الذّريعة إلى أصول الشريعة - ج ٢

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

الذّريعة إلى أصول الشريعة - ج ٢

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


المحقق: أبو القاسم گرجي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
المطبعة: مؤسسة انتشارات و چاپ دانشگاه تهران
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٤٩
الجزء ١ الجزء ٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا

محمّد وآله الطّاهرين (١)

باب الكلام في الاخبار

فصل في حدّ الخبر ومهمّ أحكامه

الواجب أن يحدّ الخبر بأنّه (٢) ما صحّ فيه الصّدق أو الكذب ، لأنّ حدّه بما يمضى في الكتب بأنّه ما صح (٣) فيه الصّدق (٤) والكذب ينتقض بالأخبار الّتي لا تكون (٥) إلاّ صدقا ، كقولنا : إنّه تعالى محدث للعالم (٦) أو عالم لنفسه ، و: إنّ الجهل والكذب قبيحان. وينتقض ـ أيضا ـ بما لا يكون إلاّ كذبا ، كنحو قولنا : إنّ صانع العالم محدث ، والكذب حسن.

__________________

(١) التسمية والتحميد من المصحح لا من الأصل.

(٢) ب : ـ بأنه.

(٣) الف : يصح.

(٤) ج : ـ أو الكذب ، تا اينجا.

(٥) ب وج : يكون.

(٦) ب وج : العالم.

١

وقد حدّه قوم بأنّه ما احتمل التّصديق والتكذيب ، فرارا من أن يقول في صادق (١) وكاذب : إنّهما صدقا ، أو كذبا. وحدّ الخبر بأنّه ما احتمل التّصديق والتكذيب صحيح في نفسه ، وجار مجرى ما اخترناه من الحدّ. والصحيح أنّ الخبر عن صادق وكاذب بأنّهما صدقا أو كذبا لا يكون إلاّ كذبا ، لأنّ مخبره ليس على (٢) ما هو به.

والخبر (٣) إنّما يصير خبرا بقصد (٤) المخبر (٥) ، لأنّ الكلام وإن تقدّمت المواضعة فيه فإنّما يتعلق بما يفيده (٦) بالقصد ، لأنّ قول القائل : « محمّد رسول الله (٧) » لا يكون خبرا عنه عليه‌السلام (٨) إلاّ بالقصد.

وحكاية الخبر كلفظه (٩) ولا تكون (١٠) الحكاية خبرا لارتفاع القصد.

وإظهار كلمة الكفر عند الإكراه لا يكون (١١) خبرا ، ولو كانت كذلك ، لكانت كفرا ، وإنّما أبيح له إظهار كلمة (١٢) الكفر (١٣) تعريضا لا إخبارا.

__________________

(١) ج : صدق.

(٢) الف : + خلاف.

(٣) ب : المخبر.

(٤) ج : بصدق.

(٥) الف : الخبر.

(٦) الف : ـ بما يفيده ، ب بما يفيد.

(٧) ج : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٨) الف : ـ عليه‌السلام.

(٩) ج : بلفظه.

(١٠) ب وج : يكون.

(١١) الف : تكون.

(١٢) ب : ـ كلمة.

(١٣) ج : ـ الكفر.

٢

والخبر لا يخلو من صدق أو كذب ، ولا واسطة بين الأمرين ، لأنّ للخبر تعليقا بالمخبر عنه ، فلا يخلو المخبر عنه من أن يكون على ما تناوله الخبر ، فيكون صدقا ، أو (١) ليس على ما تناوله الخبر ، فيكون كذبا. وإذا لم يكن بين النّفي والإثبات واسطة في مخبر الخبر ، فلا واسطة في الخبر بين الصّدق والكذب.

