نفحات القرآن - ج ٩

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٩

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٥٢

فهؤلاء المتعصبون يريدون في الواقع انكار فضل علي عليه‌السلام فيُشكلون على الله عزوجل.

انتبهوا هنا إلى كلام الرازي فهو يقول : «وهو أنّ اللائق بعلي عليه‌السلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة ، والظاهر أنّ من كان كذلك فانّه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه» (١).

علينا أن نسأل الفخر الرازي أن إذا كان هذا العمل خلافاً لآداب الصلاة وحضور القلب ، فلماذا اثنى عليه الباري جلّ وعلا ، واعتبر ولاية المؤمنين حقيقة بمثل هذا الشخص؟!

على أيّة حال ، فلا مجال للشك في أنّ سماع صوت المحتاج والاستجابة له في حال الصلاة عبادة مضاعفة حصلت في آن واحد ، وعلينا أن نعوذ بالله من التعصب الذي يبعدنا عن الحقائق.

٣ ـ ومن جملة التبريرات التي طرحت هنا بصيغة إشكال هو : إنّ التصدق بالخاتم على السائل فعل كثير ويتعارض مع الصلاة!.

ليس هناك ما يدعو للعجب ، فعندما يريد الإنسان أن لا يذعن للواقع فإنّه يصطنع التبريرات ليحاجج بها ، وهو على يقين بأنَّ تبريراته واهية؟!

والجواب : أولاً : إنّ عملية اخراج الخاتم تمّت باشارة بسيطة وعلى ضوء جميع الفتاوى فإنّ هذا العمل لايعتبر فعلاً كثيراً ولا يوجب الإشكال في الصلاة ، لا سيما إذا أشار الإمام عليه‌السلام إشارة بسيطة ، والسائل اخرجه بنفسه.

ثانياً : لقد صرح الفقهاء بأنّ حتى قتل الحيوان اللادغ مثل «العقرب» أثناء الصلاة ، أو رفع الطفل أثناء الصلاة ، أو حساب عدد الركعات عن طريق الحصى ، بل وحتى غسل جانب من اللباس أو اليد إذا تنجست أثناء الصلاة ، لايضر بالصلاة ، بينما يعتبر اعطاء الخاتم للسائل أو اخراجه أبسط من ذلك بكثير.

٤ ـ يقول المبررون : من اين جاء علي عليه‌السلام بذلك الخاتم النفيس؟ وألم يكن التختم به إسرافاً؟

__________________

(١) التفسير الكبير ، ج ١٢ ، ص ٣٠.

١٦١

الجواب : من الذي قال : إنَّ ذلك الخاتم كان نفيساً ، ولماذا نصغي ونصدّق بمثل ذلك الهراء الفارغ ، ونسير رويداً رويداً نحو إنكار آية قرآنية؟

لقد ورد في رواية واحدة مرسلة وضعيفة أنّ قيمة ذلك الخاتم كانت تعادل خراج الشام! حيث من المسلم به أنّها أكثر شِبهاً بالخرافة لا بالحقيقة ، ولعلها جعلت من قبل الذين وضعوها بقصد التقليل من قيمة هذه الفضيلة العظيمة.

إنَّ في مثل هذه الحالات ليس المهم أن ينفق فيها بل المهم هو أنّ الإنسان نفسه محتاج إلى الشيء ويغضُّ الطرف عنه في سبيل الله ، ويكون هذا الفعل مقروناً بغاية الاخلاص في النيّة.

فعندما تنزل سورة كاملة في القرآن وهي (سورة هل أتى) بسبب اعطاء بضعة اقراص من الخبز (وفي حالة من الجوع طبعاً) إلى المسكين واليتيم والأسير في سبيل الله ، فما العجب في أن تنزل آية بشأن التصدق بخاتم على فقير أثناء الصلاة.

وأمثال هذه الشبهات التي يؤدّي التطرق إلى ذكرها والرد عليها إلى ضياع الوقت.

* * *

١٦٢

٣ ـ آية اولي الأمر

يقول تعالى في الآية : (يَاايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيُعوا اللهَ وَاطِيُعوا الرَّسُولَ وَأُولىِ الامْرِ مِنكُمْ). (النساء / ٥٩)

في بحث الولاية العامة كان لنا كلام مفصل حول معنى هذه الآية ومن هم المقصودون فيها ، وكما جرت الإشارة إليه فإنّ الأمر بالطاعة المطلقة لـ «اولي الأمر» إلى جانب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دليل على أنّ «اولي الأمر» تشمل الذين هم في منزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي أوصياؤه المعصومون ، لأنّه من المتعذر الطاعة المطلقة لغير المعصومين عليهم‌السلام.

