رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

فإنه يحرم من أدنى الحِلّ ، أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة.

ولم يشترطوا في جواز سلوكه طريقاً لا يفضي به إلى عين أحد المواقيت ، ألّا يتمكّن من الوصول إلى عين الميقات ؛ للأصل من عدم وجوب سلوك طريق مخصوصة ، ولصحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة (١) ، التي هي العمدة في جواز الإحرام بالمحاذاة ، فإنها دلّت على جواز سلوك المدنيّ طريقاً لا يفضي به إلى عين ميقات اختياراً. فجواز سلوكه طريقاً يفضي به إلى عين الميقات الثاني بدون أن يمرّ على الأوّل كالمدنيّ يسلك طريقاً يفضي به إلى العقيق ، أو الجحفة دون الشجرة اختياراً أوْلى. ولعلّ معنى صحيحة الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة ، ولا [ يجاوز (٢) ] الجحفة إلّا محرماً (٣).

وصحيحة معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال عليه‌السلام لا بأس (٤).

ذلك بأن يكون المسئول عنه إنما سلك طريقاً إلى الجحفة لا يفضي به إلى الشجرة ، بل يمكن حمل خبر أبي بصير المتضمّن أن أبا عبد الله عليه‌السلام أحرم من الجحفة (٥) على ذلك احتمالاً ظاهراً.

واعلم أنه لا يسوغ الإحرام بالمحاذاة إذا كان قاصداً طريقاً يفضي به إلى عين أحد المواقيت وإن لم يكن بطريق مستقيم ، كالذي يقصد الإحرام من عين يلملم والوصول إليه من جدّة بعد محاذاته له في البحر ، فإنه بقصده لا يكفيه الإحرام بالمحاذاة ، فإنه قاصد للميقات عينه وإن كان بعد محاذاته. وعموم الفتوى والنصّ بأنه لا يجوز لمن قصد أحدهما الإحرام قبلها ولا بعدها يدلّ على ذلك ، فتنبّه.

__________________

(١) رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٦٥.

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : « يتجاوز ».

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٧ / ١٧٧ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩٩ / ٩٠٨ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٦ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٧ / ١٧٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ٤.

٢٤١
٢٤٢

واجبات العمرة

واعلم أن واجبات العُمرة تسعة أشياء : لبس ثوبي الإحرام ، والنيّة ، والتلبيات الأربع ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير ، أو الحلق ، والكفّ عن جميع ما حرّمه الإحرام. ولنذكر ذلك في فصول سبعة :

الأوّل : في كيفيّة الإحرام

وهو يشتمل على : لبس ثوبي الإحرام ، والنيّة ، والتلبيات الأربع.

ثوبا الإحرام

فنقول : إذا كنت في الزمان والمكان الذي يسوغ لك الإحرام فيه ، فالواجب أن تنزع عنك المخيط ، وتلبس ثوبي الإحرام ، وهما قطعتان ممّا يصحّ الصلاة فيه ، تتأزّر بأحدهما ، ويجب أن تكون ساترة لبشرة العورة ، ولونها إجماعاً ، ولحجمها أيضاً على الأظهر. وليس وجوب سترها للعورة شرطاً فيها من حيث هي ثوب إحرام ؛ لعدم الدليل على شرطيّته في ثوبي الإحرام من حيث هما ثوبا الإحرام ، بل من حيث وجوب ستر العورة في الصلاة وعن الناظر المحترم. وترتدي الأُخرى ، بأن تضعها على كتفيك أو على كتف واحد ، وتجمع طرفيها على الآخر. ولا يجب استدامة هيئة منهما.

وهل يجب أن تكون ساترة كالأُولى؟ الأظهر العدم ؛ للأصل ، واستصحاباً لعدم وجوب ستر بشرة شي‌ء من جسده وحجمه ، ولأنه لا خلاف يظهر في عدم وجوب ستر شي‌ء من المنكبين أو الظهر ، كذلك في حال من أحوال الإحرام. وشرط الستر

٢٤٣

يقتضي وجود ما يجب ستره بمقتضى الإضافة ، وأكثر ما يستفاد من الأخبار وجوب لبس ثوبين غير مخيطين من جنس ما تصحّ الصلاة فيه (١) ، ولأنا لا نعلم قائلاً بوجوب استدامة هيئة في لبس الرداء ، ولا قائلاً بوجوب دوام لبسه وعدم جواز نزعه.

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ولا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة ) (٢) ـ : ( مقتضى العبارة عدم جواز الإحرام في الحرير للرجل وجلد غير المأكول وما يحكي العورة ، والثوب المتنجّس نجاسة لا يعفى عنها في الصلاة.

أمّا المنع من الإحرام في الحرير وجلد غير المأكول ، فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات المانعة من لبس الحرير مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة حَرِيز كلّ ثوب يصلّي فيه ، فلا بأس أن يحرم فيه (٣).

بل يحتمل قويّاً عدم الاجتزاء بجلد المأكول أيضاً ؛ لعدم صدق اسم الثوب عليه عرفاً.

وأمّا الحاكي ، فإطلاق عبارات الأصحاب تقتضي عدم جواز الإحرام فيه مطلقاً ، من غير فرق بين الإزار والرداء ، وجزم في ( الدروس ) (٤) بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط. ولا يبعد عدم اعتباره فيه ؛ للأصل ، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه ) (٥) ، انتهى.

