نفحات القرآن - ج ٩

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٩

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٥٢

منها في بداية البحث في موضوع ولاية وإمامة علي عليه‌السلام ، ومنها :

١ ـ آية (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ). (الاحزاب / ٣٣)

بشهادة محتواها ، وكذلك الروايات الواردة في شرحها وتفسيرها عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في المصادر الإسلامية المعروفة ، أنّ مفهومها عام أي أنّها تشمل بالإضافة لعلي عليه‌السلام سائر الأئمّة المعصومين ، وخاصة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام اللذين صُرح باسميهما في هذه الروايات.

٢ ـ آية (قُل لَّاأَسأَلُكُم عَلَيهِ اجراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِى القُرَبى). (الشورى / ٢٣)

تشير أيضاً وبنحو الإجمال لجميع الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وقد صرح في روايات متعددة منقولة عن سعيد بن جبير وابن عباس عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ المراد من «القربى» في هذه الآية ، علي عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام وذريتهما ، وصرح في البعض الآخر باسم الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام أيضاً.

ولغرض المزيد من التوضيح يرجى مراجعة «شواهد التنزيل» وسائر المصادر التي ذكرناها أثناء شرح هذه الآية (١).

٣ ـ آية (أَطِيعُوا اللهَ وَاطيِعُوا الرَّسُولَ وَاولىِ الامرِ مِنكُم). (النساء / ٥٩)

وهذه الآية هي الاخرى كسابقتها ، لاسيّما أنّ لهذه الآية مفهوماً عاماً يشمل كل زمان ، وبناء على ذلك لابدّ من وجود مصداق من «اولي الأمر» في كل عصر وزمان ، يكون فرداً معصوماً ، وطاهراً من الذنوب (لأنّ الطاعة المطلقة الخالية من كل قيد وشرط غير مشروعة سوى للمعصومين خاصة).

إضافة إلى ذلك ففي بعض الروايات المعروفة الواردة في مصادر أهل السنّة صرح باسم الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام.

٤ ـ آية (كُونُوا مَعَ الصَّادقِينَ) (التوبة / ١١٩)

هي الاخرى بنفس المفهوم الذي شرحناه سابقاً ، إذ لها مفهوم عام شامل لكل عصر

__________________

(١) أوردت روايات بطرق مختلفة في هذا المجال في شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ـ ١٣٤.

٣٠١

وزمان ، وهي دليل على أنّه يوجد في كل عصر وزمان صادق معصوم (ذلك أنّ المؤازرة والتبعية المطلقة دون قيد أو شرط ليس لها مفهوم سوى للمعصومين فقط) ، وإضافة إلى ذلك فإنّ بعض الروايات الواردة في شرح هذه الآية ، تفسر الصادقين بأنّهم محمد وأهل بيته عليهم‌السلام (١).

وبما أنّ هذه الآيات والروايات المتعلقة بها ، ذكرناها في هذه المباحث بشكل مفصل لذا نحجم عن تكرارها مرة اخرى ، وننتقل إلى آيات الفضيلة.

ونؤكد مرّة اخرى على أنّ آيات الفضيلة لا تطرح باعتبار أنّها الآيات التي لها دلالة مباشرة على إمامة وولاية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل الهدف من ذلك هو أن يتضح بشكل جلي أنّ كل واحد منهم كان أفضل أفراد عصره ، وبما أنّه لابدّ من وجود اولي الأمر والإمام المعصوم في كل عصر وزمان طبقاً لمفهوم الآيات السابقة ، فإنّهم مصداق هذا المعنى :

* * *

١ ـ آية الصلوات والتحية

نقرأ في قوله تعالى : (انَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (الأحزاب / ٥٦)

لقد تم تجسيد مقام نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية بأفضل وجه ، ذلك أنّ الله تعالى وملائكته المقربين يصلون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك صدور الأمر لجميع المؤمنين أن يصلوا ويسلموا عليه بدون استثناء.

أي مقام اسمى من هذا المقام؟ وأ ي عظمة فوق هذه العظمة؟

صحيح أنّه لم يرد في هذه الآية ، كلام عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّاأننا نقرأ في الكثير من الروايات أنّ أصحابه وانصاره عندما سألوه : كيف نصلي ونسلم عليك ، فقد جعل الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله «الآل» إلى جانب الصلاة عليه ، وجميع الرحمة والسلام اللذين يطلبان من الله

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٢٦٢.

٣٠٢

تعالى فهما له ، وآله أيضاً ، وهذه قرينة على أنّ الصلوات والتحية من الله والملائكة تتسم بالتعميم أيضاً ، فهي تشمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله وهذه ليست مسأله بسيطة ، بل إنّها توضح أنّ لهم مقامات تالية لمقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتكليف شبيه بتكليفه من بعض الجهات ، وإلّا فإنّ هذا المقام الشامخ لا يمكن أن يكون لهم بسبب القرابة فقط.

وننتقل الآن إلى طائفة من هذه الروايات الواردة في أشهر مصادر السنة :

١ ـ نقل في «صحيح البخاري» عن أبي سعيد الخدري قلنا : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السلام عليك معلوم ، كيف نصلّي عليك؟ قال : «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم» (١).

