أمّا أن يطبقها على الآخرين بأشخاصهم وأعيانهم ، فليس له ذلك ، إلّا في الحدود التي أجازها الاسلام ، ولم ير فيها ما يتنافى مع ايٍّ من أصوله وقواعده ... أي في خصوص الموارد التي قبل بها الآخرون ، وأقرّوا بانطباقها على أَنْفُسِهِمْ وفق الضوابط العامة التي يعرفها ويُقِرُّ بها الجميع ...
هذا على الرغم من أن الحق ربما يكون مُرّاً ، أَو مُخجلا لكثير من أولئك الذين اختاروا الانحراف عن جادة الحق ، والابتعاد عن الطريقة القويمة ، والخطة السليمة المستقيمة.
نعم ... لربما تمسُّ الحاجة ـ وذلك كثير في القرآن أيضاً ـ إلى تصعيد التحدِّي ، إلى حدِّ التلويح أو التصريح بما لَو لَمْ يبادر الى التلميح والتصريح به لكان خطراً على الاسلام وعلى قواعده ومبانيه من الأساس.
ولكنها تكون حالات استثنائية ـ يعقبها الاستدلال والتفهيم مباشرة ـ ولا يمكن أن تتخذ الصفة الطبيعية التي يفترض جعلها أساسا للتحرك في المجال العام للدعوة الاسلامية.
هذا كله ... لو لم نقل : إن المنطلق الاسلامي لكل حوار منصف وهادف وبنّاء هو قوله تعالى : « وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ » ... ١.
حيث يريد سبحانه أن يهيِّئ الطرف الآخر للبحث العلمي ، القائم على أساس الدليل ، الساطع ، والبرهان ، القاطع ، بعيداً عن أجواء التشنّج الانفعال والشك والريب.
ولعل هذا بالذات هو المقصود من المجادلة بالتي هي أحسن ... حسبما نصَّت عليه الآية آنفة الذكر.
ونجد الى جانب ذلك :
أن طريقة أئمتنا عليهم الصلاة والسلام وخطهم لَمْ تتعدَّ النهج ، وذلك تأسِّياً منهم الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلم ، والتزاماً منهم بالهداية القرآنية الرائدة ...
__________________
١ ـ سبأ : ٢٤.