رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وأمّا النساء فيجوز لبسه [ لهنّ (١) ] حال الصلاة مطلقاً وحال الإحرام إذا لم يفدهن زينة ، والحرير كالذهب في جميع ما ذكر.

نيّة الإحرام

فإذا لبس المحرم ثيابه وجب أن ينوي ما قصد له من النُّسُك : جنساً بأن يعيّن ما يحرم له من عمرة التمتّع أو الإفراد.

ووصفاً من أنها واجبة أو مندوبة.

والواجبة من أنها عمرة الإسلام أو قضاء العُمرة المفسدة أو في حجّ القضاء ، وبالالتزام بإجارة أو نذر أو شبهه.

ولا بدّ من العلم بواجباتها وقصد الإتيان بها في محالّها وأزمانها ، والكفّ عن كلّ ما يحرم على المحرم على الإجمال. ولا يشترط العلم بتفاصيل المحرّمات وإن كان أوْلى وأحوط. كلّ ذلك تقرّباً إلى الله بامتثال أمره ونهيه.

وليُدخلْ في مَنْوِيّه التلبيات الأربع الواجبة ؛ فإنها جزء من النُّسُك ينعقد بها الإحرام بمثابة التحريم من الصلاة ، فهما جزءان من العمل المنويّ.

ولا ينعقد الإحرام بالمتمتّع بها إلّا في شوّال ، وذي القعدة ، وذي الحجّة إلى وقت يمكنه فيه أداء مناسكها وإدراك الموقفين. والمفردة تصحّ في جميع السنة. وليس لما بين العمرتين حدّ لا تصحّ فيه الثانية على الأظهر. ولو نوى نوعاً وقصد الإحرام به ونطق بغيره لم يضرّ وإن كان عمداً خصوصاً مع التقيّة ، والأخبار (٢) بأمر الشارع أن ينطق بالحجّ وينوي العُمرة كثيرة بلا معارض ، ولأن النيّة ليست هي الحروف المنطوق بها ، بل ولا الحروف المتصوّرة وإن حكت صورة حقيقة النيّة ، وهي التي روحها الأمر الباعث على العمل.

__________________

(١) في المخطوط : ( لهم ).

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٨ ، أبواب الإحرام ، ب ٢١.

٢٦١

ولا يصحّ الإحرام بنُسُكين معاً ، ولا على الترديد ؛ لعدم تشخّص المنويّ وتميّزه من كلّ وجه ، فيكون عامّاً بوجه فيتعذّر بروزه في خارج الزمان ، فيكون العمل الذي يأتي به غير المنويّ بحسب الحقيقة. والأدلّة على وجوب قصد العمل المتميّز المتشخّص من كلّ وجه في النيّة من الكتب الثلاثة أكثر من أن يحصرها فكري.

ولو نسي وشكّ بعد تيقّن الإحرام بماذا أحرم؟ فإن كان قد وجب عليه نُسُك معيّن صرفه إليه إن كان إحرامه في وقت يصحّ فيه الإحرام به ؛ عملاً بالظاهر.

وإن لا يكن في ذمّته نُسُك ، فإن كان في أشهر الحجّ تخيّر ، والأحوط الأوْلى أن يأتي بعمرة التمتّع وحجّه ما لم يكن قد تضيّق الوقت عن أدائهما تامّين ، وإلّا تخيّر بين الثلاثة ؛ لعدم الترجيح لا لمرجّح ، واستحالة نُسُكين في إحرام واحد ، والتكليف بما لا يطاق ، ووجوب التخلّص من كونه محرّماً.

فلو اختار أن يفعل واجبات المفردة مثلاً فالأحوط الأوْلى ألّا يعدل عنه إلّا إن كان من المفردة إلى المتمتّع بها ، بل لزومه حينئذٍ في غير ذلك غير بعيد.

ولو أحرم بما أحرم به فُلان لم يصحّ وإن ظنّ نُسُكه ظنا متاخماً للعلم ؛ لأنا نشترط معلوميّة المنويّ في الجملة وتشخّصه من كلّ وجه.

نعم ، لو كان المحرم معصوماً صحّ ذلك منه ؛ لعلمه اليقينيّ بما أحرم به زيد وتشخّصه عنده بكلّ وجه ، كما وقع لأمير المؤمنين مع النبيّ صلّى الله عليهما وآلهما المقدّسين فإن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عالم بما يحرم به عليّ عليه‌السلام ، بل هو الآمر له به ؛ ولذا ساق عنه البدن. وعليّ عليه‌السلام عالم بما أحرم به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنه باب علمه (١). وكذا لو أخبر الناسك المعصوم بنسك زيد صحّ الإحرام بما أحرم به ، لكنّه خارج فيهما عن فرض المسألة داخل في المعلوم المتشخّص.

ويستحب النطق بالنيّة ، بل سمّي النطق بها إحراماً وفرضاً للمنويّ في أخبار كثيرة مجازاً. والإحرام الشرعيّ حقيقة هو النيّة والتلبيات الأربع. وقد نطق بأن

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٣١ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٢ ، ح ٢٥.

٢٦٢

الأوّل مجاز والثاني هو الحقيقة الأخبار ، وصرّح به الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) (١) ، والمحقّق في ( نكت النهاية ) (٢) ، وغيرهما.

ويستحبّ أيضاً أن يشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ، فيقول : اللهمّ إني أُريد الإحرام بكذا ، فإن عرض لي عارض فحلّني حيث حبَستني بقدرتك التي قدّرت.

