تفسير المراغي - ج ٦

أحمد مصطفى المراغي

فإنى قد أشركت فى الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشا قوم يعتدون ، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب (السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) ، أما بعد فـ (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وكان ذلك سنة عشر ، وحاربه أبو بكر ، وقتله وحشىّ قاتل حمزة ، وكان يقول : قتلت فى جاهليتى خير الناس ، وفى إسلامى شر الناس.

(٣) بنو أسد وزعيمهم طليحة بن خويلد ، وقد تنبأ فبعث إليه أبو بكر خالد بن الوليد فانهزم وهرب إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه.

وارتدت سبع فى عهد أبى بكر ، وهم :

(١) فزارة قوم عينية بن حصن.

(٢) غطفان قوم قرّة بن سلمة القشيري.

(٣) بنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل.

(٤) بنو يربوع قوم مالك بن نويرة.

(٥) بعض بنى تميم وزعيمته سجاح بنت المنذر الكاهنة ، وقد تنبأت وزوجت نفسها من مسيلمة ، ولها قصص طويل فى التاريخ ، وصح أنها أسلمت بعد ذلك وحسن إسلامها.

(٦) كندة قوم الأشعث بن قيس.

(٧) بنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد ، وقد كفى الله المؤمنين شرهم على يد أبى بكر رضى الله عنه ، وارتدت قبيلة واحدة فى عهد عمر رضي الله عنه وهم غسّان قوم جبلة بن الأيهم ، تنصّر جبلة ولحق بالشام ومات مرتدا. ويروى أن عمر كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتابا جاء فيه : إن جبلة ورد إلىّ فى سراة قومه فأسلم فأكرمته ثم سار إلى مكة فطاف فوطئ إزاره رجل من بنى فزارة فلطمه جبلة فهشم أنفه وكسر ثناياه فاستعدى الفزاري على جبلة إلىّ فحكمت إما بالعفو وإما بالقصاص ، فقال :

أتقتص منى وأنا ملك وهو سوقة ، فقلت شملك وإياه الإسلام ، فما تفضله إلا بالعافية ،

١٤١

فسأل جبلة التأخير إلى الغد ، فلما كان من الليل ركب مع بنى عمه ولحق بالشام مرتدا.

وروى أنه ندم على ما فعل وأنشد :

تنصّرت بعد الحق عارا للطمة

ولم يك فيها لو صبرت لها ضرر.

فأدركنى منها لجاج حميّة

فبعت لها العين الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدنى وليتنى

صبرت على القول الذي قاله عمر

وهؤلاء المرتدون لم يقاتلهم أحد ، فإن أبا بكر هو الذي قاتل جماهير المرتدين بمن معه من المهاجرين والأنصار وقد وصف الله هؤلاء المؤمنين بست صفلت.

(١) إنه تعالى يحبهم ، وحبّه تعالى وبغضه شأن من شئونه لا نبحث عن كنهه ولا عن كيفيته.

(٢) إنهم يحبون الله تعالى ، وحب المؤمنين لله جاء فى غير موضع من القرآن كقوله : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ» وفى حديث أنس فى الصحيحين «ثلاثة من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار».

(٣ ، ٤) الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين وهما بمعنى ما جاء فى قوله تعالى : «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ»

(٥) الجهاد فى سبيل الله ، وسبيل الله هو طريق الحق والخير الموصلة إلى مرضاته تعالى ، ومن أعظم الجهاد بذل النفس والمال فى قتال أعداء الحق ، وهو من أكبر آيات المؤمنين الصادقين.

(٦) كونهم لا يخافون لومة لائم ، وفى ذلك تعريض بالمنافقين الذين يخافون لوم أوليائهم من اليهود لهم إذا هم قاتلوا مع المؤمنين ، إذ هم لا يرغبون فى جزاء أو ثناء من الناس ، بل يعملون العمل لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

١٤٢

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي ذلك الذي تقدم من الصفات فضل الله يعطيه من يشا من عباده وبه يمتازون عن غيرهم ، وهذه المشيئة وفق السنن التي أقام بها أمر النظام فى خلقه فجعل من الناس الكسب والعمل نفسيا كان أو بدنيا ، ومنه سبحانه آلات الكسب والقوى ما بين بدنية وعقلية ، حسية ومعنوية ، كما أن منه التوفيق والهداية واللطف والمعونة.

(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فعلينا ألا نغفل عن فضله ومنته ، ولا عما يقتضيه ذلك من الشكر له والإنابة إليه ، والإخبات والعبادة له.

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦))

المعنى الجملي

بعد أن نهى سبحانه فى الآيات المتقدمة عن موالاة الكافرين ، أمر فى هذه الآية بموالاة من تجب موالاتهم ، وهم الله ورسوله والمؤمنون.

