مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧١

فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة

______________________________________________________

انعدام الصورة الجسمية وعود مثلها مع بقاء الهيولى بعينها وهم يقولون بأن مدرك اللذات والآلام إنما هو الروح ، والبدن آلة لذلك وإنما نقول بعود الجسد بعينه للنصوص وهي لا تدل على أكثر من حفظ مادة البدن وعود الصورة الشبيهة بالصورة الأولى بحيث لو رآه أحد لقال هو فلان ، وربما يؤيد ذلك ببعض الايات والأخبار كما قال تعالى « أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ » (١) وقال سبحانه « كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها » (٢) وما روي أن أهل الجنة جرد مرد وغير ذلك ، فإذا عرفت ذلك فصاحب كل مسلك يحمل هذا الحديث على ما يوافق مسلكه في ذلك ، فالقائلون بالجزء يحملون الطينة عليه وكونها مستدبرة على عدم كونها قابلة للقسمة ، والقائلون بالأجزاء الأصلية عليها والقائلون باجتماعها في عجب الذنب يقولون إنه عظم مستدير وهو لا يبلى في القبر ، وعليه يتركب البدن في الحشر ، والقائلون بالهيولى أو الصورة الجسمية فقط يحملون الاستدارة على تنقل الأحوال وأنواع الاستحالات والتغييرات الواردة على الهيولى أو على الصورة من قولهم دار يدور دورانا ويؤيد بأن في بعض نسخ الفقيه مستديمة ، فالطينة مستديمة في جميع مراتب التغيير دائرة منتقلة. من حال إلى حال مع بقائها في ذاتها حتى يخلق منها كالخلق أول مرة فكل يحمل الخبر على شاكلته ، وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا.

قال : بعض المتأخرين ممن يسلك مسالك الفلاسفة الأقدمين لعله عليه‌السلام عني بطينته التي خلق منها وهي تبقى ولا تبلى مادته التي هي هيولاه الشخصية الباقية بشخصها وعينها مع تبدلات الصور المتفاسدة المتواردة عليها وبقاؤها في القبر مستديرة

__________________

(١) سورة يس : ٨١.

(٢) سورة النساء : ٥٦.

٢٤١

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأحمد بن محمد الكوفي ، عن بعض أصحابه ، عن صفوان بن يحيى ، عن يزيد بن خليفة الخولاني وهو يزيد بن خليفة الحارثي قال سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال تخرج النساء إلى الجنازة وكان عليه‌السلام متكئا فاستوى جالسا ثم قال إن الفاسق عليه لعنة الله آوى

______________________________________________________

إما عند فساد التركيب والانحلال إلى البسائط إذ شكل البسيط الاستدارة ، أو كناية عن سعة استعدادها وسذاجة خلقها في حد وحدتها الشخصية المبهمة عن جميع الصور التي هي مستعدة لها وحاملة لإمكانها الاستعدادي لأن المستدير أوسع الأشكال وخال عن المفاصل والمقاطع والنهايات وعري عن الحدود والزوايا والأضلاع بالفعل ثم ذكر رواية عجب الذنب. وقال : هو كناية عن الهيولى الباقية في أطوار زوال الصورة الجسدية وتبدل الصور المتفاسدة المتواردة عليها وبقاء تعلق النفس ببدنها الشخصي من حيث هيولاه الشخصية الباقية عند الموت ، وفي زمان البرزخ مع انقطاع تعلقها به وانصرام علاقتها بتدبيره من حيث صورته الزائلة ومزاجه الفاني وقوامه المنصرم ، وذلك التعلق المستمر الانحفاظ من حيث المادة مرجح عودها إليه وإرجاعها إلى تدبيره بصورة أخرى مستأنفة مثل الصورة الأولى الفاسدة عند الحشر الجسماني بإذن بارئها الفعال الحكيم انتهى.

وربما يأول عجب الذنب بالطينة التي وردت في رواية الكتاب بناء على أنه كناية عن أصل الشيء وآخره ومنتهاه ، فإن الطينة أيضا أصل خلقة الشيء ومنتهاه أولا وآخرا.

الحديث الثامن : مجهول. والمراد بالفاسق عثمان ( لعنه الله ).

قوله عليه‌السلام : " وكان ممن نذر رسول الله كأنه على بناء التفعيل.

