رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وفيه ما مرّ ، وهم اعلم بما قالوا ، ومثل الشيخ : والمحقّق : والشهيد : وأضرابهم يُضنّ بمثلهم عن التهجّم على الفتوى بغير دليل ، على أنك عرفت الدلالة من الأخبار ، فتدبّر.

قال فاضل ( المناهج ): ( قوله : ( من عدم الدلالة عليه ظاهراً ) (١) ، بل الدليل على الإيماء بالصحّة ظاهر ، وأمّا بمؤخّر العين فقد عرفت أن عليه أيضاً دليلاً ، ولا يخفى وجه كلامه على من تدبّر من عبارته وغيرها ).

وقال فاضل ( المناهج ) : رحمه‌الله : ( قوله : ( وليقصد المصلّي الأنبياء [ والملائكة ] (٢) والأئمّة عليهم‌السلام والمسلمين من الإنس والجنّ ) (٣) فإنه لفظ عربي له معنًى ، ولا مخصّص لبعض المخاطبين دون بعض ، ولا يضرّ قصد الكلّ ، بل ينفع ، فلا بدّ من أن يتوجّه إلى كلّ من يصلح للخطاب والتسليم عليه. والملائكة والأنبياء منصوص عليهم ، وكانوا هم المخاطبين في أوّل شرع الصلاة حين صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في السماء.

وليخصّ الإمامُ المأمومين والمأمومون الإمام من بين المؤمنين مع إرادة سائرهم ؛ لأن الحاضر لا سيّما المتبوع والتابع في الصلاة أحقّ بالتحيّة من غيره ، بل كلّ مصلّ ينبغي أن يخصّ كلّ حاضر من المؤمنين لذلك ، ولدلالة الأخبار عليه وعلى متلوّه ، أمّا على متلوّه فظاهر ، فيدلّ عليه ما دلّ على استحباب تسليم المأموم على الجانبين إن كان على يساره أحد ، ولم يقيّد بكونه مصلّياً.

وكذلك ينبغي أن يخصّ الملكين الموكّلين به ، والملائكة الذين يرجو حضورهم من بين سائر الملائكة لذلك ، ولدلالة بعض الأخبار المتقدّمة صريحاً على أن الإيماء عن اليمين لتخصيص ملك الحسنات ، ولفظ الجمع لشموله له وللآخر ، ومنه يعلم أنه ينبغي أن يخصّ الملك الموكّل بالحسنات أيضاً من بين الملكين ) ، انتهى.

وفي بعضه تأمّل لا يخفى ، وهو أن ظاهر قوله : ( وليقصد .. إلى قوله ـ : فلا بدّ من

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٨٠.

(٢) من المصدر.

(٣) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٨٠.

١٢١

أن يتوجّه إلى كلّ مَنْ يصلح للخطاب والتسليم عليه ) يعطي وجوب ذلك ، وهذه الكلّيّة ممنوعة لما تقدّم ، ولعدم الدليل عليه.

وكيف يجب أن يقصد بالتسليم مَنْ لا يجب ذكره في الصلاة ولا إحضاره بالبال؟! وإنما يجب قصد مَنْ يجب ذكره وإحضاره بالبال قبله ، وقد مرّ بيانه.

وأيضاً ، فنحن نمنع الدلالة على استحباب قصد كلّ مؤمن ومؤمنة ، وقصد كلّ من حضر [ الصلاة (١) ] منهم غير الإمام والمأموم مع المسلّم أو الإمام ؛ لما مرّ.

ولا يدلّ على ظاهر عبارته ما قاله من : ( أنه لفظ عربي له معنًى ولا مخصّص ) ؛ لأنه لو سلّم اقتضى عمومه صحّة ملاحظة فسقة المؤمنين المجاهرين بالمعاصي ، بل والكفّار ، لصلاحيّة الكلّ للخطاب بالتسليم وغيره.

وبطلان هذا ظاهر بالإجماع والنصّ (٢) القائمين على المنع من التسليم على الكفّار ، وكراهيّة التسليم على المجاهرين بالفسوق والعصيان من المؤمنين خصوصاً شارب الخمر واللاعب بالنَّرْدِ والشطرنج والمقامر وغيرهم ، كما لا يخفى على من تدبّر الأخبار ، فظهر عدم نفع قصد الكلّ ، بل ضرره في بعض القصود ، فلا دلالة فيه على ظاهر المدّعى.

على أن قوله في آخر العبارة : ( ينبغي .. وينبغي .. وينبغي .. ) لا يخلو ظاهره من شوب منافرة لظاهر صدر العبارة ودليلها ، فإن ( ينبغي ) ظاهر في الاستحباب ، وصدر العبارة ودليلها ظاهره الوجوب ، كما لا يخفى.

وأيضاً ، فدلالة استحباب التسليمة الثانية للمأموم إذا كان عن يساره أحد على عموم الأحد لكلّ حاضر وإن لم يكن مصلّياً ؛ لعدم التقييد ، فكما ترى ، وقد مرّ الكلام فيه.

وإن كلّ أحد من أهل الاستيضاح والاستنباط ممّن يفهم لحن خطابهم سلام الله

__________________

(١) في المخطوط : ( المصلّي ).

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٢ : ٧٧ ـ ٨٠ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ٤٩.