الإيضاح

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي لا ولىّ لكم أيها المؤمنون ولا ناصر ينصركم إلا الله ورسوله والمؤمنون الصادقون الذين اتصفوا بتلك الصفات الآتية بعد :

وفى هذا تعريض بمن ينصر مرضى القلوب فى توليهم الكفار من دون الله ولما كانت كلمة (المؤمنين) تشمل كل من أسلم ولو ظاهرا بيّن المراد منها بقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) قال فى الأساس : العرب تسمى من آمن بالله ولم يعبد الأوثان راكعا ، وقال أبو مسلم المراد بالركوع الخضوع

١٤٣

أي إن المؤمنين الذين يقومون بحق الولاية والنصرة لكم هم الذين يقيمون الصلاة ويؤدونها حق الأداء باشتمالها على الآداب الظاهرة والباطنة ، ويعطون الزكاة مستحقيها وهم خاضعون لأوامر الله مع طيب نفس وهدوء بال لا خوفا ولا رياء ولا سمعة ، دون المنافقين الذين يقولون : آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ويأتون بصورة الصلاة لا بروحها ومعناها المقصود منها ، فإذا هم قاموا إليها قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا.

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) أي إذا كان الله وليكم وناصركم ، وكان الرسول والذين آمنوا أولياء لكم بالتبع لولايته فأنتم بذلك حزب الله والله ناصركم ، ومن يتولّ الله بالإيمان به والتوكل عليه ويتول الرسول والمؤمنين بنصرهم وشد أزرهم والاستنصار لهم دون أعدائهم فإنهم هم الغالبون ، ولا يغلب من يتولاهم ، لأنهم حزب الله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ

١٤٤

قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣))

تفسير المفردات

نقم منه كذا : إذا أنكره عليه وعابه به بالقول أو الفعل ، والمثوبة : من ثاب إليه إذا رجع ، ويراد به الجزاء والثواب ، والطاغوت : من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد المشروع وهو يشمل كل من أطاعوه فى معصية الله تعالى ، والسحت : الدنيء من المحرمات.

المعنى الجملي

بعد أن نهى سبحانه عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دونه وبين العلة فى ذلك فأرشد إلى أن بعضهم أولياء بعض ، ولا يوالى المؤمنين منهم أحد ، ولا يواليهم ممن يدعون الإيمان إلا مرضى القلوب والمنافقون الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر.

أعاد النهى هنا عن اتخاذ الكفار عامة أولياء مع بيان الوصف الذي لأجله كان النهى ، وهو إيذاؤهم للمؤمنين بجميع ضروب الإيذاء ، ومقاومتهم دينهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

الإيضاح

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) أي لا تتخذوا اليهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبياء وأنزلت عليهم الكتب من قبل بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ومن قبل نزول كتابنا ـ أولياء وأنصارا حلفاء ، فإنهم لا يألونكم خبالا وإن أظهروا لكم مودة وصداقة ،

١٤٥

ذلك لأنهم اتخذوا هذا الدين هزوا ولعبا فكان أحدهم يظهر الإيمان للمؤمنين وهو على كفره مقيم ، وبعد اليسير من الزمن يظهر الكفر بلسانه بعد أن كان يبدى الإيمان قولا وهو مستبطن للكفر تلاعبا بالدين واستهزاء به كما قال تعالى عنهم «وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ».

وكذلك نهى الله عن موالاة جميع المشركين ، لأن موالاة المسلمين لهم بعد أن أظهرهم الله عليهم بفتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجا ـ تكون قوة لهم وإقرارا على شركهم الذي جاء الإسلام لمحوه من جزيرة العرب.

وقد نهج الإسلام مع أهل الكتاب سياسة غير سياسته مع مشركى العرب ، فأباح أكل طعامهم ونكاح نسائهم وشرع قبول الجزية منهم وإقرارهم على دينهم. وخصهم هنا بلقب أهل الكتاب ولقّب المشركين بالكفار ، وفى آيات أخرى بالمشركين والذين أشركوا ، لأنهم لوثنيتهم عريقون فى الشرك والكفر أصلاء فيه ، أما أهل الكتاب فالشرك والكفر قد عرض للكثير منهم عروضا وليس من أصل دينهم.

(وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي وخافوا الله أيها المؤمنون فى موالاة هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا حتى لا يضيع الغرض منها وتكون وهنا لكم ونصرا لهم ـ إن كنتم صادقى الإيمان تحفظون كرامته وتجتنبون مهانته ، وتصدقون بالجزاء والوعيد على معصيته تعالى.

