رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وخبر عبيد بن زرارة : أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ اسمه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) قال عليه‌السلام إنّ الله افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا إنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا إنّ هذه قبل هذه (٢). إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنك في وقتٍ من صلاة العصر ما لم تغب الشمس.

ومنه أن ظاهر العصابة قديماً وحادثاً وفي سائر الأعصار أنه إذا زالت الشمس اختصّت الظهر بقدر أدائها بأقلّ المجزي ، ثمّ تشترك مع العصر حتّى يبقى عن الغروب بقدر العصر بأقلّ المجزي ، فيخرج وقت الظهر ويختصّ الوقت بالعصر ، إلّا ما يُنقل عن الصدوق : من القول باشتراك الوقتين من أوّل الزوال إلى الغروب (٣).

وقد نظر في هذا النقل بإطلاقه بعض أعاظم المعاصرين فقال : ( إن الصدوق : لا يقول بالاشتراك إلّا في أوّل الوقت دون آخره ، فإنه يقول بموافقة المشهور في اختصاص العصر من آخر النهار بقدر أدائها ، وإن عبارته في ( الفقيه ) (٤) و ( المقنع ) (٥) تدلّ على ذلك. فعلى هذا لا يظهر خلاف في اختصاص العصر من آخر النهار بقدر أدائها ، فالوقت حينئذٍ وقت للعصر حتّى تغيب الشمس ) (٦).

ويدلّ على ذلك ما رواه داود بن فرقد : عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام : قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس (٧).

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٥ / ٧٢ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٥٧ ، أبواب المواقيت ، ب ١٠ ، ح ٤.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٣٣ / المسألة : ٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٤٨.

(٥) المقنع : ٩١.

(٦) هو الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ). هامش « ز ».

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٥ / ٧ ، الإستبصار ١ : ٢٦١ / ٩٣٦ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٢٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٤ ، ح ٧.

١٤١

وما رواه أيضاً عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل (١).

فقد دلّ هذا كلّه على أن المكلّف مكلّف بالصلاة ما بقي من وقتها قدر ركعة ؛ لأنه في وقتها ، فوقتها باقٍ ، وما زال وقتها باقياً فالمكلّف مكلّف بأدائها. وهذا كلّه يدلّ على أن الشارع هنا جعل مقدار ما يدرك المصلّي من آخر الوقت وما بعده من الزمان وقتاً لهذه الصلاة ، فيجب أن تؤدّى فيه ؛ لأنه كُلّف بها حينئذٍ ، ولا يكلّف بها إلّا في وقت يسع أداءها ؛ لامتناع التكليف بالمحال ، فكلّ صلاة فُعلت في الوقت الذي وقّته الشارع لها فهي أداء.

صلاة من أدرك من الوقت ركعة هل هي أداءٌ أم قضاءٌ؟

فقد ظهر لك من هذا كلّه أن مَنْ أدرك من الوقت قدر ركعة وجبت عليه تلك الفريضة أداءً ، وأنه إذا لم يبقَ عن الغروب إلّا قدر أداء العصر فقد خرج وقت الظهر واختصّت العصر بالوقت إلى ألّا يبقى عن الغروب قدر ركعة فيخرج وقتها ، وأنه إذا لم يبقَ عن الانتصاف إلّا قدر أداء العشاء فقد خرج وقت المغرب واختصّت العشاء بباقي الوقت إلى ألّا يبقى عن الانتصاف قدر ركعة فيخرج وقت العشاء أيضاً ، وأنه ما إن بقي من وقت الصلاة قدر ركعة فهي واجبة أداءً كلّها ، وأنه إذا لم يبقَ من الوقت قدر ركعة تامّة فقد خرج وقت أداء الصلاة إجماعاً.

وعن السيّد المرتضى : أنه إذا بقي من آخر الوقت ركعة فالصلاة حينئذٍ قضاء كلّها ، محتجّاً بأن أجزاء العبادة مقابلة لأجزاء الوقت ، فالركعة الأُولى قد فُعلت في

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨ / ٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ / ٩٤٥ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٨٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١٧ ، ح ٤.

١٤٢

آخر الوقت ، وليس ذلك وقتاً لها فتكون قضاءً ، وكذا باقي الركعات (١).

وأجاب عنه في ( المختلف ) بالمنع من كونه قد فعل خارج الوقت قال : ( لأنا قد بيّنا أن إدراك الركعة مقتضٍ لإدراك الصلاة أجمع ) (٢).

وقال الشيخ علي : في حاشية ( القواعد ) بعد نقل هذا القول عن المرتضى : ـ : ( وهو مدفوع بالنصّ ) (٣).

وأنت خبير بأن جميع ما ذكرناه يدفع هذا القول ، وليس القضاء إلّا ما وقع كلّه خارج الوقت ، على أن النصّ (٤) والإجماع قائم على أن مَنِ استوعب عذره الوقت سقط عنه ذلك الفرض أداءً وقضاءً ، وكيف يجب قضاء ما لم يجب؟! وإنما القضاء استدراك فائت ، وما لا يجب لم يفُت حتّى يُستدرك.