وقول الجاحظ : « إنّه لا يكون كاذبا إلاّ من (٢) علم كونه كذلك » باطل ، لأنّ العقلاء يصفون (٣) كلّ مخبر علموا أنّ مخبر خبره ليس على ما تناوله (٤) خبره بأنّه كاذب وإن لم يعلموا أنّه عالم بذلك (٥) ، ولو كان العلم شرطا ، لوجبت (٦) مراعاته كما وجب مراعاة متناول الخبر. والمسلمون يصفون اليهود والنّصارى بالكذب على الله ، وإن كان أكثرهم لا يعلم أنّه كاذب ، بل يعتقد أنّه صادق. ولو كان الأمر (٧) على ما ادعاه الجاحظ ، لوجب أن يكون قول أحدنا لغيره (٨) : « إنّه كاذب ولا يعلم بأنّه عالم بكذبه (٩) » مناقضة ، وممّا لا يمكن أن يكون حقّا ، ومعلوم خلاف

__________________

(١) ب : و.

(٢) ج : مع.

(٣) ب : يضيفون.

(٤) ب : يتناوله.

(٥) ج : كذلك.

(٦) ب : لوجب.

(٧) ج : الأمر ، بالمد.

(٨) ج : بغير.

(٩) ب : + لكان.

٣

ذلك. والجاحظ بنى (١) هذا على (٢) مذهبه في المعارف ، وأنّها ضرورة ، واعتقاده أنّ من لا يعرف فهو معذور ، وكونه كاذبا يقتضى الذّمّ ، فلم يتّصف به إلاّ مع العلم ، وقد بيّنّا في الذّخيرة وغيرها (٣) بطلان هذا المذهب ، ودللنا على أنّ المتمكّن من المعرفة يقوم مقامها في لحوق الذّمّ و(٤) استحقاق العقاب.

والصّدق من جنس الكذب ، لأنّ السّامع لا يفصل بينهما (٥) بالإدراك ، ولو اختلفا في الجنس ، لفصل بالإدراك بينهما.

ولم يكن الخبر خبرا لجنسه ، ولا لصيغته ، ولا لوجوده ، بل لقصد (٦) المخبر إلى كونه خبرا ، وكلّ شيء دللنا به على أنّ الأمر لم يكن أمرا لشيء (٧) يرجع إلى أحوال الأمر (٨) ممّا قدّمنا ذكره مبسوطا هو دلالة في الخبر ، فلا معنى لإعادته.

__________________

(١) الف : + على.

(٢) الف : ـ على.

(٣) الف : + على.

(٤) ج : ـ و.

(٥) ب : + الا.

(٦) ب وج : بقصد.

(٧) ب : بشيء.

(٨) ب : الأوامر.

٤

فصل في أنّ في الاخبار ما يحصل عنده العلم

اعلم أنّ أصحاب المقالات حكوا (١) عن فرقة (٢) تعرف (٣) بالسّمنيّة (٤) إنكار وقوع العلم عند شيء من الأخبار ، وأنهم يقصرون العلم على الإدراك دون غيره.

والّذي يدلّ على بطلان هذا المذهب أنّا نجد من سكون نفوسنا إلى اعتقاد وجود البلدان الكبار والحوادث العظام ما نجده (٥) عند المشاهدات ، فمن تشكّك (٦) في أنّ ذلك علم يقين (٧) كمن تشكّك (٨) في الآخر ، ومن ادّعى أنّه ظنّ قويّ (٩) كمن ادّعاه في الأمرين. والأشبه ـ إن كانت هذه الحكاية حقّا ـ أن يكون من خالف في ذلك إنّما خالف في الاسم دون المعنى ، واشتبه عليه العلم بالظّن ، كما نقوله (١٠) في (١١) السّوفسطائيّة. وهذا القدر كاف.

__________________

(١) ب وج : حكموا.

(٢) ج : فرق.

(٣) الف : ـ تعرف.

(٤) السمنية كعرنية قوم بالهند دهريون قائلون بالتناسخ. (القاموس المحيط ، ط مصر ، ج ٤ ، ص ٢٣٨).

(٥) ج : نجد.

(٦) ج : تشكل.

(٧) الف : تعين.

(٨) ج : تشكل.

(٩) ج : أقوى.

(١٠) ج : يقوله.

(١١) ج : ـ في.

