رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الرسالة الحادية عشرة

أحكام العُمرة

١٦١
١٦٢

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

وبعد :

فهذه نبذة يسيرة في أحكام العُمرة ، كتبتها امتثالاً لقوله تعالى : ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (١) ، بالتماس بعض الإخوان ، والله الموفّق المرشد الهادي إلى الصراط المستقيم ، وبه العصمة.

__________________

(١) المائدة : ٢.

١٦٣
١٦٤

أدلة وجوب العمرة

اعلم أن العُمرة واجبة كالحجّ ، على من استطاع إليها سبيلاً ، بأصل الشرع في العمر مرّة كالحجّ ، ففي ( الكافي ) في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع ؛ لأن الله عزوجل يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) ، وإنما نزلت العُمرة بالمدينة.

قال : قلت له ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٢) أيجزي ذلك عنه؟ قال نعم (٣).

وفي ( الصافي ) (٤) عن ( العيّاشي ) (٥) عنه عليه‌السلام مثله.

وفي الصحيح عن ابن أُذينة قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام مسائل ، فجاء الجواب بإملائه سألت عن قول الله عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٦) ، يعني به : الحجّ والعُمرة جميعاً ؛ لأنهما مفروضان (٧).

وفي خبر أبي العبّاس عن أبي عبد الله عليه‌السلام ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٨) قال هما مفروضان (٩).

وفي ( العلل ) في الصحيح عن ابن أبي عمير ، وحمّاد وصفوان وفضالة عن

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٩ ، أبواب وجوب الحجّ ، ب ١ ، ح ٥.

(٤) التفسير الصافي ١ : ٢٣١.

(٥) تفسير العيّاشي ١ : ١٠٧ / ٢٢٤.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٧ ، أبواب وجوب الحجّ ، ب ١ ، ح ٢.

(٨) البقرة : ١٩٦.

(٩) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٢ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٤٥٩ / ١٥٩٣ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٥ ، أبواب العمرة ، ب ١ ، ح ١.

١٦٥

معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ من استطاع ؛ لأن الله عزوجل يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) .. (١) الخبر.

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا تمتّع بالعُمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العُمرة (٢).

وصحيح يعقوب بن شعيب ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يكفي الرجل إذا تمتّع بالعُمرة إلى الحجّ مكان تلك العُمرة؟ قال كذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه (٣).

وخبر أبي بصير : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن العُمرة ، أواجبة هي؟ قال نعم.

قلت : فمن تمتع يجزي عنه؟ قال نعم (٤).

وخبر المفضّل بن صالح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العُمرة مفروضة مثل الحجّ ، فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العُمرة المفروضة (٥).

وهذا المضمون مستفيض بلا معارض ، وعليه إجماع العصابة فتوًى وعملاً.

أقسام العمرة

وهي تنقسم إلى متمتّع بها ومفردة. والمتمتّع بها فرض من نأى من أهل الآفاق ؛ بأصل الشرع دون المفردة ، والمفردة فرض حاضري مكّة دون المتمتّع بها ؛ وذلك لأن الكتاب (٦) والسنّة (٧) المستفيضة به بلا اختلاف وإجماع الفرقة في كلّ زمان

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١١١ / ١ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٧ ، أبواب العُمرة ، ب ١ ، ح ٨.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ١ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٥ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ١ ، وفيهما : « استمتع » بدل : « تمتَّع ».

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٣ / ١٠٥٤ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٦ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ٢ ، وسائل الشيعة ٤ : ٣٠٥ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ٣ ، وفيهما : ( عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ).

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٤ / ١٣٣٩ ، وسائل الشيعة ٤ : ٣٠٦ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ٦.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) انظر وسائل الشيعة ١١ : ٢٥٨ ـ ٢٦٢ ، أبواب أقسام الحج ، ب ٦.

١٦٦

ومكان كلّها دلّت على أن فرض أهل الآفاق حجّ التمتّع دون القرآن والإفراد. فيكون فرضه من العُمرة الواجبة بأصل الشرع العمرة المتمتّع بها ، فلا تجب عليه المفردة ؛ إذ لم يدلّ دليل على أن أحداً يجب عليه بأصل الشرع عمرتان : عُمرة تمتّع ، ومفردة. وكذلك القول في اختصاص حاضري مكّة بوجوب المفردة.