وقال السيّد عليّ في شرح قول المحقّق في ( النافع ) (٦) : ( الثالث : لبس ثوبي الإحرام وهما واجبان ، والمعتبر ما تصحّ الصلاة فيه للرجل ) (٧) ـ : ( في المشهور بين الأصحاب ، حتّى إن ظاهر جماعة أنه إجماع. فإن تمّ ، وإلّا فلا دليل على هذه الكلّيّة. نعم ، لا شبهة في حرمة المغصوب والميتة مطلقاً والحرير للرجل ، ولا بأس بإلحاق النجس.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٥.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢٢١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٢٧ ، ح ١.

(٤) الدروس ١ : ٣٤٤.

(٥) مدارك الأحكام ٧ : ٢٧٤.

(٦) المختصر النافع : ١٥٣.

(٧) في المخطوط بعد نهاية قول المحقّق : ( قال السيّد ).

٢٤٤

وأمّا سائر ما يشترط في ثوب الصلاة من عدم كونه ممّا لا يؤكل لحمه ولا شافّاً فلا أعرف عليه دليلاً وإن كان اعتباره أحوط وأوْلى ) (١) ، انتهى.

وأقول : لا نسلّم أن مقتضى عبارات الأصحاب ذلك ، ولعلّه اعتمد في فهمه ذلك منهم من إطلاق جملة من عباراتهم أنه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة ، كعبارة المحقّق وجماعة (٢).

وأنت إذا أعطيت التأمّل حقّه وجدت مرادهم أنه يجب كون لباس المحرم من جنس ما تصحّ الصلاة فيه ، ومرادهم النصّ على عدم جواز الإحرام في جلد الميتة ، أو غير مأكول اللحم أو صوفه أو شعره ، ولا المتنجّس بنجاسة لا يعفى عنها في ثوب المصلّي ، والمغصوب ونحو ذلك ، فإنه شرط في ثياب المحرم كالمصلّي. أمّا كون الثوب في نفسه ساتراً فلا نسلّم شرطيّته في ثوب المصلّي فضلاً عن المحرم.

نعم ، يجب في حال الصلاة ستر العورة على كلّ حال ، وفي حال الإحرام سترها عن ناظر محترم. وهذا معنًى غير معنى اشتراط كون ثوب المصلّي أو المحرم في ذاته ساتراً ، ألا ترى أنه يجوز الصلاة في الثوب الشافّ إذا كانت العورة مستورة بغيره ، أو به إذا ثنّي أو كرّر وتعدّد حتّى ستر العورة ؛ بالإجماع فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والبقاع.

فهذا يدلّك على أنه لا يشترط الستر في ثوب المصلّي من حيث هو ثوب مصلّ ، بل لأجل وجوب ستر العورة. فإذا تأمّلت هذا ونحوه ظهر الفرق بين شرطيّة حلّه وطهارته ممّا لا يعفى عنه ونحوهما وبين شرطيّة ستره ؛ فإن هذا يكون بالعارض وذاك بالذات. وقد ثبت أنه يجوز الإحرام فيما تصحّ فيه الصلاة ، كما هو ظاهر النصّ والفتوى.

وبهذا ينكشف مراد المحقّق ومن عبّر بمثل عبارته ، كيف يكون ظاهر العصابة ما قاله السيّدان ، وأكثر العصابة لم يذكره ، كالكلينيّ والصدوق في ( الفقيه ) ، والمفيد ،

__________________

(١) رياض المسائل ٤ : ٥٤ ـ ٥٨ ، باختلاف.

(٢) مدارك الأحكام ٧ : ٢٧٤.

٢٤٥

وشيخ التهذيبين ، والعلّامة في ( التلخيص ) و ( الإرشاد ) و ( التحرير ) و ( القواعد ) و ( المختلف ) ، والمحقّق في ( الشرائع ) و ( النافع ) ، وابن زهرة وابن حمزة ، وابن البرّاج في مهذّبه ، وأكثرهم. بل لم أجد التعرّض لذكر الستر في ثوبي الإحرام في كتاب ، ولا منسك سوى كلام السيّدين المذكورين ، والشيخ حسين ، وشهيد ( الدروس ) (١) ، وكلّهم لم يشترط الستر في الرداء. ونفى الدليل على شرط الستر السيّد الثاني كما سمعت ، وشهيد ( الروضة ) (٢) شرط ألّا يكون شافّاً.

والظاهر أنهم جميعاً إنما أرادوا وجوب ستر العورة بالإزار وإن كان في ذاته شافّاً ، وهذا حديث غير حديث وجوب كون ثوب الإحرام ساتراً في ذاته من حيث إنه ثوب محرم.

لكن عبارة ( الروضة ) تحتمل إرادته بوجه ، حيث إنه قال في شرح قول الشهيد في متن في سياق تعداد واجبات الإحرام : ( ولبس ثوبي الإحرام من جنس ما يصلّي فيه ) ـ : ( المحرم ، فلا يجوز أن يكون من جلد ، وصوف ، وشعر ، ووبر ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية ، ولا في الحرير للرجال ، ولا في الشافّ مطلقاً ، ولا في النجس غير المعفوّ عنها في الصلاة ) (٣) ، انتهى.

فإن إطلاقه يحتمل ثلاثة أوجه :

الأوّل : يعني للرجال والنساء.

الثاني : يعني الإزار والرداء.