٥

فصل في أقسام الاخبار (١)

اعلم أنّ الأخبار تنقسم (٢) إلى ثلاثة أقسام : أوّلها يعلم أنّ مخبره على ما تناوله. وثانيها يعلم (٣) أنّ مخبره ليس على ما تناوله. وثالثها يتوقّف (٤) فيه.

وما يعلم أنّ مخبره على ما تناوله على ضربين : أحدهما يعلم ذلك من (٥) حاله باضطرار ، ومثاله بغير خلاف خبر (٦) من أخبرنا (٧) بأنّ السّماء فوقنا والأرض تحتنا ، ومن أمثلتهم ـ على الخلاف الّذي فيه ، وسنذكره ـ الإخبار عن البلدان الكبار والحوادث العظام. والآخر أن يعلم أنّ (٨) مخبره على ما تناوله (٩) باكتساب (١٠) كالخبر المتواتر وخبر الله تعالى (١١) وخبر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبر الأمّة (١٢) بأجمعها. وقد ألحق قوم بهذا القسم لواحق سنتكلّم (١٣) عليها ، و

__________________

(١) ب : الخبر.

(٢) ج : ينقسم.

(٣) الف : علم.

(٤) ب وج : متوقف.

(٥) ج : بين ، بجاى من.

(٦) ب : ـ خبر.

(٧) ب : أخبر.

(٨) الف : ـ يعلم ان.

(٩) ب وج : يتناوله.

(١٠) ج : بالكتاب.

(١١) الف : جل شأنه.

(١٢) الف : الأئمة.

(١٣) ب : سنكلم.

٦

نبيّن الصّحيح منها من الفاسد إذا انتهينا إليها بمشيّة الله تعالى.

وأمّا (١) الخبر الّذي يعلم أنّ مخبره (٢) ليس على ما تناوله ، فينقسم إلى قسمين : أحدهما (٣) يعلم ذلك من حاله باضطرار (٤) والثّاني يعلم باكتساب (٥). وينقسم إلى أقسام سنذكرها إذا انتهينا (٦) إلى (٧) بابها بإذن الله (٨).

وأمّا الخبر الّذي لا يعلم أنّ مخبره على ما تناوله ، ولا أنّه على خلافه (٩) فينقسم إلى قسمين : أحدهما يجب العمل (١٠) به ، والآخر لا يجب العمل به. والّذي يجب العمل به (١١) ينقسم إلى وجوب عقليّ بغير خلاف ، كالأخبار المتعلّقة بالمنافع والمضار العقليّة ، وإلى وجوب سمعيّ ، ومثاله الشّهادات بلا خلاف ، وأخبار الآحاد الواردة بالأحكام الشّرعيّة على الخلاف (١٢) الّذي سنذكره. وأمّا الضّرب الثّاني من الضّربين الأوّلين ، وهو الّذي

__________________

(١) ب : فاما.

(٢) الف : مخبر.

(٣) الف : + ان.

(٤) ج : باضطراب.

(٥) ج : بالكتاب.

(٦) الف وج : ـ إذا انتهينا.

(٧) الف : في.

(٨) ج : + تعالى.

(٩) ج : خلاف.

(١٠) ج : العلم.

(١١) ب : الأول ، بجاى « الّذي يجب العمل به » ، ج : ـ والاخر ، تا اينجا.

(١٢) ب : و.

٧

لا يجب العمل (١) به ، فينقسم إلى (٢) قسمين : أحدهما يقتضى الرّد ، والثّاني يجب التوقّف فيه من غير تكذيب ولا تصديق. وتفصيل ذلك يجيء في موضعه بمشيّة الله (٣) تعالى.

فصل في صفة العلم (٤) الواقع عند الاخبار

اعلم أنّ الأخبار على ضربين (٥) : ضرب لا (٦) يحصل عنده علم ، والضّرب الآخر (٧) يحصل (٨) عنده العلم.

فأمّا الضّرب الأوّل ، فخارج عن (٩) هذا الفصل ، لأنّ العلم إذا لم يحصل فلا كلام لنا في أنّه ضروري أو مكتسب.