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً) أي وإذا أذّن مؤذنكم داعيا إلى الصلاة سخر من دعوتكم إليها من نهيتم عن ولايتهم من أهل الكتاب والمشركين ، واتخذوها هزوا ولعبا.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أي ذلك الفعل الذي يفعلونه وهو الهزؤ والسخرية

١٤٦

إنما كان لجهلهم بحقيقة الأديان وما أوجب الله فيها من تعظيمه والثناء عليه بما هو أهله ، ولو كان عندهم عقل لخشعت قلوبهم كلما سمعوا المؤذن يكبر الله تعالى ويمجده بصوته الندىّ ويدعو إلى الصلاة له والفلاح بمناجاته وذكره ، فهو ذكر مؤثّر فى النفوس لا تخفى محاسنه على من يعقل الحكمة فى إرسال الشرائع ويؤمن بالله العلى الكبير.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ؟) أي قل يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى : هل تعيبون علينا من شىء وتكرهوننا لأجله ، إلا إيماننا الصادق بالله وتوحيده وإثبات صفات الكمال له ، وإيماننا بما أنزل إلينا وبما أنزل من قبل على رسله ، لقلة إنصافكم ، ولأن أكثركم فاسقون خارجون عن حظيرة الإيمان الصحيح وليس لكم من الدين إلا العصبية الجنسية ، والتقاليد الباطلة.

والخلاصة ـ إنه ما عندنا سوى ذلك ، وهذا مما لا يعاب ولا ينقم منه ، بل يمدح صاحبه ويكرم ، لكنكم لفسقكم وخروجكم من حظيرة الدين الصحيح عبتم الحسن من غيركم ، ورضيتم بالقبيح من أنفسكم.

روى ابن جرير عن ابن عباس قال «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبى رافع فى جماعة فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال : (أومن (بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله فيهم (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ ...)» إلخ.

وفى قوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) دقة فى الأحكام على الأمم والشعوب ، إذ هو يحكم على الكثير أو الأكثر وما عمم إلا استثنى ، وقد كان فى أهل الكتاب ناس لا يزالون معتصمين بأصول الدين وجوهره من التوحيد وحب الحق والعدل ، وهؤلاء هم الذين سارعوا إلى الإسلام عند ما عرفوا حقيقة أمره وتجلى لهم صدق الداعي إليه

١٤٧

ثم ردّ على الاستفهام التهكمى باستفهام تهكمى مثله فقال :

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) استعمال المثوبة فى الجزاء الحسن أكثر من استعمالها فى الجزاء السيّء ، وقيل إن استعمالها فى الجزاء السيّء من باب التهكم والازدراء.

أي هل أنبئكم أيها المستهزءون بديننا وأذاننا مما هو شر من عملكم هذا جزاء وثوابا عند الله.

وهذا السؤال يستدعى سؤالا منهم عن ذلك الذي هو شر (ما هو) فأجابهم بقوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) من لعنه الله : أي جزاء من لعنه على حد قوله تعالى «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى» أي ولكن البر برّ من اتقى أي إن الذي هو شر من ذلك ثوابا وجزاء جزاء من لعنه الله وغضب عليه إلخ.

وفى هذا انتقال بهم من تبكيت لهم بإقامة الحجة على هزئهم ولعبهم بما ذكر ـ إلى ما هو أشد منه تبكيتا وتشنيعا عليهم ، ذلك هو التذكير بسوء حال آبائهم مع أنبيائهم وما كان من جزاء الله لهم على فسقهم وتمردهم بأشد ما جازى به الفاسقين الذين ظلموا أنفسهم ـ من اللعن والغضب والمسخ وعبادة الطاغوت.

أما اللعن فقد ذكر فى عدة مواضع من القرآن الكريم مع بيان أسبابه ، والغضب الإلهى يستلزم اللعنة ، واللعنة تلزمه ، إذ هى منتهى المؤاخذة لمن غضب الله عليه.

وأما جعله منهم قردة وخنازير فقد تقدم فى سورة البقرة «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» وسيأتى فى سورة الأعراف «فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» وجمهرة العلماء على أنهم مسخوا فكانوا قردة وخنازير على الحقيقة وانقرضوا ، لأن الممسوخ لا يكون له نسل ، ونقل ابن جرير عن مجاهد أنه قال : مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كما ضرب المثل بقوله «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً».

١٤٨

(أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي إن أولئك الذين اتصفوا بما ذكر من المخازي وشنيع الأمور شر مكانا ، إذ لا مكان لهم فى الآخرة إلا النار ، وهم أضل عن قصد سواء الطريق ووسطه الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

ومثل هؤلاء لا يحملهم على الاستهزاء بدين المسلمين وبصلاتهم وأذانهم إلا الجهل وعمى البصيرة.