ونحو هذا من العبارات الواردة في هذا المعنى. وإنما ذكرت هذين المستحبّين بخصوصهما لسرّ لا يخفى على الفطن.

التلبيات الأربع

فإذا نوى النُّسك المتعيّن المتشخّص من كلّ وجه ، بأن يقصد الإحرام بالنُّسُك المتشخّص كما مرّ ، ويلبّي التلبيات الأربع التي يعقد بها الإحرام المتعيّن في النُّسُك المقصود وجوباً أو ندباً ، وبعد النيّة والتلبيات ينعقد الإحرام ، وتجب جميع واجباته وأركانه ؛ فتؤدّى بعنوان الوجوب.

فالنسُك المندوب لا ينوى فيه الندب إلّا حال النيّة والتلبيات ، وأمّا باقي أفعاله فتكون واجبة ، فتؤدّى بعنوان وصف الوجوب ، وذلك إجماع. ولا بدّ حال تلبيته من كونه مستحضراً لنيّة النُّسُك الذي يقصده ، فلا ينعقد بها الإحرام لو لبّى ساهياً أو ذاهلاً عمّا يعقده من الإحرام بالنُّسُك المعيّن ، أو نائماً أو سكرانَ أو مجبوراً على النطق بها من غير قصد للنّسُك.

فإذن لا بدّ من مقارنة النطق بالتلبيات الأربع للنيّة. نعم ، لا يجب مقارنتها للنطق بالنيّة ، وقراءة الدعاء الوارد حينئذٍ. والأخبار بما ذكرناه كثيرة (٣).

والظاهر أن مراد من قال : ( لا يجب مقارنة النيّة للتلبيات ) ، النيّة الملفوظة ، لا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٨٣ / ذيل الحديث ٢٧٦.

(٢) النهاية ونكتها ١ : ٤٧٣.

(٣) انظر وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٠ ، أبواب الإحرام ، ب ١٦.

٢٦٣

المشيئة والعزم الخاصّ على العمل الخاصّ.

وصورة التلبيات أن يقول : ( لَبّيْكَ اللهُمّ لَبّيْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ ). ووجوب التلبيات الأربع ثابت بالنصّ (١) والإجماع ، وأنها العاقدة للإحرام ، وبعدها تحرم محرّمات الإحرام لا قبلها. والأحوط أن يضمّ إليها : ( إن الحَمْدَ والنعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ ) ؛ خروجاً من خلاف العلماء.

ولا يجب الجهر بالتلبيات مطلقاً للنصّ (٢) وللأصل السالم من المعارض ، ولا تجب الطهارة حال النيّة والتلبيات مطلقاً. والأخرس يعقد قلبه بعد النيّة بالتلبية ، ويشير بإصبعه إلى أنه عاقد نيّة إحرامه بالتلبيات ، وإن أمكنه تصوّر حروفها وجب. ومن لم يسمع أصلاً ، ولا سمع اللغة ، ولم يعلم ما يقول الناس أصلاً غير مكلّف ، بل حكمه حكم الطفل.

ويجب العربيّة في التلبيات الأربع ، ومن لم يستطعها وجب عليه التعلّم ، فإن ضاق الوقت لبّى بالترجمة ، ولا تسقط ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٤ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ أبواب الإحرام ، ب ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

٢٦٤

الفصل الثاني : في الطواف

الطواف في العمرتين واجب بالنصّ والإجماع ، وفيه أَبحاث :

الأوّل : إذا أتيت مكّة زادها الله شرفاً وأنت محرم ، فائتِ الكعبة وطف بها سبعة أشواط ، لا أقلّ ولا أكثر ولو خطوة ، بل ولا أقلّ منها. وهنا مسائل :

الأُولى : يجب البدأة بالحجر والختم به بالنصّ (١) والإجماع.

الثانية : يجب أن يكون البيت زاده الله تشريفاً وتعظيماً على يسارك في جميع الطواف بالنصّ (٢) أيضاً والإجماع فتوًى (٣) وعملاً من الأُمّة كالأوّل.

الثالثة : يجب إدخال حجر إسماعيل في الطواف بالنصّ (٤) والإجماع كذلك.

الرابعة : يجب أن يكون الطواف بين البيت والمقام حيث هو الآن بالنصّ (٥) : والإجماع أيضاً ، وهي معتبرة من جميع نواحيه بالنصّ (٦) والإجماع.

وهل هي معتبرة من جهة الحجر من الشاذروان كالجهات الثلاث ، أم من حدّ الحجر؟ قولان يلتفتان إلى أن الحجر من البيت أم لا؟.

وعزي الأوّل إلى مشهور المتأخّرين ، بل عزي إلى الأكثر. ولكن قال خاتمة الحفّاظ الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) : ( ما نسبه في ( الدروس ) (٧) إلى المشهور من أن الحجر من الكعبة ، لا نعلم في كلام الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٧ ، أبواب الطواف ، ب ٣١ ، ح ٣.

(٢) انظر : تذكرة الفقهاء ٨ : ٨٩ / المسألة : ٤٥٦ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٢٨ ، رياض المسائل ٤ : ٢٦١ ، عوالي اللآلي ٤ : ٢١٥ / ٧٣.

(٣) انظر : تذكرة الفقهاء ٨ : ٨٩ / المسألة : ٤٥٦ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٢٨ ، رياض المسائل ٤ : ٢٦١ ، عوالي اللآلي ٤ : ٢١٥ / ٧٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٣ ، أبواب الطواف ، ب ٣٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٠ ، أبواب الطواف ، ب ٢٨.

(٦) المصدر نفسه.