١٢٢

عليهم لم يفهم منه إلّا مَنْ على يساره ممّن هو مؤتمّ بإمامه ، ولو كان بعموم ظاهره لدخل فيه الكافر ، بل والحيوان ، وهذا باطل بالضرورة ، ولو كان ذلك حقّا لدلّ عليه الشارع ولصرّح به بعض نوّابه ، بحيث يظهر القائل به في كلّ زمان ، ولم يظهر لي دلالة عليه ، ولا قائل به غير هذا الفاضل ، وهو اعلم بما قال.

وقوله بعد هذا : قوله : ( وإن كان مخرجاً عن العهدة ) (١) ؛ لأن العبادات اللفظيّة لا يقصد بها إلّا الألفاظ ، إلّا إذا دلّ دليل على إرادة المعنى معها ؛ وذلك لأنه إن اعتبر المعنى لزم الحرج العظيم على العالمين بمعانيها ، فضلاً عن الجاهلين ، ولذا لم يشترط في أصل الصلاة التوجّه إلى المعاني والإقبال عليها ، ففي التسليم الموضوع للخروج منها بطريق أوْلى لا يخلو من منافرة لظاهر ما قبله ، على أنا أيضاً نمنع إجزاء مجرّد تلاوة الألفاظ من غير قصد معانيها مع القدرة على معرفتها ، وإلّا لَمَا ذمّ الله من لا يتدبّر القرآن ، ولَمَا شبّه من لا يتدبّره بالحمار يحمل أسفاراً.

وبالجملة ، فالأخبار الدالّة على وجوب قصد معاني ما تعبّد الله به عباده من الألفاظ من القادر على معرفتها أكثر من أن تحصى في كتاب. نعم ، من لم يستطع لذلك يكفي تعبّده بتلاوة اللفظ ؛ لأنه لا يسقط الميسور بالمعسور (٢) ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٣) ، وإنما يداقّ (٤) الله الناس على قدر عقولهم (٥) ، أمّا مَنْ أعطاه الله عقلاً يدرك به ما خاطبه به مولاه ويعرف به مراده منه فأهمل ذلك فقد كفر النعمة واستحقّ النقمة ورضي بالدون فهو المغبون ، والناس في المعارف يتفاضلون ولكلّ نصيب سؤله من مولاه بلسان اختيار قابليّته ، ولو عجز إنسان عن دَرْك بعض وقدر على دَرْك بعض وجب عليه ما قدر عليه ، وسقط عنه ما عجز عنه.

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٨٠.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، وفيه : « لا يترك » بدل : « لا يسقط ».

(٣) البقرة : ٢٨٦.

(٤) المُداقّة : هي أن تداقّ صاحبك في الحساب وتناقشه فيه. مجمع البحرين ٥ : ١٦٢ دقق.

(٥) الكافي ١ : ١١ / ٧ ، بالمعنى.

١٢٣

وبالجملة ، فحالهم في القدرة على التلفّظ بالعبادات اللفظيّة وعدمه كحالهم في دَرْك معرفة المعاني وقصدها من غير فرق ، وصاحب الأمر إنما يكلّف الناس بقدر وسع المكلّف ، وإنما يخاطبه بقدر عقله ، لا ينقص ولا يزيد ، ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (١) ، فمن أهمل درك معاني تكاليفه بقدر ماله من العقل لم يعمل بما كلّف به ؛ لأن العمل بقدر العلم ، والعلم أساس العمل ومادّته ، فمن أهمل طلب علم ما كلّف به من العمل لم يعمل ؛ لأن تكليفه إنما هو بقدر وسعه من العلم ، فمن لم يعلم مع قدرته لم يعمل مع قدرته ، ومن لم يعمل مع قدرته فقد عصى ، ومن لم يقدر (٢) فـ ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها ) (٣) ، فلا إفراط ولا تفريط.

قال في ( البيان ) : ( ثمّ الإمام يقصد السلام على الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام والحفظة والمأمومين ، وكذا المنفرد إلّا في قصد المأمومين ، والمؤتمّ يقصد بأحدهما الردّ على الإمام وبالأُخرى مقصد الإمام.

وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام بواحدة ، ثمّ يسلّم عن جانبيه بتسليمتين (٤).

وقال ابن أبي عقيل : ويردّ المأموم التسليم على مَنْ سلّم عليه من الجانبين والكلّ جائز ، ولو قصد المصلّي مسلمي الجنّ والإنس وجميع الملائكة جاز ، ولو ذهل هذا القصد فلا بأس ) (٥) ، انتهى.

وهو كما قال فيما لو ذهل كسائر أجزائها ، ويكفي قصد المطلق إلى الإتيان بجميع الأجزاء في أوّلها. وكلّ كلامه حسن إلّا إن إطلاقه أن المأموم يسلّم مرّتين ويقصد بأحدهما ما قصده الإمام يجب تقييده بما إذا كان بجانبه مؤتمّ آخر ، مع أنه بظاهره ينافر ما عَزَاه في ( الذكرى ) (٦) لظاهر الأصحاب في تسليمتيه ، فراجعه.

__________________

(١) الكهف : ٤٩.

(٢) في المصدر : ( يعلم ) بدل : ( يقدر ).

(٣) الطلاق : ٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٠ / ذيل الحديث ٩٤٤ ، المقنع : ٩٦.

(٥) البيان : ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٦) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

١٢٤

[ السادس (١) ] : يجب في التسليم كلّ ما يجب في واجب التشهّد من الجلوس ، والطمأنينة ، والعربيّة ، وغير ذلك ؛ لأنه جزء من الصلاة ، فله ما لغيره من أجزائها ، وعليه ما عليها ، ومع العجز لا يسقط الميسور بالمعسور.

