نفحات القرآن - ج ٩

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٩

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٥٢

فقال لها : كيف تجدينك؟ قالت : والله لقد اشتد حزني ، واشتدت فاقتي وطال سقمي .... قال : «أوما ترضين أنّي زوجتُك أقدم امتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً» (١).

* * *

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الحديث أورده ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٥٧» ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق ، ج ١ ، ص ٢٣٢» ، والهيثمي في «مجمع الزوائد ، ج ٩ ، ص ١٠١» ، والمتقي الهندي في «كنز العمال ، ج ١٢ ، ص ٢٠٥» ، وأورده جمع آخر من علماء السنّة في كتبهم.

١٦ ـ يقول «عبد الله بن صامت» (ثابت) وهو من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : دخلنا يوماً على رسول الله فقلنا : «من أحب أصحابك إليك؟ فإن كان أمر كنّا معه ، وإن كان ناسئة كنا دونه ، قال هذا علي أقدمكم سلماً وإسلاماً» (٢).

ويظهر جلياً من هذا الحديث بأنّ «عبد الله بن ثابت» وأصحابه كانوا يبحثون عن رجل أفضل الناس جميعاً بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمامة والولاية ، فأشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام علي عليه‌السلام معرّفاً إيّاه لتحمل هذا الأمر.

١٧ ـ وينقل «بريدة» وهو صحابي من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصةً مشابهة لقصة «معقل بن يسار» ، حيث نقرأ في نهاية تلك القصة أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله واسى فاطمة الزهراء عليها‌السلام وقال : «أما ترضين أنّ الله زوجك من أقدم امتي إسلاماً وأغزرهم علماً وأفضلهم حلماً»؟ ثم يضيف : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والله «إنّ أبنيك سيدا شباب أهل الجنّة» (٣).

١٨ ـ الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام نقل بنفسه هذا المعنى في حديثه المقبول من قبل الجميع ، وقد ورد في كتاب «الجوهرة» تأليف محمد بن أبي بكر الأنصاري : إنّ الإمام

__________________

(١) مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٢٦.

(٢) نقل هذا الحديث أحمد بن مردويه في كتاب المناقب ، احقاق الحق ، ج ١٥ ، ص ٣٣٦.

(٣) أورد هذا الحديث «ابن عساكر» في «تاريخ دمشق» في كتاب «ارجح المطالب» تأليف العلّامة التستري ، ص ١٠٧ و ٣٩٦ فقط.

٢٦١

علي عليه‌السلام قال على منبر البصرة : «أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم» (١).

كذلك ينقل «الشيخ محمد بن مكرم الأنصاري» في كتابه «مختصر تاريخ دمشق» عن الإمام أنّه قال : «أنا أوَّلّ مَنْ أسلم» (٢).

وهناك موارد متعددة في «نهج البلاغة» تستند على هذا المعنى ، منها أنّ الإمام يقول في الجملة رقم ١٣١ : «اللهم إنّي أول مَن أناب وسمع وأجاب ، لم يسبقني إلّارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة» (٣).

تجدر الإشارة إلى أننا خرجنا بعض الشيء في هذا البحث عن اسلوبنا في هذا التفسير واسهبنا في الحديث ، إلّاأنّ أهميّة المسألة أوجبت علينا التوسّع في البحث أكثر مما ينبغي.

على أيّة حال نختم هذه الروايات والروايات التي أوردها «ابن هشام» في تاريخه المعروف «السيرة النبوية» مع الاعتراف بهذه الحقيقة ، أنّ المواضيع غير المطروقة كثيرة في هذا الباب.

إنّه ينقل أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوائل أيّام الإسلام كان يذهب إلى بعض مفاوز مكة عند دخول وقت الصلاة لأداء الصلاة ، ويرافقه علي بن أبي طالب ـ خفية ـ فقط ... وذات يوم قال له أبوه أبو طالب : يا ولدي ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال : يا أبت! آمنت بالله وبرسول الله ، وصدّقته بما جاء به ، وصليت معه لله واتبعته ، فقال له : أمّا أنّه لم يدعك إلّاإلى خير فالزمه (٤).

