي لعميه العباس وأبي طالب هو مبعث الشك في صحة المروي ، وذلك أن ابن عباس هو ممن يدافع عن إيمان أبي طالب عليه السلام وكان أبوه قبله يشهد بذلك. فكيف يعقل ويقبل ما ذكره ابن قتيبة في المقام ، ولعله ممّا تزيّده الرواة فصادف هوىً في نفس ابن قتيبة والله أعلم.

٣٧٤

قال : ترى أني قعدتَ هذا المقعد بكم؟

قلت : نعم ، فبمن قعدت؟

قال : بمن كان مثل حرب بن أمية.

قلت : بل بمن أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه.

قال : فغضب ، وقال : وار شخصك عنّي شهراً ، فقد أمرت لك بصلتك وأضعفتها لك.

فلما خرج ابن عباس قال لخاصته : ألا تسألوني ما الذي أغضب معاوية؟ إنّه لم يلتق أحد من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق مع حرب إلاّ لم يتقدمه أحد حتى يجوزه ، فالتقى حرب بن أمية مع رجل من بني تميم في عقبة فتقدّمه التميمي ، فقال حرب : أنا حرب بن أمية ، فلم يلتفت إليه وجاز ، فقال : موعدك مكة ، فبقي التميمي يهزأ دهراً ثم أراد دخول مكة ، فقال : من يجيرني من حرب بن أمية؟ فقالوا : عبد المطلب ، قال : عبد المطلب أجل قدراً دهراً من أن يجير على حرب ، فأتى ليلاً دار الزبير بن عبد المطلب ، فدّق عليه ، فقال الزبير لعبده : قد جاءنا رجل إمّا طالب حاجة ، وإمّا طالب قرى ، وإمّا مستجير ، وقد أعطيناه ما أراد ، قال : فخرج إليه الزبير ، فقال :

لاقيت حرباً في الثنية مقبلاً

والصبح أبلج ضوءه للساري

فدعا بصوت وأكتنى ليرو عني

ودعا بدعوته يريد فخاري

فتركته كالكلب ينبح وحده

وأتيت أهل معالم وبخار

٣٧٥

ليثا هزبراً يستجار بقربه

رحبّ المباءة مكرما للجار

ولقد حلفت بزمزمٍ وبمكةٍ

والبيت ذي الأحجار والأستار

إنّ الزبير لما نعي من خوفه

ما كبّر الحُجّاج في الأمصار

فقال : تقدم فإنّا لا نتقدم من نجيره ، فتقدم التميمي ، فدخل المسجد فرآه حرب ، فقام إليه فلطمه فحمل عليه الزبير بالسيف ، فعدا حتى دخل دار عبد المطلب ، فقال : أجرني من الزبير ، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس ، فبقي هناك ساعة ، ثم قال له : أخرج ، فقال : كيف أخرج وتسعة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الباب ، فألقى عليه رداءاً كان كساه سيف بن ذي يزن له طرتان خضراوان ، فخرج عليهم ، فعلموا أنّه قد أجاره فتفرقوا عنه ) (١).

( المحاورة العاشرة )

( لا منكر أعظم من ذبحك الإسلام بشفرة الشرك )

جاء في كتاب ( أخبار الدولة العباسية ) لمؤلف مجهول ، ذكر محاورة شديدة اللهجة ، قوية الحجة جرت بين ابن عباس ومعاوية ، ولم أقف عليها ، في مصدر آخر ، ولا تخلو من إثارة بعض علامات الإستفهام حول بعض ما جاء فيها ، من تنميق لفظي ، وسجع متكلف أحياناً فيما يبدو ،

____________________

(١) المحاسن والمساوئ ١ / ٦٦ ـ ٦٧ ط السعادة بمصر ١٣٢٥ ، المحاسن والأضداد / ١١٦ ط المعاهد بمصر ١٣٥٠ هـ.

٣٧٦

وكأنّه كلام مصنوع ، ولعلّه من نسج بعض أدباء ذلك العصر الذي عاشه الجاحظ ، أو أبو حيان التوحيدي ، أو أبو العيناء ، ممن قيل فيهم إنّهم يتهمون بمثل هذا ، ولا أريد أن أتهمهم به ، غير أنّ معناه يتفق مع مبناه ، ويتسق مع ما قرأناه ونقرأه من محاورات ابن عباس مع معاوية ، لذلك فلا مانع عندي من إحتمال صحة روايته وإليك حديثه ، قال :

( دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله ابن عمر. فلمّا جلس قال له معاوية : إنّك يا بن عباس لترمقني شرراً كأنّي خالفت الحق أو أتيت منكراً.

قال ابن عباس : لا منكر أعظم من ذبحك الإسلام بشفرة الشرك ، واغتصابك ما ليس لك بحق اعتداءً وظلماً.

فقال معاوية : إنّما ذبح الإسلام من قتل إمام الأمّة ونقض العهد ، وخفر الذمة ، وقطع الرحم ولم يرع الحرمة ، وترك الناس حيارى في الظلمة.

قال ابن عباس : كان الإمام من سبق الناس إلى الإسلام طراً ، وضرب خيشوم الشرك بسيف الله جهراً ، حتى انقاد له جماهير الشرك قهراً ، وأدخلك وأباك فيه قسراً ، فكان ذلك الإمام حقاً ، لا من خالف الحق حمقاً ، ومزّق الدين فصار محقا.

فقال معاوية : رفقا يابن عباس رفقاً ، قد أتيت جهلاً وخرقاً ، فوالله ما قلت حقاً ، ولا تحريت في مقالك صدقاً فمهلاً مهلاً. لقد كان من ذكرته إماماً عادلاً ، وراعياً فاضلاً ، يسلك سبيلاً ، مليء حلماً وفهماً ، فوثبتم عليه

٣٧٧

حسداً ، وقتلتموه عدواناً وظلماً.

