رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وبركاته ) (١). قال في ( الذكرى ) : ( وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تُعَدّ من المذهب :

منها : التكبيرة الواحدة بين السجدتين.

ومنها : القصر على الشهادة في الجلسة الأُولى.

ومنها : وجوب التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار ، صرّح به في غير هذا الموضع ).

وقال في موضع آخر : ( من شهد الشهادتين وأحدث أو أعجلته حاجة ، فانصرف قبل أن يسلّم إمامُه ، أو قبل أن يسلّم هو إن كان وحده ، فقد تمّت صلاته ).

ثمّ قال : ( يسلّم إن كان إماماً بواحدة تلقاء وجهه في [ القبلة (٢) ] السلام عليكم ، يرفع بها صوته ، وإن كان صفوفاً خلف إمام سلّم القوم على أيمانهم وعلى شمائلهم ، فإن كان في آخر الصف فعليه أن يسلّم عن يمينه فقط ، ومن كان وحده أجزأه عنه السلام الذي في آخر التشهّد ، ويزيد في آخره السلام عليكم ، يميل أنْفَه عن يمينه قليلاً ) (٣).

قال الشهيد : ( وعنى بـ ( الذي في آخر التشهّد ) قوله السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعلى أهل بيته ، السلام على نبيّ الله ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين ورسول ربِّ العالمين ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام على الأئمّة المهتدين الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

وظاهره الخروج بقوله السلام عليكم ، وأنه واجب ، إلّا إن حكمه بصحّة صلاة المحدث قبله ينافيه ، إلّا أن يكون مصيراً إلى مثل قول أبي حنيفة ). إلى هنا كلام ( الذكرى ) (٤).

وهذه كما لا يخفى عبارة مضطربة لا توافق بمجموعها شيئاً من مذاهب الأُمّة ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( الصلاة ).

(٣) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

(٤) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

٦١

وقد عرفت نصّ الشهيد : على أنها إنما توافق مذهب أبي حنيفة : ، وهذا إنما هو في صحّة الخروج من الصلاة بغير التسليم من سائر المنافيات ، وإلّا فإنها بمجموعها لا تطابق مذهب أبي حنيفة : ولا غيره ، فلا تضرّ هي وما نقله البهائي : عن ( البشرى ) (١) بالإجماعات المنقولة من القائلين بوجوبه على جزئيّته.

وبالجملة ، فلا ينبغي الشكّ في وجوبه وجزئيّته بعد ما أحطناك به من الأدلّة من النصّ والفتوى والاعتبار والإجماع المنقول ، كلّ ذلك بلا معارض يصلح للمعارضة ويعتمد عليه في تأسيس الأحكام ، على أنه لو فرض وجود قائل بوجوبه وخروجه كان بهذا شاذّاً نادراً لا دليل عليه ، بل هو ممّا أُمرنا أن ندعه.

ثمّ قال البهائي رحمه‌الله : ( ويتفرّعُ على الحكم بجزئيّته أو خروجه فروعٌ :

منها : لو ظنّ دخول الوقت فصلّى ، ثمّ تبيّن دخوله في أثناء التسليم ، فعلى الجزئيّة تصحّ عند من يكتفي بدخول الوقت في أثناء الصلاة ، كالشيخ (٢) : والمحقّق (٣) وأتباعهما ، عملاً برواية إسماعيل بن رَبَاح (٤). وعلى الخروج تبطل لوقوعها بأجمعها خارج الوقت ) (٥).

قلت : قد عرفت أنه لا يكاد يتحقّق هذا الفرض ؛ لعدم تمكّن عامّة المكلّفين من العلم به.

ثمّ قال : ( ومنها : عدم احتياجه إلى نيّة مستقلّة إن قلنا بجزئيّته ؛ لاندراجه تحت نيّة الصلاة كسائر أجزائها ، وإن قلنا بخروجه افتقر إلى نيّة مستقلّة لا محالة ) (٦).

قلت : هذا حقّ ويجري هذا التفريع على القول باستحبابه ؛ إذ لا محالة أن العبادة المندوبة الواقعة بعد كمال الصلاة وتمامها لا تدخل تحت نيّتها ، بل تفتقر إلى نيّة

__________________

(١) عنه في الحبل المتين : ٢٥٤.

(٢) المبسوط ١ : ٧٤.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٥ / ١١٠ ، وسائل الشيعة ٤ : ٢٠٦ ، أبواب المواقيت ، ب ٢٥ ، ح ١.

(٥) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.

(٦) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.

٦٢

مستقلّة ، وقد ثبت جزئيّة السلام ، فيثبت وجوبه ، فتنبّه.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( ومنها : ما لو نذر لمن كان متلبّساً بالصلاة في الوقت الفلاني ، فصادف اشتغاله في ذلك الوقت بالتسليم ، فإن كان جزءاً استحقّ المنذورَ به ، وإلّا فلا ) (١).

قلت : لا يكاد يتحقّق شكّ في الحكم على من وجد في أثناء التسليم أنه في الصلاة ، وأنه مُصَلّ عرفاً وشرعاً ؛ لما عرفت أنه لم يقل أحدٌ بالخروج منها قبل كمال التسليم مع الحكم بصحّتها.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( والحاصل أن كلّاً من احتمالَيْ جزئيّة التسليم وخروجه يتمشّى على تقديرَيْ وجوبه واستحبابه ) (٢).

