الامتنان ، إذ لولاه لوقع الإنسان موقع التنفّر والاستقذار ، فالآية ناظرة إلى بيان هذا المعنى لا بمعنى أن الماء مطهّر من النجاسات المصطلحة المبحوث عنها في المقام ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية والمتشرعية في شيء من الطهارة والطهور ، بل ولعلّ أحكام النجاسات لم تكن ثابتة في الشريعة المقدسة حين نزول الآيتين أصلاً ، حيث إن تشريع الأحكام كان على نحو التدريج لا محالة.
ويؤيد ذلك أن الآيات القرآنية لم تشتمل على شيء من عناوين النجاسات وقذارتها إلاّ في خصوص المشركين لقوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (١). على أن فيه أيضاً كلاماً في أن المراد بالنجس هل هو النجاسة الظاهرية المصطلحة ، أو أنه بمعنى النجاسة المعنوية وقذارة الشرك كما يناسبها تفريعه تعالى بقوله ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) فإنّ النجس الظاهري لا مانع من دخوله وإدخاله المسجد على المعروف كما يأتي في محلّه.
وكيف كان فلا دلالة في الآيتين على المطلوب. أجل ، لا نضايق من إلحاق النجاسة الحدثية أعني الجنابة بالأقذار العرفية في دلالة الآية على طهورية الماء بالإضافة إليها والوجه في ذلك : أن الصلاة كانت مشروعة من ابتداء الشريعة المقدسة قطعاً ولا صلاة إلاّ بطهور ، وقد استعمل الطهور في الاغتسال عن الجنابة في قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) فإنّه في مقابل التيمم عن الجنابة عند عدم وجدان الماء في قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) وبهذا نلحق الاغتسال عن الجنابة إلى مفاد الآيتين ، كما يناسبه مورد الآية الثانية ، فمعناها : أن الله أنزل عليكم الماء ليزيل عنكم أقذاركم من الدماء والأوساخ الطارئة في الجدال ، وأحداثكم إذا ابتليتم بالجنابة.
وقد يقال : إن المراد بالطهور في الآية الاولى هو المطهّر من الأحداث والأخباث كما
__________________
(١) التوبة ٩ : ٢٨.
(٢) المائدة ٥ : ٦.