يقال : نذر الشيء أسقط وأنذره أسقطه وفي بعض النسخ ممن هدر وهو أظهر ، وفي النهاية المشجب بكسر الميم عيدان تضم رءوسهما وتفرج بين قوائمها وتضع عليها

٢٤٢

عمه المغيرة بن أبي العاص وكان ممن هدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دمه فقال لابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تخبري أباك بمكانه كأنه لا يوقن أن الوحي يأتي محمدا فقالت ما كنت لأكتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عدوه فجعله بين مشجب له ولحفه بقطيفة فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي فأخبره بمكانه فبعث إليه عليا عليه‌السلام وقال اشتمل على سيفك ائت بيت ابنة ابن عمك فإن ظفرت بالمغيرة فاقتله فأتى البيت فجال فيه فلم يظفر به فرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال يا رسول الله لم أره فقال إن الوحي قد أتاني فأخبرني أنه في المشجب.

ودخل عثمان بعد خروج علي عليه‌السلام فأخذ بيد عمه فأتى به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رآه أكب عليه ولم يلتفت إليه وكان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حييا كريما فقال يا رسول الله هذا عمي هذا المغيرة بن أبي العاص وفد والذي بعثك بالحق آمنته قال أبو عبد الله عليه‌السلام وكذب والذي بعثه بالحق ما آمنه فأعادها ثلاثا وأعادها أبو

______________________________________________________

الثياب ، وقد تعلق عليه الإداوة لتبريد الماء وهو من تشاجب إذا اختلط.

وفي الصحاح لحفت الرجل ، طرحت عليه اللحاف ، أو غطيته بثوب.

قوله عليه‌السلام « أكب » أي نكس رأسه ولم يرفعه لئلا يقع نظره عليه ، وإنما فعل ذلك لأنه كان حييا كريما ولا يريد أن يشافهه بالرد.

قوله عليه‌السلام : « آمنته » على صيغة الخطاب أو التكلم أي آمنته في الحرب قبل أن يأتي بالمدينة فدخل بأماني ، وعلى التقديرين كان كذبا لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن آمنه بل كان هدر دمه وعثمان أيضا لم يكن لقيه قبل دخول المدينة وروى الراوندي في الخرائج الخبر عن محمد بن عبد الحميد ، عن عاصم بن حميد ، عن يزيد بن خليفة ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام قاعدا فسأله رجل من القميين أتصلي النساء على الجنائز؟ فقال : إن المغيرة بن أبي العاص ادعى أنه رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكسرت رباعيته وشق شفتيه وكذب ، وادعى أنه قتل حمزة وكذب فلما كان يوم

٢٤٣

عبد الله عليه‌السلام ثلاثا أنى آمنه إلا أنه يأتيه عن يمينه ثم يأتيه عن يساره فلما كان في الرابعة رفع رأسه إليه فقال له قد جعلت لك ثلاثا فإن قدرت عليه بعد ثالثة قتلته فلما أدبر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم العن المغيرة بن أبي العاص والعن من يؤويه والعن من يحمله والعن من يطعمه والعن من يسقيه والعن من يجهزه والعن من يعطيه سقاء أو حذاء أو رشاء أو وعاء وهو يعدهن بيمينه وانطلق به عثمان فآواه وأطعمه وسقاه وحمله وجهزه حتى فعل جميع ما لعن عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من يفعله به ثم أخرجه في اليوم الرابع يسوقه فلم يخرج من أبيات المدينة حتى أعطب الله راحلته ونقب حذاه وورمت قدماه فاستعان بيديه وركبتيه وأثقله جهازه حتى وجس به فأتى شجرة فاستظل بها لو أتاها بعضكم ما أبهره ذلك فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي فأخبره بذلك فدعا عليا عليه‌السلام فقال خذ سيفك وانطلق أنت وعمار وثالث لهم فأت

______________________________________________________

الخندق ضرب على أذنيه فنام فلم يستيقظ حتى أصبح فخشي أن يؤخذ فتنكر وتقنع بثوبه. وجاء إلى منزل عثمان يطلبه وتسمى باسم رجل من بني سليم كان يجلب إلى عثمان الخيل والغنم والسمن فجاء عثمان فأدخله منزله ، وقال : ويحك ما صنعت ادعيت أنك رميت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادعيت إنك شققت شفتيه ، وكسرت رباعيته ، وادعيت أنك قتلت حمزة ، فأخبره بما لقي وأنه ضرب على أذنه ، فلما سمعت ابنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنع بأبيها وعمها صاحت فأسكتها عثمان ، ثم خرج عثمان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو جالس في المسجد فاستقبله بوجهه وقال يا رسول الله : إنك آمنت عمي المغيرة وكذب ، فصرف عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجهه ، ثم استقبله من الجانب الأخر فقال : يا رسول الله إنك آمنت عمي المغيرة وكذب فصرف رسول الله وجهه عنه ثم قال : آمناه وأجلناه ثلاثا وساق الحديث نحوا مما في المتن فظهر أن الخطاب أظهر وأنه لا وجه له لمن قرأ أمنته على بناء التفعيل بصيغة المتكلم أي جعلته مؤمنا لكن في خبر الكتاب. التكلم أظهر لما ستعرف.