وينقل هذا الحديث في نفس الكتاب والصفحة بنحو اكمل عن «كعب بن عجره» أحد الصحابة المعروفين أنّه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عرفنا كيفية السلام عليك ، ولكن كيف يجب أن تكون الصلوات عليك؟ قال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» (٢).

تجدر الإشارة إلى أنّ البخاري يذكر هذه الأحاديث في نهاية الآية الشريفة : (إنّ الله وملائكته ...).

٢ ـ نقل في «صحيح مسلم» وهو ثاني مصدر معروف للحديث عند الاخوة السنّة عن «أبي مسعود الأنصاري» أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل علينا ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال بشير بن سعد : يارسول الله! لقد امرنا الله بأنّ نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت الرسول أولاً ، ثم قال : «قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد» (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٦ ، ص ١٥١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) صحيح مسلم ، ج ١ ص ٣٠٥ ، ح ٦٥.

٣٠٣

٣ ـ وفي تفسير «الدر المنثور» وهو اشهر تفسير روائي ينقل نفس رواية «أبو سعيد الخدري» عن «البخاري» و «النسائي» و «ابن ماجة» و «ابن مردويه» عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

ونقل في نفس الكتاب عبارة «أبو مسعود الأنصاري» عن «الترمذي» و «النسائي» و «ابن مردويه» (٢).

وينقل عين هذا المضمون أيضاً بفارق قليل عن «مالك» و «أحمد» و «البخاري» و «مسلم «و «أبو داود» و «النسائي» و» ابن ماجة» و «ابن مردويه» عن «أبي أحمد الساعدي» (٣).

وينقل الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين عن ابن أبي ليلى أنّ «كعب بن عجرة» صادفني وقال : أتريد أن اعطيك هدية سمعتها من الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! قلت : بلى اهدني! قال : سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف نصلي عليكم أهل البيت؟ قال قولوا : «اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ثم يقول الحاكم النيسابوري وقد عزم على ذكر أحاديث غير مذكورة في صحيحي البخاري ومسلم : نقل البخاري هذا الحديث في كتابه عن «موسى بن إسماعيل» بنفس هذا السند والألفاظ ، والسبب في ذكري إيّاه ثانية هنا يعود للإشارة إلى أنّ «أهل البيت» و «الآل» أمر واحد ، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحاكم نقل هذا الحديث بعد حديث «الكساء» الذي اشير فيه وبشكل صريح أنّ أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين (٤) ، وهذا تعبير عميق المعنى.

وبعد ذلك ينقل «الحاكم» حديث الثقلين ، وبعده حديث «أبو هريرة» أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ٥ ص ٢١٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المستدرك على الصحيحين ، ج ٣ ، ص ١٤٨.

٣٠٤

نظر إلى علي والحسن والحسين وقال : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» (١).

ونقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره نهاية هذه الآية الرواية أعلاه مع اختلاف بسيط عن «موسى بن طلحة» عن أبيه ، ويروي برواية اخرى نفس الحديث عن ابن عباس ، وفي رواية ثالثة عن «زياد» عن «إبراهيم» ، وفي رواية رابعة عن «عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري» (٢).

ونقل البيهقي أيضاً في كتابه المعروف «السنن» روايات متعددة بهذا الصدد حيث إنّ بعضها يوضح تكليف المسلمين في الصلاة وأثناء التشهد ، ومنها في حديث عن «أبي مسعود وعقبة بن عمرو» ، ينقل أنّ رجلاً جاء وجلس بين يدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنا جلوساً عنده ، فقال : يارسول الله إنا نعرف كيفية السلام عليك ، ولكن كيف نصلي عليك أثناء الصلاة؟ فسكت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قلنا : ليت الرجل لم يسأل مثل هذا السؤال ، ثم قال : «إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ثم ينقل عن «أبي عبد الله الشافعي» أنّه حديث صحيح بشأن الصلوات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلوة (٣).

وأورد البيهقي أحاديث متعددة اخرى بصدد كيفية الصلاة على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بشكل مطلق أو في الصلاة خاصة في حديث عن «كعب بن عجرة» عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ينقل أنّه كان يقول في الصلاة : «اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد» (٤).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ، ص ١٤٩.

(٢) تفسير جامع البيان ، ج ٢٢ ص ٣٢.

(٣) سنن البيهقي ج ٢ ص ١٤٦ و ١٤٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٢ ص ١٤٧.

٣٠٥

يتضح من هذا الحديث أنّه حتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذكر هذه الصلوات في صلواته.

يقول البيهقي في نهاية احدى الروايات التي لم يرد الحديث فيها عن الصلاة : ـ هذه الروايات ناظرة إلى حال الصلاة لأنّ جملة «قد علمنا كيف نسلم» هي إشارة إلى السلام في التشهد (السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته) لذا فإنّ المراد من الصلوات هي الصلوات في حال التشهد (١).