ثم بين حال المنافقين منهم فقال :

(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أي وإذا جاءكم المنافقون من اليهود قالوا للرسول ولكم إننا آمنا بالرسول وما أنزل عليه ، وحالهم الواقعة منهم أنهم دخلوا عليكم وهم مقيمون على الكفر والضلال وخرجوا وهم كذلك ، فحالهم عند خروجهم كحالهم عند دخولهم لم يتحولوا عن كفرهم بالرسول وما نزل من الحق؟

ولكنهم قوم دأبهم الخداع والنفاق كما جاء فى سورة البقرة : «وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ؟» الآية.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) حين دخولهم من قصد تسقّط الأخبار والتوسل إلى ذلك بالنفاق والخداع ، وحين خروجهم من الكيد والمكر والكذب الذي يلقونه إلى البعداء من قومهم كما علمت مما سلف عند قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ).

وفى قوله : وهم قد خرجوا به تأكيد لكونهم حين الخروج كما هم حين الدخول ، واحتيج إليه لمجيئه على خلاف المعروف ، لأن من كان يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسمع منه العلم والحكمة ، ويرى من أحاسن أخلاقه ما يؤثّر فى القلوب ويلين قاسيها ـ يرجع عن سوء عقيدته ، وتصفو نفسه من كدورتها إلا إذا كان متعنتا مخادعا ، فإن الذكرى لا تنفعه ، والعظات والزواجر لا تؤثر فيه.

وقد كان الرجل يجىء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله حتى إذا رآه وسمع كلامه انجابت عن قلبه ظلمات الكفر والفسوق وآمن به وأحبه ، وما شذّ هؤلاء

١٤٩

إلا لسوء نيتهم ، وفساد طويّتهم ، وذلك ما صرف قلوبهم عن التذكر والاعتبار ووجّه هممهم إلى الكيد والخداع ، فلم يكن لديهم عقول تعى وتفقه مغزى الحكم والآداب.

ثم ذكر من شئونهم ما هو شر مما سلف فقال :

(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) أي وترى أيها الرسول كثيرا من هؤلاء اليهود الذين اتخذوا دينك هزوا ولعبا ـ يسارعون فى الظلم والعدوان وتجاوز الحدود التي ضربها الله للناس ، وفى أكل السحت وكل ما يعود على فاعله بالضرر فى الدين والدنيا ، فهم غارقون فى الإثم والعدوان ، فكلما قدروا عليهما ابتدروهما ولم يتأخروا عن ارتكابهما.

ثم بالغ فى قبح هذه الأعمال فقال :

(لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي والله ما أقبح هذا العمل الذي يعمله هؤلاء من مسارعتهم فى كل ما يفسد الأخلاق ، ويدنّس النفوس ، ويقوّض نظم المجتمع ، وويل للأمة التي يعيش فيها أمثال هؤلاء ، فهلّا نهاهم علماؤهم وزهادهم وعبّادهم عن أفعالهم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر قبل أن يستفحل الشر ، ويعم الضّر؟ وإلى هذا أشار بقوله :

(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) قال فى الكشاف : لا يسمى العامل صانعا ولا العمل صناعة حتى يتمكن فيه العامل ويتدرب وينسب إليه ، وفاعل المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها ، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه فى فعل غيره ، فإذا فرّط فى الإنكار على المعصية كان أشد إثما وأعظم جرما من الفاعل لها اه.

أي هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون فيما ذكر من المعاصي ـ أئمتهم فى التربية والسياسة ، وعلماء الدين من الأحبار والرهبان ، لبئس ما كانوا يصنعون من الرضى بهذه الأوزار والخطايا ، وتركهم فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

روى عن ابن عباس أنه قال : ما فى القرآن أشد توبيخا من هذه الآية ـ يريد بذلك أنها حجة على العلماء إذا هم قصروا فى الهداية والإرشاد ، وتركوا النهى عن الشرور

١٥٠

والآثام التي تفسد نظم الحياة للفرد والمجتمع ، فحق على العلماء والحكام أن يعتبروا بهذا النعي على اليهود ساسة وعلماء ومربّين فيزدجروا ويعلموا أن هذه موعظة وذكرى لهم إن نفعت الذكرى.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦))

تفسير المفردات

لليد لغة معان عدة : الجارحة ، والنعمة ، تقول لفلان عندى يد أشكره عليها ، والقدرة كما قال تعالى «أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ» أي ذوى القوة والعقول والملك ، كما تقول هذه الضيعة فى يد فلان أي ملكه وقال تعالى «الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» أي فى ملكه ، وغلّت أيديهم أي أمسكت وانقبضت عن العطاء ، وهو دعاء عليهم بالبخل ، يداه مبسوطتان أي هو كثير العطاء ، والحرب : ضد السلم ؛ فهى تصدق بالإخلال بالأمن والسلب والنهب ولو بغير قتل ، وبتهييج الفتن والإغراء بالقتل ، وإقامة التوراة : العمل بما فيها على أتم الوجوه سواء فى ذلك عمل النفس بالإيمان والإذعان ، وعمل الجوارح