(٧) الدروس ١ : ٣٩٤.

٢٦٥

سوى ما ذكره علّامة ( المنتهى ) (١) ، وهو أعرف بما قال ) ، انتهى.

وهو كما قال ؛ فإن ما وقفنا عليه من عباراتهم سوى الشهيدين (٢) إنما يذكرون وجوب الطواف بين البيت والمقام ، ووجوب استقبال الكعبة في الصلاة ، والأوّل أقوى.

لنا جميع ما دلّ على أن الكعبة القبلة ، وعليه إجماع المسلمين. والكعبة لا شكّ في خروج الحِجْر عنها ، وعدم صحّة الصلاة إليه وحده ، وعدم أحكام دخول الكعبة لمن دخله ، بل الضرورة قاضية بصدق من قال : لم أدخل الكعبة ، مع دخوله الحجر.

وظهور عدم شمول الأخبار (٣) الدالّة على استحباب دخول الكعبة في حال وكراهيتها في حال لدخوله ، والأخبار الدالّة على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل الكعبة في وقت كذا ، ولم يدخلها في وقت كذا ظاهرة ، بل نصّ في خروج الحجر عنها.

وإطباق المؤرّخين المحدّدين لطول الكعبة وعرضها وعمقها على عدم إدخال الحجر فيه ، وتحديد الكعبة بالأركان التي هي بإزاء أركان البيت المعمور بل أركان العرش الأربعة ، وكون البيت مربّعاً بمثابة البيت المعمور بل بمثابة العرش كلّها ظاهرة في خروج الحجر عنها. بل يلزم عند التأمّل ألّا تكون للكعبة أربعة أركان لو قلنا بدخول الحجر فيها ، بل ركنان.

وهذا خلاف الضرورة الدينيّة ؛ إذ من اليقين الذي لا ينبغي الريب فيه أن الركن المسمّى بالشاميّ والركن المسمّى بالمغربيّ ، الموجودين الآن اللذين يستلمهما الطائف هما ركنا البيت. ولو كان الحجر منه لما كانا ركنية ، بل هما في وسطه. وهذا واضح الدلالة على خروج الحجر.

وكذا الروايات الناطقة بأنْ ليس فيه من الكعبة ولا قلامة ظفر ، وفيها الصحيح

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ٩٦١.

(٢) الدروس ١ : ٣٩٤ ، مسالك الأفهام ٢ : ٣٣٣ ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٢ : ٢٤٩.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٢٧٨ / ٩٤٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٣ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٥.

٢٦٦

والموثّق القويّ وغيرهما.

ففي صحيح معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحجر ، أهو من البيت أو فيه شي‌ء من البيت؟ قال لا ، ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن امّه فيه ، فكَرِهَ أن يوطأ فحجر عليه (١).

وعن ( العلل ) (٢) في الحسن مثله ، كما نقله الشيخ في ( شرح المفاتيح ).

ومثله صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وعن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل (٤).

وعن ( مستطرفات السرائر ) في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن الحجر قال إنكم تسمّونه الحطيم وإنما كان لغنم إسماعيل (٥) الخبر.

وفي الموثّق القويّ عن يونس بن يعقوب قال : قلت للصادق عليه‌السلام : كنت أُصلّي في الحجر ، فقال لي رجل : لا تصلّ المكتوبة في هذا الموضع فإن الحجر من البيت ، فقال كذب ، صلِّ فيه حيث شئت (٦).

وأيضاً الأخبار الدالّة على أن الحجر إنما حجّره إسماعيل عليه‌السلام لمّا دفن امّه لئلّا يوطأ أي للطائفين ، وإلّا فمطلق الوطء للداخل لا يمنعه التحجير. وهي كثيرة في الأربعة وغيرها ، نقلها ممّا يطول دالّة على أنه قبل ذلك محلّاً للطواف ، وأنه خارج عن الكعبة التي بناها إبراهيم عليه‌السلام ؛ إذ لم يثبت جواز الطواف من جوف الكعبة في شريعة. وهذه الأدلّة كلّها لا معارض لها من نصّ أو إجماع.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢١٠ / ١٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٣ ، أبواب الطواف ، ب ٣٠ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع ١ : ٥٢ / ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٦٩ / ١٦٤٣ ، وسائل الشيعة ٥ : ٢٧٦ ، أبواب أحكام المساجد ، ب ٥٤ ، ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٢١٠ / ١٤ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٤ ، أبواب الطواف ، ب ٣٠ ، ح ٣.

(٥) السرائر ( المستطرفات ) ٣ : ٥٦٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٠ ، ح ١٠.

(٦) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٧٤ / ١٦٧٠ ، وسائل الشيعة ٥ : ٢٧٦ ، أبواب أحكام المساجد ، ب ٥٤ ، ح ١.

٢٦٧

ودعوى أن الحجر كان من الكعبة وإنما أخرجه قريش لمّا أعوزتهم الآلات في بنائها دعوى لم تصحّح ببرهان ، بل هي خلاف النصوص الصريحة. ولو كانت صحيحة لدلّ الشارع عليها ببيان ، بل لردّها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة المسلمين إلى ما كان ، ولو كان تركهم للتقيّة لدلّوا على أنه كذلك ، وأن القائم عجّل الله فرجه سيردّها إلى ما بناه إبراهيم عليه‌السلام.

ولمّا لم يكن من أهل البيت عليهم‌السلام إشارة إلى هذه الدعوى بوجه ، بل دلّوا على خلافها علم بطلانها ، وحديث عائشة (١) أوهى من بيت العنكبوت ، مع أنه صرّح بأن منه ستّة أذرع من البيت خاصّة. فعليه يكون مبدأ مسافة المطاف منها لأمن آخر الحجر ؛ ولم يقل به أحد.