وعلى هذا الأساس فإنّ المسلمين مأمورون بالصلاة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد أيضاً كما هم مأمورون حسب اعتقاد جميع الفرق الإسلامية بالسلام على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد بلفظ : «السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله».

وبالرغم من أنّه يلاحظ هنا اختلاف بسيط بين المذاهب الأربعة للسنّة ، إذ إنّ الشافعيين والحنبليين يقولون : الصلاة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد الثاني واجبة ، في الوقت الذي يقول المالكيون والحنفيون : إنّها سنّة (٢) ، إلّاأنّه وطبقاً للروايات الآنفة فإنّها واجبة على الجميع.

وعلى أيّة حال فإنّ الكتب التي نقلت فيها الروايات المرتبطة بالصلوات على محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (سواء بشكل مطلق أو في خصوص التشهد في الصلاة) أكثر ممّا أوضحناه في هذا الموجز ، وما ذكر هنا كان بمثابة نموذج من هذه الروايات والكتب ، وقد نقل هذه الروايات مجموعة من الصحابة أمثال ابن عباس ، وطلحة ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة ، وأبو مسعود الأنصاري ، وبريدة ، وابن مسعود ، وكعب بن عجره ، وشخص علي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الملاحظة المحيرة جدّاً أنّ علماء السنّة بالرغم من كل هذه التأكيدات الواردة في روايات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن إضافة آل محمد تراهم دائماً (باستثناء بعض الموارد النادرة) يحذفون «آل محمد» ويقولون صلى‌الله‌عليه‌وسلم!.

والأعجب من ذلك أنّه في كتب الحديث ، وحتى في الأبواب التي تنقل فيها الروايات

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٢ ص ١٤٧.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ١ ، ص ٢٦٦.

٣٠٦

الآنفة بشأن إضافة «آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإنّهم عندما يذكرون اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في طيات هذه الأحاديث يقولون : «صلى‌الله‌عليه‌وسلم»! (بدون إضافة الآل) ولا ندري ما عذرهم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه المخالفة الصريحة لأوامره وتوجيهاته؟

فمثلاً يكتب البيهقي في عنوان هذا الباب «باب الصلوة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التشهد»! وكذا الحال في البعض الآخر من مصادر الحديث المعروفة.

إنّ اختيار هذا العنوان سواء كان من قبل مؤلفي هذه الكتب أو من قبل المحققين التالين لهم ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار ماورد في نهايته عجيب ومتناقض جدّاً.

وننهي هذا الموضوع بذكر حديثين آخرين :

١ ـ ينقل ابن حجر في الصواعق هكذا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا تصلوا علي الصلاة البتراء ، قالوا : وماالصلاة البتراء؟ قال : تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون ، بل قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد» (١).

يوضح هذا الحديث أنّه حتى كلمة «على» يجب أن لا تفصل بين محمد ، وآل محمد ويجب القول : «اللهم صل على محمد وآل محمد».

٢ ـ ينقل السمهودي في الاشراف على فضل الاشراف عن ابن مسعود الأنصاري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل» (٢).

وعلى ما يبدو أنّ الإمام الشافعي في شعره المعروف ، أخذ بنظر الاعتبار هذه الرواية يقول :

ياأهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن انزلهُ

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصل عليكم لا صلاة لهُ (٣)

يا ترى ، أنّ الذين يمتلكون مثل هذا المقام الذي يجب ذكر أسمائهم إلى جانب اسم

__________________

(١) الصواعق ، ١٤٤.

(٢) السمهودي في الاشراف ، ص ٢٨ طبقاً لنقل احقاق الحق ، ج ١٨ ، ص ٣١٠.

(٣) في كتاب الغدير النفيس ورد أن انتساب هذه الابيات هي للإمام الشافعي عن شرح المواهب للزرقاني ج ٧ ، ص ٧ وجمع آخر.

٣٠٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلوة كواجب وفريضة إلهيّة ، هل يمكن مساواتهم مع الآخرين.

وهل يبقى مكان لغيرهم للتصدي لمسألة الولاية والإمامة وخلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بوجودهم؟ وأي منصفٍ بوسعه أن يرجّح الآخرين عليهم ـ مع حيازتهم على كل هذه الفضائل والمقام الشامخ ـ؟ ألّا توضح كل هذه الادلة مسألة الولاية والخلافة بشكل مباشر؟ لكم أن تحكموا بأنفسكم.

* * *

٢ ـ آية النور والبيوت

نقرأ في الآيات التي تأتي بعد آية : (اللهُ نُورُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ) ، ما يلي : (فىِ بُيُوتٍ اذِنَ اللهُ انْ تُرفَعَ ويُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيَها بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لَّاتُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ واقَامِ الصَّلَاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالابصَارُ* لِيَجزِيَهُمُ اللهُ احسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِن فَضلِهِ وَاللهُ يَرزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ). (النور / ٣٥ ـ ٣٨)

بعد أن بيّن الله تعالى في الآية ٣٥ من هذه السورة ، النور الإلهيّ بمثال دقيق وظريف ولطيف ، ينتقل إلى مكان هذا النور في الآيات التالية.

