رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ويشارك الناسي والجاهل في جميع ذلك مَن منعه من الميقات مانع ؛ من جنون أو إغماء أو رقّ ولم يأذن له المولى إلّا بعد تجاوزه ، ومن لم يُرِد النسك وبعد المجاوزة أراده ، أو لم يُرد دخول مكّة ثمّ أراده ، ومن أُعتق بعد تجاوزه مع قصده مكّة ، ومن بلغ قاصداً مكّة بعد المجاوزة ، وكلّ من ساغ له دخولها بغير إحرام ثمّ أراد النسك بعد المجاوزة. وجميع هؤلاء يجب عليهم الرجوع لأحد المواقيت الخمسة ، إلّا أن يكون نُسكهم عُمرة مفردة فإنه يجزيهم الإحرام من أدنى الحِلّ.

والدليل على أن [ للجاهل (١) ] حكم الناسي صحيحة عبد الله بن سنان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي أو جهل فلم يحرم حتّى أتى مكّة ، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ؟ فقال يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك (٢) ، مع أنه مشهور في الفتوى شهرة أكيدة ، بل لا يكاد يظهر فيه خلاف ، والأخبار به متكثّرة.

ولو لم يتمكّن أحد من هؤلاء من الرجوع للميقات رجعوا إلى حيث يمكن ولو خارج الحرم على الأحوط ، وإن كان الحقّ أنهم يجزئهم الإحرام حينئذٍ من أدنى الحِلّ. ويجزئهم الإحرام من محلّ التعذّر ولو مكّة. ولو لم يحرم أحدهم من الوقت مع إمكان الإحرام منه بطل نُسكه. ولو تعمّد أحد مجاوزة الوقت بعد الوصول له أثم ، ووجب عليه الرجوع له أو لغيره ممّا وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنُسكه ولو غير ما فارقه كما هو المشهور ، وعزاه الشيخ حسين إلى الأكثر ، واختاره.

ويدلّ عليه أن الإجماع والنصّ (٣) على أنها خمستها محرم لكلّ من وصل إليها. فكلّ محرم وصل إليه من تعمّد المجاوزة لأحدها بعد الوصول إليه محلّاً محرم له ؛ لصدق مروره عليه ووصوله له وإن أثم بما فعل. وأيضاً وجوب قطع المسافة التي

__________________

(١) في المخطوط : ( الجاهل ).

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٨ ، أبواب المواقيت ، ب ١٤ ، ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، أبواب المواقيت ، ب ١٥.

٢٢١

من الأوّل إلى الثاني محرماً فات ، فوجوب قضائه أو إعادته يحتاج إلى دليل ، لأنه تكليف آخر جديد مغاير للأوّل ولا دليل.

ويدلّ عليه أيضاً من خصوص الأخبار إطلاق صحيحة الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم؟ فقال عليه‌السلام يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه ويحرم ، وإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج (١). بل هو في المتعمّد أظهر.

وقيل : يلزمه الرجوع إلى خصوص ما عصى بمفارقته. ولا دليل عليه ، فهو ضعيف ، ولكنّه أحوط خروجاً من الخلاف. ولو لم يتمكّن من تعمّد مجاوزة الوقت محلّاً ، مع علمه به وبالتحريم من الرجوع إلى أحد الخمسة ؛ لضيق الوقت أو غيره من الموانع ، فالمشهور أنه لا يصحّ له نُسك ، بل لم ينقل فيه خلاف في كتب الخلاف ؛ لأنه مكلّف بإنشاء الإحرام من أحد المواقيت وقد أهمله.

وقد ثبت بالنصّ (٢) والإجماع أنه لا يصحّ النُّسك إلّا إذا أوقع الإحرام من أحدها ، وإن أنشأه قبلها أو بعدها لا يصحّ النُّسك ولا ينعقد إلّا في موارد استثناها الدليل ، وليس هذا منها ، ولأن الأصل شغل ذمّته بالتكليف ، فلا يخرج عنه إلّا بدليل ، ولا دليل على صحّة نسك هذا.

وأيضاً هذا ترك الإحرام الذي هو أعظم أركان النُّسك عمداً ؛ لعدم صحّته إلّا من مكان معيّن ، وقد خالف ولم يحرم منه ، فنسكه باطل ، وذمّته بالتكليف مشغولة. وما استفاض من أن تلك المواقيت لا يجوز لأحد أن يحرم قبلها ولا بعدها (٣) شاهد له ، بل دليل عليه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٨ / ١٨٠ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٣٠ ، أبواب المواقيت ، ب ١٤ ، ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، أبواب المواقيت ، ب ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٢ ، أبواب المواقيت ، ب ١١.

٢٢٢

ونقل عن الشيخ (١) أنه نقل قولاً بصحّة نُسكه إذا أحرم من موضع التعذّر ، أو أدنى الحِلّ مع التمكّن منه.

ونقل السيّد في ( المدارك ) (٢) أن بعضهم احتمله ، ومال هو إليه.

وكذا الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

ولهم أن أدنى الحِلّ أو محلّ التعذّر ثبت بالنصّ (٣) أنه محرم اضطراريّ فيمن لم يمرّ بمحرم في المحاذي ، ومن لم يمرّ بمحرم ولم يحاذه ، والناسي والجاهل ، وهذا مضطرّ.