وأمّا الضّرب الثّاني ، وهو ما يحصل عنده العلم ، ينقسم قسمين : أحدهما يحصل العلم به (١٠) لكلّ عاقل (١١) يسمع تلك الأخبار ، ولا يقع منهم فيه شك ، كأخبار البلدان والوقائع والحوادث الكبار

__________________

(١) ج : العلم.

(٢) ب : ـ إلى.

(٣) ج : إن شاء الله.

(٤) الف : ـ العلم.

(٥) ب : ضرب.

(٦) ب : ـ لا.

(٧) ج : + لا.

(٨) ب : يحتمل.

(٩) الف : من.

(١٠) ب : ـ به.

(١١) ج : + و.

٨

والضّرب الثّاني لا يحصل (١) العلم عنده إلاّ لمن نظر ، واستدلّ ، وعلم (٢) أنّ المخبرين بصفة من لا (٣) يكذب ، ومثاله الإخبار عن معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الخارجة عن القرآن ، وما ترويه الإماميّة من النّص الصريح على أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام.

فأمّا القسم الأوّل ، فذهب قوم إلى أنّ العلم الواقع عنده ضروري من فعل الله تعالى بالعادة ، وهو مذهب أبي (٤) عليّ وأبي هاشم ومن تبعهما (٥) من المتكلّمين والفقهاء. وذهب قوم آخرون إلى أنّ العلم بذلك مكتسب ليس بضروريّ ، وهو مذهب أبي القاسم (٦) البلخيّ ومن وافقه.

والّذي (٧) نصرته ـ وهو الأقوى في نفسي ـ في كتاب الذّخيرة والكتاب الشّافي التّوقّف عن القطع على صفة هذا العلم بأنّه ضروري أو مكتسب ، وتجويز كونه على كلّ واحد من الوجهين.

وإنّما قوى ذلك في نفوسنا ، لأنّ العالم بهذه الأخبار يمكن

__________________

(١) ب وج : يجب حصول ، بجاى يحصل.

(٢) ب : اعلم.

(٣) ب : ـ لا.

(٤) ج : أبو.

(٥) ج : + و.

(٦) ب : القسم.

(٧) ب : فالذي.

٩

أن يكون قد تقدّم له العلم على الجملة بصفة الجماعة الّتي قضت العادة بأنّه لا يجوز أن يتّفق منها الكذب ، ولا أن تتوطّأ عليه. وجائز أن يكون قد عرف ذلك وتصوّره ، فلمّا أخبره (١) عن البلدان والأمصار من وجده على تلك الصّفة الممهّدة في (٢) نفسه ، فعل (٣) اعتقادا (٤) بصدق (٥) هذه الأخبار ، وكان ذلك الاعتقاد (٦) علما ، لمطابقته للجملة المتقدّمة الممهّدة في نفسه ، ويكون هذا العلم كسبا له ـ لا محالة ـ غير ضروريّ.

وليس لأحد أن يقول : أنّ إدخال التّفصيل في الجملة إنّما يكون فيما له أصل ضروريّ على سبيل الجملة ، كمن علم أنّ من شأن الظّلم أن يكون قبيحا على سبيل الجملة ، فإذا علم في ضرر (٧) بعينه أنّه ظلم ، فعل اعتقادا لقبحه (٨) وكان علما ، لمطابقته الجملة المتقرّرة (٩) وأنتم جعلتم الجملة مكتسبة ، والتّفصيل كذلك.

__________________

(١) ب وج : خبره.

(٢) الف : ـ في.

(٣) ب : فعلى.

(٤) ب وج : اعتقاد.

(٥) ج : الصدق.

(٦) ب : ـ بصدق ، تا اينجا.

(٧) ب : ضرب.

(٨) الف : بقبحه.

(٩) ب : + معلومة ضرورة.