وبالمناسبة فإنّ جميع الاحتمالات التي قيلت في تفسير «اولي الأمر» قد بحثت ، ورأينا عدم وجود دلالة ومعنى صحيح لها إلّافي الإمام المعصوم.

إنّ ما يجب أن نضيفه على ذلك هنا ـ في بحث الولاية الخاصة «خلافة علي عليه‌السلام» ، وهو بحث أكثر تفصيلاً حول الروايات التي وردت في المصادر الإسلامية المعروفة (لاسيما مصادر أهل السنة المشهورة) في دلالة هذه الآية على علي عليه‌السلام.

نقل المفسر المعروف «الحاكم الحسكاني» الحنفي النيشابوري خمسَ روايات في ذيل هذه الآية حيث دلّت فيها جميعاً صفة «اولي الأمر» على علي عليه‌السلام «كمصداق جلي».

ففي الرواية الاولى ينقل عنه عليه‌السلام لما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم (ياأيّها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول) الآية ... قلت : يانبي الله من هم؟ قال : أنت أولهم (١).

وفي الرواية الثانية ينقل عن المفسر المعروف «مجاهد» أنّ هذه الآية نزلت بحق أمير

__________________

(١) سنذكر مصادر هذه الروايات عند الانتهاء من الروايات الخمس.

١٦٣

المؤمنين عليه‌السلام حينما خلفه على المدينة (عندما توجه إلى معركة تبوك).

وفي الرواية الثالثة ينقل هذا المعنى عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، وفي الرواية الرابعة ينقل عن «سعد بن أبي وقاص» ، قوله : «لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحقه علي عليه‌السلام يحمل سلاحاً ؛ فقال : يارسول الله خلفتني عنك ولم اتخلف عن غزوة قبلها وقد أرجف المنافقون بي أنّك خلفتني لما استثقلتني!!! قال سعد : فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ياعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي فارجع اخلفني في أهلي وأهلك».

وروي عنهُ عليه‌السلام نفس هذا المعنى في الرواية الخامسة (١).

وفي تفسير «البحر المحيط» تأليف «أبو حيان الأندلسي المغربي» ومن بين مانقل حول معنى أولي الأمر ، ينقل عن مقاتل وميمون والكلبي (وثلاثتهم من المفسرين) : أنّ المراد منها امراء السرايا أو أئمة أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

ثم آثار الموما إليه شبهتين على نزول الآية بحق علي عليه‌السلام :

الاولى : أنّ علياً عليه‌السلام كان واحداً ، والحال أنّ «اولي الأمر» صيغة جمع.

والاخرى : أنّ ظاهر هذه الآية هو أنّ الناس أمروا بأن يطيعوا اولي الأمر أثناء وجود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينما لم يكن علي عليه‌السلام إماماً في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وكان قد طرح مايشابه هذه الشبهات والإشكالات في آية الولاية ، وقد تطرقنا إلى الاجابة عنها بوضوح هناك ، فمن ناحية قلنا ، كثيراً ما يعني أشخاصاً وهم على قيد الحياة ، ويقولون أو يكتبون : إنّ فلاناً وصييّ ، وعليه أن يفعل كذا وكذا ، وعلى أولادي اتباعه ، ومعنى ذلك هو أن يتعهد القيام بهذه الأعمال بعد ممات الموصي له.

وإنّ قضية «الجمع» أيضاً كما قلنا لا تتسبب في خلق مشكلة على الاطلاق ، فكثيراً ما يطلق الجمع على المفرد في القرآن وغيره من النثر والشعر ، وفي الواقع أنّ «اولي الأمر» هنا تفيد الجمع وتشمل جميع الأئمّة المعصومين ، وإن كان في كل زمان إمام ومعصوم واحد ، إلّا أنّهم سيكونون جمعاً في النهاية.

__________________

(١) هذه الأحاديث الخمسة أوردها صاحب شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ١٤٨ ـ ١٥١.

(٢) البحر المحيط ، ج ٣ ، ص ٢٧٨.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢٧٩.

١٦٤

للمزيد من التفصيل بصدد الرد على هذين الإشكالين راجعوا ذيل آية الولاية.