وأيضاً النصّ (١) والإجماع إنما دلّا على أن العُمرة على الإطلاق فريضة على من استطاع إليها سبيلاً ، كما أن الكتاب (٢) والسنّة (٣) والإجماع إنما دلّوا على أن ( لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) على الإطلاق.

ثمّ إن الكتاب والسنّة والإجماع دلّوا على أن الحجّ ينقسم إلى ثلاثة أنواع ، والعُمرة إلى نوعين ، وأنه ليس كلّ نوع من أنواع الحجّ والعُمرة واجباً على كلّ مستطيع ، بل على أن فرض من نأى عن مكّة التمتع دون قسيميه فلا يجزي أحدهما عنه اختياراً ، وفرض حاضري مكّة القرآن أو الإفراد.

ومن هذا يعلم أن النائي لم تفرض عليه المفردة بأصل الشرع ، ومن هو من حاضري المسجد لم تفرض عليه عُمرة التمتّع بأصل الشرع. ولم يدلّ دليل على أن المتمتّع بها واجبة على كلّ من استطاع ، ولا على أن المفردة واجبة على كلّ من استطاع ؛ لا كتاباً ولا سنّة ولا إجماعاً ، وكذلك أقسام الحجّ ، بل لم يُفتِ أحد بذلك أصلاً.

وأنت إذا تتبّعت كلام علماء الفرقة وجدتهم مطبقون على أنه إنما يجب الحجّ أو العُمرة على من استطاع بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر ، فلو وجب على أحد نوعان من أنواع العُمرة لكان الواجب عليه أكثر من مرّة واحدة في عمره بأصل الشرع.

__________________

(١) انظر ذلك تحت عنوان : أدلة وجوب العمرة المتقدّمة.

(٢) في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ). آل عمران : ٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٧ ، أبواب وجوب الحجّ ، ب ١ ، ح ٢.

١٦٧

فلو قلنا : إن المفردة تجب على النائي بأصل الشرع ، لكنّا ربّما أوجبنا عليه عمرتين بأصل الشرع ، كما لو استطاع للمفردة فأتى بها ثمّ استطاع للحجّ ، بل ربّما كان ذلك في عام واحد ، وهذا خلاف ما عليه الفرقة فتوًى وعملاً في سائر الأعصار. فحينئذ إمّا أن نوجب على من استطاع للمفردة من أهل الآفاق عمرتين بأصل الشرع ، أو نسقط عنه فرض التمتّع ، وكلاهما خلاف الإجماع والنصّ. فهو مخالف لنصّ الكتاب والسنّة والإجماع.

إيضاح حول عبارة الشرائع

ولذا ترى كلّ من تكلّم في أحكام العُمرة يقول : العُمرة واجبة بأصل الشرع في العمر مرّة بشرط الاستطاعة ، ثمّ يقسّمها إلى متمتّع بها ومفردة ، ويحكم بأن المتمتّع بها فرض من نأى ، والمفردة فرض حاضري المسجد.

ولهذا لمّا كان في عبارة ( الشرائع ) ما يوهم شبه التدافع ، تعرّض الشهيد في الشرح لكشفه قال المحقّق بعد أن قال : ( وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحجّ ومع الشرائط تجب في العمر مرّة ، وقد تجب بالنذر ).

وذكر ما في أسباب وجوبها وعدد أفعالها الواجبة ، ثمّ قال ـ : ( وتنقسم إلى متمتّع بها ومفردة ؛ فالأُولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا تصحّ إلّا في أشهر الحجّ وتسقط المفردة معها ) (١).

قال الشارح قدس‌سره : ( يفهم من لفظ السقوط أن المفردة واجبة بأصل الشرع على كلّ مكلّف ، كما أن الحج مطلقاً يجب عليه ، وأنها إنما تسقط عن المتمتّع إذا اعتمر عمرته تخفيفاً ، ومن قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) ، عدم وجوبها على النائي من رأس ، وبين المفهومين تدافع ظاهر ، وكأن الموجب لذلك كون عُمرة التمتّع أخفّ من المفردة ، وكانت المفردة بسبب ذلك أكمل ، وهي المشروعة بالأصالة

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

١٦٨

المفروضة قبل نزول آية التمتّع ، فكانت عُمرة التمتّع قائمة مقام الأصليّة مجزئة عنها ، وهي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة.