قلت : قد عرفت عدم إمكان جزئيّته على فرض خروجه مطلقاً ، وعدم إمكان جزئيّته على تقدير ندبيّته ؛ لخروجه حينئذٍ عن جميع الصلاة ؛ لأنها تمّت قبله بجميع أجزائها ، وإلّا لم تكن تمّت.

فإن قالوا : لم تتمّ.

قلنا : لا يجوز تركه ، وهذا عنوان الوجوب.

وإن قالوا : تمّت.

قلنا : خرج عنها ، فلا يمكن فرض جزئيّته ، ولأنه حينئذٍ لا يعقل الفرق بينه وبين سائر التعقيبات.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( وأمّا ما يلوح من كلام بعض المتأخّرين من استلزام القول باستحبابه الحكم بخروجه عن الصلاة فمحلّ تأمّل ) (٣).

قلت : تأمّلناه فوجدناه لابساً نور الحقّ ، كما هو ظاهر ممّا أسلفناه ، فالقولُ بأنه

__________________

(١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

(٣) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

٦٣

مستحبّ واقع بعد تمام وكمال أجزائها وحقيقتها وهو جزء خُلْفٌ محالٌ ، فهو دعوى ما صحّحت ببرهان من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو الاعتبار الذي تعرف العقول عدله.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( فإن زعم إطباق القائلين باستحبابه على انقطاعها قبله ، وأن الخروج منها رأساً يحصل بالفراغ من الصلاة على النبيّ : وآله ، لم تُقبل منه هذه الدعوى ما لم تقترن بإثباتٍ ) (١).

قلت : قد أثبتنا لك لزوم ذلك لهذا القول بالبرهان ؛ إذ لا يتصوّر من عاقل يقول : إن ما خرج عن الحقيقة جزء منها ، والقائلون باستحبابه كلّهم عقلاء فضلاء ، فهذه الدعوى إذن مقبولة ، وكما استفاض نقل إجماع القائلين بالوجوب على الجزئيّة كذلك نقل إطباق القائلين بالاستحباب على الخروج.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( كيف؟ والشيخ مع قوله باستحبابه قائل بأن انقطاعها والخروج عنها يحصل به ، وهو الظاهر من كلام المفيد : ، كما قال في ( الذكرى ) (٢) ) (٣).

قلت : نعم ، عبارتا الشيخين : في ( تهذيب الأحكام ) و ( المقنعة ) صريحتان في أنه لا يتحقّق الخروج منها وانقطاعها إلّا بالتسليم ، إلّا إن المفيد في بيان النافلة عيّن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولم يذكر السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وفي بيان الفريضة ذكر هذه الصيغة ولم يذكر الصيغة الأُولى.

قال المفيد : في بيان كيفيّة نوافل الظهر في بيان التشهّد في الركعة الثانية : ( ويتشهّد ، ويقول باسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلّها لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً : عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين.

__________________

(١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

(٢) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

(٣) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

٦٤

ويسلّم تجاه القبلة تسليمة واحدة ، فيقول (١) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ويميل مع التسليم بعينه إلى يمينه ، فإذا سلّم فقد فرغ من الركعتين وحلّ له الكلام ) (٢).

وقال في بيان الفريضة : ( فإذا جلس للتشهّد في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وفي التشهّد الثاني من الثالثة في المغرب ، أو الثانية من الغداة ، فليقل باسم الله وبالله ) ، وساق صفة التشهّد والتحيّات.

إلى أن قال : (اللهم صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، وارحم محمّداً : وآل محمّدٍ : ، وتحنّن على محمّدٍ : وآل محمّدٍ : ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت على إبراهيم : وآل إبراهيم : إنك حميدٌ مجيدٌ ، السلام عليك أيّها النبيّ : ورحمة الله وبركاته.

ويومي بوجهه إلى القبلة ، ويقول السلام على الأئمّة الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

وينحرف بعينه إلى يمينه ، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته ، وخرج منها بهذا التسليم ) (٣) ، انتهى.

وظاهر هذا أنه لا يتحقّق الخروج من الصلاة إلّا به وأنه جزء داخل ، وأنه في النافلة السلام عليكم إلى آخره ، وفي الفريضة السلام علينا إلى آخره.

وهذا الظاهر لا يقول به أحدٌ من العلماء ، وأقصى ما يمكن أن يقال في الجمع بين كلامَيْه : إنه يخيّر بين الصيغتين ، أمّا الدلالة على الاستحباب فلا تدلّ عليه هاتان العبارتان بوجه ، فتأمّله ، بل ظاهرهما الوجوب.

لكنّه قال في محلّ آخر : ( والسلام في الصلاة سنّة ، وليس بفرض تفسد بتركه الصلاة ) (٤).

__________________

(١) في المصدر : ( يقول ) بدل : ( فيقول ).

(٢) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٣) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١١٣ ـ ١١٤ ، بتفاوتٍ يسير.

(٤) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١٣٩.

٦٥

ويحتمل في هذه العبارة أنه أراد بالفرض الركن الذي تفسد بتركه عمداً وسهواً ، وبالسنّة ما لا تفسد بتركه سهواً وإن فسدت عمداً ، ولعلّه أراد أنها لا تفسد بتركه سهواً لا عمداً ، ويدلّ على هذا ما سلف من كلام الشهيد (١) : وغيره أن الأصحاب لا يجوّزون الخروج من الصلاة بغير التسليم ، وإنما يجيز ذلك أبو حنيفة.