والجدير بالذكر هو أنّ فريقاً آخر نقل روايات في شأن نزول هذه الآية غير «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» إذ يقولون : إنّها ناظرة إلى خلافة علي عليه‌السلام. منهم العالم الشهير «أبو بكر بن المؤمن الشيرازي» الذي ينقل في رسالة الاعتقاد «على ضوء نقل المناقب للكاشي» عن ابن عباس : إنّ الآية المذكورة نزلت بحق علي عليه‌السلام عندما توجه الرسول الى غزوة تبوك وأبقى علياً في المدينة ، فقال له علي عليه‌السلام : «أتخلفني على النساء والصبيان؟» ، فقال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال : اخلفني في قومي واصلح ، فقال عزوجل واولي الأمر منكم» (١).

يروي صاحب كتاب «ينابيع المودة» الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه عن كتاب «المناقب» عن سليم بن قيس الهلالي : إنّ رجلاً جاء إلى علي عليه‌السلام وسأله : أرني أدنى ما يكون العبد مؤمناً ، وأدنى مايكون به العبد كافراً ، وأدنى ما يكون به العبد ضالاً؟ فقال له عليه‌السلام : «قد سألت فافهم الجواب ....... وأمّا أدنى ما يكون العبد به ضالاً أن لا يعرف حجّة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عزوجل عباده بطاعته وفرض ولايته» ، قلت : ياأمير المؤمنين صفهم لي؟

قال : «الذين قرنهم الله تعالى بنفسه ونبيه فقال : (يَاأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمرِ مِنْكُمْ) (٢).

إنّ هذه الرواية شاهد على أنّ اولي الأمر حجج الله ووكلاؤه.

ووردت عشرات الروايات في تفسير البرهان عن مصادر أهل البيت عليهم‌السلام في ذيل الآية كلها تقول : إنّ الآية المذكورة نزلت بحق علي عليه‌السلام أو بحقه وسائر أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل وفي بعض هذه الروايات جاءت اسماء الأئمّة الاثنى عشر واحداً واحداً (٣).

__________________

(١) احقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٤٢٥.

(٢) ينابيع المودة ، ص ١١٦.

(٣) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٨١ ـ ٣٨٧.

١٦٥
١٦٦

٤ ـ آية الصادقين

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). (التوبة / ١١٩)

لقد تحدثنا عن تفسير هذه الآية بالتفصيل في بحث الولاية العامة ، وما يحتاج توضيح أكثر هنا هو شرح الروايات الكثيرة التي طبقت الآية على علي عليه‌السلام أو جميع أهل البيت عليهم‌السلام فمثلاً :

١ ـ يروي المفسر المعروف «السيوطي» في «الدر المنثور» عن ابن عباس في تفسير الآية : (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ...) ، أنّه قال : «مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام».

ونقل شبيه هذا المعنى كل من «الخوارزمي» في «المناقب» ، و «الزرندي» في «درر السمطين» ، و «عبد الله الشافعي» في «المناقب» ، و «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» ، مع فارق أنّ بعضها يعبر بـ ـ «هو علي بن أبي طالب» ، وبعضها بـ «علي بن أبي طالب خاصة» ، وبعض رواها «مع علي وأصحاب علي» (١).

٢ ـ يروي «الحافظ سليمان القندوزي الحنفي» في «ينابيع المودة» عن سلمان الفارسي : لمّا نزلت آية (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، قال سلمان : يارسول الله هذه عامة أم خاصة؟

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمّا المأمورون فعامة الناس ، وأمّا الصادقون فخاصة ، أخي علي وأوصياؤه من بعده إلى يوم القيامة» (٢).

٣ ـ يروي «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» عن عبد الله بن عمر في ذيل عبارة

__________________

(١) المناقب ، ص ١٨٩ ؛ درر السمطين ، ص ٩١ ؛ المناقب لعبد الله الشافعي ، ص ١٥٤ ؛ شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٢٥٩.

(٢) ينابيع المودة ، ص ١١٥.

١٦٧

«وكونوا مع الصادقين» قوله : «يعني محمداً وأهل بيته عليهم‌السلام» (١).

٤ ـ روى جماعة من كبار أهل السنّة مثل «العلّامة الحمويني» في «فرائد السمطين» و «الشيخ أبو الحسن الكازروني» في «شرف النبي» عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في ذيل هذه الآية قوله : «مع آل محمد ، أو مع محمد وآله ، أو مع محمد وعلي» حيث إنّ معناها جميعاً متقارب (٢).

ولم يقتصر العظماء الذين نقلوا الرواية على الأشخاص الذين ذكرناهم.