* * *

__________________

(١) الجوهرة ، ص ٨ ، وقد نقل هذا المعنى طائفة اخرى مثل «أبو أحمد الجرجاني» في كتاب الكامل في الرجال ، ج ٣ ، ص ١١٢٣ ، وتوضيح الدلائل ، ص ١٧١ ، ومختصر تاريخ دمشق وغيرها.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ، ج ١٧ ، ص ١١٨.

(٣) ورد هذا المعنى في الخطبتين ٧١ و ١٩٢ أيضاً.

(٤) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٢٦٣.

٢٦٢

إنّ أسبقية إيمان علي عليه‌السلام من الوضوح والجلاء بحيث إنّ جمعاً من الشعراء المعروفين ذكروه في أشعارهم كواحدٍ من مناقب الإمام علي عليه‌السلام ومفاخره.

يقول أحدهم في هذا المجال :

أليس أول مَنْ صلّى لقبلتكُمْ

وأعلم الناس بالقرآن والسنن؟

ويقول آخر :

فهذا وفي الإسلام أوَّلُ مسلمٍ

واوَّل مَنْ صلّى وصام وهلّلا

وينقل المرحوم «العلّامة الأميني» في «الغدير» بعد ذكره لعشرة شعراء أنّهم انشدوا هذا المعنى في طيات أشعارهم (١).

وجدير بالذكر أيضاً أنّ العلّامة الأميني ينقل في ذلك الكتاب أكثر من مائة حديث آخر عن «الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، و «أمير المؤمنين عليه‌السلام» ، و «الصحابة» ، و «التابعين» ، و «المؤرّخين» ، و «المحدثين» ، كلها تنصّ على أنّ علياً عليه‌السلام أول مَن آمن برسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرجال.

سؤال واحد فقط!

بقي هنا سؤال معروف كان مطروحاً بين بعض «المرجفين» منذ القرون الاولى لظهور الإسلام ، وهو «صحيحٌ أنّ علياً عليه‌السلام أول مَن اسلم من الرجال ، ولكن : هل يصح إسلامُ غلامٍ في العاشرة من عمره؟» ولو سلّمنا بجعل زمان بلوغه معياراً فإنّ جمعاً آخر آمنوا بالإسلام قبله على هذا الأساس.

الجواب :

من المناسب أن نورد هنا المحاججة التي جرت بين «المأمون» الخليفة العباسي ، مع أحد علماء أهل السنّة المعروفين في عصره ويُدعى «اسحاق» ، وقد أورد هذا الحديث «ابن عبد ربه» ، في «العقد الفريد».

__________________

(١) الغدير ، ج ٣ ، ص ٢٣١ ـ ٢٣٣.

٢٦٣

إذ قال له «المأمون» : يا اسحاق أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله؟

قال اسحاق : الإخلاص بالشهادة ، قال المأمون : أليس السبق إلى الإسلام؟ قال اسحاق : نعم ، قال المأمون : فهل علمت أحداً سبق علياً إلى الإسلام؟ قال اسحاق : إنّ علياً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم ... فقال المأمون : أخبرني عن إسلام علي حين أسلم؟ فهل يخلو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟ ثم قال : يا اسحاق لا تنسب رسول الله إلى التكلف فإنّ الله يقول : «وما أنا من المتكلفين» ، قال اسحاق : دعاه بأمر الله ، قال المأمون : فهل من صفة الجبار جلّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم قد تكلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ... أترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال اسحاق : أعوذ بالله (١).

ويضيف المرحوم العلّامة الأميني رحمه‌الله) بعد نقله هذا الحديث من «العقد الفريد» : قال أبو جعفر الاسكافي المعتزلي المتوفي سنة ٢٤٠ في رسالته : قد روى الناس كافة افتخار علي عليه‌السلام بالسبق إلى الإسلام وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استنبئ يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ، وأنّه كان يقول : صليت قبل الناس سبع سنين وأنّه مازال يقول : أنا أول مَن أسلم ويفتخر بذلك ويفتخر له به أولياؤه ، وما دحوه ، وشيعته في عصره ، وبعد وفاته ، والأمر في ذلك أشهر من كل شهير ، وقد قدمنا منه طرفاً وما علمنا أحداً من الناس فيما خلا استخف بإسلام علي عليه‌السلام ، ولا تهاون به ، ولا زعم أنّه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير ، ومن العجب أن يكون مثل العباس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدوا عن رأيه ، ثم يخالفه علي ابنه لغير رغبة ولا رهبة يؤثر القلة على الكثرة (٢).

