وأمّا بالنسبة للرواية المنسوبة للإمام السجَّاد عليه السلام ، وقريب منها الرواية المنسوبة لحسن بن الحسن والتي مفادها : أنه عليه السلام حينما لاحظ ذلك الرجل يأتي كل غداة فيزور قبر النبي (ص) ويصلي عليه حدثه عليه السّلام عن النبي صلَّى الله عليه وآله أنه قال :
« لا تجعوا قبري عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وصلُّوا علي وسلِّموا حيئما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم ». ١
فإن هذه الرواية ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام قد لاحظ : أن ذلك الرجل قد ألزم نفسه بأمر شاق ، وهو المجيء يوميا للصلاة عليه صلَّى الله عليه وآله وزيارته ، فأراد عليه السلام التخفيف عنه ، وإفهامه : أنَّ بإمكانه الصلاة والتسليم عليه صلَّى الله عليه وآله حيثما كان ، فسيبلغه ذلك ، فلا داعي لإلزام نفسه بما فيه كلفة ومشقة. ولم ينهه عن الصلاة والدعاء عند قبره صلَّى الله عليه وآله. ٢
وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن أيضا ..
وأمّا ما ذكره البعض من أنَّ مراده عليه السّلام : أنَّ قصد القبر للدعاء ونحوه اتخاذ له عيداً .. كما أن حسن بن حسن شيخ أهل بيته (على حد تعبير هذا البعض) قد كره للرجل أن يقصد القبر للسَّلام عليه ونحوه ، عند غير دخول المسجد ، ورأى أنَّ ذلك من اتخاذه عيداً .. إلى أن قال : « .. والعيد إذا جعل ٱسما للمكان ، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده ، أو لغير العبادة كما أنَّ المسجد الحرام ، ومنى ، ومزدلفة وعرفة ، جعلها الله عيداً مثابة للناس ، يجتمعون فيها وينتابونها للدُّعاء ، والذكر والنسك ». ٣
أمّا .. ما تقدم .. فإنه لا ينسجم مع سياق الحديث ، وما ذكرناه هو الظاهر منه ، ولا أَقَلَّ هو محتمل بحيث يبطل به الاستدلال .. حسبما أوضحناه فيما سبق ، بالنسبة لخصوص فقرة : لا تجعلوا قبري عيدا .. وأما بالنسبة لما أراده الامام
__________________
١ ـ قد تقدمت مصادر الرواية في ضمن مصادر رواية ابن داود عن أبي هريرة : لا تتخذوا قبري عيدا.
٢ ـ أشار الى ذلك أيضا في شفاء السقام / ص ٦٦ ، والصارم المنكي / ص ٢٨١ و ٢٩٨.
٣ ـ راجع : الصارم المنكي / ص ٢٩٨ عن ابن تيمية. وقد تقدم بعض ما يشير الى ذلك في ضمن ما نقلناه من استدلالاتهم في الفصل السابق.