وأيضاً هذا تائب مكلّف ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٤) ، وهذا وسعه ، ومعصيته بمجاوزته الميقات لا تُسقط تكليفه في ذلك العام.

ولهم أيضاً صحيح الحلبيّ المذكور (٥) فإنه مطلق ، بل هو في العامد أظهر. وقد دلّ على أنه يجزئه الإحرام من غير الوقت مع ضيق الوقت ، ولا معارض له يظهر من نصّ أو إجماع.

ويمكن أن يجاب عن الأوّل بالمنع من كون ذلك محرم اضطراريّ للعامد ؛ لعدم الدليل عليه ، وكون الدليل أثبت لغيره محرماً اضطراريّاً لا يفيد ، والقياس باطل. ونمنع القضيّة القائلة : إن لكلّ مضطرّ محرماً اضطراريّاً.

وعن الثاني بأن هذا كلّفه الله وسعه ، ففرّط وجنى على نفسه ، والعبادة إنما تصحّ من حيث المعبود لا العابد ، فهذا نظير من استطاع ففرّط واستقرّ الحجّ في ذمّته ، فإنه مكلّف به ولو تسكّع. وأمّا إن معصيته لا تسقط تكليفه في ذلك العام ، فنظيره من توانى مع استطاعته حتّى ضاق الوقت وسافر الرفقة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠٩.

(٢) مدارك الأحكام ٧ : ٢٣٥.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٨ ، أبواب المواقيت ، ب ١٤.

(٤) البقرة : ٢٨٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٨ / ١٨٠ ، وسائل الشيعة ١١. : ٣٣٠ ، أبواب المواقيت ، ب ١٤ ، ح ٧.

٢٢٣

وأمّا صحيح الحلبيّ فإنه وإن دلّ بإطلاقه ولكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن هذه الدلالة في المقام ، مع أنه بمرأى منهم. بل استدلّ به الشيخ (١) على حكم الناسي ، فهو قد فهم منه أنه وارد في الناسي.

وبالجملة ، فالمسألة مشكلة وإن كان ما عليه ظاهر الأصحاب لا يخلو من قوّة.

ولا ينعقد الإحرام قبل الميقات للنصّ المستفيض (٢) والإجماع إلّا في موضعين وقع الخلاف فيهما :

أحدهما : لو نذر الإحرام قبله ، فهل ينعقد نذره؟ قولان :

أحدهما : لا ينعقد ، وإليه ذهب ابن إدريس (٣) والعلّامة في ( المختلف ) (٤) ، وهو ظاهر ( الفقيه ) أيضاً حيث قال : ( ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لعلّة أو تقيّة ، فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى فلا بأس أن يؤخّر الإحرام إلى ذات عرق ) (٥). ولم يذكر النذر ولا روايته.

وظاهر ( الكافي ) (٦) أيضاً حيث قال : ( باب من أحرم دون الوقت ). وساق الأخبار المانعة من ذلك ، ولم يذكر رواية النذر ، وإنما ذكر خبر الإحرام قبله خوف فوت الشهر في العُمرة المفردة.

وهو ظاهر ابن زهرة في ( الغنية ) (٧) ، بل ظاهره أنه إجماع كما ستقف على عبارته إن شاء الله.

والمرتضى في ( الانتصار ) (٨) ، وظاهره أنه إجماع ، وستأتي عبارته. وظاهر ابن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٨ / ١٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٣١٩ ـ ١٣٢٢ ، أبواب المواقيت ، ب ٩.

(٣) السرائر ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٤) مختلف الشيعة ٤ : ٦٨ ـ ٦٩ / المسألة : ٢٧.

(٥) الفقيه ٢ : ١٩٩.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢١.

(٧) الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٨ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، وعبارته : ( ولا يجوز عقد الإحرام إلّا في موضع مخصوص .. وقلنا ذلك للإجماع المكرّر .. ).

(٨) الانتصار : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / المسألة : ١٢١ ، وعبارته : ( ودليلنا : بعد الإجماع الذي يمضي .. ).

٢٢٤

البرّاج في ( المهذّب ) (١).

وفي ( التنقيح ) (٢) نقل المنع من الإحرام قبل الوقت مطلقاً عن الحسن والمرتضى والعجليّ ، وأنهم لم يستثنوا الناذر ، وستأتي عبارته إن شاء الله.

ويدلّ عليه أن الإحرام قبل الميقات وبعده غير مشروع إلّا ما استثناه الدليل ، وليس هذا منه. والنصّ (٣) والإجماع أن نذر ما ليس بمشروع باطل لا ينعقد ، فهذا نذر غير مشروع ، فهو باطل ، فلا ينعقد.

وأمّا إن الإحرام قبلها أو بعدها غير مشروع فقد استفاضت به الأخبار.

فمنها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال ، وذو القعدة وذو الحجّة ، ليس لأحد أن يحرم بالحجّ في سواهن. وليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعاً وترك الاثنتين (٤).

دلّ الخبر على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل للإحرام بالحجّ وقتاً ومكاناً معلومين ، لا يجوز إيقاعه لأحد في غيرهما ، والنكرة في سياق النفي للعموم.

وخبر مَيْسر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أحرم من العقيق وآخر من الكوفة أيّهما أفضل؟ قال يا مَيْسر ، أتصلّي العصر أربعاً ، أم تصلّيها ستّاً؟

فقلت : أصليها أربعاً أفضل ، فقال وكذلك سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من غيرها (٥).