وأيضاً يلزم القول بإيجاب الفرض على مَنْ أدرك قدر ركعة من وقته أنها حينئذٍ أداء لا قضاء ، والمعروف من النصّ والفتوى إيجاب الفرض على من أدرك ركعة من وقته. إلّا ما ربّما توهمه عبارة ( المبسوط ) المنقولة في ( المختلف ) حيث قال : ( إنه قال في فصل الحيض : ( يستحبّ لها قضاء الصلاتين إذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار خمس ركعات ، فإن لم تلحق إلّا مقدار أربع ركعات لزمها العصر لا غير ) (٥) ) (٦).

وهي عبارة متشابهة ، فإن فحوى قوله : ( لزمها العصر لا غير ) لزوم الفرضين لو أدركت مقدار خمس ، وظاهر قوله : ( يستحبّ لها ) عدم وجوب فرض واستحباب قضائه ، بل عدم وجوبهما مع استحباب قضائهما ، ولم يفرّق بين ذلك الوقت لو فعلت

__________________

(١) عنه في مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ ـ ٧٣ / المسألة : ٢٠.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٠.

(٤) انظر : الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤١ ، الإستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٨ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٥٩ ، أبواب قضاء الصلوات ، ب ٣ ، ح ٢.

(٥) المبسوط ١ : ٤٥ ، باختلافٍ يسير.

(٦) مختلف الشيعة ٢ : ٧١ / المسألة : ١٩ ، باختلافٍ يسير.

١٤٣

فيه أو خارجه ، وهذا ما لا يقول به أحد حتّى هو. فإن المنقول عنه (١) أنه قال في ( الخلاف ) (٢) وفي بحث الأوقات من ( المبسوط ) (٣) : ( لو أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل الغروب لزمه الصلاتان بلا خلاف ، وإن لحق أقلّ من ذلك لم تلزمه الظهر عندنا ).

ولو سلّمنا مخالفته في حيض ( المبسوط ) لم يضرّ بالإجماع المؤيّد بالنصّ. فإذاً لا يعقل قضاء صلاة لم تُفرض.

فلو قلنا : فات الوقت كلّه ووجبت هذه الصلاة ، لزم أنها أداء ؛ لأنها فرض برأسه لا قضاء فائتة ، فيلزم أن يزاد في اليوميّة فرض غير الخمسة المعهودة والجمعة ، وهو باطل.

وأيضاً نحن نمنع دعوى أن أجزاء الوقت منطبقة على أجزاء العبادة ، فإنه دعوى لا دليل عليه ، بل نقول : كلّ جزء من الوقت وقت لكلّ جزء من العبادة ، بل يمكن أن يقال : لو كان كذلك لزم أن تكون كلّها قضاءً متى فات من أوّل الوقت قدر ركعة ، وهو ظاهر البطلان.

وقيل : إن تلك الركعة التي وقعت في الوقت أداء والباقي قضاء ، محتجّاً بأن الباقي وقع خارج الوقت ، ولا نعني بالقضاء سوى ذلك (٤).

وأجاب عنه في ( المختلف ) بما أجاب به عن حجّة المرتضى : من أنه بيّن أن إدراك الركعة مقتضٍ لإدراك الصلاة أجمع ، فدعوى خروج شي‌ء منها عن الوقت ممنوع (٥). وكلّ ما يرد على دليل المرتضى : وارد على دليل هذا القول.

وقال الشيخ علي بعد أن نقل القول بالتوزيع ـ : ( [ وهو (٦) ] أضعفها ).

قال : ( إذ لم يثبت التعبّد بمثله ).

__________________

(١) عنه في مختلف الشيعة ٢ : ٧١ / المسألة : ١٩.

(٢) الخلاف ١ : ٢٧٣ / المسألة : ١٤.

(٣) المبسوط ١ : ٧٣.

(٤) عنه في مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٥) مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٦) من المصدر ، وفي النسختين : ( أنه ).

١٤٤

ثمّ قال : ( وتظهر فائدة الخلاف في النيّة في الترتيب على الفائتة السابقة ، [ فعلى (١) ] القضاء يترتّب دون الأداء ، ويشكل في التوزيع وهو أحد دلائل ضعفه ) (٢).

قلت : ويضعفه أيضاً أن القضاء فرض برأسه يتوقّف على دليل وأمر برأسه ، وما زاد على الواحدة لم يأتِ به أمر على حدة ، ولم يأتِ وصفه بأنه قضاء. وهذا يُستأنس به لضعف قول المرتضى. وممّا يؤيّد ضعف القول بالتوزيع ، بل يدلّ عليه ، إطلاق الأخبار القائلة : إن الصلاة على ما افتتحت عليه (٣). وهذا كما يدلّ على ضعف القول بالتوزيع يدلّ على قوّة المشهور المنصور.

إذا عرفت هذا كلّه ، ظهر لك أن من أدرك قبل الانتصاف قدر أربع [ ركعات (٤) ] لم يلزمه إلّا العشاء وسقط المغرب ، وكذا يلزمه العشاء خاصّة لو لم يدرك قبل الانتصاف إلّا ركعة أو اثنتين أو ثلاثاً بطريق أوْلى. والحكم فيما لو أدرك أقلّ من أربع إجماعي ، وفيما لو أدرك قدر أربع هو المشهور شهرة أكيدة في سائر الأعصار كادت أن تكون إجماعاً ، والنصوص تدلّ عليه بلا معارض (٥) ، وكذا لو لم يدرك قبل الغروب إلّا قدر أربع فنازلاً إلى ركعة سقطت الظهر ؛ لاستيعاب العذر وقتها ، فإنه يخرج حينئذٍ ، فلا تجب إلّا العصر.

