• الفهرس
  • عدد النتائج:

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ). حذّر سبحانه العباد من الشيطان ووسوسته ، ونهاهم عن طاعته ، وأرشدهم إلى طريق الخير والهداية ، فأطاع الكثير منهم الشيطان وعصوا الرحمن ، وإلى هذا أشار بقوله :

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ). الجبلّ الخلق ، وكل من سلك مسلك الهالكين بعد أن حذّر وأنذر فهو في عمى عن نور العقل وهدايته ، ولا جزاء لمثله إلا العذاب الذي أشار اليه سبحانه بقوله : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها على ألسنة الرسل ، وتسخرون منها ومنهم (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). وهذا مصير كل من ضيع وفرط.

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ). كل جارحة للعصاة الطغاة ينطقها الله غدا لتشهد على صاحبها بما اجترح من السيئات ، فاليد تشهد عليه بما ضرب وسرق وكتب وأشار ، والرّجل بما سعى ، والعين بما نظر .. وهكذا.

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى هنا : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) وقوله في الآية ٢٤ من سورة النور : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) فقد أثبت لهم النطق هنا ونفاه هناك؟

الجواب : ان للعباد غدا مواقف لا موقفا واحدا ، يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض ، قال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ـ ١٠٥ هود.

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ). لو أراد سبحانه أن يعاقب المجرمين في الدنيا لأعمى أبصارهم فلا يهتدون إلى شيء ، ولمسخهم تماثيل جامدة لا حراك فيها ولا حياة (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ). نكس الشيء هو جعل أسفله أعلاه ، وكلما تقدم الإنسان في السن تقهقر إلى الوراء ، فيخرف بعد الإدراك ، ويضعف بعد القوة .. والغرض من هذا البيان هو الاشارة إلى أن الله سبحانه قد أمدّ الإنسان بحياة كافية وافية لأن يهتدي فيها ويعمل صالحا ، وانه لو عمّر أكثر من المعتاد لأقعده العجز والمرض ، وكان