ويكون قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) إشارة إلى ما استقرّ عليه الحال ، وصار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع. ففي الأوّل إشارة إلى ابتدائه ، والثاني إلى استقراره ) (١) ، انتهى.

أقول : وقد تقدّم في أحكام حجّ التمتّع من ( الشرائع ) مثل هذه العبارة ، وأجاب عنها الشارح بجواب يحسن ذكره هنا أيضاً ، وكأنه اعتمد على ذكره هناك.

حيث قال المحقّق هناك : ( وإذا صحّ التمتّع سقطت العُمرة المفردة ) (٢).

قال الشارح : ( هذا السقوط لا يتأتّى عندنا حقيقة إلّا في ذي الموطنين بمكّة وناءٍ أو الناذر للحجّ مطلقاً ، أمّا من فرضه التمتّع ابتداءً فإن سقوط المفردة في حقّه مجاز ؛ إذ لم تجب حتّى تسقط. نعم ، يتوجّه ذلك على مذهب العامّة ، لتخييرهم بين الأنواع الثلاثة مطلقاً ) (٣) ، انتهى.

أقول : حاصله أنه لا يتأتّى السقوط حقيقة إلّا في حقّ من وجب عليه نوع من الحجّ لا على التعيين ، بل على التخيير ، ومن هو كذلك لم يثبت في ذمّته نوع بعينه من حجّ أو عُمرة ، وإنما وجب عليه أمر كلّيّ هو الحجّ الكلّيّ والعُمرة الكلّيّة من حيث هما كلّيّان. وبالإحرام بأحد أفراد الكلّيّ يتعيّن ويتبيّن ما هو في ذمّته من الأمر الكلّيّ الذي لا تحقّق له في الخارج إلّا في ضمن جزئي من جزئيّاته.

فالثابت في ذمّته جزئيّ خاصّ يتعيّن ويتبيّن بالإحرام به ، فمن تمّ تمتّعه لا يقال : إنه ثبت في ذمّته المفردة إلّا مجازاً ؛ لأنه لم يثبت في ذمّته الكلّيّ بجميع أفراده ، وإلّا لتعيّن عليه الجميع ولم يُجزِه فرد منها ، ولا الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ؛ لعدم إمكان وجوده كذلك خارجاً ، وإنما الثابت في ذمّته فرد خاصّ ، لكنّه غير متعيّن خارجاً إلّا

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢١٣.

(٣) مسالك الأفهام ٢ : ٢٠١.

١٦٩

بالإحرام بنيّة إيقاعه. فإذن سقوط المفردة عنه مجاز لا حقيقة ؛ لعدم ثبوتها بعينها في ذمّته.

وأيضاً يأتي في كلام الشارح أن العُمرة المفردة غير مرتبطة بالحجّ ، فأوجب الحجّ دونها على من وجب عليه دونها ، فلو استطاع للحجّ دونها لم تجب وبالعكس. فناذر الحجّ مطلقاً لا تجب عليه عُمرة مفردة حتّى تسقط على ما اختاره.

ويؤيّده أن الشيخ عليّاً صرّح في حاشية الكتاب في شرح هذه العبارة بأن السقوط مجاز. وممّا يؤنس بهذا إن لم يدلّ عليه حسنة الحلبيّ ، أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال إذا تمتّع الرجل بالعُمرة ، فقد قضى ما عليه من فريضة العُمرة (١).

فدلّ ظاهرها أن المتمتّع إنما فرضه المتعة.

وظاهر صحيحة ابن عمّار قال أبو عبد الله عليه‌السلام الحجّ ثلاثة أصناف : حجّ مفرد ، وقران ، وتمتّع بالعُمرة إلى الحجّ ، وبها أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلّا بها (٢).

فإن ظاهره أن المراد بالناس أهل الآفاق ؛ ليتمّ التقسيم والحصر معاً. فإذن الآفاقيُّ غير مأمور إلّا بعُمرة التمتُّع.

وصحيحة ابن عمّار قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما نعلم حجّا لله غير المتعة (٣).

خرج منه ما خرج بدليل ، وبقي فرض النائي منحصراً في المتعة. فلو كان يجب عليه المفردة لعلموا أن لله عليه حجّا غير المتعة ، فإن المفردة حجّ لله.