أمّا لو بقي قبل الغروب قدر خمس ، فظاهر الفتوى والنصّ بلا معارض وجوب الفرضين جميعاً ، بل نُقل فيه الإجماع ، وعن ( الخلاف ) نفي الخلاف فيه كما مرّ (٦) ؛ لأنه أدرك ركعة من وقت الظهر فيجب ، لأنه أدركها أو أدرك وقتها كما مرّ ، فإذا وجب الفرضان وجب تقديم الظهر ؛ لوجوب الترتيب إذا وجب الفرضان أُدّيا أو قُضيا لو فاتتا.

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( ففعل ).

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٧ / ٧٧٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٦ ، أبواب النيّة ، ب ٢ ، ح ٢.

(٤) من « ش ».

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨ / ٨٢ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٨٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١٧ ، ح ٤.

(٦) الخلاف ١ : ٢٧٣ / المسألة : ١٤.

١٤٥

ووجوب ترتّب صحّة العصر على تقديم الظهر إجماعي ، إلّا ما استثني من حكم مَنْ صلّى العصر بظنّ أنه صلّى الظهر ، ولم يذكر حتّى سلّم في الوقت المشترك ، فيكون قدر ركعة وما يتمّ به الظهر حينئذٍ من الوقت المختصّ بالعصر وقتاً للظهر ، ولا يبقى للعصر حينئذٍ من النهار إلّا قدر ركعة ، هي وما بعدها ممّا تتمّ به العصر من وقت المغرب وقت للعصر ، ولا يجوز أن تصلّى فيه المغرب أيضاً ، كما لا يجوز صلاة العصر في قدر الثلاث التي هي من وقتها ، فوجب فيها الظهر فصارت وقتاً للظهر. كلّ هذا لا نعلم فيه خلافاً.

لكن قال العلّامة : في ( المختلف ) : ( لو أدرك قدر الخمس قبل الغروب لزمه الفرضان ، وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ، والأقرب [ أنه (١) ] للعصر. وتظهر الفائدة فيما لو أدرك قبل الانتصاف قدر أربع.

لنا : أن الأربع وقت للعصر لو فاتت الخامسة ، فكذا معها لاستحالة صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ؛ ولأنه لو كانت الأربع للظهر لكان إذا أدرك مقدار أربع وجبت الظهر ، لأنه أدرك منها أكثر من ركعة ، وليس كذلك إجماعاً. ولما رواه داود بن فرقد : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) (٢). وساق الخبرين المذكورين.

وفي ( القواعد ) (٣) أيضاً ذكر الاحتمالين ، واختار ما اختاره في ( المختلف ) ، وفرّع عليه ما فرّعه فيه من أن الفائدة تظهر في العشاءين. وقريب منه كلامه في ( المنتهى (٤) ) (٥).

وقال في ( التحرير ) : ( [ الثالث (٦) ] في أوقات المعذورين ، ونعني بالعذر : ما يسقط القضاء كالجنون والصغر (٧) والحيض والكفر ، وله أحوال ثلاثة

__________________

(١) من المصدر ، وفي النسختين : ( أنها ).

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٤٨.

(٤) في « ش » : ( المختلف ).

(٥) منتهى المطلب ١ : ٢١٠.

(٦) من المصدر ، وفي النسختين : ( الرابع ).

(٧) في المصدر : ( الصبي ) بدل : ( الصغر ).

١٤٦

الأوّل : أن يخلو عنها آخر الوقت بقدر الطهارة وأداء ركعة ، كما لو طهرت الحائض قبل المغرب فيلزمها العصر ، ولو طهرت قبله بمقدار الطهارة وخمس ركعات وجبت الظهر أيضاً ، والأربع في مقابلة الظهر لا العصر على إشكال ، وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (١) ، انتهى.

وأقول : كلامه رحمه‌الله لا يخلو من تشابه وغموض ، فإنه إن أراد بالأربع التي احتمل فيها أنها للظهر أو للعصر ، ورجّح أنها للعصر الأربع التي أوّلها استكمال شرائط وجوب الفرضين وآخرها ما يكون بينه وبين الغروب قدر ركعة ، لم ينطبق على استدلاله بأنها للعصر ، بأن الأربع وقت للعصر لو فاتت الخامسة ، فكذا معها ؛ لاستحالة صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ، وبروايتي ابن فرقد : ، كما هو ظاهر ، فإن الدليلين لا ينطبقان إلّا على إرادة الأربع المحدودة بالغروب ، مع أنه أيضاً منافٍ لما ثبت بالنصّ والإجماع من أن الوقت مشترك بين الظهرين حتّى لا يبقى عن الغروب إلّا قدر أربع ، فحينئذٍ يخرج وقت الظهر وتختصّ العصر بالأربع ، فالنصّ والإجماع قائمان على أن قدر الاولى من الخمس من الوقت المشترك ، فلا يمكن احتمال أنها للعصر ، بل يتعيّن أنها للظهر ، فلا يحتمل أن هذه الأربع للعصر.