فجعل الإحرام من الكوفة بمنزلة صلاة العصر ستّاً ، وصلاة العصر ستّاً لا شكّ أنه بدعة مبطل ، فلا يصحّ نذره. فما هو بمنزلته من الإحرام من الكوفة كذلك.

وخبر ابن أُذينة كما في ( تهذيب الأحكام ) وصحيحه كما في ( الكافي ) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا

__________________

(١) المهذّب ١ : ٢١٤.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٩.

(٣) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣١٧ ـ ٣٢١ ، كتاب النذر والعهد ، ب ١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٢ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٣ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٢ / ١٥٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٦.

٢٢٥

إحرام له (١). فقد ساوى بين الإحرام بالحجّ في غير أشهر الحجّ ، وبين الإحرام قبل الوقت في البطلان ، مع عمومه. والإحرام بالحجّ في غير أشهر الحجّ باطل بدعة غير مشروع ، لا يصحّ نذره بالنصّ والإجماع ، فمساويه مثله.

وفي ( العيون ) بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنه كتب إلى المأمون ولا يجوز الإحرام دون الميقات قال الله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٢) (٣). وظاهره أن المراد بإتمامها في الآية الإحرام بهما من الميقات.

وخبر موسى بن القاسم عن حَنَان بن سَدِير قال : كنت أنا وأبي وأبو حمزة الثمالي ، وعبد الرحيم القصير ، وزياد الأحلام ، فدخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام فرأى زياداً وقد تسلّخ جسده ، فقال له من أين أحرمت؟. فقال : من الكوفة ، فقال ولم أحرمت من الكوفة؟. فقال : بلغني عن بعضكم أنه قال : ما بَعُد من الإحرام فهو أعظم للأجر ، فقال ما بلّغك هذا إلّا كذّاب.

ثمّ قال لأبي حمزة من أين أحرمت؟. فقال : من الربذة ، فقال له ولِمَ ، لأنك سمعت أن قبر أبي ذرٍّ بها فأحببت ألّا تجوزه؟.

ثمّ قال لأبي وعبد الرحيم القصير من أين أحرمتما؟. فقالا : من العقيق ، فقال أصبتما الرخصة واتّبعتما السنّة (٤) الخبر.

وظاهره أن الإحرام من غير المواقيت المعلومة ليس من الرخصة ولا من السنّة ، فيكون غير مشروع ، وهو مطلق.

وخبر إبراهيم الكرخيّ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أحرم في غير أشهر الحجّ ، أو من دون الميقات الذي وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليس إحرامه بشي‌ء (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٠ ، أبواب المواقيت ، ب ٩ ، ح ٣.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٤ ، ب ٣٥ ، ح ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٠ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٩.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٢ / ١٥٨ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢١ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٩ ، أبواب المواقيت ، ب ٩ ، ح ٢.

٢٢٦

وهذا مطلق.

وصحيحة معاوية بن عمّار : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا أن يخاف فوت الشهر في العُمرة (١).

فقد حصر الرخصة في الإحرام قبل الوقت في خوف فوت الشهر في العُمرة ، فما سواه لا رخصة فيه.

وخبر حَرِيز عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأصاب شيئاً من النساء والصيد فلا شي‌ء عليه (٢).

وهذا عامّ في المشهور ، ولا أقلّ من الإطلاق المفيد للعموم.

وصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من تمام الحجّ والعُمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تجاوزها إلّا وأنت محرم (٣).

ثمّ عدّ المواقيت الستّة. ومقتضى ظاهره أن الحجّ والعُمرة بدون ذلك غير تامّ ، وعدم التمام ظاهره البطلان ؛ لمقام الإطلاق ؛ لأنه الفرد الكامل فهو المتبادر.

وصحيح الحلبيّ : قال أبو عبد الله عليه‌السلام الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها.

ثمّ عدّها وقال ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وهو عامّ ولا ينبغي للتحريم ؛ لعدم القائل بالكراهية.

وفي ( قرب الإسناد ) عن محمّد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال : حججت في أُناس من أهلنا فأرادوا أن يحرموا قبل أن يبلغوا العقيق ، فأبيت عليهم وقلت : ليس الإحرام إلّا من الوقت ، فخشيت ألّا أجد الماء ، فلم أجد بدّاً من أن أُحرم معهم ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٣ / ١٦١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٦ ، أبواب المواقيت ، ب ١٢ ، ح ١.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٤ / ١٦٥ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٢ ، أبواب المواقيت ، ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٨ ، أبواب المواقيت ، ب ١ ، ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣١٩ / ٢ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٨ ، أبواب المواقيت ، ب ١ ، ح ٣.

٢٢٧

فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له ضريس بن عبد الملك : إن هذا زعم أنه لا ينبغي الإحرام إلّا من الوقت ، فقال عليه‌السلام صدق.

ثمّ قال إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة (١) الخبر. وخبر فُضَيْل بن يَسَار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى بدنة قبل أن ينتهي إلى الوقت الذي يحرم فيه ، فأشعرها وقلّدها ، أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال لا ، ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ، ثمّ يشعرها أو يقلّدها ؛ فإنّ تقليده الأوّل ليس بشي‌ء (٢).