وقريب من ذلك مثل خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من حجّ فليتمتَّع ، إنا لا نعدل بكتاب الله عزوجل وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

والظاهر أنه أراد الحجّ الواجب بأصل الشرع على النائي بدليل خروج ما عداه

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ١ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٥ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ١ ، وفيهما : « استمتع » بدل : « تمتع ».

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٢٤ / ٧٢ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢١١ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ١ ، ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٩١ / ٤ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٤٣ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٣ ، ح ١٣.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩١ / ٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٤٣ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٣ ، ح ١٤.

١٧٠

بالنصّ والإجماع. فإذن لم يؤمر النائي إلّا بحجّ التمتّع ، فلا يكون مأموراً بالمفردة ، والأمر سهل.

والغرض بيان أنه لا قائل بوجوب المفردة على النائي بأصل الشرع ، ولا نصّ يدلّ عليه ، والتتبّع حكم عدل.

فعلى هذا لو وصل أطراف مكّة من وجب عليه حجّ التمتّع بأصل الشرع ، لا يجب عليه أن يأتي بعُمرة مفردة لا قبل حجّه ولا بعده. فلو أراد دخول مكّة قبل أن يحرم بعُمرة التمتّع لغرض دينيّ أو دنيوي دخلها بعُمرة مفردة ، ينوي بإحرامه الندب. ونقل ما يدلّ على هذا من الأخبار وعبارات الأصحاب لا يليق بهذه الرسالة ، وعمل الفرقة على ما قلناه في سائر الأعصار من جميع أهل الأمصار بلا نكير ولا شبهة.

وأمّا ما في بعض الأخبار من مثل قول السائل : فمن تمتّع تجزي عنه؟ قال نعم (١) ، فلا ينافي ما قدّمناه من اختصاص الآفاقيّ بوجوب المتمتّع بها والمكّيّ بالمفردة ؛ فإن السائل علم أن العُمرة فرض كالحجّ ، وعلم أن المتمتّع بها داخلة في الحجّ كالجزء منه ، فسأل عمّن هي كذلك ، هل هي من العُمرة المفروضة فيجزي أداؤها ، أو يختصّ الفرض بعُمرة مبتولة؟

وبالجملة ، لم نجد خبراً ولا فتوًى بوجوب المتمتّع بها على من هو من حاضري المسجد الحرام ، ولا المبتولة على آفاقيّ. والمعروف من النص (٢) والفتوى (٣) أنه يشترط في فرض المتمتّع بها الاستطاعة إلى الحجّ معها وهو إجماع.

شرائط وجوب العمرة

واختلفوا في المفردة ، ففي كلام جمع أن المشهور عدم توقّف وجوبها على الاستطاعة للحجّ (٤) ، وبالعكس ، فلو حصلت الاستطاعة لها وحدها وجبت وحدها ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٥ ، أبواب العُمرة ، ب ٥ ، ح ١٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٥ ، أبواب العمرة ، ب ١.

(٣) مدارك الأحكام ٨ : ٤٥٩.

(٤) رياض المسائل ٤ : ٣٩٧.

١٧١

وبالعكس.

وقيل : يتوقّف وجوب كلّ منهما على الاستطاعة للآخر (١).

وقيل : لا يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة لها ، ويشترط في وجوبها الاستطاعة له معها (٢).

وظاهر تصريحات المعظم في صفة واجبات الإفراد والقران بأن عليه عُمرة مفردة يأتي بها بعد الحجّ ، أو : ثمّ يعتمر عُمرة مفردة ، أو : يعتمر بعده عُمرة مفردة. وما أشبه هذه العبارات يدلّ على وجوب المفردة بوجوب أحد القسمين ، ومقتضاه مراعاة الاستطاعة له بالاستطاعة لها.

والظاهر أنهم إنما يريدون بذلك حجّ الإسلام خاصّة ؛ لأن كثيراً منهم مع ذلك يصرّح بعدم وجوبها مع المندوب أو المنذور وشبهه إذا لم تلاحظ فيه كما هو مقتضى الفتوى والنصوص.

قال السيّد في مداركه بعد قول المحقّق في وصف واجب الإفراد : ( وعليه ـ يعني : المفرد عُمرة مفردة بعد الحجّ والإحلال منه ) (٣) ـ : ( ربّما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العُمرة المفردة لكلّ حاجّ مفرد ، وليس كذلك ، بل إنما تلزم في حجّ الإسلام دون الحجّ المندوب والمنذور إذا لم يتعلّق النذر بالعُمرة ؛ كما تدلّ عليه الأخبار الواردة بكيفيّة حجّ الإفراد ) (٤) ، انتهى.