ومنافٍ أيضاً لما هو ظاهر النصّ وفتوى العصابة وعملهم في سائر الأزمان أنه متى أدرك قبل الغروب خمساً وجب الفرضان أداءً ، والظهر قبل العصر ، فلا يمكن أن يقال : إن هذه الأربع للعصر.

وإن أراد بها الأربع التي يحدّها الغروب ، وهي التي إذا لم يبقَ إلّا هي اختصّ بها العصر وخرج وقت الظهر ، فإن أراد بحكمه ( أنها حينئذٍ للعصر ) أنها حينئذٍ مختصّة بالعصر ، كما لو لم يبقَ إلّا هي ، فيخرج وقت الظهر بدخولها ، فهو باطل قطعاً ؛ لأنه يقتضي أن الظهر حينئذٍ تجب ولا تصلّى أداءً قبل العصر ، بل يجب قضاؤها بعد أن

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٧ ( حجريّ ).

١٤٧

يصلّي العصر بعد ذهاب قدر الخامسة ؛ إذ لا يزاحم القضاءُ الأداءَ في الوقت الذي لا يسع إلّا الأداء ، وهذا باطل إجماعاً ، ولأن النصّ والإجماع على أنه حينئذٍ يجب الفرضان أداءً ، ولأنه منافٍ لحكمه هو بأن مَنْ أدرك من الوقت ركعة وجب الفرض كلّه أداءً ، والظهر قد بقي من وقتها حينئذٍ ركعة ، مع أنه لا يحتمل على هذا أن تكون للظهر.

وإن أراد أنها للعصر بالأصالة دون قدر الخامسة ، منعنا أن قدر الأربع المحدودة بالغروب حين إدراك قدر الخمس للعصر بالأصالة ؛ لأنها لا تختصّ بالعصر إلّا إذا لم يبقَ إلّا قدرها ، مع أن فرض ذلك ينافي احتمال أنها للظهر ؛ إذ لو أهمل المكلّف حينئذٍ الظهر حتّى لم يبقَ إلّا أربع فات الظهر قطعاً بالنصّ والإجماع.

ولو احتمل أنها للظهر لاحتمل أنه يصلّي الظهر حينئذٍ ، وهو باطل ؛ لاختصاص العصر حينئذٍ بالأربع ، فلا يجوز إهمالها في وقتها المتضيّق على أنه لا يحتمل التكليف حينئذٍ بالفرضين أداءً والوقت لا يسع إلّا أحدهما.

وأيضاً ينافيه ظاهر عبارته في ( التحرير ) (١) ، فإن ظاهرها أن المراد بالأربع هي الأربع الأُولى التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة فتأمّلها. فلا يحتمل أنها للظهر حينئذٍ ؛ إذ إدراك قدر الخامسة لا يصيّر ما اختصّ بالعصر بالنصّ والإجماع للظهر.

وإن أراد أن الأربع المحدودة بالغروب للعصر بالأصالة ، فإذا بقي قدر خمس زاحمتها الظهر في قدر ثلاث منها بسبب إدراك ركعة من وقتها ، فصار قدر الثلاث من أربع العصر بالأصالة وقتاً للظهر مع قدر الخامسة بالعرض ، كما جعل الشارع قدر الركعة قبل الغروب مع قدر ثلاث من وقت المغرب وقتاً للعصر ، لم يحتمل أن يكون الأربع بكمالها للظهر ولا قدر الثلاث الاولى منها وقتاً للعصر حينئذٍ ، فلا وجه للاحتمال.

وبالجملة ، إذا بقي قبل الغروب قدر خمس فالركعة التي يتعقّبها الغروب للعصر

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٧ ( حجريّ ).

١٤٨

خاصّة بلا شكّ ، فلا يحتمل أن تكون للظهر بوجهٍ ، فلا يحتمل أن تكون الأربع التي يحدّها الغروب للظهر بوجهٍ ؛ لخروج واحدة منها عن هذا الاحتمال بالنصّ والإجماع ، والركعة الاولى من الخمس وهي المتعقّبة لزوال العذر بلا فصل ، وهي التي يكون بينها وبين الغروب قدر أربع للظهر خاصّة بالنصّ والإجماع ، فلا يحتمل أن تكون للعصر بوجهٍ أصلاً ، فأي أربع يجري فيها الاحتمال المذكور؟ فعلى فرض تسليم جريان الاحتمال إنما يجري في الثلاث المتوسّطة.

هذا ، وقد قال فخر المحقّقين : في ( الإيضاح ) بعد قول أبيه في ( القواعد ) : ( ولو أدرك مقدار خمس والطهارة وجب الفرضان ، وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ) (١) ـ : ( هذه المسألة مبنية على السابقة يعني : مسألة ما لو ضاق الوقت إلّا عن ركعة ، فهل الصلاة كلّها أداءً ، أو قضاءً ، أو موزّعة؟ قال رحمه‌الله ـ : فالقائل بأنه إذا أدرك ركعة من الصلاة يكون الجميع أداءً ، بمعنى أن الوقت الذي وقع فيه التمام جعله الشارع وقتاً لمثل هذه الصلاة ، فإنه يلزم على قوله أن تكون الأربع للظهر ، واحتجّوا بأنه لولا أن يكون للظهر لما جاز فعلها ؛ لعدم جواز فعل القضاء في المضيّق ، وعلى قول الآخرين أنها للعصر ) (٢) ، انتهى.