الثالث : يعني سواء كان معه ساترٌ أم لا ؛ ليعمّ المرتدي بقطعتين ، والمتّزر بقطعتين ، وبعض ثياب المرأة ليعمّ حتّى الغلالة.

ويحتمل إرادته الجميع ، وهو وجه رابع لإطلاقه.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٤٤.

(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٢ : ٢٣١.

(٣) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٢ : ٢٣١.

٢٤٦

نعم ، اتّفقت كلمتهم بحسب ما ظهر على اشتراط كون ما يحرم فيه ممّا تصحّ فيه صلاته ، وإنما اختلفوا في الحرير للمرأة ، ويدلّ عليه من الأخبار ، ما رواه الكليني في الصحيح عن حمّاد (١) ، وابن بابويه في الصحيح عن حمّاد عن حَرِيز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كلّ ثوب يصلّي فيه فلا بأس أن يحرم فيه (٢).

ورواه الشيخ (٣) عن الكليني بسنده المذكور.

فتلخّص من البحث أن النصّ والإجماع إنما دلّا على وجوب كون ثوبي المحرم من سنخ ما تصحّ فيه صلاته ذاتاً وصفة ، ولا ريب أنه تصحّ صلاة الرجل في إزار ساتر لعورته ولو بكونه مثنّيا اتّصل أو انفصل ، ورداء ولو شفّ ووصف. فلا شبهة في جواز الإحرام فيما هو كذلك.

ويعضد ما قلناه ما ثبت بالإجماع والنصّ من جواز اتّزار المحرم وارتدائه بأكثر من قطعتين اختياراً ولاتّقاء الحر والبرد (٤). فلأن يتّقي بهما كشف العورة أوْلى. فربّما دلّ إطلاقه على جواز الاستتار بتكريره.

بقي الكلام في جواز إحرام المرأة في الحرير ولبسها إيّاه محرمة. فنقول : لأصحابنا فيه قولان :

أحدهما : يجوز على كراهية ، وهو الحقّ ، ويدلّ عليه الأصل ، واستصحاب حالها قبل الإحرام ، وأنه يجوز لها الصلاة فيه ، فيجوز لها الإحرام فيه ، بنصّ الخبر السابق الذي هو الأصل فيما اشتهر من أن كلّ ما تصحّ صلاة المحرم فيه يصحّ إحرامه فيه.

وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قلت له : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ (٥) والديباج؟ فقال نعم ، لا بأس به ، وتلبس الخلخالين

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٢٧ ، ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٢ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٠.

(٥) الخزّ : ثياب تنسج من صوف وإبريسم. لسان العرب ٤ : ٨١ خزز.

٢٤٧

والمَسَك (١) (٢).

ومثله خبر النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه‌السلام : سألته عن المحرمة ، أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفّازين (٣) الحديث.

وصحيح الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض (٤).

وخبر أبي بصير المراديّ أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن القزّ ، تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم (٥).

وخبر سَمَاعة ، سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه ، فأمّا الخزّ والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ، وإن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها من الشمس وتلبس الخزّ ، أما أنهم يقولون : إنّ في الخزّ حريراً ، وإنما يكره المبهم (٦).

وخبر الأحمسيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن العمامة السابريّة فيها علم حرير ، وتحرم فيها المرأة؟ قال نعم ، إنما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعاً حريراً (٧) الخبر.

وغير ذلك ، فإن ( يكره ) ظاهر في المعنى المتعارف المقابل للاستحباب.

والقول الثاني : المنع من إحرامها فيه ؛ لظواهر عدّة أخبار محمولة على الكراهيّة ،

__________________

(١) المَسَك بالتحريك ـ : أسورة من ذبْل أوعاج. الصحاح ٤ : ١٦٠٨ مسك.

والذبْل بإسكان الباء ـ : شي‌ء كالعاج ، وهو ظهر السلحفاة البَحريّة ، يتّخذ منه السوار. الصحاح ٤ : ١٧٠١ ذبل.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٤ / ٢٤٤ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠٢٠ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ٤.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٧ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٧ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٨ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ١١.

٢٤٨

بدليل ما سمعت ، وعلى ما تلبسه المرأة من الحرير للزينة ، فإن كلّ ما يفيدها زينة فإنه محرّم عليها.

وما دلّ على الجواز يحمل على هذا على ما لا يفيدها زينة. ولكن النساء [ يختلفن (١) ] بحسب [ حالهن (٢) ] فيما [ يفيدهن (٣) ] زينة ، فربّما كانت امرأة يفيدها أسمال الحرير زينة ، وربّما كان سائر الحرير لا يفيد اخرى زينة. وقد حقّقنا ذلك في حكم المعتدّة في ( جامع الشتات ).

وممّن اختار المنع شيخنا الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) قال رحمه‌الله في الاستدلال على ذلك : ( لما ثبت لدي من منع الصلاة فيه لهن ، ولكثرة الأخبار به ، ومطابقة الأخبار المجوّزة للعامّة ، فتحمل على التقيّة ). وساق الأخبار التي ظاهرها المنع.

والجواب : منع عدم صحّة صلاتها فيه ؛ لشذوذ القائل به وضعف دليله ، وتحقيقه في غير هذا المقام.

