• الفهرس
  • عدد النتائج:

(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ). هذا أبلغ أسلوب يعبر عن غضب الله وتهديد من اتخذ معبودا من دونه (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ). خسروا أنفسهم لأنهم الى جهنم وبئس المصير ، وخسروا أهليهم لأن المشرك منهم هالك ، والمؤمن عدو لمن أشرك في الدنيا والآخرة (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ). أي ان عذاب الحريق أطبق عليهم من كل جانب.

(ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ). بيّن لهم سبحانه عذاب الآخرة وشدته ليبتعدوا في الدنيا عن أسبابه بالطاعة والإخلاص ، وإلا فإنهم ذائقوه لا محالة.

وقال قائل : ان الجنة هي اللذة الروحية : والنار الألم النفسي ، وان كل ما جاء في القرآن من أوصافهما الحسية فإنما هو ألوان من ضرب الأمثال والتقريب الى الأذهان حيث لا أمنية للبدوي إلا أن يحظى بالعسل واللبن والخمر والحور العين ، واستدل هذا القائل بقوله تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) لأن معناه في مفهومه ان الله ذكر ألفاظ العذاب لمجرد التخويف ولا حقيقة لدلالة هذه الألفاظ ولا واقع لمداليها (١).

ونجيب بأن كل لفظ ورد في كتاب الله وسنّة نبيه يجب العمل بظاهره إلا أن يرفضه العقل ، وعندئذ نصرفه إلى معنى مجازي يتحمله اللفظ ، ولا يأباه العقل ، ولا شيء من أوصاف الجنة والنار التي ذكرها القرآن يتنافى مع العقل ، وعليه يجب إبقاء اللفظ على ظاهره ، ولا مبرر للتأويل ، أما قوله تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) فمعناه انه يبين لهم الحقيقة والواقع ليحتاطوا منه ويبتعدوا عن الأسباب المؤدية اليه والذي يفرض ارادة هذا المعنى نفس الآيات التي ذكرت أوصاف النار وشدائدها (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) ـ ٦٤ ص.

أما القول بأن رحمة الله لا تتفق مع عذاب هذا الإنسان المسكين الذي لا يساوي

__________________

(١). هذا القول قديم جدا ، وهو متروك ، ولكن مصطفى محمود أراد أن يحييه بمقال نشره في مجلة «صباح الخير» عدد ٢٢ ـ ١ ـ ١٩٧٠.