وظاهر هذا الكلام ، بل صريحه أن المراد بالأربع التي احتمل والده فيها أن تكون حينئذٍ للظهر أو للعصر هي الأُولى التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة ؛ لأن تفريع الاحتمال على الأقوال واستدلاله بما ذكر للقول بأنها للظهر لا يتمّ إلّا على هذا. وقد عرفت ما فيه.

وفيه أيضاً : أن والده اختار أن مَنْ أدرك من الوقت ركعة أدرك الصلاة أداءً وهو قد وافقه في ذلك ، فيلزمه أن يقول الأربع للظهر بمقتضى تقريره ، فكيف يختار هو ووالده أنها للعصر وهما لا يقولان بأن الصلاة مع إدراك ركعة قضاءٌ ، ولا موزّعة. فالاختياران على ما قُرّر من أن المسألة متفرّعة على الاولى ، فمَنْ قال بأنها في

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٤٨ ، باختلافٍ يسير.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٧٥ ـ ٧٦.

١٤٩

الأُولى أداءٌ كلّها لزمه القول هنا بأن الأربع هنا للظهر ، ومَنْ قال بغير هذا قال : إنها للعصر متناقضان ، كما لا يخفى. أو أن المسألة غير متفرّعة على الاولى.

وأمّا استدلاله رحمه‌الله على أن الأربع للعصر بأنه : ( إذا بقي مقدار ثمان تضيّق الوقتان إجماعاً ، فكلّ شي‌ء يفوت ؛ فإمّا من الظهر خاصّة ، أو العصر خاصّة ، أو منهما ، أولا من واحد منهما. والكلّ باطل غير الأوّل ، وهو المطلوب ) (١) ، انتهى. [ فهو (٢) ] في غاية الضعف ؛ لأنك إذا تأمّلته حقّ التأمّل وجدته مبنيّاً على قول المرتضى : من تطبيق أجزاء الوقت على أجزاء الصلاة (٣) ، وهو مردود لا يقول به هو ، بل الظاهر أنه منقطع.

وأيضاً يلزمه إلّا تؤدّى الظهر ؛ إذ لم يبقَ من وقتها إلّا قدر الركعة الأُولى ، فتكون الظهر قضاءً ، فيجب تأخيرها عن العصر ، وهو كما ترى ، والنصّ والفتوى يدفعه.

وأيضاً لا يلائم القول بأن مَنْ أدرك قدر ركعة وجبت أداءً ، وهو من القائلين به.

وأيضاً أنه لم ينقص من وقتيهما شي‌ء حينئذٍ ، فإن الشارع جعل مقدار الاولى وقتاً للظهر ، والركعة الأخيرة مع قدر ثلاث من وقت المغرب وقتاً للعصر ، كما اعترف به هو ، وقام عليه الدليل.

وأيضاً إذا نقص من وقت الظهر قدر ثلاث بقي واحدة ، فلا يصيّرها نقصان الثلاث وقتاً للعصر.

وبالجملة ، فكلامه مضطرب والمدّعى غير واضح ، ودليله ممنوع ، بل هو دعوى مجرّدة عن الدليل ، عارية من الدلالة ، أو منشؤه اضطراب المتن وتشابهه.

وقال الشيخ علي : في حاشية ( القواعد ) : ( قوله : ( ولو كان مقدار خمس ركعات والطهارة وجب الفرضان ) (٤) بإدراك أحدهما وركعة من وقت الأُخرى. قوله : ( وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال. وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (٥). قد

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) في النسختين : ( وهو ).

(٣) عنه في مختلف الشيعة : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٢٤٨.

(٥) المصدر نفسه.

١٥٠

عرفت ابتناء هذه المسألة على القول بأن الجميع أداء يعني : فيما لو لم يبقَ من الوقت إلّا قدر ركعة فإنه قال : إن تفريع أن الأربع للظهر وهو حقّ أو للعصر إنما يتأتّى على القول بأن الصلاة حينئذٍ أداءٌ كلّها قال رحمه‌الله في شرح هذه العبارة المنقولة هنا : وفي عبارة المصنّف تسامح ، فإن الأربع لا يتصوّر كونها للعصر ؛ لأن الركعة الأُولى للظهر قطعاً ) (١).

قلت : هذا صريح في أن الأربع التي فُرض فيها الاحتمال هي الأُولى التي يفصل بينها وبين الغروب قدر ركعة ، وقد عرفت ما فيه ، ووجه عدم إمكان كونها هي.

ثمّ قال : ( ولا يستقيم أن يريد بها الثلاث مع الركعة الأُولى تارة ، ومع الأخيرة أُخرى ؛ لأن مقتضى هذا التركيب كون الأربع التي يأتي فيها الاحتمالان واحدة ، إلّا أن يحمل على أن المراد الأربع من هذا المجموع ، فيكون المعنى حينئذٍ : وهل الأربع للظهر [ وللعصر (٢) ] واحدة أم بالعكس؟ ) (٣).