وأيضاً العصابة مجمعة على أنه يجب أن يكون الطواف خارج البيت كلّه وداخلاً عن المقام كلّه ، فلا يجوز الطواف خلف المقام من جميع نواحي البيت ، كما يدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم : سألته عن حدّ الطواف بالبيت ، الذي من خرج منه لم يكن طائفاً بالبيت قال كان الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون بين المقام وبين البيت ، فكان الحدّ موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف ، والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلّها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك ، كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد ؛ لأنه طاف في غير حدّ ولا طواف له (٢).

وظاهر العصابة الإطباق على العمل به ، إلّا ما ينقل عن ابن الجنيد (٣) وظاهر الصدوق (٤) من جواز الطواف خلف المقام للضرورة من شدّة زحام وشبهه. والظاهر

__________________

(١) انظر : تذكرة الفقهاء ٨ : ٩١ / المسألة : ٤٥٨ ، المجموع شرح المهذّب ٨ : ٣٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٣ / ١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٠ ، أبواب الطواف ، ب ٢٨ ، ح ١.

(٣) عنه في مختلف الشيعة ٤ : ٢٠٠ / المسألة : ١٥٤ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٣١.

(٤) عنه في مدارك الأحكام ٨ : ١٣١.

٢٦٨

أنه منقطع ، وعمل الأُمّة في سائر الأعصار على خلافه ، فلا شبهة في وجوب كون الطائف يجب أن يكون أقرب إلى البيت من المقام في جميع طوافه.

وبهذا يظهر لك فساد ما قاله الشهيد الثاني في روضته في شرح قول الأوّل في بحث شرائط الطواف : ( والطواف بينه وبين المقام ). قال الشارح ـ : ( حيث هو الآن ، مراعياً لتلك النسبة من جميع الجهات ، فلو خرج عنها ولو قليلاً بطل ، وتحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن جعلناه خارجاً من البيت ) (١) ، انتهى.

وفساده من وجهين :

الأوّل : أنه يستلزم الطواف خلف المقام ، إذ لا ريب أنه حينئذٍ يطوف في دائرة يزيد نصف قطرها على نصف قطر الدائرة التي يطوف فيها من الجهات الثلاث الأُخر ، بقدر ما بين الشاذروان إلى منتهى حائط الحجر. فإذا كانت الدائرة التي يطوف فيها من الجهات الثلاث يماسّ محيطها محيط المقام كما هو المتيقّن كان محيط الدائرة التي يطوف فيها من جهة الحجر لا يماسّ محيطها شيئاً من المقام بالضرورة. وعليك بتأمّل هذا الشكل تستعن به (٢).

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٢ : ٢٤٩.

(٢) لم يرد في المخطوط شكل ( جدول ) ، بل كان هناك مساحة ما يقارب خمسة أسطر ملئت بعبارة كتبت وبقلم مغاير لقلم المخطوط ، وبأسطر شذّت عن سطوره. ولمغايرة قلم هذه العبارة ارتأينا أن نضيفها إلى الهامش ، وإليك نصّ العبارة : ( اعلم أنه ذكر لي ثقة أمين أنه ذرع ما بين الصندوق الموضوع على حجر المقام وبين الشاذروان ، فكان ذرعُه خمسةً وعشرين ذراعاً شرعياً ونصف ذراع ، وأنه ذرع ما بين الشاذروان إلى آخر جدار الحجر فكان عشرين ذراعاً.

وقال الشيخ محمّد ابن الشيخ حسن أبي محلّى ساكن الفرع من الحجاز في منسكه : إنه اعتبر الباقي بعد جدار الحجر من ذرع ما بين البيت والمقام ستة أذرع ونصف ذراع تقريباً ، ولعلّهُ خمسة وعشرون ونصف ، وغلط الناسخ ، أو أن ما بين ظاهر الصندوق إلى نفس حجر المقام ذراع.

ونقل الشيخ محمّد المذكور عن النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) (١) أنه سبعة. ولعلّ النووي أدخل الشاذروان في السبعة ، والله العالم ).

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٣ : ١٥١.

٢٦٩

الثاني : أن الحكم بوجوب مراعاة تلك النسبة من جميع الجهات كما هو المتّفق عليه يناقض القول باحتساب المسافة من خارج الحجر مع القول بخروجه عن البيت.

نعم ، لو قلنا بدخوله أمكن ذلك ، ولي فيه تأمّل أيضاً ، فلا تغفل.

وما لعلّه يُتوهّم في معنى عبارته أن قوله : ( وتحتسب المسافة ) إلى آخره ، بمنزلة المستثنى من قوله : ( مراعياً تلك النسبة من جميع الجهات ) ، فكأنه قال : يجب مراعاة قدر ما بين المقام والبيت من جميع الجهات إلّا من جهة الحجر ، فإنه لا يجب مراعاة ذلك القدر ، بل تجوز الزيادة عنه. ظهر فساده بما سمعت من النصّ (١) والإجماع على وجوب مراعاة تلك النسبة من أربع جهات ، فلا تغفل.

الخامسة : تجب فيه النيّة مقارنة لأوّله إجماعاً. وهو أن ينوي الطواف الواجب في العُمرة المتمتّع بها ، أو المفردة الواجبة في حجّ الإسلام وهي عمرة الإسلام ، أو بالنذر أو شبهه ، أو بالاستئجار نيابة عن فلان ، أو بالإفساد لعمرة أُخرى أو حجّ ، أو المندوبة قربة إلى الله ، أو امتثالاً لأمر الله أو طاعة لله.