ويؤيّده أيضاً أن الشيخ إنما استدلّ على هذه المقولة بخبر أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال إذا نسي الرجل أن يسلِّم ، فإذا ولّى وجهه عن القبلة ، وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد فرغ من صلاته (٢).

وخبر الحلبي : عنه عليه‌السلام قال إذا نسي أن يسلِّم خلف الإمام أجزأه تسليم الإمام (٣).

واقتصر عليهما ، وموردهما النسيان ، ولو كان الشيخ : يقول : إنه لا يخرج من الصلاة إلّا بالتسليم ، كما هو ظاهر عبارتيه الأُوليين ، ويقول : يجوز تركه ، كان كلامه متدافعاً.

وبالجملة ، فالشيخان : من أعقل العقلاء ، ولا يقول عاقل بأنه ما يجوز الإتيان به من الأذكار بعد تمام وكمال ماهيّة الصلاة جزء من ماهيّتها ، فمن الضروري استحالة أن يكون ما هو خارج من الحقيقة جزء من الحقيقة ، ولو فرض أنهما قالا ذلك لم يكن قَدْحاً في نقل إطباق القائلين بالاستحباب على الخروج ؛ لعدم العبرة بالشاذّ النادر ، فلا تغفل.

ثمّ قال البهائي : رحمه‌الله تعالى ـ : ( نعم ، قد يورد هنا : أن في كلام القائل بانقطاع الصلاة به ما يدلّ على انقطاعها بالصلاة على النبيّ : وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو تناقض ) (٤).

قلت : إذا وجد هذا وذاك في كلام شخص فهو تناقض لا يخفى على أحد عرف معناه ، ولا جواب له ، وإن توهّمه هو رحمه‌الله.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٩ ـ ١٦٠ / ٦٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ١٦٠ / ٦٢٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٤ ، أبواب التسليم ، ب ٣ ، ح ٣.

(٤) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

٦٦

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ويجاب بأن ما يأتي به المصلّي من الأذكار بعد التشهّد الواجب وقبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة وأجزائها المندوبة ، وأمّا ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب لا صلاة ؛ لانمحاء أثر الصلاة بعده بالكلّيّة ، وهذا معنى انقطاعها به ، وهو لا ينافي انقطاع واجباتها بغيره ) (١).

قلت : هذا الجواب مغرّب والإشكال مشرّق فلن يلتقيا ، فأمّا أن ما يأتي به المصلّي من الأذكار قبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة فلا شكّ فيه ، والنصّ (٢) والإجماع عليه قائم ، لكنّه لا تعلّق له بدفع الإشكال ، بل يلوح منه آثار وجوب التسليم وجزئيّته. وأمّا أن ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب ، فيدلّ أيضاً على وجوبه وجزئيّته. والعجب ممّن يسلّم هاتين المقدّمتين كيف يدّعي الاستحباب؟! خصوصاً مع تسليم أنه قبل التسليم لا تنمحي صورة الصلاة وإنما تنمحي بعده ، فما زال أثر الصلاة وصورتها لم تنمحِ فهو في صلاة ، وهذا لا يلائم القول بالاستحباب ، ولا بعدم جزئيّة التسليم.

وبالجملة ، فالإشكال باقٍ ، وليس في كلامه ما يدفعه بوجه ، كما لا يخفى.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى : ( قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيّته وأنه مُخْرِجٌ من الصلاة ، إلّا إنه يلزم بقاء المكلّف في الصلاة بدون الإتيان به وإن طال ، ولا استبعاد فيه حتّى يخرج عن كونه مصلّياً ، أو يأتي بمنافٍ ).

ثمّ قال : ( فإن قلت : البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه ، ووجوب ما يجب فعله ، والأمران منفيّان هنا ، فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.

[ قلتُ (٣) ] : لا نسلّم انحصار البقاء في هذين اللازمين على الإطلاق ، إنما ذلك قبل فراغ الواجبات ، أمّا مع فراغها فينتفي هذان اللازمان ، وتبقى باقي اللوازم من

__________________

(١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، أبواب التشهّد ، ب ٣ ، ح ٢.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( قلنا ).

٦٧

المحافظة على الشروط ، وثواب المصلّي ، واستجابة الدعاء ) (١). هذا كلامه رحمه‌الله وهو بالتأمّل حقيق ). إلى هنا كلام ( الحبل المتين ) (٢).

قلت : تأمّلناه كما أمر فوجدناه كما ترى ، فقد عرفت وجه المنافاة بين كونه مُخْرِجاً وكونه مندوباً ، ومن الواضح كالصبح لذي عينين بقاء المصلّي في الصلاة حتّى يأتي بما يخرجه منها ، فالقول بندبيّته وأنه المخرج قول بأنه قبله خارج منها غير خارج منها ؛ لجواز ترك المندوب اختياراً ، فهو قبله خارج بمقتضى الندبيّة ، وغير خارج بمقتضى أنه لم يخرج منها ؛ لبقاء جزء منها لم يأتِ به.

وأمّا أنه يلزم من القول بأنه المخرج القول بأن المصلّي قبله باقٍ في الصلاة فواضح ، ويلزم كلّ مَنْ هو باقٍ في الصلاة ترك جميع ما يحرم على المصلّي البتّة.