وخلاصة الحديث توضح من خلال النقاط التالية :

أولاً : إنّ رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله قَبِل إسلام علي عليه‌السلام ، ومَن لم يقرّ بإسلامه في ذلك السن ،

__________________

(١) العقد الفريد ، ج ٣ ، ص ٤٣ ، بشكل مختصر.

(٢) الغدير ، ج ٣ ، ص ٢٣٧.

٢٦٤

فانه في الواقع إنّما يُشكل على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثانياً : من خلال الروايات المشهورة التي تمت الإشارة إليها آنفاً ورد في قصة يوم الدار أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله اعدَّ طعاماً ودعا عشيرته الأقربين من قريش لتناول الطعام ودعاهم للاسلام وأنَّ : أول من يلبي دعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدفاع عن الإسلام سيكون أخاه ووصيه ، فلم يلب أحد دعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله سوى علي بن أبي طالب ، حيث قال عليه‌السلام : «أنا أعينك وابايعك» فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي» (١).

فهل يصدّق احد أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يتخذ ـ من لم يبلغ في ذلك اليوم سن البلوغ ، ولم يكن إسلامه مقبولاً أيضاً حسب قول المرجفين ـ أخاً ووصياً وخليفة له من بعده ويدعو الآخرين لمؤازرته إلى أن يصل الأمر ليقول رؤوس الشرك لابي طالب مستهزئين : يجب أن تسمع لابنك وتؤازره.

إنّ سن البلوغ ليس شرطاً في صحة الإسلام بدون أدنى شك ، فكل صبي مميز عاقل بما فيه الكفاية يؤمن بالإسلام على فرض عدم إسلام أبيه ، يفصل عن أبيه ويحتسب في زمرة المسلمين.

ثالثاً : يستفاد من القرآن الكريم أنّ البلوغ ليس شرطاً حتى في النبوة ، وأنّ بعض الأنبياء بلغوا هذا المقام في سن الطفولة ، كما يقول تعالى بخصوص النبي يحيى (وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبيّاً). (مريم / ١٢)

وقد جاء كذلك في قصة عيسى عليه‌السلام أنّه قال بصريح الكلام حين طفولته : (انّىِ عَبدُ اللهِ آتَانِىَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً). (مريم / ٣٠)

وأكثر من هذه الامور جميعاً أنّ رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله قَبِلَ علياً عليه‌السلام حتى أنّه اتخذه في يوم الدار أخاً ووصياً ووزيراً وخليفة له من بعده.

وعلى أيّة حال فإنّ الروايات التي تقول إنّ علياً عليه‌السلام هو أول مَن قَبِلَ دعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تعد فضيلة لا مثيل لها للإمام لا يساويه فيها أحد ، ولهذا السبب فإنّه أفضل الامّة لخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٦٠.

٢٦٥
٢٦٦

١٩ ـ آية «اذُنٌ واعِيَة»

(لِنَجعَلَهَا لَكُمْ تَذكِرَةً وَتَعِيَهَا اذُنٌ وَاعِيَةٌ). (الحاقة / ١٢)

لقد كان الهدف هو أن نجعل من نجاة المؤمنين بواسطة سفينة نوح واغراق الكافرين بواسطة الطوفان تذكرةً (لكم) لتعيها (والحوادث المشابهة لها) اذُنٌ واعية (كي تنقلوها للآخرين فيتّعظوا).

ينقل «السيوطي» في «الدر المنثور» من ستة طرق عن «بريدة» الصحابي المعروف ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعلي عليه‌السلام : «إنّ الله أمرني أن ادنيَكَ ولا اقصيَكَ ، وأن اعَلّمَكَ وَأنْ تَعِيَ ، وَحَقٌ لَكَ أنْ تَعِيَ ، فنزلت هذهِ الآيةَ : وَتَعِيهَا اذُنٌ واعِيَةٌ» (١).