وهذا الأمر يحظى بالأهميّة أيضاً حيث يأمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا دوماً مع الصادقين ، فهو حكم مطلق بلا قيد أو شرط ، وهذا المعنى لايتحقق أبداً إلّابشأن المعصومين عليهم‌السلام ، لأنّ غير المعصوم ربما يخطيء ، وفي هذه الحالة فانَّ الشخص الذي يمكن الوقوف إلى جانبه واتباعه دائماً لن يكون إلّامن المعصومين ، وعليه فالمراد من الصادقين في هذه الآية ليس كل صادق ، بل الصادقون الذين لا سبيل للكذب إليهم ـ لا عمداً ولا سهواً ـ مع هذا فالعجب من بعض مفسري أهل السنّة المعروفين كالآلوسي في تفسير روح المعاني مثلاً ، فبعد ذكره لبعض الأخبار التي تفسر الصادقين في هذه الآية بعلي عليه‌السلام ، يضيف : إنّ الشيعة قد استدلوا بها على أَحقية علي عليه‌السلام ، ثم يقول : إنّه استدلالٌ باطل ويمر منها بدون أن يأتي بدليل واحد على مزاعمه.

إنَّ مثل هذه المواقف تدلّ على أنّه إلى أي حد يستطيع حجاب التعصب من الحيلولة دون اشعاع نور الفكر ، ويسلب حرية التفكير حتى من العلماء.

وفي المقابل يبرر اناس متحررو التفكير كالدكتور محمد التيجاني الذي شخص طريقه في ظل هذه الآية والآيات المعنيّة ، وأظهر إيمانه بعلي عليه‌السلام وسائر ائمة أهل البيت عليهم‌السلام بشجاعة فائقة ، وألف كتاباً ظريفاً ولطيفاً للغاية في هذا المجال اسماه (لاكون مع الصادقين) ، وقد ترك هذا الكتاب أثراً عجيباً في نفوس الكثير من المسلمين.

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٢٦٢.

(٢) للمزيد من الاطلاع ، راجعوا احقاق الحق ، ج ١٤ ، ص ٢٧٤ و ٢٧٥ ؛ والغدير ، ج ٢ ، ص ٢٧٧ ؛ واحقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢٩٦ ومابعدها ، وج ١٤ ، ص ٢٧٠ ـ ٢٧٧.

١٦٨

٥ ـ آية القربى

يخاطب تعالى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً في الآية : (قُلْ لَّاأَسأَلُكُم عَلَيهِ اجراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِى القُربَى). (الشورى / ٢٣)

إنّ المراد من «القربى» في هذه الآية ، حسب ما قاله جميع مفسري الشيعة وطائفة من مفسري السنّة : هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي قبال هذا التفسير ذكرت احتمالات وتفاسير اخرى يبدو أنّ الدافع الحقيقي لها هو التقليل من أهميّة الإمامة وخلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والاقلال من شأن أهل البيت عليهم‌السلام ، منها التفاسير الثلاثة الآتية :

١ ـ المراد من اجر وثواب الرسالة هو حب الامور التي تدعوكم إلى القرب من الله ، وعليه فإنّ «القربى» هي الامور التي تؤدي إلى القرب من الله تعالى ، ومن الواضح أنّ هذا التفسير لايتلائم وظاهر الآية على الاطلاق ، لأنّ المهم فيما يتعلق بالصلاة والصوم والجهاد ونحو ذلك من عوامل القرب الإلهي هو العمل بها لا مودتها ومحبتها ، فالتعبير بالمودة لا يتناسب وهذه القضية باي شكل من الأشكال ، إلّاأن يكون هنالك شخص بين مخاطبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحب هذه الامور حتى الذين كانوا يقصرون في عملهم منهم مَنْ كانوا يحبون هذه الامور بحكم تعلقهم بالله والقرآن ، وإن لم يكونوا يعملون.

فضلاً عن جميع ذلك ، فـ «القربى» تعنى : القرب والدنو لا «المقرِّب» ، لذا فإنّها جاءت في جميع الحالات التي استخدمت فيها هذه الكلمة في القرآن الكريم (١٥ مرة بالاضافة الى هذه الآية التي هي مورد بحثنا بمعنى الأشخاص الذين يتمتعون بالقرابة (أساساً ذوي القربى النسبية).

١٦٩

فلماذا ولأي سبب تفسر آية البحث خلافاً لجميع حالات استعمال القرآن والمفهوم اللغوي لهذه الكلمة؟ هل هنالك دافع غير ماأشير إليه آنفاً؟!