قال في ( الذكرى ) : ( الجالس للتسليم كهيئة المتشهّد في جميع ما تقدّم من هيئات الجلوس للتشهّد الواجبة والمستحبّة والمكروهة كالإقعاء ؛ لدلالة فحوى الكلام عليه ، ولأنه مأمور بتلك الهيئة حتّى يفرغ من الصلاة ، فيدخل فيها التسليم ، ويجب الطمأنينة بقدره ، والإتيان بصيغته مراعياً فيها الألفاظ المخصوصة باللفظ العربي ، والترتيب الشرعي ؛ لأنه المتلقّى عن صاحب الشرع المخصوص صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو جهل العربيّة وجب عليه التعلّم ، ومع ضيق الوقت تجزي الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة ، ثمّ يجب التعلّم لما يستقبل من الصلاة ) (٢) ، انتهى وكلّه حسن.

[ السابع (٣) ] : الإجماع قائم على استحباب التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : قبل التسليم المُخرِج ، وقبل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، بصيغة السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، وما يظهر من عبارة ( الفاخر ) (٤) من وجوبها لم نعلم له موافقاً في ذلك من الأُمّة ، بل هو مسبوق بالإجماع وملحوق به.

قال في ( البيان ) : ( وهو مسبوق بالإجماع وملحوق به ، ومحجوج بالروايات المصرّحة بندبه ) (٥).

ونقل كلام ( البيان ) في ( المناهج ) ساكتاً عليه ، ولو لا ذلك لكان قويّاً ؛ لظاهر قوله عزّ اسمه ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٦) ، مع ما ورد في تفسيرها بالتسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) ما أفاض الباري جوداً على موجود.

__________________

(١) أي السادس من التنبيهات التي ابتدأها في ص ٧٣ ، وفي المخطوط : ( الرابع ).

(٢) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٣) أي السابع من التنبيهات التي ابتدأها في ص ٧٧ ، وفي المخطوط : ( الخامس ).

(٤) عنه في البيان : ١٧٨.

(٥) البيان : ١٧٨.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

(٧) كنز الدقائق ٨ : ٢١٢ ـ ٢١٣.

١٢٥

وفي ( الذكرى ) أنه ليس من المذهب (١) ، وقال في ( الذكرى ) أيضاً : ( ويستحبّ عند ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس ، قاله المفيد (٢) : ، وسلّار (٣) : ، وهو حسن في البلاد الذي يكون قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله قبلة المصلّي ) (٤) ، انتهى.

قلت : كلامه رحمه‌الله في هذا التقييد حسن لو كان الإيماء إلى قبره ، لكن الإيماء إلى القبلة إنما هو إليه ، وهو قبلة الصلاة أينما توجّهت القبلة ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٥) ، وهو الوجه فاغتنم.

نعم ، لم نقف على دليل هذا الحكم من النصّ ، رزقنا الله الوقوف عليه ، وكفى بهذين الإمامين الجليلين ناقلاً.

ولنقطع الكلام مصلّين على محمّد : وآله ، وحامدين لله المولى الجليل الغفّار الكريم ، وقد جعلتها وفادة على باب صاحب الأمر ، راجياً منه العفو عن زللي كما هو شأنه ، فإن قَبِلَها فبرحمته ، وإن ردّها فبذنوب مؤلّفها تراب أقدام المؤمنين : أحمد ابن صالح بن سالم بن طوق. وأنا أتضرّع إليه في العفو عن جرائمي وجرائم والديّ وجميع المؤمنين والمؤمنات ، وهو بنا رؤوف رحيم.

وقد تمّت آخر نهار اليوم التاسع والعشرين من شهر محرّم الحرام ، لعن الله من انتهك حرمة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : فيه ، وهو أوّل شهور [ السنة (٦) ] الرابعة والأربعين بعد الألف والمائتين هجريّة. والحمد لله ربّ العالمين كما هو أهله ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلم عليهم كما هم أهله ، وقد وسمتها بـ : ( روح النسيم في أحكام التسليم ).

تمّت على يد المذنب الجاني العاصي الفقير إلى الله الغني : زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع : ، عفا الله عنهم بمحمّد : وآله المعصومين ، صلّى الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

(٢) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١١٤.

(٣) المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٣ : ٣٧٤.

(٤) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٥) البقرة : ١١٥.

(٦) في المخطوط : ( سنة ).

١٢٦

الرسالة العاشرة

من استوعب عذره الوقت ولم يتمكن بعد زوال العذر من ركعة

١٢٧
١٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد : فيقول الأقل أحمد بن صالح بن سالم بن طوق (١) :

مسألة : مَنِ استوعب عذره الوقت ، بحيث لم يتمكّن بعد زوال العذر من ركعة بعد تحصيل شرائط الصلاة ، سقط عنه الفرض بلا خلاف يظهر ولو تمكّن من بعض ركعة. ويدلّ عليه النصّ بلا معارض يظهر ، كما سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى ، فلا يبعد قيام الإجماع عليه.

وأمّا إذا أدرك ركعة تامّة من الوقت كأن طهرت الحائض أو النفساء ، أو أفاق المجنون والمغمى عليه ، أو بلغ الإنسان ، أو أسلم الكافر ، وقد بقي من الوقت قدر ما يحصل فيه الطهارة وركعة تامّة بأقلّ المجزي ، وجبت عليه تلك الفريضة ، فإن أهمل حينئذٍ وجب القضاء.