وممّا يدلّ على صحّة صلاتها فيه ما استدلّ به هو عليه‌السلام في هذا المقام على المنع من إحرامها فيه ، من موثّقة إسماعيل بن الفضل : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ، هل يصلح لها أن تلبس ثوباً حريراً وهي محرمة؟ قال لا ، ولها أن تلبسه في غير إحرامها (٤) ، فإنه نصّ في جواز صلاتها فيه. وكلّ ما صحّ صلاتها فيه صحّ إحرامها فيه. ونمنع دلالته على منعها من الإحرام فيه ، فإن ( لا يصلح ) أعمّ من التحريم في كثير من الموارد.

وبعد الأخبار الجامعة بين المرخّصة والمانعة ، لا معنى للطرح والحمل على التقيّة.

__________________

(١) في المخطوط : ( يختلفون ).

(٢) في المخطوط : ( حالهم ).

(٣) في المخطوط : ( يفيدهم ).

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٦ / ٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٤ ، ح ١٠.

٢٤٩

وحمل الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) (١) والحرّ في وسائله الأخبار المرخّصة على ما إذا كان الحرير ممزوجاً. وهو ضعيف ؛ لعدم الدليل عليه.

والمرأة تلبس من الثياب ما شاءت ، وتلبس السراويل بدلالة الخبر المتقدّم ، وموثّقة الحلبيّ الناصّة على جواز لبسها السراويل ، وهي معلّلة إرادة الستر (٢). وربّما قيل بمنعها من المخيط ، وهو شاذّ لا دليل عليه.

ولا يجوز الإحرام فيما لا تصحّ الصلاة فيه من مغصوب ، أو نجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة ، وجلد غير المأكول والميتة مطلقاً ، وشعر غير المأكول وصوفه ووبره وإن جاز استصحاب ذلك ؛ للاستصحاب والأصل وعدم المانع. ولا نعلم فيه مخالفاً. وكذا استصحاب الحرير المحض للرجل والمرأة ، إذا لم يكن شي‌ء منه ملبوساً.

ولبس ثوبي الإحرام واجب ؛ للتأسّي بالمعصوم عليه‌السلام ، وقوله خذوا عنّي مناسككم (٣) ، ولفعله له في مقام البيان مع كونه عبادة ، فالأصل أن يكون للوجوب. ولخصوص صحيحة معاوية بن عمّار اغتسل والبس ثوبك (٤) ، والأمر للوجوب. ولوجوب ستر العورة بالنسبة إلى الإزار. وليس لبسه شرطاً في صحّة الإحرام ولا جزءاً منه على الأشهر الأظهر ؛ لعدم ظهور ما يدلّ على ذلك من نصّ أو إجماع. والأصل عدم الجزئيّة والشرطيّة.

وممّا يشهد لذلك الأخبار المعلّقة تحريم ما يحرم على المحرم على النيّة والتلبيات الأربع من غير تعرّض لذكر لبسهما في ذلك. وممّا يستأنس له به أيضاً عدم ضرر نزعهما بعد الإحرام في الإحرام. ولو كان جزءاً أو شرطاً لضرّ في تحقّق

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٥ / ذيل الحديث ٢٤٦.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٦ / ٢٥٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٩٩ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٠ ، ح ٢.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣١٨ ، وفيه : « خذوا مناسككم ».

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٢٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٦ ، ح ٤ ، وفيهما : « والبس ثوبيك ».

٢٥٠

حقيقة الإحرام ؛ لأنه منافٍ للجزئيّة ؛ إذ لا يمكن بقاء الشي‌ء مع فقد جزئه ، ولا يمكن انفكاك المشروط عن شرطه ، فليس لبسهما بشرط في وجود حقيقة الإحرام ولا جزءاً منها ، وإلّا لما زايلها ولما تحقّقت مع فقده.

نعم ، لو أحرم في المخيط أو عرياناً أثم وصحّ إحرامه.

وممّا ينبّه عليه حمل المتأخّرين كلام الشيخ في ( النهاية ) (١) الذي ظاهره وجوب الإحرام من المسلخ ، وكلامه في بعض كتبه من جواز تأخير الإحرام للمريض عن الوقت ، على جواز تأخير نزع المخيط ، ولبس ثوبي الإحرام بدون النيّة والتلبية ، وحكمهم بأن من فعل ذلك فهو محرم وإن أخّر نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام.

ومن الأدلّة على عدم جزئيّة لبس الثوبين وعدم شرطيّته صحيحة معاوية بن عمّار وغير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال ينزعه ولا يشقّه (٢) الخبر.

وصحيحة عبد الصمد بن بشير في الرجل الذي جاء يلبّي حتّى دخل المسجد وعليه قميصه ، فأفتاه أتباع أبي حنيفة بأن يشقّ قميصه ويخرجه من رجليه وعليه بدنة والحجّ من قابل.

إلى أن قال : فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام متى لبست قميصك؟ أبعد ما لبيّت ، أم قبل؟. قال : قبل أن أُلبّي. قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحجّ من قابل (٣) الخبر.

والمعتبر فيهما : ما صدق عليه اسم الرداء والإزار عرفاً. وما لم يستر المنكبين ، وما سامت الصدر من القفا لا يقين في صدق اسم الرداء عليه عرفاً. وما لم يستر ما بين السرّة والركبة مع المقدّمتين لا يقين في صدق الإزار عليه عرفاً ، فلا يجزي

__________________

(١) النهاية : ٢١٠ ، المبسوط ١ : ٣١٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٢ / ٢٣٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٨٨ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٤٥ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٢ / ٢٣٩ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٤٥ ، ح ٣.

٢٥١

منهما ما نقص عن ذلك.