ويجب استدامتها حكماً بألّا ينوي بحركته نيّة تخالفها أو ينام أو يغمى عليه أو يسكر أو يجنّ وما أشبه ذلك ، ويلحق به ما لو ذهل عن كونه حال حركته طائفاً بالكلّيّة ، بحيث يخرج به الذهول والفكر عن كونه طائفاً بالكلّيّة ، فإنه مبطل كالذي قبله.

السادسة : تجب الطهارة من الحدث في الطواف الواجب ، لا نعلم فيه مخالفاً. ودعوى الإجماع عليه مستفيضة ، والنصوص مستفيضة به.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار : قال أبو عبد الله عليه‌السلام تقضى المناسك كلّها على غير

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٠ ، أبواب الطواف ، ب ٢٨.

٢٧٠

وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر قال يتوضّأ ويعيد ، فإنْ كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب ، فذكر وهو في الطواف قال يقطع طوافه ولا يعتدّ بشي‌ء ممّا طاف.

وسألته عن رجل طاف وهو على غير وضوء قال يقطع طوافه ولا يعتدّ به (٣).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ، أيعتد بذلك الطواف؟ قال لا (٤).

وغيرها من الأخبار من غير معارض ، فإذن الحكم إجماعيّ.

وحكم المستحاضة مع فعلها ما يجب عليها للصلاة حكم الطاهر بلا خلاف يظهر ، وأخبار أسماء بنت عميس (٥) دليل عليه بلا معارض ، فهو إجماع أيضاً ، وبدونه محدثة.

وتقوم الطهارة الترابيّة مقام المائيّة حال تعذّر المائيّة بلا خلاف يعرف ، وعموم أخبار بدليّة التراب عن الماء تشمله.

هذا بالنسبة إلى المستحاضة وذي البطن والسلس والريح ، الذين لا ينقطع حدثهم بقدر الطواف ، وتعذّرت عليهم الطهارة المائيّة على نحو يتيح لهم التيمّم

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٤ ، أبواب الطواف ، ب ٣٨ ، ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١١٦ / ٣٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٤ ، وسائل الشيعة ٣ : ٣٧٤ ، أبواب الطواف ، ب ٣٨ ، ح ٣ ، باختلافٍ يسير.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٤ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١١٧ / ٣٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٨ ، ح ٤ ، باختلاف.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ١ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١١٦ / ٣٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٨ ، ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٩ / ١ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٣٩٩ / ١٢٨٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٦٢ ، أبواب الطواف ، ب ٩١ ، ح ١.

٢٧١

للصلاة. هذا إن أمكن طوافهم ولو محمولين ، وإلّا وجبت الاستنابة ، ويعتبر ذلك حينئذٍ في النائب.

أمّا الحائض فلا يجوز لها دخول المسجد الحرام ولو متيمّمة فلا يصحّ طوافها. والأخبار به وبأنها تعدل إلى حجّ الإفراد لو لم تطهر في وقت يسعها بعد الطهر أفعال العُمرة مع إدراك الموقفين كثيرة (١) ، فلا بدّ لها من أن تطهر أوّلاً حتّى يباح لها التيمّم للطواف إذا تعذّرت المائيّة.

وأمّا الجنب فيصحّ منه الطواف بالترابيّة ؛ للعمومات ، ومن حيث اضطراره حينئذٍ ، وعدم ورود الرّخصة له بالعدول أو تأخير الطواف.

السابعة : يشترط في صحّة الطواف طهارة الثوب من النجاسة مطلقاً ، وإن عفي عنها في الصلاة على الأشهر الأظهر ؛ لعموم الدليل ، كخبر يونس بن يعقوب : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال ينظر الموضع الذي فيه الدم فيعرفه ، ثمّ يخرج فيغسله ، ثمّ يعود فيتمّ طوافه (٢).

وموثّقته : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، فقال اعرف الموضع ، ثمّ اخرج فاغسله ، ثمّ عدّ وابنِ على طوافك (٣).

وعمل المشهور يجبر ضعف السند.

والجمع بين هذه الرواية وما رواه الشيخ عن البزنطيّ عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : قلت له : رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال أجزأه الطواف فيه ، ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر (٤).

بحمل هذه على من لم يعلم بالنجاسة حتّى فرغ من طوافه ، فإنه صحيح ؛

__________________

(١) ستأتي في المسألة الثامنة عشرة انظر : ص ٢٨٣ وما بعدها.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٩ ، أبواب الطواف ، ب ٥٢ ، ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٦ / ١١٨٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٩ ، أبواب الطواف ، ب ٥٢ ، ح ١.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٦ / ٤١٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٩ ، أبواب الطواف ، ب ٥٢ ، ح ٣.

٢٧٢

للامتثال ، ولأنه ممّن وضع عنهم ما لا يعلمون.

وظاهر الفتوى أن من لم يعلم بالنجاسة حتّى فرغ صحّ طوافه مطلقاً ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، بل ادّعى فيه الإجماع جماعة. وجاهل الحكم عامد على الأشهر الأظهر ؛ لعدم دليل على معذوريّته هنا ، والأصل عدم المعذوريّة.

وفي ( الدروس ) (١) ألحقَ الناسي بالعامد. والمشهور إلحاقه بالجاهل ، وهو غير بعيد ؛ لصدق الامتثال وتحقّق المعذوريّة في الجملة.