١٠

وذلك (١) أنّه لا فرق بين أن تكون (٢) الجملة المتقرّرة معلومة ضرورة أو اكتسابا في جواز بناء التّفصيل عليها ، لأنّ من علم منّا باكتساب (٣) أنّ من (٤) صحّ منه الفعل يجب أن يكون قادرا ، والقادر يجب أن يكون حيّا على سبيل الجملة ، ثمّ علم في بعض الذّوات صحّة الفعل ، فلا بدّ من أن يفعل اعتقادا لأنّ (٥) تلك الذّات (٦) قادرة ، ويكون الاعتقاد علما. وكذلك إذا علم في ذات معينة أنها قادرة ، وقد تقدمت الجملة التي ذكرناها ، فلا بد من أنّ يفعل اعتقادا لكونها (٧) حيّة ، ويكون هذا الاعتقاد علما. فلا فرق إذن في دخول التّفصيل في الجملة بين الضروريّ والمكتسب ، و(٨) كما أنّ ما ذكرناه ممكن جائز ، فممكن ـ أيضا ـ أن يكون الله تعالى يفعل لنا العلم عند سماعنا الإخبار عن (٩) البلدان وما جرى مجراها (١٠) بالعادة ، وليس في العقل دليل على قطع بأحد الأمرين ، فالشّك في

__________________

(١) ج : كذلك.

(٢) ب وج : يكون.

(٣) ج : بالكتاب.

(٤) ب : ـ من

(٥) الف : بان.

(٦) الف : الذوات.

(٧) الف : بكونها.

(٨) ب : ـ و.

(٩) ح : من.

(١٠) ب : مجراهما.

١١

ذلك غير مخلّ بشيء (١) من شروط التكليف.

وقد تعلّق من قطع على الضّرورة بوجوه :

أولها (٢) أنّ العلم بمخبر (٣) هذه (٤) الأخبار لو كان مكتسبا لكان واقعا عن تأمّل حال المخبرين ، وبلوغهم إلى الحدّ الّذي لا يجوز أن يكذبوا وهم على ما هم عليه ، وهذا يوجب أن يكون من لم يستدلّ على ذلك ممن ليس هو من (٥) أهل الاستدلال والنّظر من العامّة والمقلّدين لا يعلمون (٦) البلدان والحوادث الكبار ، ومعلوم ضرورة الاشتراك في علم ذلك.

ومنها (٧) أنّ حدّ العلم الضّروريّ قائم في العلم بمخبر أخبار البلدان ، لأنّا لا نتمكن من إزالة ذلك عن نفوسنا ولا الشّك فيه ، وهذا حدّ العلم الضّروريّ.

ومنها أنّ اعتقاد كون هذا العلم ضروريّا صارف (٨) قوى عن النّظر فيه والاستدلال عليه ، فكان يجب (٩) أن يكون (١٠) كلّ من اعتقد

__________________

(١) الف : بشرط.

(٢) ب : ـ أولها ، ومكانه بياض.

(٣) ب : بخبر ، ج : مخبر.

(٤) ج : هذا.

(٥) ب : ـ من.

(٦) ج : يعلموا.

(٧) ب : أولها ، بجاى منها.

(٨) الف : صادق.

(٩) ج : فيجب.

(١٠) ب : ـ يكون.

١٢

أنّ هذا (١) العلم ضروريّ غير عالم بالبلدان والأمصار ، لأنّ اعتقاده يصرفه عن النّظر ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك.

فيقال لهم فيما تعلقوا به أوّلا : إنّ طريق اكتساب (٢) العلم بالفرق بين الجماعة الّتي لا يجوز أن تكذب (٣) في خبرها وبين (٤) من يجوز ذلك عليه قريب سهل لا يحتاج فيه (٥) إلى دقيق النّظر ولطيف الاستدلال ، وكلّ عاقل يعرف بالعادات الفرق بين الجماعة الّتي تقتضي (٦) العادات بامتناع الكذب عليها فيما ترويه وبين من ليس كذلك ، والمنافع الدّنيويّة من التجارات ووجوه التّصرفات مبنيّة على حصول هذا الفرق ، لأنّه مستند إلى العادة ، والتّأمل اليسير كاف فيه ، والدّواعي إلى حصوله قويّة ، لاستناد المعاملات كلّها إليه (٧) فلا يجب في العامّة ومن ليس من أهل التّدقيق أن لا يعلموا مخبر هذه الأخبار.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : غير مسلم لكم ما حدّدتم به العلم الضّروريّ ، وما تنكرون أن يكون حدّه ما فعله فينا من هو أقدر منّا

__________________

(١) ج : هذه :

(٢) ج : الاكتساب.