ومن الواضح انحصار لازم البقاء في الصلاة فيما ذكر من الأمرين ، وقد سلّمه فيما إذا كان قبل كمال الواجبات ، وبعدها لا صلاة ، فلا بقاء فيها ، فلا لازم له باقٍ.

وأيضاً ، إذا سلّم انحصار لازم البقاء في الصلاة فيهما قبل كمال الواجبات فهو بهذا لازم للباقي في صلاته من حيث هو كذلك ، فبعد كمال الواجبات ؛ إمّا أن يكون باقٍ في صلاته ، أو لا ، فعلى الأوّل ينحصر اللزوم فيهما لوجود المقتضي وهو البقاء في الصلاة. وعلى الثاني لا يلزمه شي‌ء من لوازم البقاء في الصلاة.

أمّا وجوب المحافظة على الشروط بعد كمال الواجبات فواضح البطلان ، وإلّا لم يكن المندوب مندوباً.

وبالجملة ، فالبصير المنصف إذا تأمّل القول بندبيّته أو خروجه وجد أركان أساسه مضطربة غير ثابتة ولا قارّة. والله العالم بأحكامه ، وهو الغفور الرحيم.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٤ ( حجريّ ).

٦٨

الموطن (١) الثالث

اختلافهم في تعيين الصيغة المُخْرِجَة

فإن الوارد في النصوص ، والمنصوص عليه في الفتوى ، ثلاث صيغ :

أوّلها : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.

والثانية : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

والثالثة : السلام عليكم ، أو بإضافة ورحمة الله ، أو بإضافة وبركاته.

فالمشهور بين العصابة من المتقدّمين والمتأخّرين تعيين الصيغة الأخيرة للخروج ، وأن الأُوليين من مستحبّات الصلاة البتّة ، وهذا هو الحقّ.

وفي ( الدروس ) (٢) أن عليه الموجبين. وفي ( البيان ) (٣) : ( أن السلام علينا لم يوجبه أحدٌ من القدماء ، وأن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبّة كالتسليم على الأنبياء والملائكة غير مخرجة من الصلاة ). وهو يؤذن بدعوى إجماعهم على انحصار المخرج في السلام عليكم.

وفي ( الحبل المتين ) : ( إن السلام عليكم ورحمة الله لا ريب في تحقّق الخروج بها من الصلاة ، ونقل المحقّق في ( المعتبر ) على ذلك الإجماع ) (٤).

وفي ( المعتبر ) ، كما نقله في ( الذكرى ) : ( إن مَنْ قال السلام عليكم ورحمة الله ، خرج به ، وعليه علماء الإسلام كافّة لا يختلفون ، وإنما الخلاف في تعيّنه

__________________

(١) في المخطوط : ( المقام ) ، وما أثبتناه وفقاً لما جاء في مقدّمة الرسالة.

(٢) الدروس ١ : ١٨٣.

(٣) البيان : ١٧٧.

(٤) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٣ ( حجريّ ).

٦٩

للخروج ) (١) ، انتهى.

وقال في ( المناهج ) في شرح قول الشهيد (٢) : ( وأمّا الثانية فمخرجة بالإجماع ) ـ : ( أي إجماع علماء الإسلام كافّة ، على ما نقله في ( المعتبر ) (٣) ، و ( التذكرة ) (٤) ، وبه روايات منها : صحيحة عليّ بن جعفر : عن إخوته (٥) ، ومنها : رواية المعراج (٦) ، ومنها : صحيحة البزنطي (٧) ) ، انتهى.

وقال في محلّ آخر في شرح قول الشهيد : ( وعليه المصنّف في ( الذكرى ) (٨) و ( البيان ) (٩) ) (١٠) : ( لأنه قد قرّر أن التسليم الذي دلّت الدلائل على وجوبه هو السلام عليكم ، ثمّ إن الدلائل قد دلّت على أنه المحلّل للصلاة ، فلا يجوز نيّة الخروج بغيره ، وأمّا ما دلّ على الخروج بالأوّل فغير قاطع ).

وأخذ يذكرها ويجيب عنها.

ثمّ قال : ( وبالجملة ، فالدلائل الدالّة على وجوب التسليم لمّا دلّت على وجوب الثاني ومعلوم أن الخروج بالتسليم الواجب تعيّن حمل ما دلّ على الخروج بغيره ظاهراً على معنى لا ينافيه ، وأمّا إذا جمع بينهما فظاهرٌ أنه لا يجوز نيّة الخروج بالأوّل ، أعني السلام علينا ، فإنه قد ظهر أن المُخْرِجَ الشرعي هو الثاني ، فنيّة الخروج بالأوّل نيّة في الصلاة ، وهي مبطلة له ) ، انتهى.

وفي ( الذكرى ) (١١) ، و ( المناهج ) ، و ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : ، و ( المدارك ) (١٢) ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ) ، المعتبر ٢ : ٢٣٥.

(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٧٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٥.

(٤) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٤٥ / المسألة : ٣٠١.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٩ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٢.

(٦) علل الشرائع ٢ : ٩ / ١ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٦٨ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٠.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٣٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ١١.

(٨) الذكرى : ٢٠٧.

(٩) البيان : ١٧٦.

(١٠) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٧٨.

(١١) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(١٢) مدارك الأحكام ٣ : ٤٣٥.

