ويذمونه على فعل آخر ، وهكذا ، ولو كانت الأفعال الصادرة منهم غير اختيارية كما هو مختار الأشاعرة ومذهب الفلاسفة ، فلا معنى لاستحقاقهم المدح والثواب عليها تارةً ، والذم والعقاب اخرى. ومن هنا لايستحقّون ذلك على الفعل الصادر منهم بغير اختيار ، وأ نّهم يفرّقون بين الأفعال الاختيارية وغيرها ، فلو كانت الأفعال بشتّى أنواعها وأشكالها غير اختيارية ، فما هو سبب هذه التفرقة وحكمهم باستحقاق المدح أو الذم في بعضها دون بعضها الآخر. ومن الطبيعي أنّ كل ذلك يكشف بصورة قاطعة عن بطلان نظريّة الجبر وصحّة نظريّة الاختيار.
الخامس : ما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدسسره وإليك نصّه : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدّماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللاّزمة لخصوص ذاتهما ، فانّ السعيد سعيد في بطن امّه ، والشقي شقي في بطن امّه ، والناس معادن كمعان الذهب والفضّة كما في الخبر ، والذاتي لا يعلل ، فانقطع السؤال أنّه لم جعل السعيد سعيداً والشقي شقياً ، فانّ السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك ، وإنّما أوجدهما الله تعالى ، قلم إينجا رسيد سر بشكست (١).
وملخّص كلامه قدسسره هو أنّ العقاب ليس من معاقب خارجي حتّى يلزم المحذور المتقدم ، بل هو من لوازم الأعمال السيِّئة التي لا تنفك عنها ، فان نسبة العقاب إلى العمل كنسبة الثمر إلى البذر ، ومن الطبيعي أنّ البذر إذا كان صحيحاً كان نتاجه صحيحاً ، وإذا كان فاسداً كان نتاجه فاسداً ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ تلك الأعمال تنتهي بالأخرة إلى الشقاوة التي هي
__________________
(١) كفاية الاصول : ٦٨.