تأملوا جيداً في التعابير الآنفة الذكر ، ولاحظوا ما لهذه البيوت الإلهيّة وحرّاسها من مكانة وعظمة ، حسب الوصف والتجسيد الوارد في هذه الآيات ، ثم تأملوا الروايات الواردة ادناه :

ينقل السيوطي في تفسير الدر المنثور عن «أنس بن مالك» ، و «بريدة» (وهما من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّه عندما تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ، قام رجلٌ ، وقال : «ايُّ بيوت هذه يارسول الله!».

قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «بُيُوتُ الأنبياء!».

فقام «أبو بكر» وقال : «هذا البيت منها لبَيْتُ عليٍّ وفاطمة؟!».

٣٠٨

قال : «نَعَمْ من أفاضلها» (١).

ونقل «الحاكم الحسكاني» شبيه هذا المعنى في «شواهد التنزيل» عن «أبو برزة» (رجلٌ آخر من الصحابة) عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون أن يذكر شخصاً معيّناً ، بل هكذا : «قيل : يارسول الله أَبيتَ عليِّ وفاطمة منها؟ قالَ : مِنْ أفضلها» (٢).

وبعد ذكر هذه الرواية ، ينقل الرواية السابقة أيضاً بطريقين عن «أنس بن مالك» و «بريدة» (٣).

ومن الملفت للنظر أنّ «الآلوسي» في «روح المعاني» وبالرغم من ذكره لجميع فضائل أهل البيت عليه‌السلام دون رغبةٍ منه إلّاأنّه يضيف هنا بعد أن ينقل الرواية الاولى عن «أنس بن مالك» و «بريدة» : «هذا إن صَحّ لا ينبغي العُدول عَنْهُ» (٤). (وبعبارة اخرى : إنّه أفضل كلامٍ في تفسير الآية إذ إنّ المراد بذلك بيوت الأنبياء وأفضلها بيت عليّ وفاطمة).

وأورد جمعٌ آخر من كبار علماء السنّة هذه الرواية في كتبهم أيضاً.

ويقيناً فإنّ هذه الروايات ، تشمل علياً عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام وولديهماالحسن والحسين عليهما‌السلام وكذا أولاد فاطمة عليها‌السلام من نسل الحسين عليه‌السلام أي الأئمّة المعصومين فإنّهم مشمولون بهذه الآية أيضاً ، ذلك أنّهم يواصلوان نفس الطريق ونفس النهج.

نعم ، إنّ بيوتهم كبيوت الأنبياء ، بل من أفضلها ، إنّه بيت يتلألأ منه نور الله دائماً ، ولا تصل إليه يدُ الشيطان ، ويقيناً فإنّ الساكنين في هذا البيت هم من أفضل البشر ، وهم كالأنبياء في الفضل والفضيلة.

٣ ـ الصراط المستقيم

في الآية السادسة من سورة الحمد التي نقرأها ليل نهار في الصلوة نسأل الله تعالى ،

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ٥٠.

(٢) شواهد التنزيل ، ج ١ ص ٥٣٢ ، ح ٥٦٦.

(٣) المصدر السابق ، ح ٥٦٧ و ٥٦٨.

(٤) تفسير روح المعاني ، ج ١٨ ، ص ١٥٧ نهاية الآية التي نحن بصددها.

٣٠٩

ونقول : (اهدنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ).

الصراط الذي يوصلنا إليك وإلى ما يرضيك ، صراطاً غير صراط الذين غضبت عليهم ولا الضالّين.

اللهم اهدنا أيضاً إلى هذا الصراط ، وثبتنا عليه.

بلا شك أنّ مفهوم «الصراط المستقيم» مفهوم واسع جدّاً ولذا فسره البعض على أنّه بمعنى «الإسلام» ، والبعض الآخر فسّره على أنّه «القرآن» ، وبعض على أنّه «الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وائمة الحق» وبعض آخر بمعنى «دين الله» ، وبعض آخر بمعنى طريق واسلوب أنبياء الله ، إذ إنّ كلاً من هذه التفاسير بوسعه أن يشكّل جزء من مفهوم الآية الواسع.

ولكن في العديد من الروايات التي نقلت عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق مختلفة ، وُضِع الاصبع على واحدةٍ من ابرز مصاديق هذه الآية ، ذلك أنّ الصراط المستقيم فُسِّرَ بمعنى صراط وطريق علي بن أبي طالب عليه‌السلام أو محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ينقل «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» عن «جابر بن عبد الله الأنصاري» عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«انّ اللهَ جَعلَ علياً وزوجتَهُ وابناءَهُ حُجَجَ اللهِ على خلقِهِ وهُمْ أبوابُ العِلْمِ في امَّتي ، مَن اهْتدَى بهِمْ هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ» (١).

وينقل في حديث آخر عن «ابن عباس» عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : «أنت الطريق الواضحُ وأنت الصِّراطُ المستقيمُ وأنت يعسوبُ المؤمنين!» (٢).