في بيان حدّ بركعة

وفي حدّ الركعة التي مَنْ أدركها وجبت عليه تلك الفريضة ، ومَنْ أكملها في ثانية الرباعيّة ، ثمّ عرض له الشكّ لم تبطل فريضته ، وإن عرض له الشكّ قبل إكماله

__________________

(١) من « ش ».

١٢٩

بطلت ، أقوال أربعة :

أحدها وهو المشهور المنصور ـ : رفع الرأس وانفصال الجبهة من محلِّ السجود بعد السجدة الثانية وبه يتحقَّق كمال الركعة. ويدلّ عليه أن المعروف من عُرف المتشرّعة أنهم إذا أطلقوا الركعة فإنما يريدون مجموع الأفعال إلى أن تنفصل الجبهة عن محلّ السجود في السجدة الثانية. ولذا لو دعا في السجدة الثانية من الركعة الأُولى أو الأخيرة مثلاً صدق في عرفهم أنه دعا في الركعة الأُولى أو الأخيرة.

ولو نذر أن يدعو بدعاء مخصوص في الركعة الأُولى مثلاً تحقّق الامتثال بفعله في السجدة الثانية منها بعد الذكر الواجب ؛ لأنه حينئذٍ لم يخرج منها ؛ لأن انتهاء أفعال الصلاة لا تتحقّق إلّا بالدخول في فعل آخر. وما زال ساجداً في الثانية منها لا يكون داخلاً في الثانية البتّة ، فلا تكون الأُولى منتهية ؛ ولأن الأصل كونه في الأُولى حتّى يثبت الناقل عنها بيقين ، ولا يحصل يقين الانتقال عنها إلّا بانفصال الجبهة من محلّ السجود في السجدة الثانية.

وأيضاً ترى الفقهاء في كلّ طبقة بلا نكير يطلقون القول : إن السجدتين من كلّ ركعة ركن ، وإن مَنْ نسي سجدة من ركعة قضاها بعد التسليم ، وإن صلاة العيد مثلاً ركعتان في كلّ ركعة سجدتان. وغير ذلك من وصف الفرائض والنوافل.

وبالجملة ، لا شكّ في أن في كلّ ركعة سجدتين ، فممّا لا ينبغي الارتياب فيه أن السجدتين من الركعة ، وما زال المصلّي لم تنفصل جبهته من محلّ السجود في الثانية يصدق عليه أنه في السجدة الثانية ، فيصدق أنه في الأُولى مثلاً لعدم انتهائها ، لعدم انتهاء السجود الذي هو منها البتّة ، ولعدم صدق دخوله في الثانية البتّة. فإنه لا يتحقّق دخوله في الثانية ما لم يتحقّق انفصاله من الثانية. فما لم يتحقّق الفراغ من الثانية لا يتحقّق الدخول في الثانية ، فما لم يدخل في الثانية فهو في الأُولى.

وهذا وأمثاله كثير في كلام الفقهاء ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار وجدتها دالّة على أن

١٣٠

السجدتين بكمالهما حتّى يرفع رأسه من الثانية من الركعة ، وأنه ما دام لم يرفع رأسه من الثانية فهو في الركعة لم يخرج منها ، خصوصاً أخبار الدعوات والأوراد الواردة بأنك تدعو في آخر سجدة من مفردة الوتر (١) ، أو آخر سجدة من الركعة الأخيرة من صلاة كذا (٢) ، وأمثال هذا مستفيض لا يسع المقامُ نقلَه.

وكلّ هذا يدلّ دلالة صريحة على أن الحقيقة الشرعيّة في الركعة هي مجموع الأفعال حتّى تنفصل الجبهة من محلّ السجود في السجدة الثانية. فإذا ثبت هذا ثبت أن آخر الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية ، وفي كثير من الأخبار : تصلّي ركعتين تطيل سجودهما وركوعهما (٣).

وبالجملة ، فإن استفادة أن آخر الركعة رفع الرأس من السجدة الثانية من النصّ غير عزيز ، بل لعلّك لو تدبّرت كتب الدعوات وما ورد في طلب الحاجات وجدت الدلالة على ذلك مستفيضة. وأيضا إذا انفصل رأس المصلّي من موضع السجود في الثانية فقد تمّت الركعة إجماعاً ، ولم يقم دليل على انتهائها قبل ذلك من نصّ ولا إجماع ، فهو قبل ذلك في الركعة بحكم الاستصحاب ، وأصالة عدم الدخول في غيرها عدم حدوث الحادث.

قال الكاشاني في ( شرح المفاتيح ) : ( المراد من إدراك الركعة إدراك تمامها ، وهو رفع الرأس من السجدة الأخيرة ؛ لأنه المصطلح عليه عند المتشرّعة ، فعلى تقدير ثبوت الحقيقة الشرعيّة مطلقاً أو في زمان الصادقين عليهما‌السلام ومَنْ بعدهما فأمر ظاهر ، وعلى القول بنفيها فالقرينة الصارفة عن المعنى اللغوي تعيّن الاصطلاحي بغلبة الاستعمال وشيوعه إلى أن اعتقد الحقيقة الشرعيّة الفحول من المحقّقين ، فالذهن ينصرف إليه لا إلى ما لم يعهد استعمال الشارع فيه أو ندر.

__________________

(١) المصباح ( الكفعمي ) : ٨١ ، بحار الأنوار ٨٤ : ٣٠٨ / ٨٦.