الجدير بالاهتمام أنّ الكثير من أرباب اللغة قد صرحوا بأنّ القربى ، أو ذي القربى تعني قرابة النسب ، فيقول صاحب مقاييس اللغة : فلان ذو قربتي ، هو من يقرب منك رحماً ، ثم يضيف : «القربى والقرابة» أي أنّ كلاهما بمعنى واحد وجاء في لسان العرب ، «والقرابة والقربى : الدنو في النسب».

٢ ـ وقال البعض الآخر : إنّ المقصود هو ايها المسلمون أحبّوا قرباكم كأجر للرسالة ، والحال أنّ مودّة قرباهم لا علاقة لها بالرسالة.

عجبٌ ، كيف تُتْرك محبّة قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي هي انسب معنى هنا ، وتطرح مودة قرباهم على أنّها أجر الرسالة؟!

٣ ـ وقال بعض من المفسرين : إنّ المقصود هو احفظوا قرابتي منكم كأجر للرسالة ، وحيث إنّ لي قرابة سببية أو نسبية مع الكثير من قبائلكم فلا تؤذوني.

إنّ هذا التفسير هو اسوء تفسير لهذه الآية ، لأنّ أجر الرسالة مطلوب من الذين تقبلوا رسالته فقط ، ولا يعني أولئك الذين يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا إذا كان المراد أعداؤه الذين يؤذونه ، فأولئك لم يتقبلوا رسالته أبداً ، ناهيك عن أجرهم واحسانهم! فكيف يمكن أن يقول إنّ أجري أن لا تؤذوني لقرابتي منكم.

النقطة الأساسية فيما يخص الآية هي أنّ القرآن الكريم ـ من ناحية ـ ينقل عن الكثير من الأنبياء أنّهم كانوا يقولون بصريح القول (وَمَا أَسْأَلُكُم عَلَيهِ مِنْ أَجرٍ انْ أَجرِىَ إلَّاعَلَى رَبِّ العَالَمِينَ) (١).

ومن ناحية اخرى تقول آية البحث فيما يتعلق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قُلْ لَااسأَلُكُمْ عَليهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدّةَ فىِ القُربَى).

ومن ناحية ثالثة : نقرأ بشأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية : (قُلْ مَا أَسأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجرِ إلَّامَنْ

__________________

(١) بالتسلسل ، الآية ١٠٩ و ١٢٧ و ١٤٥ و ١٦٤ و ١٨٠ من سورة الشعراء.

١٧٠

شَاءَ انْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً). (الفرقان / ٥٧)

ومن ناحية رابعة جاء بشأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية : (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجرٍ فَهُوَ لَكُم إِنْ أَجرِىَ إلَّاعَلَى اللهِ). (سبأ / ٤٧)

من خلال جمع هذه الآيات الأربعة مع بعضها يمكن الاستنتاج جيداً أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شأنه شأن بقية الأنبياء لم يطلب أجراً لشخصه من الناس ، بل إنّ في مودة قرباه مرضاة الله ، وهو امر يصب في صالح هؤلاء تماماً ، لأنّ هذه المودة نافذة في الإمامة وخلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستمرار خط قيادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأمة ، وهداية الناس في ظلها (تأملوا جيداً).

نعم فحيثما فسرنا هذه الآيات الأربع بهذا الشكل لم تبق فيها نقطة غموض وتعقيد واشكال ، وإلّا فسيشاهد تضاد فيما بينها من ناحية ، ومن ناحية اخرى نضطر إلى تفاسير طويلة وعريضة لا تتلائم وظاهر الآيات بأي شكل من الأشكال.

ولكن بما أنّ هذا التفسير لا يروق لبعض من المفسرين ، لأنّه لايتفق مع حكمهم المسبق فقد تركوه ، فتارة قالوا : إنّ طلب الأجر لا يتلائم ومقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى هذا الأساس فآية (إِلَّا المَوَدَّةَ فِى القُربَىَ) يجب اعتبارها استثناءً منقطعاً ، وتارة قالوا : إنّ هذه الآية لاتتفق بالآية : (قُل مَا اسأَلُكُم عَلَيهِ مِن اجرٍ وَمَا انَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ). (ص / ٨٦)

وتارة يتورطون في تبريرات معقدة.

إنّ هذه الحقيقة تتضح أكثر فيما لو رجعنا إلى الروايات الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في شرح وتفسير هذه الآية ونضعها إلى جانب هذه الآيات.