وينقل أيضاً في حديث ثالث عن «ابن عباس» أنّه كان يقول في تفسير «اهدنا الصّراط المستقيم» : «قولوا ـ معاشرَ العبادِ ـ اهدنا إلى حُبِّ النبيِّ واهلِ بيتهِ»! (٣).

وينقل في الحديث الرابع عن «أبو بريدة» في نهاية هذه الآية أنّه قال : المراد بالصراط محمدٌ وآله» (٤).

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٧٦ ، ح ٨٩.

(٢) المصدر السابق ، ح ٨٨.

(٣) المصدر السابق ، ح ٨٧.

(٤) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٧٤ ، ح ٨٦.

٣١٠

وقد أورد «العلّامة الثعلبي» هذا الحديث في تفسيره أيضاً (١).

ونقله أيضاً «الشيخ عبيد الله الحنفي» في كتاب «ارجح المطالب» عن «أبو هريرة» (٢).

وينقل في الحديث الخامس الوارد في «شواهد التنزيل» عن «عبد الرحمن بن زيد» عن أبيه أنّه قال في تفسير آية : (صِرَاطَ الَّذِينَ انعَمتَ عَلَيهِمْ) : هو النبيُّ ومن مَعَهُ وعَليُّ بنُ ابي طالبٍ وشيعَتُه» (٣).

وقد وردت روايات متعددة بهذا الشأن أيضاً في مصادرالشيعة واتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنها أنّه ورد في رواية عن الإمام الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير الآية : (صراط الَّذِينَ انعَمتَ عَلَيهِمْ) أنّه قال : «يعني محمداً وذرَّيتَهُ عليهمُ السلامُ» (٤).

وبناءً على ذلك فإنّ أبرز وأوضح مصاديق الصراط المستقيم هو صراط النبي وعليٍّ عليه‌السلام وأولاده المعصومين من نسل فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، من اهتدى بهم وسار على نهجهم ، هُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ يقرّبه إلى الله تعالى ، ويبعده عن الضلالة والانحراف.

* * *

٤ ـ وسيلة قبول توبة آدم عليه‌السلام

جاء في قوله تعالى أنّ آدم عليه‌السلام بعد «ترك الأولى» تلقى «كلماتٍ من ربّه ، وتاب بهن ، وقبل الله توبته ذلك أنّ الله توابٌ رحيم» وهو قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلِيهِ انَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). (البقرة / ٣٧)

فما هي هذه الكلمات التي أوحاها الله تعالى لآدم كي يتوب بهن؟ هناك جدال بين المفسّرين ، إذ يرى البعض منهم أنّ ذلك يعد إشارةً لما جاء في الآية : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا انْفُسَنَا

__________________

(١) تفسير الثعلبي بناءً على نقل كفاية الخصام ، ص ٣٤٥.

(٢) أرجح المطالب ، ص ٨٥.

(٣) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٨٥ ، ح ١٠٥.

(٤) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٢٣ ، ح ١١٠١ (للمزيد من الاطلاع على هذه الأحاديث يرجى مراجعة تفسير نور الثقلين والبرهان).

٣١١

وَانْ لَم تَغفِر لَنا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ). (الأعراف / ٢٣)

ويرى البعض الآخر أنّ ذلك إشارة للأدعية الاخرى ، ومنها دعاء يونس أثناء مكثه في بطن الحوت ، أي جملة : (سُبحَانَكَ انِّي كُنْتُ من الظَّالِمينَ).

ولكن جاء في الروايات المتعددة التي نقلت عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عن الصحابة ، أنّ تلك الكلمات كانت القسم على الله بحق محمدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

ينقل السيوطي في «الدر المنثور» في نهاية هذه الآية عن «ابن عباس» إنّي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : «سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّاتُبت عليَّ ، فتاب عليه» (١).

وينقل أيضاً في ذلك الكتاب عن عليٍّ عليه‌السلام إنّي سألت الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير هذه الآية ، قال : ... أمر الله آدم أن قل : «اللهم إنّي أسألك بحق محمدٍ وآلِ محمدٍ ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملتُ سوءً وظلمتُ نفسي فَاغْفِرْ ليِ إنّكَ أنتَ الغفورُ الرحيم ، اللهم إنّي أسأَلُكَ بحق محمدٍ وآلِ محمدٍ سبحانك لا إله إلّاأنت عملتُ سوءً وظَلمتُ نفسي فَتُبْ عليَّ إِنَّكَ أنت التّوابُ الرحيم فهؤلاءِ الكلمات التي تلقّى آدَمُ» (٢).

يُعلَمُ جيداً من هذه الروايات أنّه لا منافاة بين هذه التفاسير الثلاثة ، وكل هذه الكلمات كانت مجموعة في دعاء آدم عليه‌السلام.

ونقل «ابن المغازلي» في مناقبه نفس هذا المعنى عن «سعيد بن جبير» عن «ابن عباس» أنّه سأل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سَألهُ بحَقِّ محمدٍ وعلي وفاطِمةَ والحسن والحسينِ إِلّا ما تُبْتَ عليَّ فتابَ عليهِ» (٣).