(٢) انظر : الكافي ٣ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ٨ ، وسائل الشيعة ٨ : ١٢٨ ، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ب ٢٨ ، ح ١.

(٣) انظر المصباح ( الكفعمي ) : ٢٧٦ ، ٢٧٧.

١٣١

فما في ( الذكرى ) من الاكتفاء ( بالركوع للتسمية لغةً وعرفاً ولأنه المعظم ) (١) ، فيه ما فيه ويضره (٢). ومقصدنا أصالة العدم وأصالة البقاء واستدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينيّة ، وأن مقتضى الآية والأخبار الدالّة على الأوقات لزوم إدراك المجموع في الوقت ، خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ) ، انتهى.

وقال في ( المصابيح ) (٣) : ( الرابع يعني : من الأقوال في المسألة ـ : توقّف الإكمال على الرفع من الثانية ، وهو ظاهر المشهور ، كما يستفاد من ( الذكرى ) (٤) و ( المدارك ) (٥) وغيرهما (٦) ، ويظهر من مطابقته لعُرف المتشرّعة ، فإن المتبادر من الركعة في إطلاقاتهم مجموع الأفعال إلى الرفع ، ولذا لو دعا أو أطال الذكر في السجدة الثانية من أيّ ركعة صدق أنه دعا في تلك الركعة ، أو أطال الذكر فيها. ولو نذر أحدهما امتثل بفعله ما لم يرفع من السجدة الأخيرة.

وقد صرّح العلَّامة : في ( التذكرة ) (٧) ، وغير واحد ممَّن تأخَّر عنه في مسألة إدراك الوقت بإدراك الركعة ، بأن الركعة إنما تتحقّق برفع الرأس من السجدة الثانية ، وللركعة معنًى واحد لا يختلف باختلاف المسائل. وهذا القول هو اختيار ( الذخيرة ) (٨) ، و ( الكفاية ) (٩) ، و ( البحار ) (١٠) ، وهو المختار ؛ لأن الأصل بقاء الركعة حتّى يثبت الانتقال منها والخروج عنها ، ولا يُعلم إلّا بالرفع ).

إلى أن قال : ( ويدلّ عليه أيضاً أن الركعة من الحقائق الشرعيّة ، فيرجع في تعيينها

__________________

(١) الذكرى : ١٢٢ ( حجريّ ).

(٢) كذا في النسختين.

(٣) مصابيح الأحكام أو المصابيح في الفقه المستنبط على الوجه الصحيح. لآية الله بحر العلوم السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي. والمجلّد الرابع منه بخطّ الشيخ أحمد بن صالح آل طوق وعليه بعض الحواشي بإمضائه. انظر الذريعة ٢١ : ٨٢. والمصدر غير متوفّر لدينا.

(٤) الذكرى : ١٢٢ ( حجريّ ).

(٥) مدارك الأحكام ٣ : ٩٢.

(٦) ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٧) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٢٤ / المسألة : ٤١ ، الفرع : ج.

(٨) ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٩) كفاية الأحكام : ٢٦.

(١٠) بحار الأنوار ٨٥ : ١٨٧.

١٣٢

إلى عُرف المتشرّعة ، والمفهوم منها في عرفهم كما عرفت هو مجموع الأفعال إلى الرفع ، فتكون كذلك شرعاً ؛ ولأن أجزاء الصلاة تختلف باعتبار الانتهاء والإكمال.

فالأقوال منها كالقراءة والذكر والدعاء تنتهي بنفسها ، ولا يتوقّف الفراغ منها على الدخول في غيرها. وأمّا الأفعال فإنما يحصل إكمالها والفراغ منها بالانتقال إلى فعل آخر ، فإن القائم قائم ما لم يركع ، والراكع راكع ما لم يرفع ، وكذا الساجد فإن سجوده مستمرّ باقٍ لا ينتهي ولا يكمل إلّا بالرفع ، سواء في ذلك السجدة الأُولى والثانية ، وخروج الرفع عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه ، كما أن خروجه عن الركوع لا ينافي ذلك ، وهو مع خروجه عن الحقيقتين جاز أن يُعدّ من واجباتهما ؛ لتوقّف الامتثال على الإكمال المتوقّف عليه.

ولا يلزم من ذلك عدّ الركوع من واجبات القيام وإن أمكن بالاعتبار المذكور ؛ لأن الأُمور الاعتباريّة لا يلزم فيها الاطّراد ، والركوع لمّا كان ركناً مستقلا لم يُجعل تابعاً لغيره بخلاف الرفع ، ويمتاز الرفع عمّا عداه من الأفعال بعدم توقّف إكماله على الدخول في غيره ؛ لكونه من الأُمور المقتضية الغير الباقية ، فجاز من هذا الوجه دخوله في الركعة وانتهائها به وإن كان خارجاً من السجود ، غير أن ذلك لا أثر له يعتدّ به في العمل مع القول بتوقّف إكمال السجود عليه ، كما هو المختار ) ، انتهى كلام ( المصابيح ).

قلت : الرفع غير داخل في شي‌ء من الركعتين ، وإنما هو كالأخذ في القيام والهوي مقدّمة لما بعده ، بل لا يبعد خروجه عن أجزاء الصلاة الأصليّة وإن وجب من باب المقدّمة لفعل بعده. وظاهر ( المصابيح ) أنه لم يقف على خلاف في أن آخر الركعة التي يُدرك بإدراكها الوقت هو الرفع من السجدة الثانية ، وإنما وقف على الخلاف فيها في بحث إكمال الركعتين اللتين تبطل الصلاة بتعلّق الشكّ بهما في الرباعيّة وعدم

١٣٣

بطلانها لو [ أحرزا (١) ] ووقع الشكّ بعد انتهائهما في الشكوك الأربعة.