قلت : هذا الاحتمال الأخير إذا تأمّلته جيّداً رأيته لا يتمّ على القول بوجوب أداء الظهر حينئذٍ ، وإنما يتمّ لو قلنا : إنه يحتمل وجوب تقديم الظهر حينئذٍ أداءً كلّها. ويحتمل وجوب تقديم العصر كذلك ، فإن قلنا الأربع للظهر فالأوّل ، وإن قلنا للعصر فالثاني ، وهذا باطل ؛ إذ ظاهر فتوى العصابة تقديم الظهر أداءً كلّها ، أو قضاءً كلّها ، أو موزّعة ، كما هو الأمر في العصر لو لم يبقَ من الوقت إلّا قدر ركعة ، فإنها تقدّم على المغرب حينئذٍ بلا خلاف يظهر أداءً أو قضاءً أو بالتوزيع ، كما مرّ.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ولا بدّ في العبارة من تقدير شي‌ء ، وهو مقدار الأربع من الوقت ؛ إذ الأربع للظهر قطعاً ، وهو الذي نواه المصلّي ) (٤).

قلت : هذا التقدير لا يُخرج العبارة من التشابه ، ولا يدفع شيئاً من الإيرادات المذكورة. نعم ، قطعه بأن الأربع للظهر يرفع احتمال أن قدرها من الوقت ، أو قدر

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣١ ـ ٣٢.

(٢) من المصدر ، وفي النسختين : ( فللعصر ).

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

١٥١

ثلاث منها للعصر ، كما لا يخفى ؛ لما بينهما من التنافي.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ومنشأ الاحتمالين الالتفات إلى ما كان عليه وإلى ما صار إليه ) (١).

قلت : قد عرفت الدليل على أن الأربع الأُولى لم تكن للعصر بوجه ؛ لأن منها واحدة للظهر ، كما قطع به هو في صدر العبارة ، حيث نفى تصوّر كونها للعصر لذلك ، وأن الأربع الأخيرة لا يُحتمل كونها للظهر في حال ؛ لأن الركعة الأخيرة منها للعصر قولاً واحداً ، وأمّا الثلاث التي بعد الاولى وقبل الأخيرة التي يحدّها الغروب ، فنحن نمنع في مفروض المسألة أنها كانت للعصر ثمّ صارت للظهر ، وإنما هي في المسألة المفروضة للظهر بأصل الشرع ؛ لأن الدليل قام على هذا ، ولم يقُم دليل على أنها هنا كانت للعصر ثمّ عرض ما صيّرها للظهر. ولو سلّم أنها كذلك ثبت اختصاصها حينئذٍ بالظهر ، فلا يحتمل كونها للعصر.

وعلى كلّ حال فالعلّامة : فرض الاحتمالين في أربع لا في ثلاث.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( والثاني أقوى ؛ لأن وقوع [ شي‌ء (٢) ] من الظهر فيه لا يصيّره وقتاً لها ، كما في ثلاث من العصر إذا وقعت في وقت المغرب ، وركعة من الصبح بعد طلوع الشمس ، والأخبار ليس فيها إلّا إدراك الصلاة المقتضي لكونها أداءً ، وذلك لا يستلزم كون الوقت لها ، فلعلّه لكونها افتتحت على الأداء ) (٣).

قلت : في هذا الكلام أُمور :

أحدها : أن صدر عبارته صريح في أن الأربع التي احتمل فيها العلّامة : الاحتمالين هي التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة ، ودليله لا ينطبق إلّا على أنها هي التي يحدّها الغروب ، كما لا يخفى.

وثانيها : أن الأخبار إذا دلّت على أنها حينئذٍ أداءٌ ، فقد دلّت على أن ذلك الوقت الذي تؤدّى فيه وقت لها ؛ لأنه لا معنى لوقت الصلاة إلّا ما تقع فيه ، ولا معنى للأداء

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

(٢) من المصدر ، وفي النسختين : ( ثلاث ).

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

١٥٢

إلّا ما أُوقع في وقت العبادة المؤدّاة ، فالأداء ما وقع في وقت العبادة المؤدّاة ، والقضاء ما وقع لا في وقتها ؛ فإمّا أن يكون ما وقعت فيه وقتاً لها ، أو هي قضاء. فإذاً ما قاله رحمه‌الله في الحقيقة ميلٌ إلى قول المرتضى : ، أو إلى التركيب وهو قد زيّفهما.

وثالثها : أن افتتاحها على الأداء دليل على أنها كلّها أداءٌ ، وهو دليل على أن الشارع جعل ذلك الوقت وقتاً لها ، وإلّا لصحّ القول بالتوزيع وهو لا يرتضيه.

وبالجملة ، فدعوى أن صلاة افتتحت على الأداء واختتمت عليه وهي واقعة في غير وقتها ، واضح السقوط.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( وتظهر فائدة الاحتمالين وثمرة كلّ واحد منهما في المغرب والعشاء ، وكأن هذا جواب سؤال يرد هنا ، هو : أن البحث عن كون مقدار الأربع للظهر أو للعصر خالٍ عن الفائدة ؛ لأن الظهر قد تعيّن فعلها فيه على كلّ تقدير ، فما الفائدة؟ وجوابه ما ذكر ) (١).