من مجموع الروايات الواردة في تفسير الآية نستنتج مايلي :

لا شك أنّ أيّة البحث ناظرة إلى قضية الإمامة والخلافة حيث يمكن اعتبارها أجراً للرسالة ، الأجر الذي يقرب الناس إلى الله ، وتعود فائدته إليهم.

وممّا قيل آنفا يتضح الرد على بعض المفسرين الذين طالما يتخذون موقفاً ملؤه العصبية ازاء الآيات المتعلقة بالإمامة.

يقول «الآلوسي» في «روح المعاني» في تفسير هذه الآية :

١٧١

«علي كرم الله وجهه واجب المحبّة وكل واجب المحبّة واجب الطاعة وكل واجب الطاعة صاحب الإمامة وينتج علي رضي الله تعالى عنه صاحب الإمامة وجعلوا الآية دليل صغرى» (١).

ولكن كما فهم من البحوث الآنفة فنحن لا نريد أبداً استغلال هذه الآية من خلال الصغرى والكبرى الواهيتين ، والأمر المهم في الآية شيء آخر وهو أنّ مودة ذوي القربى عدّت أجراً للرسالة ، وفي الآيات الأخرى ذكر الاجر المذكور على أنّه وسيلة للتقرب من الله وفي صالح الناس ، ومن مجموع ذلك تتضح مسألة الإمامة والخلافة بالتفصيل الذي ورد أعلاه ، وأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي يشار إليها سند لهذا الاستدلال.

* * *

آية القربى في الروايات الإسلامية :

نقلت روايات كثيرة في مصادر السنّة والشيعة في ذيل هذه الآية : (قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلَّا الْمَودَّةَ فِى الْقُربى) حيث لها تأثير كبير في تفسير وتبيين مفهوم الآية ، من جملتها الروايات الآتية :

ينقل «الحاكم الحسكاني» وهو من مشاهير علماء القرن الخامس الهجري في «شواهد التنزيل» عن «سعيد بن جبير» عن «ابن عباس» مايلي :

«لمّا نزلت قل لا أسألكم عليه أجراً إلّاالمودة في القربى ، قالوا : يارسول الله من هؤلاء القربى الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال : علي وفاطمة وولدهما» (٢).

ورويت في الكتاب نفسه عدّة روايات اخرى بهذا المضمون بطرق مختلفة عن ابن عباس (٣).

٢ ـ وفي رواية اخرى في الكتاب نفسه يروي عن أبي امامة الباهلي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٣٠.

(٢) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٣١ ـ ١٣٥.

١٧٢

«إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت وعلي من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوى ، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم ألف عام ، حتى يصير كالشنّ اليابس ، ثم لم يدرك محبتنا أكبّه الله على منخريه في النار. ثم قرأ : «قل لا أسألكُم عليه أجراً إلّاالمودة في القربى» (١).

٣ ـ يروي «السيوطي» المفسر السنّي الشهير في الدر المنثور في ذيل آية البحث عن مجاهد عن ابن عباس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في تفسير الآية : «قل لا أسألكم عليه أجراً ـ أنّ تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي» (٢).

٤ ـ يروي «أحمد بن حنبل» في «فضائل الصحابة» عن «سعيد بن جبير» : لما نزلت آية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلّاالمودة في القربى) ، سأل القوم رسول الله : من هم قرباك الذين وجبت مودتهم علينا؟ قال : «علي وفاطمة وابناهما وقالها ثلاثاً» (٣).

ونقل القرطبي المعنى نفسه في تفسير الآية بشيء من الاختلاف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

٥ ـ يروي «الحافظ أبو نعيم الاصفهاني» في «حلية الأولياء» عن «جابر» : أنّ أعرابياً جاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يامحمد أعرض عليّ الإسلام ، فقال : «تشهد أن لا إله إلّاالله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله ، قال تسألني عليه أجراً؟ قال : لا ، إلّاالمودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي ، قال : هات ابايعك ، فعلى من لا يحبّك ولا يحب قرباك لعنة الله ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : آمين» (٤).

٦ ـ ويروي المفسر المعروف «ابن جرير الطبري» أيضاً في ذيل هذه الآية عن ابن جبير أنّه قال : «هي قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

__________________

(١) شواهد التنزيل ، ص ١٤١.

(٢) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٧.

(٣) احقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢.

(٤) حلية الأولياء ، ج ٣ ، ص ٢٠١.