وخبر مَيْسَرة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا متغيّر اللون ، فقال لي من أين أحرمت؟. قلت : من موضع كذا وكذا ، فقال ربّ طالب خير تزلّ قدمه.

ثمّ قال يسرّك أن صليت الظهر في السفر أربعاً؟ قلت : لا. قال فهو والله ذاك (٣).

وبالجملة ، فالأخبار بأن الإحرام قبل الميقات غير مشروع مستفيضةٌ جدّاً ، بل ظاهرها أن ذلك بدعة وإدخالاً في الشرع ما ليس منه ، كزيادة ركعة في الفريضة ، وهذا هو الحقّ وقد قال به جمع من أكابر العلماء ، فلا يصحّ نذرهم ولا ينعقد ، بل ظاهر بعضهم أنه إجماع.

قال السيّد المرتضى في ( الانتصار ) : ( وممّا انفردت به الإماميّة القول بأن الإحرام قبل الميقات لا ينعقد.

دليلنا بعد الإجماع أن معنى : ( ميقات ) في الشريعة : هو الذي يتعيّن للفعل (٤) ، فلا يجوز التقدّم عليه مثل مواقيت الصلاة ، فتجويز التقدّم على الميقات يبطل هذا الاسم ) (٥).

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٧٣ / ٦٣٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢١ ، أبواب المواقيت ، ب ٩ ، ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٣ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٩ ، أبواب المواقيت ، ب ٩ ، ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٥.

(٤) ليست في المصدر.

(٥) الانتصار : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / المسألة : ١٢١.

٢٢٨

ثمّ استدلّ أيضاً بيقين البراءة بالإحرام من الميقات دون الإحرام قبله ، وردّ على المخالفين في تجويزه ، ولم يستثنِ شيئاً. وتعليله مع عدم استثنائه شيئاً ظاهر في القول بعدم مشروعيّة الإحرام قبله مطلقاً ، حتّى لخائف فوت شهر رجب بالعمرة المفردة ، وظاهره أنه إجماع.

وقال ابن زهرة في ( الغنية ) : ( لا يجوز عقد الإحرام إلّا في موضع مخصوص ، وهو لمن حجّ على طريق المدينة : ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، ولمن حجّ على طريق الشام : الجحفة ، وعلى طريق العراق : بطن العقيق ، وأوّله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، ولمن حجّ على طريق اليمن : يلملم ، ولمن حجّ على طريق الطائف : قرن المنازل.

وقلنا ذلك ؛ للإجماع ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمّة. وأيضاً فإن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقّت هذه المواقيت ، وإذا كان معنى الميقات في الشرع ما يتعيّن للفعل ، فلا يجوز تقديمه عليه ، كمواقيت الصلاة. فكان تجويز من جوّز تقديم الإحرام على الميقات مبطلاً لهذا الاسم ) (١) ، انتهى.

ولم يستثنِ شيئاً ، فظاهره عدم مشروعيّة الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، وأنه إجماع. وإنما بحثه مع العامّة في تجويز ذلك.

وقال العلّامة في ( نهج الحقّ ) : ( ذهبت الإماميّة إلى أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات ) (٢).

ثمّ نقل أن أبا حنيفة والشافعي أجازاه ، وردّ عليهما بأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أحرم من الميقات ، وقال خذوا عنّي مناسككم (٣) ، ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره أن الإحرام قبل الوقت غير مشروع مطلقاً ، وأنه إجماع.

وقال ابن البرّاج في مهذّبه : ( الأمكنة التي يجب الإحرام منها هي التي وقّتها

__________________

(١) الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٨ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٢) نهج الحقّ : ٤٧١.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣١٨.

٢٢٩

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي : ذو الحليفة .. ) (١) ، وساق تعداد المواقيت الستّة ولم يستثنِ شيئاً ، وظاهره القول بعدم مشروعيّة الإحرام قبل الوقت مطلقاً.

وقال الشيخ أحمد بن عبد الرضا المعروف بالمهدي في تعداد واجبات الإحرام : ( ووقوع الإحرام في أحد المواقيت الستّة التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثمّ عدّ الخمسة ودويرة الأهل ومكّة لحجّ التمتّع ، ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره عموم المنع ممّا سواها.

وقال الكاشاني في ( النخبة ) : ( يشترط في كلّ من الثلاثة يعني : أنواع الحجّ وعمرة التمتّع وقوعه في أشهر الحجّ ، وفي الخمسة الإحرام من الميقات الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لكلّ قوم ، وهي مشهورة ) (٢).

وظاهره كالأوّل من عدم مشروعيّة غير ذلك مطلقاً.

وقال الشيخ المفيد في ( المقنعة ) : ( اعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقّت لكلّ قوم ميقاتاً يحرمون منه ، لا يجوز لهم التقدّم في الإحرام من قبل بلوغه ولا التأخير عنه ، فوقّت لأهل المدينة مسجد الشجرة ، وهو ذو الحليفة ، فأهل المدينة وكلّ من حجّ على طريقها يجب أن يحرموا منه.

ولأهل العراق بطن العقيق ، وأوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، ولا يجوز التقدّم بالإحرام على المسلخ ولا التأخّر عن ذات عرق. ولأهل الشام الجحفة ، لا يتقدّمونها ولا يتأخّرون عنها ) (٣).

ثمّ عدّ باقي المواقيت الستّة ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره عدم صحّة الإحرام قبلها وعدم مشروعيّته مطلقاً.

وقال بعض أفاضل المتأخّرين في منسكه : ( ويشترط في الإحرام إيقاعه من أحد المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مسجد الشجرة .. ).

__________________

(١) المهذّب ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) النخبة : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، بتفاوتٍ يسير.

(٣) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

٢٣٠

وعدّ المواقيت الستّة ومكّة ولم يستثنِ شيئاً.

وظاهره كغيره عدم مشروعيّة الإحرام قبلها مطلقاً.

وقال الشيخ علي بن عبد العالي في منسكه : ( لمّا كان موضع إحرام التمتّع وحجّ الإفراد والقران واحداً وهو الميقات المعيّن شرعاً أو منزل المكلّف إن كان منزله أقرب إلى مكّة وجب تعيين المواقيت و [ هي (١) ] ستّة ).

وعدّها ولم يستثنِ. وظاهره كغيره. وهو ظاهر منسك الشيخ حسن ابن الشهيد ، ومنسك الشيخ علي بن سليمان القدميّ.

وقال العلّامة في ( المختلف ) : ( جوّز الشيخ (٢) الإحرام قبل الميقات للناذر ، وهو مذهب سلّار (٣) وابن حمزة (٤). ومنع ابن إدريس (٥) من ذلك ، ونقل عن الشيخ أنه رجع عن ذلك في مسائل ( الخلاف ).

وهو خطأ ؛ لأن الشيخ قال في مسائل ( الخلاف ) : ( فإن أحرم قبل الميقات لم ينعقد إلّا أن يكون نذر ذلك ) (٦).

والسيّد المرتضى (٧) وابن أبي عقيل (٨) ، منعا من الإحرام مطلقاً ولم يستثنيا ، وكذا ابن الجنيد وابن بابويه (٩).

واحتجّ المجوّزون بالأصل ، وبما رواه عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال فليحرم من الكوفة وليفِ لله بما قال (١٠).

__________________

(١) في المخطوط : ( هو ).

(٢) المبسوط ١ : ٣١١.

(٣) المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٧ : ٢٣٨.

(٤) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٥٩.

(٥) السرائر ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٨٦ / المسألة : ٦٢.

(٧) رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٦٥.

(٨) عنه في السرائر ١ : ٥٢٧.

(٩) الفقيه ٢ : ١٩٩ / ذيل الحديث ٩٠٧.

(١٠) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٣ / ١٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ / ٥٣٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٣ ، ح ١.

٢٣١

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سمعته يقول لو أن عبداً أنعم الله عليه نعمة ، أو ابتلاه بليَّة فعافاه من تلك البليّة ، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان ، كان عليه أن يتمّ (١).

والجواب : المنع من بقاء حكم الأصل بعد تواتر النقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه وقّت المواقيت المعيّنة (٢). وعن الحديثين بضعف سندهما ؛ فإن عليّ بن أبي حمزة واقفي ، وسماعة أيضاً.

واحتجّ المانعون بأنها عبادة شرعيّة فيتوقّف فعلها على أمر الشارع بها ، وبما رواه ابن مُسْكان في الصحيح : حدّثني ميسر (٣) .. ).

وساق الخبر المتقدّم ، ثمّ قال : ( والتشبيه يقتضي المساواة في الأحكام ، فكما كانت الزيادة محرّمة لا يصحّ نذرها في باب الصلاة ، فكذا في الميقات. وعن زرارة عن الباقر عليه‌السلام .. ).

وساق الخبر المتقدّم (٤) ثمّ قال : ( وكما كانت الزيادة مبطلة لا ينعقد نذرها ، فكذلك في صورة الحمل ؛ ولأنه نذر عبادة غير مشروعة ، فكان بدعة ، وكان معصية فلا ينعقد نذره. وهذا عندي أقرب ) (٥) ، انتهى.

أقول : صورة سند الرواية الاولى في ( تهذيب الأحكام ) : أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل عن صفوان عن علي بن أبي حمزة قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام .. الخبر.

ولا شكّ في أنه ضعيف بما قال وبأنه مكاتبة ، والخبر الثاني أيضاً لا شكّ في

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٤ / ١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٥١ ـ ٦١ / باب : ٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٢ / ١٥٦ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ / ٥٢٨ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١٢ ، ح ٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٢ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٣ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٦.

(٥) مختلف الشيعة ٤ : ٦٨ ـ ٦٩ / المسألة : ٢٧.

٢٣٢

ضعفه.

ولكن روى الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) بسنده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن علي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال فليحرم من الكوفة وليفِ لله بما قال (١).

هكذا في نسخة عندي وغيرها ، وفي نسختين غيرها : ( عن الحلبيّ ) بدل : ( علي ) ، كما هو في نسخ ( الإستبصار ) (٢).

ولكن قال في ( المنتقى ) بعد أن أورد هذا السند : ( قد اتّفقت كلمة المتعرّضين لتصحيح الأخبار على صحّة هذا الخبر ، وأوّلهم العلّامة في ( المنتهى ) (٣). ولا شكّ عند الممارس في أنه غير صحيح ؛ فإن حمّاداً في الطريق إن كان ابن عثمان كما تشعر به روايته عن الحلبيّ فالحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً وليست بمتعيّنة على وجه نافع ، كما قد يتّفق في سقوط بعض الوسائط سهواً.

وإن كان ابن عيسى فلا يروي عن عبيد الله الحلبيّ فيما يعهد من الأخبار أصلاً. والمتعارف عند إطلاق لفظ الحلبيّ أن يكون هو المراد به ، وربّما أُريد منه محمّد أخوه ، وفي رواية ابن عيسى عنه كما في عبيد الله. نعم ، يوجد في عدّة طرق : عن حمّاد بن عيسى عن عمران الحلبيّ.

وفي احتمال إرادته عند الإطلاق بُعدٌ ، لا سيّما بعد ملاحظة كون رواية الحديث بالصورة التي أوردناها إنما وقعت في ( الاستبصار ) ، وأمّا ( تهذيب الأحكام ) فنسخه متّفقة على إيراده هكذا : الحسين بن سعيد عن حمّاد عن علي. ورواية حمّاد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة معروفة.

والحديث مرويّ عنه أيضاً في الكتابين على إثر هذه الرواية بغير فصل بإسناد معلّق عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل عن صفوان عن عليّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ : ٣١٤ / ١١٦٦ ، ولم يرد فيه : « وليَفِ لله بما قال ». وفيه أيضاً : ( سألت أبا الحسن عليه‌السلام .. ).

(٢) الاستبصار ٢ : ١٦٣ / ٥٣٤.

(٣) منتهى المطلب ٢ : ٦٦٩.

٢٣٣

بن أبي حمزة. وذكر معنى الحديث. وتصحيفه بالحلبيّ قريب ، وخصوصاً مع وقوعه في صحبة حمّاد.

وبالجملة ، فالاحتمالات قائمة على وجه ينافي الحكم بالصحّة ، وأعلاها كون الراوي عليّ بن أبي حمزة ، فيتّضح ضعف الخبر ، وأدناها الشكّ في الاتّصال بتقدير أن يكون هو الحلبيّ. فإن أحد الاحتمالات معه : أن يكون المراد بحمّاد : ابن عثمان ، والحسين لا يروي عنه بغير واسطة ؛ وذلك موجب للعلّة المنافية للصحّة ) (١) ، انتهى كلامه.

وقال العلّامة التوبليّ في تذكرته بعد إيراد هذا الكلام عن ( المنتقى ) ـ : ( قلت : يأتي سند الحديث المبحوث عنه في باب النذر هكذا : عنه يعني الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام .. ).

وساق الحديث إلى قوله فليحرم من الكوفة (٢) ( وهذا السند يعطي ما قاله صاحب ( المنتقى ) ؛ لأن في هذا السند تنبيهاً على ما قاله صريحاً.

واعلم أن قول صاحب ( المنتقى ) : ( وأمّا تهذيب الأحكام فنسخه متّفقة على إيراده ) إلى آخره ، فيه نظر ، فإن عندي نسختين من ( تهذيب الأحكام ) عن الحلبيّ كما في ( الاستبصار ) (٣) ) ، انتهى كلام السيّد.

قلت : وعندي نسختان من ( تهذيب الأحكام ) هكذا عن الحلبيّ أيضاً. وعلى كلّ حال فبحث ذينك الإمامين يفضي بالناظر إلى ضعف الخبر.

وعلى كلّ حال فمثل هذه الأخبار الضعيفة لا يعارض بها ما ذكرناه من الأخبار ، ولا تخصّص بها تلك العمومات والإطلاقات ؛ لضعفها عن مقاومة بعضها فضلاً عن جميعها مع تكثّرها وموافقتها للمعقول وقواعد المنقول ، فإن العبادات كيفيّات متلقّاة فلا تصحّ إلّا من حيث يحبّ المعبود دون العابد.

__________________

(١) منتقى الجمان ٣ : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ : ٣١٤ / ١١٦٦.

(٣) الإستبصار ٢ : ١٦٣ / ٥٣٤.

٢٣٤

وتلك المواقيت أبواب لحرم الله جعلها الله رحمة لعباده ، ليستعدّوا فيها لما يصلح من صفات الوافدين الداخلين في باب رحمة الله وحرمه ، فيستعدّوا فيها للوفادة إلى بيت الله ، مجرّدين عن كلّ شاغل عن الوفادة إلى الله. ولم يوقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للإحرام بالحجّ والعُمرة بقاعاً معلومة ، ومنع من الإحرام من سواها إلّا لمعان تختصّ بها هو اعلم بها وأهل بيته. كما أشار إليه الخبر المروي عن الصادق عليه‌السلام في ( العلل ) وغيره في علّة إحرام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشجرة أنه عليه‌السلام قال لأنه لمّا اسري به وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت (١) الخبر.

فكانت المواقيت بحذاء الأبواب التي تدخل منها الملائكة إلى البيت المعمور ، فكذلك خصّت بكونها مواضع إحرام القاصد إلى مكّة دون غيرها من بقاع الأرض. ولو ساواها وشاركها من بقاع الأرض شي‌ء ، لكان كلّما بعد وشقّ أفضل ، ولكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يبيّن ذلك لأُمّته. وإنما ظهر منه تخصيص تلك البقاع لتلك العبادة ، كما عيّن للموقفين محلّاً ، وللذبح محلّا ، ولرمي الجمار محلّاً ، وللطواف محلّاً ، ولصلاته محلّاً وللسعي محلّاً ، فجميع مناسك الحجّ لكلّ نسك محلّ مخصوص وهيئة مخصوصة ، والإحرام منها. ولا ينافيه التوسعة في بعض لمكان الضرورة.

هذا ، مع أن الخبر الأوّل (٢) يمكن تأويله ، بإرادة النذر من محرم أهل الكوفة وهو العقيق ، وذلك صحيح منعقد بالنصّ والإجماع. فكما صحّ تأويل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام أن أهل السند محرمهم البصرة بأن المراد محرم أهل البصرة وهو

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٣٩ / ١ ، وفيه : « لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اسري به وصَار بحذاء الشجرة وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة فلما كان في الموضع الذي بحذاء الشجرة نودي : « يا محمّد. قال لبّيك. قال : ألم أجدك يتيماً فآويتُ ، ووجدتك ضالاً فهديتُ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، لبّيك. فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها ».

(٢) تهذيب الأحكام ٨ : ٣١٤ / ١١٦٦.

٢٣٥

العقيق. أوّله بذلك الشيخ (١) ، وكذلك كلّ من ذكره ، ولم نعلم أحداً قال بظاهره مع صحّته ، بل أطبقوا على تأويله بذلك. فكما صحّ تأويله بذلك صحّ تأويل خبر النذر به ، فإن كان صارف يصرف هذا التأويل وإلّا صحّ فيهما.

وأمّا قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير كان عليه أن يتم فيحتمل أنه أراد بقوله : إنه جعل على نفسه أن يحرم بخراسان أي محرم أهل خراسان ، أو أنه أراد بقوله كان عليه أن يتم (٢) أي لا يحرم إلّا من أحد المواقيت ؛ فإنه قد روي كما تقدّم أن من تمام الحجّ والعُمرة أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

فهو إمّا إشارة إلى عدم مشروعيّة هذا النذر ، أو أن من نذر ذلك وجب عليه الإحرام من محرم أهل تلك الناحية ؛ لأنه بعض من الطريق يصحّ نذره فيلزم فيه دون ما زاد. وإن كان هذا ضعيفاً جدّاً. والأوّل أوجه.

وعلى كلّ حال ، فمتى قام الاحتمال بطل الاستدلال. هذا كلّه مضافاً إلى أن هذه الأخبار موافقة لمذهب أبي حنيفة والشافعيّ ، والرشد في خلافهم. فإذن الحقّ عدم مشروعيّة النذر المذكور ، والله العالم بحقيقة أحكامه.

وقيل : يصحّ ، وقد عرفت القائل ودليله ، وضعف القول به.

وقال المقداد في ( التنقيح ) في شرح قول المحقّق : ( ولا يصحّ الإحرام قبل الميقات إلّا لناذر ) (٤) ـ : ( هذا قول الشيخ (٥) والمفيد (٦) وابن حمزة (٧) ، لرواية أبي

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٥ / ١٦٩ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٩ ، أبواب المواقيت ، ب ١ ، ح ٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٤ / ١٦٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٤ / ١٦٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، أبواب المواقيت ، ب ١٦ ، ح ١.

(٤) المختصر النافع : ١٥٠.

(٥) النهاية : ٢٠٩ ، المبسوط : ٣١١.

(٦) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ٣٩٤.

(٧) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٥٩.

٢٣٦

بصير (١) ، وعليّ بن أبي حمزة (٢) عن الصادق عليه‌السلام. ومنعه الحسن (٣) والمرتضى (٤) والعجليّ (٥) مطلقاً ، ولم يستثنوا الناذر ؛ لأصالة عدم الجواز ، ولصحيحة ابن مُسْكان عن مَيْسر عن الصادق عليه‌السلام (٦) ، ولرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما مثله من صلّى في السفر أربعاً وترك الثنتين (٧) وكما كانت الزيادة مبطلة ولا ينعقد نذرها فكذا صورة النزاع.

والجواب بحمل المطلق على المقيّد ، وروايتهم مطلقة ، فتحمل على غير المنذور ، وعدم انعقاد نذر الأربع سفراً ، لا يرد عليه ؛ لصريح التحريم فيه دون ما نحن فيه ) (٨) ، انتهى.

قلت : فيه نظر من وجوه :

الأوّل : نسبة القول للمفيد [ في ] عبارة ( المقنعة ) تأباه ، إلّا أن يكون قاله في غيره ، أو هو توهّم من كلام الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) ، وظنّه كلام المفيد.

الثاني : أنه حكم على الرواية التي أوردها دليلاً للمانعين أنها مطلقة ، وليس كما قال ، بل هي عامّة ، لأنها نكرة في سياق النفي.

الثالث : أنه إذا ثبت البدعيّة في المشبّه به من جهة وجه الشبه ، اقتضى المساواة فيها ، وإلّا لكان التشبيه خطأ ، ولا جهة للشبه إلّا عدم مشروعيّة المشبّه به ، فلا بدّ أن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٤ / ١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٣ / ١٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ / ٥٣٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٣ ، ح ١.

(٣) عنه في السرائر ١ : ٥٢٧ ، مختلف الشيعة ٤ : ٦٧ ـ ٦٨ / المسألة : ٢٧.

