نعم ظاهر هذه الآيات وجوب قبول إخبار العادل بموضوع من الموضوعات وإن كان واحدا ، ولكن يمكن أن يقال بتقييد إطلاقها بكونها متعدّدة ، إمّا بالإجماع أو بالأخبار كرواية مسعدة بن صدقة (١) وغيرها.
وخلاصة الكلام : أنّ الفقيه المتتبّع في موارد قبول شهادة الرجلين العادلين ، إذا أمعن النظر فيها ولاحظ وتدبّر يقطع بأنّه لا خصوصية لتلك الموارد ، بل تكون حجّيتها عامّة في جميع الموضوعات إلاّ ما خرج عن تحت ذلك العموم بأدلّة خاصّة.
فما روي الصدوق قدسسره في كتاب عرض المجالس عن الصادق عليهالسلام ، وفيه : « فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة » (٢) ظاهر في أنّ شهادة العدلين في ارتكاب الذنب مثل رؤيته طريق مثبت لارتكاب الذنب ، ومعلوم أنّه لا خصوصية لارتكاب الذنب من بين سائر الموضوعات.
والانصاف أنّ إنكار حجّية البيّنة العادلة ـ التي نسب إلى القاضي عبد العزيز بن برّاج (٣) في إثبات النجاسة ، وكذا ما هو الظاهر من السيّد في الذريعة (٤) ، والمحقق الأوّل في المعارج (٥) ، والثاني في الجعفريّة (٦) ، وبعض آخر ـ قدس الله أسرارهم ـ من أنّ الاجتهاد لا تثبت بشهادة عدلين لعدم الدليل عليه ـ لا وجه له بعد ما عرفت توافر الأدلّة على عموم حجّيتها.
الخامس : من أدلّة حجّيتها هي سيرة العقلاء من كافة الملل وإن لم يكونوا من
__________________
(١) تقدّم في ص ١١ ، رقم (٢).
(٢) « الأمالي » للصدوق ، ص ٩١ ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٢٩٢ ، أبواب كتاب الشهادات ، باب ٤١ ، ح ١٣.
(٣) « جواهر الفقه » ص ٩ ، مسألة ٩.
(٤) « الذريعة » ج ٢ ، ص ٨١.
(٥) « معارج الأصول » ص ٢٠١.
(٦) « الجعفريّة » ضمن رسائل المحقق الكركي ، ج ١ ، ص ٨٠.