١٧٣

٧ ـ يروي «الحاكم» في «مستدرك الصحيحين» عن علي بن الحسين عليه‌السلام لمّا قتل علي عليه‌السلام خطب الحسن بن علي عليه‌السلام : (وممّا قاله في خطبته أنّه عرف نفسه حتى بلغ هذه العبارة) : إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل لا اسألكم عليه أجراً إلّاالمودة في القربى» (١).

كما نقل هذه الرواية فريقٌ من مشاهير أهل السنّة ، منهم محبّ الدين الطبري في الذخائر (ص ١٣٨) وابن حجر في صواعقه الصفحة ١٠١ ، والسيوطي في الدر المنثور ذيل آية البحث.

٨ ـ يروي المفسر المعروف أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في جامع البيان عن أبي الديلم :

لما جيء بعلي بن الحسين عليه‌السلام أسيراً إلى الشام فاوقفوه عند باب دمشق ، فقام رجل من أهل الشام وقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة ، فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : أَقرأت القرآن ياشيخ؟ قال : نعم ، فقال عليه‌السلام أقرات حم؟ قال : قرأتٌ القرآن ولكن لم أقرء آل حم ، قال عليه‌السلام أما قرأت : (قل لا أسألكم علية أجراً إلّاالمورة في القربى) ، فقال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال عليه‌السلام : «نعم!» (٢).

٩ ـ يروي «ابن حجر» في «الصواعق المحرقة» عن علي عليه‌السلام أنّه قال : «فينا آل حم آية ، لا يحفظ مودتنا إلّاكل مؤمن ثمّ قرأ : قل لا أسألكم عليه أجراً إلّاالمودّة في القربى» (٣).

وورد نظير هذا المعنى أيضاً في كنز العمال (٤).

ويستفاد جيداً من هذه الرواية أنّ المراد من «القربى» في آية البحث هم قربى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والمقصود من آل حم مجموعة السور التي جاءت حم في مطلعها وهي عبارة عن السور

__________________

(١) مستدرك الصحيحين ، ج ٣ ، ص ١٧٢.

(٢) تفسير جامع البيان ، ج ٢٥ ، ص ١٦.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ١٠١.

(٤) كنز العمال ، ج ١ ، ص ١١٨.

١٧٤

السبع التالية : المؤمن ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية والاحقاف ، وآية البحث في واحدة منها (١).

١٠ ـ نقل الزمحشري في الكشاف ، وكذا الفخر الرازي في التفسير الكبير ، والقرطبي في تفسيره حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل هذه الآية الكريمة تكشف عن أهميّة مودة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بنحو مدهش ، ونحن هنا ننقل نصّ الحديث عن تفسير الكشاف ، إذ يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ مات على حب آل محمّد مات شهيداً ـ ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مات مغفوراً له ، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّدٍ مات تائباً ، أَلا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا وَمَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بشّرهُ مَلَك الموت بالجنّة ثم مُنكر ونكير ، ألا وَمَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يزف إلى الجنّة كما تُزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مات على السنّة والجماعة ، ألا (٢) ومَنْ مات على بغض آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مات كافراً ، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة».

والمدهش أنّه جاء في بعض حواشي تفسير الكشاف التي دونت من قبل بعض المتعصبين بعد نقل هذا الحديث الشريف : وآثار الوضع عليه لائحة!.

ولكن ما الدليل على مجعوليته وفي أي موضع من هذا الحديث يلوح أثر هذا الجعل؟ لم يوضّح ذلك ، سوى أنّ عظمة شأن آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تمّ بيانها في هذا الحديث النبوي الشريف لاتتفق والحكم المسبق للبعض ، ولعلهم كانوا يرون عظمة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله للمرة الاولى بهذا المستوى الراقي في هذا الحديث النبوي الشريف ، وقد نقل ذلك الحديث القديم

__________________

(١) يراجع هامش تفسير مجمع البيان ، ج ٧ و ٨ ، ص ٥١٢ مطلع سورة المؤمن.

(٢) تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢٢٠ و ٢٢١ ؛ تفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٦٥ و ١٦٦ ؛ تفسير القرطبي ، ج ٨ ، ص ٥٨٤٣.

١٧٥

ثلاثة من كبار المفسرين الذين يعتقدون به وتقبلوه بقبول حسن ولم يوردوا عليه مؤاخذه.

هذا في الوقت الذي يقول الفخر الرازي في ذيل هذا الحديث : وإن كان في معنى «آل» جدل واختلاف ، ولكن «لا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله أشدّ التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل».