١٥١

والقوى البدنية ، وقوله : لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم أي لوسع الله عليهم موارد الرزق ، والمقتصدة : المعتدلة فى أمر الدين فلا تغلو بالإفراط ولا تهمل بالتقصير.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه فى الآيات السالفة بعض مخازيهم من مسارعتهم فى الإثم والعدوان وأكل السحت إلى نحو أولئك مما اختلت به نظم المجتمع فى الأفراد والجماعات ، فأصبحوا قوما أنانية ، همة كل واحد منهم جمع المال واكتسابه على أىّ صورة كان وبأى وجه جمع ، وقد أثّر هذا فى أخلاقهم وأعمالهم أشد الأثر كما تشهد بذلك كتب دينهم ـ ذكر هنا أفظع مخازيهم وأقبحها ، بجرأتهم على ربهم ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، وإنكارهم جميل أياديه عندهم ، وكثرة صفحه عنهم ، وعفوه عن عظيم جرمهم توبيخا لهم ، وتعريفا لنبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم ، واحتجاجا له بأنه مبعوث ورسول ، إذ أخبر بخفي علومهم ومكنون أخبارهم التي لا يعلمها إلا أحبارهم دون غيرهم من اليهود.

روى ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال «قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس للنبى صلى الله عليه وسلم : إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله (وَقالَتِ الْيَهُودُ ...)» الآية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنها نزلت فى فنحاص رأس يهود بنى قينقاع. وروى ابن جرير عن عكرمة مثله ، وروى عن مجاهد أنهم قالوا : لقد يجهدنا الله يا بنى إسرائيل حتى جعل يده إلى نحره ـ يريدون أنه ضيّق عليهم الرزق. وروى عن ابن عباس أنه قال : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، لكنهم يقولون إنه بخيل أمسك ما عنده ، تعالى ربنا عما يقول الظالمون.

الإيضاح

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) أي قال ذلك بعض منهم ، ونسبه إلى الأمة بناء على التكافل العام بين أفرادها وكونها كالشخص الواحد ، وأن الناس فى كل زمان

١٥٢

يعزون إلى الأمة ما يسمعون من بعض أفرادها وقد جرت سنة القرآن أن ينسب إلى المتأخرين ما قاله أو فعله سلفهم منذ قرون.

ولا عجب فى صدور هذا القول من بعض الأشخاص منهم ، فإنا نرى من المسلمين فى عصرنا مثله فى الشكوى من الله عز وجل والاعتراض عليه عند الضيق وفى إبّان المصايب.

ثم دعا عليهم بالبخل والطرد من رحمته فقال :

(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) هذا دعاء عليهم بالبخل وانقباض الأيدى عن العطاء والإمساك عن الإنفاق فى سبيل البر والخير وما زالوا أبخل الأمم ، فلا يكاد أحد منهم يبذل شيئا إلا إذا كان يرى أن له من ورائه ربحا ، كما دعا عليهم بالطرد والبعد من رحمته وعنايته الخاصة بعباده المؤمنين.

وقيل إن المراد بغل الأيدى ربطها إلى الأعناق بالأغلال فى الدنيا أو فى النار أو فيهما ، فقد نقل عن الحسن البصري أنه قال : يغلّون فى الدنيا أسارى ، وفى الآخرة معذبين بأغلال جهنم ، وقال فى تفسير اللعنة : عذّبوا فى الدنيا بالجزية وفى الآخرة بالنار.

ثم رد سبحانه عليهم ما قالوه وأثبت لنفسه غاية الجود وسعة العطاء وأن كل ما فى العالم من خير هو سجل من ذلك الجود فقال :

(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) أي بل هو الجواد المتصرف وفق حكمته وسننه فى الاجتماع.

وتقتير الرزق على بعض العباد لا ينافى سعة الجود ، وسريانه فى كل الوجود ، فإن له سبحانه الإرادة والمشيئة فى تفضيل بعض الناس على بعض فى الرزق بحسب السنن التي أقام بها نظام الخلق.