٢٤٤

المغيرة بن أبي العاص تحت شجرة كذا وكذا فأتاه علي عليه‌السلام فقتله فضرب عثمان بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال أنت أخبرت أباك بمكانه فبعثت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشكو ما لقيت فأرسل إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اقني حياءك ما أقبح بالمرأة ذات حسب ودين في كل يوم تشكو زوجها فأرسلت إليه مرات كل ذلك يقول لها ذلك فلما كان في الرابعة دعا عليا عليه‌السلام وقال خذ سيفك واشتمل عليه ثم ائت بيت ابنة ابن عمك فخذ بيدها فإن حال بينك وبينها أحد فاحطمه بالسيف وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالواله من منزله إلى دار عثمان فأخرج علي عليه‌السلام ابنة رسول الله فلما نظرت إليه رفعت صوتها بالبكاء واستعبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبكى ثم أدخلها منزله وكشفت

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فأعادها ثلاثا » هذا من كلام الإمام عليه‌السلام والضمير راجع إلى كلام عثمان بتأويل الكلمة ، أو الجملة أي أعاد قوله والذي بعثك بالحق إني آمنته وقوله وأعادها أبو عبد الله عليه‌السلام ثلاثا كلام الراوي أي أنه عليه‌السلام كلما أعاد كلام عثمان أتبعه بقوله والذي بعثه بالحق نبيا ما آمنه ، وقوله إني آمنته بيان لمرجع الضمير في قوله أعادها أولا وأحال المرجع في الثاني على الظهور ، ويحتمل أن يكون قوله إني آمنته بدلا عن الضمير المؤنث في الموضعين معا بأن يكون مراد الراوي أنه عليه‌السلام لم يقل فأعادها ثلاثا بل كرر القول بعينه ثلاثا ، فيحتمل أن يكون عليه‌السلام كرر والذي بعثه أيضا وأحال الراوي على الظهور ، أو يكون المراد إلى آخره ، وأن يكون عليه‌السلام قال ذلك مرة بعد الأولى أو بعد الثالثة ، وعلى التقادير قوله إلا أنه استثناء من قوله ما آمنه أي لم يكن آمنه إلا أنه أي عثمان يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه وعن شماله ويلح ويبالغ ليأخذ منه عليه‌السلام الأمان وفي بعض النسخ إني آمنه على صيغة الماضي الغائب فأنى بالفتح والتشديد للاستفهام الإنكاري والاستثناء متعلق به لكن في أكثر النسخ بصيغة المتكلم.

قوله عليه‌السلام : « قد جعلت لك ثلاثا » أي ثلاث ليال والرشاء ككساء الحبل.

٢٤٥

عن ظهرها فلما أن رأى ما بظهرها قال ثلاث مرات ما له قتلك قتله الله وكان ذلك يوم الأحد وبات عثمان ملتحفا بجاريتها فمكث الإثنين والثلاثاء وماتت في اليوم الرابع فلما حضر أن يخرج بها أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فخرجت عليها‌السلام ونساء المؤمنين معها وخرج عثمان يشيع جنازتها فلما نظر إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من أطاف البارحة بأهله أو بفتاته فلا يتبعن جنازتها قال ذلك ثلاثا فلم ينصرف فلما كان في الرابعة قال لينصرفن أو لأسمين باسمه فأقبل عثمان متوكئا على مولى له ممسكا ببطنه فقال يا رسول الله إني أشتكي بطني فإن رأيت أن تأذن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وهو يعدهن » أي الإمام عليه‌السلام ، أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونقب على المعلوم والضمير راجع إلى الله أو على المجهول.

قوله عليه‌السلام : « حتى وجس به » الوجس الفزع أي خاف الموت على نفسه أو خيف عليه ، وفي بعض النسخ حسر به أي ( أعيا ) وفي بعضها وجربه.

قال الجوهري : وجرت منه بالكسر : خفت ، وفي بعضها بالخاء المعجمة والزاء ، أي طعن بالجهاز وأثر في بدنه ، والسمرة بضم الميم من شجر الطلح.

قوله عليه‌السلام : « ما أبهره » كلمة ما نافية ، والبهرة تتابع النفس للإعياء ، أي لم يمش مكانا بعيدا مع هذه المشقة التي تحملها بل ذهب إلى مكان لو أتاه بعضكم من المدينة ماشيا لم يحصل له إعياء وتعب فأعجزه الله في هذه المسافة القليلة مع العدة التي أعدها له عثمان بإعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال الجوهري : البهرة بالضم تتابع النفس ، وبالفتح المصدر يقال : ( بهره ) الحمل يبهره بهرا أي أوقع عليه البهر فانبهر أي تتابع نفسه ، وربما يقرأ على صيغة التعجب أي تنحى بعيدا عن الطريق ولم ينفعه ذلك وهو بعيد ، وقال الجوهري : قنيت الحياء بالكسر قنيانا أي لزمته قال : عنترة أقنى حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل ، والحطم الكسر وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة يقال : خطمه

٢٤٦

لي أنصرف قال انصرف وخرجت فاطمة عليها‌السلام ونساء المؤمنين والمهاجرين فصلين على الجنازة.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أعد الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه.

١٠ ـ وبهذا الإسناد أن أمير المؤمنين عليه‌السلام اشتكى عينه فعاده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو يصيح فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أجزعا أم وجعا فقال يا رسول الله ما وجعت وجعا قط أشد منه فقال يا علي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به فتصيح جهنم فاستوى علي عليه‌السلام جالسا فقال يا رسول الله أعد علي حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت ثم قال هل يصيب ذلك أحدا من أمتك قال : نعم حاكم جائر وآكل مال اليتيم ظلما وشاهد زور.

______________________________________________________

يخطمه ضرب أنفه والتحف بالشيء تغطى به ، واللحاف ككتاب ما يلتحف به وزوجة الرجل ، ثم إن الخبر يدل على استحباب اتباع النساء الجنائز ، والمشهور الكراهة للمنع الوارد في بعض الأخبار وأكثرها ضعيفة السند ، ويمكن حملها على النساء الأجانب والاستحباب على الأقارب ، أو المنع على ما إذا كان للتنزه لا للسنة ، كما هو الشائع.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور ويدل على استحباب إعداد الكفن قبل الموت والنظر إليه.

الحديث العاشر : مثله.

قوله عليه‌السلام : « أجزعا » هو مفعول له لفعل محذوف أي التصيح جزعا ، أي هل هذا من الجزع وقلة الصبر ، أو أن الوجع شديد بحيث لا يمكنك الصبر عليه.

وقوله عليه‌السلام : « ما وجعت » آه ليس مثل قول الناس لم يبتل به أحد ليكون شكاية وكذبا بل أخبر عليه‌السلام بأنه وجع شديد لم يلحقني مثله قبل ذلك وكان كذلك وفي ( القاموس ) السفود بالتشديد كتنور الحديدة التي يشوي به اللحم.

٢٤٧

١١ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مستريح ومستراح منه أما المستريح فالعبد الصالح استراح من غم الدنيا وما كان فيه من العبادة إلى الراحة ونعيم الآخرة وأما المستراح منه فالفاجر يستريح منه الملكان اللذان يحفظان عليه وخادمه وأهله والأرض التي كان يمشي عليها.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أعد الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه.

١٣ ـ سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب قال سمعت أبا الحسن الأول عليه‌السلام يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء التي كان يصعد أعماله فيها وثلم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء لأن المؤمنين حصون الإسلام كحصون سور المدينة لها

______________________________________________________

الحديث الحادي عشر : مثله. واستراحة الأرض على المجاز ، أي لو كان لها شعور لكانت تتأذى بمشيه عليها ، أو كناية عن أنه يظهر أثر وجوده في الأرض أيضا لمنع بركات السماء والأرض بشؤمه ، أو المراد استراحة الملائكة الذين يسكنون الأرض بحذف مضاف.

الحديث الثاني عشر : مثله.

الحديث الثالث عشر : حسن. كالصحيح والمراد ببكاء البقاع والأبواب بكاء أهلها ، أو البكاء التقديري كما مر ، أو هو كناية عن تعطلها وذهاب آثاره عنها وظهور آثار موته عليها وكثيرا ما يعبر عن شدة المصيبة بذاك فيقال بكت عليه السماء والأرض وقال : تعالى في تهوين فقد الكفار « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ » والثلمة : كبرمة الخلل الواقع في الحائط وغيره ، والجمع. ثلم كبرم ، ولعل المراد بالحصن أجزاؤه وبروجه.

٢٤٨

١٤ ـ سهل بن زياد ، عن محمد بن علي ، عن إسماعيل بن يسار ، عن عمرو بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا حضر الميت أربعون رجلا فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا قال الله عز وجل قد قبلت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون.

١٥ ـ سهل ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن عامر بن عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عذق يظله من الشمس يدور حيث دارت الشمس فلما يبس العذق درس القبر فلم يعلم مكانه.

١٦ ـ الحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علي بن مهزيار ، عن حماد بن عيسى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة وإنه حضره الموت وكان

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « فقالوا » أي في الصلاة أو الأعم وهو أظهر ، ويدل على الاستحباب ذكر الميت بخير وإن علم منه الشر إذا كان مؤمنا.

الحديث الخامس عشر : ضعيف. على المشهور والعذق النخلة بحملها ، أو بالكسر القنو منها والمراد هنا الأول ودورانه حيث دارت الشمس من إعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لئلا تقع الشمس على القبر وكذا دروس القبر لبعض المصالح التي لا تظهر لنا ويحتمل أن يكون ذهاب النخلة صارت لعدم علم الناس بموضع القبر فاندرس وذهب.

الحديث السادس عشر : صحيح والبراء بالفتح والمد من أصحاب العقبة الأولى ومن البقاء.

قوله عليه‌السلام : « فأوصى » لعله لم يكن في شرعهم تعيين لتوجيه الميت إلى جانب

٢٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القبلة فجرت به السنة وأنه أوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنة.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جاء جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك لاقيه.

١٨ ـ ابن أبي عمير ، عن أيوب ، عن أبي عبيدة قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام حدثني ما أنتفع به فقال يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر ذكره إنسان

______________________________________________________

وكانوا مخيرين في الجهات فاختار هذه الجهة للاستحسان العقلي ، أو لما ثبت عنده شرعا من تعظيم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فعلى الأول يدل على حجية تلك الاستحسانات أو على أن الإنسان يثاب على ما يفعله موافقا للواقع وإن لم يكن مستندا إلى دليل معتبر كما اختاره الفاضل الأردبيلي (ره) ، وعلى الثاني على جواز العمل بتلك العمومات كتقبيل الأعتاب الشريفة وكتب الأخبار وتعظيم ما ينسب إليهم بما يعد تعظيما عرفا.

قوله عليه‌السلام : « فنزل به الكتاب » أي بأصل الوصية ، أو يظهر من بطن الكتاب وإن لم يكن نعرفه من ظاهره.

الحديث السابع عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام : « عش ما شئت » شبيه بأمر التسوية ، والحاصل أنه ليس الغرض منه الأمر بل مساواة أنواع العيش في انتهائها إلى الموت وعدم بقاء اللذات والآلام وانصرامها جميعا ، وكذا قوله « واعمل ما شئت » أي أعمال الخير والشر مساوية في كونها مستعقبة للجزاء ، وحملها على أمر التهديد لا يناسب رفعة شأن المأمور ، إلا أن يقال : المخاطب بها حقيقة الأمة.

الحديث الثامن عشر : حسن. ويدل على استحباب كثرة ذكر الموت.

٢٥٠

إلا زهد في الدنيا.

١٩ ـ ابن أبي عمير ، عن الحكم بن أيمن ، عن داود الأبزاري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال مناد ينادي في كل يوم ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب.

٢٠ ـ ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام الوسواس فقال يا أبا محمد اذكر تقطع أوصالك في قبرك ورجوع أحبابك عنك إذا دفنوك في حفرتك وخروج بنات الماء من منخريك وأكل الدود لحمك فإن ذلك يسلي عنك ما أنت فيه قال أبو بصير فو الله ما ذكرته إلا سلى عني ما أنا فيه من هم الدنيا.

٢١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أسباط بن سالم مولى أبان قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك يعلم ملك الموت بقبض من يقبض قال لا إنما هي صكاك تنزل من السماء اقبض نفس فلان بن فلان.

٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال

______________________________________________________

الحديث التاسع عشر : مجهول. وقوله مناد : مبتدأ وهو في قوة النكرة الموصوفة واللام في المواضع للعاقبة.

الحديث العشرون : ضعيف. على المشهور والمراد بالوسواس هنا فكر الدنيا وغمها وبنات الماء الديدان التي تتولد من الرطوبات الحديث الحادي والعشرون : مجهول ، قوله عليه‌السلام : « يعلم ملك الموت » أي قبل حلول الأجل ، والصك بالفتح الكتاب والجمع صكاك بالكسر.

الحديث الثاني والعشرون : حسن.

٢٥١

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما من أهل بيت شعر ولا وبر إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم خمس مرات.