ولو قيل بالفرق بين ذكرانه في حال إمكان الإتيان به ، أو قبل التلبّس بنُسُك آخر وغيره كان وجهاً.

ومن علم بالنجاسة في الأثناء أزالها وبنى إن أكمل حينئذٍ أربعة أشواط مطلقاً وصحّ طوافه. وكذا يصحّ لو لم يستلزم إزالتُها قطعَه والإخلالَ بالموالاة مطلقاً. أمّا لو كان إزالتُها تستلزم ذلك وعلم قبل إكمال أربعة ، فهل يبني حينئذٍ على ما أتى به أو يعيد من رأس؟

قيل : إن المشهور الثاني ؛ نظراً لأدلّة وجوب الموالاة كالتأسّي وغيره ، خرج منه ما لو أكمل أربعة بدليل ، ولأن الفتوى والأخبار فصّلت في مواضع كثيرة من قواطع الطواف بين إكمال الأربعة فيبني وعدمه فيستأنف ، فكأنها قاعدة في قطع الطواف حصلت بالاستقراء وبهذا تخرج عن القياس.

وقال جماعة : يبني مطلقاً (٢) ؛ نظراً إلى إطلاق الخبرين المذكورين (٣) ، وصحيح حمّاد بن عثمان عن حبيب بن [ مظاهر (٤) ] قال : ابتدأت في طواف الفريضة وطفت شوطاً ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثمّ جئت فابتدأت الطواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أنْ تبنى

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٤.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٣) هما قويّة منصور بن حازم : في الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦ ، وخبره : في الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤٢٧.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط ( ظاهر ).

٢٧٣

على ما طفت ، أما إنه ليس عليك شي‌ء (١).

ونظراً إلى صدق الامتثال بما مضى ، وهذا أقوى من الأوّل.

بل ظاهر ( المدارك ) (٢) وغير واحد : أنه المشهور ، ولم ينسبوا الخلاف بالتفصيل إلّا إلى الشهيدين (٣).

وهذه الأخبار مقيّدة لما ربّما يقال : إن القاعدة المستفادة من استقراء أحكام قطع الطواف الفرق بين ما إذا كان بعد إكمال أربعة فيبني ، أو قبله فيعيد. فصحّة البناء هنا مطلقاً خرج وثبت بهذا الدليل. وربّما قيل بالإعادة مطلقاً ، وهو شاذّ نادر ضعيف جدّاً.

الثامنة : يشترط في صحّة الطواف مطلقاً الستر للعورة التي يجب سترها في الصلاة ، فقد استفاضت الأخبار بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام أذّن في الموسم لمّا بعثه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بآيات البراءة إلّا يطوف بهذا البيت عريان.

منها : ما نقله الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) عن العيّاشيّ في تفسيره عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عليّاً عليه‌السلام بسورة براءة فوافى الموسم ، فبلّغ عن الله وعن رسوله بالمزدلفة ويوم النحر عند الجمار وفي أيّام التشريق الخبر.

إلى أن قال ولا يطوفنّ بالبيت عريان (٤).

ومنه : عن البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه فلمّا قدم عليّ عليه‌السلام ، وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحجّ الأكبر.

إلى أن قال وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان (٥) الخبر.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٨ ، وسائل الشيعة ٣ : ٣٧٩ ، أبواب الطواف ، ب ٤١ ، ح ٢.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٣) الدروس ١ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، مسالك الأفهام ٢ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٨٠ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٠ / ٤٠١ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠١ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٤.

٢٧٤

ومنه : عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب علي عليه‌السلام الناس ، واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان (١).

ومنه : عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، نحوه (٢).

ومنه : عن حكيم بن الحسين عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أن عليّاً عليه‌السلام نادى في الموقف : ألا لا يطوفنّ بالبيت عريان ولا عريانة (٣).

ومنه : في حديث آخر لمحمّد بن مسلم أن عليّاً عليه‌السلام قال لا يطوفنّ بالبيت عريان (٤).

ومن القمّي عن محمّد بن الفضيل عن الرضا عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني عن الله ألّا يطوف بالبيت عريان (٥).

واشتهر بين الأُمّة عن ابن عبّاس وهو في ( العلل ) مسند أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لا يطوفنّ بالبيت عريان (٦).

وإرساله وضعف سنده لا يضرّ ، مع اشتهار روايته واشتهار العمل بمضمونه ، وتأيّده بالأخبار ونقل أهل السير والتواريخ المتعرّضين لذكر قصّة براءة (٧) ، فلا ريب في استفاضة نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أن يطوف عريان.

هذا كلّه ، مضافاً إلى التأسّي بفعل الشارع ، مضافاً أيضاً إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله خذوا عنّي مناسككم (٨) مع أنه طاف بستر في مقام البيان. وأيضاً في وجوب لبس الإزار على المحرم أيضاً استئناس لذلك ، بل إشعار ، فتفطّن.

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٨٠ / ٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠١ أبواب الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٥.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٨١ / ٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠١ ، أبواب الطواف ، ب ٥٣ / ذيل الحديث ٥.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٨١ / ١٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠١ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٦ ، باختلاف فيهما.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ : ٨٠ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٢ ، أبواب الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٧.

(٥) تفسير القمّي ١ : ٣٠٩.

(٦) علل الشرائع ١ : ٢٢٤ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٠ ، أبواب الطواف ، ب ٥٣ ، ح ١.

(٧) تفسير القمّي ١ : ٣٠٩.

(٨) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣١٨.