٧٠

وغيرهم أن هذه الصيغة مُخْرِجة بالإجماع.

لنا : أوّلاً : الإجماعات المستفيضة على أن من قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد الصلاة على محمّد : وآله في آخر الصلاة ، فقد تمّت صلاته ، وخرج منها.

ونقل عباراتهم الصريحة في الإجماع على ذلك أكثر من أن تحصى ، وقد عرفت قليلاً من كثير منها ، فلا يحصل يقين للبراءة إلّا به ، وغيره مشكوك فيه ، فيتعيّن.

وثانياً : إطلاق الأخبار الآمرة بالتسليم ، وهي أكثر من أن تُحصى في مُصَنّفٍ.

ووجه الدلالة : أنه يجب حملها وصرفها إلى خصوص صيغة التسليم المعروفة عند عامّة المكلّفين من أهل الإسلام ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، ولا يعرف أهل الإسلام الخاصّ منهم والعامّ من صيغة التسليم إلّا هذه ، ولا يكاد ينصرف ذهن ولا يتبادر فكر إلى غيرها من الصيغتين الأُوليين.

قال في ( الذكرى ) : ( عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة والعامّة في السلام عليكم

يعرف ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ، ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثمّ يسلّم. وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (١) ، انتهى.

ويدلّ عليه أيضاً أن لفظ السلام قد صار في الإسلام على ذلك ، بحيث إذا أُطلق أن التسليم مستحبّ ، أو ابتداءً مندوب ، وردّ السلام واجب ، لا يفهم منه أحد غير السلام عليكم ، وقد تطابق في هذا النصوص (٢) وفتوى العصابة (٣) ، فيجب حمل إطلاق الأمر بالتسليم عليه.

وثالثاً : إطلاق الخبر المستفيض أن تحليلها التسليم (٤).

والتقريب : ما مرّ من وجوب حمله على المتعارف المعهود بين المسلمين ، وهو السلام عليكم.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ).

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٢ : ٦٦ ـ ٦٧ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ٣٩.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ٤٧٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨.

٧١

ورابعاً : خصوص صحيح عليّ بن جعفر : رأيت إخواني موسى : وإسحاق : ومحمّداً : يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله (١).

وليس هذا تعقيباً خارجاً عن الصلاة قطعاً ، حيث قال هذا الشيخ العظيم الشأن : ( يسلّمون في الصلاة ) ، فهو تسليمها المُخْرِج منها.

وخامساً : خبر المفضّل المنقول من ( العلل ) (٢) ، حيث سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن علّة وجوب التسليم ، فقال عليه‌السلام لأنه تحليل للصلاة قال : ولِمَ صار تحليلها التسليم؟ قال عليه‌السلام لأنه تحيّة الملكين ؛ لأنا لا نعرف من تحيّة التسليم إلّا السلام عليكم.

وسادساً : خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي : المنقول من ( معاني الأخبار ) ، لمّا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال عليه‌السلام التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة قال : فكيف ذلك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم واردٌ أمِنوا شرَّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِنَ شرَّهم ، وإن لم يسلِّم لم يأمنوه ، وإن لم يردّوا على المُسلِّم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم [ علامة (٣) ] للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمْناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها (٤).

فهذا الخبر نصّ في أن المراد من التسليم المخرج من الصلاة الذي لا يحلّ قبله شي‌ء من المنافيات هو ما يعرفه العرب من لفظ التسليم وهو السلام عليكم.

وسابعاً : إطلاق قول الصادق عليه‌السلام : في موثّقة أبي بصير : إن آخر الصلاة التسليم (٥) ، والتقريب : ما مرّ من وجوب صرفه إلى المتعارف.

وثامناً : موثّقة عمّار بن موسى : ، سَألَ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن التسليم ، فقال إذْنٌ (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٩ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٢.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( علّة ).

(٤) معاني الأخبار : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٣٠٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٤.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٧.

٧٢

لوجوب صرفه كأمثاله إلى المعهود المتعارف وهو السلام عليكم ، فلا خروج منها ولا إذن في المنافيات إلّا به.

وبالجملة ، فالأدلّة على هذا القول كثيرة ، وفيما حصل كفاية.

بقي هنا شي‌ء هو أن صيغ التسليم المعروف بين المسلمين ثلاث السلام عليكم ، والسلام عليكم ورحمة الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأيّها الواجب في الصلاة؟

قلت : المشهور أن الواجب هو الاولى فقط ، وما زاد مستحبّ ، واشتهر النقل عن أبي الصلاح (١) : أنه أوجب الثانية.

قال في ( الذكرى ) نقلاً عن ( المعتبر ) : ( قال أبو الصلاح : الفرض أن يقول السلام عليكم ورحمة الله ، وبما قلناه قال ابن بابويه (٢) : وابن أبي عقيل (٣) : وابن الجنيد (٤) : قال : ( يقول السلام عليكم ، فإن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كان حسناً ).

لنا ما روي أن عليّاً عليه‌السلام : كان يسلّم عن يمينه وشماله السلام عليكم ، السلام عليكم (٥).

ومن طريق الخاصّة ما رواه البزنطي : عن عبد الله بن أبي يعفور : عن الصادق عليه‌السلام : في تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة قال يقول : السلام عليكم (٦).