٢٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من كان معه كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين وكان مأجورا كلما نظر إليه.

٢٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ، عن زيد الشحام قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن ملك الموت يقال الأرض بين يديه

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ولا وبر » لعل الأظهر ( ولا مدر ) على البدل كما في بعض النسخ ، أو الاجتماع ، والخمس مرات لعلها في أوقات الصلوات ليعلم كيف مواظبتهم عليها فينزع روحهم بالعسر واليسر بحسبها ، وفي القاموس : ( صفح القوم وورق المصحف ) كمنع عرضها واحدا واحدا وفي الأمر نظر كتصفح ، وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بهذا السند في خبر المعراج أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لقي ملك الموت فقال : يا ملك الموت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه؟ قال : نعم قلت : وتحضرهم بنفسك؟ قال : نعم ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس مرات ، وأقول : إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فإن لي إليكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد ، قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفى بالموت طامة يا جبرائيل فقال : جبرئيل ما بعد الموت أطم وأعظم من الموت. (١)

الحديث الرابع والعشرون : ضعيف. والايات والأخبار بعضها تدل على أن قابض الأرواح هو ملك الموت وبعضها على أن جمعا من الملائكة موكلون بها ، وبعضها على أن الله تعالى هو المتوفى ، وروى أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج في خبر الزنديق المدعي للتناقض في القرآن قال : أمير المؤمنين

__________________

(١) أقول ليس في الأصل شرح للحديث الثالث والعشرون.

٢٥٢

كالقصعة يمد يده منها حيث يشاء قال نعم.

٢٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي المغراء قال حدثني يعقوب الأحمر قال دخلنا على أبي

______________________________________________________

صلوات الله عليه في قوله تعالى : « اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » (١) وقوله : « يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ » (٢) : و « تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا » (٣) ، و « تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ » (٤) و « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ » (٥) قال : عليه‌السلام فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم بأمره يعملون فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم : « اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ » (٦) فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب إليه فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإن فعل أمناؤه فعله كما قال : « وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ » (٧) وتفصيل القول : في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

الحديث الخامس والعشرون : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « ثم يأخذ الأرض » أقول هو إشارة إلى قوله سبحانه « وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ » (٨) قال الطبرسي ( قدس الله

__________________

(١) سورة الزمر : ٤٢.

(٢) سورة السجدة : ١١.

(٣) سورة الأنعام : ٦١.

(٤) سورة النحل : ٣٢.

(٥) سورة النحل : ٢٨.

(٦) سورة الحجّ ٧٥.

(٧) سورة الإنسان : ٣٠.

(٨) سورة الزمر : ٦٧.

٢٥٣

عبد الله عليه‌السلام نعزيه بإسماعيل فترحم عليه ثم قال إن الله عز وجل نعى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه فقال « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » وقال « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » ثم أنشأ يحدث فقال إنه يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام قال فيجيء ملك الموت عليه‌السلام حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا رب رسوليك وأمينيك فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا قال ثم يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال من بقي فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون معي شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر

______________________________________________________

روحه ) القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك ، أخبر الله سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا وكذا قوله « وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ » (١) أي يطويها بقدرته كما يطوي أحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه ، وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار ، والتحقيق للملك كما قال « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » (٢) وقيل معناه أنها محفوظات مصونات بقوته واليمين

__________________

(١) سورة الزمر : ٦٧.

(٢) سورة النساء : ٣٦.

٢٥٤

٢٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني جبرئيل عليه‌السلام أن ملكا من ملائكة الله كانت له عند الله عز وجل منزلة عظيمة فتعتب عليه فأهبط من السماء إلى الأرض فأتى إدريس عليه‌السلام فقال إن لك من الله منزلة فاشفع لي عند ربك فصلى ثلاث ليال لا يفتر وصام أيامها لا يفطر ثم طلب إلى الله تعالى في السحر في الملك فقال الملك إنك قد أعطيت سؤلك وقد أطلق لي جناحي وأنا أحب أن أكافيك فاطلب إلي حاجة فقال تريني ملك الموت لعلي آنس به فإنه ليس يهنئني مع ذكره شيء فبسط جناحه ثم قال اركب فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا فقيل له اصعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة فقال الملك يا ملك الموت ما لي أراك قاطبا قال العجب إني تحت ظل العرش حيث أمرت أن أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة فسمع