وعبر عن سعة الجود ببسط اليدين ، لأن الجواد السخي إذا أراد أن يبالغ فى العطاء جهد استطاعته ، يعطى بكلتا يديه كما قال الأعشى يمدح جوادا :

يداك يدا جود فكفّ مفيدة

وكفّ إذا ما ضنّ بالزاد تنفق

١٥٣

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) أي إن هذا الذي أنزلناه عليك أيها النبي من خفىّ أمور هؤلاء اليهود المعاصرين لك ، ومن أحوال سلفهم ، وشئون كتبهم ، وحقائق تاريخهم ـ هو من أعظم الأدلة على نبوتك ، وكان ينبغى أن يجذبهم إلى الإيمان بك ، إذ لولا النبوة والوحى ما علمت من هذا شيئا ، فلا تعرف الماضي لأنك أمي لم تقرأ الكتب ، ولا تعرف الحاضر لأنه من مكرهم الخفىّ ، وكيدهم السّرّى ـ لكنهم لطغيانهم وتجاوزهم الحدود فى الكفر والحسد للعرب لم يجذبهم ذلك إلى الإيمان ، ولم يقرب إلا قليلا منهم ، وو الله ليزيدين ذلك كثيرا منهم طغيانا فى بغضك وعداوتك ، وكفرا بما جئت به.

وقال قتادة : حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه.

(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي وألقينا بين اليهود والنصارى العداوة والبغضاء فهى لا تنقطع أبدا ، وهى على أشدها الآن فى روسيا وألمانيا ، وأقلها فى انجلترا وفرنسا.

واليهود مع كونهم المديرين لأعظم الأعمال المالية ولهم النفوذ والتأثير فى السياسة وسائر شئون الاجتماع مبغوضون من جماهير النصارى.

وقد ألّفت كتب كثيرة فى فرنسا وغيرها فى التحريض عليهم ، واستأصلت شأفتهم ألمانيا وكثير من البلاد المجاورة لها بعد الحرب العظمى ، وأصبح هذا الشعب عندهم من أقبح شعوب العالم ، وكذلك العداوة بين بعض النصارى وبعض لا تزال آثارها تظهر بين حين وآخر لدى الدول الكبرى القوية ، فهى دائما فى استعداد لحرب يسحق بها بعضهم بعضا ، والحرب القائمة الآن بين الدول المسيحية الكبري أكبر برهان على صدق ذلك.

(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) أي كلما هموا بالكيد للرسول وللمؤمنين الصادقين خذلهم الله ، وهم إما أن يخيبوا فى سعيهم ولا يتم لهم ما أرادوا من الإغراء والتحريض ، وإما أن ينصر الله رسوله والمؤمنين.

١٥٤

والمعروف فى كتب السيرة أن اليهود كانوا يغرون المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ومنهم من سعى لتحريض الروم على غزوهم ، ومنهم من كان يؤوى أعداءهم ويساعدهم ، ككعب بن الأشرف ، وما سبب ذلك إلا الحسد والعصبية ، وخوف الأحبار والرهبان من إزالة الإسلام لامتيازاتهم العلمية والدينية التي كانوا معروفين بها فى بلاد الحجاز ، فكانت عداوتهم للمسلمين عداوة سياسية جنسية ليست من طبيعة الدين ولا روحه ، والدليل على ذلك أن اليهود كان لهم ضلع بعد ذلك مع المسلمين فى الشام والأندلس ، لما رأوا من عدلهم وإزالة الجور والظلم الذي كان عليه الروم والقوط.

وكذلك عداوة النصارى للمسلمين كانت سياسية وكانت على أشدها بينهم وبين الروم المستعمرين للبلاد المجاورة للحجاز كالشام ومصر ، وكان نصارى البلاد أقرب ميلا إلى المسلمين بعد أن وثقوا بعدلهم ، وزال عنهم ظلم الروم مع كونهم من أهل دينهم ، وقد جرت العادة أن الناس يتبعون فى العداوة أو المودة ما تمليه عليهم منافعهم ومصالحهم.

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أي إن ما يأتونه من عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإيقاد الفتن والحروب لم يكن بقصد الإصلاح للأخلاق وشئون العمران والاجتماع ، بل كانوا يقصدون السعى فى الأرض للفساد ، ويحاولون الكيد للمؤمنين ومنع اجتماع كلمة العرب ، ويودون ألا يخرجوا من الأمية إلى العلم والعرفان ، ولا من الوثنية إلى التوحيد ، حسدا لهم وحبا فى دوام امتيازهم عنهم.

(وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) فى الأرض بل يبغضهم ، ومن ثم لا ينجح سعيهم ، ولا يصلح عملهم ، لأنهم يريدون أن يبطلوا حكمته تعالى فى صلاح الناس ، وعمران البلاد.

ومن ثم أبطل سبحانه كل ما كاده أولئك القوم للنبى صلى الله عليه وسلم والعرب والإسلام ، وأصلح بالإسلام ما كانوا خرّبوه من البلاد ، ونصر المسلمين على كل من ناوأهم ، وكذلك هم تركوا التوراة والإنجيل وهما قد أنزلا لهداية الناس إلى الصلاح والإصلاح ، فزال ملكهم وسلط الله عليهم غيرهم.