والظاهر أن الخلاف جارٍ في الجميع وإن كان المتأخّرون إنما تعرّضوا لذكر الخلاف في بحث الشكّ.

الثاني : تحقّق الإكمال بإكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية وإنْ لم يرفع رأسه منها.

وعليه جماعة من المتأخّرين ؛ لأن الرفع ليس جزءاً من السجود ، ولا له دخل فيه ، وإنما هو واجب مستقلّ أو مقدّمة لواجب آخر كالتشهّد ، كذا في ( الروض ) (٢) و ( المقاصد ).

قال في ( المصابيح ) : ( وفيه أن الرفع معدود عندهم من واجبات الركوع والسجدة الاولى ، فجاز أن نعدّه من واجبات الثانية ؛ لأن تعلّقه بها كتعلّقه بهما من غير فرق ، وخروجه عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه ، فإن السجود لا ينتهي إلّا به ) ، انتهى.

قلت : غير خفيّ أنه لا تنافي بين كون الرفع واجباً مستقلا أو مقدّمة لواجب آخر ، وبين كون الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الثانية. ولا تلازم بين كون الرفع من السجود من واجباته حتّى يدلّ القول به على أن الركعة لا تتمّ إلّا به ، والقول بأن الرفع واجب مستقلّ أو مقدّمة لواجب آخر ، على أن الركعة تتمّ قبل أن تنفصل الجبهة من محلّ السجدة الثانية.

هذا ، وقد عرفت أن إكمال الركعة لا يتحقّق إلّا بإكمال السجدتين ؛ لأنهما جزء منها شرعاً ، وأنه لا شكّ في أنه ما لم يرفع رأسه من السجدة فهو فيها وإن طال الذكر والدعاء فيها.

وأيضاً قال في ( المصابيح ) : ( قال في ( الذكرى ) : ( وظاهر الأصحاب أن كلّ موضع تعلّق فيه الشكّ بالاثنتين يشترط فيه إكمال السجدتين ، فتبطل بدونه محافظةً على ما سلف من اعتبار سلامة الأُوليين. وربّما اكتفى بعضهم بالركوع لصدق مسمّى الركعة.

__________________

(١) من « ش ».

(٢) روض الجنان : ١٨١.

١٣٤

والأوّل أقوى. نعم ، لو كان ساجداً في الثانية ولمّا يرفع رأسه وتعلّق الشكّ لم استبعد صحّتها لحصول مسمّى الركعة ) (١).

وحكى في ( المدارك ) (٢) عن الشهيد ما تقدّم من عدم استبعاده الصحّة في الفرض المذكور ، ونفى عنه البعد. وتعقّبهما الخراساني : في ( الكفاية ) (٣) و ( الذخيرة ) فقال : ( إن مقتضى صحيحة عبيد بن زرارة (٤) : ، وحسنة زرارة (٥) : الإعادة في الصورة المذكورة ) (٦) ، انتهى.

قلت : إذا دلّت الروايتان على الإعادة عند عروض الشكّ بعد واجب الذكر وقبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، فقد دلّتا على أن الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الأخيرة.

وقال في ( المصابيح ) أيضاً : ( حكم الشكّ قبل الذكر هو الإبطال ، فكذا بعده قبل الرفع ؛ استصحاباً للحكم الثابت مع انتفاء المزيل ؛ ولا يعارضها أصل صحّة الصلاة ، فإنهما واردان عليه ومخصّصان له ، ولعموم الأمر بإعادة الصلاة بالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع ، كما في الصحيحين ، بل مطلق الشكّ المتعلّق بالاثنتين والثلاث (٧) ، والشكّ بين الاثنتين والأربع (٨) ، كما في الصحيحين ، بل بمطلق الشكّ المتعلّق بالاثنتين ، كما يستفاد من أحدهما ، خرج عنه الشكّ الواقع بعد الرفع

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧ ( حجريّ ).

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ٢٥٧.

(٣) كفاية الأحكام : ٢٦.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠ ، الإستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٤ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢١٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٢ / ٧٥٩ ، وسائل الشيعة ٨ : ١٨٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٦.

(٦) ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠ ، الإستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٤ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢١٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ٣.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ : ١٨٦ / ٧٤١ ، الإستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٧ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ٧.

١٣٥

بالإجماع والنصوص فيبقى غيره ) ، انتهى.

قلت : كلّ ما دلّ على الإبطال بالشكّ قبل الرفع من السجدة الثانية من الركعة الثانية ، فهو يدلّ على أن الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الثانية ؛ لأن المعروف من النصّ والفتوى دوران الإبطال بالشكّ وعدمه في الرباعيّة على إكمال الثانية وعدمه.

ثمّ قال في ( المصابيح ) أيضاً : ( واستدلّ المتأخّرون على ذلك يعني : أن الشكّ الواقع قبل الرفع من السجدة الثانية من الركعة الثانية مبطل ، وأن الركعة لا تكمل إلّا بذلك بما رواه الكليني : والشيخ : في الصحيح ، أو الحسن كالصحيح عن زرارة : عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً. قال إنْ دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثم صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه (١).

فإن قضيّة المفهوم توقّف الصحّة على الدخول في الثالثة المتردّدة بينها وبين الرابعة ، فتبطل الصلاة بالشكّ الواقع قبله ، ومنه الشكّ قبل رفع الرأس من سجود الركعة المتردّدة بينها وبين الثانية ، كما هو المطلوب.