______________________________________________________

القوة فالمراد أنه تعالى يحفظ الأرض والسماوات بقدرته الكاملة بعد ما كانت محفوظة بالملائكة وسائر الخلق وقد جعل لكل شيء حفظة منها ، والله يعلم حقائق كلامه.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فتعتب عليه » قال الجوهري : عتب عليه أي وجد عليه والتعتب مثله ، وقال الفيروزآبادي : القطب العبوس وقال : معض من الأمر كفرح غضب وشق عليه. فهو ماعض ومعض ومعضه تمعيظا فامتعض انتهى ، وفي بعض النسخ انتقض وهو أظهر ، وقال الطبرسي (ره) في قوله تعالى « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » (١) أي عاليا رفيعا وقيل : إنه رفع إلى السماء الرابعة وقيل : إلى السادسة ، وقال : مجاهد رفع إدريس كما رفع عيسى وهو حي لم يمت ، وقال : آخرون إنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه‌السلام وقيل : إن

__________________

(١) سورة مريم. ٥٧.

٢٥٥

إدريس عليه‌السلام فامتعض فخر من جناح الملك فقبض روحه مكانه وقال الله عز وجل : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ».

٢٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن داود بن فرقد أبي يزيد ، عن ابن أبي شيبة الزهري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الموت الموت ألا ولا بد من الموت جاء الموت بما فيه جاء بالروح والراحة والكرة المباركة إلى جنة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم وجاء الموت بما فيه بالشقوة والندامة وبالكرة الخاسرة إلى نار حامية لأهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم ثم قال وقال إذا استحقت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر قال وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي المؤمنين أكيس فقال أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا.

______________________________________________________

معناه رفعناه محله ومرتبته بالرسالة كقوله تعالى « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » (١) ولم يرد به رفعة المكان.

الحديث السابع والعشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « الموت الموت » بالنصب أي احذروه أو اذكروه والباء في قوله بما فيه في الموضعين : أما للتعدية ، أو للمصاحبة ، « والكرة » الرجعة.

قوله عليه‌السلام : « إذا استحقت » على بناء المعلوم أي لزمت ومجيء الأجل بين العينين كناية عن تذكر الموت وذهاب الأمل ، وراء الظهر كناية عن عدم الاعتماد على العمر وعدم الالتفات إلى مشتهيات الدنيا وترك الرغبة فيها وكذا العكس.

__________________

(١) سورة الإنشراح : ٤.

٢٥٦

٢٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة قال سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول عجب كل العجب لمن أنكر الموت وهو يرى من يموت كل يوم وليلة والعجب كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى.

______________________________________________________

الحديث الثامن والعشرون : حسن.

قوله عليه‌السلام : « لمن أنكر الموت ». قد يطلق الإنكار على عدم العمل بمقتضى العلم بالشيء فكأنه ينكره ، فيحتمل أن يكون هذا هو المراد هنا أي لا يستعد للموت ولا يعمل لما بعده إذ إنكار الموت لا يكون من أحد إلا أن يكون المراد بإنكاره إنكار تعجيل وروده عليه بطول الأمل.

قوله عليه‌السلام : « وهو يرى النشأة الأولى » أي إذا رأى قدرة الله على الإبداع فقدرته على الإعادة أهون كما قال تعالى « قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ » (١) ويحتمل أن يكون المعنى أن العاقل إذا رأى النشأة الأولى وكون لذاتها مخلوطة بأنواع الكدورات والآلام وتسلط الظالمين على المظلومين وعدم تدارك ظلمهم كما ينبغي في تلك الدار وعدم عود جزاء المحسنين إليهم فيها لا بد له أن يذعن بأن الحكيم لم يخلقهم لتلك النشأة فقط ولا بد من نشأة أخرى تكون لذاتها خالصة ويكون مثوبات المؤمنين وعقوبات المجرمين فيها كاملة ولو لا ذلك لكان خلق الدنيا عبثا كما قال تعالى « أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ » (٢).

أو المراد بإنكار النشأة الآخرة : عدم العمل لتحصيلها والرغبة إليها كما ذكرنا في الفقرة السابقة أي عجب لمن يرغب إلى أنواع نعيم تلك النشأة مع كمالها وخلوصها وهو يرى نعيم الدنيا ونقصه وكدورته وفناءه فيكون نظير قولهم عليه‌السلام « عجيب لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها » والأول أظهر.

__________________

(١) سورة يس : ٨٩.

(٢) سورة المؤمنون : ١١٥.

٢٥٧

٢٩ ـ محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن سعدان ، عن عجلان أبي صالح قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجوع إلى الدنيا ففعل فانظر ما ذا تستأنف قال ثم قال عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون.

٣٠ ـ عنه ، عن فضالة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله قال وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل وكان يقول لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض العمل من طلب الدنيا.

