المعلول عن العلّة وإن كان يحتاج إلى وجود مرجّح ، إلاّ أنّ المرجّح عبارة عن وجود التناسب بينهما ، وبدونه يستحيل صدوره منها. وعلى هذا الأساس لا محالة يكون وجود العالم بهذا الشكل والترتيب الخاص معلولاً لعلّة مناسبة له وإلاّ استحال وجوده كذلك.
وبكلمة اخرى : قد تقدّم (١) أنّ تأثير العلّة في المعلول على ضوء قانون التناسب بينهما ، وعليه فالتناسب الموجود بين العالم وعلّته لا يخلو من أن يكون موجوداً بين وجوده بهذا الشكل ووجود علّته أو يكون موجوداً بين وجوده بشكل آخر ووجود علّته ، ولا ثالث لهما ، فعلى الأوّل يجب وجوده بالشكل الحالي ويستحيل وجوده بشكل آخر ، وعلى الثاني عكس ذلك ، وحيث إنّ العالم قد وجد بهذا الشكل فنستكشف عن وجود المرجّح فيه لا في غيره.
الثانية : قد عرفت أنّ للفعل الصادر من العبد إسنادين حقيقيين :
أحدهما : إلى فاعله مباشرة.
وثانيهما : إلى معطي مقدّماته ومبادئه التي يتوقف الفعل عليها ، وهو الله ( سبحانه وتعالى ).
ولكن قد يكون إسناده إلى الله تعالى أولى في نظر العرف من إسناده إلى العبد ، وقد يكون بالعكس ، ولتوضيح ذلك نأخذ بمثال : وهو أنّ من هيّأ جميع مقدّمات سفر شخص إلى زيارة بيت الله الحرام مثلاً من الزاد والراحلة ونحوهما وسعى له في إنجاز تمام مهماته وقد أنجزها حتّى أحضر له سيّارةً خاصّة أو طائرة فلم يبق إلاّ أن يركب فيها ويذهب بها إلى الحج ، فعندئذ إذا ركب فيها
__________________
(١) في ص ٤٠١.