٢٧٥

فلم يبقَ بعد هذا شبهة في وجوب الستر للطواف وشرطيّته في صحّته ، فإن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، فليس للتوقّف فيه وجه.

التاسعة : الختان شرط في صحّة طواف الرجل دون المرأة ، كما قطع به أكثر الأصحاب ، وعن ظاهر ( المنتهى ) (١) أنه موضع وفاق.

وفي كلام جماعة أنه إجماع.

والنصوص به مستفيضة ، منها : صحيحة حَرِيز (٢) ، وإبراهيم بن عمرو (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لا بأس أنْ تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختون.

وصحيحة معاوية بن عمّار عنه عليه‌السلام أنه قال الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أنْ تطوف المرأة (٤).

وصحيحة إبراهيم بن ميمون عنه عليه‌السلام : في الرجل يسلم فيريد أن يحجّ وقد حضر الحجّ ، أيحجّ أم يختتن؟ قال لا يحجّ حتّى يختتن (٥).

وحسنة حَرِيز عنه عليه‌السلام قال لا بأس أنْ تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختتن (٦).

وموثّقة حَنَان بن سَدِير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نصرانيّ أسلم وحضر الحجّ ولم يكن اختتن ، أيحجّ قبل أن يختتن؟ قال لا ، ولكن يبدأ بالسنّة (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ٦٩٠ ( حجريّ ).

(٢) الكافي ٤ : ٢٨١ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٧ ، أبواب الطواف ، ب ٣٩ ، ح ١ ، بتفاوتٍ يسير.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧١ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٣ / ذيل الحديث ٣ ، بتفاوتٍ يسير.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٦ / ٤١٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٠ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٣ ، ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٨١ / ١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٠ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٣ ، ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٥١ / ١٢٠٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧١ ، أبواب الطواف ، ب ٣٣ ، ح ٣.

(٧) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧١ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٣ ، ح ٤.

٢٧٦

والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، والعبادات كيفيّات [ متلقّيَات (١) ] من الشارع ، ولم نظفر بدليل يدلّ على تخصيص ذلك بحال السعة. وإطلاق قوله تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وقوله عزّ اسمه ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٣) لا ينافي ذلك حتّى يجمع بين الآيات والأخبار بالحمل على السعة ، بل هو جمع بلا دليل.

وأي فرق في الأمر بالحجّ والطواف بين شرطيّة الطهارة والستر وغيرها وبين شرطيّة الختان؟ فإذن القول بعدم شرطيّته حال الضرورة ضعيف ، لا دليل عليه.

وهل يشمل الحكم بالشرطيّة غير البالغ من الذكور؟ الظاهر ذلك ؛ لظاهر صحيحة ابن عمّار (٤) المذكورة. وحينئذٍ يجب أن يطوف عنه وليّه إذا أحرم به أو يختنه.

وفي الخنثى المشكل إشكال ، أقربه عدم الشرطيّة ؛ للأصل ، وخروجها عن اسم الرجل عرفاً ، وتبادر إطلاق الأغلف على الذكر الصريح. والأحوط الأوْلى إلحاقها بالرجل.

العاشرة : قال في ( المدارك ) : ( قال في ( التذكرة ) : ( لو شكّ في الطهارة : فإن كان في أثناء الطواف تطهّر واستأنف ؛ لأنه شكّ في العبادة قبل فراغها فيعيد كالصلاة. ولو شكّ بعد الفراغ لم يستأنف ) (٥). هذا كلامه ، وهو غير جيّد ولا مطابق للأُصول المقرّرة.

والحقّ أن الشكّ في الطهارة إن كان بعد تيقّن الحدث وجب عليه الإعادة مطلقاً ؛ للحكم بكونه محدثاً شرعاً ، وإن كان الشكّ في الطهارة بمعنى الشكّ في بقائها للشكّ في وقوع الحدث بعد تيقّن الطهارة لم تجب عليه كذلك ؛ لكونه متطهّراً

__________________

(١) في المخطوط : ( متلقّاة ).

(٢) الحجّ : ٢٩.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٦ / ٤١٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٠ ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب ٣٣ ، ح ١.

(٥) تذكرة الفقهاء ٨ : ١١٣ / المسألة : ٤٧٦.

٢٧٧

شرعاً ) (١) ، انتهى.

قلت : هذه عبارة ( التحرير ) (٢) أيضاً ، ومعنى عبارة العلّامة أن من شكّ في أنه تطهّر أم لا ، بعد تيقّن سبق الحدث وهو في الأثناء ، تطهّر وأعاد ؛ لأنه حينئذٍ محدث شرعاً ، ولأن الأصل عدم الطهارة حينئذٍ. وإن كان لم يعرض له الشكّ إلّا بعد فراغه صحّ ، بناءً على ظاهر الحالّ وإلّا لزم الحرج ؛ إذ لا فرق بين طول الزمان بعد الطواف وقصره ، فلو حكم حينئذٍ بالبطلان لزم العسر والحرج لأكثر الناسكين ، وليس في هذا مخالفة لقواعد الفقه وأُصوله.

هذا وقد اشتهر حديث الطواف بالبيت صلاة (٣) ، والصلاة بُنِيَ أكثر أحكامها على الظاهر ، كما في الشكوك وغيرها دون الأصل ؛ دفعاً للحرج والعسر ، فكيف بالطواف المكلّف به أهل البلاد البعيدة ، مَنْ لا يجد إلّا استطاعة واحدة؟ فظهر جودة كلام العلّامة ومطابقته للقواعد الشرعيّة ، فتأمّله.