وينقل في نفس ذلك الكتاب عن «أبو نعيم الاصفهاني» في «حلية الاولياء» عن علي عليه‌السلام أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له ... ثم يذكر نفس مضمون حديث «بريدة» ، ويضيف في النهاية : «فَأنْتَ اذُنٌ وِاعَيَةٌ لِعِلْمي» (٢).

وينقل أيضاً في نفس ذلك الكتاب من خمسة طرق عن «مكحول» وهو احد خدّام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عندما نزلت آية «وتعيها اذُنٌ واعية» قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت ربي أن يجعلها اذن علي ، قال محكول : فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً فنسيته» (٣).

* * *

__________________

(١) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٦٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٢٦٧

ونقل «الزمخشري» الحديث الأخير في «الكشاف» أيضاً دون أن يشكل عليه (١).

ونقل جمعٌ آخر من المفسرين مثل «الفخر الرازي» في «التفسير الكبير» (٢) ، و «الآلوسي» في «روح المعاني» (٣) ، و «البرسوني» في «روح البيان» (٤) ، و «القرطبي» في «التفسير الجامع» (٥) ، نقلوا جميعاً نهاية الآية بخصوص الحديث الأخير.

وأورد «الطبري» أيضاً في تفسيره هذا الحديث وطائفة اخرى من الأحاديث بصدد هذا الموضوع. (٦)

وقد ذكر «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» «ثلاثة عشر حديثاً» في نهاية هذه الآية حيث نقلها من عدّة رواة ، وتنتهي سلسلة سندها إلى الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعض هذه الأحاديث مروية عن «مكحول» خادم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعض منها عن «بريدة» ، وبعضها عن شخص «علي بن أبي طالب عليه‌السلام» ، والبعض الآخر عن «جابر بن عبد الله الأنصاري» ، حيث ستطالعون نماذج من تلك الأحاديث أدناه :

نقرأ في حديث عن «أبو الدنيا» عن علي عليه‌السلام أنّه عندما نزلت الآية (وَتَعْيِهَا اذُنٌ وَاعِيَة) ، قال لي الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي» (٧).

ونقرأ في حديث آخر عن «مكحول» أنّه عندما تلا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله آية «وَتَعيِهَا اذُنٌ وَاعِيَة» ، التفت إلى علي عليه‌السلام وقال : «سألت الله أن يجعلها اذُنك» (٨).

وفي حديث آخر عن «بريدة» أورد مضمون الحديث الذي نقلناه بادىء الأمر نصاً (٩) واخيراً ينقل عن «جابر بن عبد الله الأنصاري» أنّه عندما نزلت الآية الآنفة الذكر ، سأل

__________________

(١) تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٦٠٠.

(٢) تفسير الكبير ، ج ٣٠ ، ص ١٠٧.

(٣) تفسير روح المعاني ، ج ٢٩ ، ص ٤٣.

(٤) تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ١٣٦.

(٥) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٧٤٣.

(٦) تفسير جامع البيان ، ج ٢٩ ، ص ٣٥.

(٧) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٨) المصدر السابق ، ص ٢٧٧ ح ١٠١٥.

(٩) المصدر السابق ، ص ٢٨٢ ، ح ١٠٢٢.

٢٦٨

الرسول الله تعالى أن يجعل اذن علي عليه‌السلام (مصداقها الأتم) وتحقق مراد النبي هذا (١).

ونقل مؤلف كتاب «الفضائل الخمسة» هذا الحديث أيضاً ، اضافة لما ذكر من «كنز العمال» ، و «نور الابصار» ، و «مجمع الزوائد» للهيثمي ، و «أسباب النزول» للواحدي (٢).

النتيجة :

مع الأخذ بنظر الاعتبار ما نقلناه سابقاً بخصوص شروط الإمامة والولاية وخلافة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والتي تنص على ضرورة تمتع الأئمّة الإلهيين بالمقدار الكافي والسهم الأعظم من العلم والمعرفة لكي يتمكنوا تحمل مسؤولية قيادة الامّة ، وهداية الخلق في أمر الدين والدنيا ، ويحفظوا تعاليم الإسلام وقوانين الله تعالى ويحرسوا القرآن والسنّة ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ علياً عليه‌السلام كان الشخص الوحيد من الامّة الذي يمتاز بمثل هذه المكانة والموهبة بما يطابق الروايات الآنفة الواردة في تفسير الآية المذكورة ، فقد ثبت لنا دون أدنى شك بأنّه لم يكن اليق منه لاحراز مقام الإمامة والخلافة أحد.