لما مرّ ، ولظواهر عدّة أخبار منها في ( الفقيه ) عن جميل عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية إنها تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ، ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عُمرة (٥).

وما أشبهه ممّا دلّ على أن من دخل المشعر فضاق الوقت عن إتمامها وإدراك

__________________

(١) وهو المنقول في مستند الشيعة ١١ : ١٦٠.

(٢) الدروس ١ : ٣٣٨.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٢١٣.

(٤) مدارك الأحكام ٧ : ١٨٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٠ / ١١٤٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٧ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢١ ، ح ٢.

١٧٢

الموقفين أنه يعدل إلى نيّة حجّ الإفراد ، وعليه بعد إكماله عُمرة مفردة. وعلى مضمونها الفتوى والعمل بلا خلاف يظهر. فهذا إن لم يدلّ على وجوب العُمرة المفردة في حجّ الإسلام فهو يؤيّده ويشهد له.

وممّا يُستأنس له به مثل صحيحة ابن أُذينة في مكاتبته لأبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) أنه عليه‌السلام قال يعني به الحجَّ والعُمرة جميعاً (٢).

وما في معناهما ممّا ورد في تفسير الآية ، بل لعلّ في قوله جميعاً دليلاً بطريق الإشارة إلى أن حجّ الفريضة وهو حجّ الإسلام لا بدّ معه من العُمرة فتأمّله فيكون ظاهر الآية يدلّ عليه بمعونة الرواية.

وظاهر قوله عزّ اسمه ـ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) وما ورد في تفسيرها في عدّة أخبار منها الصحيحة المذكورة (٤) أن المراد بإتمامها أداؤهما واتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما ، فإن جمعهما في الأمر بإتمامهما يعني : أداءهما بمقتضى الروايات مع وحدة الأمر لعلّه يشعر بذلك.

وأمّا الحجّ المندوب فلا تجب معه العُمرة ما لم يكن تمتّعاً ؛ لعدم تحقّقه بدونها ، وأخبار وصف التمتّع والإفراد دليل على ما قلنا ، حيث حكمت في التمتّع بطوافين بين الصفا والمروة ، وفي القرآن والإفراد بطواف واحد.

وخصوص خبر عبد الملك بن عمرو : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال تمتّع.

قال : فقضى أنه أفرد الحجّ في ذلك العام أو بعده ، فقلت : أصلحك الله سألتك فأمرتني بالتمتّع ، وأراك قد أفردت الحجّ ، فقال أما والله ، إنّ الفضل لفي الذي أمرتك به ، ولكنّي ضعيف فشقّ علي طوافان بين الصفا والمروة ، فلذلك أفردت

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٧ ، أبواب وجوب الحجّ ، ب ١ ، ح ٢.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) أي صحيحة ابن أُذينة.

١٧٣

الحجّ (١) ، فإنه صريح في أنه لم يعتمر.

وكذلك أخبار حجّ الوداع فإنها ظاهرة في أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعتمر.

والمشهور أنه لو استطاع من هو من حاضري المسجد الحرام للمفردة وحدها وجبت ، وهو الحقّ.

وفهمه من الأخبار السابقة وغيرها غير خفيّ ، ولعدم ارتباطها بالحجّ.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ / ١٢

١٧٤

موجبات العمرة

وقد تجب العمرة بأسباب :

منها : النذر ، والعهد ، واليمين ، بالنصّ والإجماع.

ومنها : فوات الحجّ بعد الإحرام بالحجّ ، أو فواته مع عمرة التمتّع بعد الإحرام بها وفواتها مع الحجّ ، فإنه حينئذٍ يجب العدول بنيّة إحرامه إلى نيّة العُمرة المفردة ، والإتيان بأفعالها ليتحلّل من إحرامه. وهذا ثابت بالنصّ (١) والإجماع ، لكنّه مختصّ بالمفردة.

ومن وقع على زوجته دائمة كانت أو منقطعة ، حرّة أو مملوكة فجامعها قُبُلاً بالنصّ (٢) والإجماع ، ودبراً على الأشهر الأظهر ؛ لدخوله في إطلاق من وقع على امرأته ، ويتحقّق ذلك بإيلاج الحشفة قبل المشعر ، ولو بعد عرفة وجب عليه إتمام الحجّ ، والحجّ من قابل عقوبة سواء كان الحجّ فرضاً أو نفلاً ولو كان عن غيره.