ونظير المسألة الشكّ في عدد الطواف ، وما قاله السيّد جيّد إذا كان الشكّ واقعاً في أثناء الطواف.

الحادية عشرة : من أحدث في أثناء الطواف الواجب قطعه وتطهّر ؛ لما دلّ على شرطيّة الطهارة فيه ، فإن كان حدثه قبل إكمال أربعة أشواط أعاده بعد الطهارة من أوّله ؛ لأصالة شغل الذمّة بيقين وقاعدة وجوب توالي أربعة أشواط. وإن كان بعد إكمال أربعة أشواط تطهّر وبنى على ما مضى ؛ بمقتضى القاعدة المشار لها ولصدق الامتثال ، ولخصوص ما رواه الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) عن موسى بن القاسم عن النخعيّ عن ابن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه قال يخرج ويتوضّأ ، فإنْ كان جاز النصف

__________________

(١) مدارك الأحكام ٨ : ١٤١.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٩٩ ( حجريّ ).

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ١٦٧ / ٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

٢٧٨

بنى على طوافه ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف (١).

وليس لها معارض ، بل ظاهر الفتوى عليها.

الثانية عشرة : تجب سبعة أشواط تامّة لا تنقص ولا تزيد ، كلّ شوط من الحَجَر إلى الحَجَر ، فلو نوى الزيادة أو النقصان ولو في الأثناء بطل ؛ إذ لا يعارض يقين شغل الذمّة اليقيني إلّا مثله ، ولأنه لم يأتِ عن الشارع ، بل هو خلاف عمل الشارع. وقوله : ( العبادة كيفيّة متلقّاة ) ، ويحتمل الصحّة في الجملة إن نوى الزيادة في الأثناء ؛ لخروجها عن المنويّ ، وهو ضعيف جدّاً ، بل لا يبعد سقوطه.

الثالثة عشرة : تجب الموالاة في الأشواط السبعة كما هو ظاهر النصّ (٢) والفتوى ، فمن نقص من طوافه عمداً أو سهواً رجع وأتمّ ما بقي إن كان قد أتى بأربعة متوالية ، وإلّا أعاد من رأس سواء كان عامداً أو ساهياً ، كما هو ظاهر الفتوى.

وفي مختصر السيّد عليّ من شرحه على ( النافع ) : ( قد أخرجنا متمسّك هذا الحكم في ( الشرح ) (٣) ) (٤) ، انتهى.

وقد نبّهناك على أن هذه قاعدة مأخذها استقراء أحكام قطع الطواف لمرض ، أو حضور صلاة ، أو حاجة مؤمن ، أو عروض حدث ، أو غير ذلك. خرج منها ما خرج بدليل ، وبقي الباقي على مقتضى القاعدة.

الرابعة عشرة : لا يجوز تعمّد قطع الطواف الواجب في غير ما رخّص فيه الدليل ؛ لظاهر الكتاب والنصّ (٥) والإجماع ، فلو فعل أتمّ وأعاد ؛ إمّا ما بقي أو من رأس ، بحسب الدليل ، وستعرف مواضعها في خلال الكتاب إن شاء الله تعالى.

الخامسة عشرة : من اختصر شوطاً في الحجر بأن سلك من باطنه ، بطل شوطه

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٨ / ٣٨٤ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٨ ، أبواب الطواف ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٨ ، أبواب الطواف ، ب ٤١ ، و: ٣٨٦ ، أبواب الطواف ، ب ٤٥.

(٣) رياض المسائل ٤ : ٢٨٣. بتفاوتٍ يسير.

(٤) الشرح الصغير ١ : ٤٢٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٨ ، أبواب الطواف ، ب ٤١.

٢٧٩

بالنصّ والإجماع. وهل يبطل الطواف كلّه فتجب الإعادة من رأس ، أو يعيد ما اختصر من طوافه خاصّة ، أو يعيد من رأس إن كان الاختصار قبل إكمال أربعة أشواط ، وما اختصر خاصّة إن كان بعده؟ الأظهر الأشهر الثاني.

ويدلّ عليه ما رواه في ( تهذيب الأحكام ) في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : رجل طاف بالبيت واختصر شوطاً واحداً في الحَجر قال يعيد ذلك الشوط (١).

وفي ( الفقيه ) : روى ابن مسكان عن الحلبيّ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجر ، كيف يصنع؟ قال يعيد الطواف الواحد (٢).

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين ، نقلاً من ( مستطرفات السرائر ) (٣) في الصحيح عن الحلبيّ عنه عليه‌السلام ، مثل ما في ( الفقيه ).

وفي ( الكافي ) في الصحيح عن حفص بن البختريّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر قال يقضي ما اختصر من طوافه (٤).

وعلى هذا ، فما ورد في المسألة من إطلاق الأمر بالإعادة مقيّد مبيّن بهذه الأخبار أو محمول على من اختصر السبعة ، فإنه يعيدها إجماعاً ، فلا يطرح خبر بل يحصل العمل بجميعها. ولو قلنا بإعادة الطواف من رأس لزم طرح هذه الصحاح الصراح.

ومنه يظهر ضعف القول بالتفصيل بين ما لو كان الاختصار قبل إكمال أربعة فيعيد من رأس ، وما لو كان بعد إكمالها فيعيد ما اختصره خاصّة ؛ إذ لا دليل عليه في هذا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣١ ، ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣١ / ذيل الحديث ١.

(٣) السرائر ( المستطرفات ) ٣ : ٥٦١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣١ / ذيل الحديث ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٩ / ١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٥٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣١ ، ح ٢.

٢٨٠