قلت : إذا تعيّن فعل الظهر في هذا الوقت أداءً على كلّ حال وامتنع فعل العصر فيه ، لم يبقَ وجه لاحتمال أن يكون قدرها أو قدر ثلاث منها وقتاً للعصر بوجه ، وإذا تعيّنت الركعة التي يتعقّبها الغروب للعصر حينئذٍ ولم يجُز فعل الظهر فيه مطلقاً ، لم يُحتمل أن تكون للظهر بوجه.

ثم قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( والتحقيق أن المكلّف لو أدرك من وقت العشاء مقدار أربع ركعات ، يجب أن يؤدّي المغرب والعشاء جميعاً على الاحتمال الأوّل ؛ لأن ضيق الوقت لمّا صيّر ما تؤدّى به الصلاة الاولى من وقت الثانية وقتاً لها في الظهرين ، وجب أن يطّرد في العشاءين لوجود المقتضي بخلاف الثاني ؛ لأن الوقت على هذا التقدير للعشاء ) (٢).

قلت : إذا صيّر ضيق الوقت في الظهرين ما تؤدّى به الظهر وقتاً لها ، سقط احتمال

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٣٢ ، وفيه : ( ما به تؤدّى ) بدل : ( ما تؤدّى به ).

١٥٣

أن يكون قدر ما تؤدّى به أو ثلاث منه وقتاً للعصر. وأيضاً فكلامه هذا لا يتمّ له على فرض تأتي الاحتمالين إلّا في ثلاث من الأربع التي يحدّها الغروب ، فإن قدر ما يؤدّى فيه ركعة من الظهر للظهر بلا نزاع ، وكذا آخر ركعة من الخمس للعصر بلا نزاع. والعلّامة : فرضَ الاحتمالين في أربع ، وظاهره وإن كان ممنوعاً أنه عنى الأربع المحدودة بالغروب ، وظاهر الشارح في صدر عبارته وظاهر استدلاله أنها الأربع الأُولى.

وأيضاً لو فرض صحّة الاحتمال في الظهرين منعنا وجود مقتضيه في العشاءين ؛ لأنه إنما هو إدراك ركعة من وقت الظهر ، وهذا مفقود في العشاءين إذا لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فإن الدليل قائم من النصّ (١) المشتهر العمل به على أنه متى لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب واختصّت العشاء بقدر الأربع ، فالمقتضي لفرض الاحتمال في الظهرين مفقود في العشاءين ، على أنه غير مجدٍ فرضه في الظهرين بعد تسليم وجوب تقديم الظهر أداء ، والتفريع على شي‌ء وهمي قد منعت الشريعة من إبرازه في الخارج لا يجوز ولا يؤسّس به حكم شرعيّ خصوصاً في العبادات.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( والتحقيق كما نبّه عليه الفاضل السيّد عميد الدين (٢) أن هذه الفائدة ليست بشي‌ء ؛ لأن المقتضي لصيرورة ذلك وقتاً للظهر ليس هو ما ذكر ، بل مع إدراك ركعة من وقت الظهر ، وذلك منتفٍ في المغرب في الفرض المذكور ) (٣) ، انتهى كلام المحقّق الشيخ علي : في المسألة.

قلت : إذا سلّم أن إدراك قدر ركعة من وقت الظهر يصيّرها مع قدر ثلاث بعدها وقتاً للظهر لم يبقَ وجه لاحتمال أن تكون قدر ذلك ، بل ولا قدر الثلاث التي بعدها

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨ / ٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ / ٩٤٥ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٨٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١٧ ، ح ٤.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٩٢.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٣.

١٥٤

وقتاً للعصر. ولا أن قدر الأربع التي تلي الركعة التي من وقت الظهر وقتاً للظهر ، وإذا انتفى تحقّق المقتضي للاحتمال في الظهرين في العشاءين حين لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، لم يبقَ لهذا الاحتمال في الظهرين وجه ولا فائدة بوجه أصلاً.

وبالجملة ، فالاحتمال ممنوع من أصله ؛ إذ لا وجه له ولا معنًى ، وعلى فرض تسليمه لا فائدة فيه مع تسليم وجوب الفرضين أداءً مُقدّماً للظهر ، إلّا أن يقال : إنه يحتمل وجوب تقديم العصر ؛ لأن الوقت لها بالأصالة ، وهم لا يقولون بذلك ، ولا يظهر به قائل. وظهور فائدته في العشاءين ممنوع بعد قيام الدليل على أنه إذا لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب بالكلّيّة ، واختصّت العشاء بذلك الوقت.

وبالجملة ، فالأربع المفروض فيها الاحتمال غير واضحة ، والاحتمال ممنوع ، وفائدته منتفية.

١٥٥
١٥٦

الخلاصة

وملخّص الحكم أن الذي دلّ عليه الدليل من النصّ والفتوى أنه متى أدرك المكلّف قدر خمس بعد الطهارة قبل الغروب وجب الظهر والعصر أداءً مرتّباً ، وكذلك لو أدرك خمساً قبل الانتصاف وجب العشاءان كذلك ، أمّا لو لم يدرك في الموضعين إلّا قدر أربع فنازلاً فقد خرج وقت الظهر والمغرب ، فإنْ كان قد أهملهما بعد أن وجبا قضاهما بعد العصر أو العشاء ، وإلّا فلا. والله العالم.