فإذا كان ما أوقع فيه الخطيئة تمتّعاً وجب القضاء تمتّعاً ؛ لأنه يجب من نوع ما أوقع فيه الخطيئة فتجب معه العُمرة المتمتّع بها ؛ لأنه لا يكون حجّ تمتّع إلّا بعمرة تمتّع قبله.

أمّا لو كان ذلك الحجّ قراناً أو إفراداً ؛ فإن كان ندباً أو ملتزماً وحده قضي وحده ، وإن كان ملتزماً بإجارة أو نذر أو شبهه مع العُمرة المفردة فالأظهر الأشهر أنه كذلك ؛

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨ ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب ٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١١٠ ـ ١١٥ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣.

١٧٥

لأن الفرض هو الأوّل على الأشهر الأظهر ، لدلالة النصّ (١) عليه. وعلى القول بأنه الثاني كما عن ابن إدريس (٢) فأظهر الوجهين أنه كذلك ؛ لعدم ارتباطهما ، إلّا أن يكون قد التزم فيه تأخير العُمرة عن الحجّ ، فتجب في الثانية دون الاولى وعليه بدنة.

ولو كان منه ذلك قبل كمال السعي في العُمرة المفردة وجبت البدنة وعمرة مفردة مثلها مستأنفة بالنصّ والإجماع. ففي الصحيح عن يزيد بن معاوية : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال عليه‌السلام

عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر ، فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة (٣).

وموثّقة مِسْمَعٍ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ، فيطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال عليه‌السلام

قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة مُحِلّاً حتّى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه لأهل بلاده ويحرم منه ويعتمر (٤).

والمسألة إجماعيّة. والمعروف من المذهب أنه يجب حينئذٍ إكمالها والقضاء.

أحكام العمرة الفاسدة

وربّما توهّم بعض متأخّري المتأخّرين أنه لا يجب إكمال الفاسدة ، بل متى وقعت منه تلك الخطيئة أحلّ. والمستند ما تضمّنه الخبران من الحكم بفسادها ، وما في الثانية من قوله عليه‌السلام : إنه يقيم بمكَّة محلّاً حتّى يخرج الشهر.

وهذا مدفوع بوجوه :

الأوّل : أن المعروف من النصّ والفتوى أن من أحرم بحجّ أو عُمرة فلا يحلّ له ما

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١١٢ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٣ ، ح ٩.

(٢) السرائر ١ : ٥٥٠ ، عنه في مدارك الأحكام ٨ : ٤٠٩.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢٤ / ١١١٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٨ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١٢ ، ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٨ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١٢ ، ح ١.

١٧٦

حرّمه الإحرام إلّا بإيقاع أفعال معلومة محصورة ، بلا فرق ولا فارق بين أنواع الحجّ ولا أنواع العُمرة ، ولا بين الحجّ والعمرة.

وإيقاع الخطيئة ليس يعدّ في فتوًى ولا خبر من المحلّلات ، بل صريح ما تطابق عليه النصّ والفتوى فيمن وقع منه مثل ذلك في إحرام الحجّ أنه يجب عليه إكماله ولا يحلّ بذلك من إحرامه أنه ليس من المحلّلات في إحرام حجّ ولا عُمرة ؛ لعدم الفرق بين إحرامي الحجّ والعمرة تحريماً وتحليلاً ، لاستصحاب كونه محرماً ، وتحريم ما يحرم على المحرم حتّى يثبت إحلاله بيقين. ولا يتحقّق إحلاله إلّا بالإتيان بأفعال العُمرة ، أو ما يحلّ به المصدود أو المحصر إن كان كذلك ، ولا يقين في إحلاله وارتفاع حكم المحرم عنه بمجرّد إيقاعه الخطيئة ؛ لعدم الدليل المعارض لذلك الاستصحاب.