وما رواه أبو بصير : عن الصادق عليه‌السلام : فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم (٧) ) (٨) ، انتهى.

وقال الشيخ بهاء الدين : ( أمّا عبارته فالتي تضمّنها الحديث الأوّل يعني : صحيح

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٠ / ذيل الحديث ٩٤٤ ، المقنع : ٩٦.

(٣) عنه في المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٤) عنه في المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٥) السنن الكبرى ٢ : ٢٥٤ / ٢٩٨٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٣٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ١١.

(٧) الإستبصار ١ : ٣٤٧ / ١٣٠٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٨.

(٨) الذكرى : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ( حجريّ ) ، المعتبر ٢ : ٢٣٦.

٧٣

عليّ بن جعفر : المتقدّم (١) أعني السلام عليكم ورحمة الله ، ممّا لا ريب في تحقّق الخروج بها من الصلاة ، ونقل المحقّق : في ( المعتبر ) (٢) على ذلك الإجماع ، ولا خلاف في عدم وجوب ضمّ وبركاته ، كما قال العلّامة : في ( المنتهى ) (٣) ، ولو أسقط قول ورحمة الله جاز أيضاً عند غير أبي الصلاح ) (٤) ، انتهى ، وهو يؤذن بدعوى الإجماع على الاكتفاء بالصيغة الأُولى.

أقول : دلّت الأخبار الواردة في تسليم الصلاة على الصيغ الثلاث : أمّا السلام عليكم فالأخبار به كثيرة ، بل أكثر الأخبار وردت به.

وأمّا السلام عليكم ورحمة الله فورد به بعض الأخبار ، وقد سلف بعضها.

وأمّا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فورد به أيضاً بعض الأخبار ، مثل : خبر المعراج (٥) ، وصحيحة عليّ بن جعفر : عن إخوته (٦) ، وعمل أكثر الفرقة من مجتهد ومقلّد على هذا من غير نكير ، وإجماع العصابة على مشروعيّته ، فلا ريب فيها.

والذي يظهر لي من الأخبار وفتوى الفرقة في كيفيّة التسليم الذي وردت به الشريعة عموماً وخصوصاً ، ابتداءً وردّاً وهذا منه بلا إشكال ، كما عرفت أنه في الصلاة كغيرها من باب الواجب المخيّر ، فللمصلّي أن يأتي بأيّ الصيغ الثلاث شاء ، وكلّ صيغة أتى بها نوى بها الوجوب ، وإن أكملها الأخيرة ، وأوسطها أوسطها ، وأقلّها الاولى ، وهي أقلّ ما يتأدّى به الواجب المخيّر ، ولا تلتئم الأخبار إلّا على هذا ، ودلالتها عليه تظهر بأدنى تأمّل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٩ ، أبواب التسليم ٢ ، ح ٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٥.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٩٦.

(٤) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٣ ( حجريّ ).

(٥) علل الشرائع ٢ : ٩ / ١ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٦٨ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٠.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٩ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٢.

٧٤

تنبيهات

بقي هنا تنبيهات :

أحدها : أنه يجب في تسليم الصلاة أحد الصيغ الثلاث على الكيفيّة المذكورة : السلام عليكم ، أو ما يتبعها ويكمّلها ، فلو قدّم عليكم ، أو نكّر السلام ، أو قدّم وأخّر في ورحمة الله وبركاته ، أو غيّر هذا الأُسلوب بوجهٍ ما لم يجزِه ، وبطل تسليمه ، فبطلت صلاته.

أمّا الأوّل ؛ فلأن العبادات كيفيّات متلقّاة من الشارع لا يجزي غيرها.

وأمّا الثاني ؛ فلأن تسليم الصلاة جزء منها لا يتأدّى واجب الخروج منها إلّا به ، ولم يقع ، وما وقع فهو شي‌ء خارج منها جعل فيها بنيّة الجزئيّة ، فهو يبطلها ، هذا إن قلنا : إنه دعاء كما هو الأصحّ ، وأمّا إن قلنا : إنه من كلام الآدميّين لا ذكر ولا دعاء ، فالبطلان به حينئذٍ أوضح ، بل لا يحتاج إلى بيان.

وقال فاضل ( المناهج ) : بعد قول الشهيد : ( أمّا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد كلام طويل وفي العبارة دلالة على أُمور :

أحدها : أن هذا الترتيب واجب ، فلا يجوز عليكم السلام.

والثاني : أنه لا يجوز تنكير السلام.

والثالث : أنه لا يجوز السلام عليك.

ودليل الكلّ واحد ، وهو أنه عبادة لفظيّة فلا يجوز التلفّظ إلّا بما ورد منها شرعاً.

واستدلّ في ( المنتهى ) على الأوّل برواية عثمان بن عيسى : عن الصادق عليه‌السلام : قال : سألته عن الرجل يسلّم عليه في الصلاة قال يردّ ، ويقول : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم

٧٥

السلام ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان قائماً يصلّي فمرّ عمّار بن ياسر : فسلّم عليه ، فردّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا (١) قال : ( وإذا كان الإتيان بهذه الصيغة منهيّاً عنه في الصلاة على سبيل الردّ فكذا في التسليم ؛ لأنه قبله لم يخرج عن الصلاة ، والردّ كالابتداء ) (٢).

وذهب المحقّق : في ( المعتبر ) (٣) إلى جواز السلام عليكم ، مستدلّاً بأنه يصدق عليه اسم التسليم ، وبأنها كلمة ورد بها القرآن (٤) ) ، انتهى.