ونقل «العلّامة القندوزي» هذا الحديث أيضاً في «ينابيع المودّة» ، والبيهقي في «دلائل النبوّة» ، و «البدخشي» في «مفتاح النّجاح» ، و «عبد الله الشافعي» في «المناقب» (٤).

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ١ ، ص ٦٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) مناقب ابن المغازلي ، طبقاً لنقل احقاق الحق ، ج ٩ ص ١٠٢.

(٤) المصدر السابق.

٣١٢

وبالرغم من أنّ الكثير من الكتب ، انهت سند هذا الحديث بـ «ابن عباس» ، إلّاأنّ الراوية لا ينحصر بـ «ابن عباس» ، ذلك أنّه ينقل نفس هذا المعنى في «الدر المنثور» عن الديلمي في «مسند الفردوس» بسندٍ ينتهي ب عليِّ عليه‌السلام ، أنّ علياً عليه‌السلام يقول : سألت من الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن هذه الآية إلى أن يقول : «فعليك بهؤلاء الكلمات فإنّ الله قابل توبتك وغافر ذنبك. قل : اللهم إنّي اسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلّاأنت عملت سوءً وظلمتُ نفسي فتب عليَّ إنّك أنت التوابُ الرحيم» (١).

ونقل هذا المعنى في مصادر أهل البيت عليهم‌السلام ومصادر السنّة عن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً ، ورواياته متعددة وطرقهُ متنوعة (٢).

لا ينبغي النظر إلى هذا الحديث على أنّه فضيلة عابرة ، والمرور به مروراً عابراً ، إذ إنّ آدم عليه‌السلام عندما يريد أن يتوب من تركه الأولى (وهذا أول ترك للأولى) يؤمرُ من قبل الله أن يسأَلَهُ بحق محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بحق محمدٍ وعليِّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كي يقبل توبته.

لاسيّما وأنّ هذا المعنى لم يرد بشأن أحد سواهم ، وهو مقام رفيع مختصٌ بهم ، وهذا دليل العظمة الفائقة للخمسة الطيبة وللرسول وأهل بيته والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

وعلى هذا كيف يمكن القول بوجود مَن هو أفضل وأليق منهم لخلافة وولاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكيف يمكن ترجيح سواهم عليهم؟

وبالرغم من وجود مثل هذه الأسانيد ، أَمِنَ العجب ـ ياترى ـ أن تبقى الإمامة في نسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة؟!

* * *

٥ ـ أفضل الحسنات

(مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئذٍ آمِنُونَ). (النمل / ٨٩)

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ١ ، ص ٦٠ (مع الاختصار).

(٢) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٨٦ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٧ فما فوق ؛ بحار الأنوار ، ج ٢٦ ، ص ٣١٩ فما فوق.

٣١٣

للحسنة هنا ، مفهوم واسع بأنّها تشمل جميع الحسنات ، وتبشّر مَن يأتي بحسنة ، فله خيرٌ منها ، وأحد آثارها المهمّة الأمان من خوفِ وفزعِ يوم المحشر وهو أعظم الفزع.

ولكن ورد في بعض الروايات «إنّ محبّة أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تعتبر واحدة من أهم وأبرز مصاديق الحسنة في هذه الآية ، وتبيّن أنّ هذه المحبّة تعد من أفضل وسائل الأمان في يوم المعاد».

ونقلت عدّة روايات في «شواهد التنزيل» في نهاية هذه الآية بهذا المعنى ، أنّ المراد من «الحسنة» في الآية أعلاه محبّة أهل البيت عليهم‌السلام.

ومنها أنّه يُنقل عن «أبي عبد الله الجدلي» عن عليٍّ عليه‌السلام أنّه قال له : «ألا أُخبرك بقول الله تعالى : (مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ـ إلى قوله ـ تعملون)؟ قال : بلى جُعلت فداك. قال : «الحسنة حبّنا أهل البيت والسيئة بغضنا» ، ثم قرأ الآية» (١).

ونقل نفس هذا المعنى في الحديثين ٥٨٢ ، و ٥٨٧ مع هذا الفارق أنّه جاء في نهاية الحديث الثالث : «ألا اخبركَ بالسيئةِ التي مَن جاء بها أَكبَّهُ اللهُ على وجهِهِ في نارِ جهنَّمَ ، بُغْضَنا أهلَ البيتِ»! ثم تلا أمير المؤمنين عليه‌السلام الآية الثانية وقال : (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وَجُوهُهُمْ فِى النَّارِ) (٢). (النمل / ٩٠)

ويُنقل في حديث آخر عن «أبو امامة الباهلي» (٣) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إِنَ الله خلق الأنبياء من شجرٍ شتّى وخلقني وعلياً من شجرةٍ واحدة فانا أصلها وعليٌّ فرعها ، والحسنُ والحسينُ ثمارها ، واشياعنا اوراقُها ، فمَن تعلقَ بغُصْنٍ من أغصانها نجا ، ومَنْ زاغَ هوى ، وَلَوا أنّ عابداً عَبَد اللهَ الفَ عامٍ ، ثم الف عامٍ ، ثم ألف عام ثم لم يدرك محبَّتَنااكَبَّهُ اللهُ على مِنْخرَيْهِ في النار!» (٤).