______________________________________________________

الحديث التاسع والعشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « حبس أولهم عن آخرهم » أي يمنعون من ذهب منهم أي الأموات أن يرجعوا إلى آخرهم ، أي الأحياء الذين لم يلحقوا بعد بهم فيخبروهم بما جرى عليهم ، أو يئسوا من عودهم إلى الدنيا ثم نودي في الأحياء بالرحيل إلى الأموات وهم لاعبون غافلون عما ينفعهم في تلك النشأة فلا شيء أعجب من تلك الحال ، ويحتمل أن تكون كلمة عن للتعليل أي حبس أولهم ومن مضى منهم في القبور ليلحق بهم آخرهم فيحشرون معا إلى القيمة.

الحديث الثلاثون : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « ما أنزل الموت » أي ما عرف حقيقته كما هي ، أو ما أدى حقه من رعايته وانتظاره.

قوله عليه‌السلام : « من طلب الدنيا » من تعليلية أي لطلبها ، أو تبعيضية أي الأعمال التي هي من جملة طلب الدنيا.

٢٥٨

٣١ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن لحظة ملك الموت قال أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة فما يتكلم أحد منهم فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم.

٣٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن قول الله تبارك وتعالى « وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ » قال فإن ذلك ابن آدم إذا حل به الموت قال هل من طبيب إنه الفراق أيقن بمفارقة الأحبة قال « وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ».

______________________________________________________

الحديث الحادي والثلاثون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فتلك لحظة ملك الموت » أي علامتها وقال الجوهري : لحظه كمنعه وإليه لحظا ولحظانا محركة نظر بمؤخر عينيه وهو أشد التفاتا من الشرز والملاحظة مفاعلة منه.

الحديث الثاني والثلاثون : ضعيف.

قوله تعالى « وَقِيلَ مَنْ راقٍ » (١) قبله كلا قال الطبرسي قدس‌سره أي ليس يؤمن الكافر بهذا ، وقيل : معناه حتى إذا بلغت أي النفس أو الروح التراقي أي العظام المكتنفة بالحلق ، وكنى بذلك عن الإشفاء على الموت وقيل : من راق أي قال : من حضره هل من راق أي : من طبيب شاف يرقيه ويداويه فلا يجدونه ، أو قالت : الملائكة من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقال : الضحاك أهل الدنيا يجهزون البدن وأهل الآخرة يجهزون الروح « وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ » (٢) أي وعلم عند ذلك أنه الفراق من الدنيا والأهل والمال والولد ، وجاء في الحديث أن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته ومفاصله يسلم بعضها على بعض تقول عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيمة « وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ » (٣) فيه وجوه.

__________________

(١) سورة القيامة : ٢٧.

(٢) سورة القيامة : ٢٨.

(٣) سورة القيامة : ٢٩.

٢٥٩

التفت الدنيا بالآخرة ثم « إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ » قال المصير إلى رب العالمين.

٣٣ ـ محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قول الله عز وجل « إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا » قال ما هو عندك قلت عدد الأيام

______________________________________________________

أحدهما : التفت شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا.

والثاني : التفت حال الموت بحال الحياة.

والثالث : التفت ساقاه عند الموت لأنه تذهب القوة فتصير كجلد يلتف بعضه ببعض وقيل : هو أن يضطرب فلا يزال يمد إحدى رجليه ويرسل الأخرى ويلف أحدهما بالأخرى ، وقيل : التفات الساقين في الكفن.

والرابع : التفت ساق الدنيا بساق الآخرة وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع والمعنى في الجميع أنه تتابعت عليه الشدائد فلا يخرج من شدة إلا جاء أشد منها « إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ » (١) أي مساق الخلائق إلى المحشر الذي لا يملك فيه الأمر والنهي إلا الله تعالى ، وقيل بسوق الملك بروحه إلى حيث أمر الله به إن كان من أهل الجنة فإلى عليين وإن كان من أهل النار فإلى سجين.

الحديث الثالث والثلاثون : مجهول.

قوله تعالى « إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا » (٢) قال : الرازي في تفسيره أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة ، وعن ابن عباس أنه إذا قرأها بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك ، آخر العدد دخول قبرك ، آخر العدد فراق أهلك وذكروا في قولهم « نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا » (٣) وجهين آخرين.

الأول : نعد أنفاسهم وأعمالهم فنجازيهم على قليلها وكثيرها.

__________________

(١) سورة القيامة : ٣٠.

(٢ و ٣) سورة مريم : ٨٤.

٢٦٠