وفيه نظر ، فإن الدخول في الثالثة ليس إلّا بالخروج من الثانية ، والقائل بعدم توقّفه على الرفع يدّعي تحقّق الخروج منها وإن لم يرفع ، فلو بنى الاستدلال على التوقّف المذكور لزم الدور ، وإلّا لم يثبت الإبطال لمكان الاحتمال ) ، انتهى.

قلت : لا ريب في أنه ما لم يرفع من الثانية لا يتحقّق الدخول في الثالثة ولا في مقدّمتها ؛ لما تقدّم ، ولأن السجدة شي‌ء واحد وإن طالت ، فلا يمكن القول بأنها شطران جزء من الثانية وجزء من الثالثة ؛ لأنه واضح البطلان ، فلا يرد على الاستدلال المذكور شي‌ء ، لأنه لا دليل على أن السجدة الثانية من الركعة جزؤها منها وجزؤها من التي بعدها ، بل قام الدليل على أن مجموع السجدتين من الركعة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ٧٥٩ ، وسائل الشيعة ٨ : ١٨٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٦.

١٣٦

فإنه لا ريب أن في كلّ ركعة سجدتين لا أقلّ ولا أكثر ، فلا يمكن القول بأنه متى أتى بواجب الذكر في السجدة الثانية دخل في الثالثة ؛ لما يلزمه من القول بأن في كلّ ركعة أكثر من سجدتين.

وأيضاً أصل الفرض من الله كلّ فرض إنما هو ركعتان وزاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : في المغرب ركعة ، وفي كلّ من الرباعيّات ركعتين (١) بمقتضى ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢).

فإذا قيل : إنه متى أكمل ذكر السجدة الثانية دخل في الركعة الثالثة مثلاً ، فهل باقي السجدة من أصل الفرض أو ممّا أزاده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، مع أنها سجدة واحدة؟ ولا ريب أن مجموع السجود الثاني من الثانية من أصل الفرض الذي فرضه الله ، فلا ريب أنه لا تنتهي الركعة إلّا بالرفع من الثانية ، وأيضاً لا شكّ أن التشهّد من أصل فرض الصلاة.

فإذا قيل : إن الركعة تتمّ بتمام واجب ذكر السجدة الثانية. يلزمه أن ما زاد على الذكر الواجب منها ليس من أصل فرض الله ، ولا ممّا زاده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، بل شي‌ء زائد في خلال أصل الفرض.

الثالث : يتحقّق إكمال الركعة بمجرّد وضع الجبهة على محلّ السجود في السجدة الثانية ولو لم يأتِ بالذكر الواجب أو الطمأنينة بقدره.

وعزاه في ( المصابيح ) إلى ظاهر ( الذكرى ) و ( المدارك ) ، ونقل عن الفاضل المتأخّر أنه احتمله في ( شرح الروضة ) ، وأنه قوّى ذلك بحصول مسمّى الركعة بمسمّى السجدة الثانية ، وخروج ما عدا الوضع عن حقيقة السجود.

قال السيّد : ( وفيه أن الذكر من واجباتها فلا تكمل بدونه ، والاعتبار في الإكمال بالواجب مطلقاً وإن لم تبطل الصلاة بالإخلال به سهواً ، وإلّا لحصل بمسمّى الاولى ؛ لعدم بطلان الصلاة بنسيان السجدة الواحدة كما هو المشهور ) ، انتهى.

ويزيدك دلالة على ضعف هذا القول ما سمعت فيما مرّ ، فلا تغفل ، فإنه يوضّح لك

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٣٠٤ / ٨.

(٢) ص : ٣٩.

١٣٧

عدم خروج شي‌ء من ذكر السجدة وإن طال عن مسمّاها وحقيقتها شرعاً وعرفاً.

الرابع : يتحقّق كمال الركعة بالركوع.

حكاه في ( الذكرى ) (١) عن بعضهم قال في ( المصابيح ) : ( واختاره بعض المتأخّرين (٢) ) ، ونقله عن ظاهر المحقّق : في ( المسائل البغداديّة ) (٣) ، نظراً إلى أن الركعة واحدة الركوع ، كما أن السجدة واحدة السجود ، وأن بالركوع يحصل معظم الإجزاء ، فيجتزي به تنزيلاً للأكثر منزلة الكلّ ، وأن الركوع قد أُطلق عليه اسم الركعة في كثير من الأخبار ، كرواية صلاة الكسوف ، ففي الصحيح : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام : عن صلاة الكسوف كم ركعة؟ فقال عليه‌السلام عشر ركعات وأربع سجدات .. ويقنت في كلّ ركعتين (٤) ، ونحوه غيره من الصحاح (٥).

وضعف هذه الوجوه ظاهر.

قيل : ( وبهذا القول يندفع الإشكال الوارد على المشهور في مسألة الشكّ بين الأربع والخمس إذا كان بعد الركوع وقبل السجود ، فإنهم حكموا فيها بالصحّة ، ولا تصحّ إلّا بصدق الركعة على الركوع ، وقد التزم ذلك المحقّق : في ( المسائل البغداديّة ) (٦) ، تخلّصاً عن هذا الإشكال ، والأمر في ذلك هيّن وإن استصعبه غير واحد من المحقّقين الأبدال ) ، انتهى.