قلت : لا يخفى على من تأمّل كلام القوم أنهم لا يفرّقون بين تسليم الصلاة وغيره ، بل إنما يعرفون منه أنه فرد من أفراد التسليم الذي هو تحيّة الإسلام ، فيجري فيه حكمه التخييري وغيره ، إلّا إنه لا يجوز مخالفة كيفيّة الصيغة الواردة في تسليم الصلاة لأنها عبادة متلقّاة.

وفي ( الذكرى ) نقلاً من ( المعتبر ) أنه قال : ( لا تجزي ترجمتها يعني السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولا نكسها ، فتبطل صلاته لو تعمّده ، ولأنه كلام في الصلاة غير مشروع ) (٥).

وقال بعد ذلك : ( ولو قال السلام عليكم ، ونوى به الخروج فالأشبه الإجزاء ؛ لصدق التسليم عليه ، ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها ، فتكون مجزية ، ولو نكس لم يجزِ ؛ لأنه خلاف المنقول ، وخلاف تحيّة القرآن ، ولأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال لرجل لا تقل عليك السلام (٦) ) (٧) ، انتهى.

قلت : لو قال السلام عليكم في الصلاة لم يجزِ ؛ لأنه خلاف المنقول في الصلاة ، والقرآن إنما ورد بها في غير الصلاة ، وإلّا لجاز ( سلامٌ ) أو ( سلاماً ) ، ولا نعلم به قائلاً.

ولا تجزي الترجمة فيه أيضاً كسائر أجزاء الصلاة ؛ لوجوب وقوعها بأجمعها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٣٢٨ / ١٣٤٨ ، وسائل الشيعة ٧ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، أبواب قواطع الصلاة ، ب ١٦ ، ح ٢.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٩٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٤) الأنعام : ٥٤ ، الأعراف : ٤٦ ، الرعد : ٢٤.

(٥) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ) ، المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٦) سنن أبي داود ٤ : ٣٥٣ / ٥٢٠٩.

(٧) الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ) ، المعتبر ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

٧٦

بالعربيّة بالإجماع والنصّ البياني وغيره ، فلو أوقع بالترجمة فسدت الصلاة قطعاً.

وقال المحقّق الكركي : في ( شرح القواعد ) : ( على القول بوجوب التسليم يجب فيه ما يجب في التشهّد من الجلوس بقدره مطمئناً اختياراً ، وعربيّته مع القدرة أو إمكان التعلّم ، ومراعاة المنقول ، فلو نكرّ : ( السلام ) ، أو اقتصر على بعضه لم يجزِ ، خلافاً للمحقّق (١) : ، ودعواه صدق التسليم عليه متوقّفة على الدليل ، وكذا لو جمع الرحمة أو وحّد البركات ، ونحو ذلك ) (٢) ، انتهى.

قلت : لو ضاق الوقت عن تعلّم العربية وأمكن أحد صيغ السلام التي لم تنقل في الصلاة لم يبعد إجزاؤها ، بل تعيّنها ، فإن تعذّر جميع الصيغ الواردة في التسليم لم يبعد إجزاء الترجمة ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٣) ، فإن كان شي‌ء من ذلك لا عن تفريط فلا إثم ، وإلّا أثِمَ وإن أجزى ، والله العالم.

وذهب المحقّق نجم الدين : وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه ، إلى وجوب أحد الصيغتين تخييراً ، إمّا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو السلام عليكم ، ولا نعلم قائلاً قبله.

قال رحمه‌الله : ( والتحقيق أنه إن بدأ بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين ، كان التسليم الآخر مستحبّاً ، فيأتي بأحسن ما قيل ، وإن بدأ بـ : « السلام عليكم » أجزى هذا اللفظ ، وكان قوله ورحمة الله وبركاته ، مستحبّاً يأتي به ما شاء ) (٤) ، انتهى.

ونقله عنه الشهيد : في ( الذكرى ) ، ثمّ قال : ( إلزامه بوجوب صيغة السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تخييراً قول حدث في زمانه فيما أظنّه أو قبله بيسير ، فإن بعض شرّاح رسالة سلّار أومأ إليه ، واحتجاجه بصدق اسم التسليم عليه محلّ النزاع ، فإن راوي هذا الخبر مسنداً من العامّة ، أو مرسلاً من الخاصّة يزعم أن ( اللام ) في التسليم للعهد ، وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره ، ولأن

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٢٧.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

٧٧

عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصّة والعامّة في السلام عليكم ، يعرف ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ، ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثمّ يسلّم ، وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (١). قال في ( المناهج ) : ( واعلم أن المحقّق : استدلّ على هذا المدّعى بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحليلها التسليم (٢) لأنه يقع على كلّ واحد [ من ] العبارتين ، قال : ( ويؤيّد ذلك روايات عن أهل البيت : ، صلوات الله عليهم ) (٣).

وذكر منها رواية أبي بصير (٤) : ، ثمّ قال : ( يلزم من الاقتصار في الخروج على ما يسمّى تسليماً الخروج بقوله السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.

فلنا : السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من جملة أذكار الصلاة فلا يخرج به ويجري مجرى الدعاء والثناء على الله سبحانه وتعالى ، ويدلّ عليه روايات ). وذكر منها رواية أبي كَهْمَس (٥) والحلبي (٦).