(٣) ج : يكذب.

(٤) الف : ـ بين.

(٥) الف : ـ فيه.

(٦) ب : يقضى ، ج : يقتضى.

(٧) الف : ـ إليه.

١٣

على وجه لا يتمكَّن من دفعه ، فلا ينبغي أن تجعلوا ما تفرّدتم (١) به من الحدّ دليلا على موضع الخلاف.

ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : إنّ العلم بالفرق بين صفة (٢) الجماعة الّتي لا يجوز عليها الكذب ويمتنع التّواطؤ (٣) فيها للعقلاء (٤) كالملجئين عند كمال عقولهم وشدّة حاجتهم إلى التّفتيش (٥) والتّصرف إلى العلم بذلك لقوّة الدّواعي إليه والبواعث عليه ، وقد يحصل للعقلاء هذا العلم قبل أن يختصّ بعضهم بالاعتقاد الّذي ذكرتم أنّه صارف لهم ، فإذن لا يجب خلوّ مخالفينا من هذه العلوم على ما ادّعوه. ويلزم على هذا الوجه أن لا يكون أبو القاسم (٦) البلخيّ عالما بأنّ المحدثات تفتقر (٧) إلى محدث ، لأنّه يعتقد أنّ العلم بذلك ضروريّ ، واعتقاده هذا صارف له عن النّظر ، فيجب أن لا يكون عالما بذلك ولا عارفا بالله تعالى ولا بشيء من صفاته ، فأيّ شيء قالوه في البلخيّ قلنا مثله فيما تعلّقوا به.

__________________

(١) ج : فردتم.

(٢) ب : وصفه.

(٣) ج : التواتر ، ب : التواطؤ.

(٤) ج : العقلاء.

(٥) ج : التعيش ، ب : التعييش.

(٦) الف وب : القسم.

(٧) ج : يفتقر.

١٤

فإن قيل : إذا جوّزتم أن يكون العلم بالبلدان وما جرى مجراها ضروريّا ، فهل يشترطون (١) في وقوع هذا العلم الشّروط (٢) الّتي شرطها أبو عليّ وأبو هاشم ، أم تشترطون غيرها.

قلنا : لا بدّ من شرط نختصّ (٣) نحن به ، وهو أن يكون من أخبر بالخبر الّذي فعل الله تعالى عنده العلم الضّروريّ لم يسبق بشبهة (٤) أو تقليد إلى اعتقاد نفي موجب الخبر ، لأنّ هذا العلم (٥) إذا كان مستندا إلى العادة وليس بموجب عن سبب ، جاز في شروطه النّقصان والزّيادة بحسب ما يعلم الله تعالى من المصلحة.

وإنّما احتجنا إلى هذا (٦) الشّرط لئلا يقال لنا : أيّ فرق بين خبر البلدان والأخبار الواردة بمعجزات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سوى القرآن ، كحنين الجذع وانشقاق القمر (٧) وتسبيح الحصى وما أشبه ذلك ؟ !. وأيُّ فرق (٨) ـ أيضا ـ بين أخبار البلدان وخبر النّصّ الجليّ على أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام (٩) الّذي تنفرد الإماميّة

__________________

(١) ظ : تشترطون ، لكن النسخ كلها « يشترطون ».

(٢) الف : بالشروط.

(٣) ب وج : يختص.

(٤) ب : تشبيهه.

(٥) الف : الفعل.

(٦) ج : هذه.

(٧) ج : الخبر.

(٨) ج : بين.

(٩) ج : و.