١٥٥

ثم ندّمهم على سوء أعمالهم فقال :

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي ولو أنهم آمنوا بالله ورسوله واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم لكفرنا عنهم سيئاتهم التي اقترفوها ومحونا عنهم ذنوبهم ولم نفضحهم بها ، ولأدخلناهم فى الآخرة جنات ينعمون بها.

وفى ذلك إعلام من الله بعظم معاصى اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمته ، وفتحه باب التوبة لكل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبلغ سيئات اليهود والنصارى ، وإخبار بأن الإيمان لا ينجّى إلا إذا شفع بالتقوى ، ومن ثم قال الحسن : هذا العمود فأين الأطناب؟

(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي ولو أقاموا ما فى التوراة والإنجيل المنزّلين بنور التوحيد ، المبشّرين بالنبي الذي يأتى من أبناء إسماعيل ، والذي قال فيه عيسى عليه السلام : إنه روح الحق الذي يعلمهم كل شى.

وأقاموا ما أنزل إليهم من ربهم على هذا النبي الكريم الذي بشرت به كتبهم ـ لوسع الله عليهم رزقهم ، ولأعطتهم السماء مطرها وبركتها ، والأرض نباتها وخيرها ، كما قال تعالى : «لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ».

وفى هذا تنبيه إلى أن ما أصابهم من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم ، لا من قصور فى فيض الله وعظيم عطائه ، وإشارة إلى أنهم لو أقاموهما ما عاندوا النبي ذلك العناد ، فالدين عندهم إنما كان أمانى يتمنّونها ، وبدعا وتقاليد يتوارثونها ، فهم بين غلوّ وتقصير وإفراط وتفريط.

ثم ذكر أنهم ليسوا سواسية فى أفعالهم وأقوالهم فقال :

(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي منهم جماعة معتدلة فى أمر دينها لا تفرط ولا تهمل ، وهم الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأضرابه من اليهود ،

١٥٦

والنجاشي وأصحابه من النصارى ، وكثير منهم أجلاف متعصبون ، ساء ما يعملون من كفرهم بالله واجتراح المعاصي ، ويزعم النصارى منهم أن المسيح ابن الله ويكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويكذب اليهود بعيسى ومحمد صلى الله عليهما.

والمعتدلون لا تخلو منهم أمة ، لكنهم يكثرون فى طور صلاح الأمة وارتقائها ، ويقلّون فى طور فسادها وانحلالها ، ولا تهلك الأمم إلا بكثرة من يعمل السوء من أشرارها ، وقلة من يعمل الصالحات من أخيارها ، وهؤلاء المعتدلون هم السباقون إلى كل صلاح وإصلاح يقوم به المجددون من الأنبياء فى مختلف العصور ، ومن ثم قبل هذا الدين الجديد هؤلاء المقتصدون من أهل الكتاب ومن غيرهم فكانوا مع إخوانهم العرب من المجددين للتوحيد والفضائل والآداب ، والمحبين للعلوم والفنون.

روي ابن أبى حاتم عن جبير بن نفير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يوشك أن يرفع العلم ، قلت : وكيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟ فقال : ثكلتك أمك يا ابن نفير ، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ، أو ليست التوراة والإنجيل بأيدى اليهود والنصارى ، فما أغنى ذلك عنهم حين تركوا أمر الله ، ثم قرأ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) الآية».

وأخرج أحمد وابن ماجه عن زياد بن لبيد قال : «ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال : وذلك عند ذهاب العلم ، قلنا : يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة ، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشىء».

ومغزى هذا أن العبرة فى الأديان هو العمل بها والاهتداء بهديها ، وقد كان أهل الكتاب فى ذلك العصر أبعد ما كانوا عن هداية دينهم مع شدة عصبيتهم الجنسية له ، كما هو شأن المسلمين اليوم.

وهذه الشهادة لبعض أهل الكتاب بالقصد والاعتدال لها نظائر فى آيات أخرى

١٥٧

كقوله تعالى : «وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» وقوله «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ» الآية.

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩))

الإيضاح

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي يا أيها الرسول بلّغ إلى الخلق جميع ما أنزل إليك من ربك مالك أمرك ومبلّغك إلى كمالك ، ولا تخش فى ذلك أحدا ولا تخف أن ينالك من ذلك مكروه.

ثم أكد ما سلف بقوله :

(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أي وإن لم تفعل ما أمرت به من التبليغ لما أنزل إليك ، بأن كتمته ولو إلى حين خوفا من الأذى بالقول أو بالفعل ـ فحسبك جرما أنك ما بلغت الرسالة ولا قمت بما بعثت لأجله ، وهو تبليغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم كما قال تعالى «إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ».