والوضعيّات التي لم يتبيّن فيها حدّ معيّن من الشارع قد حكم فيها العرف ؛ لعدم جواز التكليف بما لا يطاق ، ولا تكليف إلّا بعد البيان.

وهل يجوز الاتّزار والارتداء بقطعة واحدة؟ وجهان : من عدم صدق الثوبين عرفاً ، ومن صحّة الصلاة فيما هو على تلك الحال. والجواز أظهر ، وتركه أحوط وأوْلى ، إلّا مع الضرورة لما هو كذلك مع عدم التمكّن من فصلهما ، كأن يكون معاراً ويمنع المالك من فصلهما.

ولا يشترط ملك عين ثوبي الإحرام ، بل يكفي ملك المنفعة ، ولو بالإباحة أو الإجارة أو الوصيّة أو الوقف وشبه ذلك ؛ للأصل السالم من المعارض. على أنا لا نعلم فيه خلافاً من الفرقة ، بل عمل سائر المسلمين في سائر الأعصار عليه ، فهو إجماع.

ويجوز عقد الإزار لا بخياطة قطعاً ؛ للأصل بلا معارض ، ودلالة بعض الأخبار عليه (١). ولا يجوز بخياطة يصدق عليه معها أنه مخيط عرفاً قطعاً. وهل يجوز بخياطة لا يصدق عليه بها أنه مخيط عرفاً؟ وجهان : من الأصل مع خروجه عن اسم المخيط عرفاً مع عدم الناقل عن الأصل من نصّ أو إجماع ، ومن صدق المخيط عليه في الجملة. والأظهر الأوّل ، وإن كان الأحوط اجتنابه. وأمّا الرداء فحكمه كذلك ؛ للأصل بلا معارض ، إلّا إن الأحوط ترك عقده على كلّ حال.

وذهب جماعة إلى تحريم عقد [ إزاره (٢) ] ؛ استناداً إلى موثّقة سعيد الأعرج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يعقد [ إزاره (٣) ] في عنقه؟ قال عليه‌السلام لا (٤).

وليس فيه مع ضعف سنده دلالة على المنع من عقده بغير الأزرار. ولعلّه أراد

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٠٢ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط : ( موزره ).

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أزراره ).

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٠٢ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ١.

٢٥٢

أزرار الطيلسان ، فإنه ورد النهي عن زرّ أزراره (١) ، أو الثوب المخيط (٢) عند الاضطرار إلى لبسه.

وعلى كلّ حال ، فليس للرداء فيه ذكر بخصوصه. ولو أُريد ما لو كان للرداء أزرار شمل الإزار ، وهم لم يذكروه. والمراد : النهي عن اتّخاذ الأزرار وزرّها في كلّ ثوب يلبسه المحرم اختياراً أو اضطراراً ، كما يرشد له قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه ، ولا تدرعه (٣) الخبر.

وقوله عليه‌السلام في صحيحه أيضاً لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلّا أنْ تنكسه ، ولا ثوباً تدرعه (٤) الخبر.

وعلى كلّ حال ، لا دليل على المنع من عقد الرداء بغير [ الأزرار (٥) ] ولو بخياطة لا يعدّ بها مخيطاً عرفاً ، كالنفذتين والثلاث ، كما تدلّ عليه أخبار الطيلسان ، وستأتي إن شاء الله تعالى.

وفي ( الكافي ) عن القدّاح عن جعفر عليه‌السلام إنّ عليّاً عليه‌السلام كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر ، ثمّ يصلّي فيه وإن كان محرماً (٦).

نعم ، دلّت هذه الأخبار على تحريم زرّ الرجل المحرم ثوبَه الاختياريّ والاضطراريّ. أمّا المرأة ، فيجوز لها زرّ ثوبها مطلقاً ؛ للأصل واستصحاب حالها قبل الإحرام ، ولخصوص صحيح يعقوب بن شعيب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تلبس القميص وتزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال نعم ، لا بأس به (٧) الخبر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٤ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٦٩ / ٢٢٧ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٥ ، ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٥ ، ح ١.

(٥) في المخطوط : ( الإزار ).

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٣ ، وسائل الشيعة ٢ : ٥٠٢ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٥ ، ح ٢.

(٧) تهذيب الأحكام ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٦ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٣ ، ح ١.

٢٥٣

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : ( لا يجوز عقد الرداء ويجوز عقد الإزار. ويدلّ على الأوّل موثّقة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال لا (١). وظاهر النهي التحريم ، والمراد : الرداء ؛ لأنه الذي يعقد في العنق للمحرم.

وفي صحيح علي بن جعفر ، وخبره كما في ( المسائل ) (٢) و ( قرب الإسناد ) (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال المحرم لا يصلح له أنْ يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده ) ، انتهى.

قلت : خبر الأعرج في ( الفقيه ) في نسخ ثلاث : ( أزراره ) وهو في هذا الكتاب ، وفي ثلاث نسخ من ( المدارك ) ( إزاره ) (٤) ، وإطلاق الإزار على الرداء بعيد. وعلى تقديره لا يعارض الأصل ؛ لضعفه ومعارضته بما جاء في خبر القدّاح ، وتخصيصه بالرداء ضعيف جدّاً يأباه إطلاقه. وخبر علي بن جعفر لا يدلّ على أكثر من الكراهيّة ، بل في قوله عليه‌السلام لا يصلح إشعار بها ، فتأمّل.