الثاني : أن لفظ الخبرين ظاهره وجوب الإتمام ، وإلّا لما كان لقوله عليه‌السلام يقيم إلى الشهر الآخر (١)

فائدة ولا معنًى ؛ إذ لو أخلّ بمجرّد الخطيئة مع وجوب الإعادة لكان يأمره بالإتيان بها فوراً لا بعد شهر ، فلمّا حكم بالفصل بينهما بشهر علم أن ذلك فرع كمال العُمرة الفاسدة وتحقّقها ؛ لأن الشهر إنما يُفصل به بين العمرتين التامّتين اللتين يلزم المكلّف الإتيان بهما ، ومع فرض التحلّل من الإحرام بذلك لا معنى لاعتبار فصل الشهر خصوصاً لو وقع الوقاع قبل الطواف ؛ إذ لا عمرتين حينئذٍ حتّى يراعى الفصل بالشهر.

أمّا إطلاق الإفساد فيهما فمجاز ، ومعناه ما يعني الفقهاء بإفساد الحجّ بذلك ، وهو وجوب القضاء مع الإكمال. وقد صرّح جملة من الأخبار (٢) بإطلاق الإفساد بالحجّ ، ولعلّه مأخذ الفقهاء في إطلاق الإفساديّة على الحجّ ؛ لعدم الفرق بين إحرام الحجّ والعمرة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢٤ / ١١١٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٨ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١٢ ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٦ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١١.

١٧٧

وأما قوله عليه‌السلام : [ يقيم بمكّة (١) ] مُحلّا (٢) ، فمعناه أنه يجب عليه البقاء بمكّة بعد إحلاله من الاولى إلى الشهر الآخر ، فليس فيه دلالة على بطلان الإحرام من رأس بوجه ، والاحتمال ظاهر بل متعيّن لما ذكر من الدليل.

الثالث : ظاهر قوله عزّ اسمه ـ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) لا يعارض بالاحتمال من رواية ، خصوصاً هذه الموثّقة ، مع ما عرفت من فساد الاحتمال ، وسقوط ذلك الاستدلال.

الرابع : أن ظاهر ( الغنية ) أنه إجماع قال : ( وفي الوطء في الفرج في إحرام الحجّ قبل الوقوف بعرفة فساده بلا خلاف ، ويلزم المضي فيه بلا خلاف إلّا من داود (٤). وقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يبطل قوله ؛ لأنه لم يفرّق في الأمر بالإتمام بين ما فسد وبين ما لم يفسد ، وتجب عليه مع ذلك بدنة ؛ بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ) (٥) ، انتهى.

وظاهر استدلاله بالآية أنه لا فرق في وجوب الإتمام مع الإفساد بين الحجّ والعمرة للأمر بإتمامهما فيها. فالظاهر أن ما ادّعاه من الإجماع يشملهما بأنواعهما. وهل هذا الحكم من وجوب الإكمال والإعادة من أجل فعل الوقاع قبل إكمال الطواف والسعي مختصّ بالعمرة المفردة كما عن جماعة ، وهو ظاهر ابن حمزة (٦) وابن البرّاج (٧) و ( تهذيب الأحكام ) (٨) و ( المبسوط ) (٩) و ( النهاية ) (١٠) ، حيث إنهم ذكروا الحكم بالإفساد ووجوب الإكمال والقضاء فيمن وقع منه ذلك قبل كمال الطواف

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( يبقى ).

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢٤ / ١١١٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٨ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١٢ ، ح ١.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) عنه في المجموع شرح المهذّب ٧ : ٤١٧ ، الخلاف ٢ : ٣٦٥ / المسألة : ٢٠٢.

(٥) الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٨ : ٣٩٧.

(٦) الوسيلة : ١٥٩.

(٧) المهذّب ١ : ٢٢٢.

(٨) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢٣ / ذيل الحديث ١١١٠.

(٩) المبسوط ١ : ٣٣٧.

(١٠) النهاية : ٢٣١.

١٧٨

والسعي في إحرام المفردة ، ولم يتعرّضوا للمتمتّع بها. أو يعمّها مع عمرة التمتّع ، كما اختاره جماعة بل نسب للأكثر ، والظاهر أنه مشهور المتأخّرين (١)؟

واحتجّ القاصرون له على العمرة المفردة بعدم الدليل على عمومه للمتمتّع بها ؛ لأن الأخبار إنما وردت في المفردة يعنون الأخبار السابقة بل قال بعض الأعاظم من المعاصرين : ( إن إلحاق المتمتّع بها في ذلك بالمفردة قياس ) ؛ لعدم الدليل عليه ، واختصاص الأخبار بالمفردة.