والحكمة فى التصريح بالأمر بالتبليغ وتأكيده بجعل كتمان بعضه ككتمان

١٥٨

كله ، مع العلم بأن الرسل صلوات الله عليهم معصومون من كتمان شىء مما أمرهم الله بتبليغه وإلا بطلت حكمة الرسالة بعدم ثقة الناس بالتبليغ ـ الحكمة فى ذلك بالنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إعلامه بأن التبليغ حتم لا يجوز كتمانه على أي حال بتأخير شىء عن وقته على سبيل الاجتهاد ، ولولا هذا النص لكان للرسول أن يجتهد بتأخير بعض الوحى إلى أن يقوى استعداد الناس لقبوله ، ولا يحملهم سماعه على رده وإيذاء الرسول لأجله.

والحكمة بالنسبة إلى الناس أن يعرفوا هذه الحقيقة بالنص ، فلا يعذروا إذا اختلفوا فيها باختلاف الرأى والفهم.

ومن هذا تعلم أن ما نقل من الأقوال والآراء من جواز كتمان بعض الوحى غير القرآن عن كل الناس أو عن جمهورهم لا يتفق مع الدين فى شىء ، ولا يعوّل على ما رووه من الأخبار الضعيفة ، والأحاديث الموضوعة فى هذا الباب.

والحق الذي لا شبهة فيه أن الرسول بلغ جميع ما أنزل إليه من القرآن ، وبيّنه ولم يخصّ أحدا بشىء من علم الدين ، وأنه لا امتياز لأحد عن أحد فى علم الدين إلا بفهم القرآن فهما يتوسل إليه بعلم السنة ، وآثار علماء الصحابة والتابعين ، وعلماء الأمصار فى الصدر الأول ، وبمعرفة مفردات اللغة العربية وأساليبها ، ومعرفة علوم الكون وشئون البشر وسنن الله فى الخلق.

روى ابن مردويه عن ابن عباس قال : «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أىّ آية من السماء أنزلت أشد عليك؟ فقال : كنت بمنى أيام موسم ، واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس فى الموسم ، فنزل علىّ جبريل فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) الآية قال ـ فقمت عند العقبة فقلت : أيها الناس من ينصرنى على أن أبلغ رسالات ربى ولكم الجنة؟ أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول إليكم ، تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة ـ قال صلى الله عليه وسلم فما بقي رجل ولا أمة ولا صبى إلا يرمون علىّ بالتراب والحجارة

١٥٩

ويقولون : كذاب صابىء فعرض علىّ عارض فقال : اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ، وانصرني عليهم أن يجيبونى إلى طاعتك ، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه».

(وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يمنعك من فتكهم ، مأخوذ من عصام القربة : وهو ما توكأ به أي يربط به فمها من سير جلد أو خيط ، والناس هم الكفار الذين يتضمن تبليغ الوحى بيان كفرهم وضلالهم ، وفساد عقائدهم وأعمالهم ، والنعي عليهم وعلى سلفهم ، وكان ذلك يغيظهم ويحملهم على إيذائه صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالفعل ، وائتمروا به بعد موت أبى طالب وقرروا قتله فى دار الندوة ولكن الله تعالى عصمه منهم ، وكذلك فعل اليهود بعد الهجرة.

روى الترمذي وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن بضعة رجال من الصحابة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس فى مكة قبل نزول هذه الآية ، وكان العباس ممن يحرسه ، فلما نزلت ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس» وروى «أن أبا طالب كان يبعث مع رسول الله من يحرسه إذا خرج حتى نزل (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فذهب ليبعث معه ، فقال يا عم إن الله حفظنى لا حاجة لى إلى من تبعث».

وقد وضعت هذه الآية وهى مكية فى سياق تبليغ أهل الكتاب وهو مدنى ، لتدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عرضة لإيذائهم أيضا ، وأن الله تعالى عصما من كيدهم ، ولتذكّر بما كان من إيذاء مشركى قومه من قبلهم.

ثم ذكر ما هو كالسبب فى العصمة فقال :

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي إنه تعالى لا يهدى أولئك القوم الكافرين الذين هم بصدد إيذائك على التبليغ إلى ما يريدون ، بل يكونون خائبين ، وتتم كلمات الله تعالى حتى يكمل بها الدين.

ثم بين أن الانتساب إلى الأديان لا ينفع أهلها إلا إذا عملوا بها فقال :

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيما تبلغهم عن ربك (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) يعتد به من أمر الدين ، ولا ينفعكم الانتساب إلى موسى وعيسى والنبيين.

١٦٠