وقال السيّد عميد الدين : في حاشية ( القواعد ) : ( قوله : ( وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ) (١). أقول : وجه احتمال كون الأربع للظهر أن الشارع فرض عليه الإتيان بالظهر في ذلك القدر من الزمان على وجه التضييق ، ولا نعني بوقت الفريضة إلّا الوقت الذي فرضه لتلك الفريضة عيناً دون غيره. ومن أن مقدار أربع كان مختصّاً بالعصر لولا إدراك قدر الخامسة ، فكذا إذا أدركه لامتناع صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ؛ ولأن ذلك يقتضي كون مقدار ثلاث بعد الغروب لو أدرك قدر ركعة من آخر وقت العصر وقتاً للعصر دون المغرب ؛ لأنه قد فرض عليه الإتيان بباقي العصر في ذلك الوقت مضيّقاً ، وهو باطل قطعاً ) (٢) ، انتهى.

قلت : لا يخفى أن توجيهه لاحتمال كون الأربع للظهر ظاهر في أن المراد بالأربع المحتملة هي الأُولى التي يقع فيها الظهر ، وهي التي يفصل بينها وبين الغروب ركعة. وتوجيهه احتمال أنها للعصر ظاهر في أن المراد بها الأربع الأخيرة المتّصلة بالغروب ، فالاحتمال الآخر في كلّ منهما غير موجّه ، مع أنه إذا سلّم أن

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٤٨.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٩٢.

١٥٧

الشارع فرض الإتيان بالظهر في ذلك القدر من الزمان لم يبقَ له وجه في احتمال أن يكون ذلك أو قدر ثلاث منه للعصر ؛ لأنه خلاف ما فرضه الشارع. كما أنه لا يحتمل القول بأن مقدار ثلاث بعد الغروب لِمَن لم يدرك قبله إلّا ركعة وقتاً للمغرب ؛ لأن الشارع فرض الإتيان ببقيّة العصر في ذلك الزمان ، ولا ينافي كونهما وقتاً للعصر أو للمغرب بالنسبة لِمَن لم يدرك قدر ركعة من وقت الظهر أو العصر.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( قوله : ( وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (١) يريد أنه إنْ جعلنا مقدار الأربع وقتاً للظهر ، فلو أدرك قبل الانتصاف مقدار أربع وجب عليه المغرب والعشاء ؛ لأن مقدار ثلاث يدرك بها المغرب ، ويدرك العشاء بإدراك ركعة في وقتها. وإن جعلنا الأربع للعصر كان قدر الأربع قبل الانتصاف وقتاً للعشاء الآخرة ، فهو يقضي المغرب. وهذا التفريع ليس عندي بشي‌ء ) (٢) ، انتهى.

قلت : إذا كان التفريع ليس بشي‌ء لما عرفت من أن الدليل قائم على أنه متى لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب واختصّ الوقت بالعشاء لم يبقَ للاحتمال في الظهرين حينئذٍ معنًى ولا فائدة ، ولا دليل يدلّ بوجه من ضروب الدلالة على صحّة هذا الاحتمال.

تنبيه

المعروف من الفتوى أن المراد من إدراك الركعة إدراك أقلّ المجزي من الواجبات الاختياريّة. وصرّح الشيخ علي : في ( شرح القواعد ) (٣) بأن السورة حينئذٍ لا يسقط وجوبها لضيق الوقت ، بل لو لم يسعها الوقت سقط الفرض أو ثبت القضاء ، ونقل عن ( التذكرة ) (٤) التصريح به. ومثله بعض شرّاح ( النافع ) فتوًى ونقلاً عن ( التذكرة ) ، بل قال : ( لا اعلم له رادّاً من الأصحاب ). وهو جيّد ، والله العالم.

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٤٨.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٩٢ ، باختلاف يسير.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣١ ، ولم ينقل التصريح به عن ( التذكرة ) ، بل نصّ عبارته : ( وقد نبّه على ذلك في التذكرة ).

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٢٤ / المسألة : ٤١ ، الفرع : ج.

١٥٨

وصلّى الله على محمّد : وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله ربِّ العالمين.

انتهت بقلم مؤلّفها الأقلّ أحمد بن صالح بن سالم آل طوق : ، عصر ٢٨ محرّم سنة (١٢٤١) ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

وقد نقلتها من خطّ المؤلّف المحقّق مدّ الله في عمره ، وأنا العبد الجاني الأثيم المخطئ زرع بن محمّد علي بن حسين الخطّي : عفا الله عنه (١).

__________________

(١) ورد في آخر نسخة « ش » : تمّت الرسالة على يد الأقلّ المخطئ يوسف بن مسعود بن سليمان الجشّي ، وذلك في الساعة التاسعة من اليوم الثالث من الشهر الثالث من السنة الحادية من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أكمل الصلاة والسلام والتحيّة ، والحمد لله ربِّ العالمين. تمّت بمعونته وحسن توفيقه.

١٥٩
١٦٠