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٥٤٨ ، ح ٥٨١.

(٢) المصدر السابق ، ص ٥٥٢ ، ح ٥٨٧.

(٣) أبو امامة الباهلي كان من أصحاب الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكروا أنّ وفاته كانت سنة ٨١ ، وهو آخر مَن توفي في الشام (اسد الغابة ، في مادة صَدَيَهْ) ، ولكن في كتاب الكنى والالقاب ذكروا أنّ وفاته كانت سنة ٨٦ واسمه صُدَي على وزن رُجَيل ، وكان من جملة الذين جعل عليهم معاوية العيون لئلا يذهب إلى عليٍّ عليه‌السلام.

(٤) شواهد التنزيل ، ج ١ ص ٥٥٣ ، ح ٥٨٨.

٣١٤

وينقل العلّامة القندوزي أيضاً مضمون الحديث الأول عن عليٍّ عليه‌السلام ويختم الحديث ، أنّه قال : «الحسنَةُ حبّنا والسَّيئَةُ بغضنا» (١).

وينقل عن «ابن كثير» عن الإمام الصادق عليه‌السلام في ذلك الكتاب نفسه أنّه قال (آية) : (مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ امثَالَهَا) ، قال : هي للمسلمين عامة واما الحسنة التي من جاء بها فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون فهي ولايتنا وحبنا».

وبالرغم من أنّ طائفة من المفسرين وأرباب الحديث لم يوردوا مودة أهل البيت عليهم‌السلام على أنّها حسنة كبيرة في نهاية الآية التي نحن بصددها ، إلّاأنّهم نقلوا هذا المضمون لهذه الاحاديث في نهاية الآية : (وَمَنْ يَقتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسناً). (الشورى / ٢٣)

ومن جملة هؤلاء «السيوطي» إذ نقل في «الدر المنثور» عن «ابن أبي حاتم» عن «ابن عباس» أنّه قال في تفسير هذه الآية : «المودَّةُ لآلِ محمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

ويقول «الآلوسي» في «روح المعاني» في نهاية هذه الآية ٢٣ من سورة الشورى ، بعد أن يقول : إنّ بعض المفسرين قالوا : المراد من «الحسنة» المودّة لذوي قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : هذا المعنى نُقل عن «ابن عباس» و «السدّي» ، ثم يضيف قائلاً : محبّة آل الرسول من أعظم الحسنات ، وجاء عنوان «الحسنة» في صدر هذه الآية (٣).

وهناك أحاديث اخرى شبيهة بالأحاديث السابقة وردت في كتب اخرى ، لو أردنا ذكرها لطال بنا المقام.

ونختم هذا البحث بحديثٍ ورد بشأن محبّة أهل البيت عليهم‌السلام (وإن لم يرد في نهاية الآية) :

نقل «الشبلنجي» حديثاً عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في كتاب «نور الأبصار» وصرّح بأنّه حديث صحيح ، وقد ورد ضمن الحديث أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «واللهِ لا يدخُلُ قَلب رجلٍ ، الإيمان

__________________

(١) ينابيع المودّة ، ص ٩٨.

(٢) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٧.

(٣) تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٣١.

٣١٥

حتى يحبَّهُم (اهلَ بَيتي) لِقرابتهِم مِنّي» (١).

وهذه الملاحظة أيضاً لها أهميتها ، إذ إنّ المحبّة العادية والمألوفة لا يسعها اطلاقاً أنّ تصبح وسيلةً للنجاة من فزع يوم القيامة ، أو أن تكون شرطاً من شروط الإيمان ، إنّ هذه التعابير توضح بشكل جليّ أنّ محبّة أهل البيت إنّما هي إشارة لمسألة الولاية والإمامة الهامة لبناء الدين ، إذ تعد سبب بقاء الدين واستمرارية خط النبوّة وحفظ الإيمان.

* * *

ومن مجموع ما ورد بنحو الإشارة في الآيات السابقة ، وما ورد بشكل صريح في الروايات الواردة في تفسير تلك الآيات ، تتّضح لنا هذه المسألة ، وهي : إنّ آل محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصةً علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام يحظون بمقام رفيع جداً وذلك لأنّهم :

أولئك الذين تعد محبتهم اجراً على الرسالة.

من لم يصلّ ويسلّم عليهم لا صلاة له.

تعد منزلتهم بمثابة الصراط المستقيم.

إنّ آدم عليه‌السلام ومن أجل الفكاك من غضب الله تعالى عليه بسبب «تركه الأولى» أقسم بأسمائهم على الله تعالى وتاب لكي تقبل توبته!

وأخيراً فإنّ مودتهم حسنة تنقذ كل مؤمن من خوف وفزع يوم القيامة.