ويجوز شدّ الإزار بالهميان ولو كان مخيطاً ؛ لأنه لا يعدّ لباساً ؛ لا شرعاً ولا عرفاً ، وللأصل ، ولاستصحاب حاله قبل الإحرام ، ولصحيحة يعقوب بن شعيب : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يصرّ الدراهم في ثوبه؟ قال نعم ، ويلبس المنطقة والهميان (٥).

ولا فرق بين كونه مشدوداً أو لا ؛ لإطلاق هذه الصحيحة ، وللأصل. وإطلاق هذه الصحيحة جواز لبسه المنطقة.

والظاهر أنه مقيّد بما إذا كان فيها نفقته ، كما يدلّ عليه الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال لا.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٠٢ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ١.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ٢٧٣ / ٦٧٨ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٠٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٥.

(٣) قرب الإسناد : ٢٤١ / ٩٥٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٠٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٥٣ ، ح ٥.

(٤) مدارك الأحكام ٧ : ٣٣٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٩١ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٤٧ ، ح ١.

٢٥٤

ثمّ قال كان أبي يقول : يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته ؛ ليستوثق بها ، فإنها من تمام الحجّة (١) ، فإنها معلّلة ، وهو يدلّ على أن الوصف مناط الحكم. فمفهومه حينئذٍ حجّة قطعاً ، وإن كان الأصل يقتضي جواز شدّها مطلقاً ، خصوصاً إذا خلت من خياطة.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين أنه جاء في النصّ والفتوى جواز أن يشدّ على المئزر العمامة ونحوها.

ويؤيّد تقييدها بما إذا كان فيها نفقته الخبر الناهي عن شدّ المئزر بتكّة وغيرها. فالظاهر الاقتصار على ما فيه نفقته ، وهو أحوط أيضاً. وظاهر هذا الحديث : النهي عن شدّ العمامة على البطن مطلقاً. والظاهر أنها مقيّدة بما إذا رفعها إلى صدره ، بدلالة صحيحة عمران الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال المحرم يشدّ على بطنه العمامة ، وإن شاء يعصبها على موضع إزاره ، ولا يرفعها إلى صدره (٢).

ويمكن حمل الأُولى أيضاً على الكراهيّة ، والأصل يؤيّد الرخصة. وفي ترجيح الناقل عن الأصل على المقرّر له إشكال ما لم يعلم سبق المقرّر على الناقل. وأيضاً ، فمفاهيم الأخبار الدالّة على أن المحرم لا يلبس ثوباً يزرّه ولا يدرعه مؤيّدة لجواز شدّ العمامة والمنطقة والهميان على الوسط ، وشدّ الإزار بأحدها ما لم تبلغ الصدر ، فإنه محلّ الرداء ، مع دلالة هذا الخبر على المنع منه حينئذٍ.

وهل تجب النيّة في لبس الثوبين؟ وجهان. ومقتضى القول بشرطيّته وشطريّته ذلك ، والأحوط الأولى مراعاتها في لبسهما ، بل ومراعاته لبسهما في النُّسك المتشخّص بجميع مشخّصاته. وسيأتي بيانها إن شاء الله الرحمن المنّان.

تنبيه

دلّت القاعدة المسلّمة المشار لها في النصّ القائلة : إن كلّ ثوب يصلّي فيه المحرم يحرم فيه وكلّ ثوب لا تصحّ صلاته فيه لا يحرم فيه ـ [ على أُمور ينبغي

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٩١ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٤٧ ، ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٦ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٥٣٣ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٧٢ ، ح ١.

٢٥٥

التنبيه عليها (١) ] :

منها : أنه لا تصحّ الصلاة في المغتصب ، والنجس بما لا يعفى عنه في ثوب المصلّي ، وما يحكي لون العورة إذا كان وحده إجماعاً أو حجمها عند جماعة (٢) وهو الأقوى. كما مرّت الإشارة لجميع ذلك.

والمشهور عدم جواز الصلاة في فضلة غير مأكول اللحم إذا كان ملبوساً إجماعاً ، والنصوص (٣) به متكثّرة. والمشهور تعدية الفساد إلى ما لصق بالثوب أو البدن من فضلة غير مأكول اللحم ولو لم يكن لباساً ، سواء كان محوكاً في الثوب ، أو مخيطاً فيه ، أو لاصقاً به خاصّة.

ولا تجوز الصلاة في حرير محض للرجال إجماعاً ، ولا للنساء في قول ضعيف (٤). ولا تجوز الصلاة في الذهب إذا كان ملبوساً ولو كان جزءاً من الملبوس ولو خاتماً وكان طلاءً للرجال بالنصّ (٥) والإجماع ، ولا تضرّ مصاحبته. فهل يصحّ الإحرام في ثوب ممّا ذكر ، أو يصحّ في شي‌ء دون آخر؟.

فنقول : اعلم أن المفهوم من عبارات الفقهاء أن مرادهم به أن كلّ ما تصحّ الصلاة في جنسه يصحّ الإحرام في جنسه. وقد صرّح بذلك المحقّق في ( النكت ) (٦) وغير واحد (٧) ، فنقول : أمّا (٨) الإحرام في المغتصب فغير جائز بالنصّ (٩) والإجماع على قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وأمّا النجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة فلا نعرف في المنع من الإحرام فيه مخالفاً.

قال السيّد في ( المدارك ) : ( أمّا اعتبار الطهارة فيدلّ عليها مضافاً إلى مفهوم

__________________

(١) في المخطوط : ( فينبغي التنبيه لأُمور ).