ويقيم «الفخر الرازي» أيضاً شواهد وقرائن كثيرة على هذا المعنى بأنّ علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام داخلون في هذه الآية (١).

يتبيّن ممّا قيل آنفاً أنّ بعض الروايات التي نقلت في ذيل هذه الآية والتي تقول : «إنّ المخاطب فيها هم كفار قريش ، والمراد هو أن لا تنسوا قرابتي منكم ولاتؤذوني لقرابتي منكم» لايمكن قبولها ، ويحتمل أنّ وُضّاع الحديث قد نقلوا مثل هذا الأمر ، للتقليل من أهميّة منزلة أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنّ مثل هذا الخطاب لكفار قريش يتعارض تماماً مع مفهوم الآية ، فمن المستحيل أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم لا أسألكم أجراً سوى أن لا تنسوا قرابتي منكم وهم غير موقنين أطلاقاً برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فضلاً عن رغبتهم في اعطائه الأجر.

خلاصة القول ، إنّ أولئك الذين تمسكوا بهذه الرواية ولكنهم يقطعون علاقة الآية بأهل البيت عليهم‌السلام هم في الحقيقة ينكرون مضمون الآية لأنّ طلب أجر الرسالة من منكريها فارغ عن المعنى تماماً.

ونختتم هذا البحث بأبيات من الشعر حيث ذكرها الفخر الرازي والآلوسي في «التفسير الكبير» و «روح المعاني» في ذيل هذه الآية ليكون ختاماً مباركاً لهذا البحث ويكون «ختامه مسك».

وهذا الشعر صادر عن الإمام الشافعي المعروف باعتقاده الراسخ بأهل البيت عليهم‌السلام إذ يقول :

يا راكباً قف بالُمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سَحراً إذا فاض الحجيج إلى مِنى

فيضاً كَمُلْتَطَمِ الفرات الفائضِ

__________________

(١) للمزيد من الاطلاع راجعوا تفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٦٦ و ١٦٧.

١٧٦

إن كان رفضاً حبُّ آل محمّدٍ

فليشهد الثقلان انّي رافضي (١)

جعلنا الله من محبي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين نصلي عليهم في صلاتنا وبدون ذلك لا تقبل صلاتنا ، اللهم اجعل هذه المحبّة مقدّمة لمعرفة «مقام ولايتهم» كي لانتصور أنّ قضية بهذه الأهميّة طرحت على أنّها مودة عادية ، ثم اجعل هذه المعرفة سبيلاً لاتباع مذهبهم.

* * *

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ١٦٦ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٣٢.

١٧٧
١٧٨

القسم الثاني : آيات الفضائل

تمهيد :

كما أسلفنا سابقاً ، أننا في هذه البحوث لانتقصى الآيات القرآنية التي تحدثت ، مباشرة عن قضية الخلافة والولاية ، بل نبحث في الآيات التي ورد فيها ذكر لفضائل على بن أبي طالب عليه‌السلام والتي بمجموعها توضح زوايا هذه القضية لمن فاتهم الاطلاع عليها ، وجميع هذه الآيات تشير إلى أن أمر الإمام على عليه‌السلام مستثنىً عن الآخرين ، ومع وجود علي بن أبي طالب في هذه الأمة فإنّ الإمامة والخلافة لاتناط أمورها بغيره.

بعبارة اخرى : إنَّ من خلال حوار بين الإنسان وعقله يمكن استنتاج مسألة الإمامة والخلافة منها ، وهي : إنّ الله الحكيم لا يجعل «المفضول» حاكماً وقائداً على الأفضل ، بل وحتى عقلاء الدنيا فإنّهم يوجهون اللوم والتأنيب لمن يقوم بعمل كهذا ، ويعتبرون فعله هذا دليلاً على ضعف إدارته وعدم تدبيره لأنّه جعل الأفضل تابعاً لمن هو أدنى منه.

إنّ هذه الآيات من الكثرة بحيث إنّ بعض العلماء ألّفوا كتباً مستقلة بهذه المسألة ، إلّاأننا اخترنا من بينها آية تضم مفاهيم واضحة ، كما أنّها تنسجم واختصار الكتاب.

وهنا نتجه نحو المصادر المعروفة لدى أهل السنة ونختزل الكلام عما ورد في مصادر أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام لئلا يتصور أحد أنّ أتباع هذا المذهب قد نطقوا بشيء بدافع التعصب.

وعلى أيّة حال فإنّ هذه الآيات كثيرة ، وقد اخترنا منها ٢٤ آية.

* * *

١٧٩
١٨٠