نعم ، إنَّ الذين يتصفون بهذه الصفات الحميدة ، ويحظون بهذا المقام الشامخ كما ورد في الروايات المعروفة للسنّة والمصادر المشهورة لأهل البيت ، لا يمكن أن يجاريهم الآخرون اطلاقاً ، وبالنتيجة لا يمكن الذهاب لغيرهم مع وجودهم ، ويقيناً فإنّ هذه المحبّة والمودةَ تعد مقدمةً لمسألة الولاية والقيادة والتي بدورها تعد استمراراً لخط قيادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكذلك الذين ذكروا في الروايات المتواترة لحديث الثقلين وأصبحوا إلى جوار القرآن

__________________

(١) نور الأبصار ، ص ١٢٦.

٣١٦

الكريم يمثلون أحد الثقلين ، واصبح الاثنان يمثلان وسيلتي النجاة من الضلال ، تلك الوسيلتان اللتان ستبقيان قائمتين في الامّة الإسلامية حتى قيام الساعة ، ولابدّ للمسلمين أن يلجأوا إليهما.

والذين عُرفوا بأنّهم سفينة النجاة ، ونجوم الهداية الساطعة هم خير البريّة وأفضل الناس ، هذه الأوصاف التي وردت في أغلب المصادر المعروفة والمشهورة لكلا الفريقين.

نعم ، إنّنا نعتقد بأنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأكيداً على الإشارات الواردة في آيات القرآن الكريم بهذا الشأن أتمّ الحجة بحديثه على جميع المسلمين ، وبقي على المسلمين أن يختاروا سبيل نجاتهم بعيداً عن مشاعر التعصب والأحكام المسبقة ، أي أن يلجأوا إلى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلوا من خلال هدايتهم وقيادتهم إلى السعادة وبر الأمان ، والذين لا يعتنون بكل هذه الإشارات والتصريحات المستندة إلى هذا الكم من الوثائق المعتبرة أو يبررون ويؤوّلون ويفسّرون بالرأي ، عليهم أن يجيبوا عن أعمالهم هذه.

* * *

التصريح باسماء أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

هذه الملاحظة جديرة أيضاً بأنّ تذكر وهي : إنّ في البعض من الروايات الواردة في مصادر السنّة ذكرت أسماء الأئمّة الاثني عشر بشكل كامل أيضاً ، أي أنّه بعد ذكر عليِّ عليه‌السلام ورد اسم الإمام الحسن عليه‌السلام ثم الإمام الحسين عليه‌السلام ثم الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام ثم الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام وبعده جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، ثم موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، ثم علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ثم محمد بن علي الجواد التقي عليه‌السلام ، وبعده علي بن محمد الهادي النقي عليه‌السلام ، ثم الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، ثم محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام!

ومن هؤلاء الذين ذكروهم «سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي» إذ نقل في كتاب «ينابيع المودّة» حديثين بهذا الشأن :

الحديث الأول : ينقله عن «فرائد السمطين» بسندٍ ينتهي بابن عباس أن يهودياً جاء إلى

٣١٧

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأل أسئلة متعددة حول الإسلام والتعاليم الإسلامية ، ومن جملة أسئلته أنّه قال : أخبرني عن وصيك مَن هو؟ فما من نبي إلّاوله وصي ، وأنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ وصيي علي بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين (١).

الحديث الثاني : وينقل في حديث آخر عن «المناقب» عن جابر بن عبد الله الأنصاري قصّة مشابهة لهذه القصة أيضاً ، وردت فيها أسماء الأئمّة الاثنا عشر واحداً بعد الآخر بشكل صريح ، وقد أشرنا إلى كلا الحديثين بنحو الاختصار لطولهما (٢).

ويجب أن لا ننسى بأننا نقلنا روايات كثيرة في السابق لها دلالة على الأئمّة الاثنا عشر بنحو الإجمال ، ومتى ما عاودتم الرجوع إلى ذلك البحث ، وأخذتم بنظر الاعتبار تلك الروايات المعتبرة والمشهورة المنقولة عن طرق السنّة والشيعة ستلاحظون بأنّه لم يطرح أي تفسير صحيح وجدير بالملاحظة بشأن الأئمّة الاثني عشر (أو الخلفاء والأمراء الاثني عشر) سوى ما نقله الشيعة ، وبقي الجميع متحيرين في تفسير عدد الاثني عشر بشأن خلفاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إنّ هذه الروايات المنقولة في أكثر مصادر الحديث اعتباراً ، على درجةٍ من القوة بحيث أنّها غير قابلة للانكار ، والتفسير الصحيح والوحيد لهذه المسألة هو التفسير الذي ذكره «الإمامية».

نأمل أن يأتي اليوم الذي ندع فيه أحكامنا المسبقة جانباً ، ونشرع بانجاز بحثٍ جديد ومستقل في هذه الروايات والآيات القرآنية بشأن الإمامة وخلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعل ذلك يؤدي إلى فتح آفاقٍ جديدة امام الجميع.

* * *

__________________

(١) ينابيع المودة ، ص ٤٤٠ ، الباب ٧٦.

(٢) المصدر السابق ، ص ٤٤٢ ، الباب ٧٦.

٣١٨

الإمام المهدي عليه‌السلام

٣١٩
٣٢٠