والعجب أن العلّامة في ( المختلف ) (٢) اختار شموله للمتمتّع بها ، واستدلّ بالخبرين الأوّلين ، ولا دلالة فيهما على غير المفردة ؛ لأنها فيهما مورد السؤال والجواب ، فإن كان دليل من طرّد الحكم وعدّاه إلى المتمتّع بها تلك الأخبار المتقدّمة ، فمنع دلالتها على ذلك واضح ، فطرد الحكم فيها قول بلا دليل.

فعلى هذا يتعيّن قصر الحكم على المفردة ، لكنّي لم أقف للقائلين بقصره على المفردة على كلام في حكم المتمتّع بها ، لو وقع فيها ذلك فينبغي ألّا يكون له أثر فيها بالكلّيّة ؛ لاعترافهم بعدم الدليل. فإثبات كفّارة أو غيرها قياس باطل.

واختلف القائلون بعموم الحكم المذكور للمتمتّع بها في أنه هل يسري الإفساد إلى حجّها ، أم لا ، بل يقصر الإفساد والإكمال والإعادة عليها؟

فالأكثر على الأوّل استناداً إلى ارتباطهما وكونهما كالجزء من حجّها ، ولا يخفى ضعف الحجّة مع أنها مخرجة ، ولم أقف للقائلين بعدم السراية إلى الحجّ ، على أنه هل يكملها بصورة المتمتّع بها مع وجوب قضائها ، أم بصورة المفردة لوجوب قضائها؟ ومع القضاء قبل الحجّ ينبغي أن تتعيّن الثانية ؛ لكونها متعته ؛ لعدم جواز الفصل بين عمرة التمتّع وحجّها بنسك ، فلا يمكن إجراء الخلاف الواقع في إفساد الحجّ بين المشهور وابن إدريس (٣) هنا ، ولا على الحكم فيما لو ضاق الوقت عن

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ٤٨١.

(٢) مختلف الشيعة ٤ : ١٧٣ / المسألة : ١٣١.

(٣) السرائر ١ : ٥٥٠.

١٧٩

القضاء قبل الحجّ ، بحيث لو أتى به فات الحجّ. فهل يتعيّن الإفراد وينقلب الفرض إليه لضيق الوقت ، أم يبقى محلّاً إلى قابل فيأتي بهما ، لأنه في معنى من تعمّد ترك الحجّ ؛ ولأنه لا يسوغ المتمتّع بها بعد أيّام الحجّ ، ولا أن تنفرد عن الحجّ ؛ للارتباط الثابت بالنصّ (١) والإجماع؟

وعلى الأوّل فهل يبقى وجوب قضائها مع انقلاب الفرض إلى الإفراد والإتيان به مع المفردة؟ وعلى هذا الفرض متى تقضى؟ وتقضى وحدها مع عدم صحّة انفرادها عن الحجّ أم يقضى معها ، فلا يبقى حينئذٍ فرق بين هذا وبين من قال بسراية الإفساد إلى الحجّ؟

وبالجملة ، فالبحث في غاية الصعوبة والإشكال ، لكنه غير بعيد برجحان القول بعموم الحكم من الإفساد وسرايته إلى الحجّ ووجوب إكمالها وقضائهما في العام القابل كما هو المشهور ، لا للأخبار الواردة في المفردة ولا لصحيحة ابن عمّار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتّع وقع على أهله ولم يزر قال ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً (٢) الخبر.

لعدم وضوح الدلالة ، بل ظاهرها أنه في إحرام الحجّ ، كما فهمه الشيخ منها حيث قال في ( تهذيب الأحكام ) : ( وإذا جامع الإنسان قبل طواف الزيارة فعليه أن ينحر جزوراً ثمّ يطوف ، فإن لم يتمكّن فبقرة أو شاة ) (٣). ثمّ استدلّ بهذه الرواية.

ولا لصحيحة ابن عمّار كما في ( تهذيب الأحكام ) : سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه‌السلام عن رجل متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر قال ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه (٤) الخبر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٣٠١ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢١ / ١١٠٤ ، وسائل الشيعة ١٣ : ١٢١ ١٢٢ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ٩ ، ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢١.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٣٢١ / ١١٠٤ ، وسائل الشيعة ١٣ ـ ١٣١ ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب ١٣ ، ح ٤.

١٨٠