(٢) الذكرى ٣ : ٥٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٥.

(٣) انظر وسائل الشيعة ٤ : ٣٥٥ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٧١ / ذيل الحديث ٨٠٧.

(٥) وسائل الشيعة ٤ : ٤١٢ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٣٠.

(٦) النهاية ونكتها ١ : ٤٧٤.

(٧) مدارك الأحكام ٧ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٨) في المخطوط بعدها : ( عدم جواز ).

(٩) وسائل الشيعة ٢٥ : ٣٨٩ ، كتاب الغصب ، ب ٥.

٢٥٦

صحيحة حريز يعني : قوله عليه‌السلام كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (١) ما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمّار أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن المحرم تصيب ثيابه الجنابة؟ قال لا يلبسه حتّى يغسله وإحرامه تامّ (٣).

ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حالة الإحرام مطلقاً. ويمكن حمله على ابتداء اللبس ؛ إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن. إلّا أن يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضاً للإحرام ، ولم أقف على مصرّح به ، والاحتياط يقتضي ذلك ) (٤) ، انتهى.

وأقول : لا يخفى أن صحيحتي ابن عمّار إن دلّتا على وجوب طهارة ثوب المحرم دلّتا على وجوب طهارته من كلّ نجاسة وإن كانت ممّا يعفى عنها في الصلاة. وأمّا صحيحة حَرِيز فظاهرهم أنهم فهموا منها الجنس. وثوب القطن الساتر الحلال مثلاً تصحّ في جنسه الصلاة ، وبطلانها فيما كان متنجّساً إنما هو لأن مصاحبة المصلّي لنجاسة لا يعفى عنها في بدنه وثوبه مبطلة ، فالمانع عارض.

ولذا فرّق الشهيد (٥) بين ما لا تتمّ فيه الصلاة ؛ كالتكّة النجسة وبين كونه ممّا لا يؤكل لحمه ، بأن الأوّل عارض وهذا ذاتيّ ، فيجوز الصلاة في الأوّل دون الثاني وإن كان جواز الأوّل لا يخلو من إشكال. فيحتمل خروج ثوب المحرم النجس عن مدلولها. ويحتمل دخوله في مفهومها بأن تقول : هذا ثوب لا تصحّ الصلاة فيه ولو

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٢٧ ، ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤ / ٩ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٠ ، ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٦ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٦ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٧ ، ح ١.

(٤) مدارك الأحكام ٧ : ٢٧٥.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٩ ـ ٤٠ ( حجريّ ) ، بالمعنى.

٢٥٧

بسبب العارض ، فلا يصحّ الإحرام فيه ، والتعميم للعارض هو ظاهرها. والأوّل أظهر ؛ لأن ظاهر الفتوى إرادة جنس الذات دون العارض ، ولو لا عدم ظهور المخالف في وجوب طهارة ثوب المحرم مع استفادته من صحيحتي ابن عمّار لأمكنت المناقشة في هذا الحكم.

لكن استثناء نجاسة يعفى عنها في الصلاة لا دليل عليه ، فالحقّ وجوب طهارتهما من كلّ نجاسة كما أطلقه في ( الدروس ) (١) و ( الوسيلة ) (٢) وغيرهما (٣) ؛ لأن الدلالة عليه ليست من فحوى صحيحة حَرِيز ، كما عرفت.

والظاهر عدم اختصاص الحكم بالابتداء ؛ لظاهر إطلاق النصّ (٤) والفتوى. وليس بينه وبين جواز بقاء النجاسة على بدن المحرم تلازم ، فلا استبعاد في الفرق. على أن الاستبعاد يتلاشى بعد كون الأصل الجواز في نجاسة البدن بلا معارض ، وقيام الدليل على وجوب طهارة الثوب.

وأمّا جلد غير المأكول اللحم ممّا له نفس سائلة ، وشعره ، وصوفه ، ووبره ، وريشه ، فلا تصحّ الصلاة فيه إذا كان لباساً ولو خاتماً أو سيراً كالسوار بذاته ، فجنسه لا تصحّ فيه الصلاة ، ولا يجوز لبسه للمحرم ولو كان زائداً على ثوبيه إجماعاً في الكلّ ، وللنصّ (٥) الصريح فيه في الصلاة ، وصحيحة حَرِيز المتقدّمة (٦) في الإحرام.

أمّا لو لم يكن لباساً كالشعرات الملقاة على الجسد أو الثوب ، وكاللبن والمخاط واللعاب المتلطّخ به الجسد أو الثوب وشبهها ، فالمشهور بطلان الصلاة فيه. وليس لأنه لو كان على الثوب جاعلاً جنسه جنس ما لا تصحّ الصلاة فيه بالأصالة ، بل لأن

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٤٤.

(٢) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٦٣.

(٣) النهاية : ٢١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٦ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٦٣ ، أبواب الإحرام ، ب ٣٠ ، ح ٢ ، و ١٢ : ٤٧٦ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٣٧ ، ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٤ : ٣٥٢ ـ ٣٥٥ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٥ و ٦ و ٧.

(٦) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٩ ، أبواب الإحرام ، ب ٢٧ ، ح ١.

