ما يخالف المقصود ، وهؤلاء فرقتان :
فرقة لا تشترط فيه أن يكون واقعا في أثناء كلام ، أو بين كلامين متّصلين معنى. بل يجوّز أن يقع في آخر كلام لا يليه كلام ، أو يليه غير متّصل به معنى ، وبهذا يشعر كلام الزمخشري في مواضع من الكشّاف ، فالاعتراض عند هؤلاء يشمل التذييل ، ومن التكميل ما لا محلّ له من الإعراب ، جملة كان أو أكثر من جملة.
وفرقة تشترط فيه ذلك ، لكن لا تشترط أن يكون جملة أو أكثر من جملة.
فالاعتراض عند هؤلاء يشمل من التتميم ما كان واقعا في أحد الموقعين ، ومن التكميل ما كان واقعا في أحدهما ولا محل له من الإعراب ، جملة كان أو أقلّ من جملة أو أكثر.
وإما بغير ذلك ، كقولهم : «رأيته بعيني».
ومنه قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) [النّور : الآية ١٥] أي : هذا الإفك ليس إلّا قولا يجري على ألسنتكم ، ويدور في أفواهكم ، من غير ترجمة عن علم في القلب ، كما هو شأن المعلوم إذا ترجم عنه اللسان.
وكذا قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : الآية ١٩٦] لإزالة توهّم الإباحة ، كما في نحو قولنا : «جالس الحسن وابن سيرين» وليعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ؛ ليحاط به من جهتين ، فيتأكد العلم ، وفي أمثال العرب : «علمان خير من علم».
وكذا قوله (كامِلَةٌ) [البقرة : الآية ١٩٦] تأكيد آخر ، وقيل : أي كاملة في وقوعها بدلا من الهدي ، وقيل : أريد به تأكيد الكيفية لا الكمية ، حتى لو وقع صوم العشرة على غير الوجه المذكور لم تكن كاملة.
وكذا قوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : الآية ٧] فإنه لو لم يقصد الإطناب لم يذكر «ويؤمنون به» لأن إيمانهم ليس مما ينكره أحد من مثبتيهم ، وحسّن ذكره إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه.
وكذلك قوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) [المنافقون : الآية ١] فإنه لو اختصر لترك قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) [المنافقون : الآية ١] لأن مساق الآية لتكذيبهم في دعوى الإخلاص في الشهادة كما مر. وحسّنه دفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر ، ونحو قول البلغاء : «لا ، وأصلحك الله».
وكذا قوله تعالى إخبارا : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها