رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

لاحتمال أن يكون ذلك في إحرام الحجّ ، وإن كان ظاهره أعمّ ، ولأن الإجماع قائم ، والنصّ (١) به متكرّر ، على أن ذلك بعد الوقوفين في الحجّ. وبعد السعي في العمرة مطلقاً لا يوجب الإفساد ولا الإعادة ؛ فتعيّن أنه أراد بثلم الحجّ المخشيّ عليه هو نقصان ثوابه.

بل لعموم صحيحة زرارة قال : سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة. قال عليه‌السلام جاهلين أو عالمين.

قلت : أجبني في الوجهين جميعاً قال إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما ، ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجّتين لهما؟ قال : الأُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأُخرى عليهما عقوبة (٢).

وصحيحة ابن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المحرم يقع على أهله؟ قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل.

قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم؟ قال إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فعليه سوق بدنة وعليه الحجّ من قابل ، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فُرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد ؛ إلّا أن يكون معهما غيرهما ، حتّى يبلغ الهدي محلّه (٣). هكذا لفظ الخبر في ( الكافي ).

والظاهر أنه من قوله : ( وسألته ) إلى آخره ، رواية أُخرى مستقلّة ، ولهذا قال في ( تهذيب الأحكام ) : روى موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم وقع على أهله (٤) .. إلى آخر ما في ( الكافي ) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١١٨ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٢ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣ ، ح ٩.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ / ٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٣ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣ ، ح ١٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٩ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٠ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣ ، ح ١.

١٨١

فاقتصر على هذا ، وهو قرينة على أنه رواية مستقلّة.

وخبر علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن محرم واقع أهله ، فقال قد أتى عظيماً.

قلت : لمبتلى؟ فقال استكرهها أو لم يستكرهها؟. قلت : أفتني بهم جميعاً ، فقال إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان ، حتّى ينتهيا إلى مكّة وعليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه.

قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكّة فهي امرأته كما كانت؟ فقال نعم ، هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان ، افترقا حتّى يحلّا ، فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما ؛ فإنّ أبي كان يقول ذلك (١).

وصحيحة جميل بن درّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم وقع على أهله قال عليه بدنة. قال : فقال له زرارة : قد سألته عن الذي سألته عنه ، فقال لي عليه بدنة. قلت : عليه شي‌ء غير هذا؟ قال نعم ، عليه الحجّ من قابل (٢).

وما رواه الشيخ أيضاً في الصحيح عن معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال عليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل ، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليهما الحجّ من قابل (٣) آخر الحديث.

ثمّ قال الشيخ رحمه‌الله تعالى بعد هذا : وروى محمّد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المحرم يقع على أهله قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٦ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٤ ، ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١١ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣ ، ح ٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٩ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٧ ، ح ١.

١٨٢

وليس عليه الحجّ من قابل (١).

فهذه الأخبار وما شابهها تتناول بإطلاقها إحرام عمرة التمتّع كما هو ظاهر. ويؤيّده ، بل يوضّحه أن ظاهر جملة منها أن ذلك العمل مفروض وقوعه خارج الحرم ، حيث إنها أوجبت الافتراق من موضع الخطيئة إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، أو إلى أن يقضيا مناسكهما ، أو إلى أن يدخلا مكّة ، أو إلى أن يرجعا إلى مكان الخطيئة من الطريق.

وظاهر هذا أنه مفروض الوقوع في الطريق بين المحرم والحرم ، ويؤكّده اختلاف الأصحاب ؛ في أن التفرقة المجمع عليها هل هي في النسك الأوّل ، أو القضاء؟.

وعلى الأوّل ، فالافتراق من محلّ الخطيئة كما هو الإجماع نصّاً وفتوى (٢). وهل منتهاه على القولين إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، أو إلى تمام المناسك ، أو إلى أن يعودا إلى مكان الخطيئة من الطريق؟ ربّما قيل بوجوبه في النُّسكين جميعاً (٣) ، كما هو ظاهر بعض الأخبار كخبر ابن أبي حمزة (٤).

وأيضاً قد اختلف الأصحاب في أنه لو حجّا حجّ القضاء على غير تلك الطريق التي أحدثا فيها ما أحدثا في الحجّ الأوّل ، ووصلا إلى طريق يشترك فيه الطريقان بعد مكان الخطيئة ، هل يفترقان من محلّ الاشتراك كما احتمله في ( المسالك ) (٥) ، أم لا؟ بل مثّل بعضهم (٦) لمحلّ اشتراك الطريقين بالمرور على عرفة.

وكلّ هذا يخبرك بظاهره كالأخبار إن الخطيئة مفروضة في طريق المحرم إلى الحرم ، وهذا لا يكون إلّا في إحرام عمرة التمتّع غالباً ؛ لأن أكثر الواردين فرضهم ذلك ، أو حجّ إفراد ، أو قران كما هو الفرد النادر الوقوع. فإذا كان ظاهرها وقوع

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٩ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٧ ، ح ٢.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ٤١١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٨ : ٣٥ / المسألة : ٤٠٥ ، مسالك الأفهام ٢ : ٤٧٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٦ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٤ ، ح ٢.

(٥) مسالك الأفهام ٢ : ٤٧٦.

(٦) مسالك الأفهام ٢ : ٤٧٦.

١٨٣

الخطيئة في طريق بين المحرم والحرم ، فظاهره أن أكثره في إحرام عمرة التمتّع.

فإذن دلّت هذه الأخبار بظاهرها وإطلاقها معاً على دخول الإفساد في المتمتّع بها ، وسريان الإفساد للحجّ.

فإن قلت : احتمال اختصاص هذه الأخبار بإحرام الحجّ بقرينة الحكم بقضاء الحجّ وعدم ذكر العمرة قائم.

قلت : الاحتمال لا يمنع الاستدلال إلّا في مقام لا تقوم القرينة على نفيه ، وقد عرفت هنا منعه بطريقين : عموم الإطلاق ، وظاهر السياق. فلو جرى الاحتمال هنا لما تمّ الاستدلال بالإطلاق ؛ لاختلال اختصاصه بفرد من أفراد المطلق ، وكون ذكر قضاء الحجّ وعدم ذكر العمرة قرينةً على الاحتمال ممنوعة لما ذكرناه.

وإنما اقتصر على بيان النصّ على قضاء الحجّ ؛ لما هو معلوم من المذهب نصّاً (١) وفتوى (٢) من ارتباط عمرة التمتّع بحجّه ، وللنصّ (٣) على أن وجوب قضائها يستلزم وجوب قضاء الحجّ ؛ لما ربّما يخفى على بعض السامعين ؛ بسبب وقوع الإحلال بينهم مع ارتباطهم ، فأشار بذكر وجوب قضاء الحجّ المستلزم لوجوب قضاء العمرة إلى أنها كالجزء منه ، فلا يصحّ انفراد أحدهما عن الآخر أداءً وقضاءً.

فإن قلت : كيف يعمّ الإطلاق المتمتّع بها مع تحقّق الإجماع على أنه لو وقع الوقاع بعد كمال سعيها قبل التقصير لم تفسد؟

قلت : هذا على القول بأن التقصير ليس بنُسك فيها ، وإنما هو محلّل خارج واضح الفساد ؛ لخروج زمن الوقاع عن أفعالها ، وعلى القول بأنه نسك كما هو الأظهر ، نقول : استثناه الدليل كما استثنى وقوعه بعد التقصير فيها ، فلا تمتنع دلالتها على الإفساد ، وشموله للحجّ لو وقع الوقاع قبل كمال سعيها. فقد تبيّن من ظاهر هذه

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٣٠١ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٢.

(٢) مسالك الأفهام ٢ : ٤٨١ ، مدارك الأحكام ٨ : ٤٥٩.

(٣) انظر وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٥ ، أبواب العمرة ، ب ١.

١٨٤

الأخبار خصوصاً مع ملاحظة أن الخطيئة مفروض وقوعها في الطريق بين محلّ الإحرام والحرم ، وملاحظة كلام الأصحاب معها في مبدأ الافتراق ومنتهاه إنها مفروضة في إحرام عمرة التمتّع ؛ لأنه الفرد الغالب الشائع على مَنْ حجّ مِنْ خارج الحرم ، لا أقلّ من عمومها لها.

وممّا يستأنس به لعموم هذه الأخبار أن المشايخ في الكتب الأربعة (١) عنونوا هذا في باب ، و ( الوقاع قبل عرفة أو المشعر ) باباً آخر على حدة ، وأوردوا فيه أخباراً غير هذه ، فلا أقلّ من شمولها لها ، فدلّت على سريان الإفساد لحجّها ؛ لهذه الأخبار ، ولتحقّق ارتباطها بالحجّ.

ولهذا لا يظهر خلاف في وجوب قضاء عمرة التمتّع لو أفسد الناسك حجّه بالوقاع قبل عرفة أو المشعر مع الحجّ ؛ إذ لا يتحقّق حجّ تمتّع بدون عمرته ؛ لأنه كيفيّة متلقّاة من الشارع كذلك ، ولنصّه على دخول العمرة في الحجّ ، فهي كجزء منه متى وجب قضاء أحدهما وجب قضاء الآخر.

وهل يلحق بالوقوع على المرأة الوقوعُ على الأمَة؟ الظاهر ذلك ؛ لأن الظاهر دخولها في أهل الرجل عرفاً ، وقد صرّح به بعضهم (٢). وأيضاً فالشهرة الأكيدة على إلحاقها.

وهل يلحق به وطء الشبهة والزنا ولواط الذكر؟ المشهور ذلك ؛ معلّلاً بأنه أفحش وأشدّ إثماً ، ولأن الظاهر أن مناط العقوبة وسببها وقوع الوقاع المحرّم ، وهو متحقّق ، ولا بأس به.

أمّا البدنة فهي ثابتة على من واقع في إحرامه مطلقاً ؛ حجّا كان أو عمرة مطلقاً فيهما ؛ قبل التقصير في العمرة ، وقبل إكمال خمسة أشواط من طواف النساء في حجّ أو عمرة مفردة على الأشهر ، وقبل إكمال أربعة إجماعاً.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٠ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٣١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ٤٠٩.

١٨٥

ومن وصل الميقات في وقت يعلم أو يظنّ ظنّاً متاخماً للعلم أنه لا يدرك أن يأتي بأفعال المتعة ويدرك الموقفين ، لزمه أن يحرم ويحجّ الإفراد أو القرآن إن كان التمتّع فرضه ولو بالعارض من الملتزم ، أو الإفساد للحجّ في العام الأوّل ، ولزمه بعده عمرة مفردة. لا نعلم فيه مخالفاً.

وفهمه من إطلاقات بعض الأخبار ممكن ، مثل صحيحة ابن بزيع : سألت الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال كان جعفر عليه‌السلام يقول بزوال الشمس من يوم التروية. وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية. قلت : جعلت فداك ، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية ، ويطوفون ويسعون ، ثمّ يحرمون بالحجّ ، فقال زوال الشمس؟. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح (١) ، فقال عليه‌السلام لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت : فهي على إحرامها ، وتجدد إحرامها للحجّ؟ فقال عليه‌السلام لا ، هي على إحرامها. فقلت : فعليها هدي؟ قال لا ، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع.

ثمّ قال أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة (٢).

فإن ظاهرها أنه مثل من يُحرم من الشجرة إذا أهلّ ذو الحجّة قبل أن يحرم لا يدرك المتعة ، وإذا لم يدرك أحرم بالحجّ.

وخبر ابن بكير عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن المتعة متى تكون؟

__________________

(١) وهي الرواية التي أخرجها الشيخ عن الكليني في موردين ، تهذيب الأحكام ٥ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ / ١٣٦٨ ، و: ٣٩٢ / ١٣٦٩ ، ومضمونها أن امرأة متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم ، وكان جواب الإمام عليه‌السلام : « تطوف بين الصفاء والمروة ، ثم تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر ؛ فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء ، وأهلّت بالحجّ من بيتها ، وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلّها ، فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ، وسعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي‌ء ما عدا فراش زوجها ».

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٩١ / ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ / ١١٠٧ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢١ ، ح ١٤.

١٨٦

قال يتمتّع من ظنّ أن يدرك الناس بمنى (١).

وخبر الميثميّ : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين (٢).

وخبر جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر (٣).

وموثّقة ابن مسلم : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إلى متى يكون للحاجّ عمرة؟ قال إلى السحر من ليلة عرفة (٤).

وأمثال هذه الأخبار ، فإن إطلاق مفاهيمها يدلّ على ذلك ، فتأمّلها.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٧٠ / ٥٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ / ٨٦١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٢ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٠ ، ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٤ / ٤ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٧١ / ٥٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٣ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٠ ، ح ٥. وفيها : ( عن شعيب المحاملي ) غير أنه في هامش الكتاب إشارة إلى أنه في نسخة من وسائل الشيعة : ( الميثمي ).

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١٧١ / ٥٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٥ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٠ ، ح ١٥.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ١٧٢ / ٥٧٣ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٣ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٠ ، ح ١.

١٨٧
١٨٨

الإحرام لدخول مكّة

ومن أراد دخول مكّة حرم عليه أن يدخلها مُحِلّاً ، ووجب عليه أن يدخلها محرماً. فإن كان يريد الإحرام لدخولها في أشهر الحجّ كان مخيّراً بين الإحرام بنوع من أنواع الحجّ ، أو عمرة التمتّع أو عمرة مفردة. هذا إن لم يتعيّن عليه نوع من الحجّ أو العمرة ؛ فإن كان قد وجب عليه نوع خاصّ تعيّن ، وإن لا يكن حين يكون في الميقات قاصداً دخول مكّة في أشهر الحجّ تعيّن عليه الإحرام بالعمرة المفردة.

كلّ ذلك وجوباً إن وجب النُّسك أو دخول مكّة ، وإلّا كان ندباً ، وهو واجب شرطيّ ، ووجوبه الشرطيّ لا ينافي ندبه ، ولا وجوبه على المكلّف ينافي شرطيّته ؛ لأنه بالنسبة لدخول مكّة كالوضوء للصلاة نفلها وواجبها فتحرم الصلاة وجوباً وندباً. ويكفي الواجب منه للواجب والندب ، كلّ ذلك بالإجماع والنصّ ، عدا ما استثني بالدليل.

ففي صحيح معاوية بن عمّار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكّة إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة فلم تحلّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار (١).

ورواه الصدوق (٢) مرسلاً.

وبإسناده عن كليب الأسديّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استأذن الله عزوجل في مكّة ثلاث مرّات من الدهر ، فأذن له فيها ساعة من النهار ، ثمّ جعلها حراماً ما دامت

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٢٦ / ٤ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٤ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٧ ، وروى الصدوق رحمه‌الله قريباً منه ، انظر الفقيه ٢ : ١٥٩ / ٦٨٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٩ / ٦٨٧.

١٨٩

السماوات والأرض (١).

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في ( إعلام الورى ) نقلاً من كتاب أبان بن عثمان عن بشير النبّال عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله ، لم تحلّ لأحد كان قبلي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، إلى أن تقوم الساعة (٢) الخبر.

وفي ( الكافي ) بسنده عن وردان عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال من كان في مكّة على مسيرة عشرة أميال لم يدخلها إلّا بإحرام (٣).

وفي ( الفقيه ) بسنده عن القاسم بن محمّد عن علي بن أبي حمزة : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يدخل مكّة في السنة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً كيف يصنع؟ قال إذا دخل فليدخل ملبّياً ، وإذا خرج فليخرج محِلّاً (٤).

ورواه في ( الكافي ) (٥) بسنده عن يونس عن علي بن أبي حمزة مثله.

وبالجملة ، فالأخبار بوجوب الإحرام لدخول مكّة وتحريم دخولها بغير إحرام مستفيضة جدّاً ، من غير أن يعيّن في شي‌ء منها إحرام خاصّ بنوع من الحجّ أو العمرة. ويستثنى من ذلك الحطّابة والحشاشة والمجتلبة وأشباههم ، ممّن يكثر دخوله مكّة كما هو ظاهر المذهب (٦) ، فإن في وجوب الإحرام عليهم والنسك حرجاً وعسراً.

ويدلّ عليه من الأخبار مثل صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنّ الحطّابة والمجتلبة أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسألوه فأذن لهم أن يدخلوها حلالاً (٧).

والمختلبة في ( الكافي ) بالخاء المعجمة وهم من يجتلب الحشيش من خارج

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٥٩ / ٦٨٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٥ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٩.

(٢) إعلام الورى بأعلام الهدى : ١٨٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ١٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ / ١١ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٤ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٩ / ١١٤١ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٥ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ١٠.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٤ / ٣.

(٦) انظر مدارك الأحكام ٧ : ٣٨٤.

(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ٥٥٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ٢.

١٩٠

مكّة.

وفي ( تهذيب الأحكام ) (١) بالجيم ، وهو أعمّ من الأوّل.

وكذا يستثني المريض مرضاً يشقّ عليه معه الإحرام ويخرج به عن وسعه تكاليف الإحرام ، فإنه يحقّ له دخولها محلّاً ، كما هو ظاهر الفتوى (٢) والنصّ المستفيض (٣) الموافق لنفي الضرر ، ولقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٤) ، ولقوله عزّ اسمه ـ ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٥).

مثل صحيح محمّد بن مسلم وشبهه كما في ( الفقيه ) (٦) ، و ( تهذيب الأحكام ) (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام : هل يدخل الرجل مكّة بغير إحرام؟ قال : لا إلّا مريض أو به بطن.

وإنما حملنا مثل هذا الحديث المشتهر العمل بمضمونه بين العصابة على مرض يشقّ معه الإحرام ويخرج بصاحبه عن وسع تكاليفه ؛ جمعاً بينه وبين مثل صحيح رفاعة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكّة حلالاً؟ فقال لا يدخلها إلّا محرماً (٨).

وقويّ رفاعة أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكّة قال لا يدخلها إلّا بإحرام (٩).

بحمل هذه الأخبار وشبهها على مريض لا يشقّ عليه تكاليف الإحرام مشقّة لا تتحمّل عادة ، ولا يخرج عن وسعه تحمّلها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ٥٥٢.

(٢) مدارك الأحكام ٧ : ٣٨١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ٥٥٠ ، ٥٥١.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) البقرة : ١٨٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٩ / ١١٤٠.

(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ٥٥١ ، وفيه : « إلّا أن يكون مريضاً » ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٤.

(٨) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ٥٥٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٣.

(٩) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٤ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٥ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٨.

١٩١

وقد حمل الشيخ (١) مثل هذا على الاستحباب ، ولا بأس به مع الإطاقة مع المشقّة ، أمّا بدونها فيجب ولو كان مريضاً.

ولو ترك الإحرام أثم ، ولا يجب التدارك والبدل لا أداءً ولا قضاءً.

والظاهر أنه يتحقّق الإثم عليه بدخوله محلّاً ، كما يظهر من صحيح عاصم بن حميد : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يدخل الحرم أحد إلّا محرماً قال لا ، إلّا مريض أو مبطون (٢). وصحيح محمّد بن أبي نصر (٣) مثله.

وصحيح محمّد بن مسلم : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال لا ، إلّا أن يكون مريضاً أو به بطن (٤).

فإن ظاهرها المنع من دخول الحرم بغير إحرام ، فبه يتحقّق الإثم إذا كان حينئذٍ قاصداً مكّة ؛ لأن ظاهر الأصحاب أنه لا يجب الإحرام بمجرّد قصد الحرم بدون قصد مكّة ؛ كما يظهر من تتبّع كلماتهم ، فإنهم إنما يذكرون وجوب الإحرام لدخول مكّة ولا يذكرون الحرم (٥).

فتعيّن حمل هذه الأخبار على أنه يأثم من قصد دخول مكّة إذا جاوز الوقت بغير إحرام بمجرّد دخوله الحرم ؛ فإنه إذا فعل ذلك ثبتت المعصية في حقّه وتحقّقت منه ، وقبل دخوله الحرم كأنه بمنزلة العازم على فعل المعصية ساعٍ إليه ولما يفعل ، فعليه إثم سعيه للمعصية ، فإذا دخل الحرم تحقّق منه فعل المعصية.

وممّا ينبّه على هذا مثل ما رواه الصدوق في ( العلل ) (٦) و ( العيون ) (٧) بأسانيد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٥ / ذيل الحديث ٥٥٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٦٨ / ١٦٣٩ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٤٨ / ٥٥٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٤٨ / ١٥٦٤ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٤.

(٥) مدارك الأحكام ٧ : ٣٨٠.

(٦) علل الشرائع ١ : ٣١٨ / ٩ ، بتفاوتٍ يسير.

(٧) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٠ ـ ١٢١ ، بتفاوتٍ يسير.

١٩٢

متعدّدة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنه قال إنما أُمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه ، ولئلّا يلهوا ويشتغلوا بشي‌ء من أُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها ، ويكونوا جادّين فيما هم فيه ، قاصدين نحوه مقبلين عليه بكلّيّتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل ولنبيّه ، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله عزوجل ، ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ، ماضين نحوه ، مقبلين إليه بالذلّ والاستكانة والخضوع.

وما في ( العلل ) بسنده عن العبّاس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال حرّم المسجد لعلّة الكعبة ، وحرّم الحرم لعلّة المسجد ، ووجب الإحرام لعلّة الحرم (١).

فعلى هذا تبيّن أن العلّة الحقيقيّة وهي علّة العلّة في الإحرام الوفادة إلى بيت الله الذي حرّم الحرم لأجله ، فمن قصد في طريقه مثلاً أن يمرّ بالمشعر وليس قاصداً للحرم لا يكون قاصداً الوفادة إلى الله في بيته ، ولا مقبلاً على عبادة الله والتذلّل إليه ، فلا يتحقّق وجوب الإحرام عليه. وإن من أمّ الحرم قاصداً الوفادة إلى الله في بيته المعظّم وجب عليه الإحرام ، ليكون حال دخوله حرم الله وحمى بيته مخلصاً لله تائباً آئباً معرضاً عن غير الله ، وإظهار التحقّق بالعبوديّة له ولرسوله.

وحينئذٍ إذا أخلّ بالإحرام بأن دخل حرم الله قاصداً مكّة ، محلّاً بلا مسوغ الرخصة ، تحقّق منه فعل المعصية.

وأيضاً لو كان يجب الإحرام لدخول الحرم بدون قصد مكّة بل الحرم خارجها ، لوجب على كلّ من قصد الحرم أو وطنه أن يدخل مكّة بل المسجد ؛ لأنه متى أحرم وعقد إحرامه لا يحلّ منه إلّا بطواف الكعبة وصلاة في المسجد ، وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو تقصير ، ما لم يُصدّ أو يحصر.

ولا دليل على ذلك ، ولم نقف على مفتٍ به ، بل وجدنا بعضهم يستدلّ على وجوب الإحرام لدخول مكّة ببعض الأخبار التي فيها : لا يدخل الحرم أحد بغير

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٢٠ / ١ ، وفيه : « لعلّة الإحرام » بدل : « لعلّة الحرم ».

١٩٣

إحرام ، كالسيّد في ( المدارك ) (١) وغيره.

ولم أقف على من أفتى بوجوب الإحرام لدخول الحرم بدون دخول مكّة إلّا ظاهر الحرّ في ( وسائل الشيعة ) ، حيث قال : ( باب أنه لا يجوز دخول مكّة ولا الحرم بغير إحرام ولو دخل لقتال ، إلّا أن يكون مريضاً فلا يجب ، بل يستحبّ ، أو دخل قبل شهر من إحرامه أو يتكرّر ) (٢) ، انتهى. وهو شاذّ مشكل.

ويستثنى أيضاً من خرج بعد إحلاله وأراد الدخول قبل مضيّ شهر من إحلاله ، فإنه يجوز له حينئذٍ أن يدخلها مُحِلّاً بالإجماع والنصّ المستفيض.

ففي ( وسائل الشيعة ) نقلاً من سرائر ابن إدريس (٣) ، نقلاً من كتاب جميل بن درّاج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض حاجته ثمّ يرجع من يومه قال لا بأس أن يدخل بغير إحرام (٤).

وفي ( الكافي ) بسنده عن ابن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعن أبيه ميمون قال : ( خرجنا مع أبي جعفر عليه‌السلام إلى أرض بطيبة ، ومعه عمر بن دينار وأُناس من أصحابه ، فأقمنا بطيبة ما شاء الله ).

إلى أن قال : ( ثمّ دخل مكّة ودخلنا معه بغير إحرام ) (٥).

ورواه في ( المحاسن ) (٦) عن جعفر بن محمّد مثله.

وفي ( تهذيب الأحكام ) في صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة؟ قال يدخل مكّة بغير إحرام (٧).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٧ : ٣٨١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٢ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠.

(٣) السرائر ( المستطرفات ) ٣ : ٥٦٧.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ١١.

(٥) الكافي ٦ : ٥٤٣ / ٩ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ١.

(٦) المحاسن ٢ : ٤٨٠ / ٢٦٦٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ١.

(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٦ / ٥٥٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ٣.

١٩٤

وبسنده عن علي بن السندي عن ابن أبي عمير مثله (١).

وفي صحيح أبان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يخرج من الحرم في الحاجة قال إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام (٢).

وبسنده عن الحسن بن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه خرج إلى الربذة يشيّع أبا جعفر ، ثمّ دخل مكّة حلالاً (٣).

وحسنة حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ ، لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ الخبر.

إلى أن قال : قلت : فإن جهل وخرج إلى المدينة وإلى نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ ، أيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ فقال إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً.

قلت : أي الإحرامين والمتعتين متعته : الأُولى ، أو الأخيرة؟ قال الأخيرة ، وهي عمرته ، وهي المحتسب بها التي وصلت بحجّه (٤) الخبر.

وفي ( الفقيه ) : قال الصادق عليه‌السلام إذا أراد المتمتّع الخروج إلى مكّة إلى بعض المواضع ، فليس له ذلك ؛ لأنه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه ، إلّا أن يعلم أنه لا يفوته الحجّ ، فإذا علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً ، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً (٥).

وفي قويّة إسحاق بن عمّار : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتّع يجي‌ء فيقضي متعته ، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة ، أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال :

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥ / ١٦٧٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٦ / ٥٥٤ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٧٥ / ١٦٧٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٨ ، أبواب الإحرام ، ب ٥١ ، ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٣ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٢ ، ح ٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ١١٣٩ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٤ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٢ ، ح ١٠.

١٩٥

يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتّع فيه ؛ لأن لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحجّ.

قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق ، أحرم من ذات عرق بالحجّ ، ودخل وهو محرم بالحجّ (١).

فهذه الأخبار وغيرها تدلّ على أنه يجوز دخول مكّة بغير إحرام لمن أراد أن يدخلها قبل مضيّ شهر من إحلاله من إحرام قبله ، وأن الأفضل إلّا يدخلها إلّا محرماً. فإن كان الإحرام السابق الذي أحلّ منه بعمرة التمتّع لم يخرج إلّا بعد أن يحرم بالحجّ ، فإن لم يفعل بأن دخل بعد مضيّ شهر من إحلاله دخل محرماً بعمرة التمتّع ، وهي عمرته ولا يجب عليه للأُولى طواف النساء ؛ لأنهن قد حللن له ، فلا يحرمن إلّا بدليل ، ولا دليل. وقيل : يجب ، وهو ضعيف.

وإن دخل قبل مضيّ شهر دخل محلّاً. ولا يظهر لي دليل على جواز إحرامه بعمرة التمتّع ولا المفردة من نصّ ولا إجماع بل ولا فتوًى ولا بالحجّ ما لم يتضيّق وقته ؛ لعدم ظهور قائل به وإن دلّ ظاهر بعض الأخبار لإمكان حمله على التضيّق أو غيره. لكن يظهر من بعض عبارات ( تهذيب الأحكام ) (٢) و ( المنتهى ) (٣) جوازه ، وهو محمول على التضيّق.

وإن كان بعمرة مفردة ، فإن شاء دخل ناسكاً ، وإن شاء محلّاً إن لم يمضِ شهر من إحلاله ، وإن مضى شهر وجب عليه ألّا يدخلها إلّا محرماً.

وعلى وجوب الإحرام للدخول بعد مضيّ شهر من إحلاله تحمل الأخبار الدالّة بظاهرها على وجوب الفصل بين العمرتين بشهر ، مثل إنّ لكلّ شهر عمرة (٤) ، وشبهه.

وتحمل الأخبار الدالّة على عدم تقدير في الفصل بين العمرتين والدالّة على

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٢ / ٢ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٢ ، ح ٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١٦٤ / ذيل الحديث ٥٤٨.

(٣) منتهى المطلب ٢ : ٧١١.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٥ / ١٥١٠ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٩ ، أبواب العمرة ، ب ٦ ، ح ٥.

١٩٦

الفصل بعشرة أيّام (١) على الجواز ، فإنه لا يجب الإحرام ما لم يمضِ شهر من الإحلال وإن جاز بل استحبّ. وبهذا تجتمع الأخبار ويتحقّق العمل بجميعها.

وقيل (٢) : الشهر المعتبر في وجوب الإحرام للدخول هو زمن ما بين الإحرامين.

والذي يقتضيه النظر أنه بين الإحلال والإحرام ؛ لأن به يتحقّق زمن ما بين العمرتين ، وقد دلّت الأخبار على اعتبار فصل بقدر معلوم بين العمرتين وجوباً أو استحباباً أو رخصة ، وليس زمن ما بين الإهلالين أو الإحلالين زمن ما بين العمرتين ؛ لعدم تحقّق العمرة إلّا بكمال أفعالها وإحلال منها وإن كان الإحرام للدخول بعد مضيّ شهر من الإهلال الأوّل أحوط وأولى ؛ لتحقّق الإجماع واستفاضة الأخبار بوجوب الإحرام للدخول عدا ما استثناه الدليل. فيقين البراءة حينئذٍ يكون بالإحرام ؛ للإجماع حينئذٍ على يقين البراءة به.

والشهر المعتبر في وجوب الإحرام ثلاثون يوماً إن وقع الخروج في أثناء الشهر ؛ لأنه الأصل. وقد دلّت أخبار أشهر السياحة (٣) وغيرها (٤) على اعتبار المنكسر ثلاثين.

وهلالي إن وقع الخروج في أوّل جزء من أوّل ليلة من الشهر ؛ لأنه الشهر العرفي. وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه في نظيره وحقّقناه في رسالة مفردة.

ويظهر من بعض عبارات الأصحاب أن الشهر المعتبر من حين الخروج من مكّة وإن طال الزمان بينه وبين الإحلال من النُّسُك الأوّل ، وهو ضعيف جدّاً ، وإن دلّ ظاهر بعض الأخبار عليه فإنها مؤوّلة بما إذا لم يكن بين الإحلال والإهلال شهر ، أو كان كما يشير إليه إن لكلّ شهر عمرة ، وغيره.

فيكون معنى إن رجع في الشهر الذي خرج فيه أي إذا كان الشهر الذي خرج فيه

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦٣ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٩ ، أبواب العمرة ، ب ٦ ، ح ٩.

(٢) الحدائق الناضرة ١٦ : ٣١٨.

(٣) انظر تفسير العيّاشي ٢ : ٧٩ ـ ٨١ / ح ٢ ـ ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٠ : ٢٦١ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ٥.

١٩٧

هو الشهر الذي يلي الإحلال الأوّل ، فإنه المتبادر ؛ لأنه الذي يقع فيه الاشتباه على السائل غالباً. وإلّا فوقوع مثل هذا السؤال ممّن أحلّ منذ عشرة أشهر مثلاً أو أكثر بعيد لندور الاشتباه فيه وبعده ، خصوصاً إذا مضى له سنون وهو في مكّة بعد الإحلال ثمّ خرج ؛ لشمول الفرض له ، وعدم تقدير المدّة فيها بين الخروج والإحلال ، فلا ريب في ضعف القول بذلك.

واستثنى جماعةٌ المماليك أيضاً ، فجوّزوا لهم دخول مكّة بلا إحرام ، واستدلّ له في ( المنتهى ) (١) بأن السيّد لم يأذن لهم في التشاغل بالنُّسك عن خدمته ، وبأنه لم يجب عليهم حجّة الإسلام لهذا ، فعدم وجوب الإحرام للدخول أوْلى.

وفيه أنه إن سلّم صحّة الدليل كان لازمه تحريم الإحرام لا عدم وجوبه ، مع أن ظاهر الفتوى أن كلّ من جاز له الدخول بغير إحرام جاز له الدخول محرماً ، بل هو أفضل.

وأيضاً المملوك الذي يريد دخول مكّة إن كان مأذوناً له في دخوله أو مأموراً من سيّده ، فالنصّ (٢) والإجماع على وجوب الإحرام على كلّ من أراد دخول مكّة بقول مطلق ، عدا ما قام الدليل على رخصته في الدخول بغير إحرام يشمله. فحينئذٍ منعُ السيّد للمملوك المأمور بالدخول عن الإحرام بمنزلةِ المأمور بالصلاة مع النهي عن الطهارة ، فإن الإحرام شرط في جواز دخولها ، فيحرم على كلّ مكلّف دخولها بدونه ، عدا ما استثناه الدليل ، ولا دليل هنا من نصّ أو إجماع على رخصة المملوك في ترك الإحرام.

وإن كان غير مأذون له بل هو عاصٍ بدخوله حرّم عليه الدخول والإحرام وإثم عليهما. فلا ريب في ضعف هذا القول ؛ لعدم الدليل عليه ومعارضة عموم الأدلّة وإطلاقها على كلّ من أراد دخولها له ، فإن هذا أصل وقاعدة مسلّمة ، فلا يجوز الخروج عنها إلّا بدليل.

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ٦٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٢ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠.

١٩٨

واستثنى أيضاً جماعة (١) من أراد دخولها لقتال مباح ، فأجازوا له الدخول محلّاً. ولا ريب في سقوط هذا القول ، بعد ما سمعت من الأدلّة المصرّحة بأن مكّة حرام إلى يوم القيامة ، ولم تحلّ إلّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة ، وأنها لا تحلّ لأحد قبله ولا بعده ولا له إلّا تلك الساعة (٢).

على أن الفرض كالمستحيل ، حتّى إذا قام قائم آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين ، عجّل الله فرجه فهو العالم بالله وبأحكامه ، والأمر مفوّض إليه.

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ٦٨٨ ، مدارك الأحكام ٧ : ٣٨٤ ، وفيه : ( هذا القول مشهور بين الأصحاب ).

(٢) إعلام الورى بأعلام الهدى : ١٨٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٠٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ١٢.

١٩٩
٢٠٠