٢٥٨

مصاحبته في الصلاة مبطلة ، فليس ثوب الإحرام إذا كان عليه شي‌ء منها من جنس ما لا تصحّ الصلاة فيه ؛ لعروض المانع من الصلاة. ولم يدلّ دليل من نصّ أو إجماع على المنع من الإحرام فيه حينئذٍ. والأصل واستصحاب حال المحرم قبل الإحرام ؛ [ يقتضيان (١) ] الجواز بلا معارض. ويؤكّده ما في صحاح الأخبار أن المحرمة تلبس المَسَك والمسكة. وفي ( القاموس ) : ( إنها الأسورة والخلاخيل من القرون والعاج ) (٢).

وفي ( مجمع البحرين ) : ( المَسَك بالتحريك ـ : أسورة من ذبل أو عاج. والذبل : شي‌ء كالعاج ، ويقال : إنه قرن الأوعال ) (٣).

وفي ( المصباح ) : ( المَسَك بفتحتين ـ : أسورة من ذبل أو عاج ) (٤). وفيه : ( الذبل : شي‌ء كالعاج ، وقيل : إنه ظهر السلحفاة البحريّة ) (٥) ، انتهى.

وفي ( القاموس ) : ( الذبل : جلد السلحفاة البحريّة أو البريّة ، أو عظام ظهر دابّة بحريّة ) (٦).

ولكن هذا يشعر بجواز مصاحبته حال الصلاة ، ولعلّه حينئذٍ مخصوص بما إذا لم يكن من أجزاء غير مأكول اللحم حال الصلاة ، أمّا حال الإحرام فلا مانع منه.

وأمّا جلد الميتة مطلقاً فلا يجوز لبسه في الصلاة بذاته بالنصّ (٧) والإجماع ، ولا الإحرام فيه بالإجماع ، ولأنه من جنس ما لا يصلّى فيه ، ولا مصاحبته في الصلاة مطلقاً. والأخبار به متكثّرة بلا معارض يعتدّ به ، ولم يقم دليل على عدم جواز مصاحبته للمحرم بأي وجه كان ، والأصل والاستصحاب [ يقتضيان (٨) ] جوازه أيضاً.

ويجوز الصلاة في شعر الميتة ووبرها وصوفها وريشها مع الطهارة مطلقاً ؛ فيجوز الإحرام فيه ومعه مطلقاً. وكذلك جلد ما يؤكل لحمه تصحّ الصلاة فيه اختياراً ؛

__________________

(١) في المخطوط : ( يقتضي ).

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٦٥ المسك.

(٣) مجمع البحرين ٥ : ٢٨٨ مسك.

(٤) المصباح المنير : ٥٧٣ مسك.

(٥) المصباح المنير : ٢٠٦ ذبل.

(٦) القاموس المحيط ٣ : ٥٥٥ ذبل.

(٧) وسائل الشيعة ٤ : ٣٤٣ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ١.

(٨) في المخطوط : ( يقتضي ).

٢٥٩

فيجوز الإحرام فيه اختياراً ولو كان ملبوساً ولو كان هو الساتر وحده.

أمّا الأوّل ؛ فللأخبار الكثيرة ، منها ما دلّ على جواز الصلاة في فرو الخزّ (١) ، وعليه الإجماع ونقله مستفيض ، والأخبار والفتاوى مطلقة ؛ فيعمّ ما لو كان وحده. وكذا الفتوى من القائلين بجواز الصلاة في فرو السنجاب والحواصل (٢) ، وما دلّ عليه من الأخبار مطلقان ، بل إطلاق النصوص (٣) والفتوى (٤) المجمع عليه بصحّة الصلاة في جلد ما يؤكل لحمه تعمّ ما لو كان وحده. بل قال القاشانيّ في ( شرح المفاتيح ) : ( لا تأمّل في صحّة الستر في الأديم ممّا لا يعدّ ثوباً ).

ذكره في بحث وجوب ستر العورة في الصلاة ، وهو كما قال ؛ لعدم الدليل على حصر الساتر في الصلاة فيما خرج عنه ، وللأصل ، ولاستصحاب صحّة ستر العورة قبل الصلاة به.

فإذا تبيّن هذا قلنا : [ كلّ ما (٥) ] تصحّ الصلاة في جنسه يصحّ الإحرام فيه ، فلا مجال للتوقّف في صحّة الإحرام فيه. هذا مع أن الأصل الإباحة.

وأمّا الذهب ، والمذهّب ، والثوب المحوك فيه ولو طلاءً ، فحرام لبسه على الرجل ولو كان مُحِلّاً ، وتبطل به الصلاة ، ولا تضرّ مصاحبته مطلقاً حتّى في الصلاة والإحرام ؛ للأصل وللأخبار الواردة بجواز شدّ الهميان والمنطقة فيها النفقة للمحرم (٦). وهو يعمّ حتّى حالة كونه مصلّياً.

ولِمَا ورد أن المعصوم سلام الله عليه شدّ أضراسه بسيم من الذهب (٧). ولم يرد أنه ينزعه حال الصلاة ولا حال الإحرام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٣٥٩ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٨.

(٢) النهاية : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٨٢ ـ ٨٣ ، منتهى المطلب ١ : ٢٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ٣٤٥ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٢.

(٤) المبسوط ١ : ٨٢ ، منتهى المطلب ١ : ٢٣٠.

(٥) في المخطوط : ( كما ).

(٦) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٩١ ، أبواب تروك الإحرام ، ب ٤٧.

(٧) الكافي ٦ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ / ٣ ، وسائل الشيعة ٤ : ٤١٦ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٣١ ، ح ١.

٢٦٠