مَآرِبُ أُخْرى) [طه : الآية ١٨] وحسّنه أنه عليه السّلام فهم أن السؤال يعقبه أمر عظيم يحدثه الله تعالى في العصا ؛ فينبغي أن يتنبه لصفاتها ؛ حتى يظهر له التفاوت بين الحالين.
وكذا قوله : (نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) [الشّعراء : الآية ٧١] وحسّنه إظهار الابتهاج بعبادتها ، والافتخار بمواظبتها ، ليزداد غيظ السائل.
واعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلّتها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له في أصل المعنى ، كالشطر الأول من قول أبي تمام :
يصدّ عن الدّنيا إذا عنّ سودد |
|
ولو برزت في زيّ عذراء ناهد (١) |
وقول الآخر : [المعذل بن عيلان]
ولست بنظّار إلى جانب الغنى |
|
إذا كانت العلياء في جانب الفقر (٢) |
ومنه قول الشماخ : [بن ضرار الغطفاني]
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقّاها عرابة باليمين (٣) |
وقول بشر بن أبي خازم :
إذا ما المكرمات رفعن يوما |
|
وقصّر مبتغوها عن مداها (٤) |
وضاقت أذرع المثرين عنها |
|
سما أوس إليها ، فاحتواها |
ويقرب من هذا الباب قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٣) [الأنبياء : الآية ٢٣]
وقول الحماسي : [السموأل بن عادياء]
وننكر إن شئنا على الناس قولهم |
|
ولا ينكرون القول حين نقول (٥) |
وكذا ما ورد في الحديث : «الحزم سوء الظّنّ» ، وقول العرب : الثّقة بكلّ أحد عجز.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان أبي تمام ص ١٢٢ ، وشرح عقود الجمان ١ / ٢١٨.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لأبي الحسن الكاتب في شرح عقود الجمان ١ / ٢١٨ ، وينسب أيضا لأبي سعيد المخزومي ، وللمعذل بن غيلان.
(٣) البيت من الوافر ، وهو للشماخ في ديوانه ص ٣٣٦ ، ولسان العرب (عرب) ، (يمن) ، وتهذيب اللغة ٨ / ٢٢١ ، ١٥ / ٥٢٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٩ ، ٩٩٤ ، وتاج العروس (عرب) ، ومقاييس اللغة ٦ / ١٥٨.
(٤) البيتان من الوافر ، وهما لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص ٢٢٢ ، وأساس البلاغة (رفع).
(٥) البيت من الطويل ، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٠٦.