١٥

بنقله ؟ ! وألا أجزتم أن يكون العلم بذلك كلّه ضروريّا كما أجزتموه في أخبار البلدان ؟ ! وغير ممتنع أن يكون السّبق إلى الاعتقاد مانعا من فعل العلم الضّروريّ بالعادة ، كما أنّ السّبق إلى الاعتقاد بخلاف ما يولّده النّظر عند أكثر مخالفينا مانع من توليد (١) النّظر للعلم ، فإذا جاز ذلك فيما هو سبب موجب ؛ فأولى أن يجوز فيما طريقه العادة.

وليس لأحد أن يقول : فيجب على هذا أن لا يفعل العلم لمن سبق إلى اعتقاد نفي المعلوم (٢) ويفعل لمن لم يسبق. وكان يجب أن يكون العلم الضّروريّ حاصلا لجماعة (٣) المسلمين لما ذكرناه من المعجزات. وكان يجب (٤) ـ أيضا ـ أن يكون الإماميّة عالمة بالنّصّ ضرورة.

وذلك أنّه يمكن أن نقول (٥) : إنّ المعلوم في (٦) نفسه إذا كان من باب ما يمكن السّبق إلى اعتقاد نفيه إمّا لشبهة (٧) أو تقليد ؛ لم يجر (٨)

__________________

(١) ج : توليده.

(٢) الف : العلوم.

(٣) الف : + من.

(٤) الف : تجب.

(٥) الف وج : يقول.

(٦) ب وج : ـ في.

(٧) الف : بشبهة.

(٨) ب : يجز.

١٦

الله العادة بفعل العلم الضّروريّ به ، وإن كان ممّا لا يجوز أن يدعو العقلاء داع إلى اعتقاد نفيه ، ولا (١) يعترض شبهة في مثله ، كالخبر (٢) عن البلدان (٣) ؛ جاز أن يكون العلم به ضروريّا وواقعا عند الخبر بالعادة.

وليس لهم أن يقولوا : فأجيزوا (٤) أن يكون في العقلاء المخالطين لنا السّامعين للأخبار من سبق إلى اعتقاد منع بالعادة من فعل العلم الضّروريّ له ، وهذا يوجب أن يجوّزوا (٥) صدق من أخبركم (٦) بأنّه لا يعرف بعض (٧) البلدان الكبار والحوادث العظام مع سماعه (٨) الأخبار وكمال عقله.

وذلك أنّا نعلم ضرورة (٩) أنّه لا داعي يدعو العقلاء إلى السّبق إلى اعتقاد نفي بلد من البلدان ، أو حادثة عظيمة من الحوادث ، ولا (١٠) شبهة تدخل في مثل ذلك ، ففارق هذا الباب أخبار المعجزات والنّصّ.

__________________

(١) ج : ـ لا.

(٢) ج : كالمخبر.

(٣) الف : البلدان.

(٤) ب : فأخبروا ، ج : وأجيزوا.

(٥) ظ : تجوزوا ، لكن النسخ كلها « يجوزوا ».

(٦) ب وج : خبركم.

(٧) ج : بنص.

(٨) ج : سماعة.

(٩) ج : بالضرورة.

(١٠) ج : والا.

١٧

فأمّا القوم ؛ فإنّهم شرطوا شروطا ثلاثة :

أوّلها أن يكون المخبرون أكثر من أربعة.

وثانيها أن يكونوا (١) عالمين بما أخبروا (٢) عنه ضرورة.

وثالثها أن يكونوا ممّن إذا وقع العلم بخبر عدد منهم وقع (٣) بخبر كلّ عدد مثلهم.

واعتلّوا في اشتراطهم أن يكونوا أكثر من أربعة ، بأن قالوا : لو وقع بخبر أربعة ؛ لوجب وقوعه بخبر كلّ أربعة ، فكان (٤) شهود الزّنا إذا شهدوا به (٥) عند الحاكم ، فلم يقع له العلم بما شهدوا به ضرورة ، أن يعلم الحاكم أنّهم (٦) كذبوا أو بعضهم ، أو أنّهم شهدوا بما لم يشاهدوه (٧) وهذا يقتضى أن تردّ (٨) شهادتهم متى لم يكن مضطرا إلى صدقهم ، والإجماع على خلاف ذلك.

ويمكن الطّعن على هذه الطّريقة بأن (٩) يقال : لفظ الشّهادة وإن (١٠)

__________________

(١) الف : يكون.

(٢) ب وج : خبروا.

(٣) ب : دفع.

(٤) ب : وكان ، ج : فكاد.

(٥) ب : ـ به.

(٦) الف : انه.

(٧) ب : يشهدوه.

(٨) ج : يرد.

(٩) ب : ان.

(١٠) ب : فان.

١٨

كان خبرا في المعنى ، فهو (١) يخالف لفظ الخبر الّذي ليس بشهادة ، (٢) فألاّ جاز أن يجري الله تعالى العادة بفعل العلم الضّروريّ عند الخبر الّذي ليس فيه لفظ الشّهادة ، ولا يفعله عند لفظ الشّهادة (٣) وإن كان الكلّ إخبارا ، كما أنّه تعالى أجرى العادة عندهم بأن يفعله عند خبر من (٤) خبّر عن (٥) مشاهدة ، ولا يفعله عند خبر من خبّر عن علم استدلاليّ ، وإن كان الكلّ علوما (٦) ويقينا ؟ ! و(٧) أمّا الشّرط الثّاني من شروطهم ؛ فدليله أنّ جماعة المسلمين يخبرون بأنّ الله تعالى واحد (٨) وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩) رسول الله (١٠) ولا يضطرّ مخالفوهم من (١١) الملحدة والبراهمة واليهود إلى صدقهم ، وإن اضطرّوا إلى العلم بما يخبرون به من البلدان وما أشبهها.

ودليلهم على الشّرط الثّالث أنّه (١٢) لو لم يكن ذلك معتبرا ؛

__________________

(١) ب : وهو.

(٢) ب : شهادة.

(٣) الف : ـ ولا يفعله عند لفظ الشهادة.

(٤) ج : عن ، بجاى من.

(٥) ج : ـ عن.

(٦) ج : عموما.

(٧) ب : ـ و.

(٨) ج : ـ واحد.

(٩) ج : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١٠) ج : + صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١١) ب : ـ من.

(١٢) ب وج : ـ انه.

١٩

لجاز أن يكون في النّاس من يخبره (١) الجماعة الكثيرة عن مشاهدة ولا يعلم مخبرهم ، وتجويز ذلك يقتضى أن يصدّق (٢) من خبّرنا عن نفسه بأنّه لا يعلم أنّ في الدّنيا بلدا (٣) يعرف (٤) بمصر وما جرى مجراها.

وأمّا (٥) البلخيّ ؛ فإنّه يتعلّق (٦) في نصرة مذهبه بأن يقول : لا يجوز أن يقع العلم الضّروريّ بما ليس بمدرك ، ومخبر الإخبار عن البلدان أمر غائب عن إدراك من لم يشاهد ذلك ، فلا يجوز أن يكون ضروريّا ، لأنّه لو جاز أن يكون العلم بالغائب عن الحواسّ ضروريّا ؛ جاز أن يكون العلم بالغائب عن الحواس ضروريا ؛ جاز أن يكون العلم بالمحسوس مستدلاّ عليه.

وربَما تعلّق في ذلك بأنّ العلم بمخبر الأخبار إنّما يحصل بعد تأمّل أحوال المخبرين بها وصفاتهم ، فدلّ ذلك على أنّه مكتسب.

فيقال له في شبهته (٧) الأولى : لم زعمت أنّ العلم بالغائب عن الحس لا يكون ضروريّا ؟ ! أ (٨) وليس الله تعالى قادرا على فعل

__________________

(١) الف : يخبر.

(٢) ج : نصدق.

(٣) الف : بلد.

(٤) ب : تعرف.

(٥) ب : فاما.

(٦) ب : متعلق.

(٧) ب : الشبهة.

(٨) ب : أ.

٢٠