ثمّ قال : ( ولو قيل : احتججتم بفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخرج إلّا بقول السلام عليكم ورحمة الله ، فيجب الاقتصار عليه ، قلنا : دلّ على الجواز قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتحليلها التسليم (٧) ، وهو صادق على كلّ ما يسمّى تسليماً ممّا ذكر في الصلاة عدا ما يقصد به الدعاء للنبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام ) (٨). هذا ما تعلّق من كلامه بالاحتجاج على مذهبه.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ).

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٥ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٣ / ٣٤٩ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٦ ، أبواب التسليم ، ب ٤ ، ح ٢.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٦ ، أبواب التسليم ، ب ٤ ، ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢.

(٨) المعتبر ٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

٧٨

وأورد عليه في ( الذكرى ) بأن ادّعاءه صدق التسليم على كلّ منهما محلّ النزاع قال : ( ولأن راوي هذا الخبر مسنداً من العامّة ومرسلاً من الخاصّة يزعم أن ( اللام ) في التسليم للعهد ، وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره ، وعبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصّة والعامّة في السلام عليكم ، يعلم ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثمّ يسلّم ، وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (١). ثمّ استشهد على ذلك بكلام الشيخ : في ( الخلاف ) (٢) ولا يخفى أن ما ذكره إنما يضرّ المحقّق لو لم يكن له شاهد من النصّ على أن السلام علينا قاطع للصلاة ومحلّل لها.

وأمّا إذا استشهد بالنصوص الصريحة فيه من غير معارض فكلّا ، لأنه دلّت النصوص على أنها تتحلّل بقول السلام علينا ، ولا شكّ أن اسم التسليم شامل له حقيقة ، وما ادّعاه من صيغة حقيقة في العبارة الأُخرى إن سُلّم ففي عرف الفقهاء ، ثمّ إن ترقّينا له ففي عرف الأئمّة عليهم‌السلام أيضاً ، وأمّا في كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فكلّا.

وبالجملة ، فالمحقّق : إنما استدلّ بالنصوص على تعميم التسليم الوارد في الحديث النبويّ ، ولا شبهة أنه لا يعارضه ما ذكره المصنّف رحمه‌الله تعالى ) ، انتهى.

وأقول : في كلام هذا الفاضل في الردّ هنا على الشهيد : والذبّ عن المحقّق : ضروب من الضعف لا تخفى :

منها : أن دعواه وجود الشواهد على كلام المحقّق ، وأن السلام علينا مخرجة من النصّ ، ممنوعةٌ ؛ لأنك قد عرفت ما في الأخبار التي استدلّ بها على صحّة الخروج بـ : « السلام علينا » ، وهذا الفاضل ممّن حقّق وبالغ في نفي دلالتها كما عرفت ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ).

(٢) الخلاف ١ : ٣٧٦ / المسألة : ١٣٤ ، الذكرى : ٢٠٧ ( حجريّ ).

٧٩

وبملاحظته يتّضح أنه لا شاهد لدعوى المحقّق : ، وليس هذا عدول من هذا الفاضل إلى اختيار المحقّق : ؛ لأنه قبل هذا وبعده ضعّفه ، بل ردّه.

ومنها : أن نَفْيَهُ الشكّ عن شمول اسم التسليم له ممنوعٌ عند الإطلاق ؛ إذ لا شكّ في أنه لا يفهم أحد من إطلاق لفظ : سلّم ، وسلم في الصلاة وغيرها ، والسلام تحية الإسلام ، وأجر المسلّم كذا ، والتسليم أفضل من الردّ ، وما أشبه هذا ، إلّا التسليم المعهود لجميع المسلمين ، المعروف بينهم ، وهو السلام عليكم ، فلا يجوز حمل تحليلها التسليم على غيره إلّا بدليل ، ولا دليل.

وإن فرض ذلك شمل التسليم على النبيّ بلا شكّ ؛ إذ لا ريب أنه تسليم ، ومن البيّن الذي لا شكّ فيه أن كون التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من جملة أذكار الصلاة ، وأنه يجري مجرى الدعاء والثناء على الله ، لا يخرجه عن كونه تسليماً ، مع أنا نقول : إن السلام علينا دعاء من المصلّين لأنفسهم ولعباد الله الصالحين بلا شكّ ، وممّن نصّ عليه الفاضل في ( المناهج ).

فإن كان التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجري مجرى الثناء على الله وذكره ، فهذا يجري مجراه ، فأمّا ألّا يكونا مقصودين في الحديث النبويّ ، أو يتحقّق الخروج بالتسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، ولا قائل بالخروج به.

قال في ( الحبل المتين ) : ( إنه لا كلام في عدم كونها مخرجة من الصلاة ، بل قال العلّامة : في ( المنتهى ) : ( لا نعرف فيه خلافاً بين القائلين بوجوب التسليم ) (١) ) (٢) ، انتهى.

ومنها : أنه إذا سُلّم أن السلام عليكم هو الحقيقة في عرف الأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم فقد سُلّم أنه كذلك في عرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ؛ إذ لا يعرف أهل الإيمان للأئمّة عرفاً غير عرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، فالقول بأن له عرفاً يغاير عرفهم ممّا يدفعه جميع

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٢٩٦.

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٣ ( حجريّ ).

٨٠