* * *

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، ح ١٠١٩.

(٢) الفضائل الخمسة ، ج ١ ، ص ٣٢٠ و ٣٢١.

٢٦٩
٢٧٠

٢٠ ـ آية المحبة

(انَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الَّرحمنُ وُدّاً). (مريم / ٩٦)

لهذه الآية دلالة واضحة على أنّ الإيمان والعمل الصالح هما مصدر المحبة بين فئات المجتمع.

أجل ، للإيمان والعمل الصالح جاذبية عجيبة ، ذلك أنّها تجذب القلوب نحو بعضها كما يجذب المغناطيس الحديد نحوه ، وحتى الأفراد الملوثون والنجسون يستأنسون بالطاهرين والصالحين من الأفراد.

ونقلت روايات كثيرة في تفسير هذه الآية الشريفة في المصادر المعروفة لأهل السنّة بواسطة عدّة رواة عن شخص الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله تنص على أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد قلنا مراراً بأنّ نزول الآية في أحد الأفراد ، يراد منه بأنّ ذلك الشخص هو المصداق الأتم لتلك الآية ، ولا يتنافى مع شمولية معنى الآية.

ونتوجه هنا نحو المنابع الإسلامية متناولين جوانب من هذه الروايات بالبحث والدراسة :

في «شواهد التنزيل» ينقل روايات متعددة عن «البراء بن عازب» ، و «أبو رافع» ، و «جابر بن عبد الله الأنصاري» ، و «ابن عباس» ، و «أبو سعيد الخدري» ، و «محمد بن الحنفية» ، وبطرق متعددة على أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام بأنّ جعل الله محبته في قلب كل مؤمن.

وجاء في حديث عن أبي سعيد الخدري أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : «يا أبا

٢٧١

الحسن! قل اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودةً» (١).

فنزلت الآية الكريمة : (انَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيجَعَلُ لَهُمُ الرَّحمَنُ وُدّاً) ، ثم أردف قائلاً : «لا تلقى مؤمناً إلّافي قلبه حبُّ لعلي بن أبي طالب» (٢).

ويلاحظ هذا المعنى في حديث آخر عن «جابر بن عبد الله الأنصاري» باختلاف قليل جدّاً (٣).

ونقل هذا المضمون أيضاً عن «البراء بن عازب» عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وكذلك نقل هذا المعنى عن «محمدبن الحنفية» (بعدة طرق) مع هذا الفارق أنّه في هذه الروايات وردت محبّة ذرية وأهل بيت علي عليه‌السلام إلى جانب محبّته (٥).

وقد وردت في هذا الكتاب عشرون رواية تقريباً وكلها تتناول هذا المعنى بطرق متعددة.

ونقل «السيوطي» هذا الحديث أيضاً في «الدر المنثور» بطرقه المختلفة عن «البراء بن عازب» ، وعن «ابن عباس» (٦).

ونقل «الزمخشري» في تفسير «الكشاف» هذه الرواية في نهاية الآية الشريفة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام :

«يا علي قل اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله هذه الآية» (٧).

وأورد المفسر المعروف «القرطبي» عين هذا المضمون في تفسيره ، ولم يشكل عليه أيضاً مثل الكشاف (٨).

__________________

(١) هذا التعبير إشارة للآية ٨٧ من هذه السورة التي تقول حول مسألة الشفاعة أنّهم لايملكون الشفاعة إلّامن اتخذ عند الرحمن عهداً.

(٢) شواهد التنزيل ، ج ١ ص ٣٦٥ ، ح ٥٠٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق ، ص ٣٥٩ ، ح ٤٨٩ و ٤٩٠.