قال ابن عباس : إنّه اكتسب بجهده الآثام ، وكايد بشكه الإسلام ، وخالف السنة والأحكام ، وجار على الأنام ، وسلّط عليهم أولاد الطغام ، فأخذه الله أخذ عزيز ذي انتقام.

قال معاوية : يابن عباس يحملك شدّة الغضب على سوء الأدب ، حتى لتخلّ في الجواب ، وتحيد عن الصواب ، تقعد في مجلسنا ، تشتم فيه أسلافنا ، وتعيب فيه كبراءنا وخيار أهلنا ، ما ذنب معاوية إن كان عليّ فاته زمانه ، وخذله أعوانه ، وأخذوا سلطانه ، وقعدوا مكانه ، أمّا معاوية فأعطي الدنيا فأمكنكم من خيرها ، وباعدكم من شرّها ، كان لكم صفوها وحلوها ، ولي كدرها ومُرّها.

قال ابن عباس : ذنب معاوية ركوبه الآثام ، وإستحلاله الحرام ، وقصده لظلم آل خير الأنام ، ما رعى معاوية للنبوة حقها ، ولا عرف لهاشم فضلها وقوتها ، وبنا أكرم الله معاوية فأهاننا ، وبنا أعزه الله فأهاننا ، ثم ها هو ذا يصول بعزّنا ، ويسطو بسلطاننا ويأكل فيئنا ، ويرتع في ثروتنا ، ثم يمتنّ علينا في إعلامنا إيانا بأنّه لا يعتذر إلى الله من ظلمنا.

قال معاوية : يا بن عباس إنّ افتخارك علينا بما لا نقر لك به إفك وزور ، وتبجحك بما لا نشهد لك به هباء منثور ، واتكال أبناء السوء على سيادة الأباء ضعف وغرور ، ونحن للورى أنجم وبحور ، نفي بالنذور ، ونصل بالبدور ، وبساحتنا رحى السماحة تدور.

٣٧٨

قال ابن عباس : لئن قلت ذلك يا معاوية ، لطالما أنكرتم ضوء البدور ، وشعاع النور ، وسميتم كتاب الله بيننا أسطوراً ، ومحمداً صلى الله عليه وآله وسلم ساحراً وصنبوراً (١) ، ولقول القائل : تلقفّوها يا بني أمية تلقف الكرة لا بعث ولا نشور ، وتنسموا نسيم هذا الروح فما بعده أو بَة ولا كرور ، وكان لعمر الله القطب الذي عليه رحى الضلالة تدور.

فغضب معاوية وقال : يابن عباس أربع على نفسك ، ولا تقس يومك بأمسك ، هيهات ، صرّح الحق عن محضه ، وزهق الباطل عن دحضه ، أمّا إذا أبيت فأنا كنت أحق بالأمر من ابن عمك.

قال ابن عباس : ولم ذاك؟ وعليّ كان مؤمناً وكنتَ كافراً؟ وكان مهاجراً وكنت طليقاً؟

قال : لا ، ولكني ابن عم عثمان.

قال : فإنّ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من ابن عم عثمان.

قال : إنّ عثمان كان خيراً من عليّ وأطيب.

قال ابن عباس : كلا ، عليّ أزكى منه وأطهر ، وأعرف في ملكوت السماوات وأشهر ، أتقرن يا معاوية رجلاً غاب عن بدر ولم يشهد بيعة الرضوان ، وفرّ يوم التقى الجمعان ، ابن مخنث قريش ، الذي لم يسلّ سيفاً ، ولم يدفع عن نفسه ضيماً إلى قريع العرب وفارسها ، وسيف النبوة

____________________

(١) صنبور : الرجل الضعيف الذليل بلا أهل ولا عقب ولا ناصر ، وكان كفار قريش يقولون محمد صنبور ، انظر اللسان وتاج العروس مادة صنبر.

٣٧٩

وحارسها ، أكثرها علماً ، وأقدمها سلماً ، إذن قسمة ضيزى أبا عبد الرحمن.

قال معاوية : إنّ عثمان قتل مظلوماً.

قال ابن عباس : فكان ماذا؟ فهذا إذن أحق بها منك ، قتل أبوه قبل عثمان ـ يعني ابن عمر ـ.

قال معاوية : إنّ هذا قتله مشرك ، وعثمان قتله المؤمنون.

قال ابن عباس : فذلك أضعف لقولك وأدحض لحجتك ، ليس من قتله المشركون كمن نحره المؤمنون.

فقال معاوية : ترى يا بن عباس أن تصرف غرب لسانك وحدّة نبالك إلى من دفعكم عن سلطان النبوة وألبسكم ثوب المذلّة ، وابتزكم سربال الكرامة ، وصيّركم تبعاً للأذناب بعد ما كنتم عزّ هامات السادات ، وتدع أمية ، فإنّ خيرها لك حاضر ، وشرها عنك غائب.

قال ابن عباس : أمّا تيم وعدي فقد سلبونا سلطان نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم ، عدوا علينا فظلمونا ، وشفوا صدور أعداء النبّوة منّا ، وأمّا بنو أمية فإنّهم شتموا أحياءنا ولعنوا موتانا ، وجاوزوا حقوقنا واجتمعوا على إخماد ذكرنا وإطفاء نورنا ، فيأبى الله إلاّ علوّا ، ولنورنا إلاّ ضياءاً والله للفريقين بالمرصاد.

قال معاوية : ما نرى لكم علينا من فضل ، ألسنا فروع دوحة يجمعنا عبد مناف؟

قال ابن عباس : هيهات يا معاوية ، حدت عن الصواب ، وتركت

٣٨٠