وذهب وأدى تمام المناسك ، فالعرف يرى أولوية إسناد هذا العمل إلى من هيّأ له المقدمات دون فاعله. وأمّا لو استغلّ هذا الشخص الطائرة وذهب بها إلى مكان لا يرضى الله ورسوله به وعمل ما عمل هناك ، فالفعل في نظر العرف مستند إلى فاعله مباشرةً دون من هيّأ المقدّمات له.
وكذلك الحال في أفعال العباد ، فان كافّة مبادئها من الحياة والقدرة ونحوهما تحت مشيئته تعالى وإرادته كما عرفت سابقاً ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى :
أنّ الله تعالى قد بيّن طريق الحق والباطل ، والهداية والضلال ، والسعادة والشقاوة ، وما يترتب عليهما من دخول الجنّة والنار بارسال الرسل وإنزال الكتب.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي أنّ الله تعالى يعطي تلك المبادئ والمقدّمات لهم ليصرفوها في سبل الخير وطرق الهداية والسعادة ويرتكبوا بها الأفعال الحسنة ، لا في سبل الشر وطرق الضلالة والشقاوة ، وعندئذ بطبيعة الحال الأفعال الصادرة منهم إن كانت حسنة ومصداقاً لسبل الخير وطرق الهداية لكان استنادها في نظر العرف إلى الله تعالى أولى من استنادها إليهم ، وإن كانت قبيحةً ومصداقاً لسبل الشرّ وطرق الضلالة ، لكان استنادها إليهم أولى من استنادها إليه ( سبحانه وتعالى ) وإن كان لا فرق بينهما في نظر العقل.
وعلى هذا نحمل ما ورد في بعض الروايات بهذا المضمون « إنِّي أولى بحسناتك من نفسك وأنت أولى بسيِّئاتك منّي » (١) فانّ النظر فيه إلى ما ذكرناه من التفاوت في نظر العرف دون النظر الدقي العقلي. وهذا لا ينافي ما حققناه من صحّة استناد العمل إلى الله تعالى وإلى فاعله المباشر حقيقةً.
__________________
(١) اصول الكافي ١ : ١٦٠ ح ١٢.