(٥) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٣٦٦ و ٣٦٧ الأحاديث ٥٠٥ و ٥٠٦ و ٥٠٧ و ٥٠٨ و ٥٠٩.

(٦) تفسير در المنثور ، ج ٤ ، ص ٢٨٧.

(٧) تفسير الكشاف ، ج ٣ ، ص ٤٧.

(٨) تفسير القرطبي ، ج ٦ ص ٤٢٠ (ذيل آية مورد البحث).

٢٧٢

ومن الشخصيات المعروفة التي نقلت هذا الحديث في نهاية الآية «سبط ابن الجوزي» في «التذكرة» (١) ، و «محب الدين الطبري» (٢) ، و «ابن الصباغ المالكي» في «الفصول المهمّة» ، (٣) و «الهيثمي» في «الصواعق» (٤) ، و «ابن صبان» في «اسعاف الراغبين» (٥) ، وقد وردت اسماؤهم في الكتب المبسوطة حول الإمامة والولاية.

والمفسر الوحيد الذي اتخذ موقفاً سلبياً ازاء هذا الحديث بين المفسرين المعروفين «هو الالوسي» في «روح المعاني» ، حيث إنّه ينقل الحديث طبقاً لما هو معمول به ثم يسعى إلى التقليل من شأنه أو اهماله بالكامل.

إنّه وبعد أن ينقل الحديث عن «البراء بن عازب» ويؤيده مع حديث «محمد بن الحنفية» يقول : «المعيار في تفسير الآية عموم اللفظ دون خصوص سبب النزول» (٦).

قلنا مراراً ونعود فنقول مرة اخرى : لا يدعي أحد أنّ سبب النزول يحدد المفهوم الشامل للايات ، بل إنّ سبب النزول هو الاتم والاكمل للاية.

وبتعيبر آخر : إنّ ما جاء في هذه الروايات بشأن علي عليه‌السلام على أنّ الله تعالى جعل محبته في قلوب المؤمنين جميعاً ، لم يأت بشأن أي فرد آخر من امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه فضيلة كبرى لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام حيث لا يجاريه احد في هذه الفضيلة.

يا ترى أليس من جعل الله تعالى قلوب المؤمنين جميعاً تطفح بمودته ومحبته ، أجدر من الجميع لمنصب الإمامة الإلهي ، وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

* * *

__________________

(١) التذكرة ، ص ٢٠.

(٢) ذخائر اعقبى ، ص ٨٩.

(٣) الفصول المهمة ، ص ١٠٦.

(٤) الصواعق المحرقة ، ص ١٧٠.

(٥) اسعاف الراغبين المدون في حاشية نور الابصار ، ص ١١٨.

(٦) تفسير روح المعاني ، ج ١٦ ، ص ١٣٠.

٢٧٣
٢٧٤

٢١ ـ آية المنافقين

(وَلَوْ نَشَاءُ لَارَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيَماهُم وَلَتَعْرِفَنَّهُم فِى لَحْنِ القَوْلِ). (محمد / ٣٠) تعدُّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ نقطة مقابل شيء ما ورد في الآية السابقة.

فقد نزلت هذه الآية بشأن المنافقين وصفاتهم ، يقول تعالى : ولو نشاء لأريناكهم بل ونضع العلامات في وجوههم لتعرفهم بها.

ثم يضيف بعد ذلك : ولتعرفنّهم أيضاً في طريقة حديثهم ، لاسيما وأنّه كلما ورد الحديث عن الجهاد ، تراهم يسعون للتنصل واضعاف معنويات الناس ، وعندما يدور الحديث عن الصالحين والطاهرين والسابقين في الإسلام ، يسعون لخدش سمعتهم ومكانتهم.

ومن هنا حيث نقرأ في حديث مشهور عن «أبي سعيد الخدري» أنّه يقوله في تفسير جملة (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ القَوْلِ) : «ببغضهم علي بن أبي طالب!» نقل هذا الحديث «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» من ثلاثة طرق (١).

ونقل «السيوطي» أيضاً في تفسير «الدر المنثور» هذا الحديث عن «ابن مردويه» و «ابن عساكر» عن «أبي سعيد الخدري» (٢).