(٤) رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٦٥.

(٥) السرائر ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٦) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٢ / ١٥٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٦.

(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ٥١ / ١٥٥ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٣ ، أبواب المواقيت ، ب ١١ ، ح ٣.

(٨) التنقيح الرائع ١ : ٤٤٩.

٢٣٧

يساويه في المنع.

وهل يساوي النذر أخويه في ذلك على القول به؟ لم أقف على مصرّح به ، إلّا صاحب ( معالم الدين ) متردّداً فيه ، وشهيد ( الروضة ) (١) اختار مساواته [ لهما (٢) ]. وقال في ( المسالك ) : ( الظاهر عدم الفرق بين النذر وأخويه ، وإن كان النذر هو [ المستعمل فيه (٣) ] ؛ لأن النصوص شاملة لهما ، [ فإنها (٤) ] مفروضة فيمن جعل ذلك عليه ) (٥).

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٣ : ٣٨.

(٢) في المخطوط : ( له ).

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( منه ).

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( لأنها ).

(٥) مسالك الأفهام ٢ : ٢١٩.

٢٣٨

جواز تقديم الإحرام على المواقيت

من أراد الاعتمار في رجب ، وخاف إن أخّر الإحرام إلى الوقت أن يفوته الشهر ، فالمشهور أنه يجوز له حينئذٍ تقديم الإحرام على المواقيت ؛ ليدرك جزءاً من العُمرة في رجب ، فإن عمرة رجب تلي الحجّ في الفضل. بل قال الخراساني في ذخيرته : إنه ظاهر الأصحاب (١).

وقال الشيخ علي في حواشي ( الشرائع ) : ( ورد أن عمرة رجب تلي الحجّ في الفضل ، فإذا خاف تقضّيه وأراد إدراك إحرامها فيه ، شرع له الإحرام قبل الميقات للنصّ والإجماع ) ، انتهى.

وقبل هذا بسطر واحد قال : ( منع ابن إدريس (٢) من الإحرام قبل الميقات لناذر وغيره ، ومنع من انعقاد النذر ). واحتجّ المشهور بصحيحة معاوية بن عمّار السابقة عن الصادق عليه‌السلام

ليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أن يخاف فوت الشهر في العُمرة (٣).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يجي‌ء معتمراً ينوي عمرة رجب ، فيدخل الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب ، أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال يحرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً وهو الذي نوى (٤).

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٥٧٤ ، بالمعنى.

(٢) السرائر ١ : ٥٢٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٣ / ١٦١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، أبواب المواقيت ، ب ١٢ ، ح ١.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٣ / ١٦٠ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٢٦ ، أبواب المواقيت ، ب ١٢ ، ح ٢.

٢٣٩

وادّعى الكاشاني أيضاً في مفاتيحه أنه إجماع (١). وعن ( المعتبر ) أنه اتّفاق أصحابنا (٢).

وأنت خبير بأن ما سبق من عبارات العلماء المانعة من الإحرام قبل الميقات ظاهرها عموم المنع هنا أيضاً ، وبهذا مع كون هذه الأخبار موافقة لمذهب العامّة ـ يخدش دعوى الإجماع.

وبالجملة ، فالمسألة قويّة الإشكال. والاحتياط ويقين البراءة وأصالة استصحاب حال تحليل من أحرم قبل الوقت يقتضي عدم مشروعيّة هذا الإحرام ، وصحّة الرواية وعمل جماعة بها ودعوى الإجماع من بعضهم يقتضي مشروعيّته. وأنا في صحّته من المتوقّفين ، والاحتياط مطلوب ، وفوت الإحرام في رجب أهون من أن يُدخَلَ في الشرع ما لم يحصل يقين كونه منه ، فلا ينبغي التعرّض له ، والله العالم.

ولو كان في طريق قاصداً مكّة ممّن يجب عليه الإحرام محرمان ، ووصل لأوّلهما ، وجب الإحرام منه. لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما ينسب لظاهر الجعفيّ من القول بجواز التأخير إلى الثاني كالمدنيّ يمرّ بالشجرة ولا يحرم إلّا من الجحفة. ولو لا الشهرة الأكيدة في كلّ زمان على وجوب الإحرام من الأوّل التي يشمّ منها عطر الإجماع لكان القول به متّجهاً.

ولو عصى وأخّر الإحرام لثانيهما فأحرم منه أجزأه وأثم ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الأوّل بعد الوصول للثاني ، وإنما يجب قبل الوصول إليه على الأقوى ، وبه صرّح جماعة من أكابر العصابة ؛ لصدق مروره على المحرم ، فهو بمروره عليه محرم له. وهل يجوز العدول عن طريق الأوّل إلى طريق لا يفضي به إلّا إلى الثاني اختياراً؟ الظاهر ذلك كما صرّح به جمع من الأفاضل ، كالذي يخرج من المدينة فإنه يجوز له سلوك أي طريق شاء ولو لم يُفضِ به إلى عين الوقت ، كما يرشد له اتّفاقهم على أن من أخذ طريقاً لا يفضي به إلى ميقات أحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى طريقه أو إلى مكّة. ومن لم يحاذِ ميقاتاً كالذي يأتي من الغرب عن مكّة على البحر

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٣١١.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٠٦.

٢٤٠