وهذا القول وإن كان ضعيفاً شاذّاً إلّا إنه أقوى من الثالث ؛ إذ عليه يمكن القول بأن السجود واجب مستقلّ خارج عن الركعة كالتشهّد ، وإن ضعف بقيام الدليل على أن السجود من الركعة ، كما سمعت. والله العالم.

__________________

(١) الذكرى : ١٢٢ ( حجريّ ).

(٢) كفاية الأحكام : ٢٦.

(٣) المسائل البغداديّة ( ضمن الرسائل التسع ) : ٢٥١ / المسألة : ٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ / ٢ ، تهذيب الأحكام ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥ ، وسائل الشيعة ٧ : ٤٩٤ ، أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ب ٧ ، ح ٦.

(٥) انظر وسائل الشيعة ٧ : ٤٩٢ ـ ٤٩٥ ، أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ب ٧ ، ح ١ ـ ٣ ، ٧.

(٦) المسائل البغداديّة ( ضمن الرسائل التسع ) : ٢٥١ / المسألة : ٢٣.

١٣٨

الدليل على وجوب الصلاة على من أدرك ركعة

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الدليل على أنه مَنْ أدرك ركعة من الوقت وجبت الصلاة الإجماع والنصّ. وما نقله في ( المختلف ) (١) عن ابن إدريس : من قوله : ( إذا أسلم الكافر ، وطهرت الحائض والنفساء ، وبلغ الصبي وأفاق المجنون ، والمغمى عليه قبل غروب الشمس في وقت يتّسع لفرض الظهر والعصر معاً والطهارة لهما ، وجب على كلّ واحد منهم أداء الصلاتين أو قضاؤهما إن أخّرهما ) (٢) لا يدلّ على المخالفة واعتبار التمكّن من فعل الصلاة أجمع ، كما فهمه في ( المختلف ) ، وإلّا لدلّ على اعتبار التمكّن من الفرضين معاً ، وهو باطل بالنصّ والإجماع ، والمنصور المشهور شهرة أكيدة في سائر الأزمان أن الصلاة حينئذٍ كلّها مؤدّاة.

قال في ( المختلف ) : ( لنا : قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) ، وهو يدلّ على وجوب الصلاة إلى حدّ الغسق ، خرج عنه ما إذا لحق أقلّ من ركعة للإجماع ، فيبقى الباقي على عمومه.

وما رواه عمّار الساباطي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصّة فإنْ صلّى ركعة من الغداة ، ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة وقد جازت صلاته ، وإنْ طلعت الشمس قبل أنْ يصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلّي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها (٤).

وأمّا كون الصلاة أداءً ؛ فلما رواه الأصبغ بن نَبَاتة : قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة (٥) ، ولأنه لو لم يكن

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٧١ / المسألة : ٢٠.

(٢) السرائر ١ : ٢٧٦.

(٣) الإسراء : ٧٨.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٤.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٨ / ١١٩ ، الإستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ / ٩٩٩ ، وسائل الشيعة ٤ : ٢١٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٣٠ ، ح ٢.

١٣٩

إدراك الركعة مقتضياً لإدراك وقت الصلاة لَمَا وجبت عليه ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله. والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ العذر المستوعب لجميع الوقت مسقط لفعلها ، ولأنه لو لم يكن مؤدّياً لما وقع الفرق بين إدراك الركعة والأقلّ منها ) (١) ، انتهى.

وظاهر الآية و [ الخبرين (٢) ] جميعاً يدلّ على أن مَنْ أدرك ركعة وجبت الصلاة أداءً كلّها ؛ لأن ذلك يدلّ على أن الشارع هنا جعل مقدار الركعة من الوقت وما يليه من الزمان بقدر تمام الصلاة وقتاً لتلك الصلاة وإن كان ضروريّاً.

والمحقّق الثاني : في حاشية ( القواعد ) اختار أن مَنْ أدرك ركعة من الوقت وجبت الصلاة أداءً كلّها ، وصرّح بأنه المشهور ، ونقل عن الشيخ : أنه قال : إنه إجماع (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ويستدلّ له بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ أدرك ركعة من [ الصلاة (٤) ] فقد أدرك الصلاة (٥) ، والمراد : كمن أدرك الصلاة في الوقت ) (٦) ، انتهى.

وهذا الخبر يدلّ على أن مَنْ أدرك ركعة وجبت الصلاة أداءً كلّها.

ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه الأخبار الدالّة على امتداد الوقت إلى الغروب ، كخبري عبيد بن زرارة : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلّا إنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس (٧).

وخبر زرارة : قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحَبّ الوقت إلى الله تعالى أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلِّ الفريضة ، فإنْ لم تفعل فإنك في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس (٨).

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٧٢ / المسألة : ٢٠.

(٢) من « ش » ، وفي « ز ». ( الخبر ).

(٣) الخلاف ١ : ٢٧٢ / المسألة : ١٣.

(٤) من المصدر ، وفي النسختين : « الوقت ».

(٥) الذكرى : ١٢٢ ( حجريّ ) ، وفيه : « فقد أدرك العصر » ، وسائل الشيعة ٤ : ٢١٨ ، أبواب المواقيت ، ب ٣٠ ، ح ٤.

(٦) جامع المقاصد ٢ : ٣٠.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٤ / ٦٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٤ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٢٦ ، أبواب المواقيت ، ب ٤ ، ح ٥.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ / ٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ٩٣٥ ، وسائل الشيعة ٤ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، أبواب المواقيت ، ب ٣ ، ح ٥.

١٤٠