متناقضة ، ومتباينة ، حتى الصحابة مع بعضهم البعض في كثير من المسائل ، فما الذي يكون حجة منها ؟ وكيف ؟ مع أنه لم ينقل لهم رأي في ذلك ، لا أنه قد نقل لهم رأي مخالف بالنسبة للأعياد.
٥ ـ ولو سلم صلاحية منعهم من زيارة القبور للاستدلال به ، فإنَّما يقتصر على مورده ، وهو زيارة القبور فحسب ، ولا يصلح للاستدلال به على تحريم الاحتفال بعيد الاستقلال مثلا ..
٦ ـ وأمّا قولهم : إنَّ السلف كانوا أكثر حبّاً لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم منّا فهو ينافي قول النبيِّ (ص) : إنه سيأتي أقوام يحبونه أكثر من حب أصحابه له ، ونقل ذلك أيضا عن عمار بن ياسر. ١
٧ ـ هذا كله .. عدا أنه لا يلزم على السَّلف أن يعملوا بجميع المباحات ، أو حتى بجميع المستحبات.
٨ ـ أضف إلى ذلك : أنَّ السلف إذا تأوَّلوا ـ خطأ ـ حديث : « لا تتخذوا قبري عيداً » على ذلك ، فامتنعوا من عمل الموالد والذكريات. فلو أدركنا نحن خطأهم في فهم النص أو في الاستظهار منه كان لنا مخالفتهم ، بعد أن فرضنا : أنَّ باب الاجتهاد كان ولا يزال مفتوحا ، حسبما اعترف به ابن تيمية الذي حكم بالأجر لمن اجتهد في هذا الأمر وأخطأ.
٩ ـ أمّا تفسير الآيات القرآنية ... فقد جاء النص ليؤكد ويصرح بأنَّ القرآن إنَّما يفهم مع تمادي القرون والأزمان حيث تتضح مداليله ، وتظهر معالمه ، فبعد ان روى ابن المبارك حديث : أنّه ما من آية في كتاب الله إلا ولها ظهر وبطن ، ولكل حد مطلع ، قال : « سمعت غير واحد في هذا الحديث : ما في كتاب الله آية إلّا ولها ظهر وبطن يقول : لها تفسير ظاهر ، وتفسير خفي ، ولكل حد مطلع. يقول يطلع عليه قوم فيستعملونه على تلك المعاني ، ثم يذهب ذلك القرن ، فيجيءُ قرن آخر ، فيطلعون منها على معنى آخر ، فيذهب ما كان عليه من كان قبلهم ، فلا يزال الناس على ذلك إلى يوم القيامة .. الخ. ٢
__________________
١ ـ راجع : مجمع الزوائد / ج ١٠ / ص ٦٦ ، عن أحمد والبزار والطبراني ، عن أبي ذر وأبي هريرة عنه (ص) ، وعن عمار بن ياسر ، وكنز العمال / ج ٢ / ص ٣٧٤ عن ابن عساكر ، عن أبي هريرة ..
٢ ـ الزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد / ص ٢٣ ، ولتوضيح ذلك لا بأس بمراجعة كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلَّى الله عليه وآله وسلم / ج ١ / ص ٢٠٠ ـ ٢١٦.