وينقل في رواية اخرى عن «ابن مسعود» أنّه كان يقول : «ماكنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّاببغضهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٣).

ولا يقتصر رواة هذا الحديث والكتب التي نقل فيها على ما ذكره فقط ، ذلك أنّ «جابر بن

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ١٧٨ (ح ٨٨٣ إلى ٨٨٥).

(٢) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٦٦.

(٣) المصدر السابق.

٢٧٥

عبد الله الأنصاري» ، و «أبوذر الغفاري» نقلا هذا الحديث أيضاً.

ومنهم أنّ «ابن عبد البر» ينقل هذا الحديث عن جابر في «الاستيعاب» (١) ، وأنّ «محب الدين الطبري» ينقل عن «أبو ذر» في «الرياض النضرة» بهذا النحو : «ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّابثلاث : بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلاة وبغضهم عليَّ بن أبي طالب» عليه‌السلام» (٢).

ونقل هذا الحديث أيضاً في «صحيح الترمذي» وهو من المصادر الرئيسة لدى أهل السنة من طريقين عن «أبي سعيد الخدري» و «أم سلمة» ، وهناك فارق بسيط في حديث «أم سلمة» عن الحديث السابق (٣).

ونقل ابن عساكر أيضاً في تاريخ دمشق ، نفس هذا المضمون أو نظيره مرة عن «أبي سعيد الخدري» ، ومرة عن «جابر بن عبد الله» ، واخرى عن «عبادة بن الصامت» ، ومرة عن «محبوب بن أبي الزناد» (٤).

جاء في حديث «عبادة بن الصامت» أنّه قال «كنّا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فاذا رأينا أحداً لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنّه ليس منّا ، وأنّه لغير رُشده» ، وفي حديث «محبوب بن أبي الزناد» ، أنّه ورد على لسان طائفة من الأنصار قولهم : «إنّ كنّا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٥).

وننهي حديثنا بنقل هذه الرواية التي تمتاز بسعة مفهومها وشموليتها مع حديث منقول عن شخص الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

تحدث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر بحديث مفصل بشأن علي عليه‌السلام ، ومن جملة ماقاله : «يا أيّها الناس امتحنوا أولادكم بحبه ، فإنّ علياً لايدعو إلى ضلالة ولا يبعدعن هدى ، فمن

__________________

(١) الاستيعاب ، ج ٢ ، ص ٤٦٤.

(٢) الرياض النضرة ، ص ٢١٤.

(٣) صحيح الترمذي ، ج ٥ ، ص ٦٣٥ ، ح ٣٧١٧.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤٢ ، ص ٢٨٧.

(٥) المصدر السابق.

٢٧٦

أحبه فهو منكم ومن أبغضه فليس منكم!» (١).

يتضح لنا بشكل جلي أنّ الإنسان عندما يتأمل بشكل دقيق في هذه الروايات والرواية السابقة المذكورة في نهاية الآيتين الشريفتين من القرآن بانه يواجه شخصية يعد حبه ومودته علامة الإيمان ، ومخالفته ومعاداته علامة الكفر والنفاق ، هذا في الوقت الذي تمكنت فيه هذه الروايات أن تمر عبر الممرات الزمنية السابقة ، حيث قامت الحكومات السابقة مثل حكومة بني امية بمضايقة ومحاصرة أصحاب ومحبي علي عليه‌السلام باشد ما يكون ، وحيث كان أعداؤه يمسكون زمام الامور في كل مكان ، بل وحتى أنّ سب ولعن علي في المجالس العامة كان ممّا يتقرب به للحكومة ومراكز السلطة ، حقاً أنّ الإنسان ليتعجب من أنّ كل هذه الفضائل الفريدة والنادرة التي ملأت الآفاق شرقاً وغرباً ، وملأت صفحات كتب الرواية والتفسير والتاريخ ، كيف تمكنت أن تفلت من قبضة هؤلاء الأعداء الألداء وتصل اليوم إلى أيدينا.

لا يمكن أن ننظر إلى هذا الأمر سوى أنّه من مشيئة الله وامداده من أجل بقاء نور الحق مضيئاً على مر القرون والأعصار ، ولإتمام الحجة في خلافة وولاية علي عليه‌السلام على جميع الاجيال.

* * *

__________________

(١) مختصر تاريخ ابن عساكر ، ج ١٧ ، ص ٣٧١.

٢٧٧
٢٧٨

٢٢ ـ آية الإيذاء

(انَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِى الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَاعَدَّ لَهُمْ عَذابَاً مُّهِيناً). (الأحزاب / ٥٧)

من البديهي أنّه ليس بوسع احد أن يلحق الاذى والضرر بالذات المقدسة لله تعالى ، وبناءً على ذلك فإنّ المراد من ايذاء الله ـ كما أكّد على ذلك المفسرون أيضاً ـ أنّ الكفر والالحاد هما اللذأن يغضبان الله تعالى ، وقد أكدت الآية على معاقبة الذين يؤذون الرسول والمؤمنين ، ذلك أنّ ايذائهم يعد بمنزلة ايذاء الله تعالى.

ونقرأ هنا في الروايات المتعددة التي وصلت عن طرق الاخوة من أهل السنّة ، وعن طرق أهل البيت عليهم‌السلام أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ياعلي! من آذاك فقد آذاني» ، وعلى هذا النحو فإنّ ايذاءه يعد ايذاءً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ينقل «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» عن «جابر بن عبد الله الأنصاري» أنّه قال : سمعت من الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لعلي : «من آذاك فقد آذاني» (١).

وينقل في حديث آخر عن «ابن أبي سلمة» عن أم سلمة زوج الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : «أنت أخي وحبيبي ، من آذاك فقد آذاني» (٢).

ثم يضيف قائلاً : ونقل نفس هذا المعنى عن طائفة اخرى مثل «عمر» ، و «سعد بن أبي وقاص» ، و «أبو هريرة» ، و «ابن عباس» ، و «أبو سعيد الخدري» (٣).

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٨٩ ، ح ٧٧٧.

(٢) المصدر السابق ، ص ٩٨ ، ح ٧٧٨.

(٣) المصدر السابق ، ص ٩٩.

٢٧٩

ونقل في حديث آخر عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال وقد اشار إلى شعره ومسكه بيده : حدثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أشار إلى شعره وقبض عليه بيده ثم قال : «من آذى شعرةً منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فعليه لعنة الله» (١).

إنّ الأحاديث التي ذكرت تشير فقط إلى أنّ ايذاء علي عليه‌السلام يعد ايذاءً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّاأنّه لم يستند فيها إلى الآية السابقة ، بينما ورد هذا الاستناد بشكل صريح في بعض الروايات ، منها ماقاله الحاكم النيسابوري في «مستدرك الصحيحين» في حديث صحيح معتبر عن «ابن عباس» أنّه قال : إنّ رجلاً من أهل الشام سب علياً عليه‌السلام أمامه ، فقال ابن عباس : «ياعدو الله آذيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (انَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِى الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَاعَدَّ لَهُمْ عَذابَاً مُّهِيناً) لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حياً لآذيته» (٢).

ونقل «الذهبي» هذا الحديث أيضاً في «تلخيص المستدرك» ويصرح أنّه حديث صحيح (٣).

ونقل السيوطي في «الدر المنثور» رواية ابن عباس واستناده إلى الآية الشريفة السابقة أيضاً (٤).

وينقل أيضاً في كتاب «مستدرك الصحيحين» عن «عمرو بن شاس» حديثاً مفصلاً جاء في آخره : «يقول عمرو بن شاس الاسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال : خرجنا مع علي عليه‌السلام إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي ، فلما قدمت اظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فدخلت المسجد ذات غداة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه ، قال : يقول حدد إليّ النظر حتى إذا جلست قال : ياعمرو أما والله لقد آذيتني ، فقلت : أعوذ بالله أن أوذيك يارسول الله ، قال : بلى ، من آذى علياً فقد آذاني».

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٩٧ ، ح ٧٧٦.

(٢) مستدرك الصحيحين ، ج ٣ ، ص ١٢١.

(٣) تلخيص المستدرك المطبوع نهاية مستدرك الصحيحين ، ج ٣ ، ص ١٢٢.

